المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السابع عشر في الحث على سلوك طريق الحكمة والرفق في كل الامور. قال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء اه والشريعة كلها حكمة. قال تعالى انزل الله عليك الكتاب والحكمة. واثنى على لقمان بالحكمة. ولما ذكر اصول الشرائع ومهماتها. قال ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. وما جاء به الرسول من الكتاب والسنة كله حكمة بل هو اعلم انواع الحكمة على الاطلاق لان الحكمة معرفة الحق والصواب والعمل بذلك. والشريعة تدور على ذلك لا تخرج عنه. فمن عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه فهو حكيم. والغرض هنا اخص من هذا وهو حث الانسان ان تكون اقواله وافعاله وتدبيراته تابعة للحكمة موافقة للصواب غير متقدمة على اوانها ولا متأخرة ولا فيها زيادة عما ينبغي ولا نقص وان يكون في كل فرد من افراد كاته المذكورة مجتهدا في معرفة نفعه وصلاحه تالكا اقرب طريق موصل له الى ذلك. وبتحقيق هذا يعرف كمال عقل الانسان ورزانته ولبه وبه تدرك الامور وتنجح المقاصد. قال تعالى واتوا البيوت من ابوابها. اياتوا كل امر من طريقه الموصل اليه المسهل لحصوله وضد ذلك امران اما ترك للمنافع واهمال لها واما سلوك طرق ضارة في تحصيلها. اما تقصير عن بلوغ الغاية او التواء في الطريق او سلوك طرق وعرة ومسالك صعبة مع التمكن من سلوك ما هو اسهل منها. واعلم ان طريق كل امر مما يناسبه. قال تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة. والدعوة الى الله والى سبيله تشمل تعليم الجاهلين. ووعظ غافلين وتشمل النصيحة الخاصة لاحاد الناس وافرادهم في الامور الدينية والدنيوية اذا سلك الداعي فيها طريق الحكمة كان اقرب وارجى لحصول مقصودة. ولهذا ينبغي تعليم كل احد ما هو انفع له. وبعبارة او دلالة اقرب الى ذهنه وفهمه. ولهذا قيل في تفسير الربانيين هم الذين يعلمون الناس صغار العلم قبل كباره. ومن الحكمة الا تلقي على المتعلم العلوم المتنوعة التي لا يتحملها ذهنه او يضيع بعضها بعضا. واتفق اهل المعرفة بطرق التعليم ان هذا ضار ومفوت للعلم. وان الطريق الاقرب ان يجعل للمتعلم من الدروس ما يسهل عليه حفظها وفهمها وعقلها. والتفكر التام فيها فان هذا من الدعوة الى الله بالحكمة التي هي الطريق الوحيد للنجاح ومن الحكمة ان ترمق المتعلم وتقوي رغبته في التعلم بكل طريق. فان قوة الرغبة تزيد في الحفظ والفهم. وكلما كانت رغبة طالب العلم فيه اقوى كان محصوله اكثر واتم. ومن الحكمة في تعليم العوام وارشادهم ان يعلموا ما يحتاجونه بالفاظ وعبارات مناسبة تهانهم قريبة من افهامهم فهذا فيه نفع كبير. وكذلك ينبغي لاهل العلم في مجالسهم مع الناس العامة والخاصة ان يبحثوا بما يناسب الحال عن المناسبات من المسائل العلمية فكم حصل فيها من منافع كثيرة من غير تشويش ولا قطع عن مقصودها وهذا من الحكمة ومن الحكمة الحكمة في حق الناصح ان يكون رفيقا متأنيا متوخيا للحالة المناسبة للمنصوح بلين. قال تعالى اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لعله يتذكر او يخشى. وقال سبحانه ذكر ان نفعت الذكرى ومما يعين المعلم والمذكر معرفة طبائع الناس واخلاقهم والوسائل التي يؤتون من والرفق اصل كبير في هذا وغيره. قال صلى الله عليه وسلم ما كان الرفق في شيء الا زانه وما كان العنف في شيء الا شانه وكذلك تسلك الحكمة في تقوية الصدقات وتخفيف العداوات وما سلكت في شيء ابلغ ولا انفع من قوله تعالى احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة. فاذا الذي بينك وبينه عداوة انه ولي حميد. فاذا كان العفو والاحسان الى العدو يصيره صديقا حميما. فما ظنك بعمله مع الصديق والقريب والخليق الذين لهم الحق الاوكد وعندهم من اسباب الروابط الودية ما هو اوثق. وكذلك تسلك الحكمة في معاملة الاولاد ومعاشرة الزوجين جاءت فانه يراد منهم امران عظيمان مهم ان احدهما اصلاحهم وتقويمهم وتهذيبهم لتقوية دينهم وتربية اخلاقهم او لا يسلك معهم كل طريق يسلك مع غيرهم. وطرق خاصة تناسب لاحوالهم. ويوجههم وليهم فيه الى كل خير. بترغيب وحسن معاملة. وكل احد يعرف من احوال اولاده واهله ما لا يعرفه غيره. الامر الثاني انه يراد منهم القيام بحقوق الوالدين وبالعشرة الواجبة والمستحبة بين الزوجين. وذلك ايضا بدعوتهم اليه بالحال والمقال وبالحكمة والرفق. ومن انجح ذلك ان يكون قائمين بحق الاولاد والزوج قائما بحق زوجته. فاذا طلب منهم القيام بما عليهم في هذه الحال سهل عليهم بخلاف ما اذا لم يقم الوالدان والزوج بحقوقهم فان تقويمهم يصعب جدا. وكيف تطلب ما لك وانت مانع للحق الذي عليك؟ وكذلك تسلك الحكمة في النفقات والتدبيرات البيتية التي روحها وقوامها قوله تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا لم يقتروه وكان بين ذلك قواما. الاقتصاد في النفقات وسلوك طرقه له نفعه المعروف ومحله الاكبر والطف من ذلك كله ان تسلك الحكمة مع نفسك وتراقبها في اعمالها وتجتهد في تنمية وازع الرغبة الى الخير واضعاف الدواعي الى الشر تلاطفها ملاطفة الطفل في تحصيل الامور المطلوبة منها. وفي تنمية اخلاقها. وتعطيها من الراحات والطيبات ما يسهل عليها معه القيام بالطاعات وتغتنم اوقات نشاطها وتريحها في فترات الكسل. واياك ان تجمح بك في الانهماك في اللذات التي تشغل عن الامور النافعة. ولكن جاهدها وحاسبها واعرض عليها الموازنة بين الاخلاد الى الكسل وبين المطالب العالية التي تفوت بالكسل ولا تدرك الا بالعمل. وعرفها ما امامها من النعيم لمن امن وعمل صالحا وسلك الصراط المستقيم. وقل لها لمثل هذا فليعمل العاملون. وفي ذلك فليتنافس ينافسون. قل لها يا نفس ايهما اولى تقديم لذة قليلة حشوها الاكدار وطيها الغموم والهموم والخسار على لذات متواصلات كاملة لكن بلا كدر ولا منغص في دار القرار وايهما اولى؟ تحصيل لذة الايمان او اللذات البهيمية التي مآلها الخيبة والحرمان؟ يا نفسه بذول اليسيرة من القوة فيما يعود عليك بالخير والبركات. ولك مني ان ارضيك بما تحبين من اللذات المباحات. قومي بما عندك من حقوق الواجبات والمستحبات اقم لك بما تحبين من الراحات وتناول الطيبات. يا نفس قد ارشدك معلم الخير صلى الله عليه وسلم الى اعمال نافعة عظيمة النفع يسيرة على النفس فقال استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا. وقال ابن جبل رضي الله عنه يا رسول الله اخبرني بعملي يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال لقد سألت عن عظيم وانه ليسير على يسره الله عليه. فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. تقيموا الصلاة وتؤتي الزكاة. وتصوموا رمضان وتحج البيت. ثم قال الا ادلك على على ابواب الخير الصوم جنة الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا قوله تعالى تجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا. ومما رزقناهم امي ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة جزاء بما كانوا يعملون. افمن كان مؤمنا انت من كان فاسقا لا يستوون. اما الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى. نزلا بما كانوا يعملون ثم قال الا اخبرك برأس الامر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الامر الاسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال الا اخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول الله. فاخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا. قلت وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال ثكلتك امك يا معاذ. وهل يكب الناس على مناخرهم الا حصائد السنتهم؟ انظري الى هذه الاعمال الموصلة الى غاية الغايات وفوائدها الجليلة مع سهولتها على النفس. ثم اعلمي ان من قام بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده لم يفت عليه نصيبه من الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم من كانت الاخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه شتت الله عليه شمله. وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له. يا نفس ما هي الا صبر ايامي كان مدتها اضغاث احلامي. يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة وخلي عنها فان العيش تقدامي فلا يزال الحكيم مع نفسه في ملاطفة وتدريب وترغيب وترهيب وانذار وتبشير حتى يلين صعبها ويستقيم سيرها تتبدل صفاتها الرديئة بالصفات الطيبة ولا يتمكن من هذا ولا يتمكن من هذا الا بسلوك الحكمة. الحكمة جمال العلم والة عملي واقرب الوسائل لحصول المقاصد. الحكمة تهون الصعاب. وبها تندفع العوائق. كم نادم عجول طائش؟ وكم ادرك المطلوب رفيق لا تساسوا الولايات الكبار ولا الصغار بمثل الحكمة. ولا تختل الا باختلال طريقها. الحكيم اذا لم يدرك جميع المطلوب تنازل الى بعضه اذا لم يحصل ما قصده من الخير قنع باندفاع الشر واذا لم يندفع كل الشر دفع بعضه وخففه. واذا لم يمكن دفع الصاع الشديد وامكنه تلطيفه لطفه. يساير الامور والاحوال فينتهز فرصها. ويأتي الامور من كل باب ووسيلة. لا يمل السعي ولا يدركه الضجر والسآمة. قد تلقى الامور بصدر منشرح وقلب ثابت يقلبها بفكره على كل وجه. ويستعين برأي اهل الخبرة من الناصحين على ما يريده لا تستفزه البدوات واوائل الامور حتى ينفذ فكره الى باطنها. ولا تغره الظواهر حتى يتغلغل في قويها وعواقبها. ومع كثرة تفكيره وتقليبه الامور من جميع وجوهها ومشاورته عند التوقف والاشتباه لابد ان ينكشف لهما كان خافيا ويتضح له ما كان مشتبها. واعلم ان من عود نفسه هذه الامور ولازمها في اغلب احواله فلابد ان يحصل له من التمرين والاختبار والتجارب اصول يترقى بها عقله وتتسع دائرة معارفه وينمو ذكاؤه وفطنته وربما وصل الى حالة يصير بها على من يؤتم به في متاهات العقول مرجوعا اليه في ذلك. والله اعلم