المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السادس عشر في فضل الصبر على المكاره والشكر على المحاب. العبد لا يخلو في تنقلاته في حياته واطواره فيها من حالتين لا ثالث لهما اما ان يحصل لهما يجب ويندفع عنه ما يكره وهذا حبيب للنفوس. ملائم للقلوب. مطلوب لكل عاقل. وهو من اعظم نعم الله على العبد فوظيفته في هذه الحال الشكر والاعتراف وان ذلك من نعم الله عليه. فيعترف بها متحدثا بها مستعينا على طاعة المنعم وهذا هو الشاكر. فان الهته النعمة وابطرته واوصلته الى الاشر والبطر وغفل عن الشكر فهذا الذي كفر نعمة الله واستعمل منن الله في غير واجبها وطريقها. الحالة الثانية ان يحصل للعبد المكروه او يفقد المحبوب فيحدث له هما وحز وقلقا فوظيفته الصبر لله فلا يتسخط ولا يضجر ولا يشكو للمخلوق ما نزل به بل تكون شكواه لخالقه. ومن كان في الضراء صبورا وفي السراء شكورا. لم يزل يغنم على ربه الثواب الجزيل. ويكتسب الذكر الجميل. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك الا للمؤمن. النعم والنقم والمحاب والمكاره اضياف. فاكرم قراها بالقيام بوظيفة ليستريح قلبك وترضي ربك. وينقلب ضيفك شاكرا ولمعروفك ذاكرا. متى حصل لك محبوب من رياسة او مال او زوجة او ولد او صحة او رزق او توابع ذلك او اندفع عنك مكروه. فاعلم ان هذه نعم من الله فاعترف بها بقلبك. واخضع لربك الذي اوصلها اليه وازدد له حبا وثناء فان النفوس مجبولة على محبة من احسن اليها. فكيف بمن منه جميع الاحسان؟ واكثر من الثناء على الله بها جملة وتفصيلا. اما الاجمال فان تقول اللهم ما اصبح او ما امسى بي من نعمة او باحد من خلقك. فمنك وحدك لا فلك الحمد ولك الشكر. واما تفصيلا فقل انعم الله علي بالنعمة الفلانية دينية او دنيوية وصرف عني كذا وكذا. وتوسل بها الى طاعة المنعم وسله ان يجعلها معونة على الخير وان يعيذك من صرفها في غير ما يحبه الله ويرضاه. واحمد الذي وفقك لشكرها التوفيق للشكر نعمة اخرى. ومتى اصابك مكروه في بدنك او مالك او حبيبك فاعلم ان الذي قدره حكيم لا يفعل شيئا عبثا ولا يقدر شيئا سدى وانه رحيم. قد تنوعت رحمته على عبده ارحمه فيعطيه ثم يرحمه فيوفقه للشكر ويرحمه ثابت ثم يرحمه فيوفقه للصبر. رحمة الله عليك متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها. ويرحمه ايضا يجعل ذلك البلاء لذنوبه كفارات ولمقامه خيرا ورفعة درجات. ويرحمه بان يجعل ذلك المكروه منميا لاخلاقه الجميلة مربيا على الاعمال والاقوال الزكية فاذا فهم العبد في التقدير هذه الرحمات ولحظ هذه الالطاف المتنوعات لم تتأخر نفسه ان كانت نفسا الحرة عن الصبر على المكاره والاحتساب ورجاء الاجر والارتقاب ثم رجاء السلامة من الملك الوهاب. من استكمل مراتب الصبر والشكر فهو الكامل في كل احواله فان الصبر الة عظيمة تعين العبد على جميع الامور الصعبة. قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة اي على جميع اموركم فمن شرع في عمل من الاعمال وصبر عليه وثابر رجي له النجاح. ومن ضعف صبره وثباته لم يتم له فلاح. اذا اصيب العبد مصيبة فلجأ الى الصبر والاحتساب خفت وطأتها وهانت مشقتها وتم له اجرها وكان من الفضلاء الكرام. ومن ضعف صبره وحضر جزعه اشتدت مصيبته وتضاعفت آلامه القلبية والبدنية وفاته الثواب واستحق العقاب. ولابد ان يعود في اخر امره فيسلو سلوى والبهائم وذلك من اخلاق اللئام. بشر الصابرين على مشقة الطاعات وترك المخالفات والام المصيبات. بتوفية اجرهم بغير حساب وانذر الجاذعين المتسخطين لاقدار الله بتضاعف المكاره وفوات الاجر وحلول الوزر والعقاب. ان الجزع لا يرد الفائت ولكنه يحزن الصديق ويسر الشامت. الصبر مؤذن بالقوة والشجاعة والثبات والايمان. والجزع عنوان الجبن والضعف والهلع والخسران. ما من نال من خير الدنيا والاخرة الا بالصبر ولا حرم من حرم الا بفقده. قال تعالى والملائكة يدخلون عليه من كل سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار فبالصبر يرتقي العبد الى اعلى المقامات. وهو مقام الشاكرين الذين يشكرون الله على السراء والضراء واليسر والعسر يشكرون الله في كل احوالهم تشكرونه على نعمة العافية والصحة وسلامة الابدان ويشكرونه على نعمة الاسماع والابصار والعقول والبيان ان ويشكرونه على تيسير الرزق والاسباب المتنوعة التي بها تكتسب الارزاق. وخصوصا اذا يسر الله للعبد سببا مريحا لقلبه على الخير فان هذا من بركة الرزق وكماله. ويحمدون الله على دفع المكاره والملمات. كذلك يحمدون الله ابلغ حمد على نعمة الاسلام الايمان والهداية الى الخير والتوفيق للاحسان. نعمة الله بالتوفيق للتقوى اجل النعم واعلاها. قال تعالى لقدمن الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة حكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. من حصلت له نعمة العلم والايمان ان فقد تمت عليه النعمة من جميع الوجوه وقد نال من ربه كل ما يؤمله ويرجوه. فيا من توالت عليه النعم وصرفت عنه النقم بالله على ذلك لتبقى وتكمل فالشكر مقرون بالمزيد وكفران النعم مقرون بالمحق والعذاب الشديد. وشكرانك للنعم نعم اخرى تحتاج الى شكر اخر وتجديد. ولكن الله تعالى رضي منا بالاعتراف بالعجز عن شكره. وان نفعل ما نستطيعه من الثناء والتمجيد الشاكرون اطيب الناس نفوسا واشرحهم صدورا واقرهم عيونا فان قلوبهم ملآنة من حمده والاعتراف بنعمه والاغتباط بكرمه والابتهاج باحسانه والسنتهم رطبة في كل وقت بشكره وذكره وذلك اساس الحياة الطيبة ونعيم الارواح وحصول جميع والافراح وقلوبهم في كل وقت متطلعة للمزيد. وطمعهم ورجائهم في كل وقت بفضل ربهم يقوى ويزيد. لو علم عباد ماذا اعد للشاكرين من الخيرات لاستبقوا الى هذه الفضيلة العليا. ولو شاهدوا احوالهم في السرور والابتهاج لعلموا انهم في جنة في الدنيا اذا قضيت المصائب والمكاره على الخلق انقسموا فيها اربعة اقسام. احدهما الظالمون وهم اهل الجزع والسخط. والثاني الصابرون وهم الذين حبسوا قلوبهم عن التسخط على المقدور والسنتهم عن الشكوى وجوارحهم عن افعال الساخطين. فهؤلاء لهم اجرهم بغير حساب. والثالث الراضون عن الله الذين كملوا مراتب الصبر. واطمأنت قلوبهم لاقدار الله المؤلمة ورضوا بها. ولم يود انهم لم يصابوا بها بل رضوا بما رضي الله به لهم. فرضوا عن الله ورضي الله عنهم. والرابع الشاكرون. وهم من ارتفعت على هذا هؤلاء كلهم درجاتهم فصبروا لله ورضوا بقضاء الله ولكنهم شكروا الله على الضراء كما شكروه على السراء. وحمدوه على المصائب مضار كما حمدوه على المحاب والمسار. فهؤلاء الشاكرون الاصفياء الابرار وهم الاقلون عدد الاعظمون عند الله قدرا. قال تعالى وقليل من عبادي الشكور. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان صحيح ان فيهما بشارة وخير عظيم للصابرين والشاكرين احدهما قوله ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما امره الله به انا لله وانا اليه راجعون. اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا اجره الله في مصيبته واخلف له خيرا منها فهذا يشمل اي مصيبة كانت وان من قال هذا القول بصدق الله له بين الخلف العاجل والثواب العاجل والاجل. والثاني ان الله ليرضى عن العبد يأكل الاكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها فهذا وعد بان من حمد الله بعد الاكل والشرب حصل له من الله الرضا الذي هو اكبر نعيم الجنات. عموم العلة يقتضي ان جميع النعم اذا حصلت للعبد فحمد الله عليها حصل له هذا الثواب فاجتمع له نعمة الدنيا والدين. ومن لطفه ان العبد اذا استغنى بما احله الله له عما حرمه وتناول الحلال الملائم للنفوس بهذه النية كان له حسنات كما قال صلى الله عليه وسلم حين ذكر نعم من الصدقات حتى قال وفي بضع احدكم صدقة. قالوا يا رسول الله ايأتي احدنا شهوته ويكون له اجر؟ قال رأيتم لو في حرام اكان عليه وزر فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر. فتبارك الكريم الوهاب