المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله اصول تتعلق بالنكاح وتوابعه من الاحكام. قال الله تعالى وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم. ذلك ادنى الا تعولوا. واتوا النساء تاء صدقاتهن نحلة. فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه. فكلوه هنيئا مريض. لما من الباري على عباده بالنكاح قدرا واباحه شرعا. بل احبه ورضيه وحث عليه لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة رتب عليه احكاما كثيرة وحقوقا متنوعة. تدور كلها على الصلاح واصلاح احوال الزوجين ودفع الضرر والفساد وهي من محاسن الشريعة والشريعة كلها محاسن وجلب للمصالح ودرء للمفاسد. يقول تعالى هنا وان خفتم الا تقسطوا اي تقوموا بحق النساء اليتامى اللاتي تحت حجوركم وولايتكم لعدم محبتكم اياهن. فاعدلوا الى غيرهن. فانكحوا ما طاب لكم من النساء اينبغي ان تختاروا منهن الطيبات في انفسهن اللاتي تطيب لكم الحياة بالاتصال بهن. الجامعات للدين والحسب والعقل والادب الحسنة وغير ذلك من الاوصاف الداعية لنكاحهن. وفي هذه الاية الحث على الاختيار قبل الخطبة. وانه ينبغي الا يتزوج الا للصفات المقصودة بالنكاح. فان النكاح يقصد لامور كثيرة. من اهمها كفاءة البيت والعائلة. وحسن التدبير وحسن التربية. واهم من صفة هذا النوع الدين والعقل. ويقصد به احصان الفرج والسرور في الحياة. وعمدة هذا حسن الاخلاق الظاهرة وحسن الخلائق فاطنة ويقصد به نجابة الاولاد وشرفهم. واساسه الحسب والنسب الرفيع. ولهذا اباح الشارع بل امر بالنظر لمن يخطبها. ليكون على بصيرة من امره مثنى وثلاث ورباع. اي من احب ان يتزوج اثنتين فليفعل او ثلاثا او اربعا فليفعل. ولا يزيد على الاربع. لان الاية تيقت للامتنان فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله اجماعا. وذلك ان الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة او لا يحصل مقصوده او قصده بها كما تقدم ان النكاح له عدة مقاصد. فلهذا اباح الله لهذا العدد. لان في الاربع غنية لكل احد الا ما نظر. فاذا خاف فمن نفسه الجور والظلم بزيادة على الواحدة فليقتصر على الواحدة او على ملك يمينه التي لا يجب عليه لها قسم كالزوجات. ذلك اي الاقتصار على الواحدة من الزوجات او ما ملكت اليمين ادنى الا تعولوا اي تظلموا وتجوروا. ويستفاد من هذا المعنى ان تعرض العبد الامر الذي يخاف منه الجور والظلم وعدم القيام بالواجب ولو كان مباحا. لا ينبغي له ان يتعرض له بل يلزم السعة والعافية. فان العافية خير ما اعطي العبد ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن وخصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا دفعة واحدة يشق عليهم حثهم على ايتاء النساء صدقاتهن. اي مهورهن نحلة. اي عن حال طمأنينة وطيب نفس من غير مطل ولا بخس منه شيئا. وفيه ان المهر للمرأة وانه يدفع اليها او الى وكيلها ان كانت رشيدة. او الى وليها ان لم تكن رشيدة. وانها تملكه بالعقد لانه اضافه اليها وامر باعطائه لها. وذلك يقتضي الملك. فان طبن لكم عن شيء منه اي من الصداق نفسا باسقاط شيء منه او تأخيره او المحاباة في التعويض عنه فكلوه هنيئا مريئا. لا تبعت عليكم فيه ولا حرج. وهذا دليل على ان للمرأة الرشيدة التصرف في مالها ولو بالتبرع وانه ليس لوليها من الصداق شيء الا ما طابت نفسها به اذا كانت رشيدة. ويؤخذ من الامر بنكاح ما طاب من النساء تحريم نكاح الخبيثة التي لا يحل للمسلم نكاحها. وهي الكافرة غير الكتابية. وكذلك الزانية حتى تتوب كما نص الله على الاثنتين. وفي هذه الاية دليل على انه لابد في النكاح من صداق. وانه يجوز في الكثير واليسير للعموم. وانه لا يباح لاحد احد ان يتزوج بدون صداق وان لم يسمى فمهر المثل الا النبي صلى الله عليه وسلم فان له ذلك خاصة كما قال تعالى اتم مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين. وفي قوله ولا تعضلوهن ينكحن ازواجهن. دليل على اعتبار الولي في النكاح وهو العاصي. ويقدم منهم الاقرب فالاقرب. فان تعذر الولي القريب والبعيد بعدم او جهل او غيبة طويلة قام الحاكم مقام الولي. فالسلطان والحاكم ولي من لا ولي لها من النساء. يا ايها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها. ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن. الا ان يأتين فاحشة مبينة. وعاشروهن بالمعروف. فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا الى قوله ميثاقا غليظا. كان اهل الجاهلية اذا مات احدهم ورثت زوجته كما يورث ماله. فرأى قريبه كاخيه عمه انه احق بها من نفسها ويحجرها عن غيره. فان رضي بها تزوجها على غير صداق او على صداق يحبه هو دونها وان لم يرضى بزواجها عضلها ومنعها من الازواج. والا بعوض من الزوج او منها. وكان منهم ايضا من يعضل زوجته التي هي في حبال فيمنعها من حقوقها ومن التوسعة لها لتفتدي منه. فنهى الله المؤمنين عن هذه الاحوال القبيحة الجائرة. الا ان يأتين فاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش واذيتها لزوجها. ومن يتصل به فيجوز في هذه الحال ان يعضلها مقابلة لها على فعلها لتفتدي منه فان هذا الافتداء بحق لا بظلم. ثم قال وعاشروهن بالمعروف. وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية فعلى الزوج ان يعاشر زوجته ببذل النفقة والكسوة والمسكن اللائق بحاله. ويصاحبها صحبة جميلة بكف الاذى وبذل للاحسان وحسن المعاملة والخلق والا يمطلها حقها. وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة. وكل ذلك يتبع العرف في كل زمان ومكان وحال ما يليق به. قال تعالى لينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق ومما اتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها. وقوله فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا جعل الله فيه خيرا كثيرا. اي ينبغي لكم يا معشر الازواج ان تمسكوا زوجاتكم ولو كرهتموهن. فان في ذلك خيرا كثيرا منها امتثال امر الله ورسوله الذي فيه سعادة الدنيا والاخرة. ومنها اجباره نفسه ومجاهدته اياها مع عدم حبه لزوجته. تمرين على التخلق بالاخلاق الجميلة. ربما زالت الكراهة وخلفتها المحبة. وربما زالت الاسباب التي كرهها لاجلها وربما رزق منها ولدا صالحا. نفع الله به والديه في الدنيا والاخرة. ولابد لهذه الكراهة من اسباب مع الزوجة. فينبغي اذا كره فيها منها خلقا لحظ بقية اخلاقها. وما فيها من المقاصد الاخر. ويجعل هذا في مقابلة هذا. وهذا عنوان الانصاف والرأي الاصيل فان النازق الطائش الذي ليس عنده انصاف يلاحظ بعض اغراضه النفسية. فاذا لم ياتي على ما يريد اهدر المحاسن والمناقب الاخر. وهذا الا يكاد يصفو له خل في حياته؟ لا زوجة ولا صاحب ولا حبيب. بل هو سريع التقلب. اما الرجل الحازم الوفي الذكي فانه يوازن بين الامور ويقدم الحق السابق ويفي بالسوابق ويكون نظره للمحاسن ارجح من نظره للمساوئ. فان وصل الى الدرجة العالية التي لا اليها الا افراد منكن للرجال. جعل المحاسن نصب عينيه واغضى عن المساوئ بالكلية. وعفا عنها لله ولحق صاحب الحق. هذا فقد كسب الاجر والراحة والخلق الذي لا يلحق. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وهذا الصبر المأمور به انما هو مع الامكان. فان انا لا بد من الفراق ولم يبق للصابر والامساك موضع فالله قد اباح الفراق. فلهذا قال وان اردتم استبدال زوج مكان زوج اي لا حرج عليكم ولكن اذا اتيتم احداهن اي الزوجة السابقة او اللاحقة قنطارا وهو المال الكثير. فلا تأخذوا منه شيء بل وفروه لهن ولا تمطلوهن. وهذا يدل على جواز اعطاء النساء من المهور وغيرها المآل الكثير. وانها بذلك تملكه. ولكن الاكمل والافضل التساهل في المهور اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسهيلا للنكاح وطرقه وبراءة للذمم. ثم ذكر الحكمة في تحريم تاخدي الزوج ما اعطاه لزوجته. فقال اتاخذونه بهتانا واثما مبينا؟ وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض؟ فاخذنا منكم نفاقا غليظا. وبيان ذلك ان الانثى قبل عقد النكاح محرمة على الزوج. وهي لم ترضى بهذا الحل الا بالعقد والميثاق الغليظ. الذي على ذلك العوض المشروط اذا دخل عليها وباشرها وافضى اليها وافضت اليه وباشرها المباشرة التي كانت قبل هذه الامور حراما. فكيف يستوفي المعوض ثم يرجع على العوض لا ريب ان هذا من المنكرات القبيحة شرعا وعقلا وفترا. ولتنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء. ثم عدد المحرمات الى ان قال واحل لكم ما وراء ذلكم. قد استوفى الباري المحرمات في النكاح في هذه الايات في النسب والرضاع والمصاهرة اما المحرمات بالمصاهرة فاذا تزوج الرجل امرأة ترتب على هذا الزواج اربعة احكام. تحريم هذه الزوجة على اولاده. وان نزلوا نسبا ورضاعة وتحريمها على ابائه وان علوا نسبا ورضاعا وحرمت عليه امها في الحال. اما بنتها فان كان قد دخل لزوجته حرمت ايضا وصارت رديبة. لا فرق بين بنتها من زوج سابق له. او من زوج خلفه عليها. واما المحرمات بالنسب فتحرم الامهات. وهن كل انثى لها عليك ولادة. وهي التي تخاطبها بالام والجدة. وان علت من كل جهة. وتحرم وهن كل انثى تخاطبك بالابوة او بالجدودة من بنات لبن وبنات البنات. وان نزلن تحرم الاخوات شقيقات كن او اب او لام وبنات الاخوة وبنات الاخوات مطلقا محرم العمات والخالات. وهن كل اخت لاحد ابائك وان علا او احدى امهاتك وان علون. وما سوى ذلك من الاقارب حلال كبنات الاعمام وبنات العمات وبنات الاخوال وبنات الخالات ولهذا ذكر الله هذا الحل والتحريم المهم في موضعين في هذا الموضع صرح بالمحرمات السبع وقال احل لكم ما وراء ذلكم بسورة الاحزاب اتى بها باسلوب اخر. فقال في الحل وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك اي فهن حلال وما عداهن من الاقارب حرام. واما المحرمات بالرضاع فانهن نظير المحرمات بالنسب. من جهة المرضعة صاحبة اللبن. فالمرضعة ام الرضيع. وامهاتها جداته. واخواتها واخواتها اخواله وخالاته. واولادها اخوته واخواته وهو عم لاولادهم او خال. وكذلك صاحب اللبن. واما الانتشار من جهة الطفل الرادع فلا ينتشر التحريم لاحد من اقاربه الا لذريته فقط. وتقييد الاية في الربيبة بقوله اللاتي في حجوركم من نسائكم. بيان لاغلب احوالها بيان اعلى حكمة تناسب حكمة التحريم. وانها اذا كانت في حجرك بمنزلة بناتك لا يليق الا ان تكون من محارمك. وتقييدها الاخر قوله وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم يخرج ابن التبني لا يخرج ابن الرضاع في قول جمهور العلماء. والمحصنات من النساء اي من من ذوات الازواج. فكل انثى في عصمة زوج او في بقية عدته لا تحل لغيره. لان الاضلاع ليست محل اشتراك بل قصد تمييز زهى التام. ولهذا شرعت العدة والاستبراء ونحو ذلك. وقوله الا ما ملكت ايمانكم المراد بهذا الملك ملك السبي اذا المرأة ذات الزوج من الكفار في القتال الشرعي حقت للمسلمين. ولكن بعد الاستبراء او العدة فزوجها الحربي الذي في دار الحرب لم يبقى له فيها حق ولا له حرمة ولهذا حلت للمسلمين كما حل لهم ماله ودمه. لانه ليس له عهد ولا مهادنة. وقوله واحل لكم ما وراء ذلكم اي ما سوى ما نص الله على تحريمه سبع بالنسب وسبع بالرضاع واربع بالصهر. فما عداهن فانه حلال الا انه حرم تعالى الجمع بين الاختين. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها. وحرم على الاحرار نكاح المملوكات لما فيه من ارقاق الولد ولما فيه من الدناءة والضرر العائد للاولاد بتنازع الملاك وتنقلات الارقاء. لكن ان اذا رجحت مصلحة الاباحة فقد اباحه الله بشرط المشقة لحاجة متعة او خدمة. والا يقدر على الطول للحرة. وان تكون الامة مؤمنة وباذن اهلها. عند اجتماع هذه الشروط كلها يحل للحر نكاح الاماء. وقوله الرجال قوامون على النساء بما فضل الله وبعضهم على بعض. وبما انفقوا من اموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. واللاتي تخافون نشوزا لهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن. فان اطعناكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ان الله كان عليا كبيرا هذا خبر وامر. اي رجال قوامون على النساء في امور الدين والدنيا. يلزمونهن بحقوق الله والمحافظة على فرائضه. ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد وبتقويمهن بالاخلاق الجميلة والاداب الطيبة. وقومونا ايضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمس اسكن وتوابع ذلك بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. لذلك بسبب فضل الرجال عليهن وافضالهم عليهن فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة. من كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة. وباختصاصهم بالجهاد البدني وجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك. وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة. التي ليست للنساء كذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة. بل وكثير من النفقات الاخر والمشاريع الخيرية. فان الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد. ولهذا حدث المتعلق في قوله وبما انفقوا من اموالهم. ليدل على التعميم. فعلم من ذلك ان الرجل كالوالي والسيد على امرأته وهي عنده اسيرة عانية تحت امره وطاعته. فليتق الله في امرها وليقومها تقويما ينفعه في دينه مياه في بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا واجلا. والا يفعل فلا يلومن الا نفسه. وهن قسمان قسم هن على طبقات النساء وخير ما حازه الرجال. وهن المذكورات في قوله الصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله مطيعات لله ولازواجهن. قد ادت الحقين وفازت بكفلين من الثواب. حافظات انفسهن من جميع الريب. وحافظات لامان ورعاية بيوتهن وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة والادب النافع في الدين والدنيا. وعليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك ولهذا قال بما حفظ الله اي اذا وفقنا لهذا الامر الجليل فليحمدنا الله على ذلك ويعلمنا ان هذا من حفظه وتوفيقه وتيسيره لها فان من وكل الى نفسه فالنفس امارة بالسوء ومن شاهد منة الله وتوكل على الله وبذل مقدوره في الاعمال النافعة كفاه الله ما اهمه واصلح له اموره ويسر له الخير واجراه على عوائده الجميلة. والقسم الثاني هن الطبقة النازلة من النساء. وهن بضد السابقات في كل خصلة. اللاتي من سوء اخلاقهن وقبح تربيتهن تترفع عن زوجها. وتعصيه في الامور الواجبة والمستحبة. وامر الله بتقويمهن بالاسهل فالاسهل. فقال واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن. اي بينوا لهن حكم الله وحكم رسوله في وجوب طاعة الازواج ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب. فخوفوهن معصية الازواج وذكروهن ما في ذلك من العقاب وما يترتب عليه من قطع حقوقها واباحة هجرها وضربها. فان تقومنا بالوعظ والتذكير فذلك المطلوب فحسب قال الاتفاق الذي لا يشوبه مكدر فان لم يفد التذكير تهجروهن في المضاجع بان لا ينام عندها ولا يباشرها بجماع ولا غيره لعل الهاجر ينجح فيها. ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود فقط. فان القصد بالهاجر نفع المهجور وادبه. ليس الغرض منه شفاء النفس كما يفعلهم من لا رأي له اذا خالفته زوجته او غيرها. ولم يحصل مقصوده. هجر هجرا مستمرا. اي بقي متأثرا بذلك. عاتبا على من لم على ما يحب ووصلت به الحال الى الحقد الذي هو من الخصال الذميمة. فهذا ليس من الهجر الجميل النافع. وانما هو من الحقد الضار بصاحبه الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة. فان نفع الهاجر للزوجة والا انتقل الى ضربها ضربا خفيفا غير مبرح. ان حصل المقصود ورجعت الى الطاعة وتركت المعصية عاد الزوج الى عشرتها الجميلة ولا سبيل له الى غير ذلك من اذيتها لانها رجعت الى الحق الدواء لكل عاص ومجرم. لان الشارع رغبه اذا ترك اجرامه عاد حقه الخاص والعام كما في حق التائب من الظلم وقطع الطريق وغيرها فكيف الزوج مع زوجته؟ وفي هذه الاية ونحوها فائدة نافعة وهي انه ينبغي لمن عاد الى الحق الا يذكر الامور السالفة فان ذلك للثبات على المطلوب فان تذكير الامور الماضية ربما اثار الشر فانتكس المرض وعاد الحال الى اشد من الاولى. وان خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. ان الله كان عليما خبيرا هذه حالة اخرى غير الحالة السابقة التي يمكن للزوج معالجتها. وهذه اذا استطاع الشر بين الزوجين وبلغت الحال الى الخصام وعدم الالتئام ولم ينفع في ذلك وعظ ولا كلام. فابعثه حكما من اهله وحكما من اهلها. عدلين عاقلين يعرفان الجمع والتفريق وثماني الامور كما ينبغي. ان الحكم لا بد ان يتصف بهذه الاوصاف. فيبحثان في الاسباب التي ادت بهما الى هذه الحال. يسألان كلا من منهما ما ينقم على صاحبه ويزيلان ما يقدران عليه من المعتبة بترغيب ناقم على الاخر بالاغضاء عن الهفوات واحتمال الزلات وارشاد يد الاخر الى الوعد بالرجوع وارشاد كل منهما الى الرضا والنزول عن بعض حقه. فكم حصل بهذا الطريق من المصالح شيء كثير؟ وان امكنهما الزام المتعصب على الباطل منهما بالحق فعلا. ومهما وجدا طريقا الى الاصلاح والاتفاق والملاءمة بينهما لم يعدلا عنها. اما تنازل عن بعض الحقوق واما ببذل مال او غير ذلك. فان تعذرت الطرق كلها ورأيا ان التفريق بينهما اصلح لتعذر الملاءمة فرقى بينهما بما تقتضيه الحال بعوض او بغير عوض. ولا يشترط في هذا رضا الزوج بان الله سماهما حكمين. لا وكيلين ومن قال انهما وكلان اشترطا في التفريق رضا الزوج. ولكن هذا القول ضعيف. ولمحبة الباري للاتفاق بينهما وترجيحه على الاخر. قال ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. اي بسبب الرأي الميمون والكلام اللطيف. والوعد الجميل الذي يجذب القلوب ويؤثر فيها ان الله كان عليما خبيرا. بالسرائر والظواهر مطلعا على الخفايا. فمن كمال علمه وحكمته شرع لكم هذه الاحكام الجليلة التي هي الطريق الوحيد الى القيام بالحقوق. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا. والصلح خير واحضرت الانفس الشح. وان تحسنوا وتتقوا. فان الله كان بما تعملون خبيرا. هذه حالة من احوال الزوجين غير الاحوال السابقة. لان الحالتين السابقتين حالة نشوز الزوجة وحالة وقوع الخصام الشر بينهما. وهذه اذا كان الزوج هو الراغب عن زوجته. اما عدم محبة واما طمعا. فارشد الله في هذه الحال الى الطريق التي تستقيم به الامور وهو طريق الصلح من المرأة او وليها ليعود الزوج الى الاستقامة بان تسمح المرأة عن بعض حقها اللازم لزوجها على شرط البقاء معه وان يعود الى مقاصد النكاح او بعضها كأن ترضى ببعض النفقة او الكسوة او المسكن او تسقط حقها من القسم او يومها وليلتها لزوجها او لضرتها باذنه. فمتى اتفقا على شيء من ذلك؟ فلا حرج ولا بأس. هذا احسن من المقاضاة في الحقوق المؤدية الى الجفاء او الى الفراق. ولهذا قال الصلح خير. وهذا اصل عظيم في جميع الاشياء. وخصوصا في الحقوق المتنازع فيها لان المصالحة فيها خير من استقصاء كل منهما على حقه كله لما في الصلح من بقاء الالفة والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز المسلمين في كل الابواب الا صلحا احل حراما او حرم حلالا. واعلم ان كل حكم من الاحكام لا يتم ولا يكمل الا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح. فذكر الله تعالى المقتضي لذلك فقال والصلح خير. والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه فان كان مع ذلك قد امر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله واحضرت الانف نفوس الشح اي جبلت النفوس على الشح وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق. وعدم الرغبة في بذل ما على الانسان والحرص على الحق الذي له فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا اي فينبغي لكم ان تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم وتقليله وتلطيفه وتستبدلوا به ضده وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك. والاقتناع ببعض الحق الذي لك. والاغضاء عن التقصير. فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة. وتساهلت الطرق الموصلة الى المطلوب. ومن لم يكن بهذا ده الوصف تعسر الصلح او تعذر لانه لا يرضيه الا جميع ما له كاملا مكملة. ولا يهون عليه ان يؤدي ما عليه. فان كان خصمه مثله واشتد الامر ثم قال وان تحسنوا وتتقوا اي تحسنوا في عبادة الخالق والاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وتحسنه الى المخلوقين بكل احسان قولي او فعلي. فتتقوا الله بفعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات احسنوا بفعل المأمور وتتقوا بترك المحظور. فان الله كان بما تعملون خبيرا. فيجازيكم على قيامكم بالاحسان والتقوى او على عدم ذلك بالجزاء والفضل والعدل. ولن تستطيع ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروا كالمعلقة وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما. يخبر الله تعالى انه ليس في قدرة الازواج العدل التام بين زوجاتهم. فان العدل التام يقتضي ان يكون الداعي والحب على السواء. والميل القلبي على السواء ويقتضي مع ذلك الايمان الصادق الرغبة في مكارم الاخلاق للعمل بمقتضى ذلك فهو متعذر غير ممكن. فلذلك عذر الله الازواج وعفا عنهم عما لا يقدرون عليه ولكنه امرهم بالعدل الممكن فقال فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة. اي لا تميل الى احداهن عن الاخرى ميلا كثيرا بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة. بل افعلوا ما استطاعكم من العدل. فالنفقة والكسوة والقسم في المبيت والفراش. ونحو ذلك مقدور. فعليه حكم العدل فيها بينهن بخلاف الحب والوطء وتوابع ذلك. فالعبد لا يملك نفسه فعذره الله. وقوله فتذروها كالمعلقة. يعني لان الزوج اذا مال عن زوجته وزهد فيها ولم يقم بحقوقها الواجبة وهي في حباله اسيرة عنده صارت كالمعلقة التي لا زوج لها تستريح. ولا ذات زوج يقوم بحقوقها. وان تصلحوا فيما بينكم وبين زوجاتكم بوجه من وجوه الصلح كما تقدم. وبمجاهدة انفسكم قم عن فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة. وتصلح ايضا فيما بينكم وبين الناس فيما تنازعتم به من الحقوق. وتتقوا الله لامره واجتناب نهيه فان الله كان غفورا رحيما. وان يتفرقا يغني الله كلا من سعته. وكان الله واسعا حكيما يعني اذا تعذر الاتفاق والالتئام فلا بأس بالفراق. فقال وان يتفرقا بفسخ او طلاق او خلع او غير ذلك يغن الله كلا من الزوجين من سعته اي من فضله واحسانه العام الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها. ويغنيها من فضله رزق من غير طريقه فانها وان توهمت انه اذا فارقها زوجها المنفق عليها القائم بمؤنتها تنقطع عنها الرزق فسوف يغنيها الله من فضله فان رزقها ليس على الزوج ولا على غيره بل على المتكفل القائم بارزاق الخليقة كلها. وخصوصا ان تعلق قلبه به ورجاءه رجاء قلبيا طامعا في فضله كل وقت فان الله عند ظن عبده به. ولعل الله يرزقها زوجا خيرا لها منه وانفع. وكان الله واسعا اي واسع الرحمة كثير الاحسان حكيمة في وضع الامور في مواضعها. وفي الاية تنبيه على انه ينبغي للعبد ان يعلق رجاءه بالله وحده. وان الله اذا قدر له سببا من اسباب الرزق والراحة ان يحمده على ذلك ويسأله ان يبارك فيه له. فان انقطع او تعذر ذلك السبب فلا يتشوش قلبه فان هذا السبب من جملة اسباب لا تحصى. لا يتوقف رزق العبد على ذلك السبب المعين. هل يفتح له سببا غيره احسن منه وانفع وربما فتح له عدة اسباب فعليه في احواله كلها ان يجعل فضل ربه والطمع في بره نصب عينيه وقبلة قلبه. ليكثر من الدعاء المقرون بالرجاء فان الله يقول على لسان نبيه انا عند ظن عبدي بي فان ظن بي خيرا فله. وان ظن بي شرا فله. وقال انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا ابالي