من حيث لا يحتسب. ولنجزينهم في الاخرة اجرهم باحسن ما كانوا يعملون من اصناف اللذات. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى مقربا لما وعد به محققا لوقوعه اتى امر الله فلا فانه ات وما هو ات فانه قريب. سبحانه وتعالى عما يشركون من نسبة الشريك والولد والصاحبة والكفء ذلك مما نسبه اليه المشركون. مما لا يليق بجلاله او ينافي كماله. ولما نزه نفسه عما وصفه به اعداؤه. ذكر يحيى الذي ينزله على انبيائه مما يجب اتباعه في ذكر ما ينسب لله من صفات الكمال. فقال الله ينزل الملائكة بالروح من امره. اي بالوحي الذي به حياة الارواح. على من يشاء من عباده ممن يعلمه صالحا لتحمل رسالته. وزبدة دعوة المرسلين كلهم ومدارها على قوله ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون اي على معرفة الله تعالى وتوحده في صفات العظمة. التي هي صفات الالوهية وعبادته وحده لا شريك له. فهي التي انزل الله بها كتبه وارسل رسله وجعل الشرائع كلها تدعو اليها وتحث وتجاهد من حاربها وقام بضدها ثم ذكر الادلة والبراهين على ذلك فقال هذه السورة تسمى سورة النعم فان الله ذكر في اولها اصول النعم وقواعدها. وفي اخرها متمماتها ومكملاتها. فاخبر انه خلق السماوات والارض بالحق يستدل بها العباد على عظمة خالقهما. وما له من نعوت الكمال. ويعلم انه خلقهما مسكنا لعباده الذين يعبدونه. بما يأمرهم به من التي انزلها على السنة رسله. ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال تعالى عما يشركون. اي تنزه وتعاظم عن فانه الاله حقا. الذي لا تنبغي العبادة والحب والذل الاله تعالى. ولما ذكر خلق السماوات والارض ذكر خلق ما فيهما وبدأ باشرف ذلك وهو الانسان فقال خلق الانسان من نطفة. لم يزل يدبرها ويرقيها وينميها. حتى صارت بشرا تاما كامل الاعضاء الظاهرة والباطنة قد غمره بنعمه الغزيرة. حتى اذا استتم فخر بنفسه واعجب بها. فاذا هو خصيم مبين يحتمل ان المراد فاذا هو خصيم لربه يكفر به ويجادل رسله ويكذب باياته ونسي خلقه الاول وما انعم الله عليه به من النعم فاستعان بها على معاصيه. ويحتمل ان المعنى ان الله انشأ الادمي من نطفه. ثم لم يزل ينقله من طور الى طور. حتى صار عاقلا متكلما ذا ذهن ورأي. يخاصم ويجادل فليشكر العبد ربه الذي اوصله الى هذه الحال. التي ليس في امكانه القدرة عليه لشيء منها والانعام خلقها لكم اي لاجلكم ولاجل منافعكم ومصالحكم. من جملة منافعها العظيمة ان لكم فيها دفء مما تتخذون من اصوافها واوبارها واشعارها وجلودها من الثياب والفرش والبيوت. ولكم فيها منافع غير ذلك ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. اي في وقت راحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحها وذلك ان جمالها لا يعود اليها منه شيء. فانكم انتم الذين تتجملون بها كما تتجملون بثيابكم واولادكم واموالكم بذلك وتحمل اثقالكم من الاحمال الثقيلة بل وتحملكم انتم الى بلد لم تكونوا الا بشق الانفس. ولكن الله ذللها لكم. فمنها ما تركبونه ومنها ما تحملون عليه ما تشاؤون من الاثقال الى البلدان البعيدة والاقطار الشاسعة ان ربكم لرؤوف رحيم. اذ سخر لكم ما تضطرون اليه وتحتاجونه. فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وسعة جوده وبره. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة والخيل والبغال والحمير سخرناها لكم لتركبوها وزينة اي تارة تستعملونها للضرورة في الركوب لاجل الجمال والزينة. ولم يذكر الاكل لان البغال والحمر محرم اكلها. والخيل لا تستعمل في الغالب للاكل. بل ينهى عن ذبحها لاجل اكل خوفا من انقطاعها والا فقد ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن في لحوم الخيل ويخلق ما لا تعلمون مما يكون لنزول القرآن من الاشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو. ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم. فانه لم يذكرها باعيانها. لان ان الله تعالى لا يذكر في كتابه الا ما يعرفه العباد او يعرفون نظيره. واما ما ليس له نظير فانه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه فيذكر اصلا جامعا يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون. كما ذكر نعيم الجنة وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره. كالنخل والاعناب واجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله فيهما من كل فاكهة زوجان. فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب كالخيل والبغال والحمير والابل والسفن. واجمل الباقي في قوله ويخلق ما لا تعلمون. ولما ذكر تعالى الطريق الحسي وان الله قد جعل للعباد يقطعونه به من الابل وغيرها ذكر الطريق المعنوي الموصل اليه فقال ولو شاء لهداكم اجمعين. وعلى الله قصد السبيل اي الصراط المستقيم الذي هو اقرب الطرق واخسرها موصل الى الله. واما الطريق الجائر في عقائده واعماله. وهو كل ما خالف الصراط المستقيم فهو قاطع عن الله موصل الى دار الشقاء. فسلك المهتدون الصراط المستقيم باذن ربهم. وضل الغاوون عنه وسلكوا الطرق الجائرة ولو شاء لهداكم اجمعين. ولكنه هدى بعضا كرما وفضلا. ولم يهد اخرين حكمة منه وعدلا الذي انزل من السماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيء ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون بذلك على كما لقدرة الله الذي انزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف ورحمته حيث جعل فيه ماء غزيرا منه يشربون وتشرب مواشيهم ويسقون منه حروفهم فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة اي سخر لكم هذه الاشياء لمنافعكم وانواع مصالحكم. بحيث لا تستغنون عنها ابدا. فبالليل تسكنون وتنامون وتستريحون. وبالنهار تنتشرون في معايشكم ومنافع دينكم ودنياكم وبالشمس والقمر من الضياء والنور والاشراق واصلاح الاشجار والثمار والنبات وتجفيف الركوع وازالة البرودة الضارة للارض والابدان وغير ذلك من الضروريات والحاجيات التابعة لوجود الشمس والقمر وفيهما وفي النجوم من الزينة للسماء والهداية في ظلمات البر والبحر ومعرفة الاوقات وحساب الازمنة. ما تتنوع دلالاتها وتتصرف اياتها ولهذا جمعها في قوله ان في ذلك لايات لقوم يعقلون. اي لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر. فيما هي جاءت له مستعدة تعقل ما تراه وتسمعه. لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظر حظ البهائم التي لا عقل لها اي فيما ذرأ الله ونشرا للعباد من كل ما على وجه الارض من حيوان واشجار ونبات وغير ذلك. مما تختلف الوانه وتختلف منافعه اية على كمال قدرة الله وعميم احسانه وسعة بره. وانه الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده لا شريك له. لقوم يتذكرون يستحضرون في ذاكرتهم ما ينفعهم من العلم النافع. ويتأملون ما دعاهم الله الى التأمل فيه. حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسون اي هو وحده لا شريك له الذي سخر البحر وهيأه لمنافعكم المتنوعة لتأكلوا منه لحما طريا وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه وتستخف اخرجوا منه حلية تلبسونها فتزيدكم جمالا وحسنا الى حسنكم. وترى الفلك اي السفن والمراكب مواخر فيه. اي تنخر البحر العجاج الهائل بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر الى اخر. تحمل المسافرين وارزاقهم وامتعتهم وتجاراتهم. التي يطلبون بها ذاق فضل الله عليهم. ولعلكم تشكرون الذي يسر لكم هذه الاشياء وهيأها. وتثنون على الله الذي من بها. فلله تعالى الحمد والشكر الشكر والثناء حيث اعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون. واعلى مما يتمنون واتاهم من كل ما سألوه. لا نحصي ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه اي والقى الله تعالى لاجل عباده في الارض رواسي وهي الجبال العظام لان لا تميد بهم وتضطرب بالخلق. فيتمكنون من حرث الارض والبناء والسير عليها. ومن رحمته تعالى ان جعل فيها انهارا يسوقها من ارض بعيدة الى ارض مضطرة اليها. لسقيهم وسقي مواشيهم وحروفهم. انهارا على وجه الارض وانهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها. حتى يصلوا اليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والالات ونحوها. ومن ان جعل في الارض سبلا اي طرقا توصل الى الديار المتناهية. لعلكم تهتدون السبيل اليها. حتى انك تجد ارضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين افلا تذكرون لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة وما انعم به من النعم العميمة ترى انه لا يشبهه احد ولا كفؤ له ولا ند له. فقال افمن يخلق جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد؟ كمن لا يخلق شيئا لا قليلا ولا كثيرا. افلا تذكرون فتعرفون ان المنفرد بالخلق احق بالعبادة كلها. فكما انه واحد في خلقه وتدبيره فانه واحد في الهيته وتوحيده وعبادته. وكما انه ليس له مشارك اذ انشأكم وانشأ غيركم. فلا تجعلوا له اندادا في بل اخلصوا له الدين وان تعدوا نعمة الله عددا مجردا عن الشكر لا تحصوها فضلا عن كونكم تشكرونها فان نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الانفاس واللحظات. من جميع اصناف النعم مما يعرف العباد ومما لا يعرفون. وما عنه من النقم فاكثروا من ان تحصى. ان الله لغفور رحيم. يرضى منكم باليسير من الشكر مع انعامه الكثير ما تسرون وما تعلنون. والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم وكما ان رحمته واسعة وجوده عميم. ومغفرته شاملة للعباد. فعلمه محيط بهم. ويعلم ما تسرون وما تعلنون بخلاف من عبد من دونه فانهم لا يخلقون شيئا قليلا ولا كثيرا وهم يخلقون فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في ايجادهم الى الله تعالى. ومع هذا ليس فيهم من اوصاف الكمال شيء. لا علم ولا غيره. اموات غير احياء لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون اموات غير احياء فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا. افتتخذ هذه الهة من دون رب العالمين؟ فتبا لعقول المشركين. ما اضلها حيث ظلت في اظهر الاشياء فسادا وسووا بين الناقص من جميع الوجوه. فلا اوصاف كمال ولا شيء من الافعال. وبين الكامل من جميع الذي له كل الصفة كمال وله من تلك الصفة اكملها واعظمها. فله العلم المحيط بكل الاشياء والقدرة العامة. والرحمة الواسعة التي ملأت جميع العوالم والحمد والمجد والكبرياء والعظمة. التي لا يقدر احد من الخلق ان يحيط ببعض اوصافه. ولهذا قال الهكم هم اله واحد وهو الله الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد. فاهل الايمان والعقول اجلته قلوبهم معظمته واحبته حبا عظيما وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية واعمال القلوب واعمال الجوارح واثنوا عليه باسمائه الحسنى وصفاته وافعاله المقدسة فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة لهذا الامر العظيم الذي لا ينكره الا الخلق جهلا وعنادا. وهو توحيد الله وهم مستكبرون عن عبادته. لا جرم ان الله يعلم ما يسر لا جرم اي حقا لابد ان الله يعلم ما يسرنا او ما يعلنون من الاعمال القبيحة انه لا يحب المستكبرين. بل يبغضهم اشد البغض. وسيجازيهم من جنس عملهم. ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين يقول تعالى مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بايات الله. واذا قيل لهم ماذا انزل ربكم؟ اي اذا سئلوا عن القرآن والوحي الذي هو اكبر نعمة انعم الله بها على العباد. فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها؟ ام تكفرون فيكون جوابهم اقبح جواب واسمجة. فيقولون عنه انه اساطير الاولين. اي كذب اختلقه محمد على الله وما هو الا قصص الاولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل. منها الصدق ومنها الكذب. فقالوا هذه المقالة ودعوا اتباعهم اليها وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم الى يوم القيامة. وقوله ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم. اي من اوزار المقلدين الذين لا علم عندهم الا ما دعوهم اليه. فيحملون اثم ما دعوهم اليه لرحمته حيث عم بها عباده ويسرها لهم. وانه الاله المعبود وحده. حيث انه المنفرد بذلك من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا. يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون واما الذين يعلمون فكل مستقل بجرمه. لانه عرف ما عرفوا. الا ساء ما يزرون. اي بئس ما حملوا من الوزر المثقل ظهورهم من وزرهم ووزر من اضلوه قد مكن ترى الذين من قبلهم برسلهم واحتالوا بانواع الحيل على رد ما جاءوهم به. وبنوا من مكرهم قصورا هائلة. فاتى الله بنيانهم من القواعد اي جاءها الامر من اساسها وقاعدتها. فخر عليهم السقف من فوقهم. فصار ما بنوه عذابا عذبوا به. واتاهم العذاب من حيث لا فيشعرون وذلك انهم ظنوا ان هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب. فصار عذابهم فيما بنوه واصلوه. وهذا من احسن الامثلة في ولله مكر اعدائه. فانهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم. وجعلوا لهم اصولا وقواعد من الباطل يرجعون اليها. ويردون بها ما جاءت به الرسل. واحتالوا ايضا على ايقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم. فصار مكرهم وبالا عليهم. فصار تدبيرهم فيه تدميرهم وذلك لان مكرهم سيء. ولا يحق المكر السيء الا باهله. هذا في الدنيا والعذاب الاخرة اخزى. ولهذا قال ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول اين شركاء ويقول اي نشركاء فيهم ثم يوم القيامة يخزيهم ان يفضحهم على رؤوس الخلائق. ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله. ويقول اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم اي تحاربون وتعادون الله وحزبه لاجلهم. وتزعمون انهم شركاء لله. فاذا سألهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب الا الاقرار ضلالهم والاعتراف بعنادهم. فيقولون ضلوا عنا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. قال الذين اوتوا العلم اي العلماء اسماء ربانيون ان الخزي اليوم اي يوم القيامة والسوء اي العذاب على الكافرين. وفي هذا فضيلة اهل العلم وانهم بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. وان لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه. ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسم بلى ان الله عليم الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم اي تتوفاهم فيها هذه الحالة التي كثر فيها ظلمهم وغيهم. وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام. من انواع العذاب والخزي والاهانة. فالقوا السلم اي وانكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا ما كنا نعمل من سوء. فيقال لهم بلى كنتم تعملون السوء فان الله اليم بما كنتم تعملون. فلا يفيدكم الجحود شيئا. وهذا في بعض مواقف القيامة ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظنا انه ينفعهم فاذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه اقروا واعترفوا. ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم فادخلوا ابواب جهنم كل اهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم فلا بأس مثوى متكبرين نار جهنم فانها مثوى الحسرة والندم. ومنزل الشقاء الدائم ومحل الهموم والغموم. وموضع السخط من الحي القيوم لا يفتر عنهم من عذابها ولا يرفع عنهم يوما من اليم عقابها. قد اعرض عنهم الرب الرحيم واذاقهم العذاب العظيم وقيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم قالوا خيرا قالوا خيرا ان احسنوا في هذه الدنيا حسنة لما ذكر الله قيل المكذبين بما انزل الله ذكر ما قاله المتقون وانهم اعترفوا واقروا بان ما انزله الله ونعمة عظيمة وخير عظيم امتن الله به على العباد. فقبلوا تلك النعمة وتلقوها بالقبول والانقياد. وشكروا الله عليها. فعلموا وعملوا لها للذين احسنوا في عبادة الله تعالى واحسنوا الى عباد الله فلهم في هذه الدنيا حسنة. رزق واسع وعيشة هنية وطمأنينة قلب وامن وسرور. ولدار الاخرة خير من هذه الدار. وما فيها من انواع اللذات والمشتهيات. فان هذه نعيمة قليل محسوب بالافات منقطع بخلاف نعيم الاخرة. ولهذا قال ولنعم دار المتقين كذلك يجزي الله جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار. لهم فيها ما يشاؤون. اي مهما تمنته انفسهم وتعلقت به ارادتهم حصل لهم على اكمل الوجوه واتمها. فلا يمكن ان يطلبوا نوعا من انواع النعيم الذي فيه لذة القلوب وسرور الارواح. الا وهو حاضر لديهم ولهذا يعطي الله اهل الجنة كل ما تمنوه عليه. حتى انه يذكرهم اشياء من النعيم لم تخطر على قلوبهم. فتبارك الذي لا نهاية لكرمه ولا حد لجوده. الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته وصفات افعاله. واثار تلك النعوت وعظمة الملك والملكوت كذلك يجزي الله المتقين لسخط الله وعذابه باداء ما اوجبه عليه من الفروض والواجبات المتعلقة بالقلب والبدن واللسان من وحق عباده وترك ما نهاهم الله عنه الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة. يقولون سلام عليكم ادخلوا الذين تتوفاهم الملائكة مستمرين على تقواهم ها هم طيبين اي طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق اليهم. ويخل في ايمانهم. فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته والسنتهم بذكره والثناء عليه. وجوارحهم بطاعته والاقبال عليه. يقولون سلام عليكم. اي التحية الكاملة حاصلة لكم والسلامة من كل افة. وقد سلمتم من كل ما تكرهون. ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. من الايمان بالله والانقياد لامره. فان العمل هو السبب والمادة والاصل في دخول الجنة والنجاة من النار. وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم. لا بحولهم وقوتهم هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة او يأتي امر ربك كذلك فعل الذين يقول تعالى ينتظر هؤلاء الذين جاءتهم الايات فلم يؤمنوا وذكروا فلم يتذكروا الا ان تأتيهم الملائكة لقبض ارواحهم او يأتي امر وربك بالعذاب الذي سيحل بهم. فانهم قد استحقوا لوقوعه فيهم. كذلك فعل الذين من قبلهم كذبوا وكفروا. ثم لم يؤمنوا نزل بهم العذاب وما ظلمهم الله اذ عذبهم. ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فانها مخلوقة لعبادة الله ليكون مآلها الى كرامة الله فظلموها وتركوا ما خلقت له. وعرضوها للاهانة الدائمة والشقاء الملازم فاصابهم سيئات ما عملوا اي عقوبات اعمالهم واثارها وحاق بهم اي نزل ما كانوا به يستهزئون. فانهم كانوا اذا اخبرتهم رسلهم بالعذاب استهزأوا به. وسخروا ممن اخبر به فحل بهم ذلك الامر الذي سخروا منه كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل الا البلاغ المبين اي احتج المشركون على شركهم مشيئة الله وان الله لو شاء ما اشركوا ولا حرموا شيئا من الانعام التي احلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه. وهذه حجة حجة باطلة فانها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث اشركوا به. فعاقبهم اشد العقاب. فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم وليس قصدهم بذلك الا رد الحق الذي جاءت به الرسل. والا فعندهم علم انه لا حجة لهم على الله. فان الله امرهم ونهاهم. ومكنهم من القيام بما كلفهم وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها افعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من ابطال الباطل. هذا وكل احد يعلم بالحس قدرة الانسان على كل فعل يريده من غير ان ينازعه منازع. فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله. وتكذيب الامور العقلية والحسية فهل على الرسل الا البلاغ المبين؟ اي البين الظاهر الذي يصل الى القلوب ولا يبقى لاحد على الله حجة. فاذا بلغتهم الرسل امر بهم ونهيه واحتجوا عليهم بالقدر فليس للرسل من الامر شيء. وانما حسابهم على الله عز وجل فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين اخبر تعالى ان حجته قامت على جميع الامم. وانه ما من امة متقدمة او متأخرة الا وبعث الله فيها رسولا. وكلهم متفقون دعوة واحدة ودين واحد. وهو عبادة الله وحده لا شريك له. ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. فانقسمت الامم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين. فمنهم من هدى الله فاتبعوا المرسلين علما وعملا. ومنهم من حقت عليه الضلالة. فاتبع سبيل الغي سيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. فانكم سترون من ذلك العجائب فلا تجدون مكذبا الا كان عاقبته الهلاك ان تحرص على هداهم وتبذل جهدك في ذلك. فان الله لا يهدي من يضل. ولو فعل كل سبب لم يهده الا الله وما لهم من ناصرين ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه لا يدعس الله من يموت بلا وعدا عليه حقا. بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله انهم اقسموا بالله جهد ايمانهم اي حلفوا وايمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله. وان الله لا يبعث الاموات. ولا يقدر على احيائهم بعد ان كانوا ترابا. قال تعالى مكذبا لهم بلى سيبعثهم ويجمعهم ليوم لا ريب فيه. وعدا عليه حقا لا يخلفه ولا يغيره. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ومن اهليهم العظيم انكارهم للبعث والجزاء. ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال انما قولنا لشيء اذا ليبين لهم الذي يختلفون فيه من المسائل الكبار والصغار فيبين حقائقها ويوضحها. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين حين يرون اعمالهم حسرات عليهم. وما الهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء امر ربك. وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم وتكور الشمس والقمر اثر النجوم ويتضح لمن يعبدها انها عبيد مسخرات. وانهن مفتقرات الى الله في جميع الحالات. وليس ذلك على الله بصعب ولا شديد فانه اذا اراد شيئا قال له كن فيكون من غير منازعة ولا امتناع. بل يكون على طبق ما اراده وشاءه يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين الذين هاجروا في الله اي في سبيله ابتغاء مرضاته من بعد ما ظلموا بالاذية والمحنة من قومهم. الذين يفتنونهم ليردوهم الى الكفر والشرك. فتركوا الاوطان والخلان وانتقلوا انهى لاجل طاعة الرحمن. فذكر لهم ثوابين ثوابا عاجلا في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء. الذي رأوه عيانا بعدما هاجروا وانتصروا على اعدائهم وافتتحوا البلدان وغنموا منها الغنائم العظيمة. فتمولوا واتاهم الله في الدنيا حسنة. ولاجر الاخرة الذي وعدهم الله الله على لسان رسوله اكبر من اجر الدنيا. كما قال الله تعالى الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان. وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا. ان الله عنده اجر عظيم. وقوله لو كانوا يعلمون. اي لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الاجر ثواب لمن امن به وهاجر في سبيله لم يتخلف عن ذلك احد. ثم ذكر وصف اوليائه فقال الذين صبروا على اوامر الله وعن نواهيه وعلى اقدار الله المؤلمة على الاذية فيه والمحن. وعلى ربهم يتوكلون. ان يعتمدون عليه في تنفيذ محابه. لا على انفسهم. وبذلك تنجح امورهم وتستقيم احوالهم فان الصبر والتوكل ملاك الامور كلها. فما فات احدا شيء من الخير الا لعدم صبره وبذل جهده فيما اريد او لعدم توكله واعتماده على الله وانزلنا اليك الذكر لتبين يقول تعالى لنبيه محمد صلى صلى الله عليه وسلم. وما ارسلنا من قبلك الا رجالا. اي لست ببدع من الرسل. فلم نرسل قبلك ملائكة. بل رجالا كاملين لا نساء يوحي اليه من الشرائع والاحكام ما هو من فضله واحسانه على العبيد. من غير ان يأتوا بشيء من قبل انفسهم. فاسألوا اهل الذكر اي الكتب السابقة ان كنتم لا تعلمون نبأ الاولين وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا اهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر والبينات فعلموها وفهموها فانهم كلهم قد تقرر عندهم ان الله ما بعث الا رجالا يوحي اليهم من اهل القرى. وعموم هذه الاية فيها مدح اهل العلم وان اعلى انواعه العلم بكتاب الله المنزل. فان الله امر من لا يعلم بالرجوع اليهم في جميع الحوادث. وفي ضمنه دين لاهل العلم وتزكية لهم حيث امر بسؤالهم. وان بذلك يخرج الجاهل من التبعة. فدل على ان الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله وانهم مأمورون بتزكية انفسهم والاتصاف بصفات الكمال. وافضل اهل الذكر اهل هذا القرآن العظيم. فانهم اهل الذكر على الحقيقة من غيرهم بهذا الاسم. ولهذا قال الله تعالى وانزلنا اليك الذكر. اي القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج اليه العباد من امور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة لتبين للناس ما نزل اليهم وهذا شامل لتبيين الفاظه وتبيين معانيه. ولعلهم يتفكرون فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم واقبالهم عليه هذا تخويف من الله تعالى لاهل الكفر والتكذيب وانواع المعاصي. من ان يأخذهم بالعذاب على غرة وهم لا يشعرون. اما ان يأخذهم العذاب من فوقهم او من اسفل منهم بالخسف وغيره. واما في حال تقلبهم وشغلهم. وعدم خطور العذاب ببالهم. واما في حال تخوفهم من العذاب فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الاحوال بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده. ولكنه رؤوف رحيم لا يعادل العاصين بالعقوبة بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم. وهم يؤذونه ويؤذون اولياءه. ومع هذا يفتح لهم ابواب التوبة. ويدعوهم الى الاقلاع من السيئات التي تضرهم ويعدهم بذلك افضل الكرامات ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب. فليستحي المجرم من ربه ان تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات ومعاصيه صاعدة الى ربه في كل الاوقات. وليعلم ان الله يمهل ولا يهمل. وانه اذا اخذ العاصي اخذه اخذ عزيز فليتب اليه وليرجع في جميع اموره اليه. فانه رؤوف رحيم. فالبدار البدار الى رحمته الواسعة وبره العميم. وسلوك طرق الموصلة الى فضل الرب الرحيم. الا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمال يقول تعالى او لم يروا اي في توحيد ربهم وعظمته وكماله الى ما خلق الله من شيء اي الى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ اظلتها عن اليمين عن الشمائل سجدا لله. اي كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله. وهم داخرون. اي ذليلون تحت التسخير والتدبير ما منهم احد الا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده والملائكة والملائكة وهم لا فيستكبرون. ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة. من الحيوانات الناطقة والصامتة. والملائكة الكرام خصهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم. ولهذا قال وهم لا يستكبرون. اي عن عبادته على كثرتهم اخلاقهم وقوتهم. كما قال الله تعالى لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون. يخافون يخافون ربهم من فوقهم لما مدحهم بكثرة الطاعة والخضوع لله. مدحهم بالخوف من الله الذي هو فوقهم بالذات والقهر. وكمال الاوصاف فهم اذلاء تحت تدبيره ويفعلون ما يؤمرون اي مهما امرهم الله تعالى امتثلوا لامره طوعا واختيارا وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان سجود اضطراب حار ودلالة على ما له من صفات الكمال. وهذا عام لكل مخلوق. من مؤمن وكافر وبر وفاجر. وحيوان ناطق وغيره وسجود اختيار يختص باوليائه وعباده المؤمنين من الملائكة وغيرهم من المخلوقات. وقال الله لا تتخذوا الهي يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له تدل على ذلك بانفراده بالنعم والوحدانية. فقال لا تتخذوا الهين اثنين اي تجعلون له شريكا في الهيته. وهو ان فما هو اله واحد متوحد في الاوصاف العظيمة. متفرد بالافعال كلها. فكما انه الواحد في ذاته واسمائه ونعوته وافعاله توحدوه في عبادته. ولهذا قال فاياي فارهبون. اي خافوني وامتثلوا امري. واجتنبوا نهي. من غير ان تشركوا بي شيئا من من المخلوقات فانها كلها لله تعالى مملوكة وله ما في السماوات والارض وله الدين واصبا. اي الدين والعبادة والذل في جميع الاوقات. لله وحده على الخلق ان يخلصوه لله وينصدغوا بعبوديته. افغير الله تتقون من اهل الارض او اهل السماوات فانهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفع والله المتفرد بالعطاء والاحسان وما بكم من نعمة ظاهرة وباطنة فمن الله لا احد يشركه فيها ثم اذا مسكم الضر من فقر ومرض وشدة فاليه تجأرون. اي تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم انه لا يدفع الضر والشدة الا اهو فالذي انفرد باعطائكم ما تحبون وصرف ما تكرهون هو الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده ولكن كثيرا من الناس يظلمون انفسهم ويجحدون نعمة الله عليهم اذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء. اشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة. ولهذا قال ليكفروا بما اتيناهم اي اعطيناهم حيث نجيناهم من الشدة وخلصناهم من المشقة. فتمتعوا في دنياكم قليلا. فسوف تعلمون عاقبة كفركم يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم على الله الكذب. وانهم يجعلون لاصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر نصيبا مما رزقهم الله وانعم به عليهم. فاستعانوا برزقه على الشرك به. وتقربوا به الى اصنام منحوتة. كما قال تعالى واجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا. فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا. فما كان لشركائهم فلا الى الله لتسألن عما كنتم تفترون. ويقال االله اذن لكم ام على الله تفترون؟ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة. فيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة تتوارى من القوم من سوء امام الشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب ويجعلون لله البنات حيث قالوا عن الملائكة عبادي المقربين انهم بنات الله. ولهم ما يشتهون اي لانفسهم الذكور. حتى انهم يكرهون البنات كراهة شديدة. فكان احدهم اذا بشر بالانثى ظل وجهه مسودا من الغم الذي اصابه. وهو كظيم. اي كاظم على الحزن والاسف اذا بشر بانثى. وحتى فانه يتضح عند ابناء جنسه. ويتوارى منهم من سوء ما بشر به. ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد فيما يصنع بتلك البنت التي بشر بها فيمسكه على هون اي يتركها من غير قتل على اهانة وذل؟ ام يدسه في التراب؟ اي يدفنها وهي حية؟ وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين الا ساء ما يحكمون؟ اذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله من نسبة الولد اليه. ثم لم يكفهم هذا حتى نسبوا له ابدأ القسمين وهو الاناث اللاتي يأنفون بانفسهم عنها ويكرهونها. فكيف ينسبونها لله تعالى؟ فبئس الحكم حكمهم ولما كان هذا من امثال السوء التي نسبها اليه اعداءه المشركون. قال الله تعالى السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم. للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء. اي مثل الناقص والعيب التام ولله المثل الاعلى. وهو كل الصفة كمال. وكل كمال في الوجود. فالله احق به من غير ان يستلزم ذلك اقسم بوجه وله المثل الاعلى في قلوب اوليائه. وهو التعظيم والاجلال والمحبة والانابة والمعرفة. وهو العزيز الذي قهر جميع الاشياء انقادت له المخلوقات باسرها الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها فلا يأمر ولا يفعل الا ما يحمد عليه ويثنى على كماله فيه ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دار لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه ذكر كمال حلمه وسبه فقال ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم من غير زيادة ولا نقص. ما ترك عليها من دابة. اي لاهلك المباشرين للمعصية وغيرهم من انواع الدواب الحيوانات فان شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل. ولكن يؤخرهم عن تعجيل العقوبة عليهم الى اجل مسمى. وهو يوم القيامة فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فليحذروا ما داموا في وقت الامهال قبل ان يجيء الوقت الذي لا امهال فيه ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرمن لهم لا جرم ان لهم النار وانهم مفرقون يخبر تعالى ان المشركين يجعلون لله ما يكرهون من البنات ومن الاوصاف القبيحة. وهو الشرك بصرف شيء من العبادات الى بعض المخلوقات التي هي عبيد لله. فكما انهم يكرهون ولا يرضون ان يكون عبيدهم وهم مخلوقون من جنسهم شركاء لهم فيما رزقهم الله. فكيف يجعلون له شركاء من عبيده؟ وهم مع هذه الاساءة العظيمة تصف السنتهم الكذبة ان لهم الحسنى. اي ان لهم الحالة الحسنة في الدنيا والاخرة. رد عليهم بقوله لا ان لهم النار وانهم مفرطون. مقدمون عليها ماكثون فيها غير خارجين منها ابدا. بين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم انه ليس هو اول رسول كذب. فقال تعالى وليهم اليوم ولهم عذاب اليم. تالله لقد ارسلنا الى امم من قبلك رسلا يدعونهم الى التوحيد فزين لهم الشيطان اعمالهم. فكذبوا الرسل وزعموا ان ما هم عليه هو الحق المنجي من كل مكروه. وان ما دعت اليه الرسل فهو بخلاف ذلك. فلما زين لهم الشيطان اعمالهم صار وليهم في الدنيا فاطاعوه واتبعوه وتولوه. افتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو. بئس للظالمين بدلا. ولهم عذاب اليم في الاخرة. حيث تولوا عن ولاية الرحمن. ورضوا بولاية الشيطان فاستحقوا لذلك عذاب الهوان الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون الله انزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها ان في ذلك لاية لقوم ان في ذلك لاية لقوم يسمعون عن الله مواعظه وتذكيره. فيستدلون بذلك على انه وحده المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده. لانه المنعم بانزال المطر وانبات جميع اصناف النبات. وعلى انه على كل شيء قدير. وان لاحيا الارض بعد موتها قادر على احياء الاموات. وان الذي نشر هذا الاحسان لذو رحمة واسعة. وجود عظيم. وان لكم في في الانعام العبرة نسقيكم منا في بطونه من بين فرس اي ان لكم في الانعام التي سخرها الله لمنافعك لعبرة تستدلون بها على كمال قدرة الله وسعة احسانه. حيث اسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم. فاخرج من بين ذلك لبن خالصا من الكدر سائغا للشاربين للذته. ولانه يسقي ويغذي. فهل هذه الا قدرة الهية؟ لا امور طبيعية فاي شيء في الطبيعة يقلب العلف الذي تأكله البهيمة والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح لبنا خالصا سائغا للشاربين وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والاعناب منافع للعباد ومصالح. من انواع الرزق الحسن الذي يأكله العباد طريا ونضيجا. وحاضرا ومدخرا وطعاما وشرابا. يتخذ من عصيرها ونبيذها. من السكر الذي كان قبل ذلك ثم ان الله نسخ حل المسكرات واعاض عنها بالطيبات من الانبذة وانواع الاشربة اللذيذة المباحة. ان في ذلك اية لقوم يعقلون عن الله كمال اقتداره. حيث اخرجها من اشجار شبيهة بالحطب. فصارت ثمرة لذيذة وفاكهة طيبة. وعلى شموع في خلق هذه النحلة الصغيرة التي هداها الله هذه الهداية العجيبة. ويسر لها المراعي ثم الرجوع الى بيوتها التي اتى بتعليم الله لها وهدايته لها. ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ. مختلف الالوان بحسب اختلاف ارضها ومراعيها. فيه شفاء للناس من امراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لطفه بعباده. وانه الذي لا ينبغي ان يحب غيره ويدعى سواه والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكي لا يخبر تعالى انه الذي خلق العباد في الخلقة طورا بعد طور. ثم بعد ان يستكملوا اجالهم. يتوفاهم ومنهم من يعمره حتى يرد الى ارض للعمر. اي اخس الذي يبلغ به الانسان الى ضعف القوة الظاهرة والباطنة. حتى العقل الذي هو جوهر الانسان يزيد ضعفه حتى انه ينسى ما كان يعلمه يصير عقله كعقل الصبي. ولهذا قال لكي لا يعلم بعد علم شيئا. ان الله عليم قدير. اي قد احاط علمه وقدرته بجميع من الاشياء ومن ذلك ما ينقل به الادمي من اطوار الخلقة وخلقا بعد خلق. كما قال تعالى الله الذي خلقكم من ضعف. ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير رزقهم على ما ايمانهم فهم فيه سواء. افبنعمة الله يجحدون. وهذا من ادلة بتوحيده وقبح الشرك به. يقول تعالى كما انكم مشتركون بانكم مخلوقون مرزوقون. الا انه تعالى فضل بعضكم على بعض في رزق فجعل منكم احرارا لهم مال وثروة ومنكم ارقاء لهم لا يملكون شيئا من الدنيا. فكما ان سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا برادي رزقهم على ما ملكت ايمانهم فهم فيه سواء. ويرون هذا من الامور الممتنعة. فكذلك من اشركتم بها مع الله انها عبيد ليس لها من الملك مثقال ذرة. فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى؟ هل هذا الا من اعظم الظلم والجحود لنعم الله ولهذا قال افبنعمة الله يجحدون. فلو اقروا بالنعمة ونسبوها الى من اولاها لما اشركوا به احدا الله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات اف بالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده. حيث جعل لهم ازواجا ليسكنوا اليها. وجعل لهم من ازواجهم اولادا تقربهم اعينهم ويخدمونهم يقضون حوائجهم وينتفعون بهم من وجوه كثيرة. ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب. والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد ان يحصى افبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون. اي اي يؤمنون بالباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا. ثم اوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم. فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الامر شيئا. وهذا عام لكل ما عبد من دون الله. فانها باطلة. فكيف يتخذ المشركون من دون الله وبنعمة الله هم يكفرون. يجحدونها ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به. هل هذا الا من اظلم الظلم وافجر الفجور واسفه السفه يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم انهم يعبدون من دونه الهة اتخذوها شركاء لله والحال انهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والارض. فلا ينزلون مطرا ولا رزقا ولا ينبتون من نبات الارض شيئا. ولا يملكون قال ذرة في السماوات والارض ولا يستطيعون لو ارادوا فان غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون. فهذه صفة الهتهم كيف جعلوها مع الله وشبهوها بمالك الارض والسماوات. الذي له الملك وكله والحمد كله والقوة كلها. ولهذا قال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون. فلا تضربوا لله الامثال المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه. ان الله يعلم وانتم لا تعلمون. فعلينا ان لا نقول عليه بلا علم. وان نسمع ما ضربه العليم من الامثال. فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه هل يستوون احدهما عبد مملوك اي رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا والثاني حر غني قد رزقه الله منه رزقا حسنا. من جميع اصناف المال وهو كريم محب للاحسان. فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوي هذا وذاك؟ لا يستويان مع انهما مخلوقان. غير محال استواؤهما. فاذا كانا لا يستويان فكيف يستوي مخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة. بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك. القادر على كل شيء ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بانواعه فقال الحمد لله فكأنه قيل اذا كان الامر كذلك فلما سوى المشركون الهتهم بالله قال بل اكثرهم لا يعلمون. فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرأوا على الشرك العظيم. والمثل الثاني وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم. احدهما ابكم لا هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم مثل رجلين احدهما ابكم لا يسمع ولا ينطق ولا يقدر على شيء لا قليل ولا كثير. وهو كل على مولاه اي يخدمه مولاه ولا يستطيعه ان يخدم نفسه. فهو ناقص من كل وجه. فهل يستوي هذا ومن كان يأمر بالعدل؟ وهو على صراط مستقيم فاقواله عدل وافعاله مستقيمة. فكما انهما لا يستويان فلا يستوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه لولا قيام الله بها لم يستطع شيئا منها. لا يكون كفوا وندا لمن لا يقول الا الحق. ولا يفعل الا ما يحمد عليه اي هو تعالى المنفرد بغيب السماوات والارض. فلا يعلم الخفايا والبواطن والاسرار الا هو. ومن ذلك علم الساعة فلا يدري احد متى تأتي الا الله. فاذا جاءت وتجلت لم تكن الا كلمح البصر او هو اقرب من ذلك. فيقوم الناس من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم. وتفوت الفرص لمن يريد الامهال. ان الله على كل شيء قدير. فلا يستغرب على قدرته الشاملة احياؤه للموتى. والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا جعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون. اي هو المنفرد بهذه النعم حيث اخرجكم بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا. ولا تقدرون على شيء. ثم انه جعل لكم السمع والابصار والافئدة. خص هذه الاعضاء الثلاثة لشرف وفضلها ولانها مفتاح لكل علم. فلا وصل العبد علم الا من احد هذه الابواب الثلاثة. والا فسائر الاعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي اعطاهم اياها وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا. الى ان يصل كل احد الى الحالة اللائقة به. وذلك لاجل ان يشكر الله باستعمال ما اعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله. فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه. وقابل النعمة باقبح المقابلة ما يمسكهن الا ان في ذلك لايات قوم يؤمنون اي لانهم المنتفعون بايات الله. المتفكرون فيما جعلت اية عليه. واما غيرهم فان نظرهم نظر لهو وغفلة ووجه الاية فيها ان الله تعالى خلقها بخلقة تصلح للطيران ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف ثم اودع فيها من قوة الحركة وما قدرت به على ذلك وذلك دليل على كمال حكمته وعلمه الواسع وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره. تبارك الله رب عالمين تستخفونها يوم ضعنكم ويوم اطالتكم. ومن اصوافها واوبارها واشعارها يذكر تعالى عباده نعمه ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها فقال والله جعل لكم من بيوتكم سكنا. في الدور والقصور ونحوها تكنكم من الحر والبرد وتستركم. انتم واولادكم ثم امتعتكم وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لانواع منافعكم ومصالحكم. وفيها حفظ لاموالكم وحرمكم. وغير ذلك من فوائد المشاهدة وجعل لكم من جلود الانعام اما من الجلد نفسه او مما نبت عليه من صوف وشعر ووبر بيوتا تستخفون ها اي خفيفة المحمل تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها فتقيكم من الحر والبرد والمطر وتقي متاعكم من المطر وجعل لكم من اصوافها اي الانعام واوبارها واشعارها اثاثا. وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الانية والاوعية والفرش والالبسة والاجلة وغير ذلك. ومتاعا الى حين. اي تتمتعون بذلك في هذه الدنيا. وتنتفعون بها. فهذا مما الله العباد لصنعته وعمله وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم. كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. والله جعل لكم مما خلق اي من مخلوقاته التي الى صنعة لكم فيها ظلالا وذلك كاظلة الاشجار والجبال والاكام ونحوها. وجعل لكم من الجبال اكنانا اي مغارة تكنكم من الحر والبرد والامطار والاعداء. وجعل لكم سرابيل اي البسة وثيابا تقيكم الحر. ولم يذكر الله البرد لانه قد تقدم ان هذه السورة اولها في اصول النعم. واخرها في مكملاتها ومتمماتها. ووقاية البرد من اصول النعم. فان انه من الضرورة وقد ذكره في اولها في قوله لكم فيها دفء ومنافع. وتقيكم بأسكم اي وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب من السلاح وذلك كالدروع والزرد ونحوها. كذلك يتم نعمته عليكم حيث اسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر. لعلكم اذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه تسلمون لعظمته وتنقادون لامره وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها فكثرة النعم من الاسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر. والثناء بها على الله تعالى ولكن ابى الظالمون الا تمردا وعنادا فاظهر الله خزيهم وبين فضائحهم فله تعالى الحمد الا من اكره وقلبه مطمئن وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شر اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم لهذا قال الله عنهم فان تولوا عن الله وعن طاعته بعدما ذكروا بنعمه واياته. فانما عليك البلاغ المبين. اي ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء. بل انت مطالب بالوعظ والتذكير والانذار والتحذير. فاذا اديت ما عليك فحسابهم على الله ينكرونها واكثرهم الكافرون. فانهم يرون الاحسان ويعرفون نعمة الله. ولكنهم ينكرون ويجحدونها واكثرهم الكافرون لا خير فيهم. وما ينفعهم توالي الايات لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم. وسيرون الله لكل جبار عنيد كفور للنعم متمرد على الله وعلى رسله ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون. واذا الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون. يخبر تعالى عن حال الذين كفروا في يوم القيامة وانه لا يقبل لهم عذر ولا يرفع عنهم العقاب. وان شركاءهم تتبرأ منهم. ويقرون على انفسهم بالكفر والافتراء على الله. فقال قال ويوم نبعث من كل امة شهيدا يشهد عليها باعمالهم وماذا اجابوا به الداعي الى الهدى وذلك الشهيد الذي يبعثه الله ازكى الشهداء واعدلهم وهم الرسل الذين اذا شهدوا تم عليهم الحكم. فلا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار لان اعتذارهم بعدما علم يقينا بطلانه ما هم عليه اعتذار كاذب لا يفيدهم شيئا. وان طلبوا ايضا الرجوع الى الدنيا. ليستدركوا لم يجابوا ولم يعتبوا. بل يبادرهم العذاب الشديد الذي لا يخفف عنهم من غير انذار ولا امهال. من حين يرونه لانهم لا حساب عليهم. لانهم لا حسنات لهم وانما تعد اعمالهم وتحصى ويوقفون عليها ويقررون بها ويفتضحون قالوا ربنا هؤلاء شركاء فالقوا اليهم القول انكم لكاذبون واذا رأى الذين اشركوا شركاءهم يوم القيامة وعلموا بطلانها ولم يمكنهم الانكار. قالوا ربنا هؤلاء الذين كنا ندعو من دونك ليس عندها نفع ولا شفع. فنوهوا بانفسهم ببطلانها وكفروا بها. وبدت البغضاء والعداوة بينهم هم وبينها فالقوا اليهم القول اي ردت عليهم شركاؤهم قولهم فقالت لهم انكم لكاذبون حيث جعلتمونا شركاء واعبدتمونا معه فلم نأمركم بذلك ولزعمنا ان فينا استحقاقا للالوهية فاللوم عليكم فحين اذ استسلموا لله وخضعوا لحكمه انهم مستحقون للعذاب. وضل عنهم ما كانوا يفترون. فدخلوا النار. وقد امتلأت قلوبهم من مقت انفسهم. ومن حمد ربهم. وان انه لم يعاقبهم الا بما كسبوا. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا اه زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. الذين كفروا وصدوا زدنا حيث كفروا بانفسهم وكذبوا بايات الله حاربوا رسله وصدوا الناس عن سبيل الله وصاروا دعاة الى الضلال. فاستحقوا مضاعفة العذاب كما تضاعف جرمهم. وكما افسدوا في ارض اه ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم ونزلنا عليك الكتاب لما ذكر فيما تقدم انه يبعث في كل امة شهيدا ذكر ذلك ايضا هنا منهم هذا الرسول الكريم فقال وجئنا بك شهيدا على هؤلاء اي على امتك تشهد عليهم بالخير والشر وهذا من كمال عدل الله على ان كل رسول يشهد على امته لانه اعظم اطلاعا من غيره على اعمال امته. واعدل واشفق من ان يشهد عليهم الا بما يستحقون وهذا كقوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. وقال تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض وقوله ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء في اصول الدين وفروعه وفي احكام الدارين وكل ما يحتاج اليه العباد فهو مبين فيه اتم تبيين بالفاظ واضحة ومعان جلية حتى انه تعالى يثني فيه الامور الكبار التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت واعادتها في كل ساعة. ويعيدها ويبديها بالفاظ مختلفة وادلة متنوعة. لتستقر في القلوب فتثمر من الخير بحسب ثبوتها في القلب. وحتى انه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة. يكون اللفظ لها كالقاعدة والاساس. واعتبرها هذا بالاية التي بعد هذه الاية. وما فيها من انواع الاوامر والنواهي التي لا تحصى. فلما كان هذا القرآن تبيانا لكل شيء صار حجة الله على العباد كلهم فانقطعت به حجة الظالمين. وانتفع به المسلمون. فصار هدى لهم يهتدون به الى امر دينهم ودنياهم. ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والاخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع وعمل صالح. والرحمة ما ترتب على ذلك من ثواب الدنيا والاخرة. كصلاح القلب وبره وطمأنينته وتمام العقل الذي لا يتم الا بتربيته على معانيه. التي هي اجل المعاني واعلاها. والاعمال الكريمة والاخلاق الفاضلة والرزق الواسع والنصر على الاعداء بالقول والفعل. ونيل رضا الله تعالى وكرامته العظيمة التي لا يعلم ما فيها من النعيم المقيم الا الرب الرحيم. ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون فالعدل الذي امر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده. فالعدل في ذلك اداء الحقوق كاملة موفرة. بان يؤدي العبد ما اوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده. ويعامل الخلق بالعدل التام. فيؤدي كل وال ما عليه في ولايته سواء في ذلك ولاية الامامة الكبرى وولاية القضاء. ونواب الخليفة ونواب القاضي. والعدل هو ما فرضه الله عليهم في وعلى لسان رسوله وامرهم بسلوكه ومن العدل في المعاملات ان تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات بايفاء جميع ما عليه فلا تبخسوا لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب والاحسان فضيلة مستحب. وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم وغير ذلك من انواع النفع. حتى انه يدخل فيه الاحسان الى الحيوان البهيم المأكول وغيره. وخص الله ايتاء ذي القربى وان كان داخلا في العموم لتأكد حقهم وتعين صلتهم وبرهم والحرص على ذلك. ويدخل في ذلك جميع الاقارب قريبهم وبعيدهم لكن كل ما كان اقرب كان احق بالبر. وقوله وينهى عن الفحشاء وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر كالشرك بالله والقتل بغير حق والزنا والسرقة والعجب والكبر. واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش. ويدخل في المنكر كل ذنب ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى. وبالبغي كل عدوان على الخلق في الدماء والاموال والاعراض. فصارت هذه الاية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبقى شيء الا دخل فيها. فهذه قاعدة ترجع اليها سائر الجزئيات. فكل مسألة مشتملة على عدل او احسان او ايتاء ذي القربى فهي مما امر الله به. وكل مسألة مشتملة على فحشاء او منكر او بغي. فهي مما نهى الله عنه. وبها يعلم حسن ما امر الله به وقمح ما نهى عنه. وبها يعتبر ما عند الناس من الاقوال. وترد اليها سائر الاحوال. فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء او النور والفرقان بين جميع الاشياء. ولهذا قال يعظكم به اي بما بينه لكم في كتابه يأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عن ما فيه مضرتكم. لعلكم تذكرون ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه فانكم اذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها. فلما امر بما هو واجب في اصل الشرع. امر بوفاء ما اوجبه العبد على نفسه فقال وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون. وهذا يشمل جميع ما عاهدنا العبد عليه ربه من العبادات والنذور والايمان التي عقدها. اذا كان الوفاء بها برا ويشمل ايضا ما تعاقد عليه هو وغيره. كالعهود بين المتعاقدين وكالوعد الذي يعده العبد لغيره ويؤكده على نفسه فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة ولهذا الله عن نقضها فقال ولا تنقض الايمان بعد توكيدها بعقدها على اسم الله تعالى. وقد جعلتم الله عليكم ايها المتعاقدان قيل فلا يحل لكم الا تحكموا ما جعلتم الله عليه كفيلا. فيكون ذلك ترك تعظيم لله واستهانة به. وقد رضي الاخر منك باليمين والتوكيد الذي جعلت الله فيه كفيلا. فكما ائتمنك واحسن ظنه فيك. فالتفله بما قلت واكدته. ان الله يعلم ما تفعلون جازي كل عامل بعمله على حسب نيته ومقصده. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ان تكون امة هي ولا تكونوا في نقضكم للعهود باسوء الامثال واقبحها وادلها على سفه متعاطيها. وذلك التي تغزل غزلا قويا فاذا استحكم وتم ما اريد منه نقضته فجعلته انكاثا فتعبت على الغزل ثم على النقم ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي. فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه. ناقص الدين والمروءة قوله تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ان تكون امة هي اربى من امة. اي لا تنبغي هذه الحالة منكم تعقدون الايمان المؤكدة يخبر تعالى عن شناعة حال من كفر بالله من بعد ايمانه فعمي بعد ما ابصر ورجع الى الضلال بعدما اهتدى. وشرح صدره بالكفر. راضيا به مطمئنا ان لهم الغضب الشديد وتنتظرون فيها الفرص. فاذا كان العاقل لها ضعيفا غير قادر على الاخر. اتمها لا لتعظيم العقد واليمين بل لعجزه. وان كان قوي يرى مصلحته الدنيوية في نقضها. نقضها غير مبال بعهد الله ويمينه. كل ذلك دوران مع اهوية النفس. وتقديما لها على لله منكم وعلى المروءة الانسانية والاخلاق المرضية لاجل ان تكون امة اكثر عددا وقوة من الاخرى. وهذا ابتلاء من الله وامتحان يبتليكم الله به حيث قيد من اسباب المحن الذي يمتحن به الصادق الوفي من الفاجر الشقي. وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه فيه تختلفون فيجازي كلا بما عمل ويخزي الغادر اي لو شاء الله لجمع الناس على الهدى وجعلهم امة واحدة ولكنه تعالى المنفرد بالهداية والاضلال. وهدايته واضلاله من افعاله التابعة لعلمه وحكمته. يعطي الهداية من يستحقه فضلا ويمنعها من لا يستحقها عدلا. ولتسألن عما كنتم تعملون. ولا تسألن عما كنتم تعملون من خير وشر يجازيكم عليها اتم الجزاء واعدله. ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوته ايوا لا تتخذوا ايمانكم وعهودكم ومواثيقكم تبعا لاهوائكم. متى شئتم وفيتم بها ومتى شئتم نقضتموها. فانكم اذا فعلتم ذلك تزل اقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم. وتذوق السوء اي العذاب الذي يسوؤكم ويحزنكم. بما صددتم عن سبيل الله حيث ضللتم ثم اضللتم غيركم ولكم عذاب عظيم مضاعف. ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا انما عند الله هو خير لكم ان كنتم تعلمون. يحذر تعالى عباده من نقض العهود والايمان لاجل متاع الدنيا وحطامها فقال ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا تنالونه بالنقض وعدم الوفاء انما عند الله من الثواب العاجل والاجل لمن اثر رضاه. واوفى بما عاهد عليه الله هو خير لكم من حطام الدنيا الزائلة. ان كنتم تعلمون فاثروا ما على ما يفنى فان الذي عندكم ولو كثر جدا لابد ان ينفد ويفنى وما عند الله باق ببقاءه. لا يفنى ولا يزول. فليس بعاقل من اثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس. وهذا قوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى. وما عند الله خير للابرار. وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا خصوصا الزهد المتعين. وهو الزهد فيما يكون ضررا على العبد. ويوجب له الاشتغال عما اوجب الله عليه. وتقديمه على الله فان هذا الزهد واجب. ومن الدواعي للزهد ان يقابل العبد لذات الدنيا وشهواتها بخيرات الاخرة. فانه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه الى ايثار اعلى الامرين. وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة. كالصلاة والصيام والذكر ونحوها. بل لا يكون العبد زاهدا زهدا صحيحا حتى يقوم بما يقدر عليه من الاوامر الشرعية الظاهرة والباطنة. ومن الدعوة الى الله والى دينه بالقول والفعل. فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا. والرغبة والسعي في كل ما ينفع. ولنجزين الذين صبروا على طاعة الله وعن معصيته حطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية المضرة بدينهم. اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. فان الله لا يضيع اجر من احسن عملا. ولهذا ذكر جزاء العاملين في الدنيا والاخرة. فقال طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فان الايمان شرط في صحة الاعمال الصالحة وقبولها. بل لا تسمى اعمالا صالحة الا بالايمان. والايمان مقتض لها فانه التصديق الجازم المثمر لاعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. فمن جمع بين الايمان والعمل الصالح فلنحييه انه حياة طيبة. وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه. وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه. ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا اذ بالله من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين امنوا على ربهم ان يتوكلون. اي فاذا اردت القراءة لكتاب الله الذي هو اشرف الكتب واجلها. وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة فان الشيطان احرص ما يكون على العبد عند شروعه في الامور الفاضلة. فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها. فالطريق الى السلامة من شره الالتجاء الى الله والاستعاذة به من شره. فيقول القارئ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. متدبرا لمعناها معتمدا بقلبه على الله في صرفه عنه. مجتهدا في دفع وساوسه وافكاره الرديئة. مجتهدا على السبب الاقوى في دفعه. وهو التحلي بحلية الايمان والتوكل فان الشيطان ليس له سلطان اي تسلط على الذين امنوا وعلى ربهم وحده لا شريك له يتوكلون. فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان. ولا يبقى له عليهم سبيل. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون انما سلطانه اي تسلطه على الذين يتولونه ان يجعل دونه لهم وليا. وذلك بتخليهم عن ولاية الله ودخولهم في طاعة الشيطان وانضمامهم لحزبه. فهم الذين جعلوا له ولاية على انفسهم فازهم الى المعاصي ازى وقادهم الى النار قودا ان الله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر. بل اكثرهم لا يعلمون يذكر تعالى ان المكذبين بهذا القرآن يتتبعون ما يرونه حجة لهم. وهو ان الله تعالى هو الحاكم الحكيم الذي يشرع الاحكام تبدل حكما مكان اخر لحكمته ورحمته. فاذا رأوه كذلك قدحوا في الرسول وبما جاء به. وقالوا انما انت مفتر. قال الله تعالى بل اكثرهم لا يعلمون. فهم جهال لا علم لهم بربهم ولا بشرعه. ومن المعلوم ان قدح الجاهل بلا علم لا عبرة به. فان القدح في الشيء فرع عن العلم به وما يشتمل عليه مما يوجب المدح او القدح. ولهذا ذكر الله تعالى حكمته في ذلك فقال وروح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين امنوا وهدى وهدى وبشرى قل نزله رح القدس وهو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة وافة. بالحق اي نزوله بالحق وهو مشتمل على الحق في اخباره واوامره ونواهيه. فلا سبيل لاحد ان يقدح فيه قدحا صحيحا. لانه اذا علم انه الحق ان ما عارضه ونقضه باطل ليثبت الذين امنوا عند نزول اياته وتوارده عليهم وقتا بعد وقت. فلا يزال الحق يصل الى قلوبهم شيئا فشيئا حتى يكون ايمانهم اثبت من الجبال الرواسي. وايضا فانهم يعلمون انه الحق. واذا شرع حكما من الاحكام ثم نسخ علموا انه ابدله بما هو مثله. او خير منه لهم. وان نسخه هو المناسب للحكمة الربانية. والمناسبة العقلية وهدى بشرى للمسلمين ان يهديهم الى حقائق الاشياء ويبين لهم الحق من الباطل والهدى من الضلال. ويبشرهم ان لهم اجرا حسنا. ما فيه ابدا. وايضا فانه كلما نزل شيئا فشيئا كان اعظم هداية وبشارة لهم مما لو اتاهم جملة واحدة. وتفرق الفكر في بل ينزل الله حكما وبشارة اكثر. فاذا فهموه وعقلوه وعرفوا المراد منه. وترووا منه انزل نظيره وهكذا. ولذلك فبلغ الصحابة رضي الله عنهم به مبلغا عظيما. وتغيرت اخلاقهم وطبائعهم وانتقلوا الى اخلاق وعوائد واعمال. فاقوا بها الاولين والاخرين وكان اعلى واولى لمن بعدهم ان يتربوا بعلومه ويتخلقوا باخلاقه. ويستضيئوا بنوره في ظلمات الغي والجهالات ويجعلوه امامهم في جميع الحالات. فبذلك تستقيم امورهم الدينية والدنيوية يقولون انما يعلمه بشر. لسان الذي يلحدون اليه اعجمي عربي مبين. يخبر تعالى عن قيل المشركين المكذبين لرسوله. انهم يقولون انما يعلمه هذا الكتاب الذي بشر وذلك البشر الذي يشيرون اليه اعجمي اللسان وهذا القرآن لسان عربي مبين. هل هذا القول ممكن او له حظ من الاحتمال ولكن الكاذب يكذب ولا يفكر فيما يؤول اليه كذبه. فيكون في قوله من التناقض والفساد ما يوجب رده بمجرد تصوره لهم عذاب اليم. ان الذين لا يؤمنون بايات الله الدالة دلالة صريحة على الحق المبين. فيردونها ولا يقبلونها لا يهديهم الله حيث جاءهم الهدى فردوه. فعوقبوا بحرمانه وخذلان الله لهم. ولهم في الاخرة عذاب اليم انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واولئك هم الكاذبين انما يفتري الكذب اي انما يصدر افتراء الكذب من الذين لا يؤمنون بايات الله. كالمعاندين لرسوله من بعد ما جاءتهم البينات واولئك هم الكاذبون. اي الكذب منحصر فيهم وعليهم اولى بان يطلق من غيرهم. واما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بايات الله الخاضع لربه فمحال ان يكذب على الله ويتقول عليه ما لم يقل. فاعداؤه رموه بالكذب الذي هو وصفه من الرب الرحيم الذي اذا غضب لم يقم لغضبه شيء وغضب عليهم كل شيء ولهم عذاب عظيم اي في غاية الشدة مع انه ابدا وذلك بانه مستحب الحياة الدنيا على الاخرة. حيث ارتدوا على ادبارهم طمعا في شيء من حطام الدنيا. ورغبة فيه وزهدا في خير الاخرة فلما اختاروا الكفر على الايمان منعهم الله الهداية. فلم يهدهم لان الكفر وصفهم. فطبع على قلوبهم فلا يدخلها خير وعلى سمعهم وعلى ابصارهم فلا ينفذ منها ما ينفعهم ويصل الى قلوبهم. فشملتهم الغفلة واحاط بهم الخذلان. وحرموا رحمة الله التي وسعت كل شيء. وذلك انها اتتهم فردوها وعرضت عليهم فلم يقبلوها. لا جرم انهم لا جرم انهم في الاخرة هم الخاسرون الذين خسروا انفسهم واموالهم واهليهم يوم القيامة وفاتهم النعيم المقيم. وحصلوا على العذاب الاليم. وهذا بخلاف من اكره على الكفر واجبر عليه. وقلبه مطمئن بالايمان راغب فيه فانه لا حرج عليه ولا اثم. ويجوز له النطق بكلمة الكفر عند الاكراه عليها. ودل ذلك على ان كلام المكره على الطلاق او العتاق او البيع او الشراء او سائر العقود انه لا عبرة به. ولا يترتب عليه حكم شرعي. لانه اذا لم يعاقب على كلمة الكفر اذا عليها فغيرها من باب اولى واحرى ان ربك اي ثمان ربك الذي ربى عباده المخلصين بلطفه واحسانه لغفور رحيم لمن هاجر في سبيله وخلى دياره وامواله طلبا لمرضاة الله. وفتن على دينه ليرجع الى الكفر فثبت على الامام. وتخلص ما معه من اليقين ثم جاهد اعداء الله ليدخلهم في دين الله بلسانه ويده. وصبر على هذه العبادات الشاقة على اكثر الناس. فهذه اكبر الاسباب التي تنال بها اعظم العطايا. وافضل المواهب وهي مغفرة الله للذنوب صغارها وكبارها. المتضمن ذلك زوال كل امر مكروه ورحمته العظيمة التي بها صلحت احوالهم واستقامت امور دينهم ودنياهم. فلهم الرحمة من الله في يوم القيامة. حين تأتي كل نفس تجادل عن نفسها يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسيا وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون كل يقول نفسي نفسي لا يهمه سوى نفسه. ففي ذلك اليوم يفتقر العبد الى حصوله في مثقال ذرة من الخير وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر وهم لا يظلمون فلا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون. وضرب الله مثلا قرية ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوا فاخذهم العذاب وهم ظالمون. وهذه القرية هي مكة المشرفة. التي كانت امنة مطمئنة لا يهاج فيها احد. وتحترمها جاهيلية الجهلاء حتى ان احدهم يجد قاتل ابيه واخيه فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم والنعرة العربية فحصل لها من الامن كان مما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع. كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر. ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان فجاءهم رسول منهم يعرفون امانته وصدقه. يدعوهم الى اكمل الامور وينهاهم عن الامور السيئة. فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم فاذاقهم الله ضد ما كانوا فيه. والبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد. والخوف الذي هو ضد الامن. وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم عدم شكرهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فكلوا مما رزقكم الله حلالا يأمر تعالى عباده باكل ما رزقهم الله من الحيوانات والحبوب والثمار وغيرها. حلالا طيبا. اي حالة كونها متصفة بهذين الوصفين. بحيث لا يكون مما حرم الله او اثرا عن غصب ونحوه. فتمتعوا بما خلق الله لكم من غير ولا تعد واشكروا نعمة الله بالاعتراف بها بالقلب والثناء على الله بها وصرفها في طاعة الله. ان كنتم اياه تعبدون اي ان كنتم مخلصين له العبادة فلا تشكروا الا اياه. ولا تنسوا المنعم. انما حرم عليكم الميتة والدم فمن اضطر غير باغ ولا عاد انما حرم عليكم الاشياء المضرة تنزيها لكم وذلك كالميتة ويدخل في ذلك كل ما كان موته على غير زكاة مشروعة. ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك. والدم المسفوح واما ما يبقى في العروق واللحم فلا يضر ولحم الخنزير لقذارته وخبثه. وذلك شامل للحمه وشحمه وجميع اجزائه. وما اهل لغير الله به كالذي يذبح للاصنام والقبور ونحوها. لانه مقصود به الشرك. فمن اضطر الى شيء من المحرمات بان حملته الضرورة وخاف ان لم يأكل ان يهلك فلا جناح عليه اذا لم يكن باغيا او عاديا. اي اذا لم يرد اكل المحرم وهو غير مضطر. ولا متعد الحلال الى حرام او متجاوز لما زاد على قدر الضرورة فهذا الذي حرمه الله من المباحات. ولا تقولوا لما تصف الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب. ان الذين يفسدون اي لا تحرموا وتحللوا من تلقاء انفسكم كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه لتفتروا على الله الكذب. ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. لا في الدنيا ولا في الاخرة. ولا بد ان اظهر الله خزيهم وان تمتعوا في الدنيا فانه متاع قليل ومصيرهم الى النار ولهم عذاب اليم. فالله تعالى ما حرم علينا الا الخبيثات تفضلا منه خيانة عن كل مستقذر. واما الذين هادوا وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فحرم الله عليهم طيبات احلت لهم بسبب ظلمهم عقوبة لهم. كما قصه في سورة الانعام في قوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر. ومن للبقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم. ذلك جزيناهم ببغيهم انا لصادقون وهذا حظ منه لعباده على التوبة. ودعوة لهم الى الانابة. فاخبر ان من عمل سوءا بجهالة بعاقبة ما اجني عليه ولو كان متعمدا للذنب فانه لابد ان ينقص ما في قلبه من العلم وقت مقارفة الذنب. فاذا تاب واصلح بان ترك الذنب وندم عليه واصلح اعماله. فان الله يغفر له ويرحمه. ويتقبل توبته ويعيده الى حالته الاولى. او اعلى منها ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين يخبر تعالى عما به خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام. وخصه به من الفضائل العالية والمناقب الكاملة. فقال ان ابراهيم كان امة اي اماما جامعا لخصال الخير هاديا مهتديا قانتا لله اي مديما لطاعة ربه مخلصا له حنيفا مقبلا على الله بالمحبة والانابة والعبودية. معرضا عمن سواه ولم يكن من المشركين في قوله وعمله وجميع لانه امام الموحدين الحنفاء شاكرا لانعمه اي اتاه الله في الدنيا حسنة وانعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة فقام شكرها فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة ان اجتباه ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه وخيار عباده المقربين وهداه الى صراط مستقيم في علمه وعمله. فعلم بالحق واثره على غيره واتيناه في الدنيا حسنة رزقا واسعا وزوجة حسناء وذرية صالحين واخلاقا مرضية. وانه في الاخرة لمن الصالحين. الذين لهم المنازل العالية والقرب العظيم من الله تعالى وما كان من المشركين. ومن اعظم فضائله ان الله اوحى لسيد الخلق واكملهم ان يتبع ملة ابراهيم ويقتدي به هو وامته يقول تعالى انما جعل السبت اي فرضا على الذين اختلفوا فيه حين ضلوا عن يوم الجمعة وهم اليهود فصار اختلافهم سبب لان يجب عليهم في السبت احترامه وتعظيمه. والا فالفضيلة الحقيقية ليوم الجمعة الذي هدى الله هذه الامة اليه. وان ربك يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. فيبين لهم المحق من المبطل. والمستحق للثواب ممن استحق العقاب ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي اي ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم الى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح بالحكمة اي كل احد على حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده. ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة الاهم في الاهم وبالاقرب الى الاذهان والفهم. وبما يكون قبوله اتم وبالرفق واللين. فان انقاد بالحكمة والا فينتقل معه بالدعوة اخوتي بالموعظة الحسنة وهو الامر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. اما بما تشتمل عليه الاوامر من المصالح وتعدادها. والنواهي من وتعدادها واما بذكر اكرام من قام بدين الله واهانة من لم يقم به. واما بذكر ما اعد الله للطائعين من الثواب العاجل والاجل وما اعد للعاصين من العقاب العاجل والاجل. فان كان المدعو يرى ان ما هو عليه حق او كان داعية الى الباطل. فيجادل بالتي هي احسن وهي الطرق التي تكون ادعى لاستجابته عقلا ونقلا. ومن ذلك الاحتجاج عليه بالادلة التي كان يعتقدها فانه اقرب الى حصول المقصود والا تؤدي المجادلة الى خصام او مشاتمة. تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها. بل يكون القصد منها هداية الخلق الى الحق المغالبة ونحوها وقوله ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله. علم السبب الذي اداه الى الضلال وعلم اعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها. وهو اعلم بالمهتدين. علم انهم يصلحون للهداية فهداهم. ثم من عليهم فاجتباهم وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عقدتم به يقول تعالى مبيحا للعدل ونادبا للفضل والاحسان وان عاقبتم من اساء اليكم بالقول والفعل فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. من غير زيادة منكم على ما اجراه معكم. ولئن صبرتم عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم لهو خير للصابرين من الاستيفاء. وما عند الله خير لكم واحسن عاقبة. كما قال الله تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله. ثم امر رسوله بالصبر على دعوة الخلق الى الله. والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال النفس فقال واصبر واصبر وما صبرك الا واصبر وما صبرك الا بالله هو الذي يعينك عليه ويثبتك. ولا تحزن عليهم اذا دعوتهم فلم تر منهم قبولا لدعوتك. فان الحزن لا يجدي عليك ولا تكن في ضيق اي شدة وحرج مما يمكرون. فان مكرهم عائد اليهم وانت من المتقين المحسنين. والله المتقين المحسنين بعونه وتوفيقه وتسديده. وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي. واحسنوا في عبادة الله بان عبدوا الله كأنهم يرون فان لم يكونوا يرونه فانه يراهم. والاحسان الى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه. نسأل الله ان يجعلنا من المتقين المحسنين