المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي قل الذين كفروا ولا هم يستعتمون. واذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا يخبر تعالى عن حال الذين كفروا في يوم القيامة. وانه لا يقبل لهم عذر ولا يرفع عنهم العقاب ان شركائهم تتبرأ منهم ويقرون على انفسهم بالكفر والافتراء على الله. فقال ويوم نبعث من كل امة شهيدا يشهد عليها باعمال وماذا اجابوا به الداعية الى الهدى؟ وذلك الشهيد الذي يبعثه الله ازكى الشهداء واعدلهم. وهم الرسل الذين اذا شهدوا تم عليهم الحكم فلا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار. لان اعتذارهم بعدما علم يقينا بطلان ما هم عليه. اعتذار كاذب لا يفيدهم شيئا. وان طلبوا ايضا الرجوع الى الدنيا ليستدركوا لم يجابوا ولم يعتبوا. بل يبادرهم العذاب الشديد الذي لا يخفف عنهم. من غير انذار ولا امهال من حين يرونه لانهم لا حساب عليهم لانهم لا حسنات لهم وانما تعد اعمالهم وتحصى ويوقفون عليها ويقررون بها ويفتضحون قالوا ربنا هؤلاء شركاءنا الذين كنا ندعوا منك فالقوا اليهم القول انكم لكاذبون. واذا رأى الذين اشركوا شركاءهم يوم القيامة وعلموا بطلانها ولم يمكنهم الانكار. قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك. ليس عندها نفع ولا شفع فنوهوا بانفسهم ببطلانها وكفروا بها. وبدت البغضاء والعداوة بينهم وبينها. فالقوا اليهم القول اي ردت عليهم شركاؤه قولهم فقالت لهم انكم لكاذبون حيث جعلتمونا شركاء لله وعبدتمونا معه فلم نأمركم بذلك ولا زعمنا ان استحقاقا للالوهية فاللوم عليكم فحينئذ استسلموا لله وخضعوا لحكمه وعلموا انهم مستحقون للعذاب. وضل عنهم ما كانوا يفترون فدخلوا النار وقد امتلأت قلوبهم من مقت انفسهم ومن حمد ربهم وانه لم يعاقبهم الا بما كسبوا. الذين كفروا زدناهم عذابا فوق العذاب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسرون حيث كفروا بانفسهم وكذبوا بايات الله وحاربوا رسله. وصدوا الناس عن سبيل الله وصاروا دعاة الى الضلال فاستحقوا مضاعفة العذاب كما تضاعف جرمهم وكما افسدوا في ارض الله وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى لما ذكر فيما تقدم انه يبعث في كل امة شهيدا ذكر ذلك ايضا هنا وخص منهم هذا الرسول الكريم فقال وجئنا بك شهيدا على هؤلاء اي على امتك تشهد عليهم بالخير والشر. وهذا من كمال عدل الله تعالى ان كل رسول يشهد على امته لانه اعظم اطلاعا من غيره على اعمال امته. واعدل واشفق من ان يشهد عليهم الا بما يستحقون. وهذا كقوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا تكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. وقال تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض. وقوله ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء في اصول الدين وفروعه وفي احكام الدارين وكل ما يحتاج اليه العباد فهو مبين فيه اتم تبيين بالفاظ واضحة ومعان جلية حتى انه تعالى يثني فيه الامور الكبار. التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت. واعادتها في كل ساعة ويعيدها ويبديها الفاظ مختلفة وادلة متنوعة لتستقر في القلوب فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب. وحتى انه تعالى يجمع في اللفظ قليل الواضح معاني كثيرة. يكون اللفظ لها كالقاعدة والاساس. واعتبر هذا بالاية التي بعد هذه الاية. وما فيها من انواع الاوامر والنواهي التي لا تحصى فلما كان هذا القرآن تبيانا لكل شيء صار حجة الله على العباد كلهم. فانقطعت به حجة الظالمين وانتفع به المسلمون فصار هدى لهم يهتدون به الى امر دينهم ودنياهم. ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والاخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع وعمل صالح والرحمة ما ترتب على ذلك من ثواب الدنيا والاخرة. كصلاح القلب وبره وطمأنينته. وتمام العقل الذي لا يتم الا بتربيته على معانيه التي هي اجل المعاني واعلاها. والاعمال الكريمة والاخلاق الفاضلة والرزق الواسع والنصر على الاعداء بالقول والفعل. ونيل رضا الله تعالى وكرامته العظيمة التي لا يعلم ما فيها من النعيم المقيم الا الرب الرحيم ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء يعظكم لعلكم تذكرون. فالعدل الذي امر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده. فالعدل في ذلك اداء الحقوق كاملة موفرة. بان يؤدي العبد ما اوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده. ويعامل الخلق بالعدل التام. فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته. سواء في ذلك ولاية امامة الكبرى وولاية القضاء ونواب الخليفة ونواب القاضي. والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله. وامرهم بسلوكه ومن العدل في المعاملات ان تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات بايفاء جميع ما عليك. فلا تبخسوا لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب والاحسان فضيلة مستحب. وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم. وغير ذلك من انواع النفع حتى انه يدخل فيه الاحسان الى الحيوان البهيم المأكول وغيره. وخص الله ايتاء ذي القربى. وان كان داخلا في العموم لتأكد وتعين صلتهم وبرهم والحرص على ذلك. ويدخل في ذلك جميع الاقارب قريبهم وبعيدهم. لكن كل ما كان اقرب كان احق بالبر وقوله وينهى عن الفحشاء وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر كالشرك بالله والقتل بغير حق والزنا والسرقة والعجب والكبر واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش. ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى عانى وبالبغي كل عدوان على الخلق في الدماء والاموال والاعراض. فصارت هذه الاية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات. لم يبق شيء الا اذا دخل فيها فهذه قاعدة ترجع اليها سائر الجزئيات. فكل مسألة مشتملة على عدل او احسان او ايتاء ذي القربى. فهي مما امر الله به وكل مسألة مشتملة على فحشاء او منكر او بغي. فهي مما نهى الله عنه. وبها يعلم حسن ما امر الله به. وقبح ما نهى عنه وبها يعتبر ما عند الناس من الاقوال وترد اليها سائر الاحوال. فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور. والفرقان بين جميع اشياء ولهذا قال يعظكم به اي بما بينه لكم في كتابه يأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عن ما فيه مضرته لعلكم تذكرون ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه فانكم اذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم عادة لا شقاوة معها. فلما امر بما هو واجب في اصل الشرع. امر بوفاء ما اوجبه العبد على نفسه فقال في عهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم وقد جعلتم الله وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والايمان التي عقدها اذا كان الوفاء بها برا. ويشمل ايضا ما تعاقد عليه هو وغيره. كالعهود بين المتعاقدين وكالوعد الذي العبد لغيره ويؤكده على نفسه فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة. ولهذا نهى الله عن نقضها فقال ولا اقضوا الايمان بعد توكيدها بعقدها على اسم الله تعالى. وقد جعلتم الله عليكم ايها المتعاقدان كفيلا. فلا يحل لكم الا تحكموا ما جعلتم الله عليه كفيلا. فيكون ذلك ترك تعظيم لله واستهانة به. وقد رضي الاخر منك باليمين والتوكيد الذي جعلت الله فيه كفيلا فكما ائتمنك واحسن ظنه فيك. فالتفله بما قلت واكدته. ان الله يعلم ما تفعلون. يجازي كل عامل بعمله. على حسب نيته ومقصده. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انما يدلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولا تكونوا في نقضكم للعهود باسوء الامثال واقبحها وادلها على سفه متعاطيها. وذلك كالتي تغزل غزلا قويا. فاذا كما تم ما اريد منه نقضته فجعلته انكاثا فتعبت على الغزل ثم على النقب ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل نقص الرأي فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة وقوله تتخذون ايمانكم بينكم ان تكون امة هي اربى من امة. اي لا تنبغي هذه الحالة منكم. تعقدون الايمان المؤكدة وتنتظرون فيها الفرص. فاذا انا العاقد لها ضعيفا غير قادر على الاخر اتمها لا لتعظيم العقد واليمين بل لعجزه. وان كان قويا يرى مصلحته الدنيوية في نقضه نقضها غير مبال بعهد الله ويمينه. كل ذلك دوران مع اهوية النفس. وتقديما لها على مراد الله منكم. وعلى المروءة الانسانية والاخلاق المرضية لاجل ان تكون امة اكثر عددا وقوة من الاخرى. وهذا ابتلاء من الله وامتحان يبتليكم الله به. حيث قيض ومن اسباب المحن الذي يمتحن به الصادق الوفي من الفاجر الشقي. وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون. فيجازي كلا بما عمل ويخزي الغادر. ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة. ولكن ولتسألن ما كنتم تعملون. اي لو شاء الله لجمع الناس على الهدى وجعلهم امة واحدة. ولكنه تعالى ترد بالهداية والاضلال وهدايته واظلاله من افعاله التابعة لعلمه وحكمته يعطي الهداية من يستحقها فضلا ويمنعها من لا يستحق عدلا ولتسألن عما كنتم تعملون. ولا تسألن عما كنتم تعملون من خير وشر. فيجازيكم عليها اتم الجزاء واعدل ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتهم وتذوق السوء اي ولا تتخذوا ايمانكم وعهودكم ومواثيقكم لاهوائكم متى شئتم وفيتم بها ومتى شئتم نقضتموها فانكم اذا فعلتم ذلك تزل اقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم وتذوق السوء. اي العذاب الذي يسوؤكم ويحزنكم. بما صددتم عن سبيل الله حيث ضللتم واضللتم غيركم. ولكم عذاب عظيم مضاعف يحذر تعالى عباده من نقض العهود والايمان لاجل متاع الدنيا وحطامها فقال ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا تنالونه بالنقض وعدم الوفاء. انما عند الله من الثواب العاجل والاجل لمن اثر رضاه واوفى بما عاهد عليه الله هو خير لكم من حطام الدنيا الزائلة. ان كنتم تعلمون فاثروا ما يبقى على ما يفنى ولنجزين الذين صبروا فان الذي عندكم ولو كثر جدا لابد ان ينفد ويفنى وما عند الله ببقائه لا يفنى ولا يزول. فليس بعاقل من اثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس. وهذا كقوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى. وما عند الله خير للابرار. وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا. خصوصا الزهد عين وهو الزهد فيما يكون ضررا على العبد. ويوجب له الاشتغال عما اوجب الله عليه. وتقديمه على حق الله فان هذا الزهد واجب ومن الدواعي للزهد ان يقابل العبد لذات الدنيا وشهواتها بخيرات الاخرة. فانه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه الى ايثار اعلى الامرين وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة. كالصلاة والصيام والذكر ونحوها. بل لا يكون العبد زاهدا زهدا صحيحا حتى يقوم بما يقدر وعليه من الاوامر الشرعية الظاهرة والباطنة. ومن الدعوة الى الله والى دينه بالقول والفعل. فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا والرغبة والسعي في كل ما ينفع. ولنجزين الذين صبروا على طاعة الله وعن معصيته. وفطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية بدينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. فان الله فلا يضيع اجر من احسن عملا. ولهذا ذكر جزاء العاملين في الدنيا والاخرة. فقال طيبة من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فان الايمان شرط في صحة الاعمال الصالحة وقبولها. بل لا تسمى اعمالا صالحة الا بالايمان. والايمان مقتض لها. فانه التصديق جازم مثمر لاعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. فمن جمع بين الايمان والعمل الصالح فلنحيينه حياة طيبة. وذلك طمأنينة قلبه وسكون نفسه وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه. ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب. ولنجزين هم في الاخرة اجرهم باحسن ما كانوا يعملون من اصناف اللذات. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة