المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اسجد لمن خلقت طينا. ينبه تعالى عباده على شدة عداوة الشيطان. وحرصه على اضلالهم وانه لما خلق الله ادم استكبر عن السجود له وقال متكبرا. اي من طين وبزعمه انه خير منه لانه خلق من نار وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة اوجه. فلما تبين لابليس تفضيل الله لادم قال مخاطبا لله لاحتنكن ذريته اي لاستأصلنهم بالاضلال ولاغوينهم الا قليلا عرف الخبيث انه لا بد ان يكون منهم من يعاديه ويعصيه. فقال الله له موفورا. اذهب فمن تبعك منهم واختارك على ربه ووليه الحق اي مدخرا لهم موفرا جزاء اعمالكم. ثم امره الله ان يفعل كل ما يقدر وعليه من اضلالهم فقال واستفزز من استطعت منهم بصوتك ويدخل في هذا كل داع الى المعصية. واجلب عليهم بخيرك ورجلك. ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله فهو من خيل الشيطان ورجله. والمقصود ان الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين. الداعي لهم الى معصية الله باقواله وافعاله عالة وشاركهم في الاموال والاولاد وذلك شامل لكل معصية. تعلقت باموالهم واولادهم من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة وعدم تأديب الاولاد تربيتهم على الخير وترك الشر واخذ الاموال بغير حقها او وضعها بغير حقها او واستعمال المكاسب الردية. بل ذكر كثير من المفسرين انه يدخل في مشاركة الشيطان في الاموال والاولاد. ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع وانه اذا لم يسمي الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد في الحديث. وعدهم الوعود الزخرفة التي لا حقيقة لها. ولهذا قال اي باطلا مضمحلا كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة ويعدهم عليها الاجر. لانهم يظنون انهم على الحق. وقال تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا. ولما اخبر عما يريد الشيطان ان يفعل بالعباد وذكر ما يعتصم به من فتنته وهو عبودية الله والقيام بالايمان والتوكل. قال وكفى بربك وكيلا. ليس لك عليهم سلطان اي تسلط الإخوة من الله يدفع عنهم بقيامهم بعبوديته كل شر. ويحفظهم من الشيطان الرجيم. ويقوموا بكفايتهم لمن توكل عليه وادى ما امر به يذكر تعالى نعمته على العباد بما سخر لهم من الفلك والسفن المراكب والهمهم كيفية صنعتها وسخر لهم البحر الملتطم. يحملها على ظهره لينتفع العباد بها في الركوب والحمل للامتنة والتجارة وهذا من رحمته بعباده. فانه لم يزل بهم رحيما رؤوفا يؤتيهم من كل ما تعلقت به ارادتهم ومنافعهم واذا مسكم الضر في البحر ظلما نجاكم الى البر اعظم ومن رحمته الدالة على انه وحده المعبود دون ما سواه انهم اذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الامواج. ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله. في حال الرخاء من الاحياء والاموات فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الاوقات. لعلمهم انهم ضعفاء. عاجزون عن كشف الضر. وصرخوا بدعوة فاطر الارض والسماوات الذي يستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات. واخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال. فلما كشف الله عنهم الضر ونجاهم الى البر. نسوا ما كانوا يدعون اليه من قبل. واشركوا به من لا ينفع ولا يضر. ولا يعطي ولا يمنع اعرضوا عن الاخلاص لربهم ومليكهم. وهذا من جهل الانسان وكفره. فان الانسان كفور للنعم الا من هدى الله. فمن عليه بالعقل السليم واهتدى الى الصراط المستقيم فانه يعلم ان الذي يكشف الشدائد وينجي من الاهوال هو الذي يستحق ان يفرد وتخلص له سائر الاعمال في الشدة والرخاء. واليسر والعسر. واما من خذل ووكل الى عقله الضعيف. فانه لم وقت الشدة الا مصلحته الحاضرة. وان جاءه في تلك الحال. فلما حصلت له النجاة وزالت عنه المشقة. ظن بجهله انه قد اعجز الله ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية. فضلا عن امور الاخرة. ولهذا ذكرهم الله بقوله افأمنتم ان يخسف بكم جانبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا اي فهو على كل شيء قدير. ان شاء انزل عليكم عذاب ابا من اسفل منكم بالخسف او من فوقكم بالحاصب. وهو العذاب الذي يحسبهم فيصبحوا هالكين. فلا تظنوا ان الهلاك لا الا في البحر. وان ظننتم ذلك فلستم امنين من ان يعيدكم فيه تارة اخرى. فيرسل عليكم قاصفا من الريح. اي في ريحا شديدة جدا تقصف ما اتت عليه اي تبعة ومطالبة فان الله لم يظلمكم مثقال ذرة وهذا من كرمه عليهم واحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني ادم بجميع وجوه كرمهم بالعلم والعقل وارسال الرسل وانزال الكتب وجعل منهم الاولياء والاصفياء وانعم عليهم من النعم الظاهرة والباطنة وحملناهم في البر على الركاب من الابل والبغال والحمير والمراكب البرية والبحر في السفن والمراكب ورزقناهم من الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم الا وقد اكرمهم الله ويسره لهم غاية التيسير آآ بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من انواع المخلوقات. افلا يقومون بشكر من من النعم ودفع النقم ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم بل ربما استعانوا بها على معاصيه يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك يقرون يخبر تعالى عن حال الخلق يوم القيامة وانه يدعو كل اناس معهم امامهم وهاديهم الى الرشد وهم الرسل ونوابهم فتعرض كل امة ويحضرها رسولهم الذي دعاهم وتعرض اعمالهم على الكتاب الذي يدعو اليه الرسول هل هي موافقة له ام لا؟ فينقسم بهذا قسمين؟ فمن اوتي كتابه بيمينه كونه اتبع امامه الهادي الى صراط مستقيم. واهتدى بكتابه فكثرت حسناته وقلت سيئاته. فاولئك يقرؤون هنا كتابهم قراءة سرور وبهجة. على ما يرون فيها مما يفرحهم ويسرهم. ولا يظلمون فتيلا مما عملوهم من الحسنات. ومن كان في هذه الدنيا اعمى عن الحق فلم يقبله ولم ينقد له بل اتبع الضلال. فهو في الاخرة اعمى عن سلوك طريق الجنة. كما لم اسلكه في الدنيا واضل سبيلا فان الجزاء من جنس العمل. وكما تدين تدان. وفي هذه الاية دليل على ان كل امة تدعى الى دينها وكتابها. هل عملت به ام لا؟ وانهم لا يؤاخذون بشرع نبي لم يؤمروا باتباعه. وان الله لا يعذب احدا الا بعد قيام الحجة عليه. ومخالفته لها. وان اهل الخير يعطون كتبهم بايمانهم ويحصل لهم من الفرح والسرور شيء عظيم. وان اهل الشر بعكس ذلك. وانهم لا يقدرون على قراءة كتبهم من شدة غمهم وحزنهم ثبورهم اتخذوا كخليلا. يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وحفظه له من اعدائه الحريصين على فتنة بكل طريق فقال اي قد كادوا لك امرا لم يدركوه. وتحيلوا لك على ان تفتري على الله غير الذي انزلنا اليك. فتجيء بما يوافق اهواءهم وتدع ما انزل الله اليك. واذا لو فعلت ما يهوون لاتخذوك خليلا. اي حبيبا صفيا عز عليهم من احبابهم لما جبلك الله عليه من مكارم الاخلاق ومحاسن الاداب المحببة للقريب والبعيد والصديق ولكن لتعلم انهم لم يعادوك. وينابذوك العداوة الا للحق الذي جئت به. لا لذاتك. كما قال الله تعالى قال قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون. فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. ومع هذا لولا ان ثبتناك على الحق وامتننا عليك بعدم الاجابة لداعيهم. من كثرة معالجة ومحبتك لهدايتهم فلا تجد لك علينا نصيرا. اذا لو ركنت اليهم بما يهوون ثم لا تجد لك علينا نصيرا. اي لاصبناك بعذاب مضاعف في الدنيا والاخرة ذلك لكمال نعمة الله عليك وكمال معرفتك. ينقذك مما يحل بك من عذاب ولكن الله تعالى عصمك من اسباب الشر ومن الشر. فثبتك وهداك الصراط المستقيم. ولم تركن اليهم بوجه من الوجود فله عليك اتم نعمة وابلغ منحة اي من بغضهم لمقامك بين اظهرهم. وقد كادوا ان يخرجوك من الارض ويجروك عنها ولو فعلوا ذلك لم يلبثوا بعدك الا قليلا حتى تحل بهم العقوبة كما هي سنة الله التي لا تحول ولا تبدل في جميع الامم كل امة كذبت رسولها واخرجته عاجلها الله بالعقوبة. ولما مكر به الذين كفروا واخرجوه لم يلبثوا الا قليلا حتى اوقع الله بهم ببدر. وقتل صناديدهم وفض بيضتهم. فله الحمد. وفي هذه الايات دليل على شدة افتقار العبد الى تثبيت الله اياه. وانه لا يزال متملقا لربه ان يثبته على الايمان. ساعيا في كل سبب الى ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم وهو اكمل الخلق قال الله له ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليك شيئا قليلا فكيف بغيره؟ وفيها تذكير الله لرسوله منته عليه وعصمته من الشر. فدل ذلك على ان الله يحب من عباده ان يتفطنوا لانعامه عليهم عند وجود اسباب الشر بالعصمة منه والثبات على الايمان فيها انه بحسب علو مرتبة العبد. وتواتر النعم عليه من الله يعظم اثمه. ويتضاعف جرمه. اذا فعل ما يلام عليه لان الله ذكر رسوله لو فعل وحاشاه من ذلك بقوله لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا وفيها ان الله اذا اراد اهلاك امة تضاعف جرمها وعظم وكبر في حق عليها القول من الله فيوقع فيها العذاب كما هي سنته في الامم اذا اخرجوا رسولهم