اي القوا كل ما في خواطركم القاؤه لم يقيده بشيء دون شيء. لجزمه ببطلان ما جاءوا به من معارضة الحق فالقوا حبالهم وعصيهم. فاذا هي حيات تسعى وسحروا بذلك اعين الناس. فاستعان عذاب ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني يقول يا ويوم يعض الظالم بشركه وكفره وتكذيبه للرسل على يديه تأسفا وتحسرا وحزنا واسفا. يقول يا ليتني اتخذت اي طريقا بالايمان به وتصديقه واتباعه انما الايمان النافع الايمان بالغيب كما قال الله تعالى هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة او يأتي ربك او يأتي بعضهم وايات ربك يوم يأتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي علينا الملائكة او نرى ربنا. لقد استكبروا في انفسهم اي قال المكذبون للرسول المكذبون بوعد الله ووعيده الذين ليس في قلوبهم خوف الوعيد ولا رجاء للقاء الخالق اي هلا نزلت الملائكة تشهد لك بالرسالة وتؤيدك عليها او تنزل رسلا مستقلين او تم بها كل ناقص وزال بها كل نقص. وغلبت الاسماء الدالة عليه الاسماء الدالة على الغضب. وسبقت رحمته غضبه وغلبته فلا السبق والغلبة. وخلق هذا الادمي الضعيف وشرفه وكرمه. ليتم عليه نعمته وليتغمده برحمته. وقد نرى ربنا فيكلمنا ويقول هذا رسولي فاتبعوه. وهذا معارضة للرسول بما ليس بمعارض. بل بالتكبر والعلو العتو. لقد استكبروا في انفسهم لقد استكبروا في انفسهم حيث اقترحوا هذا الاقتراح وتجرأوا هذه الجرأة. فمن انتم يا فقراء؟ ويا مساكين حتى تطلبوا رؤية الله. وتزعموا ان الرسالة متوقف ثبوتها على ذلك. واي كبر اعظم من هذا؟ اي قسوا طلبوا عن الحق قساوة عظيمة فقلوبهم اشد من الاحجار. واصلب من الحديد لا تلين للحق ولا تصغي للناصحين. فلذلك لم يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا وهو الشيطان الانسي او الجني خليلا. اي عاديت انصح الناس لي وابرهم بي وارفقهم بي وواليت اعداء عدو لي الذي لم تفيدني ولايته الا ينجح فيهم وعظ ولا تذكير. ولا اتبعوا الحق حين جاءهم النذير. بل قابلوا اصدق الخلق وانصحهم. وايات الله البينات بالاعراض والتكذيب والمعارضة فاي عتو اكبر من هذا العتو؟ ولذلك بطلت اعمالهم واضمحلت وخسروا اشد الخسران وحرموا غاية الحرمان ويقولون حجرا محجورا يوم يرون الملائكة التي اقترحوا نزولها لابد بشرى يومئذ للمجرمين. وذلك انهم لا يرونها مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم. الا لعقوبتهم وحلول البأس بهم فاول ذلك عند الموت اذا تنزلت عليهم الملائكة قال الله تعالى ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق. وكنتم عن اياته تستكبرون ثم في القبر حين يأتيهم منكر ونكير. فيسألهم عن ربهم ونبيهم ودينهم. فلا يجيبون جوابا ينجيهم فيحلون النقمة وتزول عنهم بهم الرحمة. ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة الى النار ثم يسلمونهم لخزنة جهنم الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم. فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه. ان استمروا على اجرامهم لابد ان يروه هو يلقوه وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون ولكن لا مفر لهم. ويقولون حجرا يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان وقدمنا الى ما عملوا من عمل اي اعمالهم التي رجوا ان تكون خيرا وتعبوا فيها جعلناه هباء منثورا. اي باطلا مضمحلا قد خسروه وحرموا اجره وعوقبوا عليه وذلك لفقده الايمان وصدوره عن مكذب لله ورسوله. فالعمل الذي يقبله الله ما صدر عن المؤمن المصدق للرسل المتبع لهم فيه تقربوا واحسن مقيلا. اي في ذلك اليوم الهائل كثير البلابل. اصحاب الجنة الذين امنوا بالله وعملوا صالحا واتقوا ربهم خير مستقرا من اهل النار. اي مستقرهم في الجنة وراحتهم التي هي القيلولة هو المستقر النافع. والراحة التامة لاشتمال ذلك على تمام النعيم. الذي لا يشوبه كدر بخلاف اصحاب النار فان جهنم ساءت مستقرا ومقيلا. وهذا من باب استعمال افعل التفضيل. فيما ليس في الطرف الاخر منه شيء لانه لا خير فيما قيل اهل النار ومستقرهم كقوله الله خير ام ما يشركون بالغنام ونزل الملاك يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب ومزعجات القلوب فقال ويوم تشقق السماء بالغمام. وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه. ينزل من فوق السماوات فتنفطر له السماوات وتشقق وتنزيل الملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا. اما صفا واحدا محيطا بالخلائق. واما كل سماء يكونون صفاء ثم السماء التي تليها صفا وهكذا. القصد ان الملائكة على كثرتهم وقوتهم ينزلون محيطين بالخلق. مذعنين لامر ربهم لا يتكلم منهم احد الا باذن من الله. فما ظنك بالادمي الضعيف؟ خصوصا الذي بارز مالكه بالعظائم. واقدم على مساخيط ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها. فيحكم فيه الملك الحق بالحكم الذي لا يجور. ولا يظلم مثقال ذرة لهذا قال على الكافرين عسيرا. لصعوبته الشديدة وتعسر اموره عليه. بخلاف المؤمن فانه يسير عليه خفيف الحمل يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين الى جهنم وردا وقوله الملك يومئذ اي يوم القيامة الحق للرحمن لا يبقى لاحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك كما كانوا في الدنيا بل قد تساوت الملوك ورعاياهم الاحرار والعبيد والاشراف وغيرهم. ومما يرتاح له القلب وتطمئن به النفس. وينشرح له الصدر. ان اضاف الملك في يوم القيامة لاسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت كل حي وملأت الكائنات وعمرت بها الدنيا والاخرة في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه. ينتظرون ما يحكم فيهم وما يجري عليهم. وهو ارحم بهم من انفسهم ووالديهم فما ظنك بما يعاملهم به ولا يهلك على الله الا هالك. ولا يخرج من رحمته الا من غلبت عليه الشقاوة. وحقت عليه كلمة الشقاء والخسارة والخزي والبوار حيث زين له ما هو عليه من الضلال بخدعه وتسويله يزين له الباطل ويقبح له الحق. ويعده الاماني ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه كما قال لجميع اتباعه حين اقضي الامر وفرغ الله من حساب الخلق. وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق وعدتكم فاخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي. فلا تلوموني ولوموا انفسكم. ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي. اني كفرت بما اشركتموني من قبل. فلينظر العبد لنفسه وقت الامكان. وليتدارك الممكن قبل الا يمكن وليواالي من ولايته فيها سعادته. ويعادي من تنفعه عداوته. وتضره صداقته. والله الموفق قال الرسول يا ربي ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وقال الرسول مناديا لربه وشاكيا عليه اعراض قومه عما جاء به. ومتأسفا على ذلك منهم. يا ربي ان قومي الذين ارسلتني في هدايتهم وتبليغهم. اي قد اعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع ان الواجب عليهم الانقياد لحكمه والاقبال على احكامه والمشي خلفه. قال الله مسليا لرسوله ومخبرا ان هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم فقال وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا. اي من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه. يعارضونهم ويردون عليهم. ويجادلونهم بالباطل. من بعض فوائد ذلك ان يعلو الحق على وان يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما. لان معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال. وان يتبين ما يفعل الله باهل الحق من الكرامة وباهل الباطل من العقوبة. فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات وكفى بربك هاديا يهديك فيحصل لك المطلوب الح دينك ودنياك. ونصيرا ينصرك على اعدائك. ويدفع عنك كل مكروه. في امر الدين والدنيا. فاكتفي به وتوكل عليه وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. هذا من جملة مقترحات الكفار الذين توحيه اليهم انفسهم فقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة اي كما انزلت الكتب قبله واي من نزوله على هذا الوجه. فنزوله على هذا الوجه اكمل واحسن. ولهذا قال في فؤادك ورتلناه ترتيلا. كذلك انزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك. لانه كلما فنزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا. وخصوصا عند ورود اسباب القلق. فان نزول القرآن عند حدوثه يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير. وابلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك. ثم تذكره عند حلول سببه اي مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن. وبرسوله محمد صلى صلى الله عليه وسلم حيث جعل انزال كتابه جاريا على احوال الرسول ومصالحه الدينية. ولهذا قال بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا ولا يأتونك بمثل يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك. اي انزلنا عليك اخوانا جامعا للحق في معانيه. والوضوح والبيان التام في الفاظه. فمعانيه كلها حق وصدق. لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه والفاظه وحدوده للاشياء اوضح الفاظ واحسن تفسيرا. مبين للمعاني بيانا كاملا. وفي هذه الاية دليل على انه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم وواعظ ان يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله. كذلك كالعالم يدبر امر الخلق فكلما حدث موجب او حصل موسم اتى بما يناسب ذلك من الايات القرآنية والاحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك. وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم. ممن يرى ان كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها. فاذا على قولهم لا يكون القرآن احسن تفسيرا من غيره. وانما التفسير الاحسن على دعمهم تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا اولئك شر مكانه واضل سبيلا يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم. وانهم يحشرون على وجوههم اشنع مرأى وافظع منظر تسحبه ملائكة العذاب ويجرونهم الى جهنم. الجامعة لكل عذاب وعقوبة اولئك الذين بهذه الحالة شر مكانا ممن امن بالله وصدق رسله. وهذا من باب استعمال افعال التفضيل فيما ليس في الطرف الاخر منه شيء فان المؤمنين حسن مكانهم ومستقرهم واهتدوا في الدنيا الى الصراط المستقيم وفي الاخرة الى الوصول الى جنات النعيم ولقد اتينا موسى الكتاب وجعلنا معه اخاه هارون وزيرا تدميرا. وقوم نوح لم واعتدنا للظالمين عذابا ولقد اتوا على اشار تعالى الى هذه القصص وقد بسطها في ايات اخر. ليحذر المخاطبين من استمرارهم على تكذيب رسولهم فيصيبهم ما اصاب هؤلاء الامم. الذين قريبا منهم ويعرفون قصصهم بما استفاض واشتهر عنهم. ومنهم من يرون اثارهم عيانا كقوم صالح في الحجر وكالقرية التي امطرت مطر السوء بحجارة من سجيل يمرون عليه مصبحين وبالليل في اسفارهم فان اولئك الامم ليسوا شرا منهم. ورسلهم ليسوا خيرا من رسول هؤلاء. اكفاركم خير من اولئكم؟ ام لكم براءة في الزبر لكن الذي منع هؤلاء من الايمان مع ما شاهدوا من الايات انهم كانوا لا يرجون بعثا ولا نشورا فلا يرجون لقاء ربهم ولا يخشون نكالة فلذلك استمروا على عنادهم والا فقد جاءهم من الايات ما لا يبقى معه شك ولا شبهة ولا اشكال ولا ارتياب واذا رأوك ان يتخذونك الا هزوا. اهذا الذي بعس الله رسولا اي واذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لايات الله المستكبرون في الارض استهزأوا بك واحتقروك وقال على وجه الاحتقار والاستصغار. اي غير مناسب ولا لائق ان يبعث الله هذا الرجل وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم. وقلبهم الحقائق. فان كلامهم هذا يفهم ان الرسول حاشاه في غاية الخسة والحقارة وانه لو كانت الرسالة لغيره لكان انسب. وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. فهذا الكلام لا يصدر الا من اجهل الناس واضلهم. او من اعظمهم عنادا. وهو متجاهل. قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن يا ابي والا فمن تدبر احوال محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة ومكارم الاخلاق. ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم. وكل خلق فاضل. وان المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره. وحسبه جهلا وضلالا ان يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم. والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به. تصلبهم على باطلهم. وغرورا لضعفاء عقول ولهذا قالوا ان كاد ليضلنا عن الهتنا لولا ان صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من اضل سبيلا ان كاد هذا الرجل ليضلنا عن الهتنا بان يجعل الالهة الها واحدا. لولا ان صبرنا عليها لاضلنا. زعموا قبحهم الله الله ان الضلال هو التوحيد وان الهدى ما هم عليه من الشرك. فلهذا تواصوا بالصبر عليه وانطلق الملأ منهم. ان امشوا واصبروا على الهتكم وهنا قالوا والصبر يحمد في المواضع كلها الا في هذا الموضع فانه صبر على اسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم. واما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ولما كان هذا حكما منهم بانهم المهتدون والرسول ضال. وقد تقرر انهم لا حيلة فيهم اسعدهم بالعذاب واخبر انهم في ذلك الوقت حين يرون العذاب يعلمون علما حقيقيا من هو اضل سبيلا ويوم يعض على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. وهل فوق ضلال من جعل الهه ومعبوده هواه؟ فما هويه فعله فلهذا قال اذا رأيت من اتخذ الهه هواه؟ الا تعجب من حاله؟ وتنظر الى ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة اي لست عليه بمسيطر مسلط بل انما انت منذر قد قمت بوظيفتك وحسابه على الله بل هم اضل سبيلا ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ بان سلبهم العقول والاسماع. وشبههم في ضلالهم بالانعام السائمة. التي لا تسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون. بل هم اضل من الانعام. لان الانعام يهديها راعيها فتهتدي. وتعرف طريق هلاكها فتجتنب وهي ايضا اسلم عاقبة من هؤلاء. فتبين بهذا ان الرامي للرسول بالضلال احق بهذا الوصف. وان كل حيوان بهيم فهو اهدى منه المتر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء ان جعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. اي الم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك وسعة رحمته انه مد على العباد الظل. وذلك قبل طلوع الشمس فلما اجتمعوا للموعد هم وموسى واهل مصر وعظهم موسى وذكرهم وقال ويلكم لا تفترون وعلى الله كذبا فيسحتكم بعذاب. وقد خاب من افترى. وتنازعوا وتخاصموا ثم شجعهم فرعون. وشجع بعضهم بعضا عليه دليلا. ثم جعلنا الشمس عليه اي على الظل دليلا. فلولا وجود الشمس لما عرف الظل. فان ضد يعرف بضده يسيرا. فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل شيئا فشيئا حتى يذهب بالكلية فتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانا وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وتعاقب الفصول وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك. من ادل دليل على كمال قدرة الله وعظمته. وكمال وعنايته بعباده. وانه وحده المعبود المحمود. المحبوب المعظم ذو الجلال والاكرام وهو الذي جعل لكم الليل لباسا وانهم سباتا. وجعل النهار نشورا. اي من رحمته بكم ولطفه ان جعل الليل لكم بمنزلة اللباس الذي يغشاكم. حتى تستقروا فيه وتهدأ بالنوم وتثبت حركاتكم اي تنقطع عند النوم فلولا الليل لما سكن العباد ولا استمروا في تصرفهم فضرهم ذلك غاية الضرر ولو استمر ايضا ظلام تعطلت عليهم معايشهم ومصالحهم. ولكنه جعل النهار نشورا ينتشرون فيه. لتجاراتهم واسفارهم واعمالهم فيقوم بذلك ما يقوم من المصالح اي هو وحده الذي رحم عباده وادر عليهم رزقه. بان ارسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته. وهو المطر فثار بها السحاب وتألف وصار كسفا. والقحته وادرته باذن امرها والمتصرف فيها. ليقع استبشار العباد بالمطر قبل نزوله وليستعدوا له قبل ان يفاجئهم دفعة واحدة يطهر من الحدث والخبث ويطهر من الغش والادناس فيه بركة من بركته انه انزله ليحيي به بلدة ميتة. فتختلف اصناف النوابت والاشجار فيها. مما يأكل الناس والانعام لنحيي به بغداد عام واناسي كثيرا. اي نسقيكموه انتم وانعامكم. اليس الذي ارسل الرياح وجعلها في عملها متنوعات. وانزل من السماء ماء طهورا مباركا. فيه رزق العباد ورزق بهائمهم. هو الذي يستحق وان يعبد وحده ولا يشرك معه غيره الناس الا كفورا. ولما ذكر تعالى هذه الايات العيانية المشاهدة. وصرفها للعباد ليعرفوه ويشكروه ويذكروه ومع ذلك ابى اكثر الخلق الا كفورا لفساد اخلاقهم وطبائعهم في كل قضية نذيرا. يخبر تعالى عن نفوذ مشيئته وانه لو شاء لبعث في كل قرية نذيرا اي رسولا ينذرهم ويحذرهم. فمشيئته غير قاصرة عن ذلك. ولكن اقتضت حكمته ورحمته بك وبالعباد يا محمد. ان ارسلك الى جميعهم احمرهم واسودهم عربيهم وعجميهم انسهم وجنهم. فلا تطع الكافرين فلا تطع الكافرين في ترك شيء مما ارسلت به. بل ابذل في تبليغ ما ارسلت به وجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا. اي لا تبقي من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل الا بذلته ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت فابذل جهدك واستفرغ وسعك ولا تيأس من هدايتهم ولا تترك ابلاغهم لاهوائهم وهو الذي مرجى البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاه وجعل بينهما برزخا وهجرا محجورا. اي وهو وحده الذي مرج البحرين يلتقيان البحر العذب وهي الانهار السارحة على وجه الارض والبحر الملح. وجعل منفعة كل واحد منهما مصلحة للعباد وجعل بينهما برزخ وهجرا محجورا. وجعل بينهما برزخا. اي يحجز من اختلاط احدهما بالاخر. فتذهب المنفعة المقصودة منهما. اي حاجزا ان حصينا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا. اي وهو الله وحده لا شريك له. الذي خلق الادمي من ماء مهين ثم نشر منه ذرية كثيرة وجعلهم انسابا واصهارا متفرقين ومجتمعين. والمادة كلها من ذلك الماء المهين هذا يدل على كمال اقتداره. لقوله ويدل على ان عبادته هي الحق افادة غيره باطلة لقوله ان يعبدون اصناما وامواتا لا ضر ولا تنفع ويجعلونها اندادا لمالك النفع والضر والعطاء والمنع. مع ان الواجب عليهم ان يكونوا مقتدين بارشادات ربهم ذابين عن دينه ولكنهم عكسوا القضية. وكان الكافر على ربه ظهيرا. فالباطل الذي هو الاوثان والانداد. اعداء لله. فالكافر عاونها وظاهرها على ربها. وصار عدوا لربه مبارزا له في العداوة والحرب هذا وهو الذي خلقه ورزقه. وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. وليس يخرج عن ملكه وسلطانه وقبضته. والله لم عنه احسانه وبره وهو بجهله مستمر على هذه المعاداة والمبارزة ونذيرا. يخبر تعالى انه ما ارسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. مسيطرا على الخلق. ولا له ملكا ولا عنده خزائن الاشياء. وانما ارسله مبشرا. يبشر من اطاع الله بالثواب العاجل والاجل. ونذيرا ينذر من عصى الله بالعقاب العاجل والاجل. وذلك مستلزم لتبيين ما به البشارة. وما تحصل به النذارة من الاوامر والنواهي ما عليه من اجر الا من شاء ان يتخذ اله وانك يا محمد لا تسألهم على ابلاغهم القرآن والهدى اجرا. حتى يمنعهم ذلك من اتباعك ويتكلفون من الغرامة اي الا من شاء ان ينفق نفقة في مرضاة ربه وسبيله. فهذا وان رغبتكم فيه فلست اجبركم عليه. وليس ايضا اجرا لي عليكم وانما هو راجع لمصلحتكم وسلوككم للسبيل الموصلة الى ربكم. ثم امره ان يتوكل عليه ويستعين به فقال وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا. وتوكل على الحي الذي له الحياة الكاملة المطلقة الذي لا يموت وسبح بحمده اي اعبده وتوكل عليه في الامور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق بعباده خبيرا. يعلمها ويجازي عليها فانت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ اعمالك وانما ذلك كله بيد الله الرحمن ثم استوى بعد ذلك على العرش الذي هو سقف المخلوقات واعلاها واوسعها واجملها الرحمن استوى على عرشه الذي وسع السماوات والارض باسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء فاستوى على اوسع المخلوقات باوسع الصفات. فاثبت بهذه الاية خلقه للمخلوقات واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم. وعلوه فوق العرش ومباينته اياهم. يعني بذلك نفسه الكريمة فهو الذي الذي يعلم اوصافه وعظمته وجلاله. وقد اخبركم بذلك وابان لكم من عظمته. ما تسعدون به من معرفته. فعرفه وخضعوا لجلاله واستكبر عن عبادته الكافرون واستنكفوا عن ذلك. ولهذا قال قالوا ومن وزادهم نفورا. واذا قيل لهم اسجدوا اي وحده الذي انعم عليكم بسائر النعم. ودفع عنكم جميع النقم. قالوا جحدا وكفرا وما الرحمان بزعمهم الفاسد انهم لا يعرفون الرحمن وجعلوا من جملة قوادحهم في الرسول ان قالوا ينهانا عن اتخاذ الهة مع الله. وهو يدعو معه الها اخر. يقول يا رحمن ونحو ذلك. كما قال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايما تدعوا فله الاسماء الحسنى. فاسماؤه تعالى كثيرة لكثرة اوصافه وتعدد كماله فكل واحد منها دل على صفة كمال انسجد لما تأمرنا اي لمجرد امرك ايانا. وهذا مبني منهم على التكذيب بالرسول. واستكبارهم عن طاعته وزادهم دعوتهم الى السجود للرحمن نفورا. هربا من الحق الى الباطل وزيادة كفر وشقاء ترك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله تبارك ثلاث مرات لان معناها نتقدم انها تدل على عظمة الباري وكثرة اوصافه وكثرة خيراته واحسانه. وهذه السورة فيها من الاستدلال على عظمته وسعة سلطانه ونفوذ مشيئته. وعموم علمه وقدرته. واحاطة ملكه في الاحكام الامرية والاحكام الجزائية. وكمال حكمته وفيها ما يدل على سعة رحمته وواسع جوده. وكثرة خيراته الدينية والدنيوية. ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن فقال فيها سراجا وقمرا منيرا. تبارك الذي جعل في السماء بروجا وهي النجوم عمومها او منازل الشمس والقمر التي تنزلها منزلة منزلة. وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها. كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة فانها رجوم للشياطين منيرا وجعل فيها سراجا فيه النور والحرارة وهو الشمس وقمرا منيرا فيه النور لا الحرارة. وهذا من ادلة عظمته وكثرة احسانه. فان ما فيها من الخلق الباهر وتدبير والجمال العظيم دال على عظمة خالقها في اوصافه كلها. وما فيها من المصالح للخلق والمنافع. دليل على كثرة خيراته وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة. اي يذهب احدهما فيخلفه الاخر. هكذا ابدا لا يجتمعان ولا يرتفعان اي لمن اراد ان يتذكر بهما ويعتبر. ويستدل بهما على كثير من المطالب الالهية. ويشكر الله على ذلك. ولمن اراد ان يذكر الله الله ويشكره وله ورد من الليل او النهار. فمن فاته ورده من احدهما ادركه في الاخر. وايضا فان القلوب تتقلب تنتقل في ساعات الليل والنهار. فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط. والاقبال والاعراض. فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهما الذكر والنشاط. والشكر لله في وقت اخر. ولان اوراد تتكرر بتكرر الليل والنهار. فكلما تكررت الاوقات احدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم زاد في تذكرها وشكرها. فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الايمان الذي يمده. فلولا ذلك لدوى غرس الايمان ويبس لله اتم حمد واكمله على ذلك. ثم ذكر من جملة كثرة خيره منته على عباده الصالحين. وتوفيقهم للاعمال الصالحات التي اكسبتهم المنازل العاليات في غرف الجنات فقال وعباد الرحمن الذين يمشون العبودية لله نوعان عبودية لربوبيته. فهذه يشترك فيها سائر الخلق. مسلمهم وكافرهم برهم وفاجرهم. فكلهم الله مربوبون مدبرون. ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا. وعبودية لالوهيته وعبادته رحمته وهي عبودية انبيائه واوليائه. وهي المراد هنا. ولهذا اضافها الى اسمه الرحمن. اشارة الى انهم انما وصلوا الى هذه الحال بسبب رحمته ذكر ان صفاتهم اكمل الصفات. ونعوتهم افضل النعوت. فوصفهم بانهم يمشون على الارض هونا. اي ساكنين متواضعين لله لله وللخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده قالوا سلاما. واذا خاطبهم الجاهلون اي خطاب جهل بدليل اضافة الفعل واسناده لهذا الوصف. قالوا سلاما اي خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الاثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله. وهذا مدح لهم بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالاحسان والعفو عن الجاهل. ورزانة في العقل الذي اوصلهم الى هذه الحال آآ ان يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم اي ادفع عنا بالعصمة من اسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب اي ملازما لاهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه وهذا منهم على وجه التضرع لربهم. وبيان شدة حاجتهم اليه وانهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب. وليتذكروا منة الله عليهم. فان صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها فيها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها والذين اذا انفقوا النفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا بان يزيدوا على فيدخل في قسم التبذير واهمال الحقوق الواجبة. ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح. وكان انفاقهم بين ذلك بين الاسراف والتقطير قواما يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار. وهذا من عدلهم واقتصادهم ويخلد فيه مهانا. والذين لا يدعون مع الله الها اخر. بل يعبدونه وحده. مخلصين له الدين مقبلين عليه معرضين عما سواه. ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد الا بالحق كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله. ولا يزنون. بل يحفظ فروجهم الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم ومن يفعل ذلك يلقى من يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد ومن يفعل ذلك اي الشرك بالله او قتل النفس التي حرم الله بغير حق او الزنا فسوف يلقى اثام ثم فسره بقوله انا ويخلد فيه اي في العذاب مهانا. فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها. ثابت لا شك فيه. وكذا لمن اشرك بالله وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد. على كل واحد من هذه الثلاثة. لكونها اما شرك واما من اكبر الكبائر. واما القاتل والزاني في العذاب فانه لا يتناوله الخلود لانه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية ان جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل. ونص تعالى على هذه الثلاثة لانها اكبر الكبائر. فالشرك فيه فساد الاديان والقتل فيه فساد الابدان. والزنا فيه فساد الاعراض يبدل الله سيئاتهم حسنات الا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها بان اقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما ان لا يعود. وامن بالله ايمانا صحيحا. يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعة وعمل عملا صالحا مما امر به الشارع اذا قصد به وجه الله الله سيئاتهم حسنات. اي تتبدل افعالهم واقوالهم. التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات فيتبدل شركهم ايمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم احدثوا عن كل في ذنب منها توبة وانابة وطاعة تبدل حسنات. كما هو ظاهر الاية. وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه. ثم ابدل مكان كل سيئة حسنة. فقال يا رب ان لي سيئات لا اراها ها هنا. والله اعلم وكان الله غفورا رحيما. وكان الله غفورا لمن تاب. يغفر الذنوب العظيمة رحيما بعباده حيث دعاهم الى التوبة بعد مبارزته بالعظائم. ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم اي فليعلم ان توبته في غاية الكمال لانها رجوع الى الطريق الموصل الى الله. الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه. فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الاغراض الفاسدة فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وايقاعها على افضل الوجوه واجلها. ليقدم على من تاب اليه فيوفيه اجر بحسب كمالها كراما والذين لا يشهدون الزور. اي لا يحضرون الزور. اي القول والفعل المحرم. فيجتنبون جميع المجالس على الاقوال المحرمة او الافعال المحرمة كالخوض في ايات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء غناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير والصور ونحو ذلك. واذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب اولى واحرى الا قولوه ويفعلوه. وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الاية بالاولوية واذا مروا باللغو وهو الكلام الذي لا خير فيه. ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم مروا كراما. اي نزهوا انفسهم واكرموها عن الخوض فيه. ورأوا الخوض فيها. وان كان لا اثم فيه انه سفه ونقص للانسانية والمروءة. فربأوا بانفسهم عنه. وفي قوله واذا مروا باللغو. اشارة الى انهم لا يقصدون ولا سماعه ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون انفسهم عنه والذين اذا ذكروا بايات ربهم التي امرهم باستماعها والاهتداء بها اي لم يقابلوها بالاعراض عنها والصمم عن سماعها. وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق. وانما حاله فيها وعند سماعها كما قال تعالى انما يؤمن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا فيستكبرون يقابلونها بالقبول والافتقار اليها. والانقياد والتسليم لها وتجد عندهم اذانا سامعة وقلوبا واعية يزداد بها ايمانهم ويتم بها ايقانهم. وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما اولئك يجزون الغرفة بما وسلاما والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا اي قرنائنا من اصحاب واقران وزوجات لتقربهم اعيننا واذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم انهم لا تقر اعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين. وهذا كما انه دعاء لازواجهم وذرياتهم في صلاحهم. فانه دعاء لانفسهم. لان نفعه يعود عليهم. ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم. فقالوا هب لنا بل دعاؤهم يعود الى نفع عموم المسلمين. لانه من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم وجعلنا للمتقين اماما اولئك يجزون الغرفة بما اي اوصلنا يا ربنا الى هذه الدرجة العالية. درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين. وهي درجة الامامة في وان يكونوا قدوة للمتقين في اقوالهم وافعالهم يقتدى بافعالهم ويطمئن لاقوالهم. ويسير اهل الخير خلفهم يهدون ويهتدون. ومن المعلوم ان الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم الا به. وهذه الدرجة درجة الامامة في لا تتم الا بالصبر واليقين. كما قال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون فهذا الدعاء يستلزم من الاعمال والصبر على طاعة الله. وعن معصيته واقداره المؤلمة. ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه الى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا. وان يكونوا في اعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل. ولهذا لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل. فجزاهم بالمنازل العاليات فقال اولئك يجزون الغرفة بما صبروا. اي المنازل الرفيعة والمساكن الانيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه اعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا. كما قال تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. ولهذا قال هنا من خالدين فيها من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع والمكدرات والحاصل ان الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الادب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين راضي عنهم ومقابلة اساءتهم بالاحسان وقيام الليل والاخلاص فيه والخوف من النار والتضرع لربهم ان ينجيهم منها اخراج الوادي والمستحب في النفقات. والاقتصاد في ذلك. واذا كانوا مقتصدين في الانفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه او الافراط اقتصادهم متوسطهم في غيره من باب اولى. والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالاخلاص لله في عبادته. والعفة عن الدماء والاعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك. وانهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية. ولا يفعلونها بانفسهم. وانهم يتنزهون من اللغو والافعال الردية التي لا خير فيها. وذلك يستلزم مروءتهم وانسانيتهم وكمالهم. ورفعة انفسهم عن كل خسيس قولي فعلي وانهم يقابلون ايات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها. والعمل بها والاجتهاد في تنفيذ احكامها. وانهم يدعون الله تعالى باكمل الدعاء في الدعاء الذي ينتفعون به وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح ازواجهم حريتهم ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم. لان من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد ان يكون متسببا فيه وانهم دعوا الله ببلوغ اعلى الدرجات الممكنة لهم. وهي درجة الامامة والصديقية. فلله ما اعلى هذه الصفات وارفع هذه الهمم واجل هذه المطالب وازكى تلك النفوس واطهر تلك القلوب واصفى هؤلاء الصفوة واتقى هؤلاء السادة ولله فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم. ولطفه الذي اوصلهم الى هذه المنازل. ولله منة الله على عباده ان بين لهم اوصافهم ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم. واوضح لهم اجورهم ليشتاقوا الى الاتصاف باوصافهم ويبذلوا جهدهم في ذلك. ويسألوا الذي من عليهم واكرمهم. الذي فضله في كل زمان ومكان. وفي كل وقت واوان ان يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم. فاللهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان وبك المستغاث ولا حول ولا قوة الا بك. لا نملك لانفسنا نفعا ولا ضرا. ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير. ان لم تيسر ذلك لنا فانا ضعفاء عاجزون من كل وجه. نشهد انك ان وكلتنا الى انفسنا طرفة عين وكلتنا الى ضعف وعجز وخطيئة فلا نثق يا ربنا الا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا. وانعمت علينا بما انعمت من النعم الظاهرة والباطنة. وصرفت عنا من النقم فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك. فلا خاب من سألك ورجاك. ولما كان الله تعالى قد اضاف هؤلاء العباد الى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم انه وايضا غيرهم. فلما لا يدخل في العبودية فاخبر تعالى انه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء. وانه لولا دعاؤكم اياه دعاء العبادة ودعاء المسألة. ما عباء بكم ولا احبكم فقال فقد كذبتم فسوف يكون لزاما. اي عذابا يلزمكم لزوما غريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين بسم الله الرحمن الرحيم تلك ايات الكتاب المين. يشير الباريت على اشارة تدل على التعظيم لايات الكتاب مبين البين الواضح الدال على جميع المطالب الالهية والمقاصد الشرعية. بحيث لا يبقى عند الناظر فيه شك ولا شبهة فيما اخبر به او حكم به لوضوحه ودلالته على اشرف المعاني وارتباط الاحكام بحكمها وتعليقها بمناسبها. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينذر به الناس ويهدي به الصراط المستقيم. فيهتدي بذلك عباد الله المتقون. ويعرض عنه من كتب عليه الشقاء فكان يحزن حزنا شديدا على عدم ايمانهم. حرصا منه على الخير ونصحا لهم. فلهذا قال تعالى عنه انك باقع نفسك الا يكونوا مؤمنين. لعلك باخع نفسك اي مهلكها وشاق عليها الا يكونوا مؤمنين. اي فلا تفعل. ولتذهب نفسك عليهم حسرات. فان الهداية بيد الله وقد اديت كما عليك من التبليغ وليس فوق هذا القرآن المبين اية حتى ننزلها ليؤمنوا بها. فانه كاف شاف لمن يريد الهداية لهذا قال ان شأن ننزل عليهم من السماء اية اي من ايات الاقتراح فظلت اعناقهم اي اعناق لها خاضعين ولكن لا حاجة الى ذلك ولا مصلحة فيه. فانه اذ ذاك الوقت يكون الايمان غير نافع وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث يأمرهم وينهاهم ويذكرهم ما ينفعهم ويضرهم. بقلوبهم وابدانهم. هذا بعضهم عن الذكر المحدث الذي جرت العادة ان يكون موقعه ابلغ من غيره. فكيف باعراضهم عن غيره؟ وهذا لانهم لا خير فيهم ولا تنجح فيهم المواعظ. ولهذا قال ما كانوا به يستهزؤون. فقد كذبوا اي بالحق. وصار التكذيب لهم سجية لا تتغير ولا تتبدل فسيأتيه الانداء ما كانوا به يستهزؤون. اي سيقع بهم العذاب ويحل بهم ما كذبوا به. فانهم قد حقت عليهم كلمة العذاب. قال الله منبها على التفكر الذي ينفع صاحبه من جميع اصناف النباتات حسنة المنظر كريمة في نفعها ان ربك لهو العزيز الرحيم. ان في ذلك لاية على احياء الله الموتى بعد موتهم كما احيا الارض بعد موتها وما كان اكثرهم مؤمنين. كما قال تعالى وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ان ربك لهو العزيز الرحيم. وان ربك لهو العزيز الذي قد قهر كل مخلوق. ودان له العالم العلوي والسفلي الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. ووصل جوده الى كل حي العزيز الذي اهلك الاشقياء بانواع العقوبات الرحيم بالسعداء حيث انجاهم من كل شر وبلاء الظالمين قوم في العون الا يتقون. اعاد الباري تعالى قصة موسى وثناها في القرآن. ما لم يثن غيرها لكونها مشتملة على حكم عظيمة وعبر. وفيها نبأه مع الظالمين والمؤمنين. وهو صاحب الشريعة الكبرى وصاحب افضل الكتب بعد القرآن فقال واذكر حالة موسى الفاضلة واقتنداء الله اياه حين كلمه ونبأه وارسله فقال الذين تكبروا في الارض وعلو على اهلها وادعى كبيرهم الربوبية. اي قل لهم قول ولطف عبارة الا تتقون الله الذي خلقكم ورزقكم فتتركون ما انتم عليه من الكفر. فقال موسى عليه السلام معتذرا من ربه ومبينا لعذره وسائلا له المعونة على هذا الحمل الثقيل فقال رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني. يفقه قولي واجعل لي وزيرا من اهلي اخي فاجاب الله طلبته ونبأ اخاه هارون كما نبأه فارسله معي نبدأ اي معاونا لي على امري ان يصدقوني ولهم علي ذنب اي في قتل القبطي باياتنا انا معكم مستمعون. قال كلا اي لا يتمكنون من قتلك فان سنجعل لكم سلطانا فلا يصلون اليكما باياتنا انتما ومن اتبعكما الغالبون. ولهذا لم يتمكن فرعون من قتل موسى مع منابذته له غاية المنابذة وتسفيه رأيه وتضليله وقومه. فاذهبا باياتنا الدالة على صدقكما وصحة ما جئتما به. احفظكما واكلأكما اي ارسلنا اليك لتؤمن به وبنا وتنقاد لعبادته وتذعن لتوحيده فكف عنهم عذابك وارفع عنهم يدك اعبدوا ربهم ويقيموا امر دينهم. فلما جاء فرعون وقالا لهما قال الله لهما لم يؤمن فرعون ولم يلن. وجعل يعارض قال الم نربك فينا وليدا؟ اي الم ننعم عليك ونقم بتربيتك منذ كنت وليدا في مهدك ولم تزل كذلك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وانت وفعلت فعلتك التي فعلت. وهي قتل موسى للقبطي. حين استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ووكزه موسى فقضى عليه. اي وانت اذ ذاك طريقك فريقنا وسبيلك سبيلنا في الكفر. فاقر على نفسه بالكفر من حيث لا يدري. فقال موسى اي عن غيركم وانما كان عن ضلال وسفه. فاستغفرت ربي فغفر لي فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين. ففررت منكم لما خفتكم حين تراجعتم بقتلي فهربت الى مدين ومكثت سنين ثم جئتكم علني من المرسلين. فالحاصل ان اعتراض فرعون على موسى اعتراض جاهل او متجاهل. فانه جعل المانع من فيه رسولا ان جرى منه القتل. فبين له موسى ان قتله على وجه الضلال والخطأ. الذي لم يقصد نفس القتل. وان فضل الله تعالى الا غير ممنوع منه احد. فلما منعتم ما منحني الله؟ من الحكم والرسالة؟ بقي عليك يا فرعون ادلاؤك بقولك الم وليدا وعند التحقيق يتبين ان لا منة لك فيها. ولهذا قال موسى اي تدلي علي بهذه المنة لانك سخرت بني اسرائيل وجعلتهم لك بمنزلة العبيد. وانا قد اسلمتني من تعبيدك وتسخيرك جعلتها علي نعمة فعند التصور يتبين ان الحقيقة انك ظلمت هذا الشعب الفاضل وعذبتهم وسخرتهم باعمالك وانا قد سلمني الله من اذاك مع وصول اذاك لقومي. فما هذه المنة التي تبت بها وتدلي بها وهذا انكار منه لربه ظلما وعلوا. مع تيقن الصحة ما دعاه اليه موسى. قال رب السماوات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين. رب السماوات والارض وما انهما اي الذي خلق العالم العلوي والسفلي ودبره بانواع التدبير ورباه بانواع التربية ومن جملة ذلك انتم ايها مخاطبون فكيف تنكرون خالق المخلوقات وفاطر الارض والسماوات قال فرعون متجرهما ومعجبا لقومه. الا تستمعون ما يقول هذا الرجل فقال موسى تعجبتم استكبرتم ام اذعنتم؟ فقال فرعون معاندا للحق قادحا بمن جاء به الذي ارسل اليكم لمجنون. حيث قال خلاف ما نحن عليه وخالفنا فيما ذهبنا اليه. فالعقل عنده العقل من زعموا انهم لم يخلقوا او ان السماوات والارض ما زالتا موجودتين من غير موجد. وانهم بانفسهم خلقوا من غير والعقل عنده ان يعبد المخلوق الناقص من جميع الوجوه. والجنون عنده ان يثبت الرب الخالق للعالم العلوي والسفلي والمنعم بالنعم الظاهرة والباطنة. ويدعو الى عبادته. وزين لقومه هذا القول. وكانوا سفهاء الاحلام. خفيفي العقوق قل فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين. فقال موسى عليه السلام مجيبا لانكار فرعون وتعطيله رب العالمين رب المشرق والمغرب وما بينهما من سائر المخلوقات ان كنتم تعقلون. فقد اديت لكم من البيان والتبيين ما يفهمه كل كل من له ادنى مسكة من عقل. فما بالكم تتجاهلون فيما اخاطبكم به؟ وفيه ايماء وتنبيه الى ان الذي رميتم به موسى من الجنود ان هداؤكم فرميتم ازكى الخلق عقلا واكملهم علما بالجنون. والحال انكم انتم المجانين. حيث عقولكم لانكار اظهر الموجودات. خالق الارض والسماوات وما بينهما. فاذا جحدتموه فاي شيء تثبتون. واذا جهلتموه فاي شيء تعلمون واذا لم تؤمنوا به وبآياته فباي شيء بعد الله واياته تؤمنون؟ تالله ان المجانين الذين بمنزلة البهائم اعقل منكم. وان الانعام السارحة اهدى منكم. فلما خنقت فرعون الحجة وعجزت قدرته وبيانه عن المعارضة قال متوعدا لموسى بسلطانه زعم قبحه الله انه قد طمع في اضلال موسى والا يتخذ اله الغيرة والا فقد تقرر انه هو ومن معه على بصيرة من امرهم. فقال له موسى اي اية ظاهرة جلية على صحة ما جئت به من خوارق العادات فالقى عصاه فاذا فالقى عصاه فاذا هي ثعبان. اي ذكروا الحيات مبين. ظاهر لكل احد. لا خيال ولا تشبيه. ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين نزع يده من جيبه. اي لها نور عظيم. لا وفيها لمن نظر اليها. قال فرعون للملك حوله معارضا للحق ومن جاء به نوه عليهم لعلمه بضعف عقولهم ان هذا من جنس ما ياتي به السحرة لانه من المتقرر عندهم ان السحرة يأتون من العجائب بما لا يقدر عليه الناس وخوفهم ان قصده بهذا السحر التوصل الى اخراجهم من وطنهم ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد اجلاءهم عن اولادهم وديارهم فماذا تأمرون؟ فماذا تأمرون ان نفعل به قالوا ارجه اخاه اي اخرهما وابعث في المدائن حاشرين للناس يأتوك اولئك الحاشرون بكل حار عليم ان يبعث في جميع مدنك التي هي مقر العلم ومعدن السحر. من يجمع لك كل ساحر ماهر عليم في سحره فان الساحر يقابل بسحر من جنس سحره. وهذا من لطف الله ان يري العباد بطلان ما موه به فرعون الجاهل الضال المضل ان ما جاء به موسى سحر قيدهم ان جمعوا اهل المهارة بالسحر. لينعقد المجلس عن حضرة الخلق العظيم. في ظهر الحق على الباطل ويقر اهل العلم واهل الصناعة بصحة ما جاء به موسى. وانه ليس بالسحر. فعمل فرعون برأيهم فارسل في المدائن من يجمع والسحرة واجتهد في ذلك وجد. قد وعدهم اياه موسى وهو يوم الزينة الذي يتفرغون فيه من اشغالهم. وقيل للناس هل اي نودي بعموم الناس بالاجتماع في ذلك اليوم الموعود اي قالوا للناس اجتمعوا لتنظروا غلبة السحرة لموسى وانهم ماهرون في صناعتهم نتبعهم ونعظمهم ونعرف فضيلة علم السحر. فلو وفقوا للحق لقالوا لعلنا نتبع المحق منهم. ولنعرف الصواب فلذلك ما افاد فيهم ذلك الا قيام الحجة عليهم فلما جاء السحرة ووصلوا لفرعون قالوا له ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين لموسى قال نعم لكم اجر وثواب. وانكم اذا لمن المقربين عندي. وعدهم الاجر والقربة منه ليزداد نشاطهم ويأتوا بكل مقدورهم في معارضة ما جاء به موسى بعزة عبد ضعيف عاجز من كل وجه الا انه قد تجبر وحصل له صورة ملك وجنود. فغرتهم تلك الابهة ولم تنفذ بصائرهم الى حقيقة الامر. او ان هذا قسم منهم بعزة فرعون. والمقسم عليه انهم غالبون. فالقى فالقى موسى عصاه فاذا هي تلقف تبتلع وتأخذ ما يأفكون فالتفت جميع ما القوا من الحبال والعصي لانها افك وكذب وزور وذلك كله باطل لا يقوم للحق ولا يقاومه. فلما رأى السحرة هذه الاية العظيمة تيقنوا لعلمهم ان هذا ليس بسحر. وانما هو اية من ايات ومعجزة تنبئ بصدق موسى وصحة ما جاء به فالقي السحرة ساجدين لربهم وانقمع الباطل في ذلك المجمع واقر رؤساؤه ببطلانه ووضح الحق وظهر حتى رأى ذلك الناظرون بابصارهم. ولكن ابا فرعون الا عتوا وضلالا. وتماديا في غيه وعناد. فقال امنتم له قبل ان اذن لكم يتعجب ويعجب قومه من جرائتهم عليه واقدام على الايمان من غير اذنه ومؤامرته انه لكبيركم الذي علمكم السحر هذا وهو الذي جمع السحرة وملأه الذين عليه بجمعهم من مدائنهم. وقد علموا انهم ما اجتمعوا بموسى ولا رأوه قبل ذلك. وانهم جاؤوا من السحر بما يحير الناظرين ويهيلهم ومع ذلك فرج عليهم هذا القول الذي هم بانفسهم وقفوا على بطلانه فلا يستنكر على اهل هذه العقول الا يؤمنوا بالحق واضح والايات الباهرة. لانهم لو قال لهم فرعون عن اي شيء كان انه على خلاف حقيقته صدقوه. ثم توعد السحرة فقال انكم اجمعين. لنقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف. اي اليد اليمنى والرجل اليسرى. كما يفعل بالمفسد في الارض لتختزوا وتذلوا. فقال السحرة حين وجدوا حلاوة الايمان وذاقوا لذته اي لا نبالي بما توعدتنا به نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا ان كنا اول انا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا من الكفر والسحر وغيرهما ان كنا اول المؤمنين بموسى من هؤلاء الجنود. فثبتهم الله وصبرهم ان فرعون فعل بهم ما توعدهم به لسلطانه واقتداره اذ ذاك. ويحتمل ان الله منعه منهم. ثم لم يزل فرعون وقومه مستمرين على كفرهم يأتيهم موسى بالايات البينات. وكلما جاءتهم اية وبلغت منهم كل مبلغ. وعدوا موسى وعاهدوه لئن كشف الله عنهم ليؤمنن به وليرسلن معه بني اسرائيل. فيكشفه الله ثم يمكثون. فلما يئس موسى من ايمانهم وحقت عليهم كلمة العذاب. وان لبني اسرائيل ان ينجيهم من اسرهم. ويمكن لهم في الارض. اوحى الله الى موسى ان اسري بعبادي يخرج ببني اسرائيل اول الليل ليتمادوا ويتمهلوا في ذهابهم. اي سيتبعكم فرعون وجنوده ووقع كما اخبر فانهم لما اصبحوا واذا بنوا اسرائيل قد سروا كلهم مع موسى يجمعون الناس ليوقع ببني اسرائيل ويقول مشجعا لقومه ان هؤلاء اي بني اسرائيل لشرذمة قليلون وانهم لنا لغائضون ونريد ان ننفذ غيظنا في هؤلاء العبيد الذين ابقوا منا. اي الحذر على الجميع منهم وهم اعداء للجميع. والمصلحة مشتركة. فخرج فرعون وجنوده في جيش عظيم. ونفير عام. لم يتخلف منهم سوى اهل الاعذار الذين منعهم العجز. قال الله تعالى وكنوز ومقام فاخرجناهم من جنات عيون اي بساتين مصر وجنانها الفائقة وعيونها المتدفقة وزروع قد ملأت اراضيهم وعمرت بها حاضرتهم وبواديهم ومقام كريم يعجب الناظرين. ويلهي المتأملين. وتمتعوا به دهرا طويلا. وقضوا بلذاته وشهواته عمرا مديدا على الكفر والعناد. والتكبر على العباد والتيه العظيم كذلك واورثناها. اي هذه البساتين والعيون والزروع والمقام الكريم. بني اسرائيل الذين جعلوهم من قبل عبيدهم وسخروا في اعمالهم الشاقة. فسبحان من يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء بطاعته ويذل من يشاء بمعصيته. اي اتبع قوم فرعون عون قوم موسى وقت شروق الشمس وساقوا خلفهم محثين على غيظ وحنق قادرين فلما ترى اي رأى كل منهما صاحبه قال اصحاب موسى شاكين لموسى وحزينين انا لمدركون. قال موسى لهم ومخبرا لهم بوعد ربه الصادق كلا اي ليس الامر كما ذكرتم انكم مدركون ان معي ربي سيهدين. لما فيه نجاتي ونجاتكم ان اضرب بعصاك البحر. فضربه فانفلق اثني عشر طريقا فقيه اي قد بلغ معهم الايمان الى ان وصل الى درجة اليقين. وهو العلم التام الواصل الى القلب الداعي الى العمل. ويقينهم بالاخرة يقتضي كمال سعيهم لها. وحذرهم من اسباب العذاب فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم. فكان كل فرق كالطود اي الجبل العظيم فدخله موسى وقومه. وازلفنا ثم في ذلك المكان الاخرين اي فرعون وقومه قربناهم وادخلناهم في ذلك الطريق الذي سلك منه موسى وقومه وانجينا موسى ومن معه اجمعين. استكملوا خارجين لم يتخلف منهم احد لم يتخلف منهم عن الغرق احد ان في ذلك لاية عظيمة على صدق ما جاء به موسى عليه السلام. وبطلان ما عليه فرعون وقومه مع هذه الايات المقتضية للايمان لفساد قلوبكم والعزيز بعزته اهلك الكافرين المكذبين. وبرحمته نجى موسى من معه اجمعين واتل عليه النبأ ابراهيم. اي واتل يا محمد على الناس. نبأ ابراهيم الخليل. وخبره الجليل في هذه الحالة بخصوصها والا فله انباء كثيرة. ولكن من اعجب انبائه وافضلها هذا النبأ المتضمن لرسالته ودعوته قومه ومحاجته اياهم وابطاله ما هم عليه. ولذلك قيده بالظرف فقال لا تعبدون. قالوا نعبد اصناما فنضل لها عاكفين. قالوا متبجحين بعبادته نعبد اصناما ننحتها ونعملها بايدينا. اي مقيمين على عبادتها في كثير من اوقاتنا فقال لهم ابراهيم مبينا لعدم استحقاقها للعبادة او ينفعونكم او يضرون. هل يسمعونكم اذ تدعون؟ فيستجيبون دعائكم ويفرجون كربكم ويزيلون عنكم كل مكروه. او ينفعونكم او يضرون. فاقروا ان ذلك كله غير موجود فيها فلا تسمع دعاء ولا تنفع ولا تضر. ولهذا لما كسرها وقال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون قالوا له لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. اي هذا امر متقرر من حالها. لا يقبل الاشكال والشك. فلجأوا الى تقليد لابائهم الضالين فقالوا فتبعناهم على ذلك وسلكنا سبيلهم وحافظنا على عاداتهم. فقال لهم ابراهيم انتم واباؤكم كلكم خصوم في هذا الامر والكلام مع الجميع واحد فانهم عدو لي الا رب العالمين فانهم عدو لي. فليضروني بادنى شيء من الضرر. وليكيدوني فلا يقدرون. الا رب العالمين خلقني فهو يهدي. هو المنفرد بنعمة الخلق ونعمة الهداية. للمصالح الدينية والدنيوية. ثم خصص منها بعض الضروريات فقال والذي هو يطعمني ويسقين واذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين. والذي اطمع ان يغفر لي خطيئة فهذا هو وحده المنفرد بذلك. فيجب ان يفرد بالعبادة والطاعة وتترك هذه الاصنام التي لا تخلق ولا تهدي ولا تمرض ولا تشفي ولا تطعم ولا تسقي ولا تميت ولا تحيي ولا تنفع عابديها بكشف في الكروب ولا مغفرة الذنوب. فهذا دليل قاطع وحجة باهرة. لا تقدرون انتم واباؤكم على معارضتها. فدل على في الضلال وترككم طريق الهدى والرشد. قال الله تعالى وحاجه قومه. قال اتحاجوني في الله وقد هداني ثم دعا عليه السلام ربه فقال ربي هب في حكم اي علما كثيرا اعرف به الاحكام والحلال والحرام واحكم به بين الانام من اخوانه الانبياء والمرسلين. واجعل لي لسان صدق في الاخرين اي اجعل لي ثناء صدق مستمر الى اخر الدهر. فاستجاب الله دعاءه فوهب له من العلم والحكم ما كان به من افضل المرسلين والحقه باخوانه المرسلين. وجعله محبوبا مقبولا. معظما مثنى عليه. في جميع الملل في كل الاوقات. قال تعالى وتركنا عليه في الاخرين. سلام على ابراهيم. انا كذلك نجزي المحسنين. انه من عبادنا المؤمنين اي من اهل الجنة التي يورثها الله اياها فاجاب الله دعاءه. فرفع منزلته في جنات النعيم وهذا الدعاء بسبب الوعد الذي قال لابيه ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. قال الله تعالى وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه. فلما تبين انه عدو لله تبرأ منه. ان ابراهيم لاواه حليم. ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون. ولا تخزني يوم يبعثون اي بالتوبيخ على بعض الذنوب والعقوبة عليها والفضيحة بل اسعدني في ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون فهذا الذي ينفعه عندك وهذا الذي ينجو به من العقاب ويستحق الثواب والقلب السليم معناه الذي سلم من الشرك والشك ومحبة الشر. والاصرار على البدعة والذنوب. ويلزم من سلامته مما ذكر اتصافه باضدادها من الاخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزينه في قلبه. وان تكون ارادته ومحبته تابعة لمحبة الله. وهواه تبعا لما جاء عن الله. ثم ذكر من صفات ذلك اليوم العظيم. وما فيه من الثواب والعقاب فقال وازلفت الجنة اي قربت للمتقين ان ربهم الذين امتثلوا اوامره واجتنبوا زواجره واتقوا سخطه وعقابه وبرزت الجحيم. اي برزت واستعدت بجميع ما فيها من العذاب. للغاوين الذين اوضعوا في معاصي الله على محارمه وكذبوا رسله. وردوا ما جاءوهم به من الحق. وقيل لهم اينما كنتم تعبدون هل ينصرونكم او ينتصرون او ينتصرون بانفسهم اي فلم يكن من ذلك من شيء. وظهر كذبهم وخزيهم. ولاحت خسارتهم وفضيحتهم. وبان ندم وضل سعيهم. فكبكبوا فيها اي القوا في النار هم اي ما كانوا يعبدون والغاوون العابدون لها من الانس والجن الذين ازهم الى المعاصي ازا وتسلط عليهم بشركهم وعدم ايمانهم فصاروا من دعاته والساعين في مرضاته وهم ما بين داع لطاعته. ومجيب لهم ومقلد لهم على شركهم قالوا اي جنود ابليس الغاوون لاصنامهم واوثانهم التي عبدوها اذ نسويكم برب اذ نسويكم برب العالمين في العبادة والمحبة. والخوف والرجاء. وندعوكم كما ندعوه. فتبين لهم حين اذ ضلالهم واقروا بعدل الله في عقوبتهم وانها في محلها وهم لم يسووهم برب العالمين الا في العبادة لا في الخلق بدليل قولهم رب العالمين انهم مقرون ان الله رب العالمين كلهم الذين من جملتهم اصنامهم خثانهم وما اضلنا عن طريق الهدى او الرشد ودعانا الى طريق الغي والفسق. الا المجرمون وهم الائمة الذين يدعون الى النار فما لنا حينئذ من شافعين يشفعون لنا لينقذون من عذابه اي قريب مصاف ينفعنا بادنى نفع. كما جرت العادة بذلك في الدنيا فايسوا من كل خير وابلسوا بما كسبوا وتمنوا العودة الى الدنيا ليعملوا صالحا فنكون من المؤمنين. فلو ان لنا كرة اي رجعة الى الدنيا واعادة اليها هنا من المؤمنين. لنسلم من العقاب ونستحق الثواب. هيهات هيهات قد حيل بينهم وبين ما وقد غلقت منهم الرهون ان في ذلك الذي ذكرنا لكم ووصفنا لاية لكم وما كان اكثرهم مؤمنين مع نزول الايات كذبت قوم نوح المرسلين اذ قال لهم اخوهم نوح الا تتقون. يذكر تعالى تكذيب قوم اسم نوح لرسولهم نوح. وما رد عليهم وردوا عليه. وعاقبة الجميع. فقال كذبت قوم نوح المرسلين جميعهم وجعل تكذيب نوح كتكذيب جميع المرسلين. لانهم كلهم اتفقوا على دعوة واحدة واخبار واحدة. فتكذيب احدهم تكذيب بجميع ما جاءوا به من الحق كذبوه. اذ قال لهم اخوهم في النسب نوح وانما ابتعث الله الرسل من نسب من ارسل اليهم لئلا يشمئزوا من الانقياد له ولانهم يعرفون حقيقته فلا يحتاجون ان يبحثوا عنه. فقال لهم مخاطبا بالطف خطاب كما هي طريقة الرسل. صلوات الله وسلامه عليهم الا تتقون الله تعالى؟ فتتركون ما انتم مقيمون عليه من عبادة الاوثان. وتخلصون العبادة لله وحده فكونه رسولا اليهم بالخصوص يوجب لهم تلقي ما ارسل به اليهم والايمان به. وان يشكروا الله تعالى على ان خصهم بهذا الرسول الكريم. وكونه يقتضي انه لا يتقول على الله ولا يزيد في وحيه ولا ينقص. وهذا يوجب لهم التصديق بخبره والطاعة لامره فاتقوا الله واطيعوني فيما امركم به وانهاكم عنه. فان هذا هو الذي يترتب على كونه اليهم امينا. فلذلك رتبه بالفاء الدالة على السبب. فذكر السبب الموجب ثم ذكر انتفاء المانع. فقال وما اسألكم عليه من اجر فتتكلفون من المغرم الثقيل ان اجري الا على رب العالمين. ارجو بذلك القرب منه والثواب الجزيل. واما انتم فمن ومنتهى ارادتي منكم النصح لكم وسلوككم الصراط المستقيم. كرر ذلك عليه السلام لتكريره دعوة قومه وطول مكثه في ذلك. كما قال تعالى فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما وقال ربياني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي الا فرارا. فقالوا ردا لدعوته ومعارضة له بما ليس يصلح للمعارضة اي كيف نتبعك ونحن لا نرى اتباعك الا اسافل الناس اراذلهم وسقطهم بهذا يعرف تكبرهم عن الحق وجهلهم بالحقائق فانهم لو كان قصدهم الحق لقالوا ان كان اشكال وشك في دعوته. بين لنا صحة ما جئت به بالطرق الموصلة الى ذلك. ولو تأملوا حق التأمل لعلموا ان اتباعه هم الاعلون خيار الخلق اهل العقول الرزينة والاخلاق الفاضلة وان الارذل من سلب خاصية عقله فاستحسن عبادة احجار ورضي ان يسجد لها ويدعوها. وابى الانقياد لدعوة الرسل الكمل. وبمجرد ما يتكلم احد الخصمين في الكلام الباطل. يعرف فساد ما عنده بقطع النظر عن صحة دعوى خصمه. فقوم نوح لما سمعنا عنهم انهم قالوا في ردهم دعوة نوح انؤمن لك واتبع اكل الارذلون فبنوا على هذا الاصل الذي كل احد يعرف فساده رد دعوته. عرفنا انهم ضالون مخطئون. ولو لم نشاهد من ايات نوح ودعوته العظيمة ما يفيد الجزم واليقين بصدقه وصحة ما جاء به. فقال نوح عليه السلام بما كانوا يعملون. ان حسابهم الا على ربي لو تشعرون. اي اعمالهم احتسابهم على الله انما علي التبليغ وانتم دعوهم عنكم ان كان ما جئتكم به الحق فانقادوا له وكل له عمله وما انا بطارد المؤمنين كانهم قبحهم الله طلبوا منه ان يطردهم عنه تكبرا وتجبرا ليؤمنوا. فقال وما انا بطارد المؤمنين. فانهم لا يستحقون الطرد الاهانة وانما يستحقون الاكرام القولي والفعلي. كما قال تعالى واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة اي ما انا الا منذر ومبلغ عن الله مجتهد في نصح العباد وليس لي من الامر شيء. ان الامر الا لله. فاستمر نوح عليه الصلاة والسلام على دعوتهم ليلا ونهارا سرا وجهارا فلم يزدادوا الا نفورا قالوا لان لم تنتهي يا نوح من دعوتك ايانا الى الله وحده اي لنقتلك شر قتلة بالرمي بالحجارة كما يقتل الكلب. فتبا لهم ما اقبح هذه المقابلة. يقابل الناصح الامين الذي هو اشفق عليه من انفسهم بشر مقابلة. لا جرم لما انتهى ظلمهم واشتد كفرهم. دعا عليهم نبي هم بدعوة احاطت بهم فقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. وهنا فافتح بيني وبينهم فتحا. اي اهلك الباغية منا. وهو يعلم انهم البغاة الظلمة. ولهذا قال فانجيناه ومن معه وفي الفلك اي السفينة المشحون من الخلق والحيوانات. ثم اغرقنا بعد اي بعد نوح ومن معه من المؤمنين الباقين اي جميع قومه كان اكثرهم مؤمنين. ان في ذلك اي نجاة نوح واتباعه واهلاك من كذبه. لاية دالة على صدق لرسولنا وصحة ما جاءوا به وبطلان ما عليه اعداؤهم المكذبون بهم وان ربك لهو العزيز الذي قهر بعزه اعداءه فاغرقهم بالطوفان الرحيم باوليائه حيث نجى نوحا ومن مع من اهل الايمان اي كذبت القبيلة المسماة عادا رسولهم هودى وتكذيبهم له تكذيب لغيره لاتفاق الدعوة اذ قال لهم اخوهم في النسب هود بلطف وحسن خطاب. الا تتقون الله فتتركون الشرك وعبادة غيره اي ارسلني الله اليكم رحمة بكم واعتناء بكم وانا امين. تعرفون ذلك مني. رتب على ذلك قولا فاتقوا الله واطيعوا اي ادوا حق الله تعالى وهو التقوى وادوا حقي بطاعتي فيما امركم به نهاكم عنه فهذا موجب لان تتبعوني وتطيعوني. وليس ثم مانع يمنعكم من الايمان. فلست اسألكم على تبليغي اياكم ونصحي لكم اجرى حتى تستثقلوا ذلك المغرم الذي رباهم بنعمته. وادر عليهم فضله وكرمه. خصوصا ما ربى به اولياءه وانبيائه اتبنون بكل ريع اي مدخل بين الجبال اية اي علامة تعبثون اي تفعلون ذلك عبثا لغير فائدة تعود بمصالح دينكم ودنياكم وتتخذون مصانع اي بركا ومجابي للمياه لعلكم تخلدون انه لا سبيل الى الخلود لاحد. واذا بطشتم في الخلق بطشتم جبارين قتلا وضربا واخذ اموال. وكان الله تعالى قد اعطاهم قوة عظيمة. وكان الواجب عليهم ان يستعينوا بقوتهم على طاعة الله ولكنهم فخروا واستكبروا. وقالوا من اشد منا قوة؟ واستعملوا قوتهم في معاصي الله. وفي بالعبث والسفه فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك. فاتقوا الله واتركوا شرككم خطركم واطيعون حيث علمتم اني رسول الله اليكم امين ناصح. واتقوا الذي امدكم بما تعلمون. واتقوا الذي امدكم اي اعطاكم بما تعلمون. اي امدكم بما لا يجهل ولا ينكر من انعام. امدكم بانعام من ابل وبقر وغنم وبنين. اي وكثرة نسل. كثر اموالكم وكثر اولادكم. خصوصا الذكور افضل القسمين هذا تذكيرهم بالنعم. ثم ذكرهم حلول عذاب الله. فقال اي اني من شفقتي عليكم وبري بكم اخاف ان ينزل بكم عذاب عظيم. اذا نزل لا يرد ان استمريتم على كفركم وبغيكم فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم. سواء ام لم تكن من الواعظين. اي الجميع على حد سواء وهذا غاية العتو. فان من بلغت بهم الحال الى ان صارت مواعظ الله التي تذيب الجبال صم الصلاب. وتتصدع لها افئدة اولي الالباب. وجودها وعدمها ما عندهم على حد سواء لقوم انتهى ظلمهم. واشتد شقاؤهم وانقطع الرجاء من هدايتهم. ولهذا قالوا ان هذا الا خلق الاولين اي هذه والنعم ونحو ذلك عادة الاولين تارة يستغنون وتارة يفتقرون وهذه احوال الدهر لا ان هذه محن ومنح من الله تعالى وابتلاء لعباده. وهذا انكار منهم للبعث او تنزل مع نبيهم وتهكم به. اننا على فرض اننا نبعث فاننا كما ادرت علينا النعم في الدنيا. كذلك لا تزال مستمرة علينا اذا بعثت فكذبوه. اي صار التكذيب سجية لهم وخلقا. ما يردعهم عنه رادع فاهلكناهم بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها كانهم اعجاز نخل خاوية ان في ذلك لاية على صدق نبينا هود عليه السلام وصحة ما جاء به وبطلان ما عليه قومه من الشرك والجبروت وما كان اكثرهم مؤمنين. مع وجود الايات المقتضية للايمان ان ربك لهو العزيز الذي اهلك بقوته قوم هود على قوتهم وبطشهم. الرحيم بنبيك فيه هود حيث نجاه ومن معه من المؤمنين. كذب الثمود القبيلة في مدائن الحجر المرسلين كذبوا صالحا عليه السلام الذي جاء بالتوحيد الذي دعت اليه المرسلون. فكان تكذيبهم له تكذيبا للجميع اذ قال لهم اخوهم صالح في النسب برفق الا تتقون الله تعالى وتدعون الشرك والمعاصي فاتقوا الله واطيعوا. اني لكم رسول من الله ربكم ارسلني اليكم لطفا بكم ورحمة. فتلقوا رحمته بالقبول وقابلوها بالاذعان. امين تعرفون ذلك مني وذلك يجب عليكم ان تؤمنوا بي وبما جئتم به وما اسألكم عليه من اجر. فتقولون يمنعنا من اتباعك انك تريد اخذ اموالنا. ان اجري الا على رب العالمين اي لا اطلب الثواب الا منه وزروع ونخل طلعها هضين. اين كثير اي اتحسبون انكم تتركون في هذه الخيرات والنعم سدى. تتنعمون وتمتعون كما تتمتع الانعام وتتركون سدى لتؤمرون ولا تنهون وتستعينون بهذه النعم على معاصي الله اي بلغت بكم الفراهة والحذق الى ان اتخذتم بيوتا من الجبال الصم الصلاب الذين تجاوزوا الحد في الارض ولا يصلحون. اي الذين وصفهم ودأبهم الافساد في الارض. بعمل المعاصي والدعوة اليها افسادا لا اصلاح فيه. وهذا اضر ما يكون. لانه شر محض. وكأن اناسا عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم. موضعون في الدعوة لسبيل الغي فنهاهم صالح عن الاغترار بهم. ولعلهم الذين قال الله فيهم وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض الارض ولا يصلحون. فلم يفد فيهم هذا النهي والوعظ شيئا. فقالوا لصالح حريم. اي قد سحرت فانت تهذي بما لا معنى له اي فاي فضيلة فقتنا بها حتى تدعونا الى اتباعك هذا مع ان مجرد اعتبار حالته وحالة ما دعا اليه. من اكبر الايات البينات على صحة ما جاء به وصدقه لكنهم من قسوتهم سألوا ايات الاقتراح التي في الغالب لا يفلح من طلبها. لكون طلبه مبنيا على التعنت لا على استرشاد فقال صالح هذه ناقة تخرج من صخرة صماء ملساء ترونها وتشاهدونها باجمعكم لها شرب ولكم شرب او من معلوم اي تشرب ماء البئر يوما وانتم تشربون لبنها. ثم تصدر عنكم اليوم الاخر. وتشربون انتم ماء البئر ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم. ولا ت بسوء بعقل او غيره فيأخذكم عذاب يوم عظيم. فخرجت واستمرت عندهم بتلك الحال. فلم يؤمنوا واستمروا طغيانهم وهي صيحة نزلت عليهم فدمرتهم اجمعين ان في ذلك لاية على صدق ما جاءتهم به رسلنا. وبطلان قول معارضيهم ندبت قوم لوط المرسلين حين اذ قال لهم اخوهم لوط اني لكم رسول امين فاتقوا الله واطيعوا وما كذبت قوم لوط المرسلين قال لهم وقالوا كما قال من قبلهم تشابهت قلوبهم في الكفر انتهت اقوالهم وكانوا مع شركهم يأتون فاحشة لم يسبقهم اليها احد من العالمين. يختارون نكاح الذكران المستقذر خبيث ويرغبون عما خلق لهم من ازواجهم لاسرافهم وعدوانهم. فلم يزل ينهاهم حتى قالوا له اي من البلد. فلما رأى استمرارهم عليه اي المبغضين له الناهين عنه المحذرين من فعله وعقوبته فاستجاب الله له اجمعين اي الباقين في العذاب وهي امرأته وامطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين. وامطرنا عليهم مطرا اي من سجيل فساء مطر المنذرين. اهلكهم عن اخرهم كذب اصحاب اصحاب الايكة اي البساتين الملتفة اشجارها. وهم اصحاب مدين فكذبوا نبيهم شعيبا. الذي جاء بما جاء به المرسلون. الا تتق الله تعالى فتتركون ما يسخطه ويغضبه من الكفر والمعاصي. يترتب وعلى ذلك ان تتقوا الله وتطيعون اوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وكانوا مع شركهم يبخسون والموازين. فلذلك قال لهم اوفوا الكيل اي اتموه واكملوه. ولا تكونوا من المخسرين. الذين ينقصون نسى اموالهم ويسلبونها ببخس المكيال والميزان. وزنوا بالقسطاس المستقيم. اي بالميزان العادل الذي لا يميل اتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين. اي الخليقة الاولين فكمن فرد بخلقكم وخلق من قبلكم من مشارك له في ذلك فافردوه بالعبادة والتوحيد. وكما انعم عليكم بالايجاد والامداد بالنعم. فقابلوه بشكره. قالوا له مكذبين له رادين لقوله فانت تهذي وتتكلم الكلام المسحور التي غايته الا يؤاخذ به وما انت الا بشر مثلنا. فليس فيك فضيلة اختصصت بها علينا. حتى تدعونا الى اتباعك. وهذا مثل قول من قبلهم ومن بعدهم ممن عارضوا الرسل بهذه الشبهة التي لم يزالوا يدلون بها ويصولون ويتفقون عليها لاتفاقهم على كفر وتشابه قلوبهم. وقد اجابت عنها الرسل بقولهم ان نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وهذا جراءة منهم وظلم وقول زور. قد انطووا على خلافه فان وما من رسول من الرسل واجه قومه ودعاهم وجادلهم وجادلوه الا وقد اظهر الله على يديه من الايات ما به يتيقنون صدقه وامانه خصوصا شعيبا عليه السلام الذي يسمى خطيب الانبياء لحسن مراجعته قومه ومجادلتهم بالتي هي احسن. فان قومه قد تيقنوا صدقه وان ما جاء به حق. ولكن اخبارهم عن ظن كذبه كذب منهم من السماء ان كنت من الصادقين. فاسقط علينا كسفا من السماء اي قطع عذاب تستأصلنا كقول اخوانهم واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء. او ائتنا بعذاب اليم. او انهم طلبوا بعض ايات الاقتراح. التي لا يلزم تتميم مطلوب من سألها قال شعيب عليه السلام اي نزول العذاب ووقوع ايات اقتراح لست انا الذي اتي بها وانزلها بكم. وليس علي الا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت. وانما الذي يأتي بها ربي باعمالكم واحوالكم الذي يجازيكم ويحاسبكم. فكذبوا اي صار التكذيب لهم وصفا. والكفر لهم ديدنا بحيث لا تفيدهم الايات. وليس بهم حيلة الا نزول العذاب. فاخذهم عذاب يوم الظلة. اظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين. لظلها غير الظليل. فاحرقتهم بالعذاب. فظلوا تحتها ولديارهم مفارقين ولدار الشقاء والعذاب نازلين لا كرة لهم الى الدنيا فيستأنفوا العمل ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا هم ينظرون وما كان اكثرهم مؤمنين. ان في ذلك لاية دالة على صدق شعيب وصحة ما دعا اليه وبطلان رده لقومه عليه وما كان اكثرهم مؤمنين مع رؤيتهم الايات. لانهم لا زكاء فيهم ولا خير لديهم. وما اكثر الناس ولو فبمؤمنين وان ربك لهو العزيز الذي امتنع بقوته عن ادراك احد وقهر كل مخلوق. الرحيم الذي الرحمة وصفه. ومن اثارها جميع الخيرات في الدنيا والاخرة من حين اوجد الله العالم الى ما نهاية له. ومن عزته ان اهلك اعداءه حين كذبوا رسله. ومن رحمته ان نجى اولياءه من اتبعهم من المؤمنين لما ذكر قصص الانبياء مع اممهم وكيف دعوهم؟ وما ردوا عليهم به؟ وكيف اهلك الله اعدائهم وصارت لهم العاقبة. ذكر هذا الرسول الكريم والنبي المصطفى العظيم. وما جاء به من الكتاب الذي فيه هداية لاولي الالباب فقال وانه لتنزيل رب العالمين. فالذي انزله فاطر الارض والسماوات. المربي جميع العالم والسفلي وكما انه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وابدانهم. فانه يربيهم ايضا بهدايتهم لمصالح دينهم واخراهم اهم ومن اعظم ما رباهم به انزال هذا الكتاب الكريم الذي اشتمل على الخير الكثير والبر الغزير وفيه من الهداية صالح الدارين والاخلاق الفاضلة ما ليس في غيره. وفي قوله وانه لتنزيل رب العالمين من تعظيمه وشدة الاهتمام فيه من كونه نزل من الله لا من غيره مقصودا فيه نفعكم وهدايتكم. نزل به الروح الامين وهو جبريل عليه السلام الذي موجبات العقاب وهذا اصل كل خير ان الذين لا يؤمنون بالاخرة ويكذبون بها ويكذبون من جاء باثباتها انا لهم اعمالهم فهم يعملون. حائرين مترددين مؤثرين سخط الله على رضاه. قد انقلبت عليهم هو افضل الملائكة واقواهم الامين الذي قد امن ان يزيد فيه او ينقص على قلبك يا محمد تهدي به الى طريق الرشاد. وتنذر به عن طريق الغي. بلسان عربي وهو افضل الالسنة بلغة من بعث اليهم. وباشر دعوتهم اصلا. اللسان البين الواضح. وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم فانه افضل الكتب نزل به افضل الملائكة على افضل الخلق على افضل بضعة فيه وهي قلبه على افضل امة اخرجت للناس بافضل الالسنة وافصحها واوسعها. وهو اللسان العربي المبين اي قد بشرت به كتب الاولين وصدقته. وهو لما نزل طبق ما اخبرت به صدقها. بل جاء بالحق وصدق المرسلين اولم يكن لهم اية على صحته وانه من الله ان يعلمه علماء بني اسرائيل. الذي قد انتهى اليهم العلم وصاروا اعلم الناس وهم اهل الصنف. فان كل شيء يحصل به اشتباه يرجع فيه الى اهل الخبرة والدراية. فيكون قول لهم حجة على غيرهم كما عرف السحرة الذين مهروا في علم السحر صدق معجزة موسى وانه ليس بسحر. فقول الجاهلين بعدها هذا لا يأبه به. ولو نزلناه على بعض الاعجمين الذين لا يفقهون لسانهم ولا يقدرون على التعبير لهم كما ينبغي. فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين. فقرأه وعليهم ما كانوا به مؤمنين. يقولون ما نفقه ما يقول. ولا ندري ما يدعو اليه. فليحمدوا ربهم ان جاءهم على لسان افصح الخلق واقدرهم على التعبير عن المقاصد في العبارات الواضحة وانصحهم وليبادروا الى التصديق به وتلقيه بالتسليم والقبول ولكن تكذيبهم له عن غير شبهة ان هو الا محض الكفر والعناد. وامر قد توارثته الامم المكذبة. فلهذا قال اي ادخلنا التكذيب وانظمناه في قلوب اهل الاجرام كما يدخل السلك في الابرة فتشربت وصار وصفا لها. وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم. فلذلك لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم ايؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم. على تكذيبهم ان يأتيهم على حين غفلة وعدم احساس منهم ولا استشعار بنزوله ليكون ابلغ في عقوبتهم فيقول اذ ذاك هل نحن منظرون؟ اي يطلبون ان ينظروا ويمهلوا والحال انه قد فات الوقت وحل بهم العذاب الذي لا يرفع عنهم ولا يفتر ساعة يقول تعالى افبعذابنا الذي هو العذاب الاليم العظيم. الذي لا يستهان به ولا يحتقر. يستعجلون فما الذي غرهم؟ هل فيهم قوة وطاقة للصبر عليه؟ ام عندهم قوة يقدرون على دفعه او رفعه اذا نزل؟ ام يعجزوننا ويظنون اننا لا نقدر على ذلك. افرأيت اذا لم نستعجل عليهم بانزال للعذاب وامهلناهم عدة سنين يتمتعون في الدنيا ثم جاءهم ما كانوا يوعدون من العذاب. ما اغنى عنهم كانوا يمتعون من اللذات والشهوات اي اي شيء تغني عنهم وتفيدهم وقد مضت. وبطلت واضمحلت واعقبت تبعاتها وضعف لهم العذاب عند طول المدة. القصد ان الحذر من وقوع العذاب واستحقاقهم له. واما تعجيله او تأخيره لا اهمية تحته ولا جدوى عنده. يخبر قال عن كمال عدله في اهلاك المكذبين. وانه ما اوقع بقرية هلاكا وعذابا. الا بعد ان يعذر منهم. ويبعث فيهم النذر بالايات البينات ويدعونهم الى الهدى وينهونهم عن الردى ويذكرونهم بايات الله وينبهونهم على ايامه في نعمه ونقمه ذكرى لهم واقامة حجة عليهم. وما كنا ظالمين فنهلك القرى قبل ان ننذرهم ونأخذهم وهم غافلون عن النذر. كما قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا مبشرين ومنذرين لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ولما بين تعالى كمال القرآن وجلالته نزهه عن كل في نقص وحماه وقت نزوله وبعد نزوله من شياطين الجن والانس. فقال وما ينبغي لهم وما يستطيعون وما ينبغي لهم اي لا يليق بحالهم ولا يناسبهم وما يستطيعون ذلك قد ابعدوا عنه واعدت لهم الرجوم لحفظه نزل به جبريل اقوى الملائكة الذي لا يقدر شيطان ان يقربه او يحوم حول ساحته وهذا كقوله انا نحن نزلنا الذكر روى انا له لحافظون. ينهاك جعل رسوله اصلا وامته اسوة له في ذلك. عن دعاء غير الله من جميع المخلوقين. وان ذلك موجب للعذاب الدائم والعقاب السرمدي لكونه شركا. ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة. ومأواه النار. والنهي عن الشيء امر بضده النهي عن الشرك امر باخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. محبة وخوفا ورجاء وذلا. وانابة اليه في جميع الاوقات ولما امره بما فيه كمال نفسه امره بتكميل غيره فقال الذين هم اقرب الناس اليك. واحقهم باحسانك الديني والدنيوي. وهذا لا ينافي امره بانذار جميع الناس. كما اذا امر بعموم الاحسان. ثم قيل له احسن الى قرابتك. فيكون هذا خصوصا دالا على التأكيد وزيادة الحق. فامتثل صلى الله عليه عليه وسلم هذا الامر الالهي فدعا سائر بطون قريش فعمم وخصص وذكرهم ووعظهم ولم يبق صلى الله عليه وسلم من شيئا من نصحهم وهدايتهم الا فعله. فاهتدى من اهتدى واعرض من اعرض. واخفض جناحك لمن اتبعك بلين جانبك ولطف خطابك لهم وتوددك وتحببك اليهم وحسن خلقك والاحسان التام وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فهذه اخلاقه صلى الله عليه وسلم. اكمل الاخلاق التي يحصل بها من المصالح العظيمة ودفع المضار ما هو مشاهد. فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله؟ ويدعي اتباعه والاقتداء به. ان يكون كلا على المسلمين شرس الاخلاق شديد الشكيمة عليهم غليظ القلب فظ القول فظيعة. وان رأى منهم معصية او سوء ادب هجرهم وابغضهم لا لين عنده ولا ادب لديه ولا توفيق. قد حصل من هذه المعاملات من المفاسد وتعطيل المصالح ما حصل مع ذلك تجده محتقرا لمن اتصف بصفات الرسول الكريم. قد رماه بالنفاق والمداهنة. وقد كمل نفسه ورفعها واعجب بعمله. فهل هذا الا من جهله وتزيين الشيطان وخدعه له. ولهذا قال الله لرسوله فان عصوك في امر من الامور فلا تتبرأ منهم ولا تترك معاملتهم بخفض الجناح ولين الجانب. بل تبرأ من عملهم فعظهم عليه وانصحهم وابذل قدرتك في ردهم عنه وتوبتهم منه وهذا لدفع احتراز وهم من يتوهم ان قوله واخفض جناحك للمؤمنين يقتضي الرضا بجميع ما يصدر منهم ما داموا فدفع هذا بهذا والله اعلم اعظم مساعد للعبد على القيام بما امر به. الاعتماد على ربه. والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور. فلذلك امر الله تعالى بالتوكل عليه. فقال وتوكل على العزيز الرحيم. والتوكل كله اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار. مع ثقته به وحسن ظنه بحصول مطلوبه. فانه عزيز رحيم عزته يقدر على ايصال الخير ودفع الشر عن عبده. وبرحمته به يفعل ذلك. ثم نبهه على الاستعانة باستحضار قرب الله والنزول في منزل الاحسان فقال ان يراك في هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة وقت قيامك وتقلبك راكعا وساجدا. خصها بالذكر بفضلها وشرفها ولان من استحضر فيها قرب ربه خشع وذل. واكملها وبتكميلها يكمل سائر عمله. ويستعين بها على جميع اموره انه هو السميع العليم. انه هو السميع لسائر الاصوات على اختلافها وتشتتها وتنوعها العليم الذي احاط بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة. فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع احواله. وسمعه لكل ما ينطق به وعلمه بما ينطوي عليه قلبه من الهم والعزم والنيات مما يعينه على منزلة الاحسان تنزل على كل السمع واكثرهم كاذبون. هذا جواب لمن قال من مكذب الرسول ان محمدا ينزل عليه الشيطان قول من قال انه شاعر فقال هل انبئكم على من تنزلوا هل انبئكم اي اخبركم الخبر الحقيقي الذي لا شك فيه ولا شبهة على من تنزلوا الشياطين اي بصفة الاشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين تنزل على كل افاك اي كذاب كثير القول للزور والافك بالباطل اثيم في فعله. كثير المعاصي. هذا الذي تنزل عليه الشياطين. وتناسب حاله حالهم السمع واكثرهم كاذبون. يلقون عليه السمع الذي يسترقونه من السماء. واكثرهم كاذبون اي اكثر ما يلقون اليه كذب فيصدق واحدة ويكذب معها مئة. فيختلط الحق بالباطل ويضمحل الحق بسبب قلته وعدم علمه فهذه صفة الاشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين وهذه صفة وحيهم له. واما محمد صلى الله عليه وسلم فحاله مباينة لهذه الاحوال اعظم مباينة. لانه الصادق الامين البار الراشد الذي جمع بين بر القلب وصدقه اللهجة ونزاهة الافعال من المحرم. والوحي الذي ينزل عليه من عند الله ينزل محروسا محفوظا. مشتملا على الصدق العظيم الذي لا شك فيه ولا ريب. فهل يستوي يا اهل العقول هذا واولئك؟ وهل يشتبهان الا على مجنون؟ لا يميز ولا يفرق بين الاشياء فلما نزهه عن نزول الشياطين عليه برأه ايضا من الشعر فقال والشعراء اي هل انبئكم ايضا عن حالة الشعراء ووصفهم الثابت فانهم يتبعهم الغاوون عن طريق الهدى المقبلون على طريق الغي والردا فهم في انفسهم غاوون. وتجد اتباعهم كل غاو ضال فاسد. الم تر الم تر غوايتهم وشدة ضلالهم انهم في كل واد من اودية شعر يهيمون فتارة في مدح وتارة في قدح وتارة في صدق وتارة في كذب وتارة يتغزلون واخرى ومرة يمرحون واونة يحزنون. فلا يستقر لهم قرار ولا يثبتون على حال من الاحوال يقولون ما لا يفعلون. اي هذا وصف الشعراء انهم تخالف اقوالهم افعالهم. فاذا سمعت الشاعر تغزلوا بالغزل الرقيق. قلت هذا اشد الناس غراما. وقلبه فارغ من ذاك. واذا سمعته يمدح او يذم. قلت هذا صدق. وهو كذب وتارة يتمدح بافعال لم يفعلها وطروك لم يتركها. وكرم لم يحم حول ساحته وشجاعة يعلو بها على الفرسان وتراه اجبن من كل جبان. هذا وصفهم فانظر هل يطابق حالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ الراشد البار الذي يتبعه كل راشد ومهتد. الذي قد استقام على الهدى وجانب الردى. ولم تتناقض افعاله. ولم تخالف اقواله افعاله. الذي لا يأمر الا بالخير. ولا ينهى الا عن الشر. ولا اخبر بشيء الا صدق. ولا امر بشيء الا كان اول الفاعلين له. ولا نهى عن شيء ان الا كان اول التاركين له فهل تناسب حاله حالة الشعراء او يقاربهم؟ ام هو مخالف لهم من جميع الوجوه؟ وصلوات الله الله وسلامه على هذا الرسول الاكمل. والهمام الافضل. ابد الابدين ودهر الداهرين. الذي ليس بشاعر ولا ساحر يا مجنون ولا يليق به الا كل كمال كثيرا وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا سيعلم الذين ظلموا انقلب ينقلبون ولما وصف الشعراء بما وصفهم به استثنى منهم من امن بالله ورسوله وعمل صالحا واكثر من ذكر الله وانتصر من اعدائه المشركين من بعد ما ظلموهم. فصار شعرهم من اعمالهم الصالحة. واثار ايمانهم. لاشتماله على مدح اهل الايمان والانتصار من اهل الشرك والكفر والذب عن دين الله وتبيين العلوم النافعة والحث على الاخلاق الفاضلة. فقال الذين امنوا وعملوا الله كثيرا. وذكروا الله كثيرا وسيعلم الذين ظلموا ايامهم ينقلبون الى موقف وحساب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ولا حقا الا استوفاه والحمدلله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم. تلك ايات القرآن ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن. ويشير اليه اشارة دالة على التعظيم. فقال تلك ايات القرآن وكتاب مبين. اي هي اعلى الايات واقوى البينات. واوضح الدلالات وابينها على اجل المطالب وافضل المقاصد. وخير الاعمال وازكى الاخلاق. ايات تدل على الاخبار الصادقة والاوامر الحسنة. والنهي عن كل عمل وخيم وخلق ذميم. ايات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة. مبلغ الشمس للابصار. ايات دلت على الايمان ودعت للوصول الى الايقان. واخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة على طبق ما كان ويكون. ايات دعت الى معرفة ربي العظيم باسمائه الحسنى وصفاته العليا وافعاله الكاملة. ايات عرفتنا برسله واوليائه ووصفتهم حتى كأننا ننظر اليهم بابصارنا ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين. ولم يهتدي بها جميع المعاندين صونا لها عمن لا خير فيه ولا صلاح ولا زكاء في قلبه. وانما اهتدى بها من خصهم الله بالايمان. واستنارت بذلك قلوبهم وصفت سرائرهم لهذا قال اي تهديهم الى سلوك الصراط المستقيم وتبين لهم ما ينبغي ان يسلكوه او يتركوه وتبشرهم بثواب الله المرتب على الهداية لهذا الطريق الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم يوقنون. ربما قيل لعله يكثر مدع الايمان. فهل من كل احد ادعى انه مؤمن ذلك؟ ام لابد لذلك من دليل وهو الحق؟ فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم يوقنون. الذين يقيمون الصلاة فرضها ونفلها فيأتون بافعالها الظاهرة من اركانها وشروطها وواجباتها ومستحباتها وافعالها الباطنة وهو الخشوع الذي هو روحها ولبها. استحضار قرب الله وتدبر ما يقول المصلي ويفعله. ويؤتون الزكاة المفروضة لمستحيل الحقائق فرأوا الباطل حقا والحق باطلا اولئك الذين لهم سوء العذاب اي اشده واسوأه واعظمه حصل الخسارة فيهم بكونهم خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. وخسروا الايمان الذي دعتهم اليه الرسل اي وان هذا القرآن الذي تنزل عليك وتتلقفه وتتلقنه. ينزل من عند حكيم. يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. عليم باسرار الامور مواطنها كظواهرها. واذا كان من عند حكيم عليم علم انه كله حكمة ومصالح للعباد. من الذي هو اعلم بمصالحه منهم يعني اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من احوال موسى ابن عمران وابتداء الوحي اليه واصطفائه برسالته وتكليم الله اياه وذلك انه لما مكث في مدين عدة سنين وسار باهله من مدين متوجها الى مصر. فلما كان في اثناء الطريق ظل وكان في ليلة مظلمة باردة قال لهم اني انست نارا اي ابصرت نارا من بعيد. ساتيكم منها بخبر عن الطريق اي تستدفئون وهذا دليل على انه تائه ومشتد برده هو واهله اي ناداه الله تعالى واخبره ان هذا محل مقدس مبارك. ومن بركته ان جعله الله موضعا لتكليم الله لموسى وارساله وسبحان الله رب العالمين. وسبحان الله رب العالمين عن ان يظن به نقص او سوء بل هو الكامل في وصفه وفعله. اي اخبره الله انه الله المستحق للعبادة وحده لا شريك له. كما في الاية الاخرى انني انا الله لا اله الا انا. فاعبدني واقم الصلاة لذكر العزيز الذي قهر جميع الاشياء واذعنت له كل المخلوقات. الحكيم في امره وخلقه ومن حكمته من ارسل عبده موسى ابن عمران الذي علم الله منه انه اهل لرسالته ووحيه وتكليمه. ومن عزته ان تعتمد عليه ولا وحش من انفرادك وكثرة اعدائك وجبروتهم. فان نواصيهم بيد الله وحركاتهم وسكونهم بتدبيره فلما رآها تهتز كانها مدبرا ولن يعقب يا موسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون والق عصاك فالقاها فلما رآها تهتز كانها جان وهو ذكر الحيات سريع الحركة ولى ولم يعقب ذعرا من الحية التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية. فقال الله له يا موسى لا تخف. وقال في الاية الاخرى اقبل ولا تخف انك من الامنين. لان جميع المخلوقات مندرجة في قضائه وقدره وتصريفه وامره. فالذين اختصهم الله برسالته واصطفاهم لوحيه لا ينبغي لهم ان يخافوا غير الله خصوصا عند زيادة القرب منه والحظوة بتكليمه اي فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما من الظلم وما تقدم له من الجرم. واما المرسلون فما لهم وللوحشة والخوف. ومع هذا من ظلم نفسه بمعاصي الله ثم تاب واناب فبدل سيئاته حسنات ومعاصيه طاعات فان الله غفور رحيم. فلا ييأس احد من رحمته ومغفرته فان يغفر الذنوب جميعا وهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها في تسع ايات الى فرعون وقومه انه كانوا قوما فاسقين. وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء. لا برص ولا نقص. بل بياض يبهر الناظرين شعاعه اي هاتان الايتان انقلاب العصا حية تسعى واخراج اليد من الجيب. فتخرج بيضاء في جملة تسعة ايات تذهب بها وتدعو فرعون وقومه. فسقوا بشركهم وعتوهم وعلوهم على عباد الله واستكبارهم في الارض بغير الحق فذهب موسى عليه السلام الى فرعون وملأه ودعاهم الى الله تعالى واراهم فلما جاءتهم اياتنا مبصرة مضيئة تدل على الحق. ويبصر بها كما تبصر الابصار بالشمس لم يكفهم مجرد القول بانه سحر. بل قالوا مبين. ظاهر لكل احد. وهذا من اعجب العجائب الايات المبصرات والانوار الساطعات تجعل من ابين الخزعبلات واظهر السحر. هل هذا الا من اعظم المكابرة واوقح سفسطة وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف وجحدوا بها اي كفروا بايات الله جاحدين لها واستيقنتها انفسهم اليس جحدهم مستندا الى الشك والريب. وانما جحدهم مع علمهم. ويقينهم بصحتها ظلما منهم لحق ربهم ولانفسهم وعلوا على الحق وعلى العباد وعلى الانقياد للرسل اسوأ عاقبة دمرهم الله واغرقهم في البحر واخزاهم. واورث مساكنهم المستضعفين من عباده وقال الحمد بسم الله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين. يذكر في هذا القرآن وينوه بمنتهى على داوود وسليمان ابنه بالعلم الواسع الكثير بدليل التنكير. كما قال تعالى وداود وسليمان اذ في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما وقال شاكرين لربهما منته الكبرى بتعليمهما. وقال الحمد لله الذي فضلنا فحمد الله على جعلهما من المؤمنين اهل السعادة انهما كانا من خواصهم ولا شك ان المؤمنين اربع درجات الصالحون ثم فوقهم الشهداء ثم فوقهم ثم فوقهم الانبياء وداوود وسليمان من خواص الرسل. وان كانا دون درجة اولي العزم الخمسة. لكن انهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام. الذين نوه الله بذكرهم ومدحهم في كتابه مدحا عظيما. فحمد الله على بلوغ هذه وهذا عنوان سعادة العبد ان يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية. وان يرى جميع النعم من ربه. فلا يفخر ولا يعجب بها. بل يرى انها تستحق عليه شكرا كثيرا. وورث سليمان داود وقال يا ايها الناس علمنا مواطن الطير واوتينا من كل شيء ان هذا لهو الفضل المبين. فلما مدحهما مشتركين خص سليمان بما خصه به. لكون الله اعطاه ملكا عظيما وصار له من المجريات ما لم يكن لابيه صلى الله عليهما وسلم فقال وورث سليمان داوود اي ورث علمه ونبوته. فانضم علم ابيه الى علمه فلعله تعلم من ابيه ما عنده من العلم. مع ما كان عليه من علمي وقت ابيه كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان. وقال شكرا لله وتبجحا باحسانه وتحدثا بنعمته يا ايها الناس علمنا منطق الطير. فكان عليه الصلاة والسلام يفقه ما تقول وتتكلم به. كما راجع الهدهد رجع وكما فهم قول النملة للنمل كما يأتي وهذا لم يكن لاحد غير سليمان عليه السلام ان هذا لهو الفضل المبين. واتينا من كل شيء اي اعطانا الله من النعم ومن اسباب الملك ومن السلطنة والقهر ما لم يؤت احدا من الادميين. ولهذا دعا ربه وقال وهب لي ملكا ينبغي لاحد من بعدي سخر الله له الشياطين. يعملون له كل ما يشاء من الاعمال التي يعجز عنها غيرهم. وسخ له الريح غدوها شهر ورواحها شهر. ان هذا الذي الذي اعطانا الله وفضلنا واختصنا به لهو الفضل المبين الواضح الجلي. اعترف اكمل اعتراف بنعمة الله تعالى وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون كن اي جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة. من بني ادم ومن الجن والشياطين ومن الطيور. فهم يوزعون يدبرون ويرد اولهم على اخرهم. وينظمون غاية التنظيم. في سيرهم ونزولهم وحلهم وترحالهم. قد استعد لذلك واعد له عدته. وكل هذه الجنود مؤتمرة بامره. لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عليه. كما قال تعالى هذا عطاؤنا فامن او امسك اي اعطي بغير حساب فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض اسفاره اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة يا ايها النمل حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة منبهة لرفقتها وبني جنسها ليحطمن سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. فنصحت هذه النملة واسمعت النمل اما بنفسها ويكون الله قد اعطى النمل اسماعا خارقة للعادة. لان التنبيه للنمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من اعجب العجائب واما بانها اخبرت من حولها من النمل ثم صار الخبر من بعضهن لبعض حتى بلغ الجميع. وامرت بالحذر والطريق في ذلك هو دخول مساكنهن. وعرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه واعتذرت عنهم انهم ان حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور. فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه تبسم ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي فتبسم ضاحكا من قولها اعجابا منه بفصاحتها ونصحها وحسن تعبيرها وهذا حال الانبياء عليهم الصلاة والسلام. الادب الكامل والتعجب في موضعه. والا يبلغ بهم الضحك الا الى التبسم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم فان القهقهة تدل على خفة العقل وسوء الادب وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه. يدل على شراسة الخلق والجبروت. والرسل منزهون عن ذلك. وقال شاكرا لله الذي اوصله الى هذه الحال رب اوزعني اي الهمني ووفقني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي فان النعمة على الوالدين نعمة على الولد. فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته. الدينية والدنيوية عليه وعلى اي وفقني ان اعمل صالحا ترضاه موافقا لامرك مخلصا فيه سالما من المفسدات والمنقصات الصالحين وادخلني برحمتك التي منها الجنة في جملة عبادك الصالحين. فان الرحمة مجعورة للصالحين على اختلاف درجاتهم ومنازلهم. فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان. عند سماع خطاب النملة وندائها. ثم وذكر نموذجا اخر من مخاطبته للطير فقال وتفقد الطير دل هذا على كمال عزمه وحزمه وحسن تنظيمه لجنوده وتدبيره بنفسه للامور الصغار والكبار. حتى انه لم يهمل هذا الامر. وهو تفقد الطيور والنظر. هل هي موجودة كلها ام مفقود منها لا شيء وهذا هو المعنى للاية. ولم يصنع شيئا من قال انه تفقد الطير لينظر اين الهدهد منها؟ ليدله على بعد الماء وقربه كما زعموا عن الهدهد انه يبصر الماء تحت الارض الكثيفة. فان هذا القول لا يدل عليه دليل. بل الدليل العقلي واللفظي دال على بطلانه. اما العقلي فانه قد عرف بالعادة والتجارب والمشاهدات ان هذه الحيوانات كلها ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارقة للعادة. ينظر الماء تحت الارض الكثيفة. ولو كان كذلك لذكره الله لانه من اكبر الايات. واما الدليل اللفظي فلو اريد هذا المعنى لقال وطلب الهدهد لينظر له الماء. فلما فقده قال ما قال او فتش عن الهدهد او بحث عنه وذلك من العبارات وانما تفقد الطير لينظر الحاضر منها والغائب. ولزومها للمراكز والمواضع التي عينها لها. وايضا فان ايمان عليه السلام لا يحتاج ولا يضطر الى الماء. بحيث يحتاج لهندسة الهدهد. فان عنده من الشياطين والعفاريت ما يحفرون له الماء ولو بلغ في العمق ما بلغ. وسخر الله له الريح غدوها شهر ورواحها شهر. فكيف مع ذلك يحتاج الى الهدهد؟ وهذه تسير التي توجد وتشتهر بها اقوال لا يعرف غيرها. تنقل هذه الاقوال عن بني اسرائيل مجردة. ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني صحيحة وتطبيقها على الاقوال ثم لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلما للمتقدم حتى يظن انها الحق فيقع من الاقصر الردية في التفاسير ما يقع. واللبيب الفطن يعرف ان هذا القرآن الكريم العربي المبين. الذي خاطب الله به الخلق كلهم وجاهيلهم وامرهم بالتفكر في معانيه. وتطبيقها على الفاظه العربية المعروفة المعاني. التي لا تجهلها العرب العرباء. واذا اقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. ردها الى هذا الاصل. فان وافقته قبيلها لكون اللفظ دالا عليها ان خالفت لفظا ومعنى او لفظا او معنى ردها وجزم ببطلانها. لان عنده اصلا معلوما مناقضا لها وهو ما يعرفه من معنى كلامي ودلالته. والشاهد ان تفقد سليمان عليه السلام للطير وفقده الهدهد يدل على كمال حزمه وتدبيره الملك بنفسه وكما لفطنته حتى فقد هذا الطائر الصغير اي هل عدم رؤيتي اياه؟ لقلة فطنتي به؟ لكونه خفيا بين هذه الامم الكثيرة؟ ام على بابها من كان غائبا من غير اذني ولا امري. فحينئذ تغيظ عليه وتوعده فقال لاعذبنه عذابا شديدا دون القتل اي حجة واضحة على تخلفه. وهذا من كمال ورعه وانصافه. انه لم اقسم على مجرد عقوبته بالعذاب او القتل. لان ذلك لا يكون الا من ذنب. وغيبته قد تحتمل انها لعذر واضح. فلذلك لورعه وفطنته فمكث غير بعيد ثم جاء وهذا يدل على كهيبة جنوده منه. وشدة ائتمانهم لامره. حتى ان هذا الهدهد الذي خلفه العذر الواضح لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا. فقال قال لسليمان احطت بما لم تحط به عندي من العلم. علم ما احطت به على علمك الواسع وعلو درجتك كافيه وجئتك من سبأ القبيلة المعروفة في اليمن بنبأ يقين اي خبر متيقن. ثم فسر هذا النبأ فقال كل شيء اني وجدت امرأة تملكهم اي تملك قبيلة سبأ وهي امرأة واوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك من الاموال والسلاح والجنود والحصون والقلاع ونحو ذلك. اي كرسي ملكها الذي تجلس عليه عرش وعظم العروش تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى. وجدتها وقومها يسجدون وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله اي هم مشركون يعبدون الشمس وزين لهم الشيطان اعمالهم فرأوا ما هم عليه هو الحق. لان الذي يرى ان الذي هو عليه حق لا في هدايته حتى تتغير عقيدته. ثم قال السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. اي هلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والارض ان يعلم الخفي الخبي في اقطار السماوات وانحاء الارض من صغار المخلوقات وبذور النباتات وخفايا الصدور. ويخرج خبء الارض والسماء بانزال المطر وانبات النباتات. ويخرج خبء الارض عند النفخ في الصور واخراج الاموات من الارض. ليجازيهم باعمالهم الله لا اله الا هو رب العرش الله لا اله الا هو اي لا تنبغي العبادة والانابة والذل والحب الاله. لانه المألوه لما له من الصفات الكاملة والنعم الموجبة لذلك. الذي هو سقف المخلوقات ووسع الارض والسماوات. فهذا الملك عظيم السلطان كبير الشأن. هو الذي يذل له ويخضع. ويسجد له ويركع فسلم الهدهد حين القى اليه هذا النبأ العظيم. وتعجب سليمان كيف خفي عليه. وقال مثبتا لكمال عقله اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تولى عنهم اي استأخر غير بعيد. فانظر ماذا يرجعون اليك وما يتراجعون به فذهب به فالقاه عليهم فقالت لقومها اني القي الي كتاب كريم اي جليل المقدار من اكبر ملوك الارض ثم بينت مضمونه فقال بسم الله الرحمن الرحيم اي لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت سلطاني وانقادوا لاوامري الي مسلمين وهذا في غاية الوجازة مع البيان التام فانه تضمن نهيهم عن العلو عليه والبقاء على حالهم عليها والانقياد لامره والدخول تحت طاعته. ومجيئهم اليه ودعوتهم الى الاسلام. وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة وتقديم الاسم في اول عنوان الكتاب. فمن حجمها وعقلها ان جمعت كبار دولتها ورجال مملكتها قالت يا ايها الملأ افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى ستشهدون يا ايها الملأ افتوني في امري. اي اخبروني ماذا نجيبه به؟ وهل ندخل تحت طاعته وننقاد اماذا نفعل؟ ما كنت مستبدة بامر دون رأي ومشورتكم قالوا نحن اولو قوة واولو بأس شديد. اي ان رددتي عليه قول ولم تدخلي في طاعته فان اقوياء على القتال. فكأنهم مالوا الى هذا الرأي الذي لو تم لكان فيه دمارهم. ولكنهم ايضا لم يستقروا عليه بل قالوا والامر اليك فانظري ماذا تأمرين والامر اليك اي الرأي ما رأيت لعلمهم بعقلها وحزمها ونصحها لهم. فانظري نظر فكر وتدبر. ماذا تأمرين قالت لهم مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم. ومبينة سوء مغبة القتال ادخلوا قرية وجعلوا اعزة اهلها اذلة. وكذلك يفعلون ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها قتلا واسرى ونهبا لاموالها وتخريبا لديارها. وجعلوا اعزة اهلها اذلة اي جعلوا الرؤساء السادة اشراف الناس من الاذلين اي فهذا رأي غير سديد. وايضا فلست بمطيعة الله قبل الاختبار وارسال من يكشف عن احواله ويتدبرها. وحينئذ نكون على بصيرة من امرنا. فقالت فناظرة يرجع المرسلون منه هل يستمر على رأيه وقوله؟ ام تخدعه الهدية؟ وتتبدل فكرته؟ وكيف احواله وجنوده؟ فارسل اليه بهدية مع رسل من عقلاء قومها وذوي الرأي منهم بل انتم بهدية فلما جاء سليمان اي جاءه الرسل بالهدية قال منكرا عليهم ومتغيظا على عدم اجابتهم اتمدونني بمال؟ فما اتاني الله خير مما اتاكم. فليس تقع عندي موقعا ولا افرح بها. قد اغناني الله عنها واكثر علي النعم. لحبكم دنيا وقلة ما بايديكم بالنسبة لما اعطاني الله. ثم اوصى الرسول من غير كتاب بما رأى من عقله. وانه سينقل كلام على وجهه فقال ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولا ارجع اليهم اي بهديتك فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم اي لا طاقة لهم بها فرجع اليهم وابلغهم ما قال سليمان. وتجهزوا للمسير الى سليمان. وعلم سليمان انهم لابد ان يسيروا اليه. فقال لمن حضره من الجن والانس ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين؟ اي لاجل ان نتصرف قبل ان يسلموا فتكون اموالهم محترمة ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين. قال عفريت من الجن والعفريت هو القوي النشيط جدا. انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك ان سليمان اذ ذاك في الشام فيكون بينه وبين سبأ نحو مسيرة اربعة اشهر شهران ذهابا وشهران ايابا ومع ذلك يقول هذا العفريت انا التزم بالمجيء به على كبره وثقله وبعده قبل ان تقوم من مجلسك الذي انت فيه والمعتاد من المجالس الطويلة ان تكون معظم الضحى نحو ثلث يوم. هذا نهاية المعتاد. وقد يكون دون ذلك او اكثر وهذا الملك العظيم الذي عند احد رعيته هذه القوة والقدرة وابلغ من ذلك ان قال الذي عنده علم من الكتاب قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يغتد اليك طرفك. قال المفسرون هو رجل عالم صالح عند سليمان يقال له اصف بن برخيا كان يعرف اسم الله الاعظم الذي اذا دعا الله به اجاب واذا سأل به اعطي. انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك. بان يدعو الله بذلك الاسم فيحضر حالا وانه دعا الله فحضر فالله اعلم هل هذا هو المراد؟ ام ان عنده علما من الكتاب يقتدر به على جلب البعيد وتحصيله الشديد فلما رآه مستقرا عنده حمد الله تعالى على اقداره وملكه وتيسير الامور له. قال هذا من فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر؟ اي ليختبرني بذلك؟ فلم يغتر عليه السلام بملكه وسلطانه وقدرته. كما هو دأب الملوك الجاهلين. بل علم ان ذلك اختبار من ربه فخاف الا يقوم بشكره هذه النعمة ثم بين ان هذا الشكر لا ينتفع الله به وانما يرجع نفعه الى صاحبه. فقال ومن شكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم غني عن اعماله. كريم كثير الخير يعم به الشاكر والكافر. الا ان شكر نعمه داع للمزيد منها وكفرها داع لزوالها. ثم قال لمن عنده من الذين لا يهتدون. نكروا لها عرشها اي غيروه بزيادة ونقص ونحو ذلك. ننظر مختبر لعقدها اتهتدي للصواب؟ ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها فلما قيل اهكذا عرشك قالت فلما جاءت قادمة على سليمان عرض عليها عرشها وكان عهدها به قد خلفته في بلدها وقيل لها هكذا عرشك اي انه استقر عندنا ان لك عرشا عظيما فهل هو كهذا العرش الذي احضرناه لك؟ قالت كانه هو وهذا من ذكائها وفطنتها. لم تقل هو لوجود التغيير فيه والتنكير. ولم تنف انه هو لانها عرفت اتت بلفظ محتمل للامرين صادق على الحالين. فقال سليمان متعجبا من هدايتها وعقلها وشاكرا لله. ان اعطاه اعظم منها. واوتينا علم من قبلها اي الهداية والعقل والحزم. من قبل هذه الملكة وكنا مسلمين. وهي الهداية النافعة الاصلية ويحتمل ان هذا من قول ملكة سبأ واوتينا العلم عن ملك سليمان وسلطانه. فزيادة اقتداره من قبل هذه الحالة. التي رأينا فيها قدرته على احضار العرش من المسافة البعيدة فاذعنا له وجئنا مسلمين له خاضعين لسلطانه. قال الله تعالى وصدها ما كانت تعبد من دون الله. اي عن الاسلام والا فلها من الذكاء والفطنة. ما به تعرف الحق من الباطل ولكن العقائد الباطلة تذهب بصيرة القلب فاستمرت على دينهم. وانفراد الواحد عن اهل الدين والعادة المستمرة بامر يراه بعقله من ضلالهم وخطأهم من اندر ما يكون. فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر. ثم ان سليمان اراد ان ترى من سلطانه ما يبهر العقول. فامرها ان تدخل الصرح وهو المجلس المرتفع المتسع. وكان مجلسا من قوارير تجري تحته الانهار ساقيها. فلما رأته حسبته لجة ماء لان القوارير الشفافة يرى الماء الذي تحتها كأنه بذاته يجري ليس دونه شيء. وكشفت عن ساقيها لتخوضه وهذا ايضا من عقلها وادبها. فانها لم تمتنع من الدخول للمحل. الذي امرت بدخوله لعلمها انها لم تستدعى الا الاكرام وان ملك سليمان وتنظيمه قد بناه على الحكمة. ولم يكن في قلبها ادنى شك من حالة السوء بعدما رأت ما رأت لما استعدت للخوض قيل لها انه صرح ممرد اي مملس من قوارير فلا حاجة منك لكشف الساقين. فحينئذ لما وصلت الى سليمان وشاهد ما شاهدت وعلمت نبوته ورسالته تابت ورجعت عن كفرها واسلمت مع سليمان فهذا ما قصه الله علينا من قصة ملكة سبأ وما جرى لها مع سليمان وما عدا ذلك من الفروع المولدة والقصص الاسرائيلية فانه لا يتعلق بتفسير لكلام الله. وهو من الامور التي يتوقف الجزم بها على الدليل المعلوم عن المعصوم. والمنقولات في هذا الباب كلها او اكثرها ليس كذلك. فالحزم كل الحزم الاعراض عنها وعدم ادخالها في التفاسير. والله اعلم ولقد ارسلنا الى ثمد اخاهم صالحا ان اعبدوا الله فاذا هم فريقان يختصمون. يخبر تعالى ان انه ارسل الى ثمود القبيلة المعروفة اخاهم في النسب صالحا وانه امرهم ان يعبدوا الله وحده. ويتركوا الانداد والاوثان فاذا هم فريطان يختصمون. منهم المؤمن ومنهم الكافر وهم معظمهم الله اي لم تبادرون فعل السيئات وتحرصون عليها قبل فعل الحسنات التي بها تحسن احوالكم وتصلح اموركم الدينية والدنيوية والحال انه لا موجب الى الذهاب لفعل السيئات. لولا تستغفرون الله بان تتوبوا من شرككم وعصيانكم. وتدعوا ان يغفر لكم فان رحمة الله قريب من المحسنين. والتائب من الذنوب هو من المحسنين بل انتم قوم قالوا لنبيهم صالح مكذبين ومعارضين اطيرنا بك وبمن معك. زعموا قبحهم الله انهم لم يروا على وجه صالح خيرا وانه هو ومن معه من المؤمنين. صاروا سببا لمنع بعض مطالبهم الدنيوية. فقال لهم صالح خيركم عند الله اي ما اصابكم الا بذنوبكم. بل انتم قوم تفتنون بالسراء والضراء والخير والشر. لينظر هل تقلعون وتتوبون ام لا. فهذا دأبهم في تكذيب نبيهم. وما اسألوه به وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون وكان في المدينة التي فيها صالح الجامعة لمعظم قومه تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون. اي وصفهم الافساد في الارض ولا لهم قصد ولا بالاصلاح قد استعدوا لمعاداة صالح والطعن في دينه ودعوة قومهم الى ذلك. كما قال تعالى فاتقوا الله واطيعوا ولا تطيعوا امر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فلا لم يزالوا بهذه الحالة الشنيعة حتى انهم من عداوتهم تقاسموا فيما بينهم. كل واحد اقسم للاخر لنبيتنه واهله اي نأتيه ليلا هو واهله فلنقتلنهم ثم لنقولن لوليه اذا قام علينا وادعى علينا انا قتلناه ننكر ذلك فيه ونحلف ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون. فتواطؤوا على ذلك ومكروا مكرا دبروا امرهم على صالح واهله على وجه الخفية حتى من قومهم خوفا من اوليائه ومكرنا مكرا. بنصر نبينا صالح عليه السلام وتيسير امره واهلاك قومه المكذبين وهم لا يشعرون ما دمرناهم وقومهم اجمعين. هل حصل مقصودهم وادركوا بذلك المكر؟ مطلوبهم؟ ام انتقل عليهم الامر ولهذا قال انا دمرناهم وقومهم اجمعين اهلكناهم واستأصلنا شأفتهم فجاءتهم صيحة عذاب فاهلكوا عن اخرهم. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا. فتلك بيوتهم خاوية قد تهدمت جدرانها على سقوفها واوحشت من ساكنيها وعطلت من نازليها بما ظلموا. اي هذه عاقبة ظلمهم وشركهم بالله وبغيهم في الارض. ان في ذلك لاية لقوم يعلمون الحقائق ويتدبرون وقائع الله في اوليائه واعدائه فيعتبرون بذلك. ويعلمون ان عاقبة الظلم الدمار والهلاك وان عاقبة الايمان والعدل النجاة والفوز. ولهذا قال اي انجينا المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره وكانوا يتقون الشرك بالله والمعاصي ويعملون بطاعته وطاعة رسله هنا الفاحشة وانتم تبصرون. اي واذكر عبدنا ورسولنا لوطا ونبأه الفاضل. حين قال لقومه داعيا الى الله وناصحا. اتأتون الفاحشة؟ اي الفعلة الشنعاء التي تستفحشها العقول والفطر؟ وتستقبحها الشرائع وانتم تبصرون ذلك وتعلمون قبحه فعاندتم وارتكبتم ذلك ظلما منكم وجرأة على الله ثم فسر تلك الفاحشة فقال آآ بل انتم قوم تجهلون. اي كيف توصلتم الى هذه الحال؟ فصارت شهوتكم للرجال ارهم محل الغائط والنجو والخبث. وتركتم ما خلق الله لكم من النساء من المحال الطيبة التي جبلت النفوس على الميل اليها وانتم انقلب عليكم الامر فاستحسنتم القبيح واستقبحتم الحسن متجاوزون لحدود الله متجرأون على محارمهم