المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في بيان حقيقة الالحاد في اسماء رب العالمين وذكر انقسام الملحدين والمقصود من هذا الفصل حفظ اسماء الله واوصافه عن ان تحرف او تغير او ينقص منها شيء او يبخس من كمال شيء من اوصافه او تعطل او تمثل. ولهذا ذكر الاصل الجامع في هذا بقوله اسماؤه اوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت لمعاني يعني ان اسمائه كلها اوصاف مدح وحمد وثناء وهي مشتقة من معانيها ثابتة له حقائقها ولذلك كانت حسنا فلو كانت اعلاما محضة لم تكن حسنا ولو كانت دالة على نقص او بعضها دال على ذلك لما كانت كلها حسنا ولهذا اذا كان الوصف محتملا للمدح ولغيره لم يدخل بمطلقه في اوصاف الله واسمائه كالمريد والصانع والفاعل ونحو ذلك قال المصنف في البدائع الثامن عشر ان الصفات ثلاثة انواع صفات كمال وصفات نقص وصفات لا تقتضي كمالا ولا نقصا وان كانت التسمية التقديرية تقتضي قسما رابعا وهو ما يكون كمالا ونقصا باعتبارين والرب تعالى منزه عن الاقسام الثلاثة وموصوف بالقسم الاول فصفاته كلها صفات كمال محض فهو موصوف من الصفات باكملها وله من الكمال اكمله وهكذا اسماؤه الدالة على صفاته هي احسن الاسماء واكملها فليس في الاسماء احسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها وتفسير الاسم منها بغيرها ليس تفسيرا بمرادف محض وهو على سبيل التقريب والتفهيم واذا عرفت هذا فله تعالى من كل صفة كمال احسن اسم واكمله واتمه معنى وابعده وانزهه عن شائبة عيب او نقص انتهى اياك والالحاد فيها انه كفر معاذ الله من كفران وحقيقة الالحاد فيها الميل الاشراك والتعطيل والنكران فالملحدون اذا ثلاث طوائف فعليهم غضب من الرحمن بين ان اسمائه تعالى كلها اوصاف مدح حذر مما ينافي ذلك وهو الالحاد واخبر انه كفر كما قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فدعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون وانما كان الالحاد فيها كفرا لانه رد لما اخبر الله به ورسوله من صفات الله المقدسة ونعوته الكاملة بالميل فيها بالاشراك فيها وجعلها له ولغيره كما يفعله المشركون او نفي معانيها وحقائقها كما يفعله المعطلة او انكارها كاملة كما يفعله الزنادقة ولهذا اخبر المصنف ان الملحدين منقسمون الى ثلاثة اقسام وهم حل عليهم غضب الله وعذابه قال في بدائع الفوائد العشرون وهو الجامع لما تقدم من الوجوه وهو معرفة الالحاد في اسمائه حتى لا يقع فيها قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون والالحاد فيها هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادة الاحد فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق الى الباطل قال ابن السكيت الملحد المائل عن الحق المدخل فيهما ليس منه ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك وقوله تعالى ولن تجد من دونه ملتحدا اي من تعدل اليه وتهرب اليه وتلتجئ اليه وتبتهل اليه فتميل اليه عن غيره تقول العرب اتحد فلان الى فلان اذا عدل اليه اذا عرف هذا فالالحاد في اسمائه تبارك وتعالى انواع ان يسمى الاصنام بها لتسميتهم اللات من الالهية والعزى من العزيز وتسميتهم الصنم الها وهذا الالحاد حقيقة فانهم عدلوا باسمائه الى اوثانهم والهتهم الباطلة ولهذا قال هنا المشركون لانهم سموا بها اوثانهم قالوا اله ثاني هم شبهوا المخلوق بالخلاق عك سمشبه الخلاق بالانسان ان يدخل في الالحاد في اسماء الله من جهة التشريك في التسمية المشركون الذين شبهوا المخلوقات الناقصات من جميع الوجوه بالخالق الرب العظيم الكامل من كل وجه فسموها الهة ونحلوا لها من اسماء الله ما نحلوا كما تقدم ويدخل فيه ايضا المشبهة من غلاة الرافضة واليهود الذين شبهوا الخالق تعالى بالمخلوق فحملوا ما جاءت به نصوص الانبياء من اوصاف كماله على ما يعقلونه من صفات المخلوقين واعطوا صفاته خصائص صفات المخلوقين وهذا من اعظم الالحاد في اسمائه واياته وكذا كاهل الاتحاد فانهم اخوانهم من اقرب الاخوان اعطوا الوجود جميعه اسماءه اذ كان عين الله ذا السلطان والمشركون اقل شركا منهم هم خصصوا ذا الاسم بالاوثان ولذاك كانوا اهل شرك عندهم لو عمموا ما كان من كفران اي وكذلك يدخل في هؤلاء الملحدين الذين شركوا بين المخلوقين والخالق ببعض الصفات اهل الاتحاد الذين عم شرهم وطغى كفرهم وتلطفوا غاية التلطف الى اضلال الناس بكفرياتهم الشنيعة التي لو اظهروها على صورتها وحقيقتها لرأى الناس منها انكار رب العالمين جملة وانكار الرسل والكتب جملة وانكار المعاد والبعث بعد الموت ولذلك اتفق العارفون باقوالهم انهم اكثر من اليهود والنصارى والمشركين ومن اكبر العجب اغترار كثير ممن ينتسب الى الاسلام بهذا المذهب الخبيث وتعظيمهم لاهل هذا المذهب حتى ادخلوه في كتبهم واعتبروه في مباحثهم ونسبوه للتحقيق فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وحقيقة مذهبهم ان جميع العالم العلوي والسفلي شيء واحد متحد بعضه ببعض. وان تباينت اجزاؤه وتفرقت احواله كما تم خالق ولا مخلوق ولا رب ولا مربوب ولا واجب الوجود وممكن الوجود بل الخالق نفس المخلوق. والرب نفس المربوب. والعبد نفس المعبود وجعلوا لله كل صفة ممدوحة ومذمومة اذ كان هو الممدوح المذموم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. فانهم اعظم الملحدين في اسماء الله وصفاته والمشركون اقل شركا منهم لانهم خصصوا معبوداتهم من الاصنام والاوثان باسماء الله وهؤلاء الملاحدة اعطوا جميع الموجودات اسماء الله واوصافه اذ كان اصل مذهبهم ان الله هو عين هذه الموجودات قالوا وانما كفرنا المشركين لانهم خصصوا الالهية ببعض المخلوقات ولو عمموا فجعلوا كل موجود الها ما اشركوا ولا كفروا فتبا لهم ما اضلهم واعماهم حيث انكروا وجود واجب الوجود الرب العظيم الملك الكبير. واشتبه عليهم بوجود هذه المخلوقات الممكنة عادي التي ليس لها من انفسها الا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال. وهذا القول يكفي في رده مجرد فان فساده معلوم بظرورة العقل والشرع والمقصود ان هؤلاء الملاحدة من الذين الحدوا في اسماء الله وجعلوها لسائر المخلوقات كما خصها المشركون ببعض المخلوقات والملحد الثاني فذو التعطيل اذ ينفي حقائقها بلا برهان ما ثم غير الاسم اوله بما ينفي الحقيقة نفي ذي بطلاني هذا القسم الثاني من الملحدين في اسماء الله وهم المعطلة لاسماء الله النافون لحقائقها ومعانيها بلا برهان ولا حجة الا اهوية واراء فاسدة لا تسمن ولا تغني من جوع فلا يثبتون لله الا اسماء مجردة عن المعاني فيقولون عليم بلا علم سميع بلا سمع بصير بلا بصر قدير بلا قدرة وان اثبتوا لها معنى اولوها بالمعاني المجازية التي يعلم بالضرورة ان الله ورسوله لم يريداها بل ارادا غيرها ويدخل في هؤلاء الجهمية والمعتزلة والاشعرية والماتريدية في الصفات الفعلية الخبرية فان مسلكهم فيها كمسلك الجهمية في الصفات الذاتية قال في البدائع ورابعها تعطيل الاسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية واتباعهم انها الفاظ محدودة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد ويقولون لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا ارادة تقوم به وهذا من اعظم الالحاد فيها عقلا ولغة وشرعا وفترة وهو مقابل الحاد المشركين فان اولئك اعطوا اسماءه وصفاته لالهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في اسمائه ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الالحاد فيهم الغالي والمتوسط والمنكوب وكل من جحد شيئا مما وصف الله به نفسه او وصفه به رسوله فقد الحد في ذلك فليستقل او ليستكثر انتهى وقوله فالقصد دفع النص عن معنى الحق قتيف اجتهد فيه بلطف بياني عطل وحرف ثم اول وانفهاء وقل اثبت بتجسيم وبالكفران للمثبتين حقائق الاسماء او صافي بالاخبار والقرآن فاذا هم احتجوا عليك بها فقل هذا مجاز وهو وضع ثاني فاذا غلبت عن المجاز فقل لهم لا تستفاد حقيقة الايقان ان وتلك ادلة لفظية عزلت عن الايقان منذ زمان يعني ان القصد من هذا المعطل الملحد دفع نص الكتاب والسنة الوارد في صفات الله ونعوته فهو مجتهد بدفعه غاية ما يمكنه بكل ما يقدر عليه فيتوسلون الى هذا المقصد الباطل بتعطيل المعاني الصحيحة وتحريفها اي تعويجها الى معان باطلة فينفي المعنى الحق ويثبت المعنى الباطل ثم ما يكفيهم هذا حتى يقذفوا اهل الحق المثبتين حقائق اسماء الله وصفاته على ما جاءت به النصوص بالتجسيم والتكفير لينفروا من قولهم ويقبحوه بما وضعوا لهم من الاسماء الباطلة ويسمون انفسهم اهل الحق ومقالتهم هي التنزيه قلبا للحقائق كما قال الله تعالى يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا فاذا هم ناظروا اهل السنة والجماعة عرفوا ان نصوص الكتاب والسنة مع اهل السنة فيوصي بعضهم بعضا فيقولون اذا احتجوا عليكم فقولوا لهم هذا مجاز والمجاز هو ما وضع ثانيا وليس المراد به ما يفهم منه فاذا تمكنوا من هذا صالوا به وجالوا فاذا غلبوا عن المجاز واتاهم من الحقائق ما لا قبل لهم به ولا يمكن دعوى المجاز به كما هو جلي في نصوص الاسماء والصفات لجأوا الى قاعدة لهم خبيثة باطلة وهي ان النصوص ادلة لفظية لا تفيد الحق واليقين وانما تفيد غلبة الظن وبزعمهم ان الذي يفيد اليقين هو ارائهم الفاسدة وعقولهم الضالة فاذا اتت النصوص مخالفة لما استقر في نفوسهم رأوا من اللازم صرفها عن المراد بها موافقة لما يعتقدونه وقد غلطوا في هذا اكبر الغلط وافحشه فان نصوص الكتاب والسنة في اعلى رتب الحق واليقين وهي ارفع انواع الصدق فانها كلام الله الذي لا اصدق منه قيلا ولا احسن منه حديثا وكلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ومع ذلك فقد ايد الله ورسوله ما اخبر به من الحق بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة التي لا تبقي في قلب مريد الحق والهدى ادنى ريب وغاية ما يوجد عند المتكلمين من المعقولات والبراهين جزء يسير مما اشتمل عليه كتاب الله وسنة رسوله بل لا يمكن ان يوجد في الكتاب والسنة مسألة واحدة مخالفة لما يعلمه العقلاء اهل البصائر النافذة بل ادلة المعقول موافقة لادلة المنقول فكيف يقول القائل انها ادلة لفظية لا تفيد اليقين سبحانك هذا بهتان عظيم يلزم منه بطلان اخباره واوامره ونواهيه والكفر برب العالمين رأسا فانه لا يشاء متأول ان يتأول اذا فتحت لهم هذه القاعدة الشنعاء والمقالة التي لم يسبق المتكلمين بها احد من رسل الله ولا من الصحابة والتابعين لهم باحسان ثم ان للمتكلمين اصلا اخر اليه يفزعون عند تزاحم النصوص عليهم وبه يتحصنون عن ادلة الكتاب والسنة ذكره بقوله فاذا تظافرت الادلة كثرة وغلبت عن تقرير ذا ببياني اعليك حينئذ بقانون وضع ناهوا لدفع ادلة القرآن ولكل نص ليس يقبل ان يؤوا ولا بالمجاز ولا بمعنى ثاني قل عارض المنقول معقول ومل امران عند العقل يتفقان ما ثم الا واحد من اربع متقابلات كلها بميزان يعمل ذين وعكسه او تلغي معقول ما هذا بذي كان العقل اصل النقل وهو ابوه ان تبطنه يبطل فرعه التحتاني فتعين الاعمال للمعقول الغاء للمنقول بالبرهان اعماله يفضي الى الغائه فاهجره هجر الترك والنسيان يعني ان المتكلمين يصولون بهذا القانون الباطل على دفع ادلة الكتاب والسنة وحاصل تقريره انهم يقولون اذا تعارض العقل والنقل فلا بد من واحد من اربعة امور اما ان يعملا كلاهما او يلغيا او يعمل النقل ويلغى العقل او يعمل العقل ويلغى النقل وعندهم ان الاقسام الثلاثة الاول غير ممكنة وانه يتعين القسم الرابع وهو اعمال المعقول والغاء المنقول وذلك ان اعمالهما مع التعارض غير ممكن فانهما لو اعملا والحالة هذه لم يكن تعارض والغاؤهما ايضا غير ممكن لانه يلزم منه ابطال العقل والنقل واعمال النقل مع الغاء العقل غير ممكن على زعمهم لان اعمال النقل يقتضي الغاءه فان النقل لم يعرف الا بالعقل فهو الطريق لثبوته على زعمهم فاذا قدحنا في الاصل الذي هو العقل لزم القدح فيما يتفرع عنه وهو النقل فتعين حينئذ اعمال العقل والغاء النقل بهذا القانون الفاسد ووجب ان توزن به نصوص الكتاب والسنة وهذا التقسيم الذي حصروه بهذه الاقسام والحكم الذي حكموا به باطلان عقلا وشرعا وقد تصدى لابطاله الامام الكبير شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتابه العقل والنقل فقال لما ذكر تقسيمهم هذا والمقصود هنا الكلام على قول القائل اذا تعارضت الادلة السمعية والعقلية الى اخره والكلام على هذه الجملة بني على بيان ما في مقدمتها من التلبيس فانها مبنية على مقدمات اولاها ثبوت تعارضهما والثانية انحصار التقسيم فيما ذكره من الاقسام الاربعة والثالثة بطلان الاقسام الثلاثة والمقدمات الثلاث باطلة وبيان ذلك بتقديم اصل وهو ان يقال اذا قيل تعارض دليلان سواء كانا سمعيين او عقليين او احدهما سمعيا والاخر عقليا فالواجب ان يقال لا يخلو اما ان يكونا قطعيين او يكونا ظنيين واما ان يكون احدهما قطعيا والاخر ظنيا فاما القطعيان فلا يجوز تعارضهما سواء كان عقليين او سمعيين او احدهما عقليا والاخر سمعيا وهذا متفق عليه بين العقلاء لان الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله ولا يمكن ان تكون دلالته باطلة وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان واحدهما يناقض مدلول الاخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد انها قطعية فلابد ان يكون الدليلان او احدهما غير قطعي او الا يكون مدلولاهما متناقضين فاما مع تناقض المدلولين المعلومين فيمتنع تعارض الدليلين وان كان احد الدليلين المتعارضين قطعيا دون الاخر فانه يجب تقديمه باتفاق العقلاء سواء كان هو السمعي او العقلي فان الظن لا يدفع اليقين واما ان كانا جميعا ظنيين فانه يصار الى طلب ترجيح احدهما فايهما ترجح كان هو المقدم سواء كان سمعيا او عقليا ثم اطال الكلام بما يشفي ويكفي رحمه الله تعالى ولما كان كلام المؤلف عن المتكلمين بذكر هذا القانون يوهم نوع مبالغة دفع هذا الوهم بقوله والله لم نكذب عليهم اننا وهموا لدى الرحمن مختصمان وهناك يجزى الملحدون ومن نفل الحاد يجزى ثم بالغفران ولعله اخذه من قوله تعالى وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون فالملحدون يجزون بالعقاب الوبيل والمثبتون لله الاسماء والصفات النافون لالحاد الملحدين يجزون هناك بالعفو والغفران والخلود في الجنة ونيل اعلى الكرامات فاصبر قليلا انما هي ساعة يا مثبت الاوصاف للرحمن فلسوف تجني اجر صبرك حين يجئ للغير وزر الاثم والعدوان فالله سائلنا وسائلهم عن اثبات والتعطيل بعد زمان فاعد حينئذ جوابا كافيا عند السؤال يكون ذات بيان يرغب رحمه الله المثبت لصفات الله على صبره على ذلك ولو كثر المخالفون ورأى منهم المعارضة والمعاكسة فان الصبر عاقبته حميدة خصوصا في المحن التي ستنقطع وربما اعقبها في الدنيا السعادة والفلاح والعز والصلاح فان الدنيا كلها قليل وعمر الانسان منها اقل القليل واوقات الابتلاء والامتحان نزر يسير بالنسبة الى عمره ووقته الله سائل العباد عما كانوا عليه في الدنيا فمن كان جوابه ان يقول قد قلت يا ربي ما قلته في كتابك وقاله رسولك محمد صلى الله عليه وسلم فهذا الجواب المنجي ومن كان جوابه تقديم العقول الكاسدة والاراء الفاسدة على ما قاله الله وقاله رسوله لم يكن ذلك منجيا له من العقاب ولا موصلا له الى الثواب فان الله لا يسأل العباد الا عما جاءت به المرسلون اقرارا وعلما وعملا هذا وثالثهم فنا فيها وانا فيما تدل عليه بالبهتان ذا جاحد الرحمن حقا لم يقر رب خالق ابدا ولا رحمن يعني ان الملحد الثالث هو النافي لاسماء الله ونا فيما تدل عليه من صفات الكمال بالبهتان والقول الباطل وهذا اعظم انواع الالحاد فانه متضمن لجحد الخالق وجحد ربوبيته واوصافه المقدسة وذلك كفرعون ونحوه وكالفلاسفة الذين يشتمل قولهم على جحد رب العالمين هذا هو الالحاد فاحذره لعل لله ان ينجيك من النيران وتفوز بالزلفى لديه وجنة مأوى مع الغفران والرضوان هذا اي جميع ما تقدم من الاقسام هو الالحاد بينه المصنف لاجل ان يحذر منه فانه موجب لدخول النار والحذر من هم موجب للنجاة منها وللفوز بالزلفى عند الله في جنات النعيم ونيل المغفرة والرضا من الرب الكريم فان العبد اذا نجى من الالحاد في اسماء الله واياته كان متبعا لكتب الله ولما جاءت به الرسل وهذا الطريق الموصل الى السعادة الابدية واذا فاته هذا الطريق فما ثم الا طرق الجحيم ولما كان اكثر الناس قد سلكوا طرق المهالك واقتطعتهم الشياطين عن سعادتهم الا النادر منهم وكانت النفس مجبولة على وحشة التفرد وعدم الرفيق حث المصنف رحمه الله على لزوم الاستقامة وان قل الموافق وكثر المخالف فقال لا توحشنك غربة بين الوراء فالناس كالاموات في الجبان اوما علمت بان اهل السنة غرباء حقا عند كل زمان قل لي متى سلم الرسول وصحبه والتابعون لهم على الاحسان من جاهل ومعاند ومنافق ومحارب بالبغي والطغيان وتظن انك وارث لهم وما ذقة الاذية قط في الرحمن كلا ولا جاهدت حق جهاده في الله لا بيد ولا بلسان منتك والله المحال النفس فسر تحدث سوى ذا الرأي والحسبان لو كنت وارثه لاذاك الاولى ورثوا عداه بسائر الالوان وكل هذا من حكمة الله تعالى حيث جعل لاهل الحق من يعارضهم ويقاومهم ويحرص على اذيتهم ورد ما معهم باي طريق ليقوم بذلك سبيل الجهاد وليتبين الحق من الباطل فان الحق اذا عارضه الباطل واهله ظهر من ادلته وبراهينه ما يبهر العقول ووضح واستعلن وتبين من بطلان الباطل وفساده ما به العبرة لمن اعتبر وليحصل بذلك التمييز بين الصادق من الكاذب فان المؤمن الصادق المتبع للحق على الحقيقة لا تزيده المعارضات الا ثباتا على ما هو عليه ويزداد ايمانه ويكمل ايقانه بخلاف من لم يباشر الايمان قلبه ولم يصل اليقين في حقه الى مرتبة الجزم الذي لا شك فيه فهذا لا يكاد يثبت عند المحن والقلاقل فانه ممن يعبد الله على حرف فمع العافية المستمرة ربما لزم ما هو عليه ومن لطف الله في حق هذا الا يقيض له من المحن ما يزيل ايمانه بل يعافيه والا فسنة الله الجارية التي لا تغير ولا تبدل انه لا بد من الابتلاء كما قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الف احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين فلو سلم احد من المعارضين من المعاندين والمنافقين والمحاربين لسلم الرسول واصحابه والتابعون لهم باحسان فمن ظن انه متبع لهم على الحقيقة وانه سيسلم من الاذى في سبيل الله فهو غالط فانه لا بد ان يكون للرسول واصحابه وراث ولاعدائهم وراث ويقوم سوق الجهاد فان الدنيا دار مجاهدة وعبادة لا محل طمأنينة واستقرار فان الراحة التامة في جنات النعيم ومن المعلوم ان الراحة لا تدرك بالراحة بل لا بد من التعب والعناء ولكن قد يهونه الله على عباده المؤمنين فيجدون من لذة المجاهدة في طاعة ربهم اعظم مما يجده اهل الشهوات الحسية وهذا هو الواقع ولكن مرارة الابتداء تمنع اكثر الناس عن هذا الامر العظيم ليقضي الله امرا كان مفعولا