المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المثال الخامس عشر في المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالا. قال المستعين بالله لا تجوز المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حال كمئة دين تحل في رمضان وتصالحه عنها في ربيع بتسعين مثلا ووجه المنع انه قياس على تأجيل ما حل باكثر من مؤجلة وهو الربا الذي اجمع المسلمون على منعه لانه جعل الزيادة في مقابلة زيادة المدة ونظيرها اسقاط الزيادة في مقابلة وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما كراهة ذلك. فقال المتوكل على الله لا بأس بالمصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالا. وقد روي جواز ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. والدليل على هذا ان الاصل في جميع المعاملات الحل فلا يمنع منها الا ما منعه الله ورسوله. الم يأتي حديث صحيح او محتج به يمنع من هذا والاثار عن الصحابة مختلفة منهم من كره ذلك كابن عمر ومنهم من اباحه كابن عباس غيره فهي مسألة نزاع ويتعين ان تنزل على الادلة الشرعية والقواعد المرضية وقد ذكرنا ان الاصل الحل وانه لا دليل على المنع. واما مقياسكم هذا على تأجيل الحال بزيادة فما ابعد هذا القياس واشده مباينة بين المقيس والمقيس عليه فان التأجيل زيادة في المدة زيادة فيما في الذمة فيأكل الانسان الربا اضعافا مضاعفة وتشتغل الذمة اشتغالا يخشى ان تنوء بهذا الحمل الثقيل. واما المصالحة على المؤجل ببعضه حالا فهو معاكس لذلك من كل وجه فانه تعجيل لوفاء ما في الذمة وتخفيف وتقليل للكثير ونقص في المدة لنقص الواجب اي محظور في هذا بل فيه مصالح متعددة انه قد يحتاج من عليه الدين للاسراع بوفاء ذمته اما لوجود نقود ومال عنده يخشى ان انتظر الاجل اضمحلاله في امور اخرى واما حاجة لسفر طويل يحتاج المدين ومن له الدين للاسراع بوفائه خشية حيلولة الغيبة عن الوفاء او مبادرته واما ان يحتاج المدين لانتقال من غريم لاخر والاستبدال بالاول بمعامل جديد واما لغير لذلك من المصالح ومن اعظم الحاجة انه قد يتوفى من عليه الدين فيحتاج الورثة الى تخليص الديون المؤجلة ببعضها حال لعدم رغبتهم في الاستدانة او لسرعة تخليص ميتهم من الديون. وفي هذه الاحوال قد يكون صاحب الدين راغبا. فاذا اتفق الجميع على ذلك فلا مانع منه ولا محذور منه. ولهذا المانعون من جوازه كثيرا ما يضطرون الى التحيل الى ذلك بحيل باردة. ولكن ولله الحمد لم يحوج الشارع احدا في المعاملات الى حيلة ولا غيرها بل فسح للعباد كل معاملة نافعة صالحة للخلق. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في قصة في بني النضير ضعوا وتعجلوا وهذا نص في المسألة. فقال المستعين بالله وما ادراك انه قد وقعت لي معاملة مع مديني واحتجت ان عن المؤجل ببعضه حال. وفي اعتقادي انه لا يجوز. فدللنا على حيلة باردة لا تتمشى على اصل من الاصول. وكنت مشمئزا منها وفي تلك الحال ولكن حاجة المعاملة اضطرتني اليها وهو انه قيل لنا اتفق انت وما دينك على ان يشتري مدينك سلعة ويبيعها عليك مؤجلة الى الاجل الذي عليه ويكون ما في ذمتك يماثل ما في ذمته. فاذا ثبت له في ذمتك ما ثبت لك في ذمته وتماثلا وجنسا ونوعا فتقاصا وتساقطا وبذلك يحصل المقصود. وقال المتوكل على الله لهذا اكبر دليل على ضعف هذا القول فان ده الاثم ما اشمئز له القلب واشمأزت له النفس. وهذه حيلة باردة لا تروج على احد من الخلق. فكيف تروج على علام الغيوب ولا تأتى على مذهبكم فانكم تمنعون كل حيلة يتوسل بها الى فعل ما لا يجوز. وهذا لا يجوز عندكم فان هذا استدانة لم تقصد. وكيف فيكون الفقير المعسر دائما لك وبائعا عليك سلعة قد اجل عليك ثمنها وانت لا تستدين من الاغنياء لا قليلا ولا كثيرا فكيف دينك المستغرق ولكن القصد من هذا كله تحيل على المصالحة عن المؤجل ببعضه حالا. وقد اغنانا الله عن ذلك. وقال المستعين بالله قد رجعت كل الرجوع الى جواز ذلك واستغفر الله عن وقوعي في تلك الحيلة التي لو سئلت عنها في ذلك الوقت وقيل لي هل تجوز لم اتجاسر على تجويزها ولكن الطمع له اثار غير حميدة والحمد لله رب العالمين