ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ان يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من انواع العذاب. وكل نوع منه من شدته يبلغ الى الموت. ولكن الله قضاء لا يموت كما قال تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة وصفتها ونعيم القدر وعذابه المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ان في ملتنا فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين. لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك. وعدم مللهم ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم فقال وقال الذين كفروا لرسلهم متوعدين لهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا. وهذا ابلغ ما يكون من الرد. وليس بعد هذا فيهم مطمع. لانه هما كفاهم ان اعرضوا عن الهدى. بل توعدوهم بالاخراج من ديارهم ونسبوها الى انفسهم. وزعموا ان الرسل لا حق لهم فيها. وهذا من اعظم الظلم فان الله اخرج عباده الى الارض وامرهم بعبادته. وسخر لهم الارض وما عليها يستعينون بها على عبادته. فمن استعان بذلك على عبادة الله حلله ذلك وخرج من التبعة. ومن استعان بذلك على الكفر وانواع المعاصي لم يكن ذلك خالصا له ولم يحل له. فعلم ان اعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الارض التي توعدوا الرسل باخراجهم منها. وان رجعنا الى مجرد العادة فان الرسل من جملة اهل بلادهم وافراد منهم. فلاي شيء يمنعونهم حقا لهم صريحا واضحا؟ هل هذا الا من عدم الدين والمروءة بالكلية. ولهذا لما انتهى مكروه بالرسل الى هذه الحال. ما بقي حينئذ الا ان يمضي الله امره وينصر اولياءه. بانواع العقوبات ذلك ولنسكننكم الارض من بعدهم اي العاقبة الحسنة التي جعلها الله الله للرسل ومن تبعهم جزاء لمن خاف مقامي عليه في الدنيا. وراقب الله مراقبة من يعلم انه يراه اي ما توعدت به من عصاني. فاوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله. والمبادرة الى ما يحبه الله واستفتحوا اي الكفار اي هم الذين واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين اوليائه واعدائه. فجاءهم ما استفتحوا به والا فالله حليم لا يعادل من عصاه بالعقوبة اي خسر في الدنيا والاخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الارض وعاند الرسل وشاقهم من ورائه جهنم اي جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد فلابد لهم من ورودها فيذاق حينئذ العذاب الشديد في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة وهو في غاية الحرارة. يتجرعه من العطش الشديد. ولا يكاد يصيغه فانه اذا قرب الى وجهه شواه. واذا وصل الى بطنه قطع ما اتى عليه من الامعاء. ويأتيه الموت من تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. كذلك نجزي كل كفور. وهم يصطلخون فيها عذاب اليم ومن ورائه اي الجبار العنيد عذاب غليظ. اي قوي شديد. لا يعلم وصفه وشدته الا الله تعالى كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا ذلك هو الضلال البعيد. يخبر تعالى عن اعمال الكفار التي عملوها. اما ان المراد بها الاعمال التي عملوها لله بانها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد. الذي هو ادق الاشياء واخفها. اذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب فانه لا يبقي منه شيئا ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل فكذلك اعمال الكفار لا يقدرون مما كسبوا على شيء ولا على مثقال ذرة منه لانه مبني على الكفر والتكذيب حيث بطل سعيهم واضمحل عملهم. واما ان المراد بذلك اعمال الكفار التي عملوها ليكيدوا بها الحق فانهم يسعون ويكدحون في ذلك. ومكرهم عائد اليهم. ولن يضروا الله ورسله وجنده وما معهم من الحق شيئا ان الله خلق السماوات والارض بالحق ان يشأ يذهبكم ويأتي بخلق ينبه تعالى عباده بانه خلق السماوات والارض بالحق. اي ليعبده الخلق ويعرفوه ويأمرهم وينهاهم. وليست بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال. وليعلموا ان الذي خلق السماوات والارض على عظمهما وسعتهما. قادر على ان يعيدهم خلقا جديدا ليجازيهم باحسانهم واساءتهم. وان قدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك. ولهذا قال يحتمل ان المعنى ان يشأ يذهبكم ويأتي بقوم غير يكونون اطوع لله منكم. ويحتمل ان المراد انه ان يشأ يفنيكم ثم يعيدكم بالبعث خلقا جديدا. ويدل على هذا للاحتمال ما ذكره بعده من احوال القيامة وما ذلك على الله بعزيز. اي بممتنع بل هو سهل عليه جدا. ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا اجزعنا ام صبرنا ما لنا من نحيص وبرزوا اي الخلائق لله جميعا حين ينفخ في الصور فيخرجون من الاجداث الى ربهم فيقفون في ارض مستوية قاع لا ترى فيها عوجا ولا امتى. ويبرزون له لا يخفى عليه منهم خافية. فاذا برزوا صاروا يتحاجون. وكل يدفع عن ويدافع ما يقدر عليه. ولكن انى لهم ذلك؟ فيقول الضعفاء اي التابعون والمقلدون للذين استكبروا هم المتبوعون الذين هم قادة في الضلال. انا كنا لكم تبعا اي في الدنيا امرتمونا بالضلال. وزينتموه لنا ولو مثقال ذرة قالوا اي المتبوعون والرؤساء اغويناكم كما غوينا ولو هدانا الله لهديناكم. فلا يغني احد احدا سواء علينا اجزعنا من العذاب. ام صبرنا عليه؟ ما لنا من محيص؟ اي من ملجأ نلجأ اليه ولا مهرب لنا من عذاب الله ثم بعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم. اي وقال الشيطان الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم. مخاطبا لاهل النار ومتبرئا منهم. لما قضي الامر ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار. ان الله وعدكم وعد الحق على السنة رسله فلم تطيعوه. فلو اطعتموه لادركتم الفوز العظيم. ووعدتكم الخير فاخلفتكم. اي لم يحصل ولن يحصل لكم وما منيتكم به من الامان الباطلة دعوتكم فاستجبتم لي. وما كان لي عليكم من سلطان اي من حجة على تأييد قولي الا ان دعوتكم فاستجبتم لي اي هذا نهاية ما عندي. اني دعوتكم الى مرادي وزينته لكم. فاستجبتم لي اتباعا لاهوائكم وشهواتكم. فاذا كانت الحال بهذه الصورة. فلا تلوموني ولوموا انفسكم انتم السبب وعليكم المدار في موجب العقاب ما انا بمصرخكم اي بمغيثكم من الشدة التي انتم بها وما انتم بمصرخي. كل له قسط من العذاب اني كفرت بما اشركتموني من قبل. اي تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله. ولا تجب طاعتي. ان الظالمين لانفسهم بطاعة الشيطان لهم عذاب اليم. خالدين فيه ابدا. وهذا من لطف الله بعباده. ان حذرهم من طاعة الشيطان. واخبر بمداخله التي يدخل منها على الانسان ومقاصده فيها وانه يقصد ان يدخله النيران. وهنا بين لنا انه اذا دخل النار وحزبه انه يتبرأ من منهم هذه البراءة ويكفر بشركهم ولا ينبئك مثل خبير. واعلم ان الله ذكر في هذه الاية انه ليس له سلطان وقال في اية اخرى انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة دليل فليس له حجة اصلا على ما يدعو اليه. وانما نهاية ذلك ان يقيم له من الشبه والتزيينات ما به يتجرأون على المعاصي اما السلطان الذي اثبته فهو التسلط بالاغراء على المعاصي لاوليائه. يؤزهم الى المعاصي ازا. وهم الذين سلطوه على انفسهم والالتحاق بحزبه. ولهذا ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ولما ذكر عقاب الظالمين ذكر ثواب الطائعين فقال الانهار جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها باذن ربك وادخل الذين امنوا وعملوا الصالحات. اي قاموا بالدين قولا وعملا واعتقادا. جنات تجري من تحتها الانهار فيها من اللذات والشهوات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. خالدين فيها باذن ربهم اي لا وقوتهم بل بحول الله وقوته. اي اي بعضهم بعضا بالسلام والتحية والكلام الطيب كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء يقول تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة وهي شهادة ان لا اله الا الله وفروعها كشجرة طيبة وهي النخلة اصلها ثابت في الارض وفرعها منتشر في السماء. وهي كثيرة النفع دائما. تؤتي اكلها كل حين باذن ربك تؤتي اكلها اي ثمرتها كل باذن ربها. فكذلك شجرة الايمان اصلها ثابت في قلب المؤمن. علما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والاخلاق المرضية والاداب الحسنة في السماء دائما. يصعد الى الله منه من الاعمال والاقوال التي تخرجها شجرة الايمان ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره. لعلهم يتذكرون ترون ما امرهم به ونهاهم عنه. فان في ضرب الامثال تقريبا للمعاني المعقولة من الامثال المحسوسة. ويتبين المعنى الذي اراده الله غاية بيان ويتضح غاية الوضوح. وهذا من رحمته وحسن تعليمه. فلله اتم الحمد واكمله واعمه. فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها في قلب المؤمن. ثم ذكر ضدها وهي كلمة الكفر وفروعها. فقال كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار. ومثل كلمة من خبيثة كشجرة خبيثة المأكل والمطعم. وهي شجرة الحنظل ونحوها. اجتثت هذه الشجرة من فوق الارض. ما لها من القرار اي من ثبوت فلا عروق تمسكها ولا ثمرة صالحة تنتجها. بل ان وجد فيها ثمرة فهي ثمرة خبيثة ذلك كلمة الكفر والمعاصي ليس لها ثبوت نافع في القلب ولا تثمر الاكل قول خبيث وعمل خبيث يستضر به صاحبه هو لا ينتفع فلا يصعد الى الله منه عمل صالح. ولا ينفع نفسه ولا ينتفع به غيره امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ويضل الله الظالمين ويفعل الله يخبر تعالى انه يثبت عباده المؤمنين. اي الذين قاموا بما عليهم من ايمان القلب التام الذي يستلزم اعمال الجوارح ويثمرها فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية الى اليقين. وعند والشهوات بالارادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها. وفي الاخرة عند الموت بالثبات على الدين الاسلامي والخاتمة الحسنة وفي القبر عند سؤال الملكين. للجواب الصحيح اذا قيل للميت من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك هداهم للجواب الصحيح بان يقول المؤمن الله ربي والاسلام ديني ومحمد نبيي ويضل الله الظالمين عن وابي في الدنيا والاخرة وما ظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم. وفي هذه الاية دلالة على فتنة القبر وعذابه ونعيمه. كما