فجعله الملك على خزائن الارض وولاه اياها. قال تعالى نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع اجر المحسنين وكذلك اي بهذه الاسباب والمقدمات المذكورة مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء في عيش رغد المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. يا صاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمرا يسلب فتأكل الطير من رأسه. قضي الامر الذي فيه تستفتيان. يا صاحبي السجن اما احدكما وهو الذي رأى انه يعصر خمرا فانه يخرج من السجن فيسقي ربه خمرا. اي يسقي سيده الذي كان يخدمه خمرا. وذلك مستلزم خروجه من السجن. واما الاخر وهو الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه. فيصلب فتأكل الطير من رأسه. فانه عبر عن الخبز الذي تأكله الطير بلحم رأسه وشحمه وما فيه من المخ. وانه لا يقبر ويستر عن الطيور. بل يصلب ويجعل في محل تتمكن الطيور من اكله ثم اخبرهما بان هذا التأويل الذي تأوله لهما انه لا بد من وقوعه فقال قضي الامر الذي فيه تستفتيه اي تسألان عن تعبيره وتفسيره. وقال للذي ظن انه ناج منه مذكرني عند ربي فانساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بالضاصنين اي وقال يوسف عليه السلام لله الذي ظن انه ناج منهما وهو الذي رأى انه يعصر خمرا اذكرني عند ربك. اي اذكر له شأني وقصتي. لعله يرق لي فيخرجني مما انا فيه فانساه الشيطان ذكر ربه. اي فانسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى. وذكر ما يقرب اليه من جملة ذلك نسيانه ذكرى يوسف. الذي يستحق ان يجازى باتم الاحسان. وذلك ليتم الله امره وقضاءه. فلبث في السجن بضع سنين والبضع من الثلاث الى التسع. ولهذا قيل انه لبث سبع سنين. ولما اراد الله ان يتم امره. ويأذن باخراج يوسف من السجن قدر لذلك سببا كان سببا لاخراج يوسف وارتفاع شأنه واعلاء قدره. وهو رؤيا الملك يا ايها الملأ افتوني يا ايها الملأ افتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون لما اراد الله تعالى ان يخرج يوسف من السجن ارى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة الذي تأويلها يتناول جميع الامة ليكون تأويلها ما على يد يوسف في ظهر من فضله ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين. ومن التقادير المناسبة ان الملك الذي ترجع اليه اموره الرعية هو الذي رآها لارتباط مصالحها به. وذلك انه رأى رؤيا هالته. فجمع لها علماء قومه وذوي الرأي منهم. وقال قال اني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع اي سبع من البقرات عجاف وهذا من العجب ان السبع العجاب التي سقطت قوتهن يأكلن السبع السمان التي كن نهاية في القوة. ورأيت سبع سنبلات خضر يأكلهن سبع سنبلات اليابسات يا ايها الملأ افتوني في رؤياي. لان تعبير الجميع واحد وتأويله شيء واحد. ان كنتم للرؤيا تعبرون فتحيروا ولم يعرفوا لها وجها. وقال اضغاث احلام اي احلام لا حاصل لها ولا لها تأويل. وهذا جزم منهم بما لا يعلمون. وتعذر منهم بما ليس بعذر. ثم ثم قالوا وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين. اي لا نعبر الا الرؤيا واما الاحلام التي هي من الشيطان او من حديث النفس. فانا لا اعبرها فجمعوا بين الجهل والجزم بانها اضغاث احلام. والاعجاب بالنفس بحيث انهم لم يقولوا لا نعلم تأويلها. وهذا من الامور التي لا تنبغي لاهل الدين والحجاء. وهذا ايضا من لطف الله بيوسف عليه السلام. فانه لو عبرها ابتداء قبل ان يعرضها على الملأ من قومه علمائهم فيعجزوا عنها لم يكن لها ذلك الموقع. ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب. وكان الملك مهتما لها غاية عبرها يوسف وقعت عنده موقعا عظيما. وهذا نظير اظهار الله فضل ادم على الملائكة بالعلم. بعد ان سألهم فلم يعلموا. ثم سأل ادم فعلمهم اسماء كل شيء. فحصل بذلك زيادة فضله. وكما يظهر فضل افضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة ان يلهم الله الخلق ان يتشفعوا بادم. ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام. فيعتذرون عنها ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول انا لها انا لها فيشفع في جميع الخلق وينال ذلك المقام المحمود الذي يغبطه به الاول الاولون والاخرون. فسبحان من خفيت الطافه ودقت في ايصاله البر والاحسان الى خواص اصفيائه واوليائه. وقال الذين منهما وادكر بعد امة انا انبئكم بتأويله فارسلون. وقال الذي نجا منهم اي من الفتيين وهو الذي رأى انه يعصر خمرا وهو الذي اوصاه يوسف ان يذكره عند ربه وادكر بعد امه. اي وتذكر يوسف هو ما جرى له في تعبيره لرؤياهما. وما وصاه به وعلم انه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة من السنين. فقال انا انبئكم بتأويله فارسلوني الى يوسف لاسأله عنها. فارسلوه فجاء اليه ولم يعنفه يوسف على نسيانه. بل استمع يسأله عنه واجابه عن ذلك فقال كلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات لعلي ارجع الى يوسف ايها الصديق اي كثير الصدق في اقواله وافعاله. افتنا في سبع بقرات سمان ان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات. لعلي ارجع الى الناس لعلهم يعلمون. فانهم متشوقون تعبيرها وقد اهمتهم فعبر يوسف السبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر بانهن سبع سنين محصبات والسبع البقرات العجاف والسبع السنبلات اليابسات. بانهن سنين مجدبات. ولعل وجه ذلك والله اعلم ان الخصب والجدب لما كان الحرف كن مبنيا عليه وانه اذا حصل الخصم قويت الزروع والحروف وحسن منظرها وكثرت غلالها والجذب بالعكس من ذلك. وكانت البقر وهي التي تحرث عليها الارض وتسقى عليها الحروف في الغالب. والسنبلات هي اعظم الاقوات وافضلها. عبرها بذلك لوجود المناسبة. فجمع في تأويلها بين التعبير والاشارة لما يفعلونه. ويستعدون به من التدبير في سني الخصب الى سني الجدب. فقال تزرعون سبع سنين حين دأب اي متتابعات فما حصدتم من تلك الزروع فذروه اي اتركوه في سنبله لانه ابقى له وابعد عن الالتفات اليه الا قليلا مما تأكلون. اي دبروا ايضا اكلكم في هذه السنين الخصبة. وليكن قليلا ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقته كل ما قدمتم لهن الا قليلا تحسنون. ثم يأتي من بعد ذلك اي بعد تلك السنين السبع المخصبات سبع شداد اي مجذبات جدا. يأكلن ما قد قدمتم لهن ان يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيرا. الا قليلا مما تحسنون. اي تمنعونه من التقديم لهن ثم يأتي من بعد ذلك اي بعد السبع الشداد عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. اي فيه تكثر الامطار والسيول وتكثر الغلات وتزيد على اقواتهم حتى انهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على اكلهم. ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب. مع انه غير مصرح به في رؤيا الملك. لان انه فهم من التقدير بالسبع الشداد ان العام الذي يليها يزول به شدتها. ومن المعلوم انه لا يزول الجذب المستمر سبع سنين متواليات الا بعام مخصب جدا والا لما كان للتقدير فائدة. فلما رجع الرسول الى الملك والناس واخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا من ذلك وفرحوا بها اشد الفرح. وقال الملك ائتوني به فلما يقول تعالى وقال الملك لمن عنده ائتوني به اي بيوسف عليه السلام بان يخرجوه من السجن ويحضروه الى فلما جاء يوسف الرسول وامرهم بالحضور عند الملك امتنع عن المبادرة الى الخروج حتى تتبين برائته التامة وهذا من وعقله ورأيه التام. فقال للرسول ارجع الى ربك يعني به الملك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن فيسألهما شأنهن وقصتهن. فان امرهن ظاهر متضح. ان ربي بكيدهن عليم. فاحضرهن الملك. وقال قلنا قالت امرأة العزيز الان حصحص الحق وانا راودته عن نفسه وانه لمن ما خطبكن اي شأنكن اذ راودتن يوسف عن نفسه فهل رأيتن منه ما يريب؟ فبرأنه ان حاش لله ما علمنا عليه من سوء. اي لا قليل ولا كثير. فحينئذ زال السبب الذي تنبني عليه التهمة. ولم يبقى الا ما عند امرأة العزيز فقالت امرأة العزيز الان حصحص الحق اي تمحض وتبين بعد ما كنا ندخل معه من السوء والتهمة ما اوجب له السجن. انا عن نفسه وانه لمن الصادقين في اقواله وبراءته ذلك الاقرار الذي اقررت اني راودت يوسف ليعلم اني لم اخنه بالغيب. يحتمل ان مرادها بذلك زوجها. اي ليعلم اني حين اقررت اني راودت يوسف اني لم اخنه طيب اي لم يجري مني الا مجرد مراودة. ولم افسد عليه فراشه. ويحتمل ان المراد بذلك ليعلم يوسف حين اقررت اني انا الذي راودته وانه صادق اني لم اخنه في حال غيبته عني. وان الله لا يهدي كيد الخائنين. فان كل خائن لا بد ان تعود خيانته ومكرهه على نفسه ولابد ان يتبين امره. ثم لما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها. وانه لم يجري منها ذنب في شأن يوسف ادركت فقالت وما ابرئ نفسي اي من الغدة والهم والحرص الشديد والكيد في ذلك. ان النفس لامارة بالسوء. اي لكثيرة الامر لصاحبها بالسوء. اي الفاحشة وسائر الذنوب فانها مركب الشيطان. ومنها يدخل على الانسان الا ما رحم ربي فنجاه من نفسه الامارة. حتى صارت نفسه مطمئنة الى ربه من قادة لداعي الهدى متعاصية عن داعي الردى. فذلك ليس من النفس بل من فضل الله ورحمته بعبده. ان ربي غفور رحيم اي هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي اذا تاب واناب رحيم بقبول توبته وتوفيقه للاعمال الصالحة وهذا فهو الصواب ان هذا من قول امرأة العزيز لا من قول يوسف فان السياق في كلامها ويوسف اذ ذاك في السجن لم يحضر. فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التامة ارسل اليه الملك وقال الملك ائتوني به يستخلص لنفسي ائتوني به استخلصه لنفسي اي اجعله خصيصة لي ومن لدي فاتوه به مكرما محترما. فلما كلمه اعجبه كلامه وزاد موقعه عنده. فقال له انك اليوم لدينا اي عندنا مكين امين. اي متمكن امين على الاسرار. فقال يوسف طلبا للمصلحة العامة خزائن الارض اني حفيظ عليم. اجعلني على خزائن الارض اي على خزائن جبايات الارض وغلالها وكيلا حافظا مدبرا. اني حفيظ عليم. اي حفيظ للذي اتولاه فلا يضيع منه شيء في غير محله. وضابط للداخل والخارج عليم بكيفية التدبير والاعطاء والمنع والتصرف في جميع انواع التصرفات. وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية. وانما هو رغبة منه في النفع العام وقد عرف من نفسه من الكفاءة والامانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه. فلذلك طلب من الملك ان يجعله على خزائن الارض نعمة واسعة وجاه عريض. نصيب برحمتنا من نشاء. اي هذا من رحمة الله بيوسف التي اصابه بها وقدرها له. وليست على نعمة الدنيا ولا نضيع اجر المحسنين. ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين. فله في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة ولهذا قال الدنيا للذين امنوا وكانوا يتقون. اي لمن جمع بين التقوى والايمان. فبالتقوى تترك الامور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها وبالايمان التام يحصل تصديق القلب بما امر الله بالتصديق به وتتبعه اعمال القلوب واعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات