اشفيني وما الذي عن هذا الامر يسليني؟ فقال له صاحبه الناصح الم تعلم ان من الواجبات واكبر فضائل الرجل اللبيب ان يتبع الحق الذي تبين له ويدع ما هو فيه من الباطل وخصوصا عند المنازعات النفسية والاغراض الدنيوية. وان الموفق اذا وقع في المهالك طلب الوسيلة الى تحصيل الاسباب المنجية اما علمت ان من نعمة الله على العبد ان يقيض له الناصحين ان الواحد من هؤلاء لو لم يكن عنده من هذه الامور وهي القوة والصحة والمال والاهل والولد وتوابع ذلك الا الشيء القليل لكان في راحة وسرور من جهتين. جهة القناعة وعدم تطلع النفس ارجعوا عن هذا الانقلاب الغريب فايته الحيلة في ذلك. وعرف ان ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر استئصال الداء ومعالجته بانفع الدواء. وعرف ان ذلك متوقف على معرفة الاسباب التي حولته سوقها للامور التي لم تحصل وجهة ما ترجوه من ثواب الله العاجل والاجل. على هذه العبادة القلبية التي تزيد على كثير من العبادات البدنية. فان التعبد لله بمعرفة نعمه والاعتراف بها انتصار الحق. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. محاورة دينية اجتماعية. هذه صورة محاورة بين رجلين كانا متصاحبين رفيقين مسلمين. يدينان بالدين الحق. ويشتغلان في طلب العلم جميعا. فغاب احدهما عن صاحبه مدة طويلة. ثم التقيا فاذا هذا الغائب قد تغيرت احواله وتبدلت اخلاقك. فسأله صاحبه عن ذلك. فاذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون. فحاوله صاحبه وقلبه لعله والطرق التي اوصلته الى الحالة المخيفة. والى فحصها وتمحيصها وتخليصها وتوضيحها مقابلتها بما يضادها ويقمعها على وجه الحكمة والسداد. فقال لصاحبه مستكشفا له للحامل له على ذلك يا اخي ما هذه الاسباب التي حملتك على ما اراك؟ وما الذي دعاك الى لا نبذ ما كنت عليه فان كان خيرا كنت انا وانت شريكين. وان كان غير ذلك فاعرف من عقلك ودينك وادبك انني وانك لا ترضى ان تقيم على ما يضرك. فاجابه صاحب قائلا لا اكتمك اني قد رأيت المسلمين على حالة لا يرضى هذا والهمم العلية. رأيت في جهل وذل وخمول. وامورهم مدبرة. وفي الجانب الاخر هؤلاء الاجانب قد ترقوا في هذا الحياة وتفننوا في الفنون الراقية والمخترعات العجيبة المدهشة. والصناعات المتفوقة رأيتهم قد دانت لهم الامم وخضعت لهم الرقاب وصاروا يتحكمون في الامم الضعيفة بما ما شاءوا ويعدونهم كالعبيد والاجراء. فرأيت فيهم العز الذي بهرني. والتفنن الذي ادهشني فقلت في نفسي لولا ان هؤلاء القوم هم القوم وانهم على الحق والمسلمون على الباطل لما اكانوا على هذا الوصف الذي ذكرت لك. فرأيت ان سلوكي سبيلهم واقتدائي بهم خير لي واحسن عاقبتي فهذا الذي صيرني الى ما رأيت. فقال له صاحبه حين ابدى ما كان خافيا. اذا كان هذا هو السبب الذي حولك الى ما اراك. فهذا ليس من الاسباب التي يبني عليها اولو الالباب والعقول عقائدهم اخلاقهم واعمالهم ومستقبل امرهم. فاسمع يا صديقي تمحيص هذا الامر الذي غرك وحقيقته ان تأخر المسلمين فيما ذكرت ليس ناشئا عن دينهم. فانه قد الم كل من له ادنى نظر وبصيرة ان دين الاسلام يدعو الى الصلاح والاصلاح في امور الدين وفي امور الدنيا. ويحث على الاستعداد من تعلم العلوم والفنون النافعة. ويدعو الى تقوية القوة المعنوية والمادية لمقاومة الاعداء والسلامة من شرهم واضرارهم. ولم يستفد احد منفعة دنيوية فضلا عن المنافع الدينية الا من هذا الدين. وهذه تعاليمه وارشاداته قائمة لدينا. تنادي اهلها هلم للاشتغال بجميع الاسباب النافعة التي تعليكم وترقيكم في دينكم ودنياكم. افبتفريط تحتج على الدين ان هذا لهو الظلم المبين. اليس من قصور النظر ومن الهوى والتعصب النظر في احوال المسلمين في هذه الحقبة من الزمن. التي تدهورت فيها علومهم واعمالهم واخلاقهم وفقدوا فيها جميع مقومات دينهم. وترك النظر اليهم في زهرة الاسلام والدين في الصدر الاول حيث كانوا قائمين بالدين مستقيمين على الدين سالكين كل طريق يدعو اليه الدين. فارتقت اخلاقه واعمالهم حتى بلغت مبلغا ما وصل اليه ولن يصل اليه احد من الاولين والاخرين ودانت لهم الدنيا من مشارقها الى مغاربها. وخضعت لهم اقوى الامم. وذلك بالدين الحق والعدل والحكمة والرحمة. وبالاوصاف الجميلة التي كانوا عليها. اليس ضعف المسلمين في هذه يوجب لاهل البصائر والنجدة منهم. ان يكون جدهم ونشاطهم وجهادهم الاكبر متضاعفا ويقوموا بكل ما في وسعهم لينالوا المقامات الشامخة. ولينجوا من الهوة العميقة التي وقعوا فيها اليس هذا من افرض الفرائض؟ والزم اللازمات في هذا الحال؟ فالجهاد في حال قوة المسلم وكثرة المشاركين فيه له فضل عظيم يفوق سائر العبادات. فكيف اذا كانوا على هذه الحالة وصفت فان الجهاد لا يمكن التعبير عن فضائله وثمراته. ففي هذه الحالة يكون الجهاد على قسمين احدهما السعي في تقويم المسلمين. وايقاظ هممهم وبعث عزائمهم وتعليمهم والعلوم النافعة وتهذيبهم بالاخلاق الراقية. وهذا اشق الامرين وهو انفعهما وافضلهما والثاني السعي في مقاومة الاعداء واعداد جميع العدد القولية والفعلية والسياسية الداخلية والخارجية لمناوأتهم والسلامة من شرهم. افحين صار الامر على هذا الوصف الذي ذكرت وصار الموقف حرجا تتخلى عن اخوانك المسلمين. وتتخلف مع الجبناء والمخالفين فكيف مع ذلك تنضم الى حزب المحاربين؟ الله الله يا اخي. لا تكن اقل ممن قيل فيهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا. قاتلوا لاجل دينكم او ادفعوا لاجل قومكم لا تكن مثل هؤلاء المنافقين. فاعيذك يا اخي من هذه الحال التي لا يرضاها اهل الديانة ولا اهل النجدات والمروءات. فهل ترضى ان تشارك قومك في حال عزهم وقوة ادددهم وعنصرهم وتفارقهم في حال ذلهم ومصائبهم. وتخذلهم في وقت اشتدت فيه الضرورة الى نصرة الاولياء ورد عدوان الاعداء. فهل رأيت قوما خيرا من قومك او شاهدت دينا افضل من دينك فقال المنصوح الامر هو ما ذكرت لك ونفسي تتوق الى اولئك الاقوام الذين اتقنوا الفنون والصناعات. وترقوا في هذه الحياة. فقال له صاحبه وهو يحاور رفضت دينا قيما. كامل القوائد ثابت الاركان. مشرق البرهان. يدعو الى كل خير ويحث على السعادة والفلاح. ويقول لاهله هلم الى كل صلاح واصلاح. والى كل خير ونجاح واسلكوا كل طريق يوصلكم الى السعادة الدنيوية والاخروية. دينا مبني على الراقية الصحيحة. التي بنيت على العدل والتوحيد. واسست على الرحمة والحكمة والعلم والشفقة واداء الحقوق الواجبة والمستحبة. وسلمت من الظلم والجشع والاخلاق السافلة. وشملت بظلها ظليل واحسانها الطويل وخيرها الشامل وبهائها الكامل ما بين المشارق والمغارب واقر بذلك الموافق والمنصف المخالف. اتتركها راغبا في حضارات ومدنيات مبنية على الكفر والالحاد مؤسسة على الطمع والجشع والقسوة وظلم العباد. فاقدة لروح الايمان ورحمته عادمة لنور العلم وحكمته. حضارة ظاهرها مزخرف مزوق. وباطنها خراب وتظنها تعمر الوجود وهي في الحقيقة مآلها الهلاك والتدمير. الم ترى اثارها في هذه الاوقات وما احتوت عليه من الافات والويلات. وما جلبته للخلائق من الهلاك والفناء والتدمير. فهل سمع الخلق منذ اوجدهم الله لهذه المجازر البشرية. التي انتهى اليها شوط هذه الحضارة نظيرا او مثيلا وهل اغنت عنهم مدنيتهم وحضارتهم من عذاب الله من شيء لما جاء امر ربك؟ وما زادتهم غير تدبيب فلا يخدعنك ما ترى من المناظر المزخرفة والاقوال المموهة والدعاوى العريضة وانظر الى بواطن الامور وحقائقها. ولا تغرنك ظواهرها. وتأمل النتائج الوخيمة والثمرات الذميمة. فهل اسعدتهم هذه الحضارة في دنياهم التي لا حياة لهم يرجون غيرها؟ ام تراه هم ينتقلون من شر الى شرور ولا يسكنون في وقت الا وهم يتحفزون الى شرور فظيعة جازرة عظيمة. فالقوة والمدنية والحضارة والمادة بانواعها. اذا خلت من الدين الحق هذه طبيعتها وهذه ثمراتها وويلاتها. ليس لها اصول وقواعد نافعة. ولا لها غايات صالحة ثم هب انهم متعوا في حياتهم واستدرجوا فيها بالعز والرياسة ومظاهر القوة والحياة فهل اذا انحزت اليهم وواليتهم يشركونك في حياتهم ويجعلونك كابناء قومهم كلا والله انهم اذا رضوا عنك جعلوك من ارذل خدامهم. واية ذلك انك في ليلك ونهارك تكدح في خدمتهم. وتتكلم وتجادل وتخاصم على حسابهم. ولم ترهم صفاؤك حتى ساووا معك ادنى قومهم وبني جنسهم. فالله الله يا اخي في دينك وفي مروءتك. واخلاقك وادبك. والله الله في بقية رمقك. فالانضمام الى هؤلاء والله هو الهلاك فقال له المنصوح لقد صدقت فيما قلت ولكن لي على هذا المذهب اصحاب مثقفون ولي على هذا الرأي شبيبة مهذبون. قد تعاقدت معهم على التمسك بالالحاد. واحتقار تمسكين بدين رب العباد قد اخذنا نصيبا وافرا من اللذات واستبحنا ما تدعو اليه النفوس من اصناف في الشهوات فانى لي بمقاطعة هؤلاء السادة الغرر وكيف لي بمباينتهم وقد اتصلت بهم غاية الاتصال. فالان يتنازع ندائيان. داعي الحق بعدما بان سبيله واتضح دليله ودائع النفس والاتصال بهؤلاء الاصحاب المنافي للحق غاية المنافى. فكيف الطريق الذي يريحني الذين يرشدونه الى الخير ويأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر. ويسعون في سعادته وفلاحه. ثم من تمام هذه النعمة ان يوفق لطاعتهم. ولا يتشبه بمن قال الله فيهم ولكن لا تحبون الناصحين. ثم اعلم انه ربما كان الانسان اذا ذاق مذهب المنحرف وشاهد ما فيه من الغي والضلال. ثم تراجع الى الحق الذي هو حبيب القلوب. كان اعظم وقعه واكبر لنفعه. فارجع الى الحق صادقا. وثق بوعد الله. ان الله لا يخلف الميعاد فاذا عرفت هذه الاصول فهذا الدين الحق الذي دعت اليه الرسل عموما. وخاتمهم وامامه محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا قد بني واسس على التوحيد والتأله لله وحده لا شريك له الذي جبلت عليه النفوس. فاين هذه الحال من حال من تلقى المصيبات التي لابد للخلق منها قلب منزعج مرعوب وخشعت نفسه المهينة لما فيها من الشدائد والكروب. فبقيت الحسرات تنتاب حبا وخوفا ورجاء واخلاصا. وانقيادا واذعانا لربوبيته. واستسلاما لعبوديته قد دل على هذا الاصل الذي هو اكبر جميع اصول الادلة العقلية والفطرية. ودلت عليه جميع الكتب السماوية وقرره جميع الانبياء والمرسلين واتباعهم من اهل العلوم الراسخة والالباب الرزينة والاخلاق العالية والاداب السامية. كل اولئك اتفقوا على ان الله منفرد بالوحدانية. منعوت بكل صفة كمال. موصوف بغاية الجلال والعظمة والكبرياء والجمال. وانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور وانه منزه عن كل صفة نقص وعن مماثلة المخلوقين. وان انه لا يستحق العبادة والحمد والثناء والشكر الا هو. فالدين الاسلامي على هذا الاصل اسس وعليه قام واستقام. واما ما عليه اهل الالحاد. فانه ينافي هذا الاصل غاية المنافى فانه مبني على انكار البارىء رأسا. فضلا عن الاعتراف له بالكمال. وعن القيام باوجب الواجب وافرد الفروض وهو عبوديته وحده لا شريك له. فاهل هذا المذهب اعظم الخلق مكابرة وانكارا لاظهر الاشياء واوضحها. فمن انكر الله فباي شيء يعترف؟ فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون. وهؤلاء ابعد الناس عن عبودية الله والانابة اليه. وعن التخلق بالاخلاق الفاضلة التي تدعو اليها الشرائع. وتخضع لها العقول الصحيحة. ومع خلو قلوبهم من توحيد الله والايمان به وتوابع ذلك فهم اجهل الناس واقلهم بصيرة ومعرفة بشريعة الاسلام واصول الدين وفروعه. فتجدهم يكتبون ويتكلمون ويدعون لانفسهم من العلم والمعرفة والثقافة واليقين ما لا يصل اليه اكابر العلماء. ولو طلب من احدهم ان يتكلم عن اصل من اصول الدين العظيمة الذي لا يسع احدا جهله او على حكم من الاحكام في العبادات والمعاملات والانكحة لظهر عجزه ولم يصل الى ما وصل اليه كثير من صغار طلبة العلم الشرعي. فكيف يثق العاقل فضلا عن المؤمن باقوى والهم عن الدين. فاقوالهم في مسائل الدين لا قيمة لها اصلا. ولو صبرت حاصل ما عليه رؤساؤهم لرأيتهم قد اشتغلوا بشيء يسير من علوم عربية. وترددوا في قراءة الصحف التي على مشربهم وتمرنوا على الكلام الذي من جنس اساليب كثير من هذه الصحف الرديئة الساقطة. فظنوا بانفسهم وظن بهم اتباعهم الاطلاع بالمعارف والعلوم. فهذا اسمى ما يصلون اليه في العلم اما الاخلاق فلا تسأل عن اخلاق من لا يؤمن بالله ولا باليوم الاخر. ولا يعتقد الاديان الصحيحة فان الاخلاق نتائج الاعتقادات الصحيحة والفاسدة. فغاية ما عند هؤلاء التملق القولي والفعلي والخضوع الكاذب للمخلوقين. وهم مع هذا الخضوع السافل تجد عندهم من العجب والكبر واحتقار الخلق والاستنكاف عن مخالطة من يستنقصونهم شيئا كثيرا. فهم اوضع خلق الله واعظمهم كبرا وتيها. ثم انهم يستعينون على هذا الخلق المسمى عندهم بالثقافة بالتصنيع والتدريب بالملابس والفرش والزخارف. ويفنون كثيرا من اوقاتهم بذلك. وقلوبهم خراب خالية من الهدى والاخلاق الجميلة. فالجمال الظاهر الباطن ماذا يغني عن الجمال الحقيقي؟ ثم اذا لاحظت الى غاياتهم ومقاصدهم. فاذا هي اغراض دنية ومقاصد سفلية ومطامع شخصية واذا صبرت احوالهم رأيتهم اذا اجتمعوا تظنهم اصدقاء مجتمعين. فاذا افترقوا فهم الاعداء تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. ذلك بانهم قوم لا يعقلون. وما وصفت لك من احوالهم وانت تعرف ذلك قليل من كثير. فكيف ترضى ان يكون هؤلاء احبابك واصدقائك؟ ترضى لرضاك اللهم وتسخط لسخطهم وتقدمهم على حظوظك الحقيقية وسعادتك الابدية. فانظر الى صفاتهم نظرة التحقيق والانصاف. وقارن بينها وبين نعوت البررة الاخيار. الذين امتلأت قلوبهم من محبة الله الانابة اليك والايمان واخلاص العمل لاجله. وفاضت السنتهم بذكر الله والثناء عليه. واشتغل جوارحهم في كل وسيلة تقربهم الى الله وتدنيهم من رضوانه وثوابه ونفع الخلق. اشجع الناس قلوب واصدقهم قولا واطهرهم اخلاقا وازكاهم عملا واقربهم الى كل خير. وابعد من كل شر يكفون عن الخلق الاذى ويبذلون لهم الندى ويصبرون منهم على الاذى افتقدم على هؤلاء الانجاب الغرر؟ من ملئت قلوبهم من الشك والنفاق. وفاضت على ظاهرهم فاكتسبوا لذلك ارذل الاخلاق. يقومون بالنفاق والرياء. ويقعدون بالتملق والاعجاب والكبرياء فهو روحه وزادت مصائب قلبه على مصائب بدنه ليس عنده من الصبر وارتقاب الثواب ما يخفف عنه الاحزان ولا من الايمان ما يهون عنه الاشجان. تعتريه المصائب فلا تجد عنده ما يخففها وصفهم القسوة والطمع والجشع. ونعتهم الكذب والغش والبهرجة والخنوع. قد منعوا احسانهم كل مخلوق واتصفوا بكل فسوق قد خضعوا في بحوثهم العلمية لكل مارق. وتبعوا في اخلاقهم كل رذيل وفاسق. قال المنصوح والله ما تعديت في وصفهم مثقال ذرة. ولكن اني اريد ان تدلني على طريق يجمع بين السعادة الدنيوية والسعادة الاخروية. لان نفوس من وتخلق باخلاق هؤلاء لا ترجعوا عما الفته الا بامر قوي. اما بترغيب وهوى يجذبها واما بترهيب وخوف يقمعها. فقال له صاحبه الناصح والله لقد ادركت في هذا الدين مطلوبك وفيه والله كل مرادك ومرغوبك. فانه الدين الذي جمع بين سعادة الدنيا والاخرة. وفيه اللذات القلبية والروحية والجسدية. ولا تفقد من مطالب النفوس الحقيقية شيئا الا ادركته. ولا من انواع المسرات شيئا الا حصلته. ففيه ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. وسأوضح لك ذلك فاعلم ان اصول اللذات المطلوبة اولا راحة القلوب وسكونها وطمأنينتها. وفرحها وبهجتها وزوال همومها وغمومها. ثانيا القناعة والطمأنينة بما اوتيه العبد من المطالب الجسدية ثالثا استعمال ذلك على وجه يحصل به السرور والاغتباط. فهذه الامور الثلاثة من رزقها واستعملها على وجهها فقد نال كل ما تعلق به طمع الطامئين. فان جميع اللذات ترجعوا الى ما ذكرنا. فاما لذات القلوب وحصول سرورها وزوال كدرها. فانما اصل ذلك بالايمان التام بما دعا الله عباده الى الايمان به. من الايمان بتوحده بجميع نقوت الكمال وامتلاء القلب من تعظيمه وجلاله. ومن التأله له وابوديته والانابة اليه. واخلاص العمل للظاهر والباطن لوجهه الاعلى. وما يتبع ذلك من النصح لعباد الله. ومحبة الخير لهم وبذل المقصود من نفعهم والاحسان اليهم والاكثار من ذكر الله والاستغفار والتوبة. فمن اوتي هذه الامور فقد حصل لقلبه من الهداية والرحمة والنور والسرور. وزوال الاكدار والهموم والغموم. ما هو نموذج من نعيم الاخرة. واهل هذا الشال لا يغبطون ارباب الدنيا والملوك على لذاتهم ورياساتهم بل يرون ما اعطوه من هذه الامور يفوق ما اعطيه هؤلاء باضعاف مضاعفة. وهذا النعيم القلبي لا يعرفه حق المعرفة. الا من ذاقه وجربه. فانه كما قيل من ذاق طعم نعيم قوم يدريه ومن دراه غدا بالروح يشريه. فهذه اشارة لطريق هذا النعيم القلبي. الذي هو اصل كل نعيم. واما الامر الثاني فان الله اعطى العباد القوة والصحة. وما يتبع ذلك من واهل وولد وخول وغيرها. والناس بالنسبة لهذه الاشياء نوعان. قسم صارت هذه النعم في بحقهم محنا ونقم. وقسم صار في حقهم نعما وخيرات ومنحا. اما اهل الدين الحقيقي فقد قابلوا هذه النعم وتلقوها على وجه الشكر لله. والاغتباط بفضله وتناولوها على وجه الاستيعاب اعانت بها على طاعة المنعم. وعلموا انها من اكبر الوسائل لهم الى رضا ربهم. وخيره وثوابه اذا استعملوها فيما هيأت له وخلقت لاجله. وقد رضوا بها عن الله كل الرضا. فانهم علموا انها من عند الله الذي له الحكمة التامة في جميع اقضيته واقداره. وله الرحمة الواسعة في جميع تدابير وله النعمة السابغة في كل عطاياه. وهو ارحم بهم من الخلق اجمعين. فحيث علموا العلم يقينية صدورها ممن هذا شأنه قنئوا بما اعطوه منها من قليل وكثير كل القناعة وسكنت قلوبهم عن التطلع والتطلب لما لم يقدر لهم. ومتى حصلت الطمأنينة والقناعة والرضا عن الله بما اعطى فقد حصلت الحياة الطيبة. فاذا ادركت حق الادراك نعتهم هذا كأن نعيم الدنيا في الحقيقة هو نعيم القناعة برزق الله. وطمأنينة القلوب بذكر الله وطاعته والرضا بها والرجاء لله ان يديمها ويتمها وان يجعلها وسيلة الى نعم اخرى. وان جعلها طريقا للسعادة الابدية لا ريب ان هذه الاحوال القلبية من افضل الطاعات واجل القربات فكم من فرق بين سرور هذا الذي تعبد بروح الدين وحصلت له الحياة الطيبة وبين من تلقى هذا هذه النعم بالغفلة وعدم الاعتراف بنعمة المنعم. وشقي بهمومها وغمومها. وكان اذا حصل له شيء من مطالب النفوس لم يرضى به بل تشوق الى غيره وتطلع لسواه. فهذا ينتقل من كدر الى الى كدر اخر لان قلبه قد تعلق تعلقا شديدا بمطالب الجسد. فحيث جاءت على خلاف ما يؤمله هو يريده قلق اشد القلق. وهو لا يزال في قلق مستمر. لان المطالب النفسية متنوعة جدا فلو وافقه واحد لم يوافقه الاخر. وربما اجتمع في الشيء الواحد سرور من وجه وحزن من وجه اخر فصفوه ممزوج بكدره. وسروره مختلط بحزنه. فاين الحياة الطيبة لهذا وانما الحياة الطيبة لارباب البصائر والحجاب. الذين يتلقونها كلها بالقبول والقناعة والرضا. واما الامر الثالث وهو جهة استعمال هذه النعم. فصاحب الدين الصحيح يتناولها على وجه الشكر لله على نعمه. والفرح بفضله. وينوي بها التقوي على ما خلق اله من عبادة الله وطاعته. وينفقها محتسبا بها رضا الله وفضله. وخلفه العادل والاجل ويعلم انه اذا انفق على نفسه واهله او ولده او من يتصل به. فانما نفقته صادفت محلها ووقعت موقعها. فلم يتثاقل كثرة النفقة في هذا الطريق. لانه يقول معتقدا هذا اولى ما بذلت فيه ما لي. وهذا الزم ما قمت به من الواجبات والفروض وهذا خير ما قمت به من المستحبات. وهذا اعظم ما ارجو له الخلف من الله. حيث يقول وهو الوفي وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين. ولا يزال نصب فيه احتساب الاجر في سعيه بكسبه. وفي مصرفه اجناس ذلك وانواعه وافراده. متفطنا لقوله صلى الله عليه وسلم على انك لن تمسك نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأتك. فمن كان هذا وصفه فان لذاته الدنيوية هي اللذات الحقيقية السالمة من الاكدار مع ما يرجو من الثواب العاجل والاجل من الله. ومن كانت هذه صفته سهل عليه الاخذ من جلها. ووضعها في محلها ويسرت له اموره غاية التيسير. واما امن استعمل هذه النعم على وجه الشره والغفلة. ولم يفكر في الاعتراف بفضل الله في كل الاوقات وبنعم الله ولم يفرح بالنعم لانها من فضل الله بل فرح بها فقط لموافقة عرضه النفسي. ولا نوى ابها الاستعانة على طاعة الله ولاحتسب في نيلها وصرفها على المنفق عليهم الاجر والثواب. فمن كان هذا لا وصفة فان الكدر والحزن له بالمرصاد. فانه اذا فاتته بعض الشهوات النفسية حزن ان ادرك ما ادركه منها ولم يكن على ما في خاطره من كل وجه حزن. وان اراد منه ولده ومن تصل به نفقة او كسوة واجبة او مستحبة حزن. ولم تخرج منه الا بشق الانفس. وان خرجت منه خرج معها بضعة من سرور قلبه. لانه يحب بقاء ما له ويحزن لنقصه على اي وجه كان وليس عنده من الاحتساب ما يهون عليه الامر. ان كان غير بخيل. فان كان شحيح النفس مطبوعا على البخل فان حياته مع اولاده واهله والمتصلين به حياة شقاء وعذاب واكدارة فصل واحزان مستمرة. لا ايمان عنده يهون عليه النفقات. ولا نفس سخية لا تستعصي النيل المكرمات. فيا له من عذاب حاضر وعذاب مستمر. فاين هذا من ذاك الذي حصل له الحياة الطيبة باكملها. هذا كله بالنظر الى هذه الامور الثلاثة. التي هي اصل اللذات عند العقلاء قد اتضح لنا ان صاحب الايمان الصحيح هو الذي فاز باللذات الحقيقية وسلم من مخدرات ثم اذا عطفنا النظر الى الطوارئ البشرية التي لا بد لكل عبد منها. وهي المصيبات التي تأتري العباد من الامراض المتنوعة وموت الاحبة وفقد الاموال ونقصها ووقوع المكاره بمن تحب وزوال المحاب وغيرها من انواع المصائب دقيقها وجليلها. رأيت المؤمن حقا قد تلقاها بقوة وصبر واحتساب. وقد قام لها بارتقاء الاجر والثواب. وعلم انها تقدير العزيز العليم وانها اقضيته صدرت من الرب الرحيم. فهان عليه امرها وخفت عليه وطأتها. فانه اذا اذا فكر فيما فيها من الالام الشاقة قابلها بما تتضمنه من تكفير السيئات وتكفير الحسنات ورفعة الدرجات والتخلق باخلاق الكرام والقوة والشجاعة. واذا انهكت بدنه وماله رآها مصلحة لقلبه وروحه. فان صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه والصبر على بلائه وانتظار ار الفرج من الله اذا المت الملمات. واللجوء الى الله عند جميع المزعجات المقلقات. فاقل الاحوال عند هذا المؤمن ان تتقابل عنده المصائب والمحاب والافراح والاتراح. وقد تصل الحال اواصي المؤمنين الى ان افراحهم ومسراتهم عند المصيبات تزيد على ما يحصل فيها من الحزن والكدر امل عملها في قلبه وروحه وبدنه واحواله كلها. القلب مليء من الهم والغم والالم. والخوف السابق واللاحق قد ملأ نفسه. فانحل لذلك لبه وانحطم. وقد ضعف توكله على الله غاية الضعف حتى صار قلبه يتعلق بمن يرجو نفعه من المخلوقين. فيا لها من مصائب دنيوية اتصلت المصائب الدينية والخلقية. وتراكم بعضها فوق بعض. حتى صارت عنده اعظم من الجبال الرواسي والله لو علم اهل البلاء والمصائب بما في الايمان من الروح والتسلية والحياة الطيبة لسارعوا اليه ولو في هذه الحال التي هم فيها مضطرون الى ما يخفف عنهم الامهم ولا يجدونه الا في الايمان صحيح الحقيقي وما يدعو اليه. ومما يتعلق به سرور الحياة ونعيمها او همها وغمها معاشرة الخلق على اختلاف طبقاتهم. فمن عاشرهم بما يدعو اليه الدين استراح. ومن عاشرهم بحسب بما تدعو اليه الاعراض النفسية فلابد ان يكون عيشه كدرا. وحياته منغصة. وتوضيح ذلك ان الناس ثلاثة اصناف رئيس ومرؤوس ونظير. اما من له رئاسة حكم او ثروة ولا هو اتباع وحاشية فله معهم حالان. حالة فيما يفعله معهم وحالة فيما يصيبه من من اتباعه من خير وشر. وموافق للطبع ومخالف له. فان هو حكم الدين والشرع في الحالتين استراح فحاوله اجر من الله اذا استعمل العدل معهم واستعمل النصح والاحسان وقابل المسيء منهم بالعفو شكرهم على فعل المعروف والخير. مبتغيا بذلك وجه الله. وايضا فانه اذا تأمل فيما فعله من خير اطمأنت نفسه وانشرح صدره. فاين هذا من الرئيس الذي لا يبالي بظلم الناس في دمائهم واموالهم بهم واعراضهم ولا يبالي بسلوك طرق العدل والانصاف. وليس له صبر على اية اذية تصيبه ومن رعيته فهو من اتباعه في نكد مستمر. ورعيته قد ملئت قلوبهم من مقته وبغضه. يتربصون به الدوائر والفرص حتى اذا وقع في اقل شيء اعانوا عليه اعداء اعدائهم. فهو معهم غير مطمئن على حياته ولا نعمته. لا يدري متى تفجأه البلايا. ليلا او نهارا. هذه حالة الرئيس على على وجه الاجمال. واما حالة المرؤوس فان اطاع الدين في وظيفته واطاع حاكمه او سيده او خالدة واستعمل الاداب الشرعية في معاملته والاخلاق المرضية فهو مع طاعته لله ولرسوله قد استراح واراه وطابت عنه نفس رئيسه وامن عقوبته وامل احسانه وبره ومحبته واما من تعدى طوره وعصى متبوعه والتوى فانه لا يزال متوقعا لانواع المضار يمشي خائفا وجلا لا يقر له قرار ولا يستريح له بال. واما حالة النظير المساوي فان جمهور من تعاشرهم من الخلق اذا خالقتهم بالخلق الحسن اطمأنت نفسك وزالت عنك هموم لانك تكتسب بذلك مودتهم وتخمد عداوتهم مع ما ترجوه من عظيم ثواب الله الى هذه العشرة التي هي من افضل العبادات. فان العبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم وحسن الخلق له خاصية في فرح النفس. لا يعرف ذلك حق معرفته الا المجربون. فاين قالوا هذا ممن عاشر الناس باسوأ الاخلاق فخيره ممنوع وشره غير مأمون وليس له واقل صبر على ما يناله من المكدرات. فهذا قد تنغصت عليه حياته وحضرته همومه وحسراته فهو في عناء حاضر ويخشى من الشقاء الاجل. واما معاشرته مع اهله واولاده ومن اتصل به فانه يتأكد عليه القيام بالحقوق اللازمة. تامة لا نقص فيها ولا تبرم. فمن عمل هؤلاء بما امر الله ورسوله راجيا بقيامه به ثواب ربه ورضاه. عاش معهم عيشة راضية ومن كان معهم في نكد وسوء خلق مع الصغير والكبير يخرج من بيته غضبان ويدخل على اهل وولده متكدرا ملئان فاي حياة لمن كانت هذه حالة؟ وما الذي يرجوه حيث ضيع ما فيه فرحه ومسراته. واما عشرته مع معامليه فان استعمل معهم النصح والصدق وكان سمحا اذا سمحا اذا اشترى سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى حصلت له الرحمة وفاز بالشرف باعتبار واكتسب مودة معامليه ودوام معاملتهم. ولا يخفى ما في ذلك من طيب الحياة وسرور النفس وما في ضدها من سوء الحال وسقوط الشرف وتنغص الحياة. والفارق بين الرجلين هو الدين فصاحب الدين منبسط النفس مطمئن القلب. فقد تبين لك ان السعادة واللذة الحقيقية بجميع بانواعها تابعة للدين. واعلم يا اخي ان الدين نوعان احدهما اعمال واحوال واخلاق دينية ودنيوية. وكما ذكرنا انه لا سبيل الى حصول الحياة الطيبة الا بالدين والثاني علوم ومعارف نافعة. وهي علوم الشرع والدين وما يعين عليها ويتوصل اليها به فالاشتغال بها من اجل العبادات. وحصول ثمرتها من اكمل اللذات. ولا يشبهه شيء من لذات الدنيوية. واعتبر ذلك بحال الراغبين في العلم تجد اكثر اوقاتهم مصروفة في تحصيل العلم فيمضي الوقت الطويل وصاحبه مستغرق فيه يتمنى امتداد الزمن. وهذا عنوان اللذة ان المشتاق يقصر عنده الوقت الطويل. ومن ضاق صدره بشيء يطول عليه الوقت القصير. وصاحب علمي في كل وقت مستفيد علوما يزداد بها ايمانه. وتكمل بها اخلاقه. والمتصفح للكتب النافعة لا يزال يعرض على ذهنه عقول الاولين والاخرين ومعارفهم. واحوالهم الحميدة وضدها. وفي معتبر لاولي الالباب. فكم من قصة تمر عليك في الكتب تكتسب بها عقلا جديدا وتسليك عند المصائب بما جرى على الفضلاء. وكيف تلقوها بالرضا والتسليم واغتنموا الاجر من العليم الحكيم والعلم يعرفك طرقا تدرك بها المطالب. وتدفع بها المكاره والمضار. والعقل عقلان. عقل غريزي وهو ما وضعه الله في الانسان من قوة الذهن في امور الدين والدنيا. وعقل مكتسب اذا انضم الى العقل الغريزي ازداد صاحبه حزما وبصيرا. فكما ان العقل الغريزي ينمو بنمو الانسان حتى تبلغ اشده فكذلك العقل المكتسب له مادتان للنمو. مادة الاجتماع بالعقلاء والاستفادة من من عقولهم وتجاربهم تارة بالاقتداء وتارة بمشاورتهم ومباحثتهم. فكم ترقى الرجل بهذا الحال الى مراقي الفلاح. ولهذا كان انزواء الرجل عن الناس يفوته خيرا كثيرا ونفعا جليل مع ما يحدثه الاعتزال من الخيالات وسوء الظن بالناس والاعجاب بالنفس الذي يعبر عن نقص الرجل وربما ضرت بدن فان مخالطة الناس تفتح ابوابا من المصالح وتسليك وتقوي قلبك. وفي ضعف القلب ضرر على العقل. وضرر على الدين وضرر على الاخلاق. وضرر على الصحة. وينبغي للانسان هنيئا يعامل الناس بحسب احوالهم. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن خلقه مع الصغير والكبير قال تعالى خذ العفو اي خذ ما صفا لك من اخلاق الخلق ودع عنك ما تعسر منها جالس ابناء الدنيا بالادب والمروءة والاكابر بالتوقير والاخوان والاصحاب بالانبساط والفقراء الرحمة والتواضع واهل العلم والدين بما يليق بفضلهم. فصاحب هذا الخلق الجليل تراه مبتهل النفس فيها حياة طيبة. واما المادة الثانية للعقل المكتسب فهي الاشتغال بالعلوم النافعة. فتستفيد كل قضية رأيا جديدا وعقلا سديدا. ولا يزال المشتغل بالعلم يترقى في العلم والعقل والادب العلم يعرفك بالله وكيف الطريق اليه يعرفك كيف تتوسل بالامور المباحة الى ان تجعلها عبادة تقربك الى الله. والعلم يقوم مقام الرياسات والاموال. فمن ادرك العلم فقد ادرك كل شيء من فاته العلم فاته كل شيء. وكل هذا في العلوم النافعة. واما كتب الخرافات والمجون فان لا تحلل الاخلاق وتفسد الافكار والقلوب بحثها على الاقتداء باهل الشر. وهي تعمل في الايمان قلوب عمل النار في الهشيم. فلما تلا النصيح لصاحبه هذه المواضيع وبرهن عليها قال له المنصوح والله لقد انجلى عني ما اجد في اول موضوع تلوته علي. وانزاح عني الباطل في شرحك الاول وان مجلسك يا اخي ونصيحتك بهذه الطريقة النافعة تعدل عندي الدنيا وما عليها فاحمد الله اولا حيث قيدك لي واشكرك شكرا كثيرا حيث وفيت بحق الصحبة ولم تصنع ما اهل العقول الذين اذا رأوا من اصحابهم ما يسوؤهم قطعوا عنهم حبل الوداد في الحال. واعانوا الشيطان عليهم فازداد بذلك الشر عليهم. وضاع بينهم التفاهم. واني لا انسى جميل معروفك حيث ورأيتني سادرا في المهام مغرورا بنفسي معجبا برأيي. فارتني بعيني ما انا فيه. واوقفتني حكمتك على الهلاك الذي وقعت فيه. فالان استغفر الله مما مضى واتوب اليه. واسأله الاعانة على سلوك وافزع اليه ان يختم بالصالحات اعمالي. واحمد الله اولا واخرا وظاهرا وباطنا فانه مول النعم. دافع النقم غزير الجود والكرم. انتهى وصلى الله على سيدنا