المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام وشدة رغبته في الخير وطلب العلم انه قال لفتاه اي خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره وهو شعبنا نون الذي نبأه الله بعد ذلك لا امرح حتى ابلغ مجمع البحرين. اي لا ازال مسافرا وان طالت علي الشقة. ولحقتني المشقة حتى اصل الى مجمع البحرين. وهو المكان الذي اوحي اليه انك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين. عنده من العلم ما ليس عندك. او امضي اي مسافة طويلة. المعنى ان الشوق والرغبة حمل موسى ان قال لفتاه هذه المقالة وهذا عزم منه جازم. فلذلك امضاه فلما بلغ مجمع بينهما نسي حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا. فلما بلغ اي هو هو وفتاة مجمع البحرين نسي حوتهما. وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان. وقد وعد انه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي قصدته فاتخذ ذلك الحوت سبيلا. اي طريقه في البحر سربا وهذا من الايات. قال المفسرون ان ذلك الحوت الذي كان منه لما وصل الى ذلك المكان اصابه بلل البحر فانسرب باذن الله في البحر وصار مع حيواناته حيا فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين. قال موسى لفتاه اتنا غدائنا. لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. اي لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط والا فالسفر الطويل الذي وصل به الى مجمع البحرين لم يجدا مس التعب فيه. وهذا من الايات والعلامات الدالة لموسى على وجود مطلبه. وايضا ان الشوق المتعلق بالوصول الى ذلك المكان سهل لهما الطريق. فلما تجاوزا غايتهما وجدا مس التعب. فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة قال ارأيت اذ اوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره قال له فتاة ارأيت اذ اوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت. اي الم تعلم حين او ان الليل الى تلك الصخرة المعروفة بينهما؟ فاني نسيت الحوت. وما انسانيه الا الشيطان لانه السبب في ذلك واتخذ سبيله في البحر عجبا. اي لما انصرم في البحر ودخل فيه كان ذلك من العجائب. قال المفسرون كان ذلك المسلك للحوثي سربا ولموسى وفتاه عجبا. فلما قال له الفتى هذا القول وكان عند موسى وعد من الله انه اذا فقد الحوت وجد الخضر. فقال اي نطلب؟ اي رجع على اثارهما قصصا. اي رجع يقصان اثرهما الى المكان الذي نسي فيه الحوت. فلما وصلا اليه عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدننا علما. وجد عبدا من عبادنا وهو الخضر وكان عبدا صالحا لا نبي على الصحيح. اتيناه رحمة من عندنا اي اعطاه الله رحمة خاصة بها زاد علمه حسن عمله وعلمناه من لدنا اي من عندنا علما. وكان قد اعطي من العلم ما لم يعطى موسى. وان كان موسى عليه السلام اعلم منه باكثر الاشكال خصوصا في العلوم الايمانية والاصولية. لانه من اولي العزم من المرسلين. الذين فضلهم الله على سائر الخلق بالعلم والعمل وغير ذلك. فلما به موسى قال له على وجه الادب والمشاورة والاخبار عن مطلبه ما علمت رشدا. اي هل اتبعك على ان تعلمني مما علمك الله؟ ما به استرشد واهتدي. واعرف به الحق في تلك القضايا وكان الخضر قد اعطاه الله من الالهام والكرامة. ما به يحصل الاطلاع على بواطن كثير من الاشياء التي خفيت. حتى على موسى عليه السلام. فقال الخضر موسى لا امتنع من ذلك ولكنك لن تستطيع معي صبرا. اي لا تقدر على اتباع وملازمة لانك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الامور التي ظاهرها المنكر وباطنها غير ذلك. ولهذا قال اي كيف ستصبر على امر ما احط بباطنه وظاهره. وعلمت المقصود منه ومآله. فقال موسى آآ الله صابرا ولا اعصي لك امرا. ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا وهذا عزم منه قبل ان يوجد الشيء الممتحن به والعزم شيء ووجود الصبر شيء اخر. فلذلك ما صبر موسى عليه السلام حين وقع الامر فحينئذ قال له الخضر اي لا تبتدئني بسؤال منك وانكار حتى اكون انا الذي اخبرك بحاله وفي الوقت الذي ينبغي اخبارك به فنهاه عن سؤاله ووعده ان يوقفه على حقيقة الامر تهاني تغرق اهلها لقد جئت شيئا امرا. فانطلقا حتى اذا ركب في السفينة خرقها. اي اقتلع الخضر منها لوحا كان له مقصود في ذلك سيبينه. فلم يصبر موسى عليه السلام لان ظاهره انه منكر. لانه عيب للسفينة. وسبب لغرق اهلها. ولهذا قال موسى لقد جئت شيئا امرا اي عظيما شنيعا وهذا من عدم صبره عليه السلام. فقال له الخضر. اي فوقع كما وكان هذا من موسى نسيانا فقال اي اتعسر علي الامر واسمح لي فان ذلك وقع على وجه النسيان فلا تؤاخذني في اول مرة فجمع بين الاقرار به والعذر منه وانه ما ينبغي لك ان الشدة على صاحبك فسمح عنه الخضير فانطلقا حتى اذا لقي غلاما اي صغيرا فقتله خضر فاشتد بموسى الغضب واخذته الحمية الدينية حين قتل غلاما صغيرا لم يذنب لقد جئت شيئا نكرا. واي نكر مثل قتل الصغير الذي ليس عليه ذنب ولم يقتل احدا. وكانت الاولى من موسى نسيانا وهذه غير نسيان. فقال له الخضر معاتبا ومذكرا فقال له موسى ان سألت بعد هذه المرة فلا تصاحبني. اي فانت معذور بذلك. وبترك صحبتي قد بلغت من لدني عذرا. اي اعذرت مني ولم تقصر فوجد فيها جدارين يريد ان ينقض فاقامه. قال لو شئت لاتخذت عليه اجرا فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها اي استضافاهم فلم يضيفوهما. فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض. اي قد استخدم فاقامه الخضر اي بناه واعاده جديدا. فقال له موسى اي اهل هذه القرية لم يضيفون مع وجوب ذلك عليهم. وانت تبنيه من دون اجرة. وانت تقدر عليها. فحين اذ لم يفي موسى عليه السلام بما قال واستعذر الخضر منه فقال له هذا فراق بيني وبينك فانك شردت ذلك على نفسك فلم يبق الان عذر ولا موضع للصحبة سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. اي ساخبرك بما انكرت علي؟ وانبئك بمالي في ذلك من المآرب. وما يؤول اليه الامر اما السفينة التي خرقتها فكانت لمساكين يعملون في البحر. يقتضي ذلك الرقة عليهم والرأفة بهم. فاردت ان اعيبه وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا. اي كان مرورهم على ذلك الملك الظالم. فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصب بها واخذها ظلما فاردت ان اخرقها ليكون فيها عيب. فتسلم من ذلك الظالم فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا. واما الغلام الذي قتلته فكان ابواه مؤمنين. فخشينا ان طغيانا وكفرا. وكان ذلك الغلام قد قدر عليه انه لو بلغ لارهق ابويه طغيانا وكفرا. اي لحملهما على الطغيان والكفر. اما لمحبتهما اياه او للحاجة اليه او يحدهما على ذلك. اي فقتلته للاطلاع على ذلك سلامة لدين ابويه المؤمنين. واي فائدة اعظم من هذه الفائدة الجليلة. وهو ان كان فيه اساءة اليهما وقطع لذريتهما. فان الله تعالى سيعطيها من الذرية ما هو خير منه. ولهذا هذا قال اي ولدا صالح الحا زكيا واصلا لرحمه. فان الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما اشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. واما الجدار الذي اقمته فكان لغلامين يتيمين في المدينة. وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا. اي حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما. لكونهما صغيرين عدما اباهما. وحفظهما الله ايضا والدهما فاراد ربك ان يبلغ اشدهما ويستخرجا كنزهما. اي فلهذا هدمت الجدار واستخرجت ما تحته من كنزهما اعدته مجانا رحمة من ربك اي هذا الذي فعلته رحمة من الله. اتاه الله عبده الخطير وما فعلته عن امري. اي اتيت شيئا من قبل نفسي ومجرد ارادتي وانما ذلك من رحمة الله وامره. ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. ذلك الذي فسرته لك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. وفي هذه القصة العجيبة الجليلة من الفوائد والاحكام والقواعد شيء كثير. ننبه على بعضه بعون الله. فمنها فضيلة العلم والرحلة في طلبه. وانه اهم الامور. فان موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة. ولقي النصب في طلبه وترك القعود عند بني اسرائيل لتعليمهم وارشادهم. واختار السفر لزيادة العلم على ذلك. ومنها البداءة بالاهم فالاهم ان زيادة العلم وعلم الانسان اهم من ترك ذلك. والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم. والجمع بين الامرين اكمل. ومنها جواز اخذ في الحضر والسفر لكفاية المؤنة وطلب الراحة كما فعل موسى. ومنها ان المسافر لطلب علم او جهاد او نحوه اذا اقتضت المصلحة الاخبار بمطلبه واين يريده؟ فانه اكمل من كتمه فان في اظهاره فوائد من الاستعداد له عدته. واتيان الامر على بصيرة واظهارا ترى في هذه العبادة الجليلة كما قال موسى لا امرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. وكما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه حين غزا تبوك بوجهه مع ان عادته التورية وذلك تبع للمصلحة. ومنها اضافة الشر واسبابه الى الشيطان. على وجه التسويل والتزيين وان كان الكل بقضاء الله وقدره. لقول فتى موسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره. ومنها جواز اخبار الانسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس من نصب او جوع او عطش اذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا لقول موسى لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ومنها استحباب كون خادم الانسان ذكيا فطنا كيسا. ليتم له امره الذي يريده. ومنها استحباب اطعام الانسان خادمه من مأكله. واكل جميعا لان ظاهر قوله اتنا غداءنا اضافة الى الجميع انه اكل هو وهو جميعا. ومنها ان المعونة تنزل على على العبد على حسب قيامه بالمأمور به. وان الموافق لامر الله يعان ما لا يعان غيره. لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. والاشارة الى السفير المجاوز لمجمع البحرين. واما الاول فلم يشتكي منه التعب مع طوله لانه هو السفر على الحقيقة. واما الاخير فالظاهر انه بعض لانهم فقدوا الحوت حين او الى الصخرة. فالظاهر انهم باتوا عندها. ثم ساروا من الغد. حتى اذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه ات غداءنا فحينئذ تذكر انه نسيه في الموضع الذي اليه منتهى قصده. ومنها ان ذلك العبد الذي لقيه ليس نبيا بل عبدا صالحا لانه وصفهم بالعبودية. وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم. ولم يذكر رسالته ولا نبوته ولو كان نبيا لذكر ذلك كما ذكر خيرة واما قوله في اخر القصة وما فعلته عن امري فانه لا يدل على انه نبي وانما يدل على الالهام والتحديث كما يكون لغير الانبياء كما قال الله تعالى واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا. ومنها ان العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده. ونوع علم لدني يهبه الله لمن يمن عليه من عباده. بقوله لمناه من لدنا علما ومنها التأدب مع المعلم وخطاب المتعلم اياه الطف خطاب لقول موسى عليه السلام هل اتبعك على ان انني مما علمت رشدا. فاخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة. وانك هل تأذن لي في ذلك ام لا؟ واقراره بانه يتعلم منه. بخلاف ما اليه اهل الجفاء او الكبر الذي لا يظهر للمعلم افتقاره الى علمه. بل يدعي انه يتعاون هو واياه. بل ربما ظن انه يعلم معلمه وهو جاهل فالذل للمعلم واظهار الحاجة الى تعليمه من انفع شيء للمتعلم. ومنها تواضع الفاضل للتعلم من من دونه فان موسى بلا شك افضل من الخضر. ومنها تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه. ممن مهر فيه. وان كان دونه في العلم درجات كثيرة فان موسى عليه السلام من اولي العزم من المرسلين الذين منحهم الله واعطاهم من العلم ما لم يعطي سواهم ولكن في هذا العلم خاص كان عند الخضر ما ليس عنده. فلهذا حرص على التعلم منه. فعلى هذا لا ينبغي للفقيه المحدث اذا كان قاصرا في علم النحو او الصرف او نحوه من الا يتعلمه ممن مهر فيه. وان لم يكن محدثا ولا فقيها. ومنها اضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى. والاقرار لذلك اشكر الله عليها لقوله تعلمني مما علمت. اي مما علمك الله تعالى. ومنها ان العلم النافع هو العلم المرشد الى الخير فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير. وتحذير عن طريق الشر. او وسيلة لذلك فانه من العلم النافع. وما سوى ذلك فاما ان يكون كان ضارا او ليس فيه فائدة لقوله ان تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم وحسن الثبات على ذلك انه يفوته بحسب عدم صدره كثير من العلم. ومن استعمل الصبر ولازمه ادرك به كل امر سعى فيه. لقول الخضر يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى من الاخذ عنه. انه لا يصبر معه. ومنها ان السبب الكبير لحصول الصبر. احاطة الانسان علما وخبرة الامر الذي امر بالصبر عليه. والا فالذي لا يدريه او لا يدري غايته ولا نتيجته. ولا فائدته وثمرته. ليس عنده سبب الصبر لقوله وكيف تصبر على ما لم تحط به خمرا؟ فجعل الموجب لعدم صبره. عدم احاطته خبرا بالامر. ومنها الامر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة الى الحكم على الشيء. حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود. ومنها تعليق الامور المستقبلة التي من افعال العباد بالمشيئة. والا يقول الانسان للشيء اني فاعل ذلك في المستقبل الا ان يقول ان شاء الله. ومنها ان العزم على فعل الشيء ليس بمنزلة فعله. فان موسى فقال ستجدني ان شاء الله صابرا. فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل. ومنها ان المعلم اذا رأى المصلحة في ازاعه للمتعلم ان اترك الابتداء في السؤال عن بعض الاشياء. حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها. فان المصلحة تتبع كما اذا كان فهمه قاصرا. او نهاه عن دقيقي في سؤال الاشياء التي غيرها اهم منها. او لا يدركها ذهنه او يسأل سؤالا لا يتعلق في موضوع البحث. ومنها جواز ركوب البحر في غير الحالة التي يخاف منها. ومنها ان الناس غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله ولا في حقوق العباد. لقوله لا تؤاخذني بما ومنها انه ينبغي للانسان ان يأخذ من اخلاق الناس ومعاملاتهم العفو منها وما سمحت به انفسهم ولا ينبغي له ان يكلفهم ما لا او يشق عليهم ويرهقهم. فان هذا مدعاة الى النفور منه والسآمة. بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الامر. ومنها ان الامور تجري احكامها على ظاهرها وتعلق بها الاحكام الدنيوية في الاموال والدماء وغيرها. فان موسى عليه السلام انكر على الخضر خرقه السفينة الغلام وان هذه الامور ظاهرها انها من المنكر. وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها. في غير هذه الحالة التي صحب عليها الخضير عليه السلام وبادر الى الحكم في حالتها العامة. ولم يلتفت الى هذا العارض الذي يوجب عليه الصبر. وعدم المبادرة الى الانكار. ومنها القاعدة الكبيرة الجليلة وهو انه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير. ويراعي اكبر المصلحتين بتفويت ادناهما. فان قتل الغلام شر. ولكن بقائه حتى يفتن ابويه عن دينهما اعظم شرا منه. وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته. وان كان يظن انه خير. فالخير ببقاء دين ابويه وايمانهما خير من ذلك. فلذلك قتله الخضر وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد ما لا يدخل تحت الحصر. فتزاحم المصالح والمفاسد كلها اداخل في هذا ومنها القاعدة الكبيرة ايضا وهي ان عمل الانسان في مال غيره اذا كان على وجه المصلحة وازالة المفسدة انه يجوز ولو بلا اذن حتى ولو ترتب على عمله اتلاف بعض مال الغير. كما خلق الخضر السفينة لتعيب. فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق او غرق او نحوهما في دار انسان او ماله. وكان اتلاف بعض المال او هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي. جاز للانسان بل شرع له ذلك حفظا لمال الغير. وكذلك لو اراد ظالم اخذ مال الغير ودفع اليه انسان بعض المال افتداء للباقي جاز. ولو من غير اذن ومنها ان العمل يجوز في البحر. كما يجوز في البر لقوله يعملون في البحر. ولم ينكر عليهم عملهم. ومنها ان المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته. ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة. لان الله اخبر ان هؤلاء المساكين لهم سفينة. ومنها ان القتل من اكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام. لقد جئت شيئا نكرا. ومنها ان القتل قصاصا غير منكر. لقوله بغير نفس ومنها ان العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي ذريته. ومنها ان خدمة الصالحين او من يتعلق بهم افضل من غيرها. لانه معلل استخراج كنزهما واقامة جدارهما ان اباهما صالح. ومنها استعمال الادب مع الله تعالى في الالفاظ. فان الخضر اضاف السفينة الى نفسه بقوله فاردت ان اعيبها واما الخير فاضافه الى الله تعالى لقوله فاراد ربك ان يبلغا اشدهما استخرج كنزهما رحمة من ربك. كما قال ابراهيم عليه السلام واذا مرضت فهو يشفين. وقالت الجن وانا لا ندري اشر اريد لمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا. مع ان كل بقضاء الله وقدره. ومنها انه ينبغي للصاحب الا يفارق صاحبه في حالة من الاحوال ويترك صحبته حتى يعتبه ويعذر منه كما فعل الخضر مع موسى. ومنها ان موافقة الصاحب لصاحبه في غير الامور المحظورة مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها. كما ان عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة. ومنها ان هذه القضايا التي اجراها الخضر هي قد اجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح. ليستدل العباد بذلك على الطافه في اقضيته. وانه يقدر على العبد امورا يكرهها جدا وهي صلاح دينه كما في قضية الغلام او وهي صلاح دنيا كما في قضية السفينة. فاراه النموذج من لطفه وكرمه ليعرفوا ويرضى غاية الرضا باقداره المكروهة