المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي فلما تجهز يعقوب واولاده واهلهم اجمعون. وارتحلوا من بلادهم قاصدين الوصول الى يوسف في مصر وسكناها. فلما وصلوا اليه ودخلوا على يوسف اوى اليه ابويه. ايضاهما اليه واختصهما بقربه. وابدى لهما من البر والاكرام والتبجيل والاعظام شيئا عظيما. وقال لجميع اهله ادخلوا مصر ان شاء الله امنين من جميع المكاره والمخاوف فدخلوا في هذه الحال السارة وزال عنهم النصب ونكدوا المعيشة وحصل السرور والبهجة. ورفع ابويه على العرش وقال يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ان ربي لطيف لما يشاء ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم. ورفع ابويه على العرش اي على سرير الملك ومجلسي العزيز وخروا له سجدا. اي ابوه وامه واخوته سجودا على وجه التعظيم والتبجيل والاكرام. وقال لما رأى هذه ورأى سجودهم له. يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل. حين رأى احد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين هذا وقوعها الذي الت اليه ووصلت قد جعلها ربي حقا. فلم يجعلها اضغاث احلام. وقد احسن بي احسانا جسيما اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام حيث ذكر حاله في السجن ولم يذكر حاله في الجبن لتمام عفوه عن اخوته وانه لا يذكر ذلك الذنب وان اتيانكم من البادية من احسان الله الي. فلم يقل جاء بكم من بالجوع والنصب ولا قال احسن بكم. بل قال احسن بي جعل الاحسان عائدا اليه. فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عبادة ويهب لهم من لدنه رحمة. انه هو الوهاب. من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي. فلم يقل نزغ الشيطان اخوتي بل كأن الذنب والجهل صدر من الطرفين. فالحمد لله الذي اخز الشيطان ودحره. وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة. ان ربي لطيف لما يشاء. يوصل بره واحسانه الى العبد من حيث لا يشعر. ويوصله الى المنازل الرفيعة من امور يكرهها. انه هو العليم الذي يعلم ظواهر الامور وبواطنها وسرائر العباد وضمائرهم. الحكيم في وضعه الاشياء مواضعها. وسوق هذه الامور الى اوقاتها المقدرة لها وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين. لما اتم الله ليوسف ما اتم من التمكين في الارض والملك. واقر عينه بابويه واخوته. وبعد العلم العظيم الذي اعطاه الله اياه. قال مقرا بنعمة الله لها داعيا بالثبات على الاسلام. ربي قد اتيتني من الملك وذلك انه كان على خزائن الارض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك وعلمتني من تأويل الاحاديث اي من تأويل احاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم. فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة. توفني مسلما. اي ادم علي الاسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه. ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت والحقني بالصالحين من الانبياء الابرار والاصفياء الاخيار. ذلك من انباء الغيب اوحيه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. لما قص الله هذه القصة على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله له ذلك الانباء الذي اخبرناك به من انباء الغيب الذي لولا ايحاؤنا اليك لما وصل اليك هذا الخبر الجليل فانك لم تكن حاضرا لديهم اذ اجمعوا امرهم اي اخوة يوسف وهم يمكرون به حين تعاقدوا على التفريق بينهم وبين ابيه في حالة لا يطلع عليها الا الله تعالى. ولا يمكن احدا ان يصل الى علمها الا بتعليم الله له اياها كما قال تعالى لما قص قصة موسى وما جرى له ذكر الحالة التي لا سبيل للخلق الى علمها الا بوحيه. وما كنت بجانب الغربي اذ قضيت الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين الايات. فهذا ادل دليل على ان ما جاء به رسول الله حقا وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وما اكثر الناس ولو حرصت على ايمانهم بمؤمنين. فان مداركهم ومقاصدهم قد اصبحت فاسدة. فلا ينفعهم حرص الناصحين عليهم ولو عدمت الموانع ان كانوا يعلمونهم ويدعونهم الى ما فيه الخير لهم. ودفع الشر عنهم من غير اجر ولا عوض. ولو اقاموا لهم من الشواهد والايات الدالات على صدقهم ما اقاموا. ولهذا قال ان هو الا ذكر للعالمين يتذكرون به ما ينفعهم ليفعلوه. وما يضرهم ليتركوه وهم عنها معرضون. وكأين وكم من اية في السماوات والارض يمرون عليها دالة لهم على توحيد الله وهم عنها معرضون. ومع هذا ان وجد منه بعض الايمان. فلا يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون. فهم وان اقروا بربوبية الله تعالى وانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. فانهم يشركون في الله وتوحيده. فهؤلاء الذين وصلوا الى هذه الحال لم يبقى عليهم الا ان يحل بهم العذاب. ويفجأهم العقاب وهم امنون ولهذا قال افأمنوا اي الفاعلون لتلك الافعال المعرضون عن ايات الله ان تأتيهم غاشية من عذاب اي عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم او تأتيهم الساعة بغتة. اي فجأة وهم لا يشعرون. اي فانهم قد استوجبوا لذلك. فليتوبوا الى الله ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل للناس هذه في سبيل اي طريقي التي ادعو اليها وهي السبيل الموصلة الى الله والى دار كرامته. المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وايثاره واخلاص الدين لله وحده لا شريك له. ادعو الى الله اي احث الخلق والعباد الى الوصول الى ربهم. وارغبهم في ذلك رهبهم مما يبعدهم عنه. ومع هذا فانا على بصيرة من ديني اي على علم ويقين من غير شك ولا ابتراء ولا مرية. وكذلك من يعني يدعو الى الله كما ادعو على بصيرة من امره. وسبحان الله عما نسب اليه مما لا يليق بجلاله. او ينافيك جماله وما انا من المشركين في جميع اموري بل اعبد الله مخلصا له الدين. ثم قال تعالى افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف وما ارسلنا من قبلك الا رجالا. اي لم نرسل ملائكة ولا غيرهم من اصناف الخلق. فلاي شيء يستغرب قوم رسالتك ويزعمون انه ليس لك فضل عليهم فلك في من قبلك من المرسلين اسوة حسنة نوحي اليهم من اهل القرى اي لا من بل من اهل القرى الذين هم اكمل عقولا واصح اراء وليتبين امرهم ويتضح شأنهم افلم يسيروا وفي الارض اذا لم يصدقوا لقولك فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟ كيف اهلكهم الله بتكذيبهم؟ فاحذروا ان تقيموا على ما اقاموا وعليه فيصيبكم ما اصابهم. ولدار الاخرة اي الجنة وما فيها من النعيم المقيم خير للذين اتقوا الله في امتثال اوامره واجتناب نواهيه. فان نعيم الدنيا منغص منكد منقطع ونعيم الاخرة تام كامل لا يفنى ابدا بل هو على الدوام في تزايد وتواصل عطاء غير مجذوذ افلا تعقلون؟ اي افلا تكون لكم عقول تؤثر الذي هو خير على الادنى نصرنا. جاءهم نصر عن القوم المجرمين. يخبر الا انه يرسل الرسل الكرام فيكذبهم القوم المجرمون اللئام. وان الله تعالى يمهلهم ليرجعوا الى الحق. ولا يزال الله يمهلهم حتى انه تصل الحال الى غاية الشدة منهم على الرسل. حتى ان الرسل على كمال يقينهم وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده. ربما انه يخطر بقلوبهم نوع من الاياس ونوع من ضعف العلم والتصديق. فاذا بلغ الامر هذه الحال جاءهم نصرنا فنجي من نشاء وهم الرسل واتباعهم. ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين. اي ولا يرد عذابنا عمن اجترم وتجرأ على الله. فما لهم من من قوة ولا ناصر. لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب وتفصيل كل شيء لقد كان في قصصهم اي قصص الانبياء والرسل مع قومهم عبرة لاولي الالباب اي يعتبرون بها اهل الخير واهل الشر. وان من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم من كرامة او اهانة ويعتبرون بها ايضا ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة. وانه الله الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا شريك له وقوله ما كان حديثا يفترى اي ما كان هذا القرآن الذي قص الله به عليكم من انباء الغيب ما قص من الاحاديث المفترات المختلقة ولكن كان تصديق الذي بين يديه من الكتب السابقة يوافقها ويشهد لها بالصحة وتفصيل كل شيء شيء يحتاج اليه العباد من اصول الدين وفروعه. ومن الادلة والبراهين وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. فانهم بسبب ما يحصل لهم من العلم بالحق وايثاره يحصل لهم الهدى وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والاجل. تحصل لهم الرحمة. فصل في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة. التي قال الله في اولها نحن نقص عليك احسن القصص. وقال لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. وقال في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب. غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد فمن ذلك ان هذه القصة من احسن القصص واوضحها وابينها لما فيها من انواع التنقلات من حال الى حال ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة. ومن ذل الى عز ومن رق الى ملك. ومن فرقة وشتات الى اجتماع وائتلاف. ومن حزن الى سرور ومن رخاء الى جدب ومن جذب الى رخاء ومن ضيق الى سعة ومن انكار الى اقرار. فتبارك من قصها فاحسنها ووضحها او بينها ومنها ان فيها اصلا لتعبير الرؤيا. وان علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة. فان رؤيا يوسف التي رأى ان الشمس والقمر واحد عشر كوكبا له ساجدين. وجه المناسبة في فيها ان هذه الانوار هي زينة السماء وجمالها وبها منافعها. فكذلك الانبياء والعلماء زينة للارض وجمال. وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بهذه الانوار. ولان الاصل ابوه وامه واخوته هم الفرع. فمن المناسب ان يكون الاصل اعظم نورا وجرما. لما وفرع عنه. فلذلك كانت الشمس امة. والقمر اباه. والكواكب اخوته. ومن المناسبة ان الشمس لفظ مؤنث. فلذلك كانت امة والقمر والكواكب مذكرات. فكانت لابيه واخوته. ومن المناسبة ان الساجد معظم محترم للمسجود له. والمسجود له معظم المحترم فلذلك دل ذلك على ان يوسف يكون معظما محترما عند ابويه واخوته. ومن لازم ذلك ان يكون مجتبا مفضلا في العلم والفضائل لذلك ولذلك قال ابوه وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ومن المناسبة في رؤيا الفتيين انه اول لرؤيا الذي رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعصر في العادة يكون خادما لغيره. والعصر يقصد لغيره. فلذلك اوله بما يؤول اليه انه يسقي ربه وذلك متضمن لخروجه من السجن. واول الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه. بان جلدة رأسه ولحمه وما في ذلك من المخ انه هو الذي يحمله. وانه سيبرز للطيور بمحل تتمكن من الاكل من رأسه. فرأى من حاله انه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه. وذلك لا يكون الا بالصلب بعد القتل. واول رؤيا الملك للبقرات والسنبلات بالسنين المخصبة والسنين المجذبة. ووجه المناسبة ان الملك به ترتبط احوال الرعية ومصالحها. وبصلاحه تصلح وبفساده يفسد وكذلك السنون بها صلاح احوال الرعية. واستقامة امر المعاش او عدمه. واما البقر فانها تحرث الارض عليها. ويستقبل عليها الماء واذا اخصبت السنة سمنت واذا اجدبت صارت عجافا وكذلك السنابل في الخصم. تكثر وتخضر وفي الجذب تقل وتيبس وهي افضل غلال الارض. ومنها ما فيها من الادلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قص على قومه هذه القصة الطويلة وهو لم يقرأ كتب الاولين ولا دارس احدا يراه قومه بين اظهرهم صباحا ومساء وهو امي لا يخط ولا يقرأ وهي موافقة لما في الكتب السابقة وما كان لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها انه ينبغي البعد عن اسباب الشر وكتمان ما تخشى مضرته لقول يعقوب ليوسف يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. ومنها انه يجوز ذكر الانسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره لقوله فيكيدوا لك كيدا. ومنها ان نعمة الله على العبد نعمة على من يتعلق به من اهل بيته واقاربه واصحابه. وانه ربما شملتهم وحصل لهم ما حصل له بسببه. كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف. وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب. ولما تمت النعمة على يوسف حصل لال يعقوب من العز والتمكين في الارض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف. ومنها ان العدل مطلوب في كل الامور. لا في معاملة السلطان رعيته ولا فيما دونه حتى في معاملة الوالد لاولاده في المحبة والايثار وغيره. وان في الاخلال بذلك يختل عليه الامر وتفسد الاحوال ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة واثره على اخوته جرى منهم ما جرى على انفسهم وعلى ابيهم واخيهم. ومنها حذروا من شؤم الذنوب. وان الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة. ولا يتم لفاعله الا بعدة جرائم. فاخوة يوسف لما ارادوا التفريق بينهم هو بين ابيه احتالوا لذلك بانواع من الحيل. وكذبوا عدة مرات وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي فيه. وفي اتيانهم عشاء يبكون ولا تستبعد انه قد كثر البحث فيها في تلك المدة. بل لعل ذلك اتصل الى ان اجتمعوا بيوسف. وكلما صار البحث حصل من الاخبار بالكذب لافتراء ما حصل وهذا شؤم الذنب واثاره التابعة والسابقة واللاحقة. ومنها ان العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا في البداية فان اولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر مما هو اكبر اسباب النقص واللوم. ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح التام من يوسف ومن ابيهم. والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. واذا سمح العبد عن حقه فالله خير الراحمين. ولهذا في اصح الاقوال انهم كانوا انبياء لقوله تعالى واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. وهم اولاد يعقوب الاثنى عشر حريتهم ومما يدل على ذلك ان في رؤيا يوسف انه رآهم كواكب نيرة والكواكب فيها النور والهداية الذي من صفات الانبياء فان لم يكونوا انبياء فانهم علماؤ هداة. ومنها ما من الله به على يوسف عليه الصلاة والسلام من العلم والحلم. ومكارم الاخلاق والدعوة الى الله والى دينه وعفوه عن اخوانه الخاطئين عفوا بادرهم به. وتمم ذلك بانه لا يثرب عليهم ولا يعيرهم به ثم بره العظيم بابويه واحسانه لاخوته. بل لعموم الخلق. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض. وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما فان اخوة يوسف لما اتفقوا على قتل يوسف او القائه ارضا وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب. كان قوله احسن منهم واخف. وبسببه خف عن اخوته الاثم الكبير. ومنها ان الشيء اذا تداولته ايدي وصار من جملة الاموال ولم يعلم انه كان على غير وجه الشرع انه لا اثم على من باشره ببيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال فان يوسف عليه السلام باعه اخوته بيعا حراما لا يجوز. ثم ذهبت به السيارة الى مسك فباعوه بها وبقي عند سيده غلاما الرقيق وسماه الله شراء. وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة والحذر ايضا من المحبة التي يخشى ضررها فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف وحبها الشديد له الذي مات تركها حتى راودته تلك المراودة. ثم كذبت عليه فسجن بسببها مدة طويلة. ومنها ان الهم الذي هم به يوسف بالمرأة ثم ما تركه لله مما يقربه الى الله زلفى. لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء. وهو طبيعة لاغلب الخلق. فلما قابل بينه وبين ان محبة الله وخشيته غلبت محبة الله وخشيته داعي النفس والهوى. فكان ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن السبعة حين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله. احدهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال اني اخاف الله وانما الذي يلام عليه العبد الهم الذي يساكنه ويصير عزما ربما اقترن به الفعل. ومنها ان من دخل الايمان قلبه وكان مخلصا لله في جميع اموره فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه وصدق اخلاصه من انواع السوء والفحشاء واسباب المعاصي ما هو جزاء واخلاصه لقوله وهم بها لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين على قراءة من قرأها بكسر اللام. ومن قرأها بالفتح فانه من اخلاص الله اياه. وهو متضمن لاخلاصه هو بنفسه. فلما اخلص عمله لله اخلصه الله وخلصه من السوء والفحشاء. ومنها انه ينبغي للعبد اذا رأى محل فيه فتنة واسباب معصية. ان فر منه ويهرب غاية ما يمكنه. ليتمكن من التخلص من المعصية. لان يوسف عليه السلام لما راودته التي هو في بيتها فر هاربا يطلب الباب ليتخلص من شرها. ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه. فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء من اواني الدار فما يصلح رجل فانه للرجل وما يصلح للمرأة فهو لها اذا لم يكن بينة. وكذا لو تنازع نجار وحداد في الة حرفتهما من غير بينة والعمل بالقافة في الاشباه والاثر من هذا الباب. فان شاهد يوسف الشهد بالقرينة وحكم بها في قد القميص. واستدل بقده من دبره على يوسف وكذبها ومما يدل على هذه القاعدة انه استدل بوجود الصواع في رحل اخيه على الحكم عليه بالسرقة من غير بينة شهادة ولا اقرار فعلى هذا اذا وجد المسروق في يد السارق خصوصا اذا كان معروفا بالسرقة فانه يحكم عليه بالسرقة وهذا ابلغ من الشهادة وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر او وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد حاملا فانه يقام بذلك الحد ما لم يقم مانع ولهذا سمى الله هذا الحاكم شاهدا. فقال وشهد شاهد من اهلها. ومنها ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن فان جماله الظاهر اوجب للمرأة التي هو في بيتها ما اوجب. وللنساء اللاتي جمعتهن حين لونها على ذلك ان قطعن ايديهن. وقلن ما هذا بشر ان هذا الا ملك كريم. واما جماله الباطن فهو العفة العظيمة عن المعصية. مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها شهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته. ولهذا قالت امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق. انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين. وقالت النسوة حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية فهكذا ينبغي للعبد اذا ابتلي بين امرين اما فعل معصية واما عقوبة دنيوية ان يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والاخرة. ولهذا من علامات الايمان ان يكره العبد ان عود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار. ومنها انه ينبغي للعبد ان يلتجأ الى الله ويحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية ويتبرأ من حوله وقوته. لقول يوسف عليه السلام والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين ومنها ان العلم والعقل يدعوان صاحبهما الى الخير وينهيانه عن الشر. وان الجهل يدعو صاحبه الى موافقة هوى النفس. وان كان معصية ضارا لصاحبه. ومنها انه كما على العبد عبودية لله في الرخاء. فعليه عبودية في الشدة. فيوسف عليه السلام ولم يزل يدعو الى الله فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا الفتيين الى التوحيد ونهاهما عن الشرك ومن فطنته عليه السلام انه لما فيهما قابلية لدعوته حيث ظن فيه الظن الحسن وقال له انا نراك من المحسنين واتياه لان يعبر لهما رؤياهما فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده رأى ذلك فرصة فانتهزها فدعاهما الى الله تعالى قبل ان يعبر رؤياهما ليكون انجح لمقصوده لحصول مطلوبه وبين لهما اولا ان الذي اوصله الى الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم ايمانه وتوحيده وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الاخر. وهذا دعاء لهما بالحال. ثم دعاهما بالمقال. وبين فساد الشرك وبرهن عليه. وحقيقة التوحيد وبرهن عليه ثم قال لهم بعد ما اتوه وزعموا ان الذئب اكله. بل سولت لكم انفسكم امرا. وقال لهم في الاخ الاخر هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل. ثم لما احتبسه يوسف عندك وجاء اخوته لابيهم قال لهم بل سولت لكم انفسكم امرا ومنها انه يبدأ بالاهم فالاهم وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله. فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته. وحسن ارشاده وتعليمه. فان يوسف لما سأله الفتيان عن رؤيا قدم لهما قبل تعبيرهما دعوتهما الى الله وحده لا شريك له. ومنها ان من وقع في مكروه وشدة لا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه او الاخبار بحاله. وان هذا لا يكون شكوى للمخلوق. فان هذا من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض. ولهذا قال قال يوسف للذي ظن انه ناج من الفتيين اذكرني عند ربك. ومنها انه ينبغي ويتأكد على المعلم استعمال الاخلاص التام في تعليمه والا يجعل تعليمه وسيلة لمعاوضة احد في مال او جاه او نفع. والا يمتنع من التعليم او لا ينصح فيه اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم فان يوسف عليه السلام قد قال ووصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا فلم يعنفه يوسف ولا وبخه لتركه ذكره بل اجابه عن سؤاله ثوابا تاما من كل وجه. ومنها انه ينبغي للمسؤول ان يدل السائل على امر ينفعه مما يتعلق بسؤاله. ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها ما في دينه ودنياه. فان هذا من كمال نصحه وفطنته وحسن ارشاده. فان يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك. بل دلهم مع ذلك على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع وكثرة جبايته. ومنها انه لا يلام الانسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه وطلب البراءة لها بل يحمد على ذلك. كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته بحال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ومنها فضيلة العلم علم الاحكام والشرع وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية وانه افضل من الصورة الظاهرة ولو بلغت في الحسن جمال يوسف فان يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن. وبسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الارض. فان كل خير في الدنيا والاخرة من اثار العلم وموجباته. ومنها ان علم التعبير من العلوم الشرعية وانه يثاب الانسان على تعلمه وتعليمه وان تعبير المرائي داخل في الفتوى. لقوله للفتيين قضي الامر الذي فيه تستفتيان. وقال الملك افتوني في رؤياي. وقال يوسف افتنا في سبع بقرات. فلا يجوز الاقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم او عمل اذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد الرياء وسلم من الكذب لقول يوسف اجعلني على خزائن الارض اني عليم وكذلك لا تذم الولاية. اذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده. وانه لا بأس بطلبها اذا كان اعظم كفاءة من غيره وانما الذي يذم اذا لم يكن فيه كفاية او كان موجودا غيره مثله او اعلى منه او لم يرد بها اقامته اقامة امر الله فبهذه الامور ينهى عن طلبها والتعرض لها. ومنها ان الله واسع الجود والكرم يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة وان خير الاخرة له سببان. الايمان والتقوى وانه خير من ثواب الدنيا وملكها. وان العبد ينبغي له ان يدعو نفسه ويشوقها في ثواب الله ولا يدعها تحزن اذا رأت اهل الدنيا ولذاتها. وهي غير قادرة عليها بل يسليها بثواب الله الاخروي وفضله العظيم قوله تعالى ولاجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم لا بأس بها. لان يوسف امرهم بجباية الارزاق والاطعمة في السنين المخصبات. للاستعداد للسنين المجدبة. وان هذا غير مناقض للتوكل على الله بل يتوكل العبد على الله ويعمل بالاسباب التي تنفعه في دينه ودنياه. ومنها حسن تدبير يوسف لما تتولى خزائن الارض حتى كثرت عندهم الغلات جدا حتى صار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها لعلمهم بوفورها فيها وحتى فانه كان لا يكيل لاحد الا مقدار الحاجة الخاصة او اقل. لا يزيد كل قادم على كيل بعير وحمله. ومنها مشروعية الضيافة انها من سنن المرسلين واكرام الضيف لقول يوسف لاخوته الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين؟ ومنها ان سوء الظن وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. فان يعقوب قال لاولاده بعدما امتنع من ارسال يوسف معهم حتى عالجوه اشد المعالجة فهم في الاخيرة وان لم يكونوا مفرطين. فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان قال ما قال. من غير اثم عليه ولا حرج. ومنها استعمال الاسباب الدافعة للعين او غيرها من المكاره. او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع. بل جائز وان كان لا يقع شيء الا بقضاء وقدر فان الاسباب ايضا من القضاء والقدر لامر يعقوب حيث قال لبنيه يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة ومنها جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها الى الحقوق. وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصدها. مما يحمد عليه العبد وانما الممنوع التحايل على اسقاط واجب او فعل محرم. ومنها انه ينبغي لمن اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب ان يطلع عليه ان يستعمل المعارض القولية والفعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حيث القى الصواع في رحل اخيه. ثم استخرجها منه موهم من انه سارق وليس فيه الا القرينة المهمة لاخوته. وقال بعد ذلك معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق متاعنا وكذلك لم يقل انا وجدنا متاعنا عنده. بل اتى بكلام عام يصلح له ولغيره. وليس في ذلك محذور. وانما فيه ايهام انه سارق ليحصل المقصود الحاضر. وانه يبقى عند اخيه. وقد زال عن الاخ هذا الايهام بعدما تبينت الحال. ومنها انه لا يجوز للانسان ان يشهد الا بما علمه. وتحققه اما بمشاهدة او خبر من يثق به. وتطمئن اليه النفس لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام. حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة. ويحزنه ذلك اشد الحزن. فحصل التفريق بينه وبينهم مدة طويلة. لا تقصر عن خمسة عشر ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة. وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. ثم ازداد به الامر شدة. حين صار الفراق بينه وبين بين ابنه الثاني شقيق يوسف هذا وهو صابر لامر الله محتسب الاجر من الله. وقد وعد من نفسه الصبر الجميل. ولا شك انه وفى بما وعد به ولا ينافي ذلك قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله. فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر. وانما الذي ينافيه الشكوى المخلوقين ومنها ان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا فانه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به الى انهى ما يكون ثم حصل اضطرار لال يعقوب ومسهم الضر اذن الله حينئذ بالفرج. فحصل التلاقي في اشد الاوقات اليه حاجة واضطرارا. فتم بذلك الاجر السرور وعلم من ذلك ان الله يبتلي اولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر ليمتحن صبرهم وشكرهم ويزداد بذلك ايمانهم ويقينهم وعرفانهم ومنها جواز اخبار الانسان بما يجد وما هو فيه من مرض او فقر ونحوهما على غير وجه التسخط لان يوسف قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر. ولم ينكر عليهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر. وان كل خير في الدنيا الاخرة فمن اثار التقوى والصبر وان عاقبة اهلهما احسن العواقب لقوله قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ومنها انه ينبغي لمن انعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال. ان يعترف بنعمة الله عليه ولا يزال ذاكرا حاله الاولى ليحدث لذلك شكرا كلما ذكرها لقول يوسف عليه السلام وقد احسن بي اذ اخرجني من السر سجن وجاء بكم من البدو ومنها لطف الله العظيم بيوسف حيث نقله في تلك الاحوال واوصل اليه الشدائد والمحن ليصبح بها الى اعلى الغايات ورفيع الدرجات. ومنها انه ينبغي للعبد ان يتملق الى الله دائما في تثبيت ايمانه. ويعمل الاسباب الموجبة لذلك ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة. لقول يوسف عليه الصلاة والسلام رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة. توفني مسلما والحقني بالصالحين. فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة ولابد ان يظهر للمتدبر المتفكر غير ذلك. فنسأله تعالى علما نافعا وعملا متقبلا. انه جواد كريم