المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. اي ذلك الموصوف بتلك صفات عيسى ابن مريم من غير شك ولا مرية. بل قول الحق وكلام الله الذي لا اصدق منه قيلا ولا احسن منه حديثا. فهذا الخبر اليقيني عن عيسى عليه السلام وما قيل فيه مما يخالف هذا فانه مقطوع ببطلانه. وغايته ان يكون شكا من قائله لا علم له به. ولهذا قال الذي فيه يمترون ان يشكون فيمارون بشكهم ويجادلون بخرصهم. فمن قائل عنه انه الله او ابن الله او ثالث ثلاثة تعالى الله عن افكهم وتقولهم علوا كبيرا. ما كان لله ان اتخذ من ولد سبحانه اذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون ما كان لله ان يتخذ من ولد اي ما ينبغي ولا يليق لان ذلك من الامور المستحيلة. لانه الغني الحميد المالك لجميع الممالك فكيف يتخذ من عباده ومماليكه ولدا؟ سبحانه اي تنزه وتقدس عن الولد والنقص اذا قضى امرا اي من الامور الصغار والكبار لم يمتنع عليه ولم تصعب فاذا كان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي وكيف يكون له ولد؟ واذا كان اذا اراد شيئا قال له كن فيكون. فكيف يستبعد ايجاده عيسى من غير اب؟ ولهذا اخبر عيسى انه عبد مربوب كغيره فقال مستقيم وان الله ربي وربكم الذي خلقنا وصورنا ونفذ فينا تدبيره وصرفنا تقديره فاعبدوه اي اخلصوا له العبادة واجتهدوا في الانابة وفي هذا الاقرار بتوحيد الربوبية وتوحيد الالوهية والاستدلال بالاول على الثاني ولهذا قال هذا صراط مستقيم. اي طريق معتدل موصل الى الله. لكونه طريق الرسل واتباعهم وما عدا هذا فانه من طرق الغي والضلال لما بينت على حال عيسى ابن مريم الذي لا يشك فيه ولا يمترى اخبر ان الاحزاب اي فرق الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم على اختلاف طبقاتهم اختلفوا في عيسى عليه السلام. فمن غال فيه فمنهم من قال انه الله ومنهم من قال انه ابن الله ومنهم من قال انه ثالث ثلاثة ومنهم من لم يجعل رسولا من رماه بانه ولد بغي كاليهود. وكل هؤلاء اقوالهم باطلة واراؤهم فاسدة. مبنية على الشك والعناية والادلة الفاسدة والشبه الكاسدة. وكل هؤلاء مستحقون للوعيد الشديد. ولهذا قال احذروا من مشهد يوم عظيم. فويل للذين كفروا بالله ورسله وكتبه. ويدخل فيهم اليهود والنصارى القائلون بعيسى قول الكفر من مشهد يوم عظيم اي مشهد يوم القيامة الذي يشهده الاولون والاخرون اهل السماوات اهل الارض الخالق والمخلوق. الممتلئ بالزلازل والاهوال. المشتمل على الجزاء بالاعمال. فحين اذ يتبين ما كانوا يخفون وما كانوا يكتمون. اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا. اي ما اسمعهم وما ابصرهم في ذلك اليوم. فيقرون بكفرهم واقوالهم ويقولون ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون. ففي القيامة هنا حقيقة ما هم عليه لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وليس لهم عذر في هذا الضلال. لانهم بين معاند ضال على بصيرة عارف بالحق صادف عنه. وبين ضال عن طريق الحق. متمكن من معرفة الحق والصواب. ولكنه راض بضلاله. وما هو عليه من سوء اعماله غير ساع في معرفة الحق من الباطل. وتأمل كيف قال فويل للذين كفروا. بعد قوله فاختلف الاحزاب من بينهم ولم يقل فويل لهم ليعود الضمير الى الاحزاب. لان من الاحزاب المختلفين طائفة اصابت الصواب ووافقت الحق فقالت في عيسى انه عبد الله ورسوله. فامنوا به واتبعوه. فهؤلاء مؤمنون. غير داخلين في هذا الوعيد فلهذا خص الله بالوعيد الكافرين. وانذرهم يوم الحسرة ان قضي الامر وهم في غفلة هم لا يؤمنون انا نحن نرث الارض من عليها والينا يرجعون الانذار هو الاعلام بالمخوف على وجه الترهيب. والاخبار بصفاته واحق ما ينذر به ويخوف به في العباد يوم الحسرة حين يقضى الامر فيجمع الاولون والاخرون في موقف واحد. ويسألون عن اعمالهم. فمن امن بالله له سعد سعادة لا يشقى بعدها. ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله. شقي شقاوة لا سعادة بعدها. وخسر نفسه واهله فحينئذ يتحسر ويندم ندامة تتقطع منها القلوب وتنصدع منها الافئدة. واي حسرة اعظم من فوات رضا الله وجنته واستحقاق سخطه والنار. على وجه لا يتمكن من الرجوع ليستأنف العمل. ولا سبيل له الى تغيير حاله بالعود الى الدنيا فهذا قدامهم والحال انهم في الدنيا في غفلة عن هذا الامر العظيم. لا يخطر بقلوبهم ولو خطرت على سبيل الغفلة. قد عمتهم الغفلة وشملتهم السكرة. فهم لا يؤمنون بالله ولا يتبعون رسله. قد الهتهم دنياهم وحالت بينهم وبين الايمان شهوات المنقضية الفانية. فالدنيا وما فيها من اولها الى اخرها ستذهب عن اهلها ويذهبون عنها. وسيرث الله الارض ومن عليها ويرجعهم اليه فيجازيهم بما عملوا فيها. وما خسروا فيها او ربحوا. فمن فعل خيرا فليحمد الله. ومن وجد ذلك فلا يلومن الا نفسه