المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ثم قال تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار. هذا وعيد شديد للظالمين وتسلية مظلومين يقول تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. حيث امهلهم وادر عليهم الارزاق. وتركهم يتقلبون في بلاد امنين مطمئنين. فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم. فان الله يملي للظالم ويمهله ليزداد اثما. حتى اذا هذا هو لم يفلته وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة. ان اخذه اليم شديد. والظلم ها هنا يشمل الظلم فيما بين عبدي وربه وظلمه لعباد الله انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار اي لا من شدة ما ترى من الاهوال وما ازعجها من القلاقل مهطعين اي مسرعين الى اجابة الداعي حين يدعوهم الى الحضور بين يدي الله للحساب لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ. مقنعي رؤوسهم اي رافعيها قد غلت ايديهم الى الاذقان. فارتفعت لذلك رؤوسهم لا يرتد اليهم طرفهم وافئدتهم هواء اي افئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت الى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق العذاب فيقول الذين ظلموا الى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل اولم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب. اي صف لهم صفة تلك الحال. وحذرهم من الاعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله. فيقول الذين ظلموا بالكفر والتكذيب وانواع المعاصي. نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها. ربنا اخرنا الى اجل قريب. اي ردنا الى الدنيا فانا قد ابصرنا نجيب دعوتك. والله الى دار السلام ونتبع الرسل. وهذا كله لاجل التخلص من العذاب. والا فهم كذبة في هذا الوعد. ولو ردوا لعادوا لما نهوا ولهذا يوبخون ويقال لهم زوال. اولم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال عن الدنيا وانتقال الى الاخرة. فها قد تبين حنفكم في اقسامكم وكذبكم فيما تدعون. وليس عليكم قاصر في الدنيا من اجل الايات البينات. بل وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم متبين لكم كيف فعلنا بهم. وتبين لكم كيف فعلنا وتبين لكم كيف فعلنا بهم من انواع العقوبات وكيف احل الله بهم العقوبات حين كذبوا بالايات البينات وضربنا لكم الامثال الواضحة. التي لا تدع ادنى شك في القلب الا ازالته. فلم تنفع فيكم تلك ايات بل اعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار. ووصلتم الى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل وان كان مكرهم لتزول منه الجبال وقد مكروا. اي المكذبون للرسل مكرهم الذي وصلت ايراداتهم. وعند الله مكرهم. اي هو محب محيط به علما وقدرة فانه عاد مكرهم عليهم ولا يحيق المكر السيء الا باهله اي ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به من عظمه لتزول الجبال الراسيات بسببه عن اماكنها اي مكروا مكرا كبارا لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا او يبطل حقا. والقصد ان مكرهم لم يغني عنهم شيئا. ولم يضر الله شيئا وانما ضروا انفسهم. يقول تعالى ان الله عزيز ذو فلا تحسبن الله مخلف وعده بنجاتهم ونجاة اتباعهم وسعادتهم واهلاك اعدائهم وخذلانهم في الدنيا وعقابهم في الاخرة. فهذا لا بد من وقوع لانه وعد به الصادق قولا على السنة اصدق خلقه وهم الرسل وهذا اعلى ما يكون من الاخبار. خصوصا وهو مطابق للحكمة الالهية والسنن الربانية وللعقول الصحيحة. والله تعالى لا يعجزه شيء. فانه عزيز ذو انتقام. اي اذا اراد ان ينتقم من احد فانه لا يفوته ولا يعجزه. وذلك في يوم القيامة السماوات وبرزوا لله الواحد القهار تبدل غير السماوات وهذا التبديل تبديل صفات لا تبديل ذات. فان الارض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الاديم ويلقى ما على ظهرها من جبل ومعلم. فتصير قاعا صفصتا لا ترى فيه عوجا ولا امتا. وتكون السماء كالمهل من شدة فلذلك اليوم ثم يطويها الله تعالى بيمينه وبرزوا اي الخلائق من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء اي المتفرد بعظمته واسمائه وصفاته وافعاله العظيمة وقهره لكل العوالم. فكلها تحت تصرفه وتدبيره. فلا يتحرك منها متحرك ولا يسكن ساكن الا باذنه وترى المجرمين اي الذين وصفهم الاجرام وكثرة الذنوب في ذلك اليوم اي يسلسل كل اهل عمل من المجرمين بالسلاسل من نار فيقادون الى العذاب في اذل صورة واشنعها وابشعها سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم سرابيلهم اي ثيابهم من قطران. وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها. ونتن ريحها. وتغشى وجوههم التي هي اشرف ما في ابدانهم النار. اي تحيط بها وتصلاها من كل جانب. وغير الوجوه من باب اولى واحرى. وليس هذا ظلم من من الله لهم وانما هو جزاء لما قدموا وكسبوا. ولهذا قال تعالى ما كسبت ان الله سريع الحساب. ليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر والقسط الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه. ان الله سريع الحساب. كقوله تعالى اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون. ويحتمل ان معناه سريع المحاسبة. فيحاسب الخلق في ساعة واحدة. كما يرزقهم بانواع التدابير في لحظة واحدة لا يشغله شأن عن شأن وليس ذلك بعسير عليه. فلما بين البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه هذا بلاغ ان يتبلغون به ويتزودون الى الوصول الى اعلى المقامات وافضل الكرامات. لما اشتمل عليه من الاصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد ولينذروا به لما فيه من الترهيب من اعمال الشر. وما اعد الله لاهلها من العقاب. وليعلموا ان ما هو اله واحد حيث صرف فيه من الادلة والبراهين على الوهيته ووحدانيته. ما صار ذلك حق اليقين اي العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه وما يضرهم فيتركونه. وبذلك صاروا اولي الالباب والبصائر. اذ بالقرآن ازدادت معارفهم واراؤهم. وتنورت افكارهم لما اخذوه غضا طريا. فان لا يدعو الا الى اعلى الاخلاق والاعمال وافضلها. ولا يستدل على ذلك الا باقوى الادلة وابينها. وهذه القاعدة اذا تدرب بها العبد الذكي لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة والحمد لله رب العالمين