من الشر مهربا. ولهذا قال اولئك هم المؤمنون حقا الذين يستحقون هذا الوصف على الحقيقة. ويحققون القيام به ظاهرا وباطنا ثم ذكر ثوابهم الجزيل المغفرة المتضمنة لزوال كل شر ومحذور كل كافر ومنها ان الايمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء والصبر في حالة الضراء. وكسب الخير في كل اوقاته كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال عجبا المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المقدمة الحمد لله الذي غرس شجرة الايمان في قلوب عباده الاخيار. وسقاه وغذاها بالعلوم النافعة. والمعارف الصادقة واللهج بذكره اناء الليل والنهار وجعلها تؤتي اكلها وبركتها كل حين من الخيرات والنعم الغزار. واشهر اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الواحد القهار. الكريم الرحيم الغفار واشهد ان محمدا عبده ورسوله. الرسول المصطفى المختار. اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله واصحابه البررة الاخيار. اما بعد فهذا كتاب يحتوي على مباحث الايمان التي هي اهم مباحث الدين. واعظم قول الحق واليقين. مستمدا ذلك من كتاب الله الكريم. الكفيل بتحقيق هذه الاصول لتحقيقا لا مزيد عليه. ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. التي توافق الكتاب وتفسره. وتعبر عن كثير من مجملاته. وتفصل كثيرا من مبتدأ بتفسيره مثنيا بذكر اصوله ومقوماته. ومن اي شيء يستمد مثلثا بفوائده وثمراته. وما يتبع هذه الاصول قال الله تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها. ويضرب الله فمثل الله كلمة الايمان التي هي اطيب الكلمات بشجرة هي اطيب الاشجار. موصوفة بهذه الاوصاف الحميدة اصولها ثابتة مستقرة. ونماؤها مستمر. وثمراتها لا تزال كل وقت وكل تغل على اهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة. والثمرات النافعة وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتا عظيما. بحسب تفاوت هذه الاوصاف وفي التي وصفها الله بها. فعلى العبد الموفق ان يسعى لمعرفتها. ومعرفة وفيها واسبابها واصولها وفروعها. ويجتهد في التحقق بها علما وعملا. فان نصيبه من الخير والفلاح والسعادة العاجلة والاجلة. بحسب نصيبه من هذه الشجرة الفصل الاول في حد الايمان وتفسيره حدود الاشياء وتفسيرها الذي يوضحها تقدم احكامها. فان الحكم على الاشياء فرع عن تصورها. فمن حكم على امر من الامور قبل ان يحيط علمه تفسيره ويتصوره تصورا يميزه عن غيره. اخطأ خطأ فاحشا اما حد الايمان وتفسيره فهو التصديق الجازم. والاعتراف التام بجميع ما امر الله ورسوله بالايمان به. والانقياد ظاهرا وباطنا. فهو تصديق القلب واعتقاده المتضمن لاعمال القلوب واعمال البدن. وذلك شامل للقيام كله. ولهذا كان الائمة والسلف يقولون الايمان قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح. وهو قول وعمل واعتقاد. يزيد الطاعة وينقص بالمعصية. فهو يشمل عقائد الايمان واخلاقه واعماله فالاقرار والاعتراف بما لله تعالى من الاسماء الحسنى. والصفات الكاملة العليا والافعال الناشئة عن اسمائه وصفاته هو من اعظم اصول الايمان ذلك الاعتراف بمال الله من الحقوق الخاصة. وهو التأله والتعبد لله ظاهرا وباطنا من اصول الايمان. والاعتراف بما اخبر الله به عن ملائكته وجنوده والموجودات السابقة واللاحقة. والاخبار باليوم الاخر. كل هذا من اصول الايمان وكذلك الايمان بجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وما وصفوا به في الكتاب والسنة من الاوصاف الحميدة. كل هذا من اصول الايمان كما ان اعظم اصول الايمان الاعتراف بانفراد الله بالوحدانية والالوهية وعبادة الله وحده لا شريك له. واخلاص الدين لله. والقيام بشأن طرائع الاسلام الظاهرة وحقائقه الباطنة. كل هذا من اصول الايمان ولهذا رتب الله على الايمان دخول الجنة والنجاة من النار. ورتب عليه والفلاح والسعادة. ولا يكون ذلك الا بما ذكرنا. من شموله للعقائد واعمال القلوب واعمال الجوارح. لانه متى فات شيء من ذلك حصل من النقص وفوات الثواب وحصول العقاب بحسبه. بل اخبر الله تعالى ان الايمان اطلق تنال به ارفع المقامات في الدنيا. واعلى المنازل في الاخرة. فقال تعالى والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والصديقون هم اعلى الخلق درجة بعد درجة الانبياء في الدنيا. وفي منازل الاخرة واخبر في هذه الاية ان من حقق الايمان به وبرسله نال هذه الدرجة. ويفسر ذلك ويوضحه ما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله الله عليه وسلم انه قال ان اهل الجنة ليتراءون اهل الغرف في الجنة كما ترأون الكوكب الشرقي او الغربي في الافق. لتفاضل ما بينهم فقالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم. قال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين وايمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين في ظاهرهم وباطنهم. في عقائدهم واخلاقهم واعمالهم وفي كمال طاعتهم لله ولرسله. فقيامهم بهذه الامور به يتحقق ايمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين. وقد امر الله في كتابه بهذا الايمان العام الشامل. وما يتبعه من الانقياد والاستسلام. واثنى على يا من قام به فقال في اعظم ايات الايمان قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل. وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. فامر الله الله عباده بالايمان بجميع هذه الاصول العظيمة. والايمان الشامل بكل كتاب انزله الله الله وبكل رسول ارسله الله وبالاخلاص والاستسلام والانقياد له وحده بقوله ونحن له مسلمون. كما اثنى على المؤمنين في اخر السورة بالقيام بذلك فقال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله. لا نفرق احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. فاخبر ان الرسول ومن معه من المؤمنين امنوا بهذه الاصول ولم يفرقوا بين احد من الانبياء. بل امنوا بهم جميعا. وبما اوتوه من عند الله. وانهم التزموا طاعة الله فقالوا سمعنا واطعنا وطلبوا من ربهم ان يحقق لهم ذلك. وان يعفو عن تقصيرهم ببعض حقوق الايمان وان مرجع الخلائق كلهم ومصيرهم الى الله. يجازيهم بما قاموا به من حقوق ايمان وما ضيعوه منها. كما قال تعالى عن اتباع الانبياء عيسى وغيره انهم قالوا ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. فامنوا بقلوبهم والتزموا بقلوبهم وانقادوا بجوارحهم. وسألوا الله ان يكتبهم مع الشاهدين له بالتوحيد وان يحقق لهم القيام به قولا وعملا واعتقادا. وقال تعالى انما المؤمنون الذين اذا الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا. لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم. فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام الدين وفروعه. وظاهره وباطنه. فانه وصفهم بالايمان به في ايمانا ظهرت اثاره في عقائدهم واقوالهم واعمالهم الظاهرة والباطنة وانه مع ثبوت الايمان في قلوبهم يزداد ايمانهم كلما تليت عليه فيهم ايات الله ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذكر الله. وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله. ومعتمدون في امورهم كلها عليه ومفوضون امورهم اليه. وهم مع ذلك يقيمون الصلاة فرضها ونفلها يقيمونها ظاهرا وباطنا. ويؤتون الزكاة وينفقون النفقات الواجبة والمستحبة. ومن كان على هذا الوصف فلم يبقي من الخير مطلبا. ولا ورفعة الدرجات عند ربهم. والرزق الكريم المتضمن من النعم. ما لا عين وامرأة ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون. والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون. اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. ففسر الله الايمان في هذه الايات بجميع هذه الخصال. فانه اخبر بفلاح المؤمنين ثم ما وصفهم بقوله الذين هم في صلاتهم خاشعون. الى اخر الايات المذكورة فمن استكمل هذه الاوصاف فهو المؤمن حقا. ومضمونها القيام بالواجبات الظاهرة والباطنة. واجتناب المحرمات والمكروهات. وبتكميل للايمان استحقوا وراثة جنات الفردوس التي هي اعلى الجنات. كما انهم قاموا اعلى الكمالات. وهذه صريحة في ان الايمان يشمل عقائد الدين واخلاقه. واعماله الظاهرة والباطنة. ويترتب على ذلك انه يزيد بزيادة هذه الاوصاف والتحقق بها وينقص بنقصها. وان الناس في الايمان درجات متفاوتة. بحسب تفاوت هذه الاوصاف ولهذا كانوا ثلاث درجات سابقون مقربون وهم الذين قاموا بالواجبات والمستحبات. وتركوا المحرمات والمكروهات. وفضول المباحات ومقتصدون وهم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرمات. وظالمون انفسهم وهم الذين تركوا بعض واجبات الايمان وفعلوا بعض المحرمات. كما ذكره الله بقوله ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصدون ومنهم سابق بالخيرات. ومنهم سابق بالخيرات باذن الله. ذلك هو الفضل الكبير. وقد يعطف الله على الايمان الاعمال الصالحة او التقوى او الصبر. للحاجة الى ذكر المعطوف. لان لا يظن الظان ان الايمان يكتفى فيه بما في القلب. فكم في القرآن من قوله؟ ان الذين امنوا وعملوا الصالحات. ثم يذكر خبرا عنهم. والاعمال الصالحات من الايمان ومن لوازم الايمان. وهي التي يتحقق بها الايمان. فمن ادعى انه مؤمن وهو لم يعمل بما امر الله به ورسوله من الواجبات. ومن ترك المحرمات. فليس ليس بصادق في ايمانه. كما يقرن بين الايمان والتقوى في مثل قوله تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون. فذكر الايمان الشامل لما في القلوب من العقائد والايرادات الطيبة والاعمال الصالحة. ولا يتم للمؤمن ذلك حتى قيام يسخط الله من الكفر والفسوق والعصيان. ولهذا حقق ذلك في قوله وكانوا يتقون. كما وصف الله بذلك خيار خلقه بقوله ولكن ان الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم. وكرر اليكم الكفر والفسوق والعصيان. اولئك هم الراشدون. فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم. فهذه اكبر المنن ان يحبب الله الله الايمان للعبد. ويزينه في قلبه. ويذيقه حلاوته وتنقاد جوارحه اول العمل بشرائع الاسلام. ويبغض الله اليه اصناف المحرمات. والله اليم بمن يستحق ان يتفضل عليه بهذا الفضل. حكيم في وضعه في محله اللائق به كما ثبت في الصحيح من حديث انس رضي الله عنه انه صلى الله الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما. وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يرجع عن دينه كما يكره ان يقذف في النار فذكر اصل الايمان الذي هو محبة الله ورسوله. ولا يكتفي بمطلق المحبة. بل لابد ان تكون محبة الله مقدمة على جميع المحاب. وذكر تفريعها بان يحب ويبغض لله. في حب الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين. لانهم قاموا بمحاب الله. واختصهم من بين خلقه. وذكر دفع ما يناقضه وينافيه وانه يكره ان يرجع عن دينه اعظم كراهة تقدر. اعظم من كراهة القائه في النار. واخبر في هذا الحديث ان للايمان حلاوة في القلب. اذا اذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية وعن الاغراض النفسية. واوجبت له الحياة الطيبة. فان من احب الله ورسوله لهج بذكر الله طبعا ان من احب شيئا اكثر من ذكره. واجتهد في متابعة الرسول وقدم متابعته على كل في قول وعلى ارادة النفوس واغراضها. من كان كذلك فنفسه مطمئنة مستحلية للطاعات. قد انشرح صدر صاحبها للاسلام فهو على نور من ربه وكثير من المؤمنين لا يصل الى هذه المرتبة العالية. ولكل درجات من ما عملوا وكذلك في الصحيحين من حديث ابي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال قال الايمان بضع وسبعون شعبة. اعلاها قول لا اله الا الله. وادنى اماطة الاذى عن الطريق. والحياء شعبة من الايمان. وهذا صريح ان الايمان يشمل اقوال اللسان واعمال الجوارح. والاعتقادات والاخلاق. والقيام بحق الله اه والاحسان الى خلقه. فجمع في هذا الحديث بين اعلاه واصله وقاعدته وهو قول لا اله الا الله اعتقادا وتألها. واخلاصا لله. وبين وهو اماطة العظم والشوكة وكل ما يؤذي عن الطريق. فكيف بما فوق ذلك من الاحسان وذكر الحياء والله اعلم. لان الحياء به حياة الايمان. وبه العبد كل فعل قبيح. كما به يتحقق كل خلق حسن. وهذه الشعب المذكورة في في هذا الحديث هي جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. وهذا ايضا صريح في ان الايمان يزيد وينقص. بحسب زيادة هذه الشرائع والشعب. واتصاف ابدي بها او عدمه. ومن المعلوم ان الناس يتفاوتون فيها تفاوتا كبيرا فمن زعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص. فقد خالف الحس. مع مخالفته لنصوص الشارع كما ترى. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام والايمان. في حديث جبريل المشهور حيث سأله جبريل بحضرة الصحابة عن الايمان فقال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر. وفسر الاسلام بالشرائع الخمس امسي الظاهرة لانه كما تقدم اذا قرن بالايمان غيره فسر الايمان بما فيه في القلب من العقائد الدينية. والاسلام او الاعمال الصالحة بالشرائع الظاهرة. واما عند اطلاق اذا اطلق الايمان فقد تقدم انه يشمل ذلك اجمع. وفي الصحيح من حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من والده وولده والناس اجمعين. فاخبر صلى الله عليه وسلم انه اذا تعارضت المحبتان فان قدم ما يحبه الرسول كان صادق الايمان. والا فهو ناقص الايمان. كما قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما بينهم ثم لا يجدوا. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. فاقسم تعالى انهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله. ولا يبقى في قلوبهم حرج وضيق من حكمه. وينقادوا له كن قيادا وينشرح لحكمه. وهذا شامل في تحكيمه في اصول الدين. وفي في فروعه وفي الاحكام الكلية والاحكام الجزئية. وفي الصحيحين ايضا عن انس مرفوع دعاء لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وذلك يقتضي ان يقوم بحقوق اخوانه المسلمين الخاصة والعامة. فانه من الايمان ومن لم يقم بذلك ويحب لهم ما يحب لنفسه. فانه لم يؤمن الايمان الواجب. بل نقص ايمانه بقدر ما نقص من الحقوق الواجبة عليه. وفي صحيح مسلم من حديث العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا. وبالاسلام دينا بمحمد نبيا والرضا بذلك يقتضي الفرح بذلك. والسرور بربوبية الله له وحسن تدبيره واقضيته عليه. وان يرضى بالاسلام دينا. ويفرح به ويحمد الله على هذه النعمة التي هي اكبر المنن. حيث رضي الله له الاسلام ووفقه له واصطفاه له. ويرضى بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا اذ هو اكمل الخلق. واعلاهم في كل صفة كمال. وامته واتباعه اكمل الامم اعلاهم وارفعهم درجة في الدنيا والاخرة. فالرضا بنبوة الرسول ورسالته واتباعه من اعظم ما يثمر الايمان. ويذوق به العبد حلاوته قال تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم. حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فكيف لا يرضى المؤمن بهذا الرسول الكريم؟ الرؤوف الرحيم. الذي اقسم الله انه لعلى خلق عظيم. واشرف مقام للعبد انتسابه لعبودية الله. واقتداؤه رسوله ومحبته واتباعه. وهذا علامة محبة الله اتباعه تتحقق المحبة والايمان. قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. وفي صحيح مسلم من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي انه قال قلت يا رسول الله قل لي في اسلامي قولا لا اسأل عنه احدا بعدك. قال قل امنت بالله ثم استقم فبين صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية الجامعة ان العبد اذا اعترف بالايمان ظاهرا وباطنا. ثم استقام عليه قولا وعملا فعلا وتركا. فقد كمل امره واستقام على الصراط المستقيم. ورجي له ان يدخل مع من قال الله عنهم ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي ولكم فيها ما تدعون. نزل غفور رحيم. وفي حديث ابن عباس المتفق عليه في وفد عبد القيس حين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا مرنا بامر فصل. نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة. وسألوه عن الاشربة فامرهم باربع ونهاهم عن اربع امرهم بالايمان بالله وحده وقال اتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم. قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمد عبده ورسوله. واقام الصلاة وايتاء الزكاة. وصوم رمضان وان تعطوا من المغنم الخمس. ونهاهم عن اربع عن الحنثم والدباء والمزفت. وقال احفظوهن واخبروا بهن من وراءكم. فهذا ايضا صريح في ادخاله الشرائع الظاهرة بالايمان مثل الصلاة والزكاة والصيام واعطاء الخموس من المغنم. وكل هذا يفسر الايمان تفسيرا يزيل الاشكال. وانه كما يدخل في العقائد القلبية فتدخل فيه الاعمال البدنية. فكل ما يقرب الى الله من قول وعمل واعتقاد فانه من الايمان. وفي سنن ابي داود عن ابي امامة ان انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب لله وابغض لله واعطى الله ومنع لله فقد استكمل الايمان. فالحب والبغض في القلب والباطن والعطاء والمنع في الظاهر. واشترط فيها كلها الاخلاص الذي هو روح الايمان ولبه وسره فالحب في الله ان يحب الله ويحب ما يحبه من الاعمال والاوقات ازمان والاحوال ويحب من يحبه من انبيائه واتباعهم. والبغض في الله ان يبغض كل ما ابغضه الله من كفر وفسوق وعصيان. ويبغض من يتصف بها او يدعو اليها. والعطاء يشمل عطاء العبد من نفسه كلما امر به. مثل قوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وهذا يشمل جميع ما امر به العبد لا يختص بالعطاء المالي بل هو جزء من العطاء وكذلك مقابله المنع. وبهذه الامور الاربعة يتم للعبد ايمانه ودينه وكذلك ما رواه الترمذي والنسائي. من حديث ابي هريرة مرفوعا. المؤمن من امنهن على دمائهم واموالهم. يدل على ان الايمان الصحيح يحمل صاحبه على رعاية الاهل امانة وينهاه عن الخيانة. حتى يطمئن اليه الناس. ويأمنوه على انفسهم الاشياء عندهم وهي الدماء والاموال. وهذه النصوص كلها تبين معنى الايمان وحقيقته. وانه كما قال الحسن وغيره ليس الايمان بالتمني والتحلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الاعمال. فالاعمال الظاهرة والباطنة تصدق الايمان وبها يتحقق. كما قال تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه فالعبد اذا اصابته المصيبة فامن انها من عند الله وان الله حكيم رحيم في تقديرها وانه اعلم بمصالح عبده. هدى الله قلبه هداية خاصة للرضا الصبر والتسليم والطمأنينة. كما قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم. فحذف المتعلق ليشمل هدايتهم لكل خير. وهدايتهم ترك كل شر. وذلك بسبب ايمانهم. فالاعمال من الايمان من جهة ومن ثمرات الايمان ولوازمه من جهة اخرى. والله الموفق. وقال تعالى وما كان الله ليضيع فايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم. كثير من المفسرين فسروا الايمان هنا بالصلاة الى القبلة التي كانوا عليها. بيت المقدس قبل النسخ. حيث مات اناس من المسلمين قبل ان تنقل القبلة الى الكعبة. فحصل عند بعضهم اشتباه في شأنهم. فانزل الله هذه الاية وذلك ان صلاتهم الى بيت المقدس في ذلك الوقت التزام منهم لطاعة الله ورسوله وذلك هو الايمان. وهذه الاية فيها بشارة كبرى. وهي ان الله لا يضيع انا المؤمنين قل ذلك الايمان او كثر. كما ورد في الصحيح ان الله يخرج من النار من في قلبه ادنى مثقال حبة خردل من ايمان. وبشارة لكل من عمل عملا قصده طاعة الله ورسوله وهو متأول او مخطئ او نسخ ذلك العمل فانه انما عمل ذلك العمل ايمانا بالله وقصدا لطاعته. ولكنه تأول تأويلا اخطأ فيه. او اخطأ بلا تأويل فخطأه معفو عنه. واجر القصد والتوجه الى الله والى طاعته لا يضيعه الله. ولهذا قال الله عن المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. قال الله على لسان نبيه قد فعلت. وفي الحديث الصحيح اذا اجتهد الحاكم فحكم فاصاب فله اجران. واذا اجتهد فاخطأ فله اجر واحد. وخطؤه مغفور له وكذلك من نوى عملا صالحا وحرص على فعله ومنعه مانع من مرض او سفر او عجز او غيره كتب له ما نواه من ذلك العمل. كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث ابي موسى من مرض او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما. ويدخل في ذلك من اقعده الكبر عن عمله المعتاد. فصل اذا ثبت بدلالة الكتاب والسنة معنى الايمان وانه اسم جامع لشرائع الاسلام واصول الايمان وحقائق الاحسان وتوابع ذلك من امور الدين. بل هو اسم للدين كله. علم انه يزيد وينقص ويقوى ويضعف. وهذه المسألة لا تقبل الاشتباه بوجه من الوجوه لا شرعا ولا حسا ولا واقعا. وذلك ان نصوص الكتاب والسنة صريحة في زيادته نقصانه مثل قوله تعالى ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ويزداد الذين امنوا ايمانا. الذين قال لهم الناس ان لقد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا. فزادهم ايمانا قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون وغيرها من الايات. وكذلك الحس والواقع يشهد بذلك من جميع وجوه الايمان فان الناس في علوم الايمان وفي معارفه وفي اخلاقه واعماله الظاهرة والباطنة متفاوتون تفاوتا عظيما. في القوة والكثرة ووجود الاثار ووجود الموانئ وغير ذلك. فالمؤمنون الكمل عندهم من تفاصيل علوم الايمان ومعارفه واعماله ما لا نسبة اليه من علوم عموم كثير من المؤمنين واعمالهم واخلاقهم عند كثير منهم علوم ضعيفة مجملة. واعمال قليلة ضعيفة. وعند كثير منهم من المعارضات والشبهات والشهوات ما يضعف الايمان. وينقصه درجات كثيرة بل تجد المؤمنين يتفاوتون تفاوتا كثيرا في نفس العلم الذي عرفوه من علوم الايمان احدهما علمه فيه قوي صحيح لا ريب فيه ولا شبهة. والاخر علمه فيه ضعيف. وعنده معارضات كثيرة تضعفه ايضا وكذلك اخلاق الايمان يتفاوتون فيها تفاوتا كثيرا. صفات الحلم والصبر والخذل وغيرها. وكذلك في العبادات الظاهرة. كالصلاة يصلي اثنان صلاة واحدة واحدة واحدهما يؤدي حقوقها الظاهرة والباطنة. ويعبد الله كأنه يراه لم يكن يراه فانه يراه. والاخر يصليها بظاهره وباطنه مشغول بغيرها وكذلك بقية العبادات. ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب مرتبة السابقين ومرتبة المقتصدين ومرتبة الظالمين. وكل واحدة من هذه المراتب ايضا اهلها متفاوتون تفاوتا كثيرا. والعبد تؤمن في نفسه له احوال واوقات تكون اعماله كثيرة قوية. واحيانا بالعكس وكل هذا من زيادة الايمان ونقصه. ومن قوته وضعفه. وكان دار الامة والمعتنون بالايمان منهم يتعاهدون ايمانهم كل وقت. ويجب في زيادته وتقويته. وفي دفع المعارضات المنقصة له. ويجتهدون في ذلك ويسألون الله ان يثبت ايمانهم ويزيدهم منه من علومه واعماله واحواله فنسأل الله ان يزيدنا علما ويقينا. وطمأنينة به وبذكره وايمانه صادقا. وخيار الخلق ايضا. يطلبون ويتنافسون في الوصول الى اليقين بعد علم اليقين. والى حق اليقين. كما قال الله عن ابراهيم عليه السلام واذ قال ابراهيم ربي ارني كيف تحيي الموتى؟ قال او لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعوا هن يأتينك سعيا. واعلم ان الله عزيز حكيم. وقال تعالى وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين والحواريون خواص اتباع المسيح ابن مريم. حين طلبوا نزول المائدة ووعظهم عيسى عن هذا الطلب. قالوا نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. فذكروا حاجتهم الدنيوية وحاجتهم العلمية الايمانية الى ذلك الفصل الثاني في ذكر الامور التي يستمد منها الايمان وهذا فصل عظيم النفع والحاجة. بل الضرورة ماسة الى معرفته والعناية به معرفة واتصافا. وذلك ان الايمان هو كمال العبد. وبه ترتفع درجاته في الدنيا والاخرة. وهو السبب والطريق لكل خير عاجل واجل. ولا يحصل ولا يقوى ولا يتم الا بمعرفة ما منه يستمد. والى ينبوعه واسبابه وطرقه والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سببا وطريقا يوصل اليه. والايمان اعظم المطالب واهمها واعمها. وقد جعل الله له مواد كبيرة تجلبه وتقويه. كما كان له اسباب تضعفه وتوهيه. ومواده التي تجلبه وتقويه امران مجمل ومفصل. اما المجمل فهو التدبر اذكروا لي ايات الله المتلوة من الكتاب والسنة. والتأمل لاياته الكونية على ما في انواعها والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد. والعمل بالحق فجميع الاسباب مرجعها الى الاصل العظيم. واما التفصيل فالايمان يحصل ويقوى بامور كثيرة. منها بل اعظمها معرفة اسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها والتعبد لله بها فقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان لله تسعة وتسعين أسماء مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة ايمن حفظها وفهم معانيها واعتقدها وتعبد لله بها. دخل الجنة والجنة لا يدخلها الا المؤمنون. فعلم ان ذلك اعظم ينبوع ومادة للايمان وقوته وثباته. ومعرفة الاسماء الحسنى هي اصل الايمان والايمان يرجع اليها. ومعرفتها تتضمن انواع التوحيد الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الالهية. وتوحيد الاسماء والصفات. وهذه انواع هي روح الايمان وروحه. واصله وغايته. فكلما ازداد العبد معرفة باسماءه الله وصفاته ازداد ايمانه وقوي يقينه. فينبغي للمؤمن ان يبذل مقدوره وما استطاعه في معرفة الاسماء والصفات. وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل ومن داء التمثيل الذين ابتلي بهما كثير من اهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة. وما روي عن الصحابة والتابعين لهم باحسان. فهذه المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في ايمانه وقوة يقينه وطمأنينة في احواله. ومنها تدبر القرآن على وجه العموم فان المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه. ما يزداد به ايمانه. كما قال تعالى واذا تليت عليهم اياته زادت ايمانا وعلى ربهم يتوكلون. وكذلك اذا نظر الى انتظامه واحكامه. وانه يصدق بعضه بعضا. ويوافق بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف تيقن انه لا يأتيه الباطل من بين يديه من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وانه لو كان من عند غير لوجد فيه من التناقض والاختلاف امور كثيرة. قال تعالى افلا لا يتدبرون القرآن. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وهذا من اعظم مقويات الايمان. ويقويه من وجوه كثيرة فالمؤمن بمجرد ما يتلو ايات الله ويعرف ما ركب عليه من الاخبار الصادقة والاحكام الحسنة يحصل له من امور الايمان خير كبير. فكيف اذا سنة تأمله وفهم مقاصده واسراره. ولهذا كان المؤمنون الكمل يقولون ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا فآمنا. وكذلك معرفة احاديث النبي صلى الله عليه وسلم وما تدعو اليه من علوم الايمان واعماله. كلها من محصلات الايمان ومقوياته فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله. ازداد ايمانه ويقينه وقد يصل في علمه وايمانه الى مرتبة اليقين. فقد وصف الله الراسخين في العلم. الذين حصل لهم العلم التام القوي. الذي يدفع الشبهات والريب ويوجب اليقين التام. ولهذا كانوا سادة المؤمنين الذين استشهد الله بهم واحتج بهم على غيرهم من المرتابين والجاحدين. كما قال تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام. هن ام الكتاب واخر متشابهات. فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتقون ما تشابه منه ابتغاء. ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله. والراسخون في العلم يقولون امنا في كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب لامر المؤمن ان امره كله خير. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك لاحد الا للمؤمن والشكر والصبر هما جماع كل خير. فالمؤمن مغتنم للخير فالراسخون زال عنهم الجهل والريب وانواع الشبهات. ورد المتشابه من الايات الى المحكم منه وقالوا امنا بالجميع. فكلها من عند الله. وما ورد منه وما تكلم به وحكم به كله حق وصدق. وقال تعالى لكن الراسخون في منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وقال شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قال بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم ولعلمهم بالقرآن العلم التام. وايمانهم الصحيح استشهد بهم في الدنيا والاخرة كما قال تعالى وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث. فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون واخبر تعالى في عدة ايات ان القرآن ايات للمؤمنين. وايات للموقنين لانه يحصل لهم بتلاوته وتدبره من العلم واليقين والايمان. بحسب ما فتح الله الله عليهم منه. فلا يزالون يزدادون علما وايمانا ويقينا فالتدبر للقرآن من اعظم الطرق والوسائل الجالبة للايمان والمقوية له. قال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا ال الباب فاستخراج بركة القرآن التي من اهمها حصول الايمان سبيله وطريقه تدبر اياته وتأملها كما ذكر ان تدبره يوقف الجاحد عن جحوده. ويمنع المعتدي على الدين من اعتدائه قال تعالى افلم يدبروا القول اي فلو تدبروه حق تدبره لا منعهم مما هم عليه من الكفر والتكذيب. واوجب لهم الايمان واتباع من جاء به وقال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. اي فلو حصل له الاحاطة بعلمه لمنعهم من التكذيب. واوجب لهم الايمان. ومن طرق موجبات الايمان واسبابه. معرفة النبي صلى الله عليه وسلم. ومعرفة ما هو وعليه من الاخلاق العالية والاوصاف الكاملة. فان من عرفه حق المعرفة لم في صدقه وصدق ما جاء به من الكتاب والسنة والدين الحق. كما قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون. اي فمعرفته صلى الله عليه وسلم لم توجب للعبد المبادرة الى الايمان ممن يؤمن. وزيادة الايمان ممن امن به وقال تعالى حاثا لهم على تدبر احوال الرسول الداعية للايمان قل ان انما اعظكم بواحدة. ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكرون ما لصاحبكم من جنة ان هو الا نذير لكم بين يدي عذاب شديد. واقسم تعالى بكمال هذا الرسول. وعظمة باخلاقه وانه اكمل مخلوق بقوله بسم الله الرحمن الرحيم والقلم وما يسطرون. ما انت بنعمة ربك بمجنون نون وان لك لاجرا غير ممنون. وانك لعلى خلق عظيم فهو صلى الله عليه وسلم اكبر داع للايمان في اوصافه الحميدة. وشمائله الجنة واقواله الصادقة النافعة. وافعاله الرشيدة. فهو الامام الاعظم والقدوة الاكمل. لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقد ذكر الله عن اولي الالباب الذين هم خواص الخلق انهم قالوا ربنا اننا سمعنا مناديا وهو هذا الرسول الكريم. ينادي للايمان بقوله وخلقه وعمله ودينه وجميع احواله. ان امنوا بربكم فامنا. اي ايمانا لا يدخله ريب. ولما كان هذا الايمان من اعظم ما يقرب العبد الى الله ومن اعظم الوسائل التي يحبها الله توسلوا بايمانهم ان يكفر عنهم السيئات وينيلهم المطالب العاليات. فقالوا ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار. ولهذا كان المنصف الذي ليس له ارادة الا اتباع الحق. مجرد ما يراه ويسمع كلامه يتبادر الى الايمان به صلى الله عليه وسلم. ولا يرتاب في رسالته. بل كثير منهم مجرد ما يرى وجهه الكريم يعرف انه ليس بوجه كذاب. وقيل لبعضه لمبادرت الى الايمان بمحمد قبل ان تعرف رسالته. فقال ما امر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه. ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به فاستدل هذا العاقل الموفق بحسن شريعته وموافقتها للعقول الصحيحة. على رسالته فبادر الى الايمان به. ولهذا استدل ملك الروم لما وصف فله ما جاء به الرسول وما كان يأمر به وما ينهى عنه استدل بذلك انه من اعظم الرسل واعترف بذلك اعترافا جليا. ولكن منعته الرئاسة وخشية زواجه لملكه من اتباعه. كما منعت كثيرا ممن اتضح لهم انه رسول الله حقا وهذا من اكبر موانع الايمان في حق امثال هؤلاء. واما اهل البصائر والعقول الصحيحة فانهم يرون هذه الموانع والرئاسات والشبهات والشهوات تضمحل. ولا يرون لها قيمة حتى يعارض بها الحق الصحيح النافع. المثمر للسعادة عاجلا واجلا ولهذا السبب الاعظم كان المعتنون بالقرآن حفظا ومعرفة والمعتنون بالاحاديث الصحيحة. اعظم ايمانا ويقينا من غيرهم. واحسن عملا في الغاية ومن اسباب الايمان ودواعيه التفكر في الكون في خلق السماوات والارض وما فيهن من المخلوقات المتنوعة. والنظر في نفس الانسان وما هو عليه من الصفات. فان ذلك داع قوي للايمان. لما في هذه الموجودات من الحلق الدال على قدرة خالقها وعظمته. وما فيها من الحسن والانتظام والاحكام الذي يحير الالباب. الدال على سعة علم الله وشمول حكمته وما فيها من اصناف المنافع. والنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى. الدالة على يا سعة رحمة الله وجوده وبره. وذلك كله يدعو الى تعظيم مبدعها وبارئها وشكرها واللهج بذكره واخلاص الدين له. وهذا هو روح الايمان وسره وكذلك النظر الى فقر المخلوقات كلها. واضطرارها الى ربها من كل كل الوجوه وانها لا تستغني عنه طرفة عين. خصوصا ما تشاهده في نفسك من ادلة الافتقار وقوة الاضطرار. وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع. وكثرة الدعاء والتضرع الى الله. في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه. ودفع ما تضره في دينه ودنياه. ويوجب له قوة التوكل على ربه. وكمال الثقة بوعده وشدة الطمع في بره واحسانه. وبهذا يتحقق الايمان ويقوى التعبد. فان مخ العبادة وخالصها. وكذلك التفكر في كثرة نعم الله والائه العامة والخاصة التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين. فان هذا يدعو الى الايمان ولهذا دعا الله الرسول والمؤمنين الى شكره فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله. والشكر اذكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. فالايمان يدعو الى الشكر والشكر ينمو به الايمان. فكل منهما ملازم وملزوم للاخر ومن اسباب دواعي الايمان الاكثار من ذكر الله كل وقت. ومن الدعاء الذي هو العبادة. فان الذكر لله يغرس شجرة الايمان في القلب ويغذيها وينميها وكلما ازداد العبد ذكرا لله قوي ايمانه. كما ان الايمان يدعو الى كثرة الذكر فمن احب الله اكثر من ذكره. ومحبة الله هي الايمان. بل هي روحه ومن الاسباب الجالبة للايمان معرفة محاسن الدين. فان الدين اسلامي يكن له محاسن. عقائده اصح العقائد واصدقها وانفعها. واخلاقه الاخلاق واجملها. واعماله واحكامه احسن الاحكام واعدلها. وبهذا النظر الجليل يزين الله الايمان في قلب العبد ويحببه اليه. كما امتن به على خيار خلقه بقوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم فيكون الايمان في القلب اعظم المحبوبات واجمل الاشياء. وبهذا يذوق العبد حلاوة الايمان ويجدها في قلبه. فيتجمل الباطن باصول الايمان وحقائقه وتتجمل الجوارح باعمال الايمان. وفي الدعاء المأثور اللهم زينا الايمان واجعلنا هداة مهتدين. ومن اعظم مقويات الايمان الاجتهاد في التحقق في مقام الاحسان في عبادة الله. والاحسان الى خلقه فيجتهد ان يعبد الله كأنه يشاهده ويراه. فان لم يقوى على هذا استحضر ان الله يشاهده ويراه. فيجتهد في اكمال العمل واتقانه. ولا يزال العبد يجاهد نفسه ليتحقق بهذا المقام العالي. حتى يقوى ايمانه ويقينه. ويصل في ذلك الى حق اليقين الذي هو اعلى مراتب اليقين. فيذوق حلاوة الطاعات ويجد ثمرة المعاملات وهذا هو الايمان الكامل. وكذلك الاحسان الى الخلق بالقول والفعل والمال والجاه وانواع المنافع. هو من الايمان ومن دواعي الايمان والجزاء من جنس العمل. فكما احسن الى عباد الله واوصل اليهم من بره ما يقدر عليه احسن الله اليه انواعا من الاحسان. ومن افضلها ان يقوى ايمانه ورغبته في فعل الخير والتقرب الى ربه واخلاص العمل له. وبذلك يتحقق العبد بالنصح لله عباده فان الدين النصيحة. ومن وفق للاحسان في عبادة ربه والاحسان في معاملة الخلق فقد تحقق نصحه. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه ومنها قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. قد افلح المؤمنون الى اولئك هم الوارثون. الايات فهذه الصفات الثماني كل واحدة منها تثمر الايمان وتنميه. كما انها من صفات الايمان دخيلة في تفسيره كما تقدم. فحضور القلب في الصلاة وكون المصلي يجاهد نفسه على استحضار ما يقوله ويفعله. من القراءة والذكر والدعاء فيها. ومن القيام والقعود الركوع والسجود من اسباب زيادة الايمان ونموه. وتقدم ان الله سمى الصلاة ايمانا بقوله وما كان الله ليضيع ايمانكم. وقوله واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولذكر الله اكبر فهي اكبر ناه عن كل فحشاء ومنكر ينافي الايمان. كما انها تحتوي على ذكر الله الذي يغذي الايمان وينميه لقوله. ولذكر الله اكبر. والزكاة كذلك سمي الايمان وتزيده. وهي فرضها ونفلها. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان اي على ايمان صاحبها. فهي دليل الايمان وتغذيه وتنميه. والاعراض عن اللغو الذي هو كل كلام لا خير فيه. وكل فعل لا خير فيه. بل يقولون الخير ويفعلونه ويتركون الشر قولا وفعلا. لا شك انه من الايمان ويزداد به الايمان ويثمر الايمان ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم اذا وجدوا غفلة او تشعث يقول بعضهم لبعض اجلس بنا نؤمن ساعة فيذكرون الله ويذكرون نعمه الدينية والدنيوية. فيتجدد بذلك ايمانهم ذلك العفة عن الفواحش خصوصا فاحشة الزنا. لا ريب ان هذا من اكبر علامات الايمان ومن كمياته. فالمؤمن لخوفه مقامه بين يدي ربه. ونهى النفس عن الهوى اجابة لداعي الايمان. وتغذية لما معه من الايمان. ورعاية الامانات والعهود وحفظها من علائم الايمان. وفي الحديث لا ايمان لمن لا امانة له واذا اردت ان تعرف ايمان العبد ودينه فانظر حاله. هل يرعى الامانات كلها؟ ما الية او قولية او امانات الحقوق. وهل يرعى الحقوق والعهود والعقود التي بينه وبين الله والتي بينه وبين العباد فان كان كذلك فهو صاحب دين وايمان. وان لم يكن كذلك نقص من دينه وايمانه بمقدار ما انتقص من ذلك. وختمها بالمحافظة على الصلوات على حدودها وحقوقها واوقاتها. لان المحافظة على بمنزلة الماء الذي يجري على بستان الايمان. فيسقيه وينميه ويؤتي اكله كل حين وشجرة الايمان كما تقدم محتاجة الى تعاهدها كل وقت بالسقي وهو المحافظة على اعمال اليوم والليلة من الطاعات والعبادات. والى ازالة ما يضرها من الصخور والنوابت الغريبة الضارة. وهو العفة عن المحرمات قولا وفعلا فمتى تمت هذه الامور؟ حي هذا البستان وزهى. واخرج الثمار متنوعة. ومن دواعي الايمان واسبابه. الدعوة الى الله والى دينه والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. والدعوة الى اصل الدين. والدعوة الى التزامه بشرائعه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبذلك يكمل العبد بنفسه. ويكمل غيره كما اقسم تعالى بالعصر ان جنس الانسان لفي خسر. الا من اتصف بصفات اربعة الايمان والعمل الصالح الذين بهما تكميل النفس. والتواصي بالحق الذي هو العلم النافع والعمل الصالح والدين الحق. وبالصبر على ذلك كله. وبهما يكمل غيرك وذلك ان نفس الدعوة الى الله والنصيحة لعباده من اكبر مقويات الايمان وصاحب الدعوة لابد ان يسعى بنصر هذه الدعوة. ويقيم الادلة والبراهين على تحقيقها ويأتي الامور من ابوابها ويتوسل الى الامور من طرقها. وهذه الامور من طرق الايمان وابوابه. وايضا فان الجزاء من جنس العمل. فكما سعى الى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم بالحق وصبر على ذلك لا بد ان يجازيه الله من جنس عمله. ويؤيد بنور منه وروح. بقوة ايمانه وقوة التوكل. فان الايمان وقوة التوكل على الله يحصل به النصر على الاعداء من شياطين الانس وشياطين الجن كما قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون وايضا فانه متصد لنصر الحق. ومن تصدى لشيء فلابد ان يفتح عليه فيه من الفتوحات العلمية والايمانية. بمقدار صدقه واخلاصه. ومن اهم ما وادي الايمان ومقوياته. توطين النفس على مقاومات جميع ما ينافي الايمان. من شعب الكفر والنفاق والفسوق والعصيان. فانه كما انه لابد في الايمان من فعل جميع الاسباب المقوية المنمية له فلابد مع ذلك من دفع الموانع والعوائق. وهي الاقلاع عن المعاصي والتوبة مما يقع منها. وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات. ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الايمان. المضعفة له. والشهوات المضعفة لارادات الايمان فان الارادات التي اصلها الرغبة في الخير ومحبته. والسعي فيه. لا تتم الا بترك ايرادات ما ينافيها. من رغبة النفس في الشر ومقاومة النفس الامارة بالسوء فمتى حفظ العبد من الوقوع في فتن الشبهات؟ وفتن الشهوات. تم ايمانه وقوي يقينه وصار مثل بستان ايمانه كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين. فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير. ومتى كان الامر بالعكس بان استولت عليه النفس الامارة بالسوء. ووقع في فتن الشبهات او الشهوات. او ديما انطبق عليه هذا المثل وهو قوله تعالى ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب تجري تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر واصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فاصابها اعصار فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت. كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون. فالعبد المؤمن الموفق لا يزال في امرين احدهما تحقيق اصول الايمان وفروعه. والتحقق بها علما وعملا وحالا. والثاني السعي في دفع ما ينافيها وينقضها او ينقصها. من فتن الظاهرة والباطنة. ويداوي ما قصر فيه من الاول. وما تجرأ عليه من بالتوبة النصوح وتدارك الامر قبل فواته. قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا. تذكروا فاذا هم مبصرون. اي مبصرون الخلل الذي وقعوا فيه. والنقص الذي اصابهم من طائف الشيطان. الذي هو اعدى الاعداء للانسان. فاذا ابصروا تداركوا هذا وخلل بسده. وهذا الفتق برطقه. فعادوا الى حالهم الكاملة. وعاد عدوهم حسيرا ذليلا. واخوان الشياطين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون الشياطين لا تقصر عن اغوائهم وايقاعهم في اشراك الهلاك. والمستجيبون لهم لا فيقصرون عن طاعة اعدائهم. والاستجابة لدعوتهم حتى يقعوا في الهلاك. ويحق عليهم الخسارة اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا. وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. بفضلك ومنتك انك انت العليم الحكيم الفصل الثالث في فوائد الايمان وثمراته. كم للايمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والاجلة. في القلب والبدن والراحة والحياة الطيبة والدنيا الاخرة. وكم لهذه الشجرة الايمانية من الثمار اليانعة. والجنى اللذيذ والاكل الدائم والخير المستمر امور لا تحصى. وفوائد لا تستقصى. ومجمل وها ان خيرات الدنيا والاخرة ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة وذلك ان هذه الشجرة اذا ثبتت وقويت اصولها وتفرعت فروعها واجهت اغصانها واينعت افنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل واجل. فمن اعظم ثمارها الاغتباط بولادة الله الخاصة. التي هي اعظم ما تنافس فيه المتنافسون. واجل ما حصل فله الموفقون. قال تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم وصفهم بقوله الذين امنوا وكانوا يتقون. فكل مؤمن تقي فهو لله ولي ولاية خاصة خاصة من ثمراتها ما قاله الله عنهم الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. ان يخرجهم من ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن ظلمات الجهل الى نور العلم. ومن ظلمات المعاصي الى نور ومن ظلمات الغفلة الى نور اليقظة والذكر. وحاصل ذلك انه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة. الى ما يرفعها من انوار الخير العاجل والاجل. وانما حاجوا هذا العطاء الجزيل بايمانهم الصحيح وتحقيقهم هذا الايمان بالتقوى. فان التقوى تمام الايمان كما تقدم ومن ثمرات الايمان الفوز برضى الله ودار كرامته قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة. ويقيموا الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله. اولئك سيرحمون الله. ان الله عزيز حكيم. وعد الله المؤمن والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن. ورضوان من الله اكبر. ذلك هو الفوز العظيم. فنالوا رضا بهم ورحمته والفوز بهذه المساكن الطيبة. بايمانهم الذي كملوا به انفسهم وكملوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاستولوا على اجل الوسائل وافضل الغايات وذلك فضل الله. ومنها ان الايمان الكامل يمنع من دخول النار والايمان ولو قليلا يمنع من الخلود فيها. فان من امن ايمانا ادى به الواحد واجبات وترك المحرمات. فانه لا يدخل النار. كما تواترت بذلك الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الاصل. كما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم انه لا يخلد في النار من في قلبه شيء من الايمان ولو يسيرا ومن ثمرات الايمان ان الله يدافع عن المؤمنين جميع المكاره وينجيهم من الشدائد. كما قال تعالى ان الله يداه عن الذين امنوا ان يدافعوا عنهم كل مكروه. يدافع عنهم شر شياطين الانس وشياطين الجن. ويدافع عنهم الاعداء. ويدافع عنهم كاره قبل نزولها. ويرفعها او يخففها بعد نزولها. ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس عليه الصلاة والسلام وانه نادى في ان لا اله الا انت سبحانك اني سبحانك ان اني كنت من الظالمين. قال فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. اذا وقعوا في الشدائد كما انجينا يونس قال النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اخي يونس ما بها مكروب الا فرج الله عنه كربته. لا اله الا انت فسبحانك اني كنت من الظالمين. وقال تعالى ومن يتق الله اي بالقيام بالايمان ولوازمه. يجعل له مخرجا اي من كل ما ضاق على الناس. ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا فالمؤمن المتقي ييسر الله اموره. وييسره لليسرى ويجنبه العسرا ويسهل عليه الصعاب. ويجعل له من كل هم فرجا. ومن كل كل ضيق مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب. وشواهد هذا كثيرة من الكتاب والسنة. ومنها ان الايمان والعمل الصالح الذي هو فرعه. يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار. وفي دار القرار. قالت تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه جنة فلنحيينه حياة طيبة. ولنجز اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وذلك ان من خصائص الايمان انه يثمر طمأنينة القلب وراحته. وقناعته بما رزق الله وعدم تعلقه بغيره. وهذه هي الحياة الطيبة ان اصل الحياة الطيبة راحة القلب وطمأنينته. وعدم تشوشه مما يتشوش من الفاقد للايمان الصحيح. ومنها ان جميع الاعمال والاقوال انما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الايمان والاخلاص ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو اساس كل عمل. مثل قوله فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه. اي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله. بل يضاعف بحسب قوة ايمانه. وقال ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك فاولئك كان سعيهم مشكورا. والسعي للاخرة هو العمل بكل ما يقرب اليها ويدني منها. من الاعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد. صلى الله عليه وسلم. فاذا تأسست على الايمان وانبنت عليه كان السعي مشكورا مقبولا مضاعفا. لا يضيع منه مثقال ذرة واما اذا فقد العمل الايمان فلو استغرق العامل ليله ونهاره فانه غير مقبول. قال تعالى وقدمنا الى ما عملوا من فجعلناه هباء ماثورا. وذلك لانها اسست على غير الايمان بالله ورسوله. الذي روحه الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول وقال تعالى قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا اولئك الذين كفروا بايات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فهم لما فقدوا الايمان وحل محله الكفر بالله واياته. حبطت مالهم وقال تعالى لان اشركت ليحبطن عملك. ولو تركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون. ولهذا كانت الردة عن الايمان تحبط الاعمال الصالحة. كما ان الدخول في الاسلام والايمان يجب ما قبله من وان عظمت. والتوبة من الذنوب المنافية للايمان والقادحة فيه والمنقصة له تجب ما قبلها. ومنها ان صاحب الايمان يهديه الله الى الصراط المستقيم ويهديه في الصراط المستقيم. يهديه الى علم الحق. والى العمل به والى تلقي المحاب والمسار بالشكر. وتلقي المكاره والمصائب الرضا والصبر. قال تعالى ان الذين امنوا اعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم. وقال تعالى ما اصب مصيبة الا باذن الله. ومن يؤمن بالله يهد قلبه قال بعض السلف هو الرجل تصيبه المصيبة في علم انها من عند فيرضى ويسلم. ولو لم يكن من ثمرات الايمان الا انه يسلم صاحبه عن المصائب والمكاره. التي كل احد عرضة لها في كل وقت مصاحبة الايمان واليقين اعظم مصل عنها ومهون لها. وذلك لقوة ايمانه وقوته قوة توكله ولقوة رجائه بثواب ربه. وطمعه في فضله فحلاوة الاجر تخفف مرارة الصبر. قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. ولهذا تجد اثنين تصيبهم مصيبة واحدة او متقاربة واحدهما عنده ايمان والاخر فاقد له. تجد الفرق العظيم بين حاليه وفي تأثيرها في ظاهرهما وباطنهما. وهذا الفرق راجع الى الايمان والعمل بمقتضاه. وكما انه يسلي عند ورود المصائب والمكاره فانه يصلي عند فقد المحاب. فاذا فقد مؤمن حبيبه الذي تمكن حبه من قلبه من اهل وولد ومال وصديق وشبهها. تسلى بحلال ايمانه والايمان خير عوض للمؤمن عن كل مفقود. كما هو مشاهد جرب وفقد المحبوب في الحقيقة معدود من المصائب. ولولا ان يعقوب عليه الصلاة والسلام عنده من الايمان ما يهون عليه مصيبته في فقد يوسف مع شدة حبه العظيم بحيث قال لاخوته لما طلبوا منه بعض يوم ان يذهب معهم ليرتع ويلعب. قال اني ليحزنني ان تذهبوا به اخبر ان المانع له من ارساله انه لا يصبر على فراقه ولا ساعة من نهار ولكنهم عالجوه. وذكروا له الاسباب التي توجب له ان يرسله معهم فارسله ليقضي الله امرا كان مفعولا. فمن هذه حاله هذا حبه البليغ الذي لا يمكن المعبر ان يعبر عنه. هل يدخل في الذهن انه يبقى هذه المدة الطويلة على الوجود. بل يغلب على الظن ان الحب يفتت كبده باسرع وقت ولكن قوة الايمان وقوة الرجاء بالله اوجب له ان يتماسك لك كل هذه المدة. حتى جاء الله بالفرج الذي وعد به المؤمنون وكذلك ام موسى حين ذهب اليم بموسى. واصبح فؤادها فارغا من كل كل شيء الا من الحزن على موسى. لولا ان الله ربط على قلبها بالايمان وعلمت ان وعد الله حق. لكادت تبدي بما في قلبها. وتصرح بمصيبتها ولكن هو الايمان المثبت عند الشدائد. المسلي عند المقوي اذا وهنت القوى المعزي اذا عزى العزا وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته العظيمة في حديث ابن عباس الصحيح الذي في السنن تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة اي تعرف الى الله بالايمان واعمال الايمان وانت صحيح غني قوي يعرفك الله في الشدة. يقويك الله على مباشرتها على معالجتها. واعظم شدة تنزل بالمؤمن شدة الموت وسكراته فهذا الحديث بشرى لكل مؤمن قد تعرف الى ربه في رخائه. ان تعينه في ذلك المقام الحرج. والشدة المزعجة. وضعف القوى وتكاثف شياطين الذين يريدون ان يحولوا بين العبد وبين ختم حياته بالخير. فان الله يعينه بتأييده وروحه ورحمته. ولا حول ولا قوة الا ومن ثمرات الايمان ولوازمه من الاعمال الصالحة. ما الله بقوله ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمة كانوا ودا. اي بسبب ايمانهم واعمال الايمان. يحبهم الله ويجعلهم افعلوا لهم المحبة في قلوب المؤمنين. ومن احبه الله واحبه المؤمنون من عباده حصلت له السعادة والفلاح. والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء والدعاء له حيا وميتا. والاقتداء به وحصول الامامة في الدين وهذه ايضا من اجل ثمرات الايمان. ان يجعل الله المؤمنين الذين كملوا ايمانهم بالعلم والعمل لسان صدق. ويجعلهم ائمة يهتدون بامره كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فبالصبر واليقين بينهما رأس الايمان وكماله. نالوا الامامة في الدين. ومنها قوله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات فاهل الايمان والعلم يرفعهم الله في الدنيا والاخرة فهم اعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والاخرة. وانما نالوا هذه الرفعة بايمانهم الصحيح وعلمهم ويقينهم. والعلم واليقين من اصول طول الايمان ومن ثمرات الايمان حصول البشارة بكرامة الله والامن التام من جميع الوجوه. كما قال تعالى وبشر المؤمنين فاطلقها ليعم الخير العاجل والاجل. وقيدها في مثل قوله تعالى وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار. فلهم البشارة المطلقة والمقيدة يده ولهم الامن المطلق في مثل قوله تعالى الذين امنوا ولم البسوا ايمانهم بظلم اولئك. اولئك لهم الامن وهمه تدون ولهم الامن المقيد في مثل قوله تعالى فمن امن واصلح فلا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه والحزن مما مضى عليهم. وبذلك يتم لهم الامن. فالمؤمن له الامن التام في الدنيا والاخرة. امن من سخط الله وعقابه. وامن من جميع المكاره والشرور وله البشارة الكاملة بكل خير. كما قال تعالى له البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ويوضح هذه البشارة قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اوليائكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلا من غفور رحيم وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا لرسوله يؤتكم كفلين. يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم. والله غفور رحيم فرتب على الايمان حصول الثواب المضاعف. وكمال النور الذي يمشي به العبد في في حياته ويمشي به يوم القيامة. يوم ترى المؤمنين يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم. وبايمانهم بشراكم اليوم جنات تجريم من تحتها الانهار. فالمؤمن يمشي في الدنيا بنور علمه وايمانه واذا طفئت الانوار يوم القيامة مشى بنوره على الصراط. حتى يجوز به الى دار الكرامة والنعيم. وكذلك رتب المغفرة على الايمان. ومن غفرت سيئاته سلم من العقاب ونال اعظم الثواب. ومن ثمرات الايمان طول الفلاح الذي هو ادراك غاية الغايات. فانه ادراك كل مطلوب السلامة من كل مرهوب. والهدى الذي هو اشرف الوسائل. كما قال تعالى بعد ذكره المؤمنين بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وما انزل على من قبل والايمان بالغيب واقامة الصلاة وايتاء الزكاة اللتين هما من اعظم اثار الايمان. قال تعالى اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون. فهذا هو الهدى التام. والفلاح كامل فلا سبيل الى الهدى والفلاح. الذين لا صلاح ولا سعادة الا بهما الا بالايمان التام بكل كتاب انزله الله. وبكل رسول ارسله الله هدى اجل الوسائل والفلاح اكمل الغايات. ومن ثمرات الايمان بالمواعظ والتذكير بالايات. قال تعالى وذكر فان الذكرى تنام انفع المؤمنين. ان في ذلك لاية للمؤمنين مثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على اذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على اذاهم. ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة. ان فاقد الايمان لا خير فيه. لانه اذا الايمان فاما ان يكون الشخص احواله كلها شر وضرر على نفسه على المجتمع من جميع الوجوه واما ان يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمر بالشر وغلب شره خيره. والمصالح اذا انغمرت واضمحلت في المفاسد صارت شرا لان الخير الذي معه يقابله شر نظيره. فيتساقطان ويبقى الشر الذي لا قابل له من الخير يعمل عمله. ومن تأمل الواقع في الخلق رأى الامر كما ذكر النبي يصلى الله عليه وسلم. وهذا لان الايمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه علما وعملا. وكذلك معه الالة العظيمة. والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة. والايات الدالة على الحق. وليس عنده مانع يملك امنعوه من قبول الحق ولا من العمل به. وايضا فالايمان يوجب سلامة الفطرة و القصد ومن كان كذلك انتفع بالايات. ومن لم يكن كذلك الا يستغرب عدم قبوله للحق واتباعه له. ولهذا يذكر الله في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم. وقبول الحق الذي جاء به السبب الذي اوجب لهم ذلك. وهو الكفر الذي في قلوبهم يعني لان الحق واضح واياته بينة واضحة. والكفر اعظم مانع يمنع من اتباعه. اي فلا تستغربوا هذه الحالة. فانها لم تزل دأبك الخيرات في كل اوقاته. رابح في كل حالاته. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا اذى الا كفر الله عنه بها من خطاياه. فيجتمع للمؤمن عند النعم في السراء نعمتان. نعمة حصول ذلك المحبوب. ونعمة التوفيق للشكر الذي هو اعلى من ذلك. وبذلك تتم عليه النعمة. ويجتمع له عند الضراء ثلاثا عام نعمة تكفير السيئات ونعمة حصول مرتبة الصبر التي هي اعلى من ذلك ونعمة سهولة الضراء عليه. لانه متى عرف حصول الاجر والثواب والتمرن على الصبر هانت عليه وطأة المصيبة وخف عليه حملها ومنها ان الايمان يقطع الشكوك. التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدين قال الله تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله طوله ثم لم يرتابوا. اي دفع الايمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود وازاله بالكلية. وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الانس والجن. والنفوس الامارة بالسوء. فليس لهذه العلل المهلكة دواء الا تحقيق الايمان. ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق. فمن خلق الله فمن وجد ذلك فليقل امنت بالله. ولينتهي وليتعوذ بالله من الشيطان. فذكر ذكر صلى الله عليه وسلم هذا الدواء النافع لهذا الداء المهلك. وهو ثلاثة اشياء الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية. والاستعاذة من شر من طه وشبه بها ليضل بها العباد. والاعتصام بعصمة الايمان الصحيح من اعتصم به كان من الامنين. وذلك لان الباطل يتضح بطلانه بامور امور كثيرة. اعظمها العلم انه مناف للحق. وكل ما ناقض الحق فهو باطل. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ ومنها ان الايمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم من سرور وحزن وخوف وامن وطاعة معصية وغير ذلك من الامور التي لا بد لكل احد منها فعند المحاب والسرور يلجأون الى الايمان. فيحمدون الله ويثنون عليه ويستعملون النعم فيما يحب المنعم. وعند المكاره والاحزان يلجأ يلجأون الى الايمان من جهات عديدة. يتسلون بايمانهم وحلاوته صلون بما يترتب على ذلك من الثواب. ويقابلون الاحزان والقلق براحة القلب والرجوع الى الحياة الطيبة المقاومة للاحزان والاتراح. ويلجأون الى الايمان عند الخوف فيطمئنون اليه. ويزيدهم ايمانا وثباتا وقوة وشجاعة ويضمحل الخوف الذي اصابهم. كما قال تعالى عن خيار الخلق الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم زادهم ايمانا. فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الاخيار. وخلفه قوة الايمان وحلاوته وقوة التوكل على الله والثقة بوعده. ويلجأون الى الايمان عند الامن فلا يبطرهم ولا يحدث لهم الكبرياء. بل يتواضعون ويعلمون انه من الله ومن فضله وتيسيره فيشكرون الذي انعم بالسبب والمسبب الامن واسبابه. ويعلمون انه اذا حصل لهم ظفر بالاعداء وعز انه بحول الله وقوته وفضله. لا بحولهم وقوتهم يلجأون الى الايمان عند الطاعة والتوفيق للاعمال الصالحة. فيعترفون بنعمة الله عليهم بها. وان نعمته عليهم فيها اعظم نعم العافية والرزق وكذلك يحرصون على تكميلها. وعمل كل سبب لقبولها وعدم ردها او نقصها. ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها ان يتم عليهم نعمته بقبولها. والذي تفضل عليهم بحصول اصلها ان يتمم لهم منها ما انتقصوه. ويلجأون الى الايمان اذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة الى التوبة منها. وعمل ما يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقص قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا. تذكروا فاذا هم مبصرون وقال صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن ومثل الايمان كالفرس المربوط في اخيته. يجول ما يجول ثم يعود الى اخيته كذلك المؤمن يجول ما يجول في الغفلة والتجرؤ على بعض الاثام. ثم يعود سريعا الى الايمان الذي بنى عليه اموره كلها. فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجأهم الى الايمان. ومفزعهم الى تحقيقه ودفع ما ينافيه ويضاده. وذلك من فضل الله عليه ومنه ومنها ان الايمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. الحديث ومن وقعت منه فانه لضعف ايمانه وذهاب نوره وزوال الحياء ممن يراه حيث نهاه. وهذا معروف مشاهد. والايمان الصادق الصحيح يصحبه الحياء من الله والحب له. والرجاء القوي لثوابه الخوف من عقابه والنور الذي ينافي الظلمة. وهذه الامور التي هي من مكملات الايمان لا ريب انها تأمر صاحبها بكل خير. وتزجره عن كل كل قبيح فاخبر ان الايمان اذا صحبه عند وجود اسباب هذه الفوائد فان نور ايمانه يمنعه من الوقوع فيها. فان نور الذي يصحب الايمان الصادق. ووجود حلاوة الايمان والحياء من الله الذي هو من اعظم شعب الايمان بلا شك. يمنع من مواقعة هذه الفواحش ومنها انه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابي موسى رضي الله عنه انه قال مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاترجة طعمها طيب وريحها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة. طعمها طيب ولا ريح لها. وهؤلاء القسمان هم خير الخليقة. فان الناس اربعة اقسام. الاول مخير في نفسه متعد خيره الى غيره. وهو خير الاقسام فهذا المؤمن الذي قرأ القرآن وتعلم علوم الدين. فهو نافع لنفسه متعد نفعه الى غيره. مبارك اينما كان. كما قال الله تعالى قال عن عيسى عليه السلام وجعلني مباركا اينما كنت. والثاني طيب في نفسه صاحب خير. وهو المؤمن الذي ليس عنده من العلم ما يعود به على وغيره. فهذان القسمان هما خير الخليقة. والخير الذي فيهم الى ما معهم من الايمان القاصر. والمتعدي نفعه الى الغير بحسب احوال المؤمنين والقسم الثالث من هو عادم للخير ولكنه لا تتعدى ضرره الى غيره. والرابع من هو صاحب شر على نفسه وعلى غيره فهذا شر الاقسام. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ادناهم عذابا. زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فعاد الخير كله الى الايمان وتوابعه. وعاد الشر الى فقد الايمان والاتصاف بظده. والله الموفق. وشبيه بهذا المعنى قوله صلى الله الله عليه وسلم المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. فقسم صلى الله عليه وسلم المؤمنين الى قسمين اسم قوي في عمله وقوة ايمانه وفي نفعه لغيره. وقسم ضعيف في هذه الاشياء ومع ذلك ففي كل من القسمين خير. لان الايمان واثار ساره كله خير. وان تفاوت المؤمنون في هذا الخير الخاتمة. فتبين مما تقدم ان هذه الشجرة المباركة شجرة الايمان ابرك الاشجار وانفعها وادومها وان عروقها واصولها وقواعدها الايمان وعلومه ومعارفه وساقها وافنانها شرائع الاسلام والاعمال الصالحة. والاخلاق الفاضلة المؤيدة والمقرونة بالاخلاص لله. والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان ثمارها وجناها الدائم المستمر السمت الحسن والهدي الصالح والخلق الحسن. واللهج بذكر الله وشكره والثناء عليه. والنفث لعباد الله بحسب القدرة. نفع العلم والنصح ونفع الجاه والبدن ونفع المال وجميع طرق النفع. وحقيقة ذلك كله القيام بحقوق وحقوق خلقه. وان هذه الشجرة في قلوب المؤمنين متفاوتة تفاوتا عظيما. بحسب ما قام بهم واتصفوا به من هذه الصفات وان منازلهم في الاخرة تابعة لهذا كله. وان الفضل في ذلك كله لله وحده. والمنة كلها له سبحانه. بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين قال اهل الجنة بعدما دخلوها وتبوأوا منازلها. معترفين بفضل ربهم العظيم وقالوا الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدين وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق. ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون فجمع في هذه الاية بين الاخبار باعترافهم وثنائهم على الله بنعمه وفضله حيث وصلوا الى هذه المنازل العالية. وبين ذكر السبب فبالذي اوصلهم الى ذلك بمنة الله عليهم به. وهو العمل الصالح الذي هو الايمان واعماله. فنسأل الله تعالى ان يمن علينا بالايمان الصادق والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين. والا يزيغ قلوبنا بعد فإذ هدانا وان يهب لنا من لدنه رحمة. انه هو الوهاب وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما قال ذلك وكتبه العبد الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. حرر في في ثامن شهر ذي الحجة سنة اربع وسبعين وثلاثمائة والف. والحمدلله رب العالمين