بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى الترمذي والحاكم واللفظ له عن زياد ابن علاقة عن عمه رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم جنبني منكرات الاخلاق والاهواء والاعمال والادواء اشتمل هذا الحديث على الاستعاذة من اربعة منكرات احدها منكرات الاخلاق. وهذا من باب اضافة الصفة الى الموصوف اي الاخلاق المنكرة والسعادة منها صلى الله عليه وسلم لان الاخلاق المنكرة تكون سببا لجلب كل شر ودفع كل خير وقد جاء في الدعاء اهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت والثاني منكرات الاهواء وهو جمع هوى واستعاد صلى الله عليه وسلم من الاهواء لانها هي التي توقع في الشر وتنشأ عنها انواع المخالفات والانحرافات والثالث منكرات الاعمال اي الاعمال المنكرة وهي الذنوب والمعاصي قال بعض اهل العلم المراد بالاخلاق الاعمال الباطنة والمراد بالاعمال الافعال الظاهرة فيكون قوله اللهم اني اعوذ بك من منكرات الاخلاق والاعمال جمع فيه الاستعاذة من الذنوب. ظاهرها وباطنها والرابع منكرات الادواء. اي ادواء القلوب واسقامها. ومن اعظم ادوائها الشرك والذنوب الغفلة والاستهانة بمحاب الله ومراضيه وترك التفويض اليه وقلة الاعتماد عليه والركون الى ما سواه والسخط بمقدوره والشك في وعده ووعيده قال ابن تيمية رحمه الله فعطف الادواء على الاخلاق والاهواء فان الخلق ما صار عادة للنفس وسجية قال الله تعالى وانك لعلى خلق عظيم. قال ابن عباس وابن عيينة واحمد بن حنبل رضي الله عنهم على دين عظيم وفي لفظ عن ابن عباس على دين الاسلام وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن وكذلك قال الحسن البصري ادب القرآن هو الخلق العظيم واما الهوى فقد يكون عارضا. والداء هو المرض. وهو تألم القلب والفساد فيه وقال الشوكاني رحمه الله استعاذ صلى الله عليه وسلم من منكرات الاخلاق لان الاخلاق المنكرة تكون سببا لجلب كل شر ودفع كل خير والسعادة صلى الله عليه وسلم من منكرات الاعمال لانها اذا كانت منكرة فهي الذنوب واستعاذ صلى الله عليه وسلم من الاهواء لانها هي التي توقع في الشر ويتأثر عنها من معاصي الله سبحانه كما قال سبحانه افرأيت من اتخذ الهه هواه واذا كان الهوى يصير صاحبه باتباعه كالعابد له فكأنه الها فلا شيء في الشر ازيد من ذلك ولا اكثر منه والسعادة صلى الله عليه وسلم من الادواء وهي جمع داء وهو السقم الذي يعرض للانسان وقد يراد بذلك ادواء الدين والدنيا من جميع ما يضر بالبدن دين انتهى كلامه رحمه الله وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء والسؤال من الله ان يزينه بمكارم الاخلاق وجميل الاداب وان يعيذه من منكرات الاخلاق وكان يقول صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم احسنت خلقي فاحسن خلقي ويقول صلى الله عليه وسلم في دعائه اهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت فاستجاب الله دعاءه ووهبه اعلى الاخلاق وارفعها والاخلاق هبات من الله وتفضل منه يهدي لاحسنها من شاء من عباده قال طاووس ابن كيسان رحمه الله ان هذه الاخلاق منائح يمنحها الله عز وجل من يشاء من عباده فاذا اراد الله عز وجل بعبد خيرا منحه منها خلقا صالحا رواه ابن ابي الدنيا في مكارم الاخلاق وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال ان الله تعالى قسم بينكم اخلاقكم كما قسم بينكم ارزاقكم رواه البخاري في الادب المفرد فالذي يعطي الارزاق هو الذي يعطي الاخلاق قال ابن القيم رحمه الله فان الاخلاق مواهب يهب الله منها ما يشاء لمن يشاء وقد وهب الله خليله ومجتباه ورسوله ومصطفاه محمدا صلى الله عليه وسلم اكمل الاخلاق واطيبها فكان صلوات الله وسلامه عليه قدوة للعالمين بما وهبه الله من الخلق الكامل والادب الرفيع فكان خلقه القرآن عن سعد ابن هشام ابن عامر قال اتيت عائشة رضي الله عنها فقلت يا ام المؤمنين اخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن. اما تقرأ القرآن قول الله عز وجل وانك لعلى خلق عظيم. رواه احمد قال ابن كثير رحمه الله ومعنى هذا انه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن امرا ونهيا سجية له وخلقا تتبعه وترك طبعه الجبلي. فمهما امره القرآن فعله. ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن انس رضي الله عنه قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي اف قط ولا قال لشيء فعلته لما فعلته ولا لشيء لم افعله الا فعلته وكان صلى الله عليه وسلم احسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا ولا عطرا كان اطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى البخاري عن ابي اسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم احسن الناس واحسنه خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وروى الامام احمد عن عائشة رضي الله عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط الا ان يجاهد في سبيل الله ولا خير بين شيئين قط الا كانا احبهما اليه ايسرهما حتى يكون اثما فاذا كان اثما كان ابعد الناس من الاثم ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى اليه الا ان تنتهك حرمات الله ويكون هو ينتقم لله عز وجل وقوله سبحانه وانك لعلى خلق عظيم. قال العوفي عن ابن عباس اي وانك لعلى دين عظيم. وهو الاسلام وكذلك قال مجاهد وابو مالك والصدي والربيع بن انس والضحاك وابن زيد قال ابن القيم رحمه الله وسمي الدين خلقا لان الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة وارادات زاكية واعمال ظاهرة وباطنة موافقة للعدل والحكمة والمصلحة واقوال مطابقة للحق تصدر تلك الاقوال والاعمال عن تلك العلوم والارادات فتكتسب النفس بها اخلاقا هي ازكى الاخلاق واشرفها وافضلها فهذه كانت اخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم المقتبسة من مشكاة القرآن فكان كلامه مطابقا للقرآن تفصيلا له وتبيينا وعلومه علوم القرآن واراداته واعماله ما اوجبه وندب اليه القرآن واعراضه وتركه لما منع منه القرآن ورغبته فيما رغب فيه وزهده فيما زهد فيه وكراهته لما كرهه ومحبته لما احبه وسعيه في تنفيذ اوامره وتبليغه والجهاد في اقامته. فترجمت ام المؤمنين رضي الله عنها لكمال معرفتها بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم وحسن تعبيرها عن هذا كله بقولها كان خلقه القرآن وقد بعثه الله عز وجل ليدعو الناس الى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال وينذرهم سيء الاخلاق وسيء الاعمال وقد دعاهم اليه فعلا وقولا اما فعلا فقد كان قدوة للعالمين بما وهبه الله من الخلق الكامل والادب الرفيع واما قولا فقد تكاثرت عنه الاحاديث في الحث على الاخلاق الكاملة والاداب الرفيعة والترغيب فيها وبيان ما اعد الله لاهلها من الثواب العظيم والاجر الجزيل عن ابي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق. رواه الترمذي فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من اسباب دخول الجنة وقرنه بالتقوى التي هي اعظم وصية قال ابن القيم رحمه الله جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق لان تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو الى محبته وعن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان من احبكم الي واقربكم مني مجلسا يوم قيامة احاسنكم اخلاقا رواه الترمذي فكلما كان المرء احسن خلقا كان اقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا يوم القيامة من غيره وكلما كان اسوأ خلقا كان ابعد وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انكم لن تسعوا الناس باموالكم ولكن يسعهم منكم تسطو الوجه وحسن الخلق. رواه البزار اي لا يمكنكم ان تسعوا الناس باموالكم عطاء وبذلا مهما كثرت اموالكم وعظم سخاؤكم لان استيعاب عامتهم بالاحسان بالفعل غير ممكن تسعوهم باخلاقكم الكريمة وادابكم الجميلة. بسط الوجه وحسن الخلق وهذا امر سهل متيسر لمن وفقه الله ووهبه الخلق الحسن وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما بعثت لاتمم صالح الاخلاق. رواه احمد ورواه البزار بلفظ انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق وعن ابي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وان كان مازحا وببيت في اعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه ابو داوود ففيه بيان فضيلة حسن الخلق وانه يوصل صاحبه الى الدرجات العالية في الجنة فان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة اصناف من الناس فمنهم من يكون في ربض في الجنة وفي ادناها ومنهم من يكون في وسطها ومنهم من يكون في اعلاها فالجنة درجات ولكل درجات مما عملوا. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ان من يحسن خلقه يكون له بيت في اعلى الجنة وقوله انا زعيم اي ضامن وكفيل قال ابن القيم رحمه الله فجعل البيت العلوي جزاء لاعلى المقامات الثلاثة وهي حسن الخلق والاوسط لاوسطها وهو ترك الكذب. والادنى لادناها وهو ترك المماراة وان كان معه حق ولا ريب ان حسن الخلق مشتمل على هذا كله واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته