المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثامن عشر بواجبات اهل العلم فيما بينهم. وفيما يتعلق بالناس. اما الواجب على اهل العلم من العلماء الكبار ومن دونهم والطلبة فيما بينهم فعلى كل منهم ان يحب للاخر ما يحب لنفسه. هذا واجب عمومي على جميع المسلمين. لكن اهل العلم عليهم من هذا الحق اعظم مما على غيرهم لما تميزوا به ولما خصهم الله به. وعلى كل منهم ان يدين لله ويتقرب اليه بمحبته جميع اهل العلم والدين ان هذا الحب من اعظم ما يقرب الى الله ومن اكبر الطاعات. وهذا الحب يتبع ما اتصف به الانسان من الامور التي يحبها الله ورسوله من العلم والاشتغال به والعمل فان نفس الاشتغال بالعلوم الشرعية وتوابعها من اجل الطاعات ثم حصول العلم للشخص هو من الاوصاف التي يحب لاجلها. ثم تعليمه للناس وعمله مما يجب ان يحب عليه. فكل هذه الامور موجودة في اهل العلم فلهم من الحق على اهل العلم وعلى غيرهم. وان يميزوا بهذا عن غيرهم لما لهم من المميزات. واذا عثر احدهم وغلط في مسألة علمية تعين ستر ما صدر منه ونصيحته بالتي هي احسن. ومن اعظم محرمات واشنع المفاسد اشاعة عثراتهم والقدح فيهم في غلطاتهم واقبح من هذا واقبح اهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك ربما يكون هو الواقع كثيرا. ان الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ولهم اجتهادهم فيه. معذورون والقادح فيهم غير معذور وبهذا واشباهه يظهر لك الفرق بين اهل العلم الناصحين والمنتسبين للعلم من اهل البغي والحسد المعتدين. ان اهل العلم الحقيقي قصدهم التعاون على البر والتقوى والسعي في اعانة بعضهم بعضا في كل ما عاد الى هذا الامر وستر عورات المسلمين وعدم اشاعة غلطاتهم والحرص على تنبيههم بكل ممكن من الوسائل النافعة والذب عن اعراض اهل العلم والدين. ولا ريب ان هذا من افضل القربات. ثم لو فرض ان ما فيه او عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر. لم يكن من الحق والانصاف ان تهدر المحاسن وتمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير. كما هو ودأب اهل البغي والعدوان ان هذا ضرره كبير وفساده مستطير. اي عالم لم يخطئ واي حكيم لم يعثر. وقد علمت نصوص الكتاب والسنة التي فيها الحث على المحبة والائتلاف والتحذير من التفرق والاختلاف. واعظم من يوجه اليهم هذا الامر اهل العلم والدين. فمتى لزموا هذه الاوامر الشرعية الحكيمة تبعهم الناس واستقامت الاحوال. ومتى اخلوا بذلك وحل محله البغي والحسد والتباغض والتدابر. تبعهم الناس وصاروا احزابا وشيعا صارت الامور في اطوار التغالب وطلب الانتصار ولو بالباطل. ولم يقفوا على حد محدود تفاقم الشر وعظم الخطر فصار المتولي لكبرها من كان يرجى منهم قبل ذلك ان يكونوا اول قامع للشر. اذا تأملت الواقع رأيت اكثر الامور على هذا الوجه محزن ولكنه مع ذلك يوجد افراد من اهل العلم والدين ثابتون على الحق قائمون بالحقوق الواجبة والمستحبة. صابرون على ما نالهم في هذا السبيل القدح القادح واعتراض المعترض وعدوان المعتدين. فتجدهم متقربين الى الله بمحبة اهل العلم والدين. جاعلين محاسنهم واثارهم وتعليمهم ونفعهم نصب اعينهم قد احبوهم لما اتصفوا به وقاموا به من هذه المنافع العظيمة غير مبالين بما جاء منهم اليهم من القدح والاعتراض حاملين ذلك على التأويلات المتنوعة ومقيمين لهم الاعذار الممكنة. وما لم يمكنهم مما نالهم منهم ان يجدوا له الا عمل الله فيهم فعفوا عنهم راجين ان يكون اجرهم على الله. وعفوا عنهم لما لهم من الحق الذي هو اكبر شفيع لهم. فان عجزوا عن هذه الدرجة العالية التي لا يكاد يصل اليها الا الواحد بعد الواحد نزلوا الى درجة الانصاف. وهو اعتبار ما لهم من المحاسن ومقابلتها الاساءة الصادرة منهم اليهم ووازنوا بين هذه وهذه فلابد ان يجدوا جانب الاحسان ارجح من جانب الاساءة او متساويين او ترجح الاساءة. وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم. واما من نزل عن درجة الانصاف فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه. تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى من الظلم. هذه المراتب الثلاث مرتبة الكمال ومرتبة الانصاف ومرتبة الظلم. تميز كل احوال اهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم. ومن هو القائم بالحقوق؟ ومن هو التارك؟ والله تعالى هو المعين الموفق. واما واجب اهل العلم المتعلق بالخلق ان مهمتهم اعظم المهمات وعليهم من القيام بالحقوق اضعاف ما على غيرهم فان الله اوجب على اهل العلم ان يبينوه للناس ولا يكتموه يعلمه الجاهلين وينصحوا ويعظوا ويذكروا ويصدعوا بامر الله ويظهروا دين الله. فكما امر الله الجهال ان يتعلموا فقد امر اهل العلم ان الناس على اختلاف طبقاتهم وان يحنوا عليهم ويعلموهم مما علمهم الله. قال تعالى واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. وقال تعالى ولكن كونوا ربا آمنين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. وامر بالتبليغ والتذكير في عدة ايات. وقال صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو اية. وذم الكاتمين للحق في عدة ايات. واكثر الشرائع الظاهرة والباطنة لا يمكن قيامها ولا العمل بها الا بتعليم اهل العلم. وتذكيرهم بكل وسيلة وبكل طريق ومناسبة. ما امر الله الجهال في دين ان يتعلموا حتى امر اهل العلم ان يرشدوا ويعلموا. التعليم له طرق كثيرة سوى طرق التعليم في المدارس على اختلاف انواعها. وسوى طرق تعليم الطلبة المستعدين للتعلم في اوقات مرتبة وعلى طرائق مختلفة. وهؤلاء المتعلمون هم المستعدون للترقي في العلم بحسب بما يسر الله لهم من طرق التعليم النافعة بحسب قرائحهم واذهانهم وهم الذين يرجى ان يبلغوا مبلغا يكونون المرجوع اليهم او يكون معلمين بعدما كانوا متعلمين. وليس المقصود هنا شرح حالة التعليم في المدارس وتعليم الطلبة المستعدين. وكيفية ذلك فان لها محلا غير هذا وانما المقصود الوسائل والطرق الاخرى التي يجب على اهل العلم ان يسلكوها بايصال العلم الى الناس على اختلاف طبقاتهم ورفع الجهل حسب الامكان فمنها القاء العلوم في المساجد وينبغي ان يلقى اليهم من العلوم ما يكون فهمه اقرب الى اذهانهم وان يكون اهم الاشياء وان وتكون بعبارات مناسبة لاذهان السامعين وان يلقى في كل موسم ومناسبة ما يليق وما يتعلق بهما فان فهم الاشياء الحاضرة اقرب واشوق للاذهان من ان تكون بغير وقتها. كذلك ينبغي ان يفهموا تدخيل الصور والتفاصيل الموجودة التي يعرفونها ويعرفون وقوعها بينوا لهم موضعها ومحلها من العلم هل هي محبوبة للشارع او مكروهة؟ وما الطريق الى تحصيل المحبوب والى دفع المكروه او تخفيفه؟ وان تطبق الامور الواقعية على القواعد الشرعية حتى يتم فهمها. ان اكثر السامعين اذا القيت عليهم المسائل الشرعية مجردة عن بيان الامور الواقعة لا يدرون عن دخولها او خروجها. وكذلك ينبغي القاء العلوم النافعة في النوادي الكبار والصغار وفي المجامع التي يجتمع فيها اهل العلم بالعوام. اما امور تخف عليهم ولا يستثقلونها اذا رأى اذهانهم قابلة وقلوبهم مصغية. واما اذا حصل مناسبة عند المخاطبات بين الناس انهم يخوضون في كل حديث وفي كل موضوع دنيوي وقل موضوع منها الا ويجد العالم البصير موضعا ومحلا لالقاء ولو بعض المسائل فبيان القليل خير من الترك بالكلية والعالم الحاذق يتمكن ان يجري مع العوام في احاديثهم العادية ويلقي ما شاء الله من المسائل التي تنفعهم في اثناء تلك الاحاديث. والناصح لنفسه ولغيره يحصل من هذا خيرا كثيرا. ومن ذلك ايضا النصائح الخاصة بالاشخاص باختلاف في رتبهم من رآهم مقصرا في واجب من واجبات الله وحقوق الخلق نصحه سرا وعلمه الواجب وكيفية سلوكه والفوائد والثمرات المترتبة على فعله. ومن رآه متجرأا على محرم متعمدا او جاهلا نصحه ووعظه وبين له الوجهة التي يجب عليه سلوكها في ترك ذلك المحرم وما لتاركه من الخير والثواب وما على فاعله من الوزر والعقاب ولا يحقر صغيرا ولا كبيرا ولا شريفا ولا وضيعا. فكم حصل بهذه الطريقة من تعليم للجاهلين وارشاد للغافلين وتوجيه للخير للمعرضين او المعارضين. واولى من على العالم تعليمه ونصحه ارشاده بكل وسيلة مناسبة وطريقة ناجحة الاهل والاولاد والاقارب والاصحاب والمعاملون والخلطاء. فكما ان حقوق هؤلاء سمة على غيرهم فاحق الحقوق واولاها التعليم والنصح والارشاد والتوجيه للامور النافعة وتحذير من الامور الضارة ولا حول ولا قوة الا لله اذا وفق من عنده علم لهذه الامور التي ذكرناها بحسب اقتداره لم يزل يغنم من الخيرات والثواب من الله كلما تسلسل نفعه وعمل بارشاده ثم ما ترتب على هذه الاعمال من الدعوات المستجابات ممن انتفعوا بارشاده ونصائحه. فكم شاهدنا وشاهد غيرنا ممن وقفوا للقيام بشكر من احسن اليهم. فكم شاهدنا وشاهد غيرنا ممن وفقوا للقيام بشكر من احسن اليهم ببعض هذه الامور من التشكرات والدعوات المتكررة. كلما تذكروا نصائحه القيمة وارشاده النافع وهذه امور لا يستهان بها. واني اذكر واتذكر كثيرا من الارشادات التي وصلتني واتحفتني واني اذكر واتذكر كثيرا من الارشادات التي وصلتني واتحفني بها بعض اخواني ومشايخي الموجودين والمفقودين بعضها من اعوام لا تقل عن خمس واربعين سنة كلما ذكرتها واستحضرت نفعها لي ولغيري عرفت سعة فضل الله على اولئك المرشدين. وان نفس من اجل العبادات ثم ما ترتب على اثارها عبادات متسلسلة. فجزى الله من وصل الينا احسانه القليل والكثير افضل الجزاء تقبل الله سعيهم وضاعف لهم الاجور ونحمد الذي اوصل الينا على ايديهم من الخير والفضل حمدا كثيرا طيبا مباركا. لا يعد ولا يحصى فانه تعالى المنعم المطلق على الجميع انعم بالاسباب ومسبباتها ونسأله ان يتم نعمه على الجميع. قال سبحانه ربي اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه اصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين اوزعني ان اشكر المحسنين والمرشدين ومن انتفعت بهم مشافهة او مكاتبة او استفدت من كتبهم ان شكرهم من شكره فمن لم يشكر الناس لم اشكر الله