ان تحرص على هداهم وتبذل جهدك في ذلك. فان الله لا يهدي من يضل. ولو فعل كل سبب لم الا الله وما لهم من ناصرين ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. لما ذكرت تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة. وما انعم به من النعم العميمة. ذكر انه لا يشبهه احد ولا كفؤ له ولا ند له. فقال فمن يخلق جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد كمن لا يخلق شيئا لا قليلا ولا كثيرا. افلا تذكرون فتعرفون ان المنفردة بالخلق احق بالعبادة كلها. فكما انه واحد في خلقه وتدبيره. فانه واحد في الهيته وتوحيده وعبادته. وكما انه ليس له مشارك اذ انشأكم وانشأ غيركم. فلا تجعلوا له اندادا في عبادته. بل اخلصوا له الدين وان تعدوا نعمة الله عددا مجردا عن الشكر لا تحصوها فضلا عن كونكم تشكرونها. فان نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الانفاس واللحظات من جميع اصناف النعم مما يعرف العباد ومما لا يعرفون. وما يدفع عنهم من النقم فاكثر من ان تحصى. ان الله لغفور رحيم يرضى منكم باليسير من الشكر مع انعامه الكثير وكما ان رحمته واسعة وجوده عميم ومغفرته شاملة للعباد. فعلمه محيط بهم. ويعلم ما تسرون وما تعلنون. بخلاف من عبد من دونه. فانهم لا يخلقون شيئا قليلا ولا كثيرا وهم يخلقون. فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في ايجادهم الى الله تعالى؟ ومع هذا ليس فيهم من اوصاف كما لشيء لا علم ولا غيره الهكم اله واحد. فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم اموات غير احياء فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا. افتتخذ هذه الهة من دون رب العالمين. فتبا لعقول المشركين ما اضلها وافسدها. حيث ضلت في اظهر الاشياء فسادا. وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا اوصاف كمال ولا شيء من الافعال وبين الكامل من جميع الوجوه. الذي له كل صفة كمال وله من تلك الصفة اكملها واعظم فله العلم المحيط بكل الاشياء والقدرة العامة. والرحمة الواسعة التي ملأت جميع العوالم. والحمد والمجد والكبرياء والعظمة. التي لا يقدر احد من الخلق ان يحيط ببعض اوصافه. ولهذا قال الهكم اله واحد وهو الله الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. فاهل الايمان والعقول اجلته قلوبهم وعظمته. واحبته حبا عظيما وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية واعمال القلوب واعمال الجوارح. وافنوا عليه باسمائه الحسنى وصفاته وافعاله المقدسة فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة لهذا الامر العظيم الذي لا ينكره الا اعظم الخلق جهلا وعنادا. وهو توحيد الله وهم مستكبرون من عبادته لا جرم اي حقا لابد ان الله يعلم ما يسرنا وما يعلنون من الاعمال القبيحة. انه لا يحب المستكبرين بل يبغضهم اشد البغض. وسيجازيهم من جنس عملهم. ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين اذا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا اساطير الاولين. يقول تعالى مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بايات الله. واذا قيل لهم ماذا انزل ربكم؟ اي اذا سئلوا عن القرآن والوحي الذي هو اكبر نعمة انعم الله بها على العباد. فماذا ما قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها؟ ام تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم اقبح جواب واسمجة. فيقولون ان انه اساطير الاولين. اي كذب اختلقه محمد على الله. وما هو الا قصص الاولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل. منها الصدق ومنها الكذب فقالوا هذه المقالة ودعوا اتباعهم اليها وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم الى يوم القيامة. وقوله ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم. اي من اوزار المقلدين الذين لا علم عندهم الا ما دعوهم اليه. فيحملون اثم ما دعوهم اليه. واما الذين يعلمون فكل مستقل بجرمه. لانه عرف كما عرفوا الا ساء ما يزرون. اي بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم. من وزرهم ووزر من اضلوه قد مكر الذين من قبلهم برسلهم واحتالوا بانواع الحيل على رد ما جاءوا به وبنوا من مكرهم قصورا هائلة. فاتى الله بنيانهم من القواعد. اي جاءها الامر من اساسها وقاعدتها. فخر عليهم السقف من فوقهم فصار ما بنوه عذابا عذبوا به. واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. وذلك انهم ظنوا ان هذا البنيان سينفعهم ويقيهم عذاب فصار عذابهم فيما بنوه واصلوه. وهذا من احسن الامثلة في ابطال الله مكر اعدائه. فانهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم وجعلوا لهم اصولا وقواعد من الباطل يرجعون اليها. ويردون بها ما جاءت به الرسل. واحتالوا ايضا على ايقاع المكروه والضرر بالرسل من تبعهم فصار مكرهم وبالا عليهم. فصار تدبيرهم فيه تدميرهم. وذلك لان مكرهم سيء. ولا يحق المكر السيء الا باهله هذا في الدنيا والعذاب الاخرة اخزى. ولهذا قال الذين كنتم تشاء فيهم قال الذين اوتوا العلم ان ثم يوم القيامة يخزيهم اي يفضحهم على رؤوس الخلائق ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله. ويقول اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم؟ اي تحاربون وتعادون الله وحزبه لاجلهم. وتزعمون ان انهم شركاء لله. فاذا سألهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب الا الاقرار بضلالهم. والاعتراف بعنادهم. فيقولون ضلوا عنا شهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. قال الذين اوتوا العلم اي العلماء الربانيون. ان الخزي اليوم اي يوم القيامة والسوء اي العذاب على الكافرين. وفي هذا فضيلة اهل العلم وانهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. وان لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه. ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم اي تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيهم. وقد علم ما يلقى الظلمة في المقام من انواع العذاب والخزي والاهانة. فالقوا السلم اي استسلموا وانكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا ما كنا نعمل اسألوا من سوء فيقال لهم بلى كنتم تعملون السوء. فان الله عليم بما كنتم تعملون. فلا يفيدكم الجحود شيئا. وهذا في بعض مواقف القيامة ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظنا انه ينفعهم. فاذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه اقروا واعترفوا ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين فادخلوا ابواب ابا جهنم كل اهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم فلبئس مثوى المتكبرين. نار جهنم فانها مثوى الحسرة والندم. ومن الشقاء الدائم ومحل الهموم والغموم. وموضع السخط من الحي القيوم. لا يفتر عنهم من عذابها. ولا يرفع عنهم يوما من اليم عقاب قد اعرض عنهم الرب الرحيم واذاقهم العذاب العظيم. وقيل للذين اتقوا ما قالوا خيرا للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة الاخرة خير ولنعمة دار المتقين. لما ذكر الله قيل المكذبين بما انزل الله اه ذكر ما قاله المتقون وانهم اعترفوا واقروا بان ما انزله الله نعمة عظيمة وخير عظيم امتن الله به على العباد. فقبلوا تلك النعمة وتلقوها بالقبول والانقياد. وشكروا الله عليها فعلموها وعملوا لها. للذين احسنوا في عبادة الله تعالى الى عباد الله فلهم في هذه الدنيا حسنة. رزق واسع وعيشة هنية وطمأنينة قلب وامن وسرور. ولدار الاخرة خير من هذه الدار وما فيها من انواع اللذات والمشتهيات. فان هذه نعيمها قليل. محشوب بالافات منقطع. بخلاف نعيم الاخرة ولهذا قال ولنعم دار المتقين كذلك يجزي الله المتقين كذلك يجزي الله المتقين. جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار لهم فيها ما يشاؤون. اي مهما تمنته انفسهم وتعلقت به ارادتهم. حصل لهم على اكمل الوجوه واتمها. فلا يمكن ان نوعا من انواع النعيم الذي فيه لذة القلوب وسرور الارواح. الا وهو حاضر لديهم. ولهذا يعطي الله اهل الجنة كلما تمنوه عليه حتى انه يذكرهم اشياء من النعيم لم تخطر على قلوبهم. فتبارك الذي لا نهاية لكرمه ولا حد لجوده. الذي ليس كمثله شيء في ذاته وصفات افعاله واثار تلك النعوت وعظمة الملك والملكوت. كذلك يجزي الله المتقين لسخط الله وعذابه باداء ما عليه من الفروض والواجبات المتعلقة بالقلب والبدن واللسان. من حقه وحق عباده وترك ما نهاهم الله عنه حين تتوفاهم الملائكة طيبين. الذين تتوفاهم الملائكة يقولون سلام عليكم ادخلوا يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون الذين تتوفاهم الملائكة مستمرين على تقواهم طيبين اي طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق اليهم ويخل في ايمانهم. فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته. والسنتهم بذكره والثناء عليه. وجوارحهم بطاعته والاقبال عليه اليه يقولون سلام عليكم اي التحية الكاملة حاصلة لكم والسلامة من كل افة وقد سلمتم من كل ما تكرهون ادخلوا بما كنتم تعملون. من الايمان بالله والانقياد لامره. فان العمل هو السبب والمادة والاصل في دخول الجنة والنجاة من النار. وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم لا بحولهم وقوتهم يقول تعالى هل ينتظر هؤلاء الذين جاءتهم الايات فلم يؤمنوا وذكروا فلم يتذكروا الا ان تأتيهم الملائكة لقبض ارواحهم او يأتي امر ربك بالعذاب الذي سيحل بهم فانهم قد استحقوا لوقوعه فيهم. كذلك فعل الذين من قبلهم كذبوا وكفروا ثم لم يؤمنوا حتى نزل بهم العذاب. وما ظلمهم الله اذ عذبهم. ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فانها مخلوقة لعبادة الله. ليكون مآلها الى كرامة الله فظلموها وتركوا ما خلقت له. وعرضوها للاهانة الدائمة والشقاء الملازم فاصابهم سيئات ما عملوا اي عقوبات اعمالهم واثارها وحاق بهم اي نزل ما كانوا به يستهزئون. فانهم كانوا اذا اخبرتهم رسلهم بالعذاب استهزأوا به. وسخروا ممن اخبر به بهم ذلك الامر الذي سخروا منه كذلك اي احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله وان الله لو شاء ما اشركوا ولا حرموا شيئا من الانعام التي احلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه. وهذه حجة باطلة فانها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث اشركوا به. فعاقبهم اشد العقاب فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم ليس قصدهم بذلك الا رد الحق الذي جاءت به الرسل. والا فعندهم علم انه لا حجة لهم على الله. فان الله امرهم ونهاهم ومكنهم من القيام بما كلفهم وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها افعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من ابطال الباطل. هذا وكل احد يعلم بالحس قدرة الانسان على كل فعل يريده من غير ان ينازعه منازع. فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله وتكذيب الامور العقلية والحسية فهل على الرسل الا البلاغ المبين؟ اي البين الظاهر الذي يصل الى القلوب ولا يبقى لاحد على الله حجة. فاذا بلغتهم الرسل امر ربهم ام ناهية واحتجوا عليهم بالقدر فليس للرسل من الامر شيء. وانما حسابهم على الله عز وجل فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين يخبر وتعالى ان حجته قامت على جميع الامم. وانه ما من امة متقدمة او متأخرة الا وبعث الله فيها رسولا. وكلهم متفقون على اخوة واحدة ودين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له. ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. فانقسمت الامم بحسب استجابتها دعوة الرسل وعدمها قسمين. فمنهم من هدى الله فاتبعوا المرسلين علما وعملا. ومنهم من حقت عليه الضلالة فاتبع سبيل الغي. فسيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. فانكم سترون من ذلك العجائب. فلا تجدون مكذبا الا كان الهلاك ان تحرص على هداهم فان الله لا يهدي من يضل وما لهم من