المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار اكلها داء دائم تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين يقول تعالى قال مثل الجنة التي وعد المتقون الذين تركوا ما نهاهم الله عنه ولم يقصروا فيما امرهم به اي صفتها وحقيقتها تجري من تحتها الانهار. انهار العسل وانهار الخمر وانهار اللبن وانهار الماء الذي تجري في غير اخدود. فتسقي تلك البساتين والاشجار فتحمل جميع انواع الثمار. اكلها دائم وظلها دائم ايضا. تلك عقبى الذين اتقوا اي مآلهم ثم عاقبتهم التي اليها يصيرون. فكم بين الفريقين من الفرق المبين والذين اتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل اليك ومن الاحزاب من ينكر بعض يقول وتعالى والذين اتيناهم الكتاب اي منا عليهم به وبمعرفته يفرحون بما انزل اليك فيؤمنون به ويصدقونه ويفرحون موافقة الكتب بعضها لبعض. وتصديق بعضها بعضا. وهذه حال من امن من اهل الكتاب ينكر بعضه. اي ومن طوائف الكفار المنحرفين عن الحق من ينكر بعض هذا القرآن ولا يصدقه. فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها انما انت يا محمد منذر تدعو الى الله. قل انما امرت ان اعبد الله ولا اشرك به. اي باخلاص الدين لله وحده اليه يدعو واليه مآب. اي مرجعي الذي ارجع به اليه. فيجازيني بما قمت به من الدعوة اليه دينه والقيام بما امرت به وكذلك انزلناه حكما عربيا. ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما اي ولقد انزلنا هذا القرآن القرآن والكتاب حكما عربيا اي محكما متقنا باوضح الالسنة وافصح اللغات. لان لا يقع فيه شك واشتباه. وليوجب ان وحده ولا يداهن فيه ولا يتبع ما يضاده ويناقضه. من اهواء الذين لا يعلمون. ولهذا توعد رسوله مع انه معصوم ليمتن عليه بعصمته وليكون لامته اسوة في الاحكام فقال ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم البين الذي ينهاك عن اتباع اهوائهم ما لك من الله من ولي يتولاك. فيحصل لك الامر المحبوب ولواق يقيك من الامر المكروه ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية. وما كان لرسول ان لكل اجل اي لست اول رسول ارسل الى الناس حتى يستغربوا رسالتك. ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية. فلا يعيبك اعدائك بان ان يكون لك ازواج وذرية كما كان لاخوانك المرسلين. فلاي شيء يقدحون فيك بذلك؟ وهم يعلمون ان الرسل قبلك كذلك. الا لاجل اغراضهم الفاسدة واهوائهم. وان طلبوا منك اية اقترحوها فليس لك من الامر شيء. وما كان لرسول ان والله لا يأذن فيها الا في وقتها الذي قدره وقضاه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه فليس استعجالهم بالايات او العذاب موجبا لان يقدم الله ما كتب انه يؤخر مع انه تعالى فعال لما يريد يمحو الله ما يشاء من الاقدار ويثبت ما يشاء منها وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه. فان هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير. لان ذلك محال على الله ان يقع في علمه نقص او خلل. ولهذا قال اي اللوح المحفوظ الذي ترجع اليه سائر الاشياء فهو اصلها وهي فروع وشعب. فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب كاعمال اليوم الليلة التي تكتبها الملائكة ويجعل الله لثبوتها اسبابا ولمحوها اسبابا لا تتعدى تلك الاسباب ما رسم في اللوح المحفوظ كما جعل الله البر والصلة والاحسان من اسباب طول العمر وسعة الرزق. وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر. وكما جعل باب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة. وجعل التعرض لذلك سببا للعطب. فهو الذي يدبر الامور بحسب قدرته وارادته وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ واما نرينك بعض الذين عندهم او نتوفينك فانما عليك البلاغ علينا يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تعجل عليهم باصابة ما يوعدون من العذاب فهم ان استمروا على طغيانهم وكفرهم فلا بد ان يصيبهم ما وعدوا به. اما نريينك اياه في الدنيا فتقر بذلك عينك. او نتوفي انك قبل اصابتهم فليس ذلك شغلا لك فانما عليك البلاغ والتبيين للخلق فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب. فنحاسب الخلق على ما قاموا به بما عليهم او ضيعوه ونثيبهم او نعاقبهم. ثم قال متوعدا للمكذبين لحكمه وهو سريع الحساب. او لم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قيل باهلاك المكذبين واستئصال الظالمين. وقيل بفتح بلدان المشركين ونقصهم في اموالهم وابدانهم. وقيل ذلك من الاقوال والظاهر والله اعلم ان المراد بذلك ان اراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ويحل قوارع باطرافها تنبيها لهم قبل ان يجتاحهم النقص. ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يرده احد. ولهذا قال والله لا معقب لحكمه ويدخل في هذا حكمه الشرعي والقدري والجزائي. فهذه الاحكام التي يحكم الله فيها توجد في غاية الحكمة والاتقان لا خلل فيها ولا نقص. بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد. فلا يتعقبها احد ولا سبيل الى القدح فيها. بخلاف حكم غيره فانه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه اي فلا يستعجلوا بالعذاب فان كل ما هو ات فهو قريب يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم يقول تعالى وقد مكر الذين من قبلهم برسلهم وبالحق الذي جاءت به الرسل فلم يغني عنهم مكرهم ولم نصنع شيئا فانهم يحاربون الله ويبارزونه. فلله المكر جميعا اي لا يقدر احد ان يمكر مكرا الا باذنه. وتحت قضائه وقدره. فاذا كانوا يمكرون بدينه فان مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم. فان الله يعلم ما تكسب كل نفس. اي واراداتها واعمالها الظاهرة والباطنة. والمكر لابد ان يكون من كسبها. فلا يخفى على الله مكرهم. فيمتنع ان يمكروا مكنا يضر الحق واهله ويفيدهم شيئا. اي الهم ام لرسله؟ ومن المعلوم ان العاقبة للمتقين لا للكفر واهله ويقول الذين كفروا لاست مرسلا بالله شهيدا بيني وبينكم ومن ويقول الذين كفروا لست مرسلا اي يكذبونك ويكذبون ما به قل لهم ان طلبوا على ذلك شهيدا. قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم بقوله وفعله واقراره. اما قوله فيما اوحاه الله الى اصدق خلقه مما يثبت به رسالته. واما فعله فلان الله تعالى الا ايد رسوله ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة اصحابه واتباعه. وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد. واما اقراره فانه اخبر الرسول عنه انه رسول. وانه امر الناس باتباعه. فمن اتبعه فله رضوان الله وكرامته. ومن لم يتبعه فله النار والسخط وحل له ما له ودمه. والله يقره على ذلك. فلو تقول عليه بعض الاقاويل لعاجله بالعقوبة وهذا شامل لكل علماء اهل الكتابين. فانهم يشهد منهم للرسول من امن واتبع الحق فصرح بتلك الشهادة التي عليه. ومن كتم ذلك فاخبار الله عنه ان عنده شهادة ابلغ خبره ولو لم يكن عنده شهادة لرد استشهاده بالبرهان. فسكوته يدل على ان عنده شهادة مكتومة. وانما امر الله اهل الكتاب لانهم اهل هذا الشأن. وكل امر انما يستشهد فيه اهله. ومن هم اعلم به من غيرهم. بخلاف من هو اجنبي عنه كالاميين من مشركي العرب وغيرهم فلا فائدة في استشهادهم لعدم خبرتهم ومعرفتهم والله اعلم