المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي سواء وهذا من ادلة توحيده وقبح الشرك به. يقول تعالى كما انكم مشتركون بانكم مخلوقون مرزوقون الا انه تعالى فضل بعضكم على بعض في الرزق. فجعل منكم احرارا لهم مال وثروة ومنكم ارقاء لهم. لا يملكون شيئا من الدنيا فكما ان سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا برادي رزقهم على ما ملكت ايمانهم فهم فيه سواء ويرون هذا من الامور الممتنعة فكذلك من اشركتم بها مع الله. فانها عبيد ليس لها من الملك مثقال ذرة. فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى هل هذا الا من اعظم الظلم والجحود لنعم الله؟ ولهذا قال افبنعمة الله يجحدون. فلو اقروا بالنعمة ونسبوها الى من اولاها لما اشركوا به احدا. والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم ورزقكم من الطيبات يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده حيث جعل لهم ازواجا ليسكنوا اليها وجعل لهم من ازواجهم اولادا تقربهم اعينهم ويخدمونهم. ويقضون حوائجهم وينتفعون بهم من وجوه كثيرة. ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد ان يحصوها. افبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون. اي اي يؤمنون الباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا. ثم اوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم. فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الامر شيئا. وهذا عام لكل ما عبد من دون الله فانها باطلة. فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟ وبنعمة الله هم يكفرون. يجحدونها بها على معاصي الله والكفر به. هل هذا الا من اظلم الظلم وافجر الفجور؟ واسفه السفه. ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والارض شيئا ولا يستطيعون. يخبر تعالى عن جهل المشركين ظلمهم انهم يعبدون من دونه الهة اتخذوها شركاء لله. والحال انهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والارض. فلا ينزلون مطرا ولا ولا ينبتون من نبات الارض شيئا. ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا يستطيعون لو ارادوا فان غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به. وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون. فهذه صفة الهتهم كيف جعلوها مع وشبهوها بمالك الارض والسماوات الذي له الملك كله والحمد كله والقوة كلها. ولهذا قال فلا تضربوا ان الله يعلم وانتم لا تعلمون. فلا تضربوا لله الامثال المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه. ان الله يعلم وانتم لا تعلمون. فعلينا الا نقول عليه بلا علم. وان نسمع ما العليم من الامثال. فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا اه هل يستوون الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون. احدهما عبد مملوك اي رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا. والثاني حر غني قد رزقه الله منه رزقا حسنا. من جميع اصناف المال وهو وكريم محب للاحسان. فهو ينفق منه سرا وجهرا. هل يستوي هذا وذاك؟ لا يستويان مع انهما مخلوقان غير محال استواؤهما فاذا كانا لا يستويان فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة بل هو فقير من جميع الوجوه بالخالق المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء. ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بانواعه. فقال الحمد لله كانه قيل اذا كان الامر كذلك فلما سوى المشركون الهتهم بالله؟ قال بل اكثرهم لا يعلمون. فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرأوا على الشرك العظيم. والمثل الثاني احدهما على مولاه اينما يوجهه لا يأتي بخير. هل يستوي هو مثل رجلين احدهما ابكم لا يسمع ولا ينطق ولا يقدر على شيء لا قليل ولا كثير وهو كل على مولاه اي يخدمه مولاه ولا يستطيعه ان يخدم نفسه. فهو ناقص من كل وجه هل يستوي هذا ومن كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. فاقواله عدل وافعاله مستقيمة. فكما انهما لا يستويان فلا سوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه. فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئا منها. لا يكون كفوا وندا لمن لا يقول الا الحق ولا يفعل الا ما يحمد عليه ولله غيب السماوات والارض وما امر الساعة الا كلمح البصر او هو اقرب اي هو تعالى المنفرد بغيب السماوات والارض. فلا يعلم الخفايا والبواطن والاسرار الا هو من ذلك علم الساعة فلا يدري احد متى تأتي الا الله. فاذا جاءت وتجلت لم تكن الا كلمح البصر او هو اقرب من ذلك. فيقوم الناس من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم. وتفوت الفرص لمن يريد الامهال. ان الله على كل شيء قدير. فلا يستغرب على قدرته شاملة احياؤه للموتى والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا. وجعل لكم السمع والابصار اي هو المنفرد بهذه النعم حيث اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا ولا تقدرون على شيء ثم انه جعل لكم السمع والابصار والافئدة. خص هذه الاعضاء الثلاثة لشرفها وفضلها. ولانها مفتاح لكل بعلم فلا وصل للعبد علم الا من احد هذه الابواب الثلاثة. والا فسائر الاعضاء والقوى الظاهرة والباطنة. هو الذي اعطاهم اياها. وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا. الى ان يصل كل احد الى الحالة اللائقة به. وذلك لاجل ان يشكروا الله باستعمال ما اعطاهم من هذه الجوارح في الله. فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه. وقابل النعمة باقبح المقابلة ما يمسكهن الا الله ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون اي لانهم المنتفعون بايات الله المتفكرون فيما جعلت اية عليه. واما غيرهم فان نظرهم نظر لهو وغفلة. ووجه الاية فيها ان الله تعالى خلق بخلقة تصلح للطيران ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف ثم اودع فيها من قوة الحركة وما قدرت به على ذلك. وذلك دليل على كمال لحكمته وعلمه الواسع وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره. تبارك الله رب العالمين لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا. تستخفونها فيوم ضعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اساسا ومتاعا يذكر تعالى عباده نعمه ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها. فقال والله جعل لكم من من بيوتكم سكنا في الدور والقصور ونحوها. تكنكم من الحر والبرد وتستركم. انتم واولادكم وامتعتكم. وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لانواع منافعكم ومصالحكم. وفيها حفظ لاموالكم وحرمكم. وغير ذلك من الفوائد المشاهدة. وجعل لكم من الانعام اما من الجلد نفسه او مما نبت عليه من صوف وشعر ووبر. بيوتا تستخفونها اي خفيفة المحمل. تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها. فتقيكم من الحر والبرد والمطر. وتقي متاعكم من المطر. وجعل لكم من اصوافها الانعام واوبارها واشعارها اثاثا. وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الانية والاوعية والفرش والالبسة والاجلة. وغيره لذلك ومتاعا الى حين اي تتمتعون بذلك في هذه الدنيا وتنتفعون بها فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله والله جعل لكم مما خلق ضلالا وجعل لكم من الجبال اكنانا كذلك والله جعل لكم مما خلق اي من مخلوقاته التي لا صنعت لكم فيها ظلالا وذلك كاظلة الاشجار والجبال والاكام ونحوها. وجعل لكم من الجبال اكنانا. اي مغارات تكنكم من الحر والبرد والامطار قارئ الاعداء وجعل لكم سرابيل اي البسة وثيابا تقيكم الحر ولم يذكر الله البرد لانه قد تقدم ان هذه السورة اولها في اصول النعم واخرها في مكملاتها ومتمماتها. ووقاية البرد من اصول النعم. فانه من الضرورة. وقد ذكره في اولها في قوله لكم فيها دفء ومنافع وتقيكم بأسكم اي وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب من السلاح وذلك كالدروع والزرد ونحوها كذلك يتم نعمته عليكم. حيث اسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر. لعلكم اذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه. تسلمون لعظمته وتنقادون لامره. وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها. فكثرة النعم من الاسباب الجالبة من عبادي مزيد الشكر والثناء بها على الله تعالى. ولكن ابى الظالمون الا تمردا وعنادا. ولهذا قال الله عنهم تولوا فانما عليك البلاغ المبين. فان تولوا عن الله وعن طاعته بعدما بنعمه واياته. فانما عليك البلاغ المبين. اي ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء. بل انت مطالب بالوعظ والتذكير والانذار فاذا اديت ما عليك فحسابهم على الله اكثرهم الكافرون. فانهم يرون الاحسان ويعرفون نعمة الله. ولكنهم ينكرونها ويجحدونها. واكثرهم الكافرون لا خير فيهم وما ينفعهم توالي الايات لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد كفور للنعم متمرد على الله وعلى رسله