المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في البيوع وانواع المعاملات. قال تعالى واحل الله البيع وحرم الربا وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. وقال يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة حاضرة عن تراض منكم فقال يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه الى قوله واتقوا الله ويعلمكم الله. والله بكل شيء عليم اشتملت هذه الايات الكريمات على احكام جمة وفوائد مهمة منها ان الاصل في البيوع والمعاملات والتجارات كلها الحل والاطلاق كما هو صريح هذه الايات لا فرق بين تجارة الادارة التي يديرها التجار بينهم. هذا يأخذ العوض وهذا يأخذ المعوض. ولا بين التجارة في الديون قال لي ثمنها المؤجل مثمنها كالسلم. وبيع السلع باثمان مؤجلة لعموم قوله. اذا تداينتم بدين ولم بين تجارة التربص والانتظار بان يشتري السلع في اوقات رخصها وينتظر بها الفرص في مواسم وغيرها. ولا بين بالتصدير والتوريد من محل الى اخر ولا بين التجارة والتكسب افرادا ومشتركين فكل هذه الانواع وما يتبعها قد اباحها الشارع واطلقها لعباده رحمة بهم وقياما لمصالحهم ودفعا للاضرار عنهم وكلها جائزة بما يقترن بها ويتبعها من شروط ووثائق ونحوها اذا سلمت من المحاذير الشرعية التي نبه الله عليها ورسوله يدخل في هذا العموم جميع اجناس المبيعات وانواع وافرادها من عقارات وحيوانات وامتعة واطعمة واوان واشربة واكسية وفرش وغيرها وكلها لابد ان تقترن بهذا الشرط الذي ذكره الله. وهو التراضي بين المتعاوضين الرضا الصادر عن معرفة. واما السفيه والمجنون ومن لا يعتبر كلامه فوليه يقوم مقامه في معاملاته. واعظم المحاذير المانعة من صحة المعاملات الربا والغرر والظلم. فالربا الذي حرمه الله ورسوله يدخل فيه ربا الفضل. فهو بيع المكيل بالمكيل من جنسه متفاضلا وبيع الموزون بالموزون من جنسه متفاضلا. ويشترط في هذا النوع في حله ما شرط الشارع وهو التماثل بين المبيعين بمعياره الشرعي مكيلا كان او موزونا والقبض للعوضين قبل التفرق وربا النسيئة وهو وبيع المكيل بالمكيل الى اجل ولو من غير جنسه. وبيع الموزون بالموزون الى اجل او بلا قض. ويستثنى من هذا السلف تم واشد انواع هذا النوع قلب الديون في الذمم. وهو الذي ذكره بقوله لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. وذلك اذا حل ما في ذمة المدين قال له الغريم اما ان تقضيني ديني واما ما ان تزيد ما في ذمتك فيتضاعف ما في ذمة المعسر اضعافا مضاعفة بلا نفع ولا انتفاع. ذلك ان المعسر قد اوجب الله على غريمه انظاره كما قال تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة. وسواء كان قلب الدين المذكور صريحا او تحايلوا عليه بحيلة ليست مقصودة. وانما يراد بها التوصل الى مضاعفة ما في ذمة الغريم. فهذا الذي قد توعده الله بهذا هذا الوعيد الشديد. وان الذين يأكلون الربا لا يقومون من قبورهم الى بعثهم ونشورهم. الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس اي من الجنون فيقومون مرعوبين منزعجين قد اختلت حركاتهم لما يعلمون ما امامهم من القلاقل والاهوال مزعجة والعقوبات لاكلة الربا. وقد اذنهم الله بمحاربته ومحاربة رسوله اذا لم يتوبوا. ومن كان محاربا لله ورسوله فانه مخذول. وان عواقبه وخيمة وان استدرج في وقت اخر فاخر امره المحض والبوار. قال تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات وقال وما اتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله. فالمرابي يأخذه الامن والغرور الحاضر ولا يدري ما خبئ له في مستقبل امره وان الله سيجمع له بين عقوبات الدنيا والاخرة الا ان تاب واناب فان تاب فله ما سلف واما العقود الحاضرة فالزيادة لا تحل وعليه ان ينزل على رأس ماله كما قال تعالى وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون باخذ الزيادة ولا تظلمون باخذ بعض رؤوس اموالكم ومن انواع الربا القرض الذي يجر نفعا فان القرض من الاحسان والمرافق بين العباد. فاذا دخلته المعاوضة المقرض على المقترض رد خير منه بالصفة او المقدار او شرط نفعا او محاباة في معاوضة اخرى فهو من لانه في الحقيقة دراهم بدراهم مؤخرة والربح ذلك النفع المشروط والله تعالى وعظ المؤمنين عن تعاطي الربا كله والمعاملة به وان يكتفوا بالمكاسب الطيبة التي فيها البركة وصلاح الدين والدنيا فيها تزكو الاخلاق ويحصل الاعتبار وحسن المعاملة الصدق والعدل واداء الحقوق والسلامة من جميع التبعات ومن المحاذير في المعاملات محذور الميسر والغرر فان الله حرم في كتابه الميسر وقرنه بالخمر وذاك رمضان ذلك ومفاسده والميسر يدخل في المعاملات كما يدخل في المغالبات فكما ان المراهنات والمقامرات وتوابعها من الميسر فالبيوع التي فيها غرر ومخاطرات وجهالات داخلة في الميسر ولهذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة في النهي عن بيع الغرر فيدخل في ذلك بيع الحمل في البطن وبيع الابق والشارد. والشيء الذي لم يرى ولم يوصف ودخل فيه بيع الملامسة والمنابذة وجميع العقود التي فيها جهالة بينة وذلك لان احد المتعاملين اما ان يغنم واما ان يغرم وهذا مخالف لمقاصد المعاوضات التي يقصد ان يكون العوض في مقابلة المعوض على وجه يستوي فيه علم المتعاوضين. فان جهل الثمن او المثمن او كان الاجل في الديون غير مسمى لا معلوم دخل هذا في بيع الغرر والميسر الذي زجر الله عنه. ومن المحاذير المنهي عنها في المعاملات الظلم والغش والتدليس وبخس المكاييل والموازين وبخس الحقوق اخذا واعطاء بان يأخذ اكثر مما له او يعطي اقل مما عليه فهذا من اعظم المحرمات وقد توعد الله عليه بالعقوبات في الدنيا والاخرة واهلك امة عظيمة بسبب هذه المعاملة الخبيثة وهذه المعاملات المحرمة تدخل في قوله لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل كما يدخل فيه الغصب والسرقة ونحوهما. وفي اية الدين من الفوائد سوى ما تقدم الامر بكتابة المعاملات والاشهاد عليها. وان يكون الكاتب عدلا عارفا بالكتابة وبما ينبغي ان يكتب. وهذا امر للندب والاستحباب عند جمهور العلماء الا اذا وجب حفظ المال. وكان على دين مؤجل او غير مقبوض. فانه لا يتم حفظه الا بذلك وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وفيها ان الكاتب لا يكتب الا ما املاه من عليه الحق ان كان رشيدا. ووليه ان كان عاجزا ضعيفا كالمجنون والصغير والسفيه وان على صاحب الحق ان يقر بالحق كله من غير بخس اي نقص بعدده او صفته وتدل الاية ان الاقرار من اعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق في الذمم. كما يثبت فيها براءة الذمم المشتغلة بالحقوق اذا اقر من له الحق بالاقباض او الابراء المعتبر وانه لا يعذر من اقر لو ادعى الغلط او الكذب ونحوه وفيها الارشاد الى حفظ الحقوق بالاشهاد والكتابة والرهن اذا احتيج اليه في سفر او غيره. وان نصاب الشهادة في المعاملات كلها من قود وفسوخ وثبوت وشروط وابراء ونحوها رجلان مرضيان ان امكن والا فرجل واحد وامرأتان وثبت في السنة قبول شهادة الواحد مع يمين صاحب الحق وفيها ان شهادة الفاسق والمجهولين غير مقبولة وان الاعتبار بما يرضاه الناس ويعتبرونه. وفيها ان شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل لكمال حفظ الرجل وقوة ذاكرته. كما نبه عليه بقوله ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى وفيها دلالة ان من نسي شهادة فتذكرها او ذكرها فذكرها ان شهادته صحيحة وفيها انه لا يحل ان يشهد الا بما علمه وتيقنه فان شك فيه لم يحل له ان يشهد وفيها بيان الحكمة العظيمة في هذه الارشادات من الرب في حفظ المعاملات وان ذلك صلاح للعباد في معاملاتهم وان تكون جارية على القسط وان تقطع الخصومات والمنازعات وتبرئ الذمم وتمنع الظالم من ظلمه. فلهذا قال ذلكم ما قصة عند الله واقوم للشهادة وادنى الا ترتابوا فكم حصل بهذه الوثائق التي ارشد الله اليها من مصالح عظيمة وكم اندفع بها من مفاسد وشرور كثيرة فسبحان من جعل شرعه صلاحا لدين العباد ودنياهم وفيها ان التجارة الحاضرة لا بأس بترك كتابتها لكون التقابض يغني غالبا عن ذلك ولمشقة كثرة ذلك واما الشهادة فلا ينبغي تركها خصوصا في الامور المهمة. وقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد. يحتمل انه مبني للفاعل او للمفعول والمعنى يشمل الامرين فالكاتب والشهيد يجب عليه ان يعدل في كتابته وشهادته ولا يحل له ان يميل مع احدهما لغرض من اغراضه ولا يضارهما باخذ اجرة لا تحل له على شهادته. او يماطل في شهادته وكتابته مماطلة تضرهما او تضر احدهما. وكذلك المعاملان لا يحل ان يضار الكاتب والشهيد بان يكلفاه ما لا يطيقه او يتضرر به لان الشاهد والكاتب محسنان اقول ما ان يشكرا على ذلك ومضارتهما تنافي ذلك وفيها ان تعلم الكتابة من الامور المحبوبة لله. وانه نعمة من الله على من علمه الله الكتابة. فمن شكر هذه النعمة الا ابى كاتب ان يكتب كما علمه الله ويستفاد من المعنى المقصود ان الله شرع هذه الامور حفظا للحقوق انه ينبغي تعلم كتابة الوثائق والاصطلاحات الجارية بين الناس في المعاملات حتى يكون الكاتب بهذه الصفة التي يحرر فيها المعاملات فينتفع الناس بحفظ حقوقهم فلا يكفي مجرد الكتابة من غير معرفة بهذه الامور كما انه لابد ان يكون الكاتب معتبرا ثقة ليحصل الاعتماد على كتابته والطمأنينة اليها ويستفاد من هذا ان الخط المعروف صاحبه وثقته انه معتبر معلوم به ليتم المقصود من الكتابة في حياة الكاتب وبعد موته وفيها وجوب اداء الشهادة وتعينها على من تحملها وان كتمان الشهادة من كبائر الذنوب كما ان شهادة الزور بان يشهد بثبوت ما ليس بثابت او بالبراءة من الحق الثابت وهو كاذب من اكبر الكبائر. وكذلك السكون عن اداء الشهادة وكلا الامرين ظلم لصاحب الحق بتفويت حقه وظلم ايضا للنفس بوقوع الاثم وظلم للظالم لاعانته على الاثم والعدوان وفيها مشروعية الوثائق بالحقوق وهي اربعة الشهادة والرهن كما هو مذكور في هذا الموضع. الضمان والكفالة يؤخذ من الاعتبار على هذا المعنى. ومن قوله وانا به زعيم اي كفيل وضامن وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. وتقييد الرهن بالسفر لا يدل على انه انه لا يكون رهن في الحضر بل قيد لاجل الحاجة اليه لعدم الكاتب غالبا. وفيها ثبوت الولاية على القاصرين. لجنون من او صغر او سفه لقوله فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو فليملي الوليد بالعدل فاقامه في التصرفات في ماله مقام المالك الرشيد. وعليه ان يفعل في اموالهم ما هو الاصلح قال تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن ولا يدفع اليهم حتى يرشدوا. ويعرف ذلك بالاختبار والتجربة كما قال تعالى وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح ان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم وفيها في قوله ولا يضار كاتب ولا شهيد من الفوائد. التنبيه على ان كل من فعل احسانا ومعروفا ان عليه ان يتممه ويكمله بالتسهيل والتيسير وعدم المضار. وان للمحسنين على الناس ان يشكروا لهم معروفهم. وان للمحسنين على الناس في ان يشكروا لهم معروفهم والا يكلفوهم الضرر والمشقة جزاء لهم على احسانهم. وترغيبا في الاحسان واستدل بقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله ان تقوى الله وسيلة الى حصول العلم. كما ان العلم سبب للتقوى. واوضح من هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا اي علما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الحقائق المحتاج اليها. وفيها كما انه من العلوم النافعة تعليم الامور بنية المتعلقة بالعبادات والمعاملات فمنه ايضا تعليم الامور الدنيوية المتعلقة بالمعاملات فان الله حافظ على العباد امور دينهم ودنياهم وكتابه العظيم فيه تبيان لكل شيء. وفيها انه يجوز التعامل بغير وثيقة بل بمجرد الاستئمان. لقوله فان امن بعضا فليؤدي الذي اؤتمن امانته. ولكن في هذه الحال تتوقف الثقة على التقوى والخوف من الله والا فصاحب الحق مخاطر فلهذا وعد الله من عليه الحق ان يؤدي امانته ويؤخذ من هذا ان من عاملك ورضي بامانتك ووثق فيك انه قد فعل معك معروفا ورآك موضع الثقة والامانة فيتأكد عليك اداء الامانة من الجهتين اداء لحق الله ووفاء بحق من وثق فيك ومكافأة له