بسم الله الرحمن الرحيم. المكتبة الصوتية لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان شرح كتاب الملخص الفقهي من الفقه الاسلامي للدكتور صالح بن فوزان فوزان. الدرس مائة واربعة وثمانون. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد واله وصحبه وبعد ايها المستمعون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنا نتحدث اليكم في موضوع الجنايات وانتهى بنا الحديث في هذه الحلقة الى موضوع حكم القصاص من الجماعة للواحد فليكن ذلك موضوع حديثنا الان. فاذا اشترك جماعة في قتل شخص عمدا عدوانا اقتص له منهم جميعا وقتلوا به على الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله لعموم قوله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الى قوله ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون ولاجماع الصحابة على ذلك. فقد روى سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل سبعة من اهل صنعاء قتلوا رجلا واحدا وقال رضي الله عنه لو تمالأ عليه اهل صنعاء لقتلتهم به جميعا وثبت عن اخرين من الصحابة ايضا قتل الجماعة بالواحد. ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم وكان ذلك اجماعا. قال الامام العلامة ابن القيم رحمه الله اتفق الصحابة وعامة الفقهاء على قتل الجميع بالواحد وان كان اصل القصاص يمنع ذلك لان لا يكون عدم القصاص ذريعة الى التعاون على سفك الدماء انتهى وقال ابن رشد فان مفهومه اي القصاص ان القتل انما شرع لنفي القتل كما نبه عليه القرآن ولو لم تقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس الى القتل بان يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة ولان التشفي والزجر لا يحصل الا بقتل الكل انتهى ويشترط لقتل الجماعة بالواحد ان يصلح فعل كل واحد منهم للقتل لو انفرد وذلك بان يباشر الجميع القتلى ويكون فعل كل واحد منهم قاتلا لو انفرد فان لم يصلح فعل كل واحد منهم للقتل لو انفرد وكانوا قد تمالؤوا وتواطؤوا على قتل المجني عليه وجب القصاص منهم جميعا لان غير المباشر صار ردءا للمباشر ومن اكره شخصا على قتل اخر فقتله وجب القصاص على المكره والمكره اذا توفرت شروطه لان القاتل قصد استبقاء نفسه بقتل غيره والمكره تسبب الى القتل بما يفضي اليه غالبا ومن امر صغيرا او مجنونا بقتل شخص فقتله وجب القصاص على الامر وحده لان المأمور الة للامر ولا يمكن ايجاب القصاص عليه. فوجب ان يكون على المتسبب به وكذا اذا كان المأمور مكلفا اي بالغا عاقلا لكنه يجهل تحريم القتل فمن نشأ بغير بلاد الاسلام فانه يجب القصاص على الامر لتعذره في حق المأمور لجهله فيكون على المتسبب به وحده واما ان كان المأمور بالغا عاقلا لا يجهل التحريم فانه يجب القصاص عليه لمباشرته القتل بغير حق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سواء كان الامر سلطانا او سيدا للمأمور او غير ذلك ويكون على الامر في هذه الحالة التعزير بما يراه الامام لانه ارتكب معصية وليرتدع عن ذلك واذا اشترك اثنان في قتل شخص عمدا عدوانا وكان احدهما لا تتوفر فيه شروط وجوب القصاص والاخر تتوفر فيه وجب القصاص على من تتوفر فيه الشروط منهما لانه شارك في القتل العمد العدوان وامتنع القصاص في حق شريكه لمعنى فيه لا لقصور في سبب القصاص فيجب على من لا مانع به منه ومن امسك انسانا لاخر حتى قتله قتل قاتل وحبس ممسك حتى يموت وكما يقتص للواحد من الجماعة في النفس فانه يقتص له منهم في الطرف والجراح فاذا قطع جماعة طرفا او جرحوا جرحا يوجب القود الم تتميز افعالهم كما لو وضعوا حديدة على يد شخص وتحاملوا عليها حتى انقطعت اليد فيجب قطع ايديهم جميعا لما روي عن علي رضي الله عنه انه شهد عنده شاهدان على رجل بسرقة فقطع يده ثم جاء ثم جاء باخر وقالوا هذا السارق واخطأنا في الاول رد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية الاول وقال لو علمت انكما تعمدتما لقطعتكما. رواه البخاري وغيره فدل على ان القصاص على كل منهما لو تعمدا وقياسا على قتل الجماعة بالواحد وسراية الجناة على النفس وما دونها لها حكم الجناية لانها اثر ناتج عنها واثر المضمون مظمون فلو قطع اصبعا فتآكلت الاصبع الاخرى او اليد وسقطت من مفصل وجب القود في اليد وان سرت الجناية الى النفس فمات المجني عليه وجب القصاص ولا يجوز ان يقتص في عضو او جرح قبل برؤه لحديث جابر ان رجلا جرح رجلا فاراد ان يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم ان من الجارح حتى يبرأ المجروح. رواه الدار قطني وغيره وذلك لمصلحة المجني عليه اذ قد تسري الجناية الى طرف اخر او الى النفس فلا بد ان يعرف مدى نهاية الجناية فلو اقتص قبل البرء ثم سرت الجناية بعد ذلك فلا شيء له لانه استعجل فبطل حقه ولحديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقدني فقال حتى تبرأ ثم جاء اليه فقال اعقدني قاده ثم جاء اليه فقال يا رسول الله قد عرجت قال قد نهيتك فعصيتني فابعدك الله وبطل عرجك ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقتص من جرح حتى يبرأ منه صاحبه رواه احمد والدار قطني وبهذا تعلم ايها المسلم محاسن هذه الشريعة واشتمالها على العدالة التامة والرحمة العامة وصدق الله العظيم وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فتبا لقوم يستبدلون بها غيرها من احكام الطاغوت والقوانين الوضعية الناقصة الظالمة بئس للظالمين بدلا والحمد لله رب العالمين والى الحلقة القادمة باذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين