والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخشون ربهم ما يخافون والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل. وهذا عام في كل ما امر الله بوصله عقولهم اي شيء حقير يتمتع به قليل ويفارق اهله واصحابه ويعقبهم ويلا طويلا ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه اية من ربه قل ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من انا ويهدي اليهما المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي انما يتذكر اولو الالباب يقول تعالى مفرقا بين اهل العلم والعمل وبين ضدهم افمن يعلم ان ما انزل اليك من ربك الحق ففهم ذلك وعمل به كمن هو اعمى. لا يعلم الحق ولا يعمل به. فبينهما من الفرق كما بين السماء والارض. فحقيق بالعبد ان يتذكر ويتفكر. اي الفريقين احسن حالا وخير مآلا. فيؤثر طريقها ويسلك خلف فريقها. ولكن ما كل احد يتذكر ما ينفعه ويضره اي اولو العقول الرزينة والاراء الكاملة الذين هم لب العالم وصفوة بني ادم. فان سألت عن وصفهم فلا تجد احسن من وصف الله لهم بقوله في عهد الله ولا ينقضون الميثاق. الذين يوفون بعهد الله الذي عهده اليهم. والذي احدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة. فالوفاء بها توفيتها حقها من التنمية لها والنصح فيها. وتمام بها انهم لا ينقضون الميثاق. اي العهد الذي عاهدوا الله عليه. فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والايمان والنذور التي يعقدها العباد. فلا يكون العبد من اولي الالباب الذين لهم الثواب العظيم. الا بادائها كاملة وعدم نقصها وبخسها من الايمان به وبرسوله ومحبته ومحبة رسوله. والانقياد لعبادته وحده لا شريك له. ولطاعة رسوله. ويصلون اباءهم وامهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم. ويصلون الاقارب والارحام بالاحسان اليهم قولا وفعلا يصلون ما بينهم وبين الازواج والاصحاب والمماليك لاداء حقهم كاملا موفرا من الحقوق الدينية والدنيوية والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما امر الله به ان يوصل. خشية الله وخوفه يوم الحساب. ولهذا قال ويخشون ربهم ان يخافونه فيمنعهم خوفهم منه. ومن القدوم عليه يوم الحساب ان يتجرأوا على معاصي الله. او يقصروا في شيء مما امر الله به. خوفا من العقاب ورجاء للثواب وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. ويدرؤون ابي الحسنة السيئة اولئك لهم عقبى الدار جنة يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم. ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى والذين صبروا على المأمورات بامتثالها وعن المنهيات بالاكفاف عنها والبعد منها وعلى اقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها. لكن بشرط ان يكون ذلك الصبر ابتغاء وجه ربهم لا لغير ذلك من المقاصد والاغراض الفاسدة فان هذا هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه طلبا لمرضاة ربه ورجاء للقرب منه. والحظوة بثوابه هو الصبر الذي من خصائص اهل الايمان. واما الصبر المشترك الذي غايته التجلد انتهاه الفخر فهذا يصدر من البر والفاجر. والمؤمن والكافر فليس هو الممدوح على حقيقة. واقاموا الصلاة باركانها وشروطها ها هو مكملاتها ظاهرا وباطنا. وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. دخل في ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقات المستحبة. وانهم ينفقون حيث دعت الحاجة الى النفقة سرا وعلانية. ويدرؤون بالحسنة السيئة اي من اساء اليهم بقول او فعل لم يقابلوه بفعله بل قابلوه بالاحسان اليه. فيعطون من حرمهم ويعفون عمن ظلمهم دون من قطعهم ويحسنون الى من اساء اليهم. واذا كانوا يقابلون المسيء بالاحسان. فما ظنك بغير المسيء آآ لهم عقبى الدار. اولئك الذين وصفت صفاتهم الجليلة ومناقبهم الجميلة لهم عقبى الدار فسرها بقوله ابائهم وازواجهم. جنات عدن اي اقامة لا يزولون عنها. ولا يبغون عنها حولا. لانهم لا يرون غاية لما اشتملت عليه من النعيم والسرور. الذي تنتهي اليه المطالب والغايات. ومن تمام نعيمهم وقرة اعينهم. انهم يدخلونها ومن صلح من ابائهم من الذكور والاناث وازواجهم اي الزوج او الزوجة. وكذلك النظراء والاشباه الاصحاب والاحباب فانهم من ازواجهم وذرياتهم من كل باب سلام. يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى اي حلت عليكم السلامة والتحية من الله حصلت لكم. وذلك متضمن لزوال كل مكروه. ومستلزم لحصول كل محبوب. بما صبرتم نفسك بل تتلو عليهم ايات الله التي اوحاها الله اليك. التي تطهر القلوب وتزكي النفوس. والحال ان قومك يكفرون بالرحمن فلم يقابلوا رحمته واحسانه. التي اعظمها ان ارسلناك اليهم رسولا. وانزلنا عليك الكتاب بالقبول والشكر. بل قابلوها اي بسبب صبركم وهو الذي اوصلكم الى هذه المنازل العالية والجنان الغالية فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة ان يجاهدها لعلها تأخذ من اوصاف اولي الالباب بنصيب ولعلها تحظى بهذه الدار التي هي منية النفوس وسرور الارواح. الجامعة لجميع اللذات والافراح. فلمثلها فليعمل وفيها فليتنافس المتنافسون والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسد اولئك لهم اللعنة لما ذكر حال اهل الجنة ذكر ان اهل النار بعكس ما وصفهم به فقال عنهم والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه اي من بعد لما اكده عليهم على ايدي رسله. وغلظ عليهم فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم. بل قابلوه بالاعراض والنقد. ويقطعون ما امر الله الله به ان يوصل فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالايمان والعمل الصالح. ولا وصلوا الارحام ولا ادوا الحقوق. بل افسدوا في الارض بالكفر معاصي والصد عن سبيل الله وابتغائها عوجا. اولئك لهم اللعنة. اي البعد والذم من الله وملائكته. وعباده ولهم سوء وهي الجحيم بما فيها من العذاب الاليم الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع. اي هو وحده يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء. ويقدره ويضيقه وعلى من يشاء وفرحوا اي الكفار بالحياة الدنيا فرحا اوجب لهم ان يطمئنوا بها ويغفلوا عن الاخرة. وذلك لنقصان يخبر تعالى ان الذين كفروا بايات الله يتعنتون على رسول الله يقترحون ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه وبزعمهم انها لو جاءت لامنوا فاجابهم الله بقوله ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من انا اي طلب رضوانه فليست الهداية والضلالة بايديهم حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الايات. ومع ذلك فهم كاذبون فلو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون. ولا يلزم ان يأتي الرسول بالاية التي يعينونها ويقترحونها. بل اذا جاءهم باية بينما جاء به من الحق كفى ذلك. وحصل المقصود وكان انفع لهم من طلبهم الايات التي يعينونها. فانها لو جاءت ما اقترحوا فلم يؤمنوا بها لعاجلهم العذاب. ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال الذين امنوا وتطم ان يزول قلقها واضطرابها وتحضرها ولذاتها اي حقيق بها وحري ان لا تطمئن لشيء سوى ذكره. فانه لا شيء الذ للقلوب ولا احلى. من محبة خالقها. والانس به ومعرفته. وعلى قدر لمعرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له. هذا على القول بان ذكر الله هو ذكر العبد لربه من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك وقيل ان المراد بذكر الله كتابه الذي انزله ذكرى للمؤمنين. فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر الله انها حين تعرف معاني القرآن واحكامه تطمئن لها فانها تدل على الحق المبين. المؤيد بالادلة والبراهين. وبذلك تطمئن قلوب فانها لا تطمئن الا باليقين والعلم. وذلك في كتاب الله مضمون على اتم الوجوه واكملها. واما ما سواه من الكتب التي لا ترجع اليه. فلا تطمئن بها. بل لا تزال قلقة من تعارض الادلة. وتضاد الاحكام ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهذا انما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره وتدبر غيره من انواع العلوم فانه يجد بينها وبينه فرقا عظيما. ثم قال تعالى الذين امنوا وعملوا الذين امنوا وعملوا الصالحات اي امنوا بقلوبهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. صدقوا هذا الايمان بالاعمال الصالح صالحة اعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه واعمال الجوارح كالصلاة ونحوها. طوبى لهم اي لهم حالة طيبة ومرجع حسن. وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والاخرة. وان لهم كمال الراحة والطمأنينة ومن جملة ذلك شجرة طوبا التي في الجنة التي يسير الراكب في ظلها مئة عام ما يقطعها كما وردت بها الاحاديث الصحيحة الذي اوحينا اليك وهم يكفرون بالرحمن. قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كذلك ارسلناك الى قومك تدعوهم الى الهدى في امة قد خلت من قبلها امم ارسلنا فيهم رسلنا. فلست ببدع من الرسل حتى يستنكروا رسالتك. ولست تقول من تلقاء الانكار والرد فلا يعتبرون بمن خلا من قبلهم من القرون المكذبة. كيف اخذهم الله بذنوبهم؟ قل هو ربي لا اله الا له وهذا متضمن التوحيدين. توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية. فهو ربي الذي رباني بنعمه منذ وهو الهي الذي عليه توكلت في جميع اموري. اي ارجع في جميع عباداتي وتوبتي وفي حاجاتي ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى الامر جميعا لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى يأتي ان الله لا يخلف الميعاد. يقول تعالى مبينا فضل القرآن الكريم على سائر كتب المنزلة ولو ان قرآنا من الكتب الالهية سيرت به الجبال عن اماكنها او قطعت به الارض جنانا وانهارا او كل به الموتى لكان هذا القرآن بل لله الامر جميعا. فيأتي بالايات التي تقتضيها حكمته. فما بال المكذبين يقترحون من الايات ما يقترحون فهل لهم ولغيرهم من الامر شيء افلم ييأس الذين امنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا فليعلموا انه قادر على هدايتهم جميعا. ولكن لا يشاء ذلك. بل يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولا يزال الذين كفروا وعلى كفرهم لا يعتبرون ولا يتعظون. والله تعالى يوالي عليهم القوارع التي تصيبهم في ديارهم. او تحل قريبا منها وهم مصرون على كفرهم حتى يأتي وعد الله الذي وعدهم به. لنزول العذاب المتصل الذي لا يمكن رفعه الله لا يخلف الميعاد. وهذا تهديد وتخويف لهم من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم وعنادهم وظلمهم ولقد استهزأ برسل من قبلك فامليتني الذين كفروا ثم اخذتهم فكيف كان عقاب يقول تعالى لرسوله مثبتا له ومصليا. ولقد استهزأ برسل من قبلك. فلست اول رسول كذب واوذي فامليت للذين كفروا برسلهم اي امهلتهم مدة حتى ظنوا انهم غير معذبين. ثم اخذتهم بانواع العذاب. فكيف كان كان عقابا شديدا وعذابا اليما. فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزأوا بك بامهالنا. فلهم في من قبلهم من الامم. فليحذروا ان يفعل بهم كما فعل باولئك افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت واجعلوا لله شركاء زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له يقول تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ بالجزاء العادل والاجل بالعدل والقسط وهو الله تبارك وتعالى كمن ليس كذلك. ولهذا قال وجعلوا لله شركاء. وهو الله الاحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا ند ولا نظير قل لهم ان كانوا صادقين سموهم لنعلم حالهم. ام تنبؤونه بما لا يعلم في الارض. فانه اذا كان عالم الغيب الشهادة وهو لا يعلم له شريكا علم بذلك بطلان دعوى الشريك له. وانكم بمنزلة الذي يعلم الله ان له شريكا هو لا يعلمه وهذا ابطل ما يكون ولهذا قال ام بظاهر من القول؟ اي غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى انه بظاهر اقوالكم واما في الحقيقة فلا اله الا الله. وليس احد من الخلق يستحق شيئا من العبادة. بل زين للذين كفروا مكروه الذي مكروه. وهو كفرهم وشركهم وتكذيبهم لايات الله. وصدوا عن السبيل اي عن الطريق المستقيمة. الموصلة الى الله والى دار كرامته لانه ليس لاحد من الامر شيء لهم عذاب في الحياة الدنيا ولا عذاب الاخرة يشق والعذاب الاخرة اشق من عذاب الدنيا لشدته ودوامه يقيهم من عذابه. فعذابه اذا وجهه اليهم لا مانع له