المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لما ذكر قصة زكريا ويحيى وكانت من الايات العجيبة انتقل منها الى ما هو اعجب منها تدريجا من الادنى الى الاعلى فقال آآ واذكر في الكتاب الكريم مريم عليها السلام. وهذا من اعظم فضائلها ان تذكر في الكتاب العظيم. الذي يتلوه المسلمون في في مشارق الارض ومغاربها تذكر فيه باحسن الذكر وافضل الثناء. جزاء لعملها الفاضل وسعيها الكامل. اي واذكر في الكتاب مريم في حالها الحسنة حين انتبذت اي تباعدت عن اهلها مكانا شرقيا اي مما يلي الشرق عنهم فاتخذت من دونهم حجابا ابى اي سترا ومانعا. وهذا التباعد منها واتخاذ الحجاب. لتعتزل وتنفرد بعبادة ربها. وتقنت له في حالة الاخلاص والخضوع والذل لله تعالى. وذلك امتثال منها لقوله تعالى واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرت واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. وقوله فارسلنا اليها روحنا وهو جبريل عليه السلام اي كاملا من الرجال بصورة جميلة وهيئة سنة لا عيب فيه ولا نقص. لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه. فلما رأته في هذه الحال وهي معتزلة عن اهلها منفردة عن الناس قد اتخذت الحجاب عن اعز الناس عليها وهم اهلها خافت ان يكون رجل قد تعرض لها بسوء وطمع فيها فاعتصمت بربها واستعاذت منه فقالت له اني اعوذ بالرحمن منك اي التجأ به واعتصم برحمته ان تنالني بسوء ان كنت تقيا اي ان كنت تخاف الله وتعمل بتقواه فاترك التعرض لي. فجمعت بين الاعتصام بربها وبين تخويفه وترهيبه. وامنه بلزوم التقوى وهي في تلك الحالة الخالية والشباب والبعد عن الناس. وهو في ذلك الجمال الباهر والبشرية الكاملة ولم ينطق لها بسوء او يتعرض لها وانما ذلك خوف منها. وهذا ابلغ ما يكون من العفة. والبعد عن الشر واسبابه وهذه العفة خصوصا مع اجتماع الدواعي وعدم المانع من افضل الاعمال. ولذلك اثنى الله عليها فقال ومريم ابنة عمران انا التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا. وقال تعالى والتي احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا. وجعلناها اية للعالمين فاعاضها الله بعفتها ولدا من ايات الله ورسولا من رسله. فلما رأى جبريل منها الروعة والخيفة قال انما انا رسول ربك اي انما وظيفتي وشغلي تنفيذ رسالة ربي فيك. وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه فان الزكاء يستلزم تطهيره من الخصال الذميمة. واتصافه بالخصال الحميدة. فتعجبت من وجود الولد من غير اب فقال قالت والولد لا يوجد الا بذلك قال كذلك قال ربك هو علي هين نجعله اية للناس تدل على كمال قدرة الله تعالى. وعلى ان الاسباب جميعها لا تستقل بالتأثير. وانما تأثيرها بتقدير فيري عباده خرق العوائد في بعض الاسباب العادية. لان لا يقفوا مع الاسباب ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها. ورحمة من ان اي ولنجعله رحمة منا به وبوالدته وبالناس. اما رحمة الله به فلما خصه الله بوحيه ومن عليه ما من به على اولي العزم. واما رحمته بوالدته فلما حصل لها من الفخر والثناء الحسن والمنافع العظيمة. واما رحمته وبالناس فان اكبر نعمه عليهم ان بعث فيهم رسولا يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فيؤمنوا به ويطيعونه وتحصل لهم سعادة الدنيا والاخرة. وكان اي وجود عيسى عليه السلام على هذه الحالة امرا مقضيا قضاء سابقا. فلابد من نفوذ هذا التقدير والقضاء. فنفخ جبريل عليه السلام في بها اي لما حملت بعيسى عليه السلام خافت منه الفضيحة فتباعدت عن الناس مكانا قصيا قالت يا ليتني مت قبل هذا قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت فلما قرب اولادها الجأها المخاض الى جذع نخلة. فلما المها وجع الولادة وجع الانفراد عن الطعام والشراب ووجع قلبها من قالة الناس وخافت عدم صبرها تمنت انها ماتت قبل هذا الحادث وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. وهذا التمني بناء على ذلك المزعج. وليس في هذه الامنية خير لها ولا مصلحة. وانما الخير المصلحة بتقدير ما حصل فحينئذ سكن الملك روعها وثبت جأشها وناداها من تحتها لعله في مكان انزل من مكانها وقال قال لها لا تحزني اي لا تجزعي ولا تهتمي. قد جعل ربك تحتك سريا. اي نهرا تشربين منه. وهز اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جليا. اي طريا لذيذا نافعا. فقل واشربي وقلي عينا فاما ترى ان من البشر احدا فقوا لي اني نذرت للرحمن صوما فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا. فكلي من التمر واشربي من النهر قري عينا بعيسى. فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من الم الولادة. وحصول المأكل والمشرب الهنيء. واما من جهة قالت الناس فامرها انها اذا رأت احدا من البشر ان تقول على وجه الاشارة فلن اكلم اليوم انسيا. اني نذرت للرحمن صوما اي سكوت فلن اكلم اليوم انسيا. اي لا تخاطبيهم بكلام لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عندهم ان السكوت من العبادات المشروعة. وانما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها. لان الناس لا يصدقونها ولا فيه فائدة. وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد اعظم شاهد على برائتها. فان اتيان المرأة بولد من دون زوج ودعواها انه من غير احد من اكبر الدعاوى التي لو اقيم عدة من الشهود لم تصدق بذلك. فجعلت بينة هذا الخارق للعادة امرا من جنسه. وهو كلام عيسى في حال صغره جدا. ولهذا قال تعالى فاتت به قومها تحمله. قالوا يا مريم لقد جئت اي فلما تعلت مريم من نفاسها اتت بعيسى قومها تحمله وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها فاتت غير مبالية ولا مكترثة. فقالوا لقد جئت شيئا فريا اي عظيما وخيما. وارادوا بذلك البغاء. حاشا فمن ذلك يا اخت هارون ما كان ابوك رأسه وما كانت يا اخت هارون الظاهر انه اخ لها حقيقي فنسبوها اليه. وكانوا يسمون باسماء الانبياء. وليس هو هارون ابن عمران اخا موسى. لان بينهما قرونا كثيرة ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. اي لم يكن ابواك الا صالحين سالمين من الشر وخصوصا هذا الشر الذي يشيرون اليه وقصدهم فكيف كنت على غير وصفهما واتيت بما لم يأتي به وذلك ان الذرية في الغالب بعضها من بعض في الصلاح وضده. فتعجبوا بحسب ما قام بقلوبهم. كيف وقع منها؟ فاشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ فاشارت لهم اليه اي كلموه وانما اشارت لذلك لانها امرت عند مخاطبة الناس لها ان تقول اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا. فلما اشارت اليهم بتكليف تعجبوا من ذلك وقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا لان ذلك لم تجري به عادة ولا حصل من احد في ذلك السن. فحينئذ قال عيسى عليه السلام وهو في المهد صبي فخاطبهم بوصفه بالعبودية. وانه ليس فيه صفة يستحق بها ان يكون الها. او ابنا للاله تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله اني عبد الله ومدعون موافقته. اتاني الكتاب ايقظ ان يؤتيني الكتاب وجعلني نبيا. فاخبرهم بانه عبدالله وان الله علمه الكتاب. وجعله من جملة انبيائه. فهذا من ماله لنفسه ثم ذكر تكميله لغيره فقال وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة الزكاة ما دمت حيا. وجعلني مباركا اينما كنت. اي في اي مكان واي زمان. فالبركة جعلها الله في من تعليم الخير والدعوة اليه والنهي عن الشر. والدعوة الى الله في اقواله وافعاله. فكل من جالسه او اجتمع به نالته بركته سعد به مصاحبه. واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. اي واوصاني بالقيام بحقوقه. التي من اعظمها الصلاة وحقوق عباده التي اجلها الزكاة مدة حياتي. اي فانا ممتثل لوصية ربي. عامل عليها لها ووصاني ايضا ان ابر سيدتي فاحسن اليها غاية الاحسان. واقوم بما ينبغي لها لشرفها وفضلها. ولكونها والدة. لها حق الولادة وتوابعها اي متكبرا على الله مترفعا على عباده شقيا في دنياي او فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذللا. متواضعا لعباد الله سعيدا في الدنيا والاخرة ومن اتبعني فلما تم له الكمال ومحامد الخصال قال ويوم ابعث حيا. اي من فضل ربي وكرمه حصلت لي السلامة يوم ولادتي. ويوم موتي ويوم بعثي من والشيطان والعقوبة. وذلك يقتضي سلامته من الاهوال ودار الفجار. وانه من اهل دار السلام. فهذه معجزة عظيمة وبرهان باهر على انه رسول الله وعبد الله حقا