تقدر عليها فحينئذ لم يفي موسى عليه السلام بما قال واستعذر الخضر منه فقال له نبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. هذا فراق بيني وبينك فانك شردت ذلك على نفسك فلم يبقى الان عذر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب الحمد لله هو الثناء عليه بصفاته. التي هي كلها صفات كمال وبنعمه الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية واجل نعمه على الاطلاق. انزاله الكتاب العظيم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم اذا نفسه وفي ضمنه ارشاد العباد ليحمدوه على ارسال الرسول اليهم وانزال الكتاب عليهم. ثم وصف هذا الكتاب بوصفين مشتملين على انه كامل من جميع الوجوه وهما نفي العوج عنه. واثبات انه قيم مستقيم. فنفي العوج يقتضي انه ليس في اخباره كذب. ولا في اوامره ونواهيه ظلم ولا عبث. واثبات الاستقامة يقتضي انه لا يخبر ولا يأمر الا باجل الاخبارات. وهي الاخبار التي تملأ القلوب معرفة وايمانا وعقلا. كالاخبار باسماء الله وصفاته وافعاله. ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة. وان اوامره ونواهيه تزكي النفوس وتطهرها وتنميها وتكملها لاشتمالها على كمال العدل والقسط والاخلاص. والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له قم بكتاب موصوف بما ذكر ان يحمد الله نفسه على انزاله وان يتمدح الى عباده به. وقوله وبئسا شديدا من لدن اي لينذر بهذا القرآن الكريم عقابه الذي عنده. اي قدره وقضاه على من خالف امره هذا يشمل عقاب الدنيا وعقاب الاخرة. وهذا ايضا من نعمه ان خوف عباده وانذرهم ما يضرهم ويهلكهم. كما قال تعالى لما ذكر في هذا القرآن وصف النار قال ذلك يخوف الله به عباده. يا عبادي فاتقون. فمن رحمته بعباده ان قيم العقوبات الغليظة الله تعالى من خالف امره وبينها لهم وبين لهم الاسباب الموصلة اليها. ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا حسنا ايوا انزل الله على عبده الكتاب ليبشر المؤمنين به وبرسله وكتبه الذين كمل ايمانهم فاوجب لهم عمل الصالحات وهي الاعمال الصالحة من واجب ومستحب. التي جمعت الاخلاص والمتابعة ان لهم اجرا حسنا. وهو الثواب الذي رتبه الله على الايمان والعمل الصالح. واعظم واجله الفوز برضا الله ودخول الجنة. التي فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي وصفه بالحسن دلالة على انه لا مكدر فيه ولا منغص بوجه من الوجوه. اذ لو وجد فيه شيء من ذلك لم يكن حسنه تاما. ومع ذلك فهذا الاجر الحسن ماكثين فيه ابدا. لا يزول عنهم ولا يزولون عنه. بل نعيمهم في كل وقت متزايد. وفي ذكر التبشير ما يقتضي ذكر اعمالي الموجبة للمبشر به. وهو ان هذا القرآن قد اشتمل على كل عمل صالح. موصل لما تستبشر به النفوس وتفرح به الارواح الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآباء وينذر الذين قالوا اخذ الله ولدا من اليهود والنصارى والمشركين. الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة فانهم لم يقولوها عن علم ولا يقين. لا علم منهم لا علم من ابائهم الذين قلدوهم واتبعوهم. بل ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس اي عظمت شناعتها واشتدت عقوبتها. واي شناعة اعظم من وصفه بالاتخاذ للولد الذي يقتضي نقصه. ومشاركة غيره له في خصائص الربوبية والالهية والكذب عليه. فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. ولهذا قال هنا ان يقولون الا كذبا اه اي كذبا محضا ما فيه من الصدق شيء. وتأمل كيف ابطل هذا القول بالتدريج والانتقال من شيء الى ابطن منه. فاخبر اولا انه ما له به من علم ولا لابائهم. والقول على الله بلا علم لا شك في منعه وبطلانه. ثم اخبر ثانيا انه قول قبيح شنيع فقال كلمة تخرج من افواههم ثم ذكر ثالث مرتبته من القبح. وهو الكذب المنافي للصدق انا اثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق. ساعيا في ذلك اعظم السعي. فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسر بهداية المهتدين. ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين. شفقة منه صلى الله عليه وسلم عليهم ورحمة بهم. ارشده الله الا يشغل نفسه بالاسف على هؤلاء. الذين لا يؤمنون بهذا القرآن. كما قال في الاية الاخرى لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين. وقال فلا تذهب نفسك عليهم حسرات. وهنا قال فلعلك باخع نفسك. اي مهلكها غما واسفا عليهم وذلك ان اجرك قد وجب على الله. وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم. ولكنه علم انهم لا يصلحون الا للنار فلذلك خذلهم فلم يهتدوا. فاشغالك نفسك غما واسفا عليهم. ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الاية ونحوها عبرة فان المأمور في دعاء الخلق الى الله عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل الى الهداية. وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه. مع التوكل على الله في ذلك فان اهتدوا فبها ونعمت والا فلا يحزن ولا يأسف. فان ذلك مضعف للنفس هادم للقوى. ليس له فيه فائدة. بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه اليه وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته. واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له انك لا تهدي من احببت وموسى عليه السلام يقول ربي اني لا املك الا نفسي واخي. فمن عاداهم من باب اولى واحرى. قال الله تعالى فذكر انما انت لست عليهم بمسيطر. انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم نحس يخبر تعالى انه جعل جميع على وجه الارض من مآكل لذيذة ومشارب ومساكن طيبة واشجار وانهار وزروع وثمار ومناظر بهيجة ورياض انيقة واصوات وصور مليحة وذهب وفضة وخيل وابل ونحوها. الجميع جعله الله زينة لهذه الدار. فتنة واختبارا ايهم احسن عملا اي اخلصه واصوبه. ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات فانية مضمحلة وزائلة منقضية. وستعود ارض صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها. وانقطعت انهارها واندرست اثارها. وزال نعيمها. هذه حقيقة الدنيا قد جلاها الله كأنها رأي عين وحذرنا من الاغترار بها. ورغبنا في دار يدوم نعيمها. ويسعد مقيمها. كل ذلك رحمة بنا. فاغتر بزخرف وفي الدنيا وزينتها من نظر الى ظاهر الدنيا دون باطنها. فصحبوا الدنيا صحبة البهائم وتمتعوا بها تمتع السوائم. لا ينظرون في حق ولا يهتمون لمعرفته. بل همهم تناول الشهوات من اي وجه حصلت. وعلى اي حالة اتفقت. فهؤلاء اذا حضر احدهم الموت قلق لخراب ذاته وفوات لذاته. لا لما قدمت يداه من التفريط والسيئات. واما من نظر الى باطن الدنيا وعلم المقصود منها ومنه فانه تناول منها ما يستعين به على ما خلق له. وانتهز الفرصة في عمره الشريف فجعل الدنيا منزل عبور لا محل حبور. وشقة سفر لا منزل اقامة فبذل جهده في معرفة ربه وتنفيذ اوامره واحسان العمل فهذا باحسن المنازل عند الله. وهو حقيق منهم بكل كرامة ونعيم وسرور وتكريم. فنظر الى باطن الدنيا حين نظر المغتر الى ظاهرها وعمل لاخرته. حين عمل البطال لدنياه حتى ان ما بين الفريقين وما ابعد الفرق بين الطائفتين من اياتنا عجبا. وهذا الاستفهام بمعنى النفي والنهي. اي لا تظن ان قصة اصحاب الكهف وما جرى لهم غريبة على ايات الله وبديعة في حكمته. وانه لا نظير لها ولا مجالس لها. بل لله تعالى من الايات العجيبة الغريبة ما هو كثير. من جنس اياته في اصحاب الكهف واعظم منها فلم يزل الله يري عباده من الايات في الافاق وفي انفسهم ما يتبين به الحق من الباطل والهدى من الضلال وليس المراد وبهذا النفي عن ان تكون قصة اصحاب الكهف من العجائب. بل هي من ايات الله العجيبة وانما المراد ان جنسها كثير جدا. فالوقوف معها وحدها في مقام العجب والاستغراب نقص في العلم والعقل. بل وظيفة المؤمن التفكر بجميع ايات الله. التي دعا الله العباد الى التفكر فيها. فان ما مفتاح الايمان وطريق العلم والايقان؟ واضافهم الى الكهف الذي هو الغار في الجبل والرقيم اي الكتاب الذي قد رقمت فيه اسماؤهم وقصتهم لملازمتهم له دهرا طويلا. ثم ذكر قصته مجملة وفصلها بعد ذلك فقال تميل عنه شمالا فلا ينالهم حرها فتفسد ابدانهم بها وهم في فجوة منه اي من الكهف اي مكان متسع وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق. خصوصا مع طول المكث. وذلك من ايات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم وهيئ لنا من امرنا رشدا الاول فتية اي الشباب الى الكهف يريدون بذلك التحصن والتحرز من فتنة قومهم لهم. فقالوا ربنا اتنا من لدنك رحمة اي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر. وتوفقنا للخير. وهيء لنا من امرنا رشدا. اي يسر لنا كل سبب موصل الى الرشد. واصلح لنا امر ديننا ودنيانا. فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة الى محل يمكن الاستخفاء فيه. وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير امورهم وعدم اتكالهم على انفسهم وعلى الخلق. فلذلك استجاب الله دعاءهم وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم. قال اذانهم في الكهف سنين عددا. فمرمنا على اذانهم في الكهف اي انمناهم سنين عددا. وهي ثلاث مئة سنة وتسع سنين وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف. وحفظ لهم من قومهم وليكون اية بينة لبعثناهم لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا. ثم بعثناهم اي من نومهم لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا. اي لنعلم ايهم احصى لمقدار مدتهم. كما قال الله تعالى وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم وفي العلم بمقدار لبثهم ضبط للحساب. ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته. فلو استمروا على نومهم لم يحصل للاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم امنوا بربهم وزدناهم هدى. هذا شروع في تفصيل قصتهم. وان الله يقصها على نبيه بالحق والصدق لما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه. انهم فتية امنوا بربهم. وهذا من جموع القلة. يدل ذلك على انهم دون العشرة. امنوا بالله وحده لا شريك له من دون قومهم فشكر الله لهم ايمانهم فزادهم هدى اي بسبب اصل اهتدائهم الى الايمان زادهم الله من هدى الذي هو العلم النافع والعمل الصالح. كما قال الله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى. وربطنا على وربطنا على قلوبهم اي صبرناهم وثبتناهم وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة. وهذا من لطفه تعالى بهم وبره ان وفقهم للايمان والهدى والصبر والثبات والطمأنينة. اذ قاموا ربنا رب السماوات والارض اي الذي خلقنا ورزقنا ودبرنا وربانا. هو خالق السماوات والارض المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة لا تلك الاوثان والاصنام التي لا تخلق ولا ترزق. ولا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الالهية ولهذا قالوا لن ندعو من دونه الها اي من سائر المخلوقات لقد قلنا اذا اي ان دعونا معه الهة بعدما علمنا انه الرب الاله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة الاله شططا. اي ميلا عظيما عن الحق وطريقا بعيدة عن الصواب. فجمعوا بين الاقرار بتوحيد الربوبية وتوحيد الالهية. والتزام ذلك وبيان انه الحق هو ما سواه باطل. وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم. وزيادة الهدى من الله لهم فما لما ذكروا ما من الله به عليهم من الايمان والهدى التفتوا الى ما كان عليه قومهم من اتخاذ الالهة من دون الله فمقتوهم. وبينوا انهم ليسوا على يقين من امرهم. بل هم في غاية الجهل والضلال فقط قالوا اي بحجة وبرهان على ما هم عليه من الباطل ولا يستطيعون سبيلا الى ذلك. وانما ذلك افتراء منهم على الله وكذب عليه. وهذا اعظم الظلم. ولهذا قال واذ اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله لكم ربكم من امركم اي قال بعضهم لبعض اذ حصل لكم اعتزال قومكم في اجسامكم واديانكم فلم يبقى الا النجاة من شرهم والتسبب بالاسباب المفضية لذلك لانهم لا سبيل لهم الى قتالهم. ولا بقائهم بين اظهرهم وهم على غير دينهم. فاووا الى الكهف اي انضموا اليه واختفوا فيه وفيما تقدم اخبر انهم دعوه بقولهم ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا. فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم والالتجاء الى الله في صلاح امرهم ودعائه بذلك وبين الثقة بالله انه سيفعل ذلك. لا جرم ان الله نشر لهم رحمته وهيأ لهم من امرهم مرفقا. حفظ اديانهم وابدانهم وجعلهم من اياته على خلقه. ونشر لهم من الثناء الحسن ما هو من بهم ويسر لهم كل سبب حتى المحل الذي ناموا فيه كان على غاية ما يمكن من الصيانة. ولهذا قال اذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين واذا ضربت تقرضهم ذا تشتمال وهم في فجوة من ذلك من ايات الله من يهدي الله فهو المهتدئ. ومن يضلل فلن اي حفظهم الله من الشمس في سر لهم غارا اذا طلعت الشمس تميل عنه يمينا وعند غروبه واجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الامور. ولهذا قال اي لا سبيل الى نيل في الهداية الا من الله. فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين اه اي لا تجد من يتولاه ويدبره على ما فيه صلاحه ولا يرشده الى الخير والفلاح. لان الله قد حكم عليه بالضلال. ولا راد لحكمه لو اطلعت عليهم لوليت منهم وتحسبهم ايقاظا وهم رقود اي تحسبهم ايها الناظر اليهم كانهم ايقاظ والحال انهم نيام. قال المفسرون وذلك لان اعينهم منفتحة. لان لا تفسد فالناظر اليهم يحسبهم ايقاظا وهم ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وهذا ايضا من حفظه لابدانهم. لان الارض من طبيعتها اكل الاجسام المتصلة بها. فكان من لله ان قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا. بقدر ما لا تفسد الارض اجسامهم. والله تعالى قادر على حفظهم من الارظ من غير تقليب انه تعالى حكيم اراد ان تجري سنته في الكون ويربط الاسباب بمسبباتها اي الكلب الذي كان مع اصحاب الكهف اصابه ما اصابهم من النوم وقت حراسته. فكان باسطا ذراعيه بالوصية اي الباب او فناءه هذا حفظهم من الارض. واما حفظهم من الادميين فاخبر انه حماهم بالرعب. الذي نشره الله عليهم فلو اطلع عليهم احد لامتلأ قلبه رعبا وولى منهم فرارا. وهذا الذي اوجب ان يبقوا كل هذه المدة الطويلة. وهم لم يعثر عليهم احد مع قربهم من المدينة جدة. والدليل على قربهم انهم لما استيقظوا ارسلوا احدهم يشتري لهم طعاما من المدينة. وبقوا في انتظاره دل ذلك على شدة قربهم منها قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف في ملتهم ولن تفلحوا اذا ابدا. يقول تعالى وكذلك بعثناهم اي من نومهم الطويل ليتساءلوا بينهم اي ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبسهم. قال قائل منهم كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوما او بعض يوم وهذا مبني على ظن القائل وكأنهم وقع عندهم اشتباه في طول مدتهم. فلهذا فرد العلم الى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلا. ولعل الله تعالى بعد ذلك اطلعهم على مدة لبسهم. لانه بعثهم ليتساءل بينهم واخبر انهم تساءلوا وتكلموا بمبلغ ما عندهم. وصار اخر امرهم الاشتباه فلا بد ان يكون قد اخبرهم يقينا. علمنا من حكمته في بعثهم وانه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الامور المطلوب علمها. وسعى لذلك ما امكنه فان ان الله يوضح له ذلك. وبما ذكر فيما بعده من قوله. وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق. وان الساعة لا ريب فيها فلولا انه حصل العلم بحالهم لم يكونوا دليلا على ما ذكر. ثم انهم لما تساءلوا بينهم وجرى منهم ما اخبر الله به ارسلوا احدهم بورقهم اي بالدراهم التي كانت معهم ليشتري لهم طعاما يأكلونه من المدينة التي خرجوا منها وامروه ان يتخير من الطعام ازكاه اي اطيبه والذه وان يتلطف في ذهابه وشرائه وايابه. وان يختفي في ذلك ويخفي حال اخوانه. ولا يشعرن بهم احدا. وذكر من اطلاع غيرهم عليهم وظهورهم عليهم انهم بين امرين اما الرجم بالحجارة فيقتلونهم اشنع قتله لحنقهم عليهم وعلى دينهم واما ان يفتنوهم عن دينهم ويردوهم في ملتهم. وفي هذه الحال لا يفلحون ابدا. بل يخسرون في دينهم ودنياهم واخراهم. وقد دلت هاتان الايتان على عدة فوائد. منها الحث على العلم وعلى المباحثة فيه. لكون الله بعثهم لاجل ذلك. ومنها في من اشتبه عليه العلم ان يرده الى عالمه وان يقف عند حده. ومنها صحة الوكالة في البيع والشراء وصحة الشركة في ذلك ومنها جواز اكل الطيبات والمطاعم اللذيذة. اذا لم تخرج الى حد الاسراف المنهي عنه. لقوله فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه وخصوصا اذا كان الانسان لا يلائمه الا ذلك. ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين القائلين بان هؤلاء اولاد ملوك. لكونهم امروه بازكى الاطعمة التي جرت عادة الاغنياء الكبار بتناولها. ومنها الحث على التحرز والاستخفاء. والبعد عن مواقع الفتن في الدين واستعمال هل الكتمان في ذلك على الانسان وعلى اخوانه في الدين؟ ومنها شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين. وفرارهم من كل فتنة في دينهم. وتركهم اوطانهم في الله. ومنها ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد. الداعية لبغضه وتركه. وان هذه الطريقة هي طريقة والمتقدمين والمتأخرين لقولهم ولن تفلحوا اذا ابدا اعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا ريب فيها اذ يتنازعون بينهم قال يخبر الله تعالى على انه اطلع الناس على حال اهل الكهف. وذلك والله اعلم بعدما استيقظوا وبعثوا احدهم يشتري لهم طعاما. وامروهم بالاستخفاء والاخفاء فاراد الله امرا فيه صلاح للناس وزيادة اجر لهم. وهو ان الناس رأوا منهم اية من ايات الله. المشاهدة بالعيان. على ان وعد الله حق قل لا شك فيه ولا مرية ولا بعد. بعدما كانوا يتنازعون بينهم امرهم. فمن مثبت للوعد والجزاء ومن ناف لذلك. فجعل قصتهم زيادة ويقين للمؤمنين وحجة على الجاحدين. وصار لهم اجر هذه القضية وشهر الله امرهم. ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم فقالوا ابنوا عليهم بني كان الله اعلم بحالهم ومآلهم. وقال من غلب على امرهم وهم الذين لهم الامر. لنتخذن عليهم مسجدا. اي نعبد الله تعالى في ونتذكر به من احوالهم وما جرى لهم. وهذه الحالة محظورة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم. وذم فاعليها. ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها فان السياق في شأن تعظيم اهل الكهف والثناء عليهم وان هؤلاء وصلت بهم الحال الى ان قالوا ابنوا عليهم مسجدا بعد خوف اهل في الكهف الشديد من قومهم وحذرهم من الاطلاع عليهم. فوصلت الحال الى ما ترى. وفي هذه القصة دليل على ان من فر بدينه من الفتن سلمه الله منها وان من حرص على العافية عافاه الله ومن اوى الى الله اواه الله وجعله هداية لغيره ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان اخر امره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب. وما عند الله خير للابرار خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب قولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم الا فلا تمارفيهم الا مرارا ظاهرا ولا تستفتيهم يخبر تعالى عن اختلاف اهل الكتاب في عدة اصحاب الكهف اختلافا صادرا عن رجمهم بالغيب وتقولهم بما لا يعلم وانهم فيهم على ثلاثة اقوال. منهم من يقول ثلاثة. رابعهم كلبهم. ومنهم من يقول خمسة. سادسهم كلبهم. وهذان القولان ذكر الله بعدهما ان هذا رجل منهم بالغيب فدل على بطلانهما. ومنهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم. وهذا والله اعلم الصواب لان الله ابطل الاولين ولم يبطله. فدل على صحته. وهذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته. ولا يحصل بمعرفة عدده مصلحة للناس دينية ولا دنيوية. ولهذا قال تعالى وهم الذين اصابوا الصواب وعلموا اصابتهم. فلا تماري اي تجادل وتحاج فيهم الا مراءا ظاهرا اي مبنيا على العلم واليقين. ويكون ايضا فيه فائدة. واما المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب. او التي لا فائدة فيها. اما ان يكون الخصم معاندا او تكن المسألة لا اهمية فيها. ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها. كعدد اصحاب الكهف ونحو ذلك. فان في كثرة المناقشات والبحوث المتسلسلة تضييعا للزمان وتأثيرا في مودة القلوب بغير فائدة. ولا تستفتي فيهم اي في شأن اهل الكهف منهم اي من اهل الكتاب احدا. وذلك لان مبنى كلامهم فيهم على الرجم بالغيب والظن. الذي لا يغني من الحق شيئا. ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى اما لقصوره في الامر المستفتى فيه. او لكونه لا يبالي بما تكلم به. وليس عنده ورع يحجزه. واذا نهي عن استفتاء هذا الجنس فنهيه هو عن الفتوى من باب اولى واحرى. وفي الاية ايضا دليل على ان الشخص قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء دون اخر فيستفتى فيما هو اهل له بخلاف غيره. لان الله لم ينه عن استفتائه مطلقا. انما نهى عن استفتائهم في قصة اصحاب الكهف ما اشبهها واذكروا ربك اذا نسيت. وقل وقل عسى ان يهديني هذا النهي كغيره وان كان لسبب خاص وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم فان الخطاب عام للمكلفين فنهى الله ان يقول العبد في اموره المستقبلة اني فاعل ذلك من دون ان يقرنهم بمشيئة الله. وذلك لما فيه من المحظور وهو الكلام على ريب المستقبل الذي لا يدري هل يفعله ام لا؟ وهل يكون ام لا؟ وفيه رد الفعل الى مشيئة العبد استقلالا وذلك محظور محظور. لان الفئة كلها لله وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين. ولما في ذكر مشيئة الله من تيسير الامر وتسهيله. وحصول البركة فيه والاستعانة من العبد لربه ولما كان العبد بشرا لابد ان يسهو فيترك ذكر المشيئة امره الله ان يستثني بعد ذلك. اذا ذكر ليحصل المطلوب ويندفع المحظور ويؤخذ من عموم قوله واذكر ربك اذا نسيت. الامر بذكر الله عند النسيان. فانه يزيله ويذكر العبد ما سهى عنه كذلك يؤمر الساهي الناس لذكر الله ان يذكر ربه وليكونن من الغافلين. ولما كان العبد مفتقرا الى الله في توفيقه للاصابة وعدم في اقواله وافعاله امره الله ان يقول فامره ان يدعو الله ويرجوه ويثق به ان يهديه لاقرب الطرق الموصلة الى الرشد. وحري بعبد تكون هذه حاله. ثم يبذل جهده ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد ان يوفق لذلك وان تأتيه المعونة من ربه وان يسدده في جميع اموره في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا. قل الله اعلم بما لبثوا غيب السماوات والارض اوصل به واسمع ما لهم من دونه من لما نهاه الله عن استفتاء اهل الكتاب في شأن اهل الكهف لعدم علمهم بذلك وكان الله عالم الغيب والشهادة. العالم بكل شيء اخبره بمدة لبسهم. وان علم ذلك عنده وحده. فان انه من غيب السماوات والارض وغيبها مختص به. فما اخبر به عنها على السنة رسله. فهو الحق اليقين الذي لا يشك فيه. وما لا يطلع رسله عليه فان احدا من الخلق لا يعلمه. وقوله تعجب من كمال سمعه وبصره واحاطتهما المسموعات والمبصرات بعدما اخبر باحاطة علمه بالمعلومات. ثم اخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة. فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون الولي لعباده المؤمنين يخرجهم من الظلمات الى النور. وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى. ولهذا قال من دونه من ولي. ما لهم من دونه من ولي اي هو الذي تولى اصحاب الكهف بلطفه وكرمه ولم يكلهم الى احد من الخلق. وهذا يشمل الحكم الكوني القدري والحكم الشرعي الديني فانه الحاكم في خلقه قضاء وقدرا وخلقا وتدبيرا. والحاكم فيهم بامره ونهيه وثوابه وعقابه. ولما اخبر انه تعالى له السماوات والارض فليس لمخلوق اليها طريق الا من الطريق التي يخبر بها عباده وكان هذا القرآن قد اشتمل على كثير من الغيوب امر تعالى بالاقامة عليه فقال من دونه ملتحدا. التلاوة هي الاتباع. اي اتبع ما اوحى الله اليك بمعرفة معانيه وفهمها. وتصديق اخباره وامتثاله اوامره ونواهيه فانه الكتاب الجليل الذي لا مبدل لكلماته. اي لا تغير ولا تبدل. بصدقها وعدلها وبلوغها من الحسن فوق كل غاية وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. فلتمامها استحال عليها التغيير والتبديل. فلو كانت ناقصة لعرض لها ذلك او شيء منه في هذا تعظيم للقرآن في ضمنه الترغيب على الاقبال عليه. اي لن تجد من دون ربك ملجأ تلجأ اليه ولا معاذا تعوذ به. فاذا تعين انه وحده الملجأ في كل الامور. تعين ان يكون هو المألوه المعبود المرغوب اليه في السراء والضراء المفتقر اليه في جميع الاحوال المسؤولة في جميع المطالب قيمة الحياة الدنيا. ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا. يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. وغيره اسوته في الاوامر والنواهي. ان يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين. الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. اي اول النهار واخره يريدون بذلك وجه الله. فوصفهم بالعبادة والاخلاص فيها ففيها الامر بصحبة الاخيار ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وان كانوا فقراء فان في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى. ولا تعد عيناك عنهم اي لا تجاوزهم بصرك وترفع عنهم نظرك. تريد زينة الحياة الدنيا. فان هذا ضار غير نافع. قاطع عن المصالح الدينية. فان ذلك يجب تعلق القلب بالدنيا فتصير الافكار والهواجس فيها وتزول من القلب الرغبة في الاخرة. فان زينة الدنيا تروق للناظر وتسحر العقل فيغفل القلب عن ذكر الله ويقبل على اللذات والشهوات. فيضيع وقته وينفرط امره. فيخسر الخسارة الابدية والندامة السرمدية ولهذا قال ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امرا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا. غفل عن الله فعاقبه بان اغفله عن ذكره. واتبع هواه اي صار تبعا لهواه حيثما اشتهت نفسه فعله وسعى في ادراكه. ولو كان فيه هلاكه وخسرانه فهو قد اتخذ الهه هواه. كما قال الله قال افرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم. وكان امره اي مصلح دينه ودنياه فرطا اي ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته. لان طاعته تدعو الى الاقتداء به. ولانه لا يدعو الا لما وهو متصف به ودلت الاية على ان الذي ينبغي ان يطاع ويكون اماما للناس. من امتلأ قلبه بمحبة الله وفاض ذلك على لسانه. فلهج بذكر الله واتبع مراضي ربه فقدمها على هواه. فحفظ بذلك ما حفظ من وقته. وصلحت احواله واستقامت افعاله. ودعا الناس الى ما من الله به عليه تحقق بذلك ان يتبع ويجعل امام والصبر المذكور في هذه الاية هو الصبر على طاعة الله الذي هو اعلى انواع الصبر بتمامه تتم باقي الاقسام. وفي الاية استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار. لان الله مدحهم بفعله وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على ان الله يحبه. واذا كان يحبه فانه يأمر به ويرغب فيه. وقل الحق من ربكم فمن فليؤمنوا ومن شاء انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها ان يستغيثوا يغاثوا كالمهل يشوي الوجوه وان يستغيثوا يغاسوا بما ان كالمهل يشوي يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت اي قل للناس يا محمد هذا الحق من ربكم. اي قد تبين الهدى من الضلال والرشد من الغي. وصفات اهل السعادة وصفات اهل الشقاوة وذلك بما بينه الله على لسان رسوله. فاذا بان واتضح ولم يبق فيه شبهة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اي لم يبق الا سلوك احد الطريقين بحسب توفيق العبد وعدم توفيقه. وقد اعطاه الله مشيئة بها يقدر على الايمان والكفر. والخير والشر من امن فقد وفق للصواب ومن كفر فقد قامت عليه الحجة وليس بمكره على الايمان كما قال تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من وليس في قوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الاذن في كلا الامرين وانما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام كما ليس فيها ترك قتال الكافرين. ثم ذكر تعالى ما الفريقين فقال انا اعتدنا للظالمين بالكفر والفسوق والعصيان نارا احاط بهم سرادقها اي صورها المحيط بها. فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها. تصلاهم النار الحامية. وان يستغيثوا قاسوا بنا ان كالمهل يشوي الوجوه وان يستغيثوا ان يطلبوا الشراب ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد. يغاثوا بماء كالمهل اي كالرصاص المذاب او كعكر الزيت من شدة حرارته يشوي الوجوه اي فكيف بالامعاء والبطون؟ كما قال الله تعالى يصعب بهما في بطونهم والجلود ولهم مقامع الحديث بئس الشراب الذي يراد ليطفئ العطش ويدفع بعض العذاب فيكون زيادة في عذابهم وشدة عقابهم. وساءت النار اتفق وهذا ذم لحالة النار انها ساءت المحل الذي يرتفق به فانه ليس فيها ارتفاق وانما فيها العذاب العظيم الشاق الذي لا فتروا عنهم ساعة وهم فيه مبلسون. قد ايسوا من كل خير ونسيهم الرحيم في العذاب كما نسوه. ثم ذكر الفريق الثاني فقال احسن عملا. ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اي جمعوا بين الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. والقدر خيره وشره وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات واحسان العمل ان يريد العبد العمل لوجه الله. متبعا في ذلك شرع الله. فهذا العمل لا يضيعه الله ولا شيئا منه. بل يحفظه للعاملين ويوفيه من الاجر بحسب عملهم وفضله واحسانه. وذكر اجرهم بقوله اولئك لهم يحلون فيها ويلبسون ثيابا خضرا نعم الثواب وحسنت مرتفقا. اي اولئك الموصفون بالايمان والعمل الصالح. لهم والجنات العاليات التي قد كثرت اشجارها فاجنت من فيها وكثرت انهارها فصارت تجري من تحت تلك الاشجار الانيقة والمنازل الرفيعة حليتهم فيها الذهب ولباسهم فيها الحرير الاخضر من السندس وهو الغليظ من الديباج. والاستبرق وهو ما رق منه. متكئين فيها على الارائك من السرر المزينة المجملة بالثياب الفاخرة. فانها لا تسمى اريكة حتى تكون كذلك. وفي اتكائهم على الارائك ما يدل على كمال الراحة وزوال النصب والتعب. وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون. وتمام ذلك الخلود الدائم والاقامة الابدية. فهذه الدار الجليلة نعم الثواب للعاملين. وحسنت مرتفقا يرتفقون بها ويتمتعون بما فيها مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من الحمرة والسرور. والفرح الدائم واللذات المتواترة والنعم المتوافرة اي مرتفق احسن من دار ادنى اهلها يسير في ملكه ونعيمه وقصوره وبساتينه الفي سنة. ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم. قد اعطي جميع امانيه ومطالبه. وزيد من المطالب ما قصرت عنه الاماني. ومع ذلك فنعيمهم على الدوام متزايد في اوصافه وحسنه فنسأل الله الكريم الا يحرمنا خير ما عنده من الاحسان بشر ما عندنا من التقصير والعصيان. ودلت الاية الكريمة وما اشبهها على ان الحلية عامة للذكور والاناث. كما ورد في الاحاديث الصحيحة لانه اطلقها في قوله يحلون. وكذلك الحرير ونحوه. واضرب فجرنا خلالهما نهرا. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اضرب للناس مثل هذين الرجلين الشاكر الله والكافر لها وما صدر من كل منهما من الاقوال والافعال. وما حصل بسبب ذلك من العقاب الاجل والعاجل والثواب. ليعتبروا ويتعظ بما حصل عليهما. وليس معرفة اعيان الرجلين. وفي اي زمان او مكانهما فيه فائدة او نتيجة. فالنتيجة تحصل من قصتهم اما فقط والتعرض لما سوى ذلك من التكلف. فاحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة. جعل الله له جنتين. اي بستانين الحسنين من اعناب وحففناهما بنخل اي في هاتين الجنتين من كل الثمرات وخصوصا اشرف الاشجار العنب والنخل فالعنب في وسطها والنخل قد حف بذلك ودار به فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح التي تكمن بها الثمار وتنضج وتتجوهر ومع ذلك جعل بين تلك الاشجار زرعا فلم يبقى عليهما الا ان يقال كيف ثمار هاتين الجنتين وهل لهما ماء يكفيهما اخبر تعالى ان كلا من الجنتين اتت اكلها اي ثمرها وزرعها ضعفين اي متضاعفا. وانها لم تظلم منه شيئا. اي لم تنقص من لها ادنى شيء ومع ذلك فالانهار في جوانبهما سارحة كثيرة غزيرة وكان له اي لذلك الرجل ثمر اي عظيم كما يفيده التنكير. اي قد استكملت جنتاه ثمارهما. وارجحنت اشجارهما ولم تعرض لهما افة او نقص. فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث. ولهذا اغتر هذا الرجل بهما وتبجح وافتخر. ونسي اخرته ودخل اي فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن وهما تحاوران ان يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة مفتخرا عليه. انا اكثر منك مالا واعز نفرا. فخر بكثرة ما له وعزة من عبيد وخدم واقارب. وهذا جهل منه والا فاي افتخار بامر خارجي. ليس فيه فضيلة نفسية ولا صفة معنوية. وانما هو من منزلة فخر الصبي بالاماني التي لا حقائق تحتها ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه حتى حكم بجهله وظلمه وظن لما دخل فقال ما اظن ان تبيد اي تنقطع وتضمحل هذه ابدا فاطمئن الى هذه الدنيا ورضي بها وانكر البعث فقال منها منقلبات. وما اظن الساعة قائمة. ولان رددت الى ربي على ضرب المثل لاجدن خيرا منها منقلبا اي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين. وهذا لا يخلو من امرين. اما ان يكون عالما بحقيقة الحال. فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر الى كفره. واما ان يكون هذا ظنه في الحقيقة فيكون من اجهل الناس وابخسهم حظا من العقل. فاي تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الاخرة. حتى يظن بجهله ان من اعطي في الدنيا اعطي في الاخرة. بل الغالب ان الله تعالى يزوي الدنيا عن اوليائه واصفيائه. ويوسعها عليه الى اعدائه الذين ليس لهم في الاخرة نصيب. والظاهر انه يعلم حقيقة الحال. ولكنه قال هذا الكلام على وجه التهكم والاستهزاء. بدليل بقوله ودخل جنته وهو ظالم لنفسه. فاثبات ان وصفه الظلم في حال دخوله الذي جرى منه من القول ما جرى. يدل على تمرده قال له صاحبه وهو يحاوره اكثرت بالذي خلقك من تراب ثم من اي قال له صاحبه من ناصحا له ومذكرا له حاله الاولى التي اوجده الله فيها في الدنيا من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا فهو الذي انعم عليك بنعمة الايجاد والامداد وما وصل عليك النعم ونقلك من طور الى طور حتى سواك رجلا كامل الاعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة وبذلك تيسر لك الاسباب وهيأ لك ما هيأ من نعم الدنيا. فلم تحصل لك الدنيا بحولك وقوتك. بل بفضل الله تعالى عليك. فكيف يليق بك ان تكفر بالله الذي الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وتجحد نعمتك وتزعم انه لا يبعثك وان بعثك انه يعطيك خيرا من جنتك هذا ما لا ينبغي ولا يليق. ولهذا لما رأى صاحبه المؤمن حاله واستمراره على كفره وطغيانه. قال مخبرا عن نفسه على وجه الشكر لربه والاعلان في دينه عند ورود المجادلات والشبه لكنه والله ربي ولا اشرك بربي احدا. فاقر بربوبيته لربه وانفراده فيها والتزم طاعته وعبادته. وانه لا يشرك به احدا من المخلوقين. ثم اخبر ان نعمة الله عليه بالايمان والاسلام. ويوم مع قلة ماله وولده انها هي النعمة الحقيقية وان ما عداها معرض للزوال والعقوبة عليه والنكال فقال اي قال للكافر صاحبه المؤمن انت وان فخرت علي بكثرة مالك وولدك ورأيتني قل منك مالا وولدا. فان ما عند الله خير وابقى. ومن يرجى من خيره واحسانه. افضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون ويرسل عليها فتصبح صعيدا زلقا. فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنته ويرسل عليها اي على جنتك التي طغيت بها وغرتك حسبانا من السماء اي عذابا بمطر عظيم او غيره فتصبح بسبب ذلك صعيدا زلق اي قد اقتلعت اشجارها وتلفت ثمارها وغرق زرعها وزال نفعها او يصبح ماؤها الذي مادتها منه غورا اي غائرا في الارض فلن تستطيع له طلبا اي غائرا لا يستطاع الوصول اليه بالمعاول ولا بغيرها. وانما دعا على جنته المؤمن غضبا لربه. لكونها غرته واطمأن اليها لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في امره. فاستجاب الله دعاءه وهي خاوية. وهي خاوية على عروشها او يقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا. فاحيط بثمره اي اصابه عذاب احاط به واستهلكه. فلم ومنه شيء والاحاطة بالثمر يستلزم تلف جميع اشجاره وثمارها وزرعه. فندم كل الندامة واشتد لذلك اسفه تقلب كفيه على ما انفق فيها. اي على كثرة نفقاته الدنيوية عليها. حيث اضمحلت وتلاشت فلم يبق لها يا رب وندم ايضا على شركه وشره. ولهذا قال ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا. قال الله تعالى من دون الله وما كان منتصرا. اي لما نزل العذاب بجنته ذهب عنه ما كان يفتخر به من قوله لصاحبه انا اكثر منك مالا واعز نفرا. فلم يدفعوا عنه من هذا العذاب شيئا. اشد ما كان اليهم حاجة. وما كان بنفسه منتصرا. وكيف ينتصر اي كيف يكون له انصار على قضاء الله وقدره الذي اذا امضاه وقدره. لو اجتمع اهل السماء والارض على ازالة شيء منه لم يقدروا ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه ان صاحب هذه الجنة التي احيط بها تحسنت حاله ورزقه الله الانابة اليه وراجع رشده وذهب تمرده وطغيانه. بدليل انه اظهر الندم على شركه بربه. وان الله اذهب عنه ما يطغيه. وعاقبه في الدنيا. واذا اراد الله بعبد خيرا عبد له العقوبة في الدنيا. وفضل الله لا تحيط به الاوهام والعقول. ولا ينكره الا ظالم جهول اي في تلك الحال التي اجرى الله فيها العقوبة على من طغى واثر الحياة الدنيا والكرامة لمن امن وعمل صالحا وشكر الله ودعا غيره لذلك. تبين وتوضح ان الولاية لله الحق. فمن كان مؤمنا به تقيا كان له وليا فاكرمه بانواع الكرامات ودفع عنه الشرور والمثلات. ومن لم يؤمن بربه ويتولاه خسر دينه ودنياه فثوابه الدنيوي والاخروي خير ثواب يرجى ويؤمل. ففي هذه القصة العظيمة اعتبار بحال الذي انعم الله عليه نعم دنيوية. فالهته وعن اخرته واطرته وعصى الله فيها ان مآلها الانقطاع والاطمحلال. وانه وان تمتع بها قليلا فانه يحرمها طويلا. وان ينبغي له اذا اعجبه شيء من ماله او ولده ان يضيف النعمة الى موليها ومصديها وان يقول ما شاء الله لا قوة الا بالله ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه. لقوله ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله. وفيها الارشاد الى التسلل عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير. لقوله ان تراني انا اقل منك مالا وولدا. فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك فيها ان المال والولد لا ينفعان ان لم يعينا على طاعة الله. كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى. الا امن امن وعمل صالحا وفيه الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه. خصوصا ان فضل نفسه بسببه على المؤمنين وفخر عليهم وفيها ان ولاية الله وعدمها انما تتضح نتيجتها اذا انجلى الغبار حق الجزاء. ووجد العاملون اجرهم. فهنالك اية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبى. اي عاقبة ومآلا كما ان انزلناه من السماء كما ان انزلناه من السماء وكان الله على كل شيء مقتدرا. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اصلا. ولمن قام بعده تبعا اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور ويعرف ظاهرها وباطنها فيقيس بينها وبين الدار الباقية ووجدوا ما عملوا حاضرا لا يقدرون على انكاره. ولا يظلم ربك احدا. فحينئذ يجازون بها ويقررون بها ويخزون. ويحق وعليهم العذاب ذلك بما قدمت ايديهم وان الله ليس بظلام للعبيد. بل هم غير خارجين عن عدله وفضله. واذ قلنا ويؤثر ايهما اولى بالايثار وان مثل هذه الحياة الدنيا كمثل المطر ينزل على الارض فيختلط نباتها تنبت من كل زوج بهيج فبين وزخرفها تسر الناظرين وتفرح المتفرجين. وتأخذ بعيون الغافلين. اذ اصبحت هشيما تذروه الرياح. فذهب ذلك النبات الناظر الزهم الزاهر والمنظر البهي فاصبحت الارض غبراء ترابا قد انحرف عنها النظر وصدف عنها البصر واوحشت القلب كذلك هذه الدنيا بينما صاحبها قد اعجب بشبابه وفاق فيها على اقرانه واترابه. وحصل درهمها ودينارها واقتطف من لذته ازهارها. وخاض وفي الشهوات في جميع اوقاته وظن انه لا يزال فيها سائر ايامه. اذ اصابه الموت او التلف لماله فذهب عنه سروره. وزالت لذته وحبوره واستوحش قلبه من الالام وفارق شبابه وقوته وماله. وانفرد بصالح او سيء اعماله. هنالك يعض الظالم على يديه حين اعلم حقيقة ما هو عليه. ويتمنى العودة الى الدنيا لا ليستكمل الشهوات. بل ليستدرك ما فرط منه من الغفلات. بالتوبة والاعمال الصالحات. فالعالم الحازم الموفق يعرض على نفسه هذه الحالة. ويقول لنفسه قدري انك قد مت ولابد ان تموتي. فاي الحالتين تختارين الاغترار بزخرف هذه الدار والتمتع بها كتمتع الانعام السارحة. ام العمل لدار اكلها دائم وظلها؟ وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذذ الاعين فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه وربحه من خسرانه. المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير ولهذا اخبر تعالى ان المال والبنين زينة الحياة الدنيا. اليس وراء ذلك شيء؟ وان الذي يبقى للانسان ويسره الباقيات الصالحات وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده من صلاة وزكاة وصدقة وحج عمرة وتسبيح وتحميد وتهليل وتكبير وقراءة وطلب علم نافع وامر بمعروف ونهي عن منكر وصلة رحم وبر والدين يامن بحق الزوجات والمماليك والبهائم وجميع وجوه الاحسان الى الخلق. كل هذا من الباقيات الصالحات. فهذه خير عند الله ثوابا وخير املا فثوابها يبقى ويتضاعف على الاباد ويؤمن اجرها وبرها ونفعها عند الحاجة. فهذه التي ينبغي ان يتنافس بها المتنافسون ويستبقها واليها العاملون ويجد في تحصيلها المجتهدون. وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها. ذكر ان الذي فيها نوعان نوع من يتمتع به قليلا ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه. بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون. ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام وهي الباقيات الصالحات فلم نغادر منهم احدا واعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من المقلقة والشدائد المزعجة فقال ويوم نسير الجبال اي يزيلها عن اماكنها يجعلها كثيبا ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم محل تتلاشى وتكون هباء منثورا وتبرز الارض فتصير قاعا صفصفا لا عوج فيه ولا امتى. ويحشر الله جميع الخلق على تلك الارض فلا يغادر منهم احدا بل يجمع الاولين والاخرين من بطون الفلوات وقعور البحار ويجمعهم بعدما تفرقوا ويعيدهم بعدما تمزقوا خلقا جديدا فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في اعمالهم ويحكم فيهم بحكمه العدل. الذي لا جور فيه ولا ظلم. ويقول لهم لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة. اي بلا مال ولا اهل ولا عشيرة. ما معهم الا الاعمال التي عملوها والمكاسب في الخير والشر التي كسبوها. كما قال الله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء. وقال هنا مخاطبا للمنكرين للبعث. وقد شاهدوه على ايانا بل زعمتم ان لن نجعل لكم موعدا اي انكرتم الجزاء على الاعمال ووعد الله بعيدة فها قد رأيتموه وذوقتموه فحينئذ تحظر كتب الاعمال التي كتبتها الملائكة الكرام. فتطير لها القلوب وتعظم من وقعها الكروب. وتكاد لها الصم الصلة ابو تذوب ويشفق منها المجرمون. فاذا رأوها مسطرة عليهم اعمالهم. محصن عليهم اقوالهم وافعالهم. قالوا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة لا يغادر صغيرة ولا اي لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة الا وهي مكتوبة فيه محفوظة لم ينسى منها عمله سر ولا علانية ولا ليل ولا نهار الملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس كان من كان من الجن يخبر تعالى عن عداوة ابليس لادم وذريته وان الله امر الملائكة بالسجود ادم اكراما وتعظيما وامتثالا لامر الله. فامتثلوا ذلك الا ابليس كان من الجن. ففسق عن امر ربه. وقال ااسجد لمن خلقت طينا وقال انا خير منه. فتبين بهذا عداوته لله ولابيكم ولكم. فكيف تتخذونه وذريته؟ اي الشياطين اولياء امن دوني وهم لكم عدو. اي بئس ما اختاروا لانفسهم من ولاية الشيطان. الذي لا يأمرهم الا الفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن. الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته. وفي هذه الاية الحث على اتخاذ الشيطان عدوا. والاغراء بذلك وذكر السبب الموجب لذلك. وانه لا يفعل ذلك الا ظالم. واي ظلم اعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا. وترك الولي الحميد قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات. وقال تعالى انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله يقول تعالى ما اشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم. اي ما احضرتهم ذلك ولا شاورتهم عليه. فكيف يكونون خالقين شيء من ذلك بل المنفرد بالخلق والتدبير والحكمة والتقدير هو الله خالق الاشياء كلها. المتصرف فيها بحكمته. فكيف يجعل له شركاء من الشياطين يوالون ويطاعون كما يطاع الله وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا ولم يعاونوا الله تعالى. ولهذا قال وما كنت متخذ المضلين عضدا اي معاونين. مظاهرين الله على شأن من الشؤون. اي ما ينبغي ولا يليق بالله ان يجعل لهم قسطا من التدبير انهم ساعون في اظلال الخلق والعداوة لربهم. فاللائق ان يقصيهم ولا يدنيهم. ولما ذكر حال من اشرك به في الدنيا وابطل هذا الشرك غاية الابطال وحكم بجهل صاحبه وسفهه اخبر عن حاله مع شركائهم يوم القيامة فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم وان الله يقول لهم نادوا شركائي بزعمكم اي على موجب زعمكم الفاسد والا فبالحقيقة ليس لله بكم في الارض ولا في السماء. اي نادوهم لينفعوكم ويخلصوكم من الشدائد. فدعوهم فلم يستجيبوا لهم. لان الحكم والمنكر يومئذ لله لا احد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره. وجعلنا بينهم اي بين المشركين وشركائهم. موبقا اي مهلكا يفرق بين بينهم وبينهم ويبعد بعضهم من بعض. ويتبين حينئذ عداوة الشركاء لشركائهم. وكفرهم بهم وتبريهم منهم. كما قال الله تعالى قال واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين اي لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل وتميز كل فريق من الخلق باعمالهم وحقت كلمة العذاب على المجرمين فرأوا جهنم قبل دخولها فانزعجوا واشتد قلقهم لظنه انهم مواقعوها وهذا الظن قال المفسرون انه بمعنى اليقين. فايقنوا انهم داخلوها ولم يجدوا عنها مصرفا. اي معدلا اليه ولا شافع لهم من دون اذنه. وفي هذا من التخويف والترهيب ما ترعد له الافئدة والقلوب يخبر الله تعالى عن معظمة القرآن وجلالته وعمومه وانه صرف فيه من كل مثل اي من كل طريق موصل الى العلوم النافعة والسعادة الابدية وكل طريق يعصم من السر والهلاك. ففيه امثال الحلال والحرام. وجزاء الاعمال والتغيب والترهيب. والاخبار الصادقة النافعة للقلوب اعتقادا وطمأنينة ونورا وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن. وتلقيهم بالانقياد والطاعة وعدم المنازعة لهم في امر من الامور. ومع ذلك كان كثير من الناس يجادلون هنا في الحق بعد ما تبين ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق. ولهذا قال اه اي مجادلة ومنازعة فيه مع ان ذلك غير لائق بهم ولا عدل منهم والذي اوجب له ذلك وعدم الايمان بالله انما هو الظلم عناد لا لقصور في بيانه وحجته وبرهانه. والا فلو جاءهم العذاب وجاءهم ما جاء قبلهم. لم تكن هذه حالهم. ولهذا قال وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى. اذ جاءهم الهدى ويستغفرون اي ما منع الناس من الايمان قالوا ان الهدى الذي يحصل به الفرق بين الهدى والضلال والحق والباطل. قد وصل اليهم وقامت عليهم حجة الله. فلم يمنعهم عدم البيان. بل منعهم فوجد فيها جدارا يريد ان ينقض. اي قد عاب واستهدم فاقامه الخضر. اي بناه واعاده جديدا. فقال له موسى قال لو شئت لاتخذت عليه اجرا. اي اهل هذه القرية لم يضيفون مع وجوب ذلك عليهم. وانت تبنيه من دون اجرة. وانت الظلم والعدوان عن الايمان. فلم يبق الا ان تأتيهم سنة الله وعادته في الاولين. من انهم اذا لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب. او يرون العذاب قد اقبل ورأوه مقابلة ومعاينة. اي فليخافوا من ذلك وليتوبوا من كفرهم. قبل ان يكون العذاب الذي لا مرد له. وما نرسل اي لم نرسل الرسل عبثا ولا ليتخذهم الناس اربابا ولا ليدعوا الى انفسهم بل ارسلناهم يدعون الناس الى كل خير وينهون عن كل شر. ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والاجل. وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب بالعاجل والاجل فقامت بذلك حجة الله على العباد. ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون الا المجادلة بالباطل. ليدحضوا به الحق فسعوا في في نصر الباطن مهما امكنهم. وفي دحض الحق وابطاله واستهزأوا برسول الله واياته. وفرحوا بما عندهم من العلم. ويأبى الله الا ان يتم نوره لو كره الكافرون ويظهر الحق على الباطل. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه. فاذا هو زاهق. ومن حكمة الله ورحمته ان تقييدهم المجادلين الحق بالباطل من اعظم الاسباب الى وضوح الحق وتبين شواهده وادلته. وتبين الباطل وفساده. فبضدها تتبين الاشياء ومن اظلم ممن ذكر بايات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه اه يخبر تعالى انه لا اعظم ظلما ولا اكبر جرما من عبد ذكر بايات الله لو بين له الحق من الباطل والهدى من الضلال. وخوف ورهب ورغب. فاعرض عنها فلم يتذكر بما ذكر به. ولم يرجع عما كان عليه. ونسي فيما قدمت يداه من الذنوب ولم يراقب علام الغيوب. فهذا اعظم ظلما من المعرض الذي لم تأتيه ايات الله ولم يذكر بها. وان كان ظالما فانه هو اخف ظلما من هذا لكون العاصي على بصيرة وعلم اعظم ممن ليس كذلك. ولكن الله تعالى عاقبه بسبب اعراضه عن اياته. ونسيانه لذنوبه ورضاه لنفسه حالة الشر مع علمه بها ان سد عليه ابواب الهداية بان جعل على قلبه اكنة اي اغطية محكمة تمنعه ان يفقه الايات وان سمعتها فليس في امكانها الفقه الذي يصل الى القلب. وفي اذانهم واقرأ اي صم من يمنعهم من وصول الايات. ومن سماعها على وجه الانتفاع وفقههم وراجعهم وراجعوه. فاشتكوا اليهم ضرر يأجوج ومأجوج. وهما امتان عظيمتان من بني ادم. فقالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك فرجا؟ فهل نجعل لك واذا كانوا بهذه الحالة فليس لهدايتهم سبيل. لان الذي يرجى ان يجيب الداعي للهدى من ليس عالما. واما هؤلاء الذين ابصروا ثم عموا. ورأوا طريق الحق حقا فتركوه. وطريق الضلال ضلالا فسلكوه عاقبهم الله باقفال القلوب والطبع عليها. فليس في هدايتهم حيلة ولا طريق. وفي هذه الاية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه. ان يحال بينهم ولا يتمكن منه بعد ذلك ما هو اعظم مرهب وزاجر عن ذلك ثم اخبر تعالى عن سعة مغفرته ورحمته. وانه يغفر الذنوب ويتوب الله على من يتوب. فيتغمده برحمته ويشمله باحسانه. وانه لو اخذ العباد على ما ايديهم من الذنوب لعجل لهم العذاب. ولكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة. بل يمهل ولا يهمل. والذنوب لا بد من وقوع اثارها وان تأخر عنها مدة طويلة ولهذا قال اي لهم اعيد يجازون فيه باعمالهم ولابد لهم منه ولمندوحة لهم عنه ولا ملجأ ولا محيد عنه وهذه سنته في الاولين والاخرين الا يعادلهم بالعقاب بل تدعيهم الى التوبة والانابة. فان تابوا وانابوا غفر لهم ورحمهم وازال عنهم العقاب. والا فان استمروا على ظلمهم وعنادهم. وجاء الوقت الذي موعدا لهم انزل بهم بأسه. ولهذا قال وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا. اي بظلمهم لا بظلم منا. وجعلنا لمهلك موعدا اي وقتا مقدرا لا يتقدمون عنه ولا يتأخرون يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام وشدة رغبته في الخير وطلب العلم انه قال لفتاة اي خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره. وهو يوشع ابن نون الذي نبأه الله بعد ذلك. لا امرح حتى ابلغ مجمع البحرين. اي لا ازال مسافرا وان طالت علي الشقة ولحقتني المشقة حتى اصل الى مجمع البحرين. وهو المكان الذي اوحي اليه انك ستجد فيه عبدا من عباد الله عنده من العلم ما ليس عندك او امضي حقبا اي مسافة طويلة. المعنى ان الشوق والرغبة حمل موسى ان قال لفتاه هذه قال وهذا عزم منه جازم فلذلك امضاه وفي البحر سربا. فلما بلغ اي هو وفتاه مجمع البحرين نسي حوتهما. وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكل وقد وعد انه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي قصدته؟ فاتخذ ذلك الحوت سبيلا اي طريقه في البحر سربا وهذا من الايات قال المفسرون ان ذلك الحوت الذي كان يتزودان منه لما وصلا الى ذلك المكان اصابه بلل البحر فانسرب باذن الله في البحر صار مع حيواناته حيا فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين قال موسى لفتاه اتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا ان هذا نصبا. اي لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط. والا فالسفر الطويل الذي وصل به الى مجمع البحرين. لم يجدا مس التعب فيه. وهذا من ايات والعلامات الدالة لموسى على وجود مطلبه. وايضا فان الشوق المتعلق بالوصول الى ذلك المكان سهل لهما الطريق. فلما تجاوزا غايتهما وجدا التعب فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا قال له فتاة ارأيت اذ اوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت اي الم تعلم حين او ان الليل الى تلك الصخرة المعروفة بينهما فاني نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان. لانه السبب في ذلك. واتخذ سبيله في البحر عجبا. اي لما انصرم في البحر ودخل فيه كان ذلك من العجائب. قال المفسرون كان ذلك المسلك للحوت سربا. ولموسى وفتاه عجبا. فلما قال له الفتى هذا القول وكان عند موسى وعد من الله انه اذا فقد الحوت وجد الخضر. فقال موسى. اي نطلب اي رجع على اثارهما قصصا. اي رجعا يقصان اثرهما الى المكان الذي نسي فيه الحوت فلما وصلا اليه وجد عبدا من عبادنا وهو الخضر. وكان عبدا صالحا لا نبي على الصحيح. اتيناه رحمة من عند اي اعطاه الله رحمة خاصة بها زاد علمه وحسن عمله وعلمناه من لدنا اي من عند نعيم وكان قد اعطي من العلم ما لم وموسى وان كان موسى عليه السلام اعلم منه باكثر الاشياء وخصوصا في العلوم الايمانية والاصولية. لانه من اولي العزم من المرسلين. الذين فضلهم الله الله على سائر الخلق بالعلم والعمل وغير ذلك. فلما اجتمع به موسى قال له على وجه الادب والمشاورة والاخبار عن مطلبه اي هل اتبعك على ان تعلمني مما علمك الله ما به ارشد واهتدي واعرف به الحق في تلك القضايا. وكان الخضير قد اعطاه الله من الالهام والكرامة. ما به يحصل الاطلاع على بواطن كثير من الاشياء التي حتى على موسى عليه السلام. فقال الخضر لموسى لا امتنع من ذلك ولكنك لن تستطيع معي صبرا. اي لا تقدر على اتباع لانك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الامور التي ظاهرها المنكر وباطنها غير ذلك. ولهذا قال على ما لم تحيط به خبرا. اي كيف تصبر على امر ما احطت بباطنه وظاهره؟ وعلمت المقصود منه ومآله. فقال موسى قال ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا. وهذا عزم منه قبل ان يوجد الشيء الممتحن به. والعزم شيء ووجود الصبر شيء اخر اخر فلذلك ما صبر موسى عليه السلام حين وقع الامر. فحينئذ قال له الخضر اي لا تبتدئني بسؤال منك وانكار حتى اكون انا الذي اخبرك بحاله وفي الوقت الذي ينبغي اخبارك به فنهاه عن سؤاله ووعده ان يوقفه على حقيقة الامر وكنا في السفينة خرقها قال اخرقتها لتغرق اهلها؟ لقد جئت شيئا امرا. فانطلقا حتى اذا ركب في السفينة خرقها اي اقتلع الخضر منها لوحا. وكان له مقصود في ذلك سيبينه. فلم يصبر موسى عليه السلام لان ظاهره انه منكر. لانه هو عيب للسفينة وسبب لغرق اهلها. ولهذا قال موسى لقد جئت شيئا امرأة اي عظيما شنيعا. وهذا من عدم صبره عليه السلام. فقال له الخضر اي فوقع كما اخبرتك وكان هذا من موسى نسيانا فقال ولا ترهقني من امري عسرا. اي لا تعسر علي الامر واسمح لي. فان ذلك وقع على وجه النسيان. فلا تؤاخذني في اول مرة. فجمع ما بين الاقرار به والعذر منه. وانه ما ينبغي لك ايها الخضر الشدة على صاحبك. فسمح عنه الخضير انطلق حتى اذا لقي غلاما اي صغيرا فقتله الخضر فاشتد بموسى الغضب واخذته الحمية الدينية حين قتل غلاما صغيرا لم يذنب واي نكر مثل قتل الصغير الذي ليس عليه ذنب ولم يقتل احدا وكانت الاولى من موسى نسيانا وهذه غير نسيان. فقال له الخضر معاتبا ومذكرا انك لن تستطيع معي صبرا. فقال له موسى بعدها ان سألت بعد هذه المرة فلا تصاحبني. اي فانت معذور بذلك. وبترك صحبتي قد بلغت من لدني عذرا اي اعذرت مني ولم تقصر قال فلو شئت لاتخذت عليه اجرا. فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها اي استضافاهم فلم يضيفوهما ولا موضع للصحبة سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. اي ساخبرك بما انكرت علي وانبئك بمالي في ذلك من المآرب. وما تؤول اليه الامر اما السفينة التي خرقتها فكانت لمساكين يعملون في البحر. يقتضي ذلك عليهم والرأفة بهم. فاردت ان اعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا. اي كان مرورهم على ذلك الملك الظالم فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها واخذها ظلما. فاردت ان اخرقها ليكون فيها عيب. فتسلم من ذلك الظالم اما الغلام فكان ابواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا. واما الغلام الذي قتلته فكان ابواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا. وكان ذلك الغلام قد قدر عليه انه لو بلغ لارهق ابويه طغيانا وكفرا اي لحملهما على الطغيان والكفر اما لاجل محبتهما اياه او للحاجة اليه او يحدهما على ذلك. اي فقتلته لاطلاع على كذلك سلامة لدين ابويه المؤمنين. واي فائدة اعظم من هذه الفائدة الجليلة؟ وهو ان كان فيه اساءة اليهما وقطع لذريتهما ان الله تعالى سيعطيها من الذرية ما هو خير منه. ولهذا قال اي ولدا صالحا زكيا واصلا لرحمه. فان الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما اشد العقوق به حملهما على الكفر والطغيان ويستخرجا كنزهما رحمة واما الجدار الذي اقمته كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما. وكان ابوهما صالحا. اي حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما. لكونهما صغيرين عدما اباهما وحفظهما الله ايضا بصلاح والدهما انزغوا ما رحمة من ربك وما فعلته عن امري. فاراد ربك ان يبلغ اشدهما ويستخرجا كنزهما. اي اذا هدمت الجدار واستخرجت ما تحته من كنزهما واعدته مجانا. رحمة من ربك اي هذا الذي فعلته رحمة من الله اتاه الله له الخضر وما فعلته عن امري. اي اتيت شيئا من قبل نفسي ومجرد ارادتي. وانما ذلك من رحمة الله وامره ما لم تسطع عليه صبرا. ذلك الذي فسرته لك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. وفي هذه القصة العجيبة الجليلة من الفوائد والاحكام والقواعد شيء كثير. ننبه على بعضه بعون الله. فمنها فضيلة العلم والرحلة في طلبه. وانه اهم الامور ان موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة ولقي النصب في طلبه وترك القعود عند بني اسرائيل لتعليمهم وارشادهم واختار السفر لزيادة العلم على ذلك ومنها البداءة بالاهم فالاهم فان زيادة العلم وعلم الانسان اهم من ترك ذلك. والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم والجمع بين الامرين اكمل. ومنها جواز اخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤونة وطلب الراحة كما فعل موسى. ومنها ان سافر لطلب علم او جهاد او نحوه اذا اقتضت المصلحة الاخبار بمطلبه واين يريده فانه اكمل من كتمه فان في اظهاره فوائد من الاستعداد له عدته واتيان الامر على بصيرة واظهارا لشرف هذه العبادة الجليلة. كما قال موسى لا امرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا وكما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه حين غزا تبوك. بوجهه مع ان عادته التورية وذلك تبع للمصلحة. ومنها اضافة واسبابه الى الشيطان على وجه التسويل والتزيين. وان كان الكل بقضاء الله وقدره. لقول فتى موسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره ومنها جواز اخبار الانسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس من نصب او جوع او عطش اذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا لقول موسى لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ومنها استحباب كون خادم الانسان ذكيا فطنا كيسا. ليتم له امره الذي يريده. ومنها استحباب اطعام الانسان خادمه من مأكله واكلهما جميعا. لان ظاهر قوله اتنا غدائنا اضافة الى الجميع. انه اكل لو هو وهو جميعا. ومنها ان المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به. وان الموافق لامر الله يعان ما لا يعان غيره. لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. والاشارة الى السفر المجاوز لمجمع البحرين. واما الاول فلم يشتكي منه التعب مع طوله. لانه هو السفر على الحقيقة واما الاخير فالظاهر انه بعض يوم لانهم فقدوا الحوت حين او الى الصخرة. فالظاهر انهم باتوا عندها ثم ساروا من الغد حتى اذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه اتنا غداءنا. فحينئذ تذكر انه نسيه في الموضع الذي اليه منتهى قصده. ومنها ان ذلك العبد الذي لقيه ليس نبيا بل عبدا صالحا لانه وصفهم بالعبودية وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم. ولم يذكر رسالته ولا قوته ولو كان نبيا لذكر ذلك كما ذكر غيره. واما قوله في اخر القصة وما فعلته عن امري فانه لا يدل على انه نبي انما يدل على الالهام والتحديث كما يكون لغير الانبياء. كما قال الله تعالى واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه. واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من من جبال بيوتا ومنها ان العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان. علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده. ونوع علم لدني يهبه الله لمن يمن عليه من عباده بقوله وعلمناه من لدنا علما. ومنها التأدب مع المعلم وخطاب المتعلم اياه الطف خطاب لقول موسى عليه السلام هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟ فاخرج الكلام بسورة الملاطفة والمشاورة وانك هل تأذن لي في ذلك املأ واقراره بانه يتعلم منه بخلاف ما عليه اهل الجفاء او الكبر. الذي لا يظهر للمعلم افتقاره الى علمه. بل يدعي انه يتعاون هو واياه بل ربما ظن انه يعلم معلمه وهو جاهل جدا. فالذل للمعلم واظهار الحاجة الى تعليمه. من انفع شيء للمتعلم ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه. فان موسى بلا شك افضل من الخضر. ومنها تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم ممن مهر فيه وان كان دونه في العلم بدرجات كثيرة فان موسى عليه السلام من اولي العزم من المرسلين الذين منحهم الله واعطاهم من علم ما لم يعط سواهم. ولكن في هذا العلم خاص كان عند الخضر ما ليس عنده. فلهذا حرص على التعلم منه. فعلى هذا لا ينبغي للفقيه المحدث اذا كان قاصرا في علم النحو او الصرف او نحوه من العلوم الا يتعلمه ممن مهر فيه وان لم يكن محدثا ولا فقيها. ومنها اضافة في العلم وغيره من الفضائل لله تعالى والاقرار بذلك. اشكر الله عليها لقوله تعلمني مما علمت. اي مما علمك الله تعالى ومنها ان العلم النافع هو العلم المرشد الى الخير. فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير. وتحذير عن طريق الشر او وسيلة لذلك فانه من العلم النافع وما سوى ذلك فاما ان يكون ضارا او ليس فيه فائدة. لقوله ان تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم وحسن الثبات على ذلك انه يفوته بحسب عدم صدره كثير من العلم. ومن استعمل الصبر ادرك به كل امر سعى فيه. لقول الخضر يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى من الاخذ عنه. انه لا يصبر معه. ومنها ان السبب بل كبيرة لحصول الصبر. احاطة الانسان علما وخبرة بذلك الامر الذي امر بالصبر عليه. والا فالذي لا يدريه او لا يدري غايته ولا نتيجته. ولا فائدة وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟ فجعل الموجب لعدم صبره عدم احاطته خبرة الامر ومنها الامر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة الى الحكم على الشيء. حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود. ومنها تعليق الامور المستقبلة التي من افعال العباد بالمشيئة والا يقول الانسان للشيء اني فاعل ذلك في المستقبل الا ان يقول ان شاء الله ومنها ان العزم على فعل الشيء ليس بمنزلة فعله. فان موسى قال ستجدني ان شاء الله صابرا. فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل. ومنها ان المعلم اذا رأى المصلحة في ازاعه للمتعلم ان يترك الابتداء في السؤال عن بعض الاشياء. حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها. فان المصلحة اتبع كما اذا كان فهمه قاصرا او نهاه عن الدقيق في سؤال الاشياء التي غيرها اهم منها او لا يدركها ذهنه او يسأل سؤالا لا يتعلق وفي موضوع البحث ومنها جواز ركوب البحر في غير الحالة التي يخاف منها. ومنها ان الناس غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله ولا في حقوق العباد لقوله لا تؤاخذني بما نسيت. ومنها انه ينبغي للانسان ان يأخذ من اخلاق الناس ومعاملاتهم. العفو منها وما سمحت به انفسهم ولا ينبغي له ان يكلفهم ما لا يطيقون. او يشق عليهم ويرهقهم. فان هذا مدعاة الى النفور منه والسآمة. بل يأخذ يسر ليتيسر له الامر. ومنها ان الامور تجري احكامها على ظاهرها. وتعلق بها الاحكام الدنيوية في الاموال والدماء وغيرها. فان عليه السلام انكر على الخضر خرقه السفينة وقتل الغلام وان هذه الامور ظاهرها انها من المنكر وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنه في غير هذه الحالة التي صحب عليها الخضر. فاستعجل عليه السلام وبادر الى الحكم في حالتها العامة. ولم يلتفت الى هذا العارض الذي يوجب عليه الصبر وعدم المبادرة الى الانكار. ومنها القاعدة الكبيرة الجليلة وهو انه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير. ويراعي اكبر المصلحة بتفويت ادناهما فان قتل الغلام شر. ولكن بقاءه حتى يفتن ابويه عن دينهما اعظم شرا منه. وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته وان كان يظن انه خير فالخير ببقاء دين ابويه وايمانهما خير من ذلك. فلذلك قتله الخضر وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد ما لا ايدخل تحت الحصر فتزاحم المصالح والمفاسد كلها داخل في هذا. ومنها القاعدة الكبيرة ايضا وهي ان عمل الانسان في مال غيره اذا كان على وجه المصلحة وازالة المفسدة انه يجوز ولو بلا اذن حتى ولو ترتب على عمله ائتلاف بعض مال الغير كما خلق الخضر السفينة سعيد فتسلم من غصب الملك الظالم فعلى هذا لو وقع حرق او غرق او نحوهما في دار انسان او ماله وكان اتلاف بعض المال او هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي جاز للانسان بل شرع له ذلك حفظا لمال الغير. وكذلك لو اراد ظالم اخذ مال الغير ودفع اليه بعض المال افتداء للباقي جاز ولو من غير اذن. ومنها ان العمل يجوز في البحر كما يجوز في البر لقوله يعملون في البحر ولم ينكر عليهم عملهم. ومنها ان المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته. ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة. لان الله اخبر ان هؤلاء مساكين لهم سفينة. ومنها ان القتل من اكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام. لقد جئت شيئا نكرا. ومنها ان القتل غير منكر لقوله بغير نفس. ومنها ان العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي ذريته. ومنها ان خدمة الصالحين او من يتعلق بهم افضل من غيرها. لانه علل استخراج كنزهما واقامة جدارهما. ان اباهما صالح. ومنها اعمال الادب مع الله تعالى في الالفاظ. فان الخضر اضاف عيب السفينة الى نفسه بقوله فاردت ان اعيبها واما الخير فاضافه الى الله تعالى لقوله فاراد ربك ان يبلغ اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك. كما قال ابراهيم عليه السلام واذا مرضت فهو يشفين وقالت الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا. مع ان كل بقضاء الله وقدره. ومنها انه ينبغي للصاحب الا يفارق صاحبه في حالة من الاحوال. ويترك صحبته حتى يعتبه ويعذر منه. كما فعل الخضر مع موسى. ومنها ان موافقة الصاحب لصاحبه في غير الامور المحظورة مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها. كما ان عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة ومنها ان هذه القضايا التي اجراها الخضر هي قدر محض. اجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح. ليستدل العباد بذلك على الطافه في وانه يقدر على العبد امورا يكرهها جدا وهي صلاح دينه. كما في قضية الغلام او وهي صلاح دنيا كما في قضية السفينة فاراهم نموذجا من لطفه وكرمه ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا باقداره المكروهة كان اهل الكتاب او المشركون سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين فامر الله ان يقول سأتلو عليكم منه ذكرا. فيه نبأ مفيد وخطاب عجيب. اي ساتلوا عليكم من احواله ما يتذكر فيه. ويكون عبرة فان ما سوى ذلك من احواله فلم يتلوه عليهم. انا مكنا له في الارض واتيناه من كل شيء سبب انا مكنا له في الارض اي ملكه الله تعالى ومكنه من النفوذ في اقطار الارض وانقيادهم واتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا. اي اعطاه الله من الاسباب الموصلة له لما وصل اليه. ما به يستعين على قهر البلدان الوصول الى اقاصي العمران. وعمل بتلك الاسباب التي اعطاه الله اياها. اي استعملها على وجهها. فليس كل من عنده شيء من الاسباب يسلكه كل احد يكون قادرا على السبب. فاذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به. حصل المقصود. وان عدم او احدهما لم يحصل هذه الاسباب التي اعطاه الله اياها لم يخبرنا الله ولا رسوله بها. ولم تتناقلها الاخبار على وجه يفيد العلم. فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للاسرائيليات ونحوها. ولكننا نعلم بالجملة انها اسباب قوية كثيرة داخلية وخارجية. بها قال له جند عظيم ذو عدد وعدد ونظام. وبه تمكن من قهر الاعداء ومن تسهيل الوصول الى مشارق الارض ومغاربها وانحائها ابلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمأة. فاعطاه الله ما بلغ به مغرب الشمس. حتى رأى الشمس في مرأى العين. كأنها اتغرب في عين حمئة اي سوداء وهذا المعتاد لمن كان بينه وبين افق الشمس الغربي ماء رآها تغرب في نفس الماء. وان كانت في غاية الارتفاع ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم ووجد عندها اي عند مغربها قوما. قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا. اي اما ان تعذبهم قتل او ضرب او اسر ونحوه. واما ان تحسن اليهم فخير بين الامرين. لان الظاهر انهم اما كفار او فساق او فيهم شيء من ذلك. لانهم لو كانوا مؤمنين غير الفساق لم يرخص له في تعذيبهم. فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء. لتوفيق الله له لذلك فقال ساجعلهم قسمين يعذبه عذاب النقرة. اما من ظلم بالكفر فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا اي تحصل له العقوبتان عقوبة الدنيا وعقوبة الاخرة الحسنى وسنقول له من امرنا يسرا ثم اتبع سببا آآ واما من امن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى. اي فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة. وسنقول له من امرنا يسر اي وسنحسن اليه ونلطف له بالقول ونيسر له المعاملة. وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين والاولياء العادلين العالمين حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل احد بما يليق بحاله. اي لما وصل الى مغرب الشمس كرر راجعا قاصد مطلعها متبعا للاسباب التي اعطاه الله. فوصل الى مطلع الشمس اي وجدها تطلع على اناس ليس لهم ستر من الشمس اما لعدم استعدادهم في المساكن وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم وعدم تمدنهم واما لكون الشمس دائمة عندهم لا تغرب عنهم غروبا يذكر كما يوجد ذلك في شرقي افريقيا الجنوبي. فوصل الى موضع انقطع عنه علم اهل الارض. فضلا عن وصولهم اياه بابدانهم. ومع هذا فكل هذا بتقدير الله له. وعلمه به. ولهذا قال اي احطنا بما عنده من الخير والاسباب العظيمة وعلمنا معه حيث توجه ثم اتبع سبب حتى اذا بلغ بين السدين قال المفسرون ذهب متوجها من المشرق قاصدا للشمال فوصل الى ما بين السدين وهما سدان كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان. سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس. وجد من دون السدين قوما لا يكادون يفقهون هنا قول لعجمة السنتهم واستعجام اذهانهم وقلوبهم. وقد اعطى الله ذي القرنين من الاسباب العلمية ما فقه به السنة اولئك القوم ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض بالقتل واخذ الاموال وغير ذلك فهل نجعل لك خرجا اي جعلا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا؟ ودل ذلك على عدم اقتدارهم بانفسهم على بنيان السد. وعرفوا دار ذي القرنين عليه فبذلوا له اجرة ليفعل ذلك. وذكر له السبب الداعي وهو افسادهم في الارض. فلم يكن ذو القرنين اذا طمع ولا رغبة في الدنيا ولا تاركا لاصلاح احوال الرعية بل كان قصده الاصلاح. فلذلك اجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة ولم يأخذ منهم اجرة. وشكر ربه على واقتداره فقال لهم ما مكني فيه ربي خير اي مما تبذلون لي وتعطوني وانما اطلب منكم ان تعينوني بقوة بايديكم اجعل بينكم وبينهم ردما. اي مانعا من عبورهم عليكم قال اتوني زبر الحديد اي قطع الحديد. فاعطوه ذلك حتى اذا ساوى بين الصدفين. اي الجبلين الذين بنى بينهما السد قال انفخوا النار اي اوقدوها ايقادا عظيما واستعملوا لها المنافيخ لتشتد فتذيب النحاس. فلما ذاب النحاس الذي يريد ان يلصقه بين كزبر الحديد. اي نحاسا مذابا فافرغ عليه القطر. فاستحكم السد استحكاما هائلا وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج اي فما لهم استطاعة. ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه. ولا على نقبه لاحكامه وقوته. فلما فعل هذا الفعل الجميل والاثر الجليل اضاف النعمة الى موليها وقال هذا رحمة من ربي فاذا جاء وعد ربي اجعله دكا وكان وعد ربي حقا. هذا رحمة من ربي اي من فضله احسانه علي وهذه حال الخلفاء الصالحين. اذا من الله عليهم بالنعم الجليلة ازداد شكرهم واقرارهم واعترافهم بنعمة الله. كما قال قال سليمان عليه السلام لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم. قال هذا من فضل ربي ليبلوني اأشكر ام اكفر؟ بخلاف اهل التجبر والتكبر والعلو في الارض. فان النعم الكبار تزيدهم اشرا وبطرا. كما قال قارون لما اتاه الله من الكنوز. ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة قال انما اوتيته على علم عندي. وقوله فاذا جاء وعد ربي اي لخروج يأجوج ومأجوج جعله اي ذلك السد المحكم المتقن دكا اي دكه فانهدم واستوى هو والارض وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض يحتفل املوا ان الضمير يعود الى يأجوج ومأجوج. وانهم اذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للارض كلها. يموج بعضهم ببعض. كما قال تعالى فاذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. ويحتمل ان الضمير يعود الى الخلائق يوم القيامة. وانهم يجتمعون فيه فيكفرون ويموج بعضهم البعض من الاهوال والزلازل العظام بدليل قوله ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا. ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. اي اذا نفخ في الصور اعاد الله الارواح الى الاجساد. ثم حشرهم وجمعهم لموقف القيامة. الاولين منهم والاخرين والكافرين والمؤمنين. ليسألوا سيحاسب ويجزون باعمالهم. فاما الكافرون على اختلافهم فان جهنم جزاؤهم خالدين فيها ابدا. ولهذا قال جهنم يومئذ للكافرين عضا. كما قال تعالى وبرزت الجحيم للغاوين. اي عرضت لهم لتكون مأوى اللهم منزلهم وليتمتعوا باغلالها وسعيرها وحميمها وزمهريرها. وليذوقوا من العقاب. اتبكم له القلوب وتصم الاذان وهذا اثار اعمالهم وجزاء افعالهم كانوا لا يستطيعون سمعا. فانهم في الدنيا كانت اعينهم في غطاء عن ذكري. اي معرضين عن الذكر الحكيم والقرآن الكريم وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه. وفي اعينهم اغطية تمنعهم من رؤية ايات الله النافعة. كما قال الله تعالى وعلى غشاوة وكانوا لا يستطيعون سمعا. اي لا يقدرون على سمع ايات الله الموصلة الى الايمان. لبغضهم القرآن والرسول. فان المبغض لا يستطيع يستطيع ان يلقي سمعه الى كلام من ابغضه. فاذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير فليس لهم سمع ولا بصر. ولا عقل نافع فقد كفروا بالله وجحدوا وكذبوا رسله فاستحقوا جهنم وساءت مصيرا انا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا. وهذا برهان وبيان لبطلان لدعوى المشركين الكافرين الذين اتخذوا بعض الانبياء والاولياء شركاء لله يعبدونهم ويزعمون انهم يكونون لهم اولياء ينجونهم من عذاب بالله وينيلونهم ثوابه وهم قد كفروا بالله وبرسله. يقول الله لهم على وجه الاستفهام الانكاري المتقرر بطلانه في العقول. افحسب الذين كفروا ان يتخذوا عبادي من دون اولياء. اي لا يكون ذلك. ولا يوالي ولي الله معاديا لله ابدا. فان الاولياء موافقون لله في محبته ورضاه وسخطه وبغضه. فيكون على هذا المعنى مشابها لقوله تعالى ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. فمن زعم انه يتخذ ولي الله وليا له وهو معاد لله فهو كاذب ويحتمل وهو الظاهر ان المعنى افحسب الكفار بالله المنابذون لرسله ان يتخذوا من دون الله اولياء ينصرونهم وينفعونهم من دون الله ويدفعون عنهم الاذى. هذا حسبان باطل وظن فاسد. فان جميع المخلوقين ليس بيده من النفع والضر شيء. ويكون هذا كقوله تعالى وليدعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة. ونحو ذلك من الايات التي يذكر الله وفيها ان المتخذ من دونه ولي ينصره ويواليه ضال خائب الرجاء غير نائل لبعض مقصوده اي ضيافة وقراء فبئس النزل نزلهم وبئس الجهنم ضيافتهم اي قل يا محمد للناس على وجه التحذير والانذار. هل اخبركم باخسر الناس اعمالا على الاطلاق الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ضل سعيهم في الحياة الدنيا. اي بطلوا واضمحل كل ما عملوه من عمل. يحسبون انهم محسنون في صنعه. فكيف باعمالهم التي يعلمون انها باطلة وانها محادة لله ورسله ومعاداه. فمن هم هؤلاء الذين خسرت اعمالهم؟ فخسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين الذين كفروا بايات ربهم ورقائه فحبب اعمالهم فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. اولئك الذين كفروا بايات ربهم ولقائه. اي جحدوا الايات القرآنية والايات العيانية. الدالة على وجوب الايمان به وبملائكته ورسله وكتبه واليوم اخر فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. لان الوزن فائدته مقابلة الحسنات بالسيئات. والنظر في منها والمرجوح وهؤلاء لا حسنات لهم لعدم شرطها وهو الايمان. كما قال الله تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما لاحظنا لكن تعد اعمالهم وتحصى ويقررون بها ويخزون بها على رؤوس الاشهاد. ثم يعذبون عليها. ولهذا قال جزاءهم بما كفروا واتخذوا اياتي ورسلي هزوا ذلك جزاؤهم اي حبوط اعمالهم وانهم لا يقام لهم يوم القيامة وزنا لحقارتهم وخستهم بكفرهم بايات الله واتخاذ هذه اياته ورسله هزوا يستهزؤون بها ويسخرون منها. مع ان الواجب في ايات الله ورسله الايمان التام بها والتعظيم لها والقيام بها اتم القيام. وهؤلاء عكسوا القضية فانعكس امرهم وتعسوا وانتكسوا في العذاب. ولما بين مآل الكافرين واعمالهم بين اعمال المؤمنين ومآلهم فقالوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنة الفردوس نزلا. اي ان الذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم. وشمل هذا الوصف جميع الدين واعماله اصوله وفروعه الظاهرة والباطنة. فهؤلاء على اختلاف طبقاتهم من الايمان والعمل الصالح. لهم جنات الفردوس. يحتمل ان اراد بجنات الفردوس اعلى الجنة واوسطها وافضلها. وان هذا الثواب لمن كمل الايمان والعمل الصالح. وهم الانبياء والمقربون يحتمل ان يراد بها جميع منازل الجنان. فيشمل هذا الثواب جميع طبقات اهل الايمان. من المقربين والابرار والمقتصدين. كل بحسب حاله وهذا اولى المعنيين لعمومه. ولذكر الجنة بلفظ الجمع المضاف الى الفردوس. ولان الفردوس يطلق على البستان. المحتوي على الكرم او الاشجار ملتفة وهذا صادق على جميع الجنة. فجنة الفردوس نزل وضيافة لاهل الايمان والعمل الصالح. واي ضيافة اجل واكبر واعظم من هذا الضيافة المحتوية على كل نعيم للقلوب والارواح والابدان. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من المنازل الانيقة. والرياض الناضرة المثمرة والطيور المغردة المشجية والمآكل اللذيذة والمشارب الشهية والنساء الحسان والخدم والولدان والانهار السارحة والمناظر الرائقة والجمال الحسي والمعنوي والنعمة الدائمة. واعلى ذلك وافضله واجله. التنعم بالقرب من الرحمن ونيل رضاه. الذي فيه اكبر نعيم الجنان. والتمتع برؤية وجهه الكريم. وسماع كلام الرؤوف الرحيم. فلله تلك الضيافة. ما اجلها واجملها وادومها واكملها وهي اعظم من ان يحيط بها وصف احد من الخلائق او تخطر على القلوب. فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علما حقيقيا يصل الى قلوبهم بهم لطارت اليها قلوبهم بالاشواق. ولتقطعت ارواحهم من الم الفراق. ولساروا اليها زرافات ووحدانا. ولم يؤثروا عليها دنيا فانية ولذات منغصة متلاشية. ولم يفوتوا اوقاتا تذهب ضائعة خاسرة. يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب الاف مؤلفة ولكن الغفلة شملت والايمان ضعف والعلم قل والارادة نفذت فكان ما كان فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وقوله خالدين فيها هذا هو تمام النعيم ان فيها النعيم كامل ومن تمامه انه لا ينقطع لا يبغون عنها حولا. اي تحولا ولا انتقالا لانهم لا يرون الا ما يعجبهم ويبهجهم. ويسرهم ويفرحهم ولا يرون نعيما فوق ما هم فيه الى ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا. اي قل له مخبرا عن عظمة الباري وسعة وانها لا يحيط العباد بشيء منها لو كان البحر اي هذه الابحر الموجودة في العالم مدادا لكلمات ربي اي اشجار الدنيا من اولها ولها الى اخرها من اشجار البلدان والبراني والبحار اقلام لنفد البحر وتكسرت الاقلام قبل ان تنفد كلمات ربي هذا شيء عظيم لا يحيط به احد. وفي الاية الاخرى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر. ما نفد كلمات الله ان الله عزيز حكيم. وهذا من باب تقريب المعنى الى الاذهان. لان هذه الاشياء مخلوقة وجميع المخلوقات من قضية منتهية واما كلام الله فانه من جملة صفاته. وصفاته غير مخلوقة ولا لها حد ولا منتهى. فاي سعة وعظمة تصورتها القلوب؟ فالله فوق ذلك وهكذا سائر صفات الله تعالى. كعلمه وحكمته وقدرته ورحمته. فلو جمع علم الخلائق من الاولين والاخرين. اهل السماوات واهل الارض لكان بالنسبة الى علم عظيم اقل من نسبة عصفور وقع على حافة البحر. فاخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته ذلك بان له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة وان الى ربك المنتهى اي قل يا محمد للكفار وغيرهم انما انا بشر مثلكم اي لست باله ولا لي شركة في الملك. ولا علم بالغيب ولا عندي خزائن الله. وانما انا بشر مثلكم. عبد من عبيد ربي يوحى الي انما الهكم اله واحد. اي فضلت عليكم بالوحي الذي يوحيه الله الي. الذي اجله الاخبار لكم ان ما الهكم اله واحد اي لا شريك له ولا احد يستحق من العبادة مثقال ذرة غيره. وادعوكم الى العمل الذي يقربكم منه وينيلكم ثوابه ويدفع عنكم عقابه ولهذا قال وهو الموافق لشرع الله من واجب ومستحب اي لا يرائي بعمله. بل يعمله خالصا لوجه الله تعالى. فهذا الذي جمع بين الاخلاص والمتابعة هو الذي ينال ما يرجو ويطلب. واما من عدا ذلك فانه خاسر في دنياه واخراه. وقد فاته القرب من مولاه ونيل رضاه