المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ستة عشر ومن كتاب منهاج السنة اربعة عشر ومئتان. هجران اهل البدعة وترك عيادتهم وتشييع جنازتهم من باب العقوبات الشرعية وهو يختلف باختلاف الاحوال من قلة البدعة وكثرتها وظهور السنة وخفائها. وان المشروع هو التأليف تارة والهجران اخرى. كما كان صلى الله عليه وسلم يفعله. لان المقصود دعوة الخلق باقرب طريق الى طاعة الله. فيستعمل الرغبة حيث تكون اصلح والرهبة حيث تكون اصلح وهو صلى الله عليه وسلم امره شامل عام لكل مؤمن شهده او غاب عنه في حياته وبعد مماته. واذا امر اناسا معينين امور وحكم في اعيان معينة باحكام لم يكن حكمه وامره مختصا بتلك المعينات بل كان ثابتا في نظائرها وامثالها الى يوم القيامة خمسة عشر ومئتان. والقول كل ما كان افسد في الشرع كان افسد في العقل. فان الحق لا يتناقض. والرسل انما اخبرت بحق الله فطر عباده على معرفة الحق. والرسل بعثت بتكميل الفطرة لا بتغيير الفطرة. قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. فاخبر انه سيريد الايات الافقية والنفسية المبينة. لان القرآن الذي اخبر به عباده حقا فتتطابق الدلالة البرهانية القرآنية والبرهان العيانية ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول. ستة عشر ومائتان. والنص والعقل دل على ان كل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد ان لم يكن ولكن لا يلزم من حدوث كل فرد فرد. مع كون الحوادث متعاقبة حدوث النوع. فلا يلزم من ذلك ان يكون الفاعل المتكلم معطلا عن الفعل والكلام. ثم حدث ذلك بالسبب كما لم يلزم ذلك في المستقبل. ان كل فرد الدين في المستقبلات المنقضية فان وليس النوع فانيا. سبعة عشر ومئتان. اهل السنة يقولون ينبغي ان يولى الاصلح للولاية اذا امكن اما وجوبا او استحبابا. ومن عدل عن الاصلح مع القدرة لهوى فهو ظالم. ومن كان عاجزا عن تولية الاصلح مع محبته لذلك فهو معذور ويقولون من تولى فانه يستعان به على طاعة الله بحسب الامكان. ولا يعان الا على طاعة الله ولا استعانوا به على معصية الله ولا يعانوا على معصية الله. ثماني عشرة ومائتين من طرق المناظرة ان يقع التفضيل بين طائفتين ومحاسن احداهما اكثر واعظم ومساوئها اقل واصغر. فاذا ذكر ما فيها من ذلك عرض بان مساوئ تلك اعظم كقوله يسألونك عن الشهر الحرام. وان كان كل الطائفتين ممدوحا لا يستحق الذنب. بل هناك شبه في الموضعين وادلة في الموضعين وادلة احد الصنفين اقوى واظهر وشبهته اضعف واخفى فيكون اولى بثبوت الحق ممن تكون ادلته اضعف فشبهته اقوى. وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين. وهو حال اهل البدع مع اهل السنة تسعة عشر ومائتان. والله سبحانه بعث الرسل بما يقتضي الكمال من اثبات اسمائه وصفاته على وجه التفصيل والنفي على طريق الاجمال للنقص والتمثيل. فالرب تعالى صوف بالصفات الكمال التي لا غاية فوقها. منزه عن النقص بكل وجه ممتنع ان يكون له مثل في شيء من صفات الكمال. فاما صفات فهو منزه عنها مطلقا. واما صفات الكمال فلا يماثله بل ولا يقاربه فيها شيء من الاشياء. والتنزيه يجمعه نوعان نفي النقص ونفي مماثلة غيره له في صفات الكمال. كما يدل على ذلك النصوص والعقل. عشرون ومئتان. واسماؤه سبحانه تتضمن صفاته ليست اعلاما محضة وهو مستحق للكمال المطلق. لانه واجب الوجود بنفسه يمتنع العدم عليه ويمتنع ان يكون تقرا الى غيره بوجه من الوجوه. اذ لو افتقر الى غيره بوجه من الوجوه لكان مفتقرا الى ذلك الغيب. والحاجة اما لحصول كمال له اما الى دفع ما ينقص كماله. ومن احتاج في شيء من كماله الى غيره لم يكن كماله موجودا بنفسه بل بذلك الغير. وهو بدون ذلك الكمال ناقص والناقص لا يكون واجبا بنفسه بل ممكنا مفتقرا الى غيره. واحد وعشرون ومئتان. فاي شيء اعتبرته من العالم وجدته مفتقرا الى شيء اخر من العالم فيدل كذلك مع كونه ممكنا مفتقرا ليس بواجب بنفسه الى انه مفتقر الى لذلك الاخر حتى ينتهي الامر الى الرب الخالق لكل شيء. ويمتنع ان يكون للعالم فاعلان. مفعول كل منهما مستغن عن الاخر كما قال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. ويمتنع ان يكون مستقلين بانه جمع بين النقيضين. ويمتنع ان يكونا متعاونين متشاركين. كما يوجد ذلك في المخلوقين باستلزام ذلك العجز والحاجة الى الاخر اثنان وعشرون ومئتان. وهو تعالى مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه. كل غاية تفرض كمالا اما ان تكون واجبا موجبة له او ممكنة او ممتنعة والقسمان الاخير ان باطلان فوجب الاول فهو منزه عن النقص وعن مساواة شيء من الاشياء له في صفات الكمال بل هذه المساواة هي من النقص ايضا. وذلك لان المتماثلين يجوز على احدهما ما يجوز على الاخر. ويجب له ما يجب له امتنع عليه ما يمتنع عليه. فلو قدر انه ماثل شيئا في شيء من الاشياء فلزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع على ذلك الشيء وكل ما سواه ممكن قابل للعدم بل معدوم مفتقر الى فاعل وهو مصنوع مربوب محدث. فلو ماثله لزم اشتراكهما في هذه الامور وقد بين ان كماله من لوازم ذاته لا يمكن ان يكون مفتقرا فيه الى غيره فضلا عن ان يكون ممكنا او مصنوعا او محدثا فلا وعشرون ومئتان واما المخالفون للرسل من المشركين والصابئة ومن اتبعهم من الجهمية والفلاسفة والمعتزلة ونحوهم فطريقتهم نفي مفصل واثبات مجمل. ينفون صفات الكمال ويثبتون ما لا يوجد الا في الخيال. فيقولون ليس بكذا ولا بكذا الى اخر ما يقول يقولون اربعة وعشرون ومئتان والله سبحانه ضرب الامثال في كتابه لما في ذلك من البيان. والانسان لا يرى نفسه واعماله الا اذا له نفسه بان يراها في مرآة وتمثل له اعماله باعمال غيره. ولهذا ضرب الملكان المثل لداود وضرب الامثال مما يظهر به قال وهو القياس العقلي الذي يهدي به الله من يشاء من عباده. خمسة وعشرون ومئتان. العبد كماله في حاجته الى ربه وعبوديته وفقره وفاقته كلما كانت عبوديته اكمل كان افضل وصدور ما يحوجهه الى التوبة مما يزيده عبودية وفقرا وتواضعا ستة وعشرون ومئتان ومن اراد ان يمدح او يذم فعليه ان يبين دخول الممدوح والمذموم في الاسماء التي علق الله ورسوله عليها المدح او الذم فاما اذا كان الاسم ليس له اصل في الشرع ودخول الداخل فيه مما ينازع فيه المدخل بطلت كل من المقدمتين. سبعة وعشرون ومئتان فعل الحسنات له اثار محمودة في النفس وفي الخارج. وكذلك السيئات. والله تعالى جعل الحسنات سببا لهذا والسيئات سببا هذا كما جعل اكل السم سببا للمرض والموت واسباب الشر لها اسباب تدفع بمقتضاها. فالتوبة والاعمال الصالحة تمحى بها السيئات صائب في الدنيا تكفر بها السيئات. ثمانية وعشرون ومئتان. ومن العلوم علوم لو علمها كثير من الناس لضرهم ذلك. ونعوذ بالله من علم لا ينفع وليس اطلاع كثير من الناس بل اكثرهم على حكمة الله في كل شيء نافعا لهم. بل قد يكون ضارا. قال تعالى لا تسألوا عن اشياء ان تبدل لكم تسوءكم. تسعة وعشرون ومئتان. والاحتجاج بالقدر حجة داحضة صلة باتفاق كل ذي عقل ودين من جميع العاملين. والمحتج به لا يقبل من غيره هذه الحجة. اذا احتج به في ظلم ظلمه اياه وترك ما فيجب عليه من حقوقه بل يطلب منه ما له عليه ويعاقبه على عدوانه عليه. وانما هو من جنس شبه السفسطائية التي تعرض في العلوم ولا يحتج به احد الا مع عدم علمه بالحجة بما فعله. اذا كان معه علم بان ما فعله هو المصلحة وهو المأمور وهو الذي ينبغي فعلها لم يحتج بالقدر وكذلك اذا كان معه علم بان الذي لم يفعله ليس عليه ان يفعله او ليس بمصلحة او ليس هو مأمورا به لم يحتج بالقدر بل اذا كان متبعا لهواه بغير علم احتج بالقدر ثلاثون ومئتان. فالرسل صلوات الله عليهم بعثوا بتحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها. فاتباع الرسل اكمل الناس في ذلك. والمكذبون للرسل انعكس الامر في حقهم. فصاروا يتبعون المفاسد ويعطلون المصالح فهم شر الناس. واحد وثلاثون ومئتان. تكليف ما لا يطاق على وجهين. الاول ما لا يطاق للعجز عنه كتكليف الزمنة الماشية وتكليف الانسان الطيران وتكليف ذلك ونحو ذلك فهذا غير واقع في الشريعة. والثاني ما لا يطاق للاشتغال ضده كاشتغال الكافر بالكفر وهذا واقع ولا ينبغي ان يعبر عنه انه لا يطاق. اثنان وثلاثون ومئتان اهل السنة يقولون ان العبد له قدرة وارادة وفعل وهو فاعل حقيقة. والله خالق ذلك كله. كما هو خالق كل شيء. كما دل على هذين الاصلين نصوص الكتاب والسنة وهو الواقع وفعل العبد حادث ممكن فيدخل في عموم خلق الله للحوادث. واتفق اهل السنة ان الله خص بنعمة دون الكافرين بان هداهم للايمان. ولو كانت نعمته على المؤمنين مثل نعمته على الكافرين لم يكن المؤمن مؤمنا فقال تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان. اولئك هم الراشدون الله خالق الملائكة والانبياء وخالق الشياطين والحيات والعقارب وغيرها من الفواسق. فهذا محمود معظم وهذا فاسق يقتل في الحل والحرم هو سبحانه خالق في هذا طبيعة كريمة تقتضي الخير والاحسان. وفي هذا طبيعة خبيثة توجب الشر والعدوان اربعة وثلاثون ومئتان الارادة في كتاب الله نوعان. واحد ارادة تتعلق بالامر اثنان وارادة تتعلق فالارادة المتعلقة بالامر ان يريد من العبد فعل ما امره. واما ارادة الخلق فان يريد ما يفعله هو. فارادة الامر هي المتضمنة للمحبة والرضا وهي الارادة الدينية والارادة المتعلقة بالخلق هي المشيئة وهي الارادة الكونية القدرية فالكفر والفسوق والعصيان ليس مرادا للرب بالاعتبار الاول والطاعة موافقة لتلك الارادة او موافقة للامر المستلزم لتلك الارادة فاما موافقة مجرد النوع الثاني فلا يكون به مطيعا. خمسة وثلاثون ومئتان. وكما على العبد ان يؤمن بقدر الله وقضائه فعليه ان يوافق الله في حبه وبغض فقضاء الشرور من جهة خلقة الرب لها محبوبة مرضية. لان الله خلقها لما له في ذلك من الحكمة. والعبد فعلها وهي ضارة له موجبة له العذاب. فنحن ننكرها ونكرهها وننأى عنها. واذا ارسل الله الكافرين على المسلمين. فعلينا ان نرضى بقضاء الله في ارسالهم علينا ان نجتهد في دفعهم وقتالهم واحد الامرين لا ينافي الاخر ستة وثلاثون ومئتان. اهل السنة متفقون على ان الانبياء معصومون في تبليغ الرسالة ولا يجوز ان يستقر في شيء من الشريعة خطأ باتفاق المسلمين. فكل ما يبلغونه عن الله من الامر والنهي فهم يطاعون فيه باتفاق المسلمين. وما اخبروا به وجب تصديقهم فيه باجماع المسلمين. وما امروهم به ونهوهم عنه فهم مطاعون فيه عند جميع فرق الامة والجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر ومن يجوز الكبائر يقول انهم لا يقرون عليها بل يحصل لهم بالتوبة منها من المنزلة اعظم مما كان قبل ذلك. سبعة وثلاثون. والقياس نوعان مذموم اما لفوات شرطه وهو عدم المساواة فيما الحكم واما لوجود مانعه وهو النص الذي يجب تقديمه عليه. وصحيح محمود وهو الذي يستوي فيه الاصل والفرع في مناط الحكم لم يعارضه ما هو ارجح منه ثمانية وثلاثون ومئتان. الصديق قد يراد به الكامل في الصدق. وقد يراد به الكامل في التصديق. وكمان كل ذلك علم ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا. وتصديق ذلك تصديقا كاملا في العلم والقصد والقول والعمل. واكمل الناس في هذا الوصف ابو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه تسعة وثلاثون ومئتان. فمن تكلم في هذا الباب اي مدح الصحابة او القدر وفيهم بجهل او بخلاف ما يعلم كان مستوجبا للوعيد. ولو تكلم بحق لقصد الهوى لا لوجه الله او ليعارض به حقا اخر لكان ايضا مستوجبا للذم والعقاب. ومن علم ما يدل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم ورضا الله عنهم واستحقاقهم الجنة انهم خير هذه الامة التي اخرجت للناس لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بامور مشتبهة منها ما لا يعلم صحته ومنها ما يتبين كذب ومنها ما لا يعلم كيف وقع ومنها ما يعلم عذر القوم فيه ومنها ما يعلم توبتهم منه ومنها ما يعلم ان لهم من الحسنات ما يغمرون فمن سلك سبيل اهل السنة استقام قوله وكان من اهل الحق والاستقامة والاعتدال والا حصل في جهل ونقد وتناقض كحال هؤلاء رفضت الضلال اربعون ومئتان. والرجل الصالح المشهود له بالجنة قد يكون له سيئات يتوب منها او تمحوها حسناته او تكفر عنه بالمصائب او غير ذلك فان العبد اذا اذنب كان لدفع عقوبة النار عنه عشرة اسباب ثلاثة منه وثلاثة من الناس باقيها من الله. التوبة والاستغفار والحسنات الماحية ودعاء المؤمنين واهداؤهم له العمل الصالح. شفاعة نبينا محمد صلى الله وعليه وسلم والمصائب المكفرة في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة ومغفرة الله له بفضل رحمته. واحد واربعون ومئتان ان ومما ينبغي ان يعلم ان الامة يقع فيها امور بالتأويل في دمائها واموالها واعراضها كالقتال واللعن والتكفير وجماهير العلماء يقولون ان اهل العدل والبغاة اذا اقتتلوا بالتأويل لم يضمن هؤلاء ما اتلفوا لهؤلاء ولا هؤلاء ما اتلفوا لهؤلاء. كما قال الزهري قد وقعت الفتنة اصحاب محمد متوافرون. فاجمعوا ان كل دم او مال اصيب بتأويل القرآن فانه هدر. انزلوهم منزلة الجاهلية في الدماء والاموال فكيف بالاعراض كاللعن والتكسير والتفسيق؟ اثنان واربعون ومئتان. ومما ينبغي ان يعلم ان اسباب الفتن تكون مشتركة ارد على القلوب من الواردات ما يمنع القلوب عن معرفة الحق وقصده. ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية. والجاهلية ليس فيها معرفة الحق وقصده الاسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح بمعرفة الحق وقصده. ثلاثة واربعون ومئتان. ويترتب على هذا الاصل ان الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم الى يوم القيامة قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك كما لا ينبغي اتباعه فيه. وان كان من اولياء المتقين ويصير فتنة لطائفتين. طائفة عظيمة فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من اهل الجنة بل في ايمانه حتى تخرجه من الايمان كل هذين الطرفين فاسد. ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم واحبه وولاه واعطى الحق له. فيعظم الحق ويرحم الخلق. ويعلم ان الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات. فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب. ويحب من وجه ويبغض من وجه. هذا هو مذهب اهل السنة والجماعة خلافا لاهل البدع من الخوارج والمعتزلة ونحوهم. اربعة واربعون ومئتان. الناس قد تكلموا في تصويب المجتمع اجتهدين وتخطيئتهم وتأثيمهم وعدم تأثيمهم. ونحن نذكر اصولا جامعة نافعة. الاصل الاول هل يمكن كل احد ان يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع. واذا لم يمكنه فاجتهد فاستفرغ وسعه فلم يصل الى الحق. بل قال ما اعتقده انه هو الحق في نفس الامر هل يستحق ان يعاقب ام لا؟ هذا اصل هذه المسائل. ثم ذكر اقوال اهل البدع فيه. ثم قال ليس كل من اجتهد واستدل يتمكن من معرفة حقه ولا يستحق الوعيد الا من ترك مأمورا او فعل محظورا. وهذا قول الفقهاء والائمة وان الناس يتفاوتون في معرفة الحق بحسب بالاسباب التي يعرف بها الحق ولا يعذب الله الا من عصاه بفعل محظور او ترك مأمور من غير فرق بين المسائل الاصولية والفروعية وكل ما ذكر من الفروق فانه غير صحيح. ولم يدل عليه كتاب ولا سنة. بل دلالتهما على عدم الفرق. ثم ذكر الادلة على ذلك. خمس تكن واربعون ومئتان فالمجتهد المستدل من امام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك اذا اجتهد واستدل واتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله اياه وهو مطيع لله مستحق للثواب اذا اتقاه ما استطاع. ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى انه مطيع لله. لكن قد يعلم الحق في نفس الامر وقد لا يعلمه خلافا للقدرية. ستة ومئتان وهل تلزم الشرائع من لم يعلمها ام لا تلزم احدا الا بعد العلم بها او يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة فيه ثلاثة اقوال والصواب منها ان الحكم لا يثبت الا مع التمكن من العلم وانه لا يقضى ما لا يعلم وجوبه. فالواجب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون الا على ذنب بعد قيام الحجة سبعة واربعون ومئتان. فاذا تشاجر مسلمان في قضية ومضت ولا تعلق ناسي بها ولا يعرفون حقيقتها. كان كلامهم فيها كلاما بلا علم ولا عدل يتضمن اذاهم بغير حق. ولو عرفوا انهما او مخطئان لكان ذكر ذلك من غير مصلحة راجحة من باب الغيبة المذمومة. ثمانية واربعون ومئتان. ودين الاسلام وسط بين من الاطراف المتجاذبة فهم وسط في التوحيد بين اليهود التي تصف الرب بالنقائص ويشبهون الخالق بالمخلوق وبين النصارى التي تصل المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها ويشبهون المخلوق بالخالق. فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال ونزهوه عن جميع النقص ونزهوه ان يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات. فهو موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص. وليس كمثله شيء في ولا في صفاته ولا في افعاله. تسعة واربعون ومئتان. وكذلك في النبوات. فاليهود تقتل الانبياء. وتستكبر عن اتباعهم وتكذبهم وتتهمهم بالكبائر والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيا ورسولا. خمسون ومئتان. واما الشرائع فاليهود منعوا ان يبعث رسولا بغير شريعة الرسول الاول. والنصارى جوزوا لاحبارهم ان يغيروا من الشرائع ما بعث الله به رسله. واحد وخمسون ومئة كان وكذلك في العبادات النصارى يعبدونه ببدع ما انزل الله بها من سلطان. واليهود معرضون عن العبادات. والمسلمون عبدوا الله بما شرع ولم يعبدوه بالبدع هذا هو دين الاسلام الذي بعث الله به جميع النبيين. وهو ان يستسلم العبد لله لا لغيره وهو الحنيفية دين ابراهيم اثنان وخمسون ومئتان وكذلك في امر الحلال والحرام في الطعام واللباس. وما يدخل في ذلك من النجاسات. فالنصارى لا تحرم ما حرم الله ورسوله ويستحلون الخبائث المحرمة ولا يتطهرون. واليهود حرمت عليهم طيبات احلت لهم. ثلاثة وخمسون ومئتان. وكذلك اهل السنة في الاسلام متوسطون في جميع الامور. فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض. وفي عثمان بين المروانية والزيدية وفي الصحابة بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم وهم في الوعيد وسط بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة. وهم في القدر وسط بين القدرية من المعتزلة ونحوهم وبين القدرية المجبرة من الجهمية ونحوهم. وهم في الصفات وسط بين الممثلة والمعطلة اربعة وخمسون والذين رفع الله قدرهم في الامة هو بما احيوه من سنته ونصرته. وهكذا سائر طوائف الامة بل سائر طوائف الخلق. كل خير معهم فيما جاءت به الرسل عن الله وما كان معهم من خطأ او ذنب فليس من جهة الرسل. خمس وخمسون ومئتان. واداء الواجب له مقصودان احدهما براءة الذمة بحيث يندفع عنه الذم والعقاب المستحق بالترك. فهذا لا تجب معه اعادة الصلاة التي ترك الخشوع فيها فان الاعادة يبقى مقصودها حصول ثواب مجرد وهو شأن التطوعات. لكن حصول الحسنات الماحية للسيئات لا يكون الا مع القبول الذي عليه الثواب فبقدر ما يكتب له من الثواب يكفر عنه به من السيئات الماضية. وما لا ثواب فيه لا يكفر وان برئت به الذمة ستة وخمسون ومئتان ولا يلزم اذا كان القول كفرا ان يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل فان ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الاخرة في حقه وذلك له شروط وموانع. سبعة وخمسون ومئتان. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج الثنتين والسبعين فرقة من الاسلام بل جعلهم من امته ولم يقل انهم يخلدون في النار. ثمانية وخمسون ومئتان. ومع مروق الخوارج وبدعهم وضررهم العظيم واتفاق الصحابة على وجوب قتالهم. ومع هذا فقد صرح علي رضي الله عنه بانهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين وكان الصحابة يصلون خلفهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم قد خالف الكتاب والسنة واجماع الصحابة والتابعين لهم باحسان تسعة وخمسون ومئتان والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين. وان كان في الاخرة خيرا مما لم يعاقب. وايضا فصاحب البدع يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة ويصد عن الحق الذي لا يتابع هواه فهذا يعاقبه الله على هواه ومثل هذا يستحق العقوبة في الدنيا والاخرة. ستون ومئتان. فمن عيوب اهل البدع تكفير بعضهم بعضا. ومن ممادح اهل العلم انهم يخطئون ولا يكفرون سبب ذلك ان احدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرا وقد يكون كفرا. لانه تبين له انه تكذيب للرسول وسب للخالق. والاخر لم يتبين له ذلك فلا يلزم اذا كان هذا العالم بحاله يكفر اذا قاله اي يكفر من لم يعلم بحاله. واحد وستون ومئتان والواجب على كل مسلم يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ان يكون اصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له له وطاعة رسوله يدور على ذلك ويتبعه اين وجده. ويعلم ان افضل الخلق بعد الانبياء هم الصحابة فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقا عامة الا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لطائفة انتصارا مطلقا عاما الا للصحابة رضي الله عنهم فان الهدى يدور مع الرسول حيث دار ويدور مع اصحابه دون اصحاب غيره حيث داروا. فاذا اجتمعوا لم يجتمعوا على خطأ قط اثنتان وستون مئتان والناس لهم في طلب العلم والدين طريقان مبتدعان وطريق شرعي. فالطريق الشرعي هو النظر فيما جاء به الرسول تدلال بادلته والعمل بموجبها فلابد من علم ما جاء به وعمل به ولا يكفي احدهما. وهذا الطريق متضمن للادلة العقلية براهين اليقينية فان الرسول بين بالبراهين العقلية ما يتوقف السمع عليه وهذا هو الصراط المستقيم الذي امر الله عباده ان هدايته. واما الطريقان المبتدعان فاحدهما طريق اهل الكلام البدعي والرأي البدعي. فان هذا فيه باطل كثير. وكثير من اهله يفرطون فيما امر الله به ورسوله من الاعمال. فيبقى هؤلاء في فساد علم وفساد عمل وهؤلاء منحرفون الى اليهودية الباطلة طريق اهل الرياضة والتصوف والعبادات البدعية. وهؤلاء منحرفون الى النصرانية الباطلة. ثلاثة وستون ومئتان. والعلم والجهاد الصلاة افضل الاعمال باجماع الامة والتحقيق ان كلا من الثلاثة لابد له من الاخرين. وقد يكون هذا افضل في حال وهذا افضل في حال كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون هذا وهذا كل في موضعه بحسب الحاجة والمصلحة. اربعة وستون ومئتان المتصرف لغيره كولي اليتيم وناظر الوقف والوكيل والمضارب والشريك وامثال ذلك يتعين عليه الاجتهاد في الاصل بخلاف المخير في الكفارات والديات ونحوها. فانه تبع لارادته. اذ هذا التخيير لقصد السهولة عليه. خمسة وستون الجاهل في كلامه على الاشخاص والطوائف والمقالات بمنزلة الذباب الذي لا يقع الا على العقر ولا يقع على الصحيح يزن الامور جميعا هذا وهذا. ستة وستون ومئتان. والاعمال ثوابها ليس مجرد صورها الظاهرة بل لحقائقها التي في القلوب الناس يتفاضلون في ذلك تفاضلا عظيما. سبعة وستون ومئتان. الصحابة رضوان الله عليهم لم يختلفوا في شيء من قواعد الاسلام. لا في الصفات ولا في القدر ولا في مسائل الاحكام ولا في مسائل الامامة. لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالاقوال. فضلا عن الاقتتال بالسيف. بل كانوا لصفات الله التي اخبر بها عن نفسه نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين. مثبتين للقدر كما اخبر الله به ورسوله مثبتين الامر والنهي والوعد والوعيد مثبتين لحكمة الله في خلقه وامره. مثبتين لقدرة العبد واستطاعته ولفعله مع اثباتهم للقدر الى غير ذلك من اصول الاسلام وقواعده. ثمانية وستون ومئتان. الامور نوعان كلية عامة وجزئية خاصة. فاما جزئيات خاصة نحو ميراث هذا الميت وعدل هذا الشاهد ونحوها فهذا مما لا يمكن لا نبيا ولا اماما ولا احدا من الخلق ان ينص على كل فرد فرد منه وانما الغاية الممكنة ذكر الامور الكلية العامة. فينص على قواعد كلية ثم ينظر في دخول الاعيان تحت تلك كالكليات او دخول نوع خاص تحت اعم منه. وان اكتفى بالكليات. فقد نص صلى الله عليه وسلم على كليات من كتاب الله ومن الحكمة يدخل فيها من الجزئيات ما لا حصر له. وقد اعطي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا. تسعة وستون ومئتان قوله تعالى فمن اظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق اذ جاءه. اذا تدبرت هذا علمت ان كل واحد من الكذب على الله والتكذيب بالصدق مذموم. وان المدح لا يستحقه الا من كان اتيا بالصدق. مصدقا قل للصدق علمت ان هذا مما هدى الله به عباده الى صراطه المستقيم. واذا تأملت هذا تبين لك ان كثيرا من الشر او اكثره يقع من احد هذين فتجد احدى الطائفتين والرجلين من الناس لا يكذب فيما يخبر به من العلم لكن لا يقبل ما تأتي به الطائفة الاخرى ربما جمع بين الكذب على الله والتكذيب بالصدق سبعون ومائتان. الخلفاء الاربعة الراشدون لهم في تبليغ كليات الدين ونشر اصوله واخذ الناس عنه ذلك ما ليس لغيرهم. واذا كان يروى عن صغار الصحابة من الاحاديث المفردة اكثر مما يروى عن بعض الخلفاء. فالخلفاء لهم التبليغ وقوته التي لم يشاركهم فيها غيرهم. ثم لما قاموا بتبليغ ذلك شاركهم فيه غيرهم فصار متواترا. كجمع ابي بكر عمر القرآن في المصحف ثم جمع عثمان لها في المصاحف التي ارسلها الى الامصار. فكان الاهتمام بجمع القرآن وتبليغه اهم مما سواه وكذلك تبليغ شرائع الاسلام الى اهل الامصار ومقاتلتهم على ذلك. واستنابتهم في ذلك الامراء والعلماء. وتصديقهم لهم فيما بلغوه عن رسول الله فبلغ ما اقاموه من اهل العلم حتى صار الدين منقولا نقلا عاما. متواترا طاهرا معلوما. قامت به الحجة ووضحت به المحجة وتبين به ان هؤلاء كانوا خلفاءه المهديين الراشدين الذين خلفوه في امته علما وعملا. وهو صلى الله عليه وسلم كما قال الله في حقه والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى. وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين قال فيهم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي فانهم خالفوه في ذلك فانتفى عنهم بالهدى الضلال وبالرشد نغير وهذا هو الكمال في العلم والعمل واحد وسبعون ومئتان. ثم قال فصل في الطرق التي يعلم بها كذب المنقول. منها يروى خلاف ما علم بالتواتر والاستفاضة. ثم ذكر امثلة لها. ومنها ما ينفرد الواحد والاثنان بما يعلم انه لو كان واقعا لتوفرت الهمم والدواعي على نقله وله امثلة ومنها ان يروى خلاف المعلوم المقطوع به في الشرع اثنان وسبعون ومئتان واستفسطة ثلاثة انواع احدها النفي والجحد والتكذيب للمعلوم لوجوده او للعلم به. الثاني الشك والريب فيما لا يشك فيه ولا يرتاب الثالث من يجعل الحقائق تبعا للعقائد ثلاثة وسبعون ومئتان. كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به الا تحصيل او مال ولكل امرئ ما نوى. واما اهل العلم والدين الذين هم اهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم اليه في الدنيا الاخرة. ولهذا تجد اهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى. ويسلكون فيه سبيل العدل والانصاف ويحبونه ويلتذون به ويحبون كثرته وكثرة اهله وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه وبمقتضاه بخلاف من لم يذق حلاوته وليس مقصوده الا مالا او رئاسة فان ذلك لو حصل له بطريق اخر لسلكه وربما رجحه اذا كان اسهل عليه. هذا اخر ما اردنا نقله من القواعد والاصول في المنهاج