فكم اتيناهم من اية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما ان الله شديد العقابه. يقول تعالى سل بني اسرائيل كم اتيناهم من اية بينة تدل على الحق وعلى بسم الله الرحمن الرحيم تقدم الكلام على البسملة. واما الحروف المقطعة في اوائل السور. فالاسلم فيها السكوت من التعرض لمعناها. من غير مستند شرعي مع الجزم بان الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها. وقوله ذلك الكتاب لا ريب فيه ذلك الكتاب اي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة المشتمل على اما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين. فلا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه. ونفي الريب ان يستلزم ضده اذ ضد الريب والشك اليقين. فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة ان النفي المقصود به المدح لابد ان يكون متضمنا لضده وهو الكمال. لان النفي عدم والعدم المحض لا مدح فيه. فلما اشتمل اليقين وكانت الهداية لا تحصل الا باليقين. قال والهدى ما تحصل به من الضلالة والشبه وما به الهداية الى سلوك الطرق النافعة. وقال هدى وحذف المعمول. فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية. ولا الشيء الفلاني لارادة العموم. وانه هدى لجميع مصالح الدارين. فهو مرشد للعباد في المسائل الاصولية والفروعية. ومبين للحق من الباطل والصحيح من الضعيف. ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم واخراهم. وقال في موضع اخر هدى للناس فعمم وفي هذا الموضع وغيره هدى للمتقين. لانه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالاشقياء لم يرفعوا به رأسا ولم يقبلوا هدى الله فقامت عليهم به الحجة. ولم ينتفعوا به لشقائهم. واما المتقون الذين اتوا بالسبب الاكبر لحصول الهداية. وهو التقوى والتي حقيقتها اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه. بامتثال اوامره واجتناب النواهي. فاهتدوا به وانتفعوا غاية الانتفاع قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. فالمتقون هم المنتفعون بالايات القرآنية والايات الكونية ولان الهداية نوعان هداية البيان وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان. وغيرهم لم تحصل له هداية التوفيق وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة. ثم وصف المتقين بالعقائد والاعمال الباطنة والاعمال الظاهرة لتضمن التقوى لذلك فقال الذين يؤمنون بالغيب حقيقة الايمان هو التصديق التام بما اخبرت به الرسل المتضمن لانقياد الجوارح وليس الشأن في الايمان بالاشياء المشاهدة بالحس. فانه لا يتميز بها المسلم من الكافر. انما الشأن في الايمان بالغيب الذي لم نره ولم شاهد وانما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الايمان الذي يميز به المسلم من الكافر. لانه تصديق مجرد لله ورسله المؤمن يؤمن بكل ما اخبر الله به او اخبر به رسوله. سواء شاهده او لم يشاهده. وسواء فهمه وعقله. او لم يهتدي اليه عقله وفهمه بخلاف الزنادقة المكذبين للامور الغيبية. لان عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتدي اليها. فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم ومرجت احلامهم وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله ويدخل في الايمان بالغيب الايمان بجميع فيما اخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة واحوال الاخرة وحقائق اوصاف الله وكيفيتها وما اخبرت به الرسل من ذلك فيؤمنون صفات الله ووجودها ويتيقنونها وان لم يفهموا كيفيتها. ثم قال ويقيمون الصلاة. لم يقل يفعلون الصلاة او يأتون بالصلاة لانه لا يكفي فيها مجرد الاتيان بصورتها الظاهرة. فاقامة الصلاة اقامتها ظاهرا باتمام اركانها وواجباتها وشروطها واقامتها باطنا باقامة روحها. وهو حضور القلب فيها. وتدبر ما يقوله ويفعله منها. فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للانسان من صلاته الا ما عقل منها ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها. ثم قال ومما رزقناهم ينفقون. يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. الا انهم هم المفسدون فانه لا اعظم فسادا ممن كفر بايات الله وصد عن سبيل الله. وخدع الله واولياءه. ووالى المحاربين لله ورسوله. وزعم مع ذلك ان هذا اصلاح. فهل بعد هذا الفساد فساد الزوجات والاقارب والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليه لكثرة اسبابه وتنوع اهله ولان النفقة من حيث هي قربة الى الله واتى بمن الدالة على التبعيض لينبههم انه لم يرد منهم الا جزءا يسيرا من اموالهم غير ضال لهم ولا مثقل بل ينتفعونهم بانفاقه وينتفع به اخوانهم. وفي قوله رزقناهم اشارة الى ان هذه الاموال التي بين ايديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم وانما هي رزق الله الذي خولكم وانعم به عليكم فكما انعم عليكم على كثير من عباده فاشكروه باخراج بعض ما انعم به عليكم. وواسوا اخوانكم المعدمين. وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة كاتب القرآن لان الصلاة متضمنة للاخلاص للمعبود. والزكاة والنفقة متضمنة للاحسان على عبيده. فعنوان سعادة العبد للمعبود وسعيه في نفع الخلق. كما ان عنوان شقاوة العبد عدم هذين الامرين منه. فلا اخلاص ولا احسان. ثم قال والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون والذين يؤمنون بما انزل اليك وهو القرآن والسنة. قال الله تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. فالمتقى يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول ولا يفرقون بين بعض ما انزل اليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه. اما بجحده او تأويله على غير مراد الله ورسوله. كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة. الذين يأولون النصوص الدالة على خلاف قولهم. بما حاصله على التصديق بمعناها وان صدقوا بلفظها فلم يؤمنوا بها ايمانا حقيقيا. وقوله وما انزل من قبلك يشمل الايمان بالكتب السابقة ويتضمن الايمان بالكتب الايمان بالرسل وبما اشتملت عليه. خصوصا التوراة والانجيل والزبور. وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل. فلا يفرقون بين احد منهم. ثم قال تعالى وبالاخرة هم يوقنون والاخرة اسم لما يكون بعد الموت. وخصه بالذكر بعد العموم. لان الايمان باليوم الاخر احد اركان الايمان. ولانه اعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل واليقين والعلم التام الذي ليس فيه ادنى شك الموجب للعمل اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون. اولئك اي موصوفون بتلك الصفات الحميدة على هدى من ربهم اي على هدى عظيم. لان التنكير للتعظيم واي هداية اعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والاعمال المستقيمة. وهل الهداية الحقيقية الا هدايتهم؟ وما سواها مما خالفها. فهو الضلال واتى بعلى في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء. وفي الضلالة يأتي بفي كما في قوله وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين لان صاحب الهدى مستعل بالهدى مرتفع به وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ثم قال واولئك هم المفلحون. والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب الفلاح فيهم لانه لا سبيل الى الفلاح الا بسلوك سبيلهم. وما عدا تلك السبيل فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار. التي تفضي الى الهلاك. فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم. المعاندين للرسول فقال ان الذين كفروا سواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون تعالى ان الذين كفروا اي اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لهم لازما. لا يردعهم عنه رادع ولا ينجح فيهم وعظ. انهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم اأنذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون؟ وحقيقة الكفر هو الجحد لما جاء به الرسول او جحد بعض فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة الا اقامة الحجة عليهم. وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في ايمانهم. وانك فلا تأس عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الايمان. فقال اي طبع عليها بطابع لا يدخلها الايمان. ولا ينفذ فيها فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم. وعلى ابصارهم غشاوة اي غشاء وغطاء كنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم. وهذه طرق العلم والخير قد سدت عليهم فلا مطمع فيهم. ولا خير يرجى عندهم. وانما منعوا ذلك وسدت عنهم ابواب الايمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعدما تبين لهم الحق. كما قال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وهذا عقاب عاجل. ثم ذكر العقاب الاجل. فقال ولهم عذاب عظيم وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم. ثم قال الله تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الاسلام الكفر فقال واعلم ان النفاق هو اظهار الخير وابطال الشر. ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي والنفاق العملي. فالنفاق العملي الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان وفي رواية واذا خاصم فجر. واما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الاسلام. فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة. وبعد ان هاجر فلما كانت وقعة بدر واظهر الله المؤمنين واعزهم ذل من في المدينة ممن لم يسلم. فاظهر بعضهم الاسلام خوفا ومخادعة. ولتحقن دماؤهم وتسلم اموالهم كانوا بين اظهر المسلمين في الظاهر انهم منهم. وفي الحقيقة ليسوا منهم. فمن لطف الله بالمؤمنين ان جل احوالهم ووصفهم باوصاف يتميزون بها لان لا يغتر بهم المؤمنون ولينقمعوا ايضا عن كثير من فجورهم. قال الله تعالى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة ننبئهم بما في قلوبهم فوصفهم الله باصل النفاق فقال ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون انفسهم وما يشعرون. فانهم يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. فاكذبهم الله بقوله وما هم بمؤمنين ان الايمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان. وانما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة ان يظهر المخادع لمن خادعه شيئا ويبطن خلافه. لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع. فهؤلاء المنافقون سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك. فعاد خداع على انفسهم فان هذا من العجائب. لان المخادع اما ان ينتج خداعه ويحصل ما يريد. او يسلم لا له ولا عليه. وهؤلاء عادة خداعهم عليهم وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لاهلاك انفسهم واضرارها وكيدها. لان الله تعالى لا يتضرر بخداعهم شيئا وعباده المؤمنون لا يضرهم كيدهم شيئا. فلا يضر المؤمنين ان اظهر المنافقون الايمان. فسلمت بذلك اموالهم وحقنت دمائهم صار كيدهم في نحورهم وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا. والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة. ثم في الاخرة لهم العذاب الاليم الموجع المفجع. بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم. والحال انهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك قوله يكذبون. في قلوبهم مرض. المراد بالمرض هنا مرض الشك والشبهات والنفاق. لان القلب يعرض له مرضان رجاله عن صحته واعتداله مرض الشبهات الباطلة ومرض الشهوات المرضية. فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات. كما قال الله تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض. وهي شهوة الزنا. والمعافاة فمن عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والايمان والصبر عن كل معصية. فرفل في اثواب العافية. وفي قوله عن المنافقين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين. وانه بسبب ذنوبهم السابقة يبتليهم بالمعاصي لاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وقال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وقال تعالى واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم. فعقوبة المعصية المعصية بعدها كما ان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. قال الله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. اي اذا نهي هؤلاء المنافقون عن الافساد في الارض وهو العمل بالكفر والمعاصي. ومنه اظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين. قالوا انما نحن مصلحون وبين العمل بالفساد في الارض واظهارهم انه ليس بافساد بل هو اصلاح قلبا للحقائق وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا وهذا اعظم جناية ممن يعمل بالمعصية. مع اعتقاد انها معصية فهذا اقرب للسلامة وارجى لرجوعه. ولما كان في قولهم ان ها نحن مصلحون حصر للاصلاح في جانبهم وفي ضمنه ان المؤمنين ليسوا من اهل الاصلاح قلب الله عليهم دعواهم بقوله ولكن لا يعلمون علما ينفعهم. وان كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله. وانما كان العمل بالمعاصي في الارض افسادا لانه يتضمن فساد ما على الارض من الحبوب والثمار والاشجار والنبات. بما يحصل فيها من الافات بسبب المعاصي. ولان الاصلاح في الارض ان تعمر بطاعة الله والايمان به. لهذا خلق الله الخلق واسكنهم في الارض. وادر لهم الارزاق ليستعينوا بها على طاعته وعبادته اذا عمل فيها بضده كان سعيا بالفساد فيها واخرابا لها عما خلقت له الا انهم هم سفهاء ولكن لا يعلمون. اي اذا قيل للمنافقين امنوا كما امن الناس. اي كاي عن الصحابة رضي الله عنهم وهو الايمان بالقلب واللسان. قالوا بزعمهم الباطل. انؤمن كما امن السفهاء؟ يعنون قبحهم الله الصحابة رضي الله عنهم بزعمهم ان سفههم او جبلهم الايمان وترك الاوطان ومعاداة الكفار والعقل عندهم يقتضي ذلك فنسبوهم الى السفه. وفي ضمنه انهم هم العقلاء. ارباب الحجى والنهى. فرد الله ذلك عليهم. واخبر انهم هم السفهاء على الحقيقة لان حقيقة السفه جهل الانسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليه كما ان العقل والحجاب معرفة الانسان بمصالح نفسه. والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره. وهذه الصفة منطبقة على الصحيح والمؤمنين وصادقة عليهم. فالعبرة بالاوصاف والبرهان لا بالدعاوى المجردة والاقوال الفارغة. ثم قال الله تعالى واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا هذا من قولهم بالسنتهم ما ليس في قلوبهم وذلك انهم اذا اجتمعوا المؤمنين اظهروا انهم على طريقتهم وانهم معهم. فاذا خلوا الى شياطينهم اي رؤساءهم وكبراءهم في الشر. قالوا ان معكم في الحقيقة وانما نحن مستهزئون بالمؤمنين باظهارنا لهم ان على طريقتهم. فهذه حالهم الباطنة والظاهرة. ولا يحق المكر السيء الا باهله. قال الله تعالى الله يستهزأ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده. فمن استهزائه بهم ان زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة. حتى ظنوا انهم مع المؤمنين لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم. ومن استهزائه بهم يوم القيامة انه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا. فاذا مشى المؤمنون بنورهم انطفئ نور المنافقين. وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين. فما اعظم اليأس بعد الطمع! ينادونهم الم نكن معكم؟ قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم. وقوله ويمدهم اي يزيدهم في طغيانهم اي فجورهم يعمهون اي حائرون مترددون. وهذا من استهزائه تعالى بهم. ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة احوالهم اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربح التجارتهم وما كانوا اولئك اي المنافقون الموصوفون بتلك الصفات الذين اشتروا الضلالة بالهدى اي رغب في الضلالة رغبة المشتري بالسلعة. التي من رغبته فيها يبذل فيها الاثمان النفيسة. وهذا من احسن الامثلة. فانه جعل الضلالة التي هي غاية شرك السلعة وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن. فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة. رغبة فيها فهذه تجارة فبئس التجارة وبئس الصفقة صفقتهم. واذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا. فكيف من بذل جوهرة اخذ عنها درهما. فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة؟ واختار الشقاء على السعادة ورغب في سافل الامور عن اعاليها. فما ربحت تجارته بل خسر فيها اعظم خسارة. قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين وقوله وما كانوا مهتدين تحقيق لضلالهم وانهم لم يحصل لهم من الهداية شيء. فهذه اوصافهم القبيحة. ثم ذكر الكاشف لهم غاية الكشف. فقال وتركهم في ظلمات لا يبصرون. اي مثلهم مطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا. اي كان في ظلمة عظيمة وحاجة الى النار شديدة. فاستوقدها من غيره ولم تكن عنده بل هي خارجة عنه. فلما اضاءت النار ما حوله ونظر المحل الذي هو فيه. وما فيه من المخاوف. وامنها وانتفع بتلك النار وقرت بها عينه وظن انه قادر عليها. فبينما هو كذلك اذ ذهب الله بنوره. فذهب عنه النور وذهب معه السرور. وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة. فذهب ما فيها من الاشراق وبقي ما فيها من الاحراق. فبقي في ظلمات متعددة. ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر والظلمة الحاصلة بعد النور. فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون. استوقدوا نار الايمان من مؤمنين ولم تكن صفة لهم فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم وسلمت اموالهم وحصل لهم نوع من الامن في الدنيا فبينما هم على ذلك اذ هجم عليهم الموت فسلبهم الانتفاع بذلك النور. وحصل لهم كل هم وغم وعذاب. وحصل لهم ظلمة القبر وظلمة الكفر وظلمة النفاق وظلم المعاصي على اختلاف انواعها. وبعد ذلك ظلمة النار وبئس القرار. فلهذا قال الله عنهم بكم عمي فهم لا يرجعون. صم اي عن سماع الخير بكم اي عن النطق به عمي عن رؤية الحق فهم لا يرجعون. لانهم تركوا الحق بعد ان عرفوه فلا يرجعون اليه. بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال فانه لا يعقل وهو اقرب رجوعا منهم. ثم قال الله تعالى او كصيد من السماء يعني او مثلهم كصيب اي كصاحب صيد من السماء وهو المطر الذي يصوب اي ينزل بكثرة فيه ظلمات ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر ورعد وهو الصوت الذي يسمع من السحاب وبرق وهو الضوء اللامع المشاهد مع السحاب. يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير. كلما اضاء لهم البرق في تلك الظلمات مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا اي وقفوا فهكذا حال المنافقين. اذا سمعوا القرآن واوامره ونواهيه ووعده ووعيده. جعلوا اصابع في اذانهم واعرضوا عن امره ونهيه ووعده ووعيده. فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده. فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد. ويجعل اصابعه في اذنيه خشية الموت. فهذا تمكن له السلامة. واما المنافقون فانى لهم السلامة وهو تعالى محيط بهم قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه بل يحفظ عليهم اعمالهم ويجازيهم تم الجزاء ولما كانوا مبتلين بالصمم والبكم والعمل معنوي. ومسدودة عليهم طرق الايمان. قال الله تعالى ولو شاء الله هنا ذهب بسمعهم وابصارهم اي الحسية. ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ليحذروا. فيرتدعو عن بعض شرهم ونفاقهم ان الله على كل شيء قدير. فلا يعجزه شيء. ومن قدرته انه اذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض. وفي هذه الاية الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى الى السماء ثم ما استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو اي خلق لكم برا بكم ورحمة جميع ما على الارض للانتفاع والاستمتاع وما اشبهها رد على القدرية. القائلين بان افعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى. لان افعالهم من جملة الاشياء الداخلة في قوله ان الله على كل شيء قدير هذا امر عام لكل الناس بامر عام. وهو العبادة الجامعة لامتثال اوامر الله اجتناب نواهيه وتصديق خبره. فامرهم تعالى بما خلقهم له. قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ثم استدل على وجوب عبادته وحده بانه ربكم الذي رباكم باصناف النعم. فخلقكم بعد العدم وخلق الذين من قبلكم وانعم عليكم من النعم الظاهرة والباطنة فجعل لكم الارض فراشا تستقرون عليها وتنتفعون بالابنية والزراعة والحراثة والسلوك من محل الى محل وغير ذلك من انواع الانتفاع بها وجعل السماء بناء لمسكنكم واودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم كالشمس والقمر والنجوم انزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم. وانزل من السماء ماء والسماء وكل ما على فوقك فهو سماء. ولهذا قال المفسرون المراد بالسماء ها هنا السحاب. فانزل منه تعالى ماء فاخرج به من الثمرات كالحبوب والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها رزقا لكم به ترتزقون وتقوتون وتعيشون وتفكهون. فلا تجعل اسألوا لله اندادا اي نظراء واشباها من المخلوقين. فتعبدونهم كما تعبدون الله وتحبونهم كما تحبون الله وهم مثلكم مخلوقون مرزوقون مدبرون لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الارض ولا ينفعونكم ولا يضرون وانتم تعلمون ان الله اليس له شريك ولا نظير لا في الخلق والرزق والتدبير ولا في العبادة. فكيف تعبدون معه الهة اخرى مع علمكم بذلك هذا من اعجب العجب واسفه السفه. وهذه الاية جمعت بين الامر بعبادة الله وحده. والنهي عن عبادة ما سواه. وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة من سواه. وهو ذكر توحيد الربوبية. المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير. فاذا كان كل احد مقرا بانه ليس له شريك في ذلك. فكذلك فليكن اقراره بان الله لا شريك له في العبادة. وهذا اوضح دليل عقلي على وحدانية الباردة وبطلان الشرك. وقوله تعالى لعلكم تتقون. يحتمل ان المعنى انكم اذا عبدتم الله وحده اتقيتم بذلك وعذابه لانكم اتيتم بالسبب الدافع لذلك. ويحتمل ان يكون المعنى انكم اذا عبدتم الله صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى وكلا المعنيين صحيح. وهما متلازمان فمن اتى بالعبادة كاملة كان من المتقين. ومن كان من المتقين حصلت له من عذاب الله وسخطه. ثم قال تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ان كنتم صادقين. وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصحة ما جاء به. فقال قال وان كنتم معشر المعاندين للرسول الراضين دعوته الزاعمين كذبه في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا هل هو حق او فها هنا امر نصف فيه الفيصلة بينكم وبينه وهو انه بشر مثلكم. ليس بافصحكم ولا باعلمكم وانتم منذ نشأ بينكم لا يكتب ولا يقرأ. فاتاكم بكتاب زعم انه من عند الله. وقلتم انتم انه تقوله واثراه. فان كان امرك ما تقولون فاتوا بسورة من مثله. واستعينوا بمن تقدرون عليه من اعوانكم وشهدائكم. فان هذا امر يسير عليكم. خصوصا هم اهل الفصاحة والخطابة والعداوة العظيمة للرسول. فان جئتم بسورة من مثله فهو كما زعمتم. وان لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز ولن تأتوا بسورة من مثله. ولكن هذا التقييم على وجه الانصاف والتنزل معكم. فهذا اية كبرى ودليل واضح جلي على صدقه وصدق ما جاء به فيتعين عليكم اتباعه واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة ان كانت وقودها الناس سوى الحجارة ليست كناري الدنيا التي انما تتقد بالحطب. وهذه النار الموصوفة معدة ومهيئة للكافرين بالله ورسله فاحذروا الكفر برسوله بعد ما تبين لكم انه رسول الله نار التي وقودها الناس والحجارة فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجار وهذه الاية ونحوها يسمونها ايات التحدي وهو تعجيز الخلق ان يأتوا مثل هذا القرآن قال الله تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضا وهم لبعض ظهيرا وكيف يقدر المخلوق من تراب ان يكون كلامه ككلام رب الارباب؟ ام كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه ان يأتي بكلام ككلام الكامل الذي له الكمال المطلق. والغنى الواسع من كل الوجوه. هذا ليس في الامكان ولا في قدرة الانسان كل من له ادنى ذوق ومعرفة بانواع الكلام. اذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء. ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله وان كنتم في ريب الى اخره دليل على ان الذي يرجى له الهداية من الضلالة هو الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال هذا اذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق ان كان صادقا في طلب الحق. واما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه فهذا لا يمكن رجوعه لانه ترك الحق بعدما تبين له لم يتركه عن جهل فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق. بل هو معرض غير مجتهد في طلبه فهذا في الغالب انه لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم. دلالة على ان اعظم اوصافه صلى الله عليه عليه وسلم قيامه بالعبودية التي لا يلحقه فيها احد من الاولين والاخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الاسراء. فقال سبحان الذي اسرى بعبده وفي مقام الانزال فقال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده وفي قوله اعدت للكافرين ونحو من الايات دليل لمذهب اهل السنة والجماعة ان الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة وفيها ايضا ان الموحدين وان معمل كبائر لا يخلدون في النار. لانه قال اعدت للكافرين. فلو كان عصاة الموحدين يخلدون فيها لم تكن معدة الكافرين وحدهم خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على ان العذاب مستحق باسبابه. وهو الكفر وانواع المعاصي على اختلافها وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي ان يرزقنا من قبل واتوا به متشابها. ولهم فيها ازواج مطهرة لما ذكر جزاء الكافرين ذكر جزاء المؤمنين اهل الاعمال الصالحة على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب ليكون العبد راغبا راهبا خائفا راجيا فقال وبشر ايا ايها الرسول من قام مقامه. الذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم. فصدقوا ايمانهم باعمالهم الصالحة وصفت اعمال الخير بالصالحات لانها بها تصلح احوال العبد وامور دينه ودنياه. وحياته الدنيوية والاخروية ويزول بها عنه فساد الاحوال فيكون بذلك من الصالحين. الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم ان لهم جنات. اي بساتين من الاشجار العجيبة والثمار الانيقة والظل المديد. والاغصان والافنان وبذلك صارت جنة يجتن بها داخلها وينعم فيها مساكنها تجري من تحتها الانهار. اي انهار الماء واللبن والعسل والخمر. يفجرونها كيف شاءوا ويصرفونها اين ارادوا وتشرب منها تلك الاشجار فتنبت اصناف الثمار وهذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها. اي هذا من جنسه وعلى وصفه. كلها متشابهة في الحسن واللذة ليس فيها ثمرة خاصة وليس لهم وقت خال من اللذة فهم دائما متلذذون باكلها. وقوله واتوا بهم متشابهة قيل متشابها في الاسم مختلف الطعوم وقيل متشابها في اللون مختلفا في الاسم. وقيل يشبه بعضه بعضا في الحسن اللذة والفكاهة ولعل هذا هو الصحيح. ثم لما ذكر مسكنهم واقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم. ذكر ازواجهم فوصفه اخواننا باكمل وصف واوجزه واوضحه. فقال ولهم فيها ازواج مطهرة. فلم يقل مطهرة من العيب الفلاني. ليشمل جميع انواع التطهير فهن مطهرات الاخلاق. مطهرات الخلق. مطهرات اللسان. مطهرات الابصار. فاخلاقهن انهن عرب متحببات الى ازواجهن بالخلق الحسن وحسن التبعل والادب القولي والفعلي. ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني. والبول والغائط والمخاط والبصاب والرائحة الكريهة ومطهرات الخلق ايضا بكمال الجمال. فليس فيهن عيب ولا دمامة خلق. بل هن خيرات حسان. مطهرات اللسان والطرف قاصرات طرفهن على ازواجهن وقاصرات السنتهن عن كل كلام قبيح. ففي هذه الاية الكريمة ذكر مبشر المبشر والمبشر به. والسبب الموصل لهذه البشارة. فالمبشر هو الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن قام مقامه من امته والمبشر هم المؤمنون العاملون الصالحات والمبشر به هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات. والسبب الموصل لذلك هو الايمان والعمل الصالح فلا سبيل الى الوصول الى هذه البشارة الا بهما. وهذا اعظم بشارة حاصلة على يد افضل الخلق. بافضل الاسباب وفيه استحباب بشارة المؤمنين وتنشيطهم على الاعمال بذكر جزائها وثمراتها فانها بذلك تخف وتسهل. واعظم بشرى حاصلة للانسان توفيقه للايمان والعمل الصالح. فذلك اول البشارة واصلها ومن بعده البشرى عند الموت. ومن بعده الوصول الى هذا النعيم المقيم نسأل الله ان يجعلنا منهم يقول تعالى ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما اي مثل كان بعوضة فما فوقها اجمال الامثال على الحكمة وايضاح الحق. والله لا يستحي من الحق. وكأن في هذا جوابا لمن انكر ضرب الامثال في الاشياء الحقيرة. واعترض على الله في ذلك فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب ان تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال تأمل الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم. فيتفهمونها ويتفكرون فيها فان علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل. ازداد بذلك علمهم وايمانهم. والا علموا انها حق. وما اشتملت عليه حق. وان خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بان الله لم يضربها عبثا. بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة ماذا اراد الله بهذا مثلا؟ فيعترضون ويتحيرون فيزدادون كفرا الى كفرهم كما ازداد المؤمنون على ايمانهم. ولهذا قال يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا. فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الايات القرآنية. قال الله تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون. واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم. وماتوا وهم كافرون فلا اعظم نعمة على العباد من نزول الايات القرآنية. ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة. وزيادة شر الى شرهم. ولقومك من منحة ورحمة وزيادة خير الى خيرهم. فسبحان من فاوت بين عباده وانفرد بالهداية والاضلال. ثم ذكر حكمته في اضلال من يضل لهم وان ذلك عدل منه تعالى فقال اي الخارجين عن طاعة الله المعاندين لرسل الله الذين صار الفسق وصفهم فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى اضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالامام. وتحلى بالاعمال الصالحة. والفسق نوعان. نوع مخرج من الدين. وهو الفسق مقتضي للخروج من الايمان كالمذكور في هذه الاية ونحوها. ونوع غير مخرج عن الايمان. كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ ثم وصف الفاسقين فقال الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي اكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والالزامات. فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون اوامره ويرتكبون نواهيه. وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق. ويقطعون ما امر الله به ان يوصل. وهذا يدخل فيه اشياء كثيرة ان الله امرنا ان نصل ما بيننا وبينه بالايمان به والقيام بعبوديته. وما بيننا وبين رسوله بالايمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه وما بيننا وبين الوالدين والاقارب والاصحاب وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي امر الله ان نصلها. فاما المؤمنون فلو ما امر الله به ان يوصل من هذه الحقوق. وقاموا بها اتم القيام. واما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم. معتاضين عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي وهو الافساد في الارض. اي من هذه صفته هم الخاسرون في الدنيا والاخرة. فحصل الخسارة فيهم لان خسرانهم عام في كل احوالهم. ليس لهم نوع من الربح. لان كل عمل صالح شرطه الايمان. فمن لا ايمان له لا عمل له. وهذا الخسار هو خسار الكفر. واما الخسار الذي قد يكون كفرا وقد يكون معصية وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى ان الانسان لفي خسر فهذا عام لكل مخلوق الا من اتصف بالايمان العمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وحقيقته فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله. وهو تحت امكانه. ثم قال تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم اليه ترجعون. هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والانكار. اي كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم. وانعم عليكم باصناف النعم. ثم يميتكم عند استكمال اجالكم ويجازيكم في القبور. ثم يحييكم بعد البعث والنشور. ثم اليه ترجعون. فيجازيكم الجزاء الاوفى. فاذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره. وتحت اوامره الدينية. ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي. افيليق بكم ان تكفروا به؟ وهل هذا الا جهل عظيم وسفه وحماقة. بل الذي يليق بكم ان تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه. وتخافوا عذابه وترجوا ثوابه اعتبار وفي هذه الاية العظيمة دليل على ان الاصل في الاشياء الاباحة والطهارة لانها سيقت في معرض الامتنان. يخرج بذلك الخبائث فان تحريمها ايضا يؤخذ من فحوى الاية. ومعرفة المقصود منها وانه خلقها لنفعنا. فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك. ومن تمام نعمته ملعونة من الخبائث تنزيها لنا وقوله استوى ترد في القرآن على ثلاثة معاني. فتارة لا تعدى بالحرف فيكون معناها الكمال والتمام. كما في قوله عن موسى. ولما بلغ اشده واستوى. وتارة تكون بمعنى علا وارتفع. وذلك اذا عد بعلى كما في قوله تعالى ثم استوى على العرش لتستووا على ظهوره وتارة تكون بمعنى قصد. كما اذا عديت بالايلاء كما في هذه الاية اي لما خلق تعالى الارض قصد الى خلق السماوات فسواهن سبع سماوات فخلقها واحكمها واتقنها وهو كل شيء عليم. فيعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها. وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. ويعلم ما تسرون وما تعلنون. يعلم السر وما اخفى وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق واثبات علمه كما في هذه الاية وكما في قوله تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ولان خلقه للمخلوقات ادل دليل على علمه وحكمته وقدرته قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء آآ هذا شروع في ذكر فضل ادم عليه السلام. ابي البشر ان الله حين اراد خلقه اخبر الملائكة بذلك. وان الله مستخلفه في الارض. فقالت الملائكة على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه. فهذا غاية الاهانة. فمن الله عليهم بالنجاة التامة واغراق عدوهم وهم ينظرون. لتقر اعينهم وفي ذلكم اي الانجاء بلى اي احسان من ربكم عظيم. فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام باوامره. ثم ذكر وعليهم السلام اتجعل فيها من يفسد فيها بالمعاصي؟ ويسفك الدماء. وهذا تخصيص بعد تعميم. لبيان شدة مفسدة القتل. وهذا بحسب ظنهم ان الخليفة المجعول في الارض سيحدث منه ذلك. فنزهوا الباري عن ذلك وعظموه واخبروا انهم قائمون بعبادة الله على وجه الخالق من المفسدة فقالوا ونحن نسبح بحمدك اي ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك ونقدس لك يحتمل ان معناها نقدسك فتكون اللام مفيدة للتخصيص والاخلاص. ويحتمل ان تكون ونقدس لك انفسنا. اي نطهرها بالاخلاق الجميلة محبة الله وخشيته وتعظيمه ونطهرها من الاخلاق الرذيلة. قال الله تعالى للملائكة اني اعلم من هذا الخليفة ما لا تعلمون لان كلامكم بحسب ما ظننتم وانا عالم بالظواهر والسرائر. واعلم ان الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة اضعاف اضعاف ما في ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك الا ان الله تعالى اراد ان يجتبي منهم الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين. ولتظهر اياته في خلقه ويحصل من العبودية التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة كالجهاد وغيره. وليظهر ما كمل في غرائز بني ادم من الخير والشر بالامتحان وليتبين عدوه من وليه وحزبه من حربه وليظهر ما كمل في نفس ابليس من الشر الذي انطوى عليه واتصف به. فهذا هذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك. ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام فيه اشارة الى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الارض اراد الله تعالى ان يبين له من فضل ادم ما يعرفون به فضله. وكمال حكمة الله وعلمه. وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال ان باوني باسماء هؤلاء آآ فقال انبئوني باسمائه هؤلاء ان كنتم صادقين فعلم ادم الاسماء كلها اي اسماء الاشياء. ومن هو مسمى بها؟ فعلمه الاسم والمسمى. اي الالفاظ والمعاني حتى المكبر من الاسماء كالقصعة والمصغرة كالقصيعة. ثم عرضهم اي عرض المسميات على الملائكة امتحانا لهم هل يعرفونها ام لا؟ فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين في قولكم وظنكم انكم افضل من هذا الخليفة؟ قالوا قل سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. قالوا اي ننزهك عن الاعتراض منا عليك ومخالفة امرك. لا علم لنا بوجه من الوجوه الا ما علمتنا اياه. فضلا منك وجودا. انك انت العليم الحكيم. العليم الذي احاط علما بكل شيء. فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الحكيم من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ولا يشد عنها مأمور. فما خلق شيئا الا لحكمة ولا امر بشيء الا في حكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به. فاقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته. وقصورهم عن معرفة ادنى شيء. واعتراضهم فضل الله عليهم وتعليمه اياهم ما لا يعلمون. فحينئذ قال الله قال الم اقل لكم يا ادم انبئهم باسمائهم اي اسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها. فلما انبأهم باسمائهم تبين للملائكة فضل ادم وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة. قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض. وهو ما غاب عنا فلم نشاهده فاذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب اولى. واعلم ما تبدون اي تظهرون وما كنتم تكتمون. ثم امرهم تعالى السجود لادم اكراما له وتعظيما وعبودية لله تعالى ادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين. فامتثلوا امر الله وبادروا كلهم بالسجود الا ابليس ابى امتنع عن السجود واستكبر عن امر الله وعلى ادم قال ااسجد لمن خلقت طينا؟ وهذا الاباء ومنه الاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطوي عليه. فتبينت حينئذ عداوته لله ولادم. وكفره واستكباره. وفي هذه الايات من العبر والايات. اثبات الكلام لله تعالى. وانه لم يزل متكلما يقول ما شاء ويتكلم بما شاء. وانه عليم حكيم فيه ان العبد اذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات. فالواجب عليه التسليم واتهام عقله. والاقرار لله بالحكمة. وفي فيه اعتناء الله بشأن الملائكة واحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه من ان الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته. ومنها ان الله عرفهم فضل ادم بالعلم. وانه افضل صفة تكون في العبد. ومن ان الله امرهم بالسجود لادم اكراما له لما بان فضل علمه. ومنها ان الامتحان للغير اذا عجزوا عن ما امتحنوا به ثم عرفه صاحب الفضيلة. فهو اكمل مما عرفه ابتداء. ومنها الاعتبار بحالي ابوي الانس والجن. وبيان فضل ادم اقبال الله عليه وعداوة ابليس له الى غير ذلك من العبر لما خلق الله ادم وفضله. اتم نعمته عليه بان خلق منه زوجة ليسكن اليها ويستأنس بها. وامرهما بسكنى الجنة الاكل منها رغد اي واسعا هنيئا حيث شئتما اي من اي اصناف الثمار والفواكه؟ وقال الله له ان لك الا تجوع فيها او لا تعرى وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. ولا تقربا هذه الشجرة نوع من انواع شجر الجنة. الله اعلم بها. وانما ما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء او لحكمة غير معلومة لنا فتكونا من الظالمين. دل على ان النهي للتحريم لانه رتب عليه الظلم فازلهم الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه. وقلنا اهبطوا لم يزل عدوه ما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه. حتى ازلهما اي حملهما على الزلل بتزيينه. وقاسمهما اني لك ما لمن الناصحين. فاغترا به واطاعه فاخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد. واهبطوا الى دار التعب والنصب والمجاهدة. بعضكم لبعض عدو. اي ادم وذريته اعداء لابليس وذريته. ومن المعلوم ان العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوك وايصال الشر اليه بكل طريق وحرمانه الخير بكل طريق. ففي ضمن هذا تحذير بني ادم من الشيطان. كما قال الله تعالى ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا. انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. افتتخذونه ذريته اولياء من دونه وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا. ثم ذكر منتهى الاهباط الى الارض فقال ولكم في الارض مستقر. اي مسكن وقرار ومتاع الى حين انقضاء اجالكم. ثم منها للدار التي خلقتم لها وخلقت لكم ففيها ان مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة ليست مسكنا حقيقيا وانما هي معبر يتزود منها لتلك الدار ولا تعمر للاستقرار. فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب فتلقى ادم اي تلقف وتلقن والهمه الله من ربه كلمات وهي قوله ربنا ظلمنا انفسنا. فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته. فتاب الله عليه ورحمه انه هو التواب لمن تاب اليه واناب. وتوبته نوعان. توفيقه اولا. ثم قبوله للتوبة اذا اجتمعت شروطها ثانيا الرحيم بعباده ومن رحمته بهم ان للتوبة وعفا عنهم وصفح. فاما كرر الاهباط ليرتب عليهما ذكر وهو قوله فاما يأتينكم مني هدى اي اي وقت وزمان جاءكم مني يا معشر الثقلين هدى اي رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني ويدنيكم من رضائي. فمن تبع هداي منكم بان امن برسلي وكتبي واهتدى بهم وذلك بتصديق جميع اخبار الرسل والكتب والامتثال للامر والاجتناب للنهي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وفي الاية الاخرى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. فرتب على اتباع هداه اربعة اشياء. نفي الخوف والحزن والفرق بينهما ان المكروه ان كان قد مضى واحدث الحزن وان كان منتظر احدث الخوف فنفاهما عمن اتبع هداه. واذا انتفيا حصل ضدهما وهو الامن التام. وكذلك سكن في الضلال والشقاء عمن اتبع هداه. وان التفي ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة. فمن اتبع هداه حصل له الامن والسعادة الدنيا الدنيوية والاخروية والهدى. وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء. فحصل له المرغوب واندفع عنه المرغوب. وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به وكذب باياته. والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. فاولئك اصحاب النار اي الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه والغريم لغريمه هم فيها خالدون. لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الايات وما اشبهها انقسام الخلق من الجن والانس الى اهل السعادة واهل الشقاوة. وفيها صفات الفريقين والاعمال الموجبة لذلك. وان الجن كالانس في الثواب والعقاب كما انهم مثلهم في الامر والنهي. ثم شرع تعالى يذكر بني اسرائيل نعمه عليهم واحسانه. فقال يا بني اسرائيل المراد باسرائيل يعقوب عليه السلام والخطاب مع فرق بني اسرائيل الذين بالمدينة وما حولها ويدخلون وفيهم من اتى من بعدهم فامرهم بامر عام فقال اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه بعضها والمراد بذكرها بالقلب اعترافا. وباللسان ثناء وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. واوفوا بعهدي وهو ما عهده اليه من الايمان به وبرسله واقامة شرعه. اوفي بعهدكم وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك ما ذكره الله في قوله ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. وقال الله اني معكم لئن اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة امنتم برسلي الى قوله فقد ضل سواء السبيل. ثم امرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده. وهو الرهبة منه تعالى وخشيته واحدة فان من خشيه اوجبت له خشيته امتثال امره واجتناب نهيه. ثم امرهم بالامر الخاص الذي لا يتم ايمانهم ولا يصح الا به قال وامنوا بما انزلتم صدقا لما معكم ولا تكونوا اول كافر به وامنوا بما انزلت وهو القرآن الذي انزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فامرهم بالايمان به واتباعه. ويستلزم ذلك الايمان بمن انزل عليه. وذكر الداعية ايمانهم به فقال مصدقا لما معكم اي موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا. فاذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الايمان به. لانه جاء بما جاءت به المرسلون. فانتم اولى من امن به وصدق به. لكونكم اهل الكتب والعلم وايضا فان في قوله مصدقا لما معكم اشارة الى انكم ان لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم لان ما جاء به والذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الانبياء. فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. وايظا فان في الكتب التي بايديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به. فان لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما انزل اليكم. ومن كذب ببعض ما انزل اليه فقد كذب بجميعه كما ان من كفر برسول فقد كذب الرسل جميعهم. فلما امرهم بالايمان به نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به. فقال لا تكون اول كافر به. اي بالرسول والقرآن. وفي قوله اول كافر به ابلغ من قوله ولا تكفروا به. لانهم اذا كانوا اول كافر به كان فيه مبادرتهم الى الكفر به. عكس ما ينبغي منهم وصار عليهم اثمهم واثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع له من الايمان وهو اختيار العرض الادنى على السعادة الابدية. فقال ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا. وهو ما يحصل له من المناصب والمآكل. التي يتوهمون انقطاعها ان امنوا بالله ورسوله فاشتروها بايات الله واستحبوها واثروها. واياي اي لا غيري فاتقون. فانكم اذا اتقيتم الله وحده اوجبت لكم تقواه تقديم الايمان باياته على الثمن القليل. كما انكم اذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على التقوى من قلوبكم ثم قال ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق ولا تلبسوا اي تخلطوا الحق بالباطل وتكتموا الحق. فنهاهم عن شيئين عن خلط الحق بالباطل وكتمان بيان لان المقصود من اهل الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل واظهار الحق. ليهتدي بذلك المهتدون ويرجع الضالون. وتقوم الحجة على المعاندين لان الله فصل اياته واوضح بيناته ليميز الحق من الباطل ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين. فمن عمل بهذا من اهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الامم. ومن لبس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك. وكتم الحق الذي يعلمه وامر باظهاره فهو من دعاة جهنم. لان الناس لا يقتدون في امر دينهم بغير علمائهم. فاختاروا لانفسكم احدى الحالتين ثم قال واقيموا الصلاة اي ظاهرا وباطنا. واتوا الزكاة مستحقيها. واركعوا مع الراكعين. اي صلوا مع المصلين. فانكم اذا فعلتم ذلك مع الايمان برسل الله سوى ايات الله. فقد جمعتم بين الاعمال الظاهرة والباطنة. وبين الاخلاص للمعبود والاحسان الى عبيده. وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية وقوله اركعوا مع الراكعين اي صلوا مع المصلين. ففيه الامر بالجماعة للصلاة ووجوبها. وفيه ان الركوع ركن من اركان الصلاة لانه عبر عن الصلاة بالركوع والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها. اتأمرون الناس اتأمرون الناس البر اي بالايمان والخير. وتنسون انفسكم اي تتركونها عن امرها بذلك. والحال وانتم تتلون الكتاب. افلا تعقلون واسمى العقل عقلا لانه يعقل به ما ينفعه من الخير. وينعقل به عما يضره. وذلك ان العقل يحث صاحبه ان يكون اول فاعل لما يأمر به واول تارك لما ينهى عنه. فمن امر غيره بالخير ولم يفعله. او نهاه عن الشر فلم يتركه. دل على عدم عقله وجهله. خصوصا اذا اي ولقد تقرر عندكم حالة الذين اعتدوا منكم في السبت وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الاعراف في قوله واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في اذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة وهذه الاية وان كانت نزلت في سبب بني اسرائيل فهي عامة لكل احد. لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لما تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. وليس في الاية ان الانسان اذا لم يقم بما امر به انه يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لانها دلت على التوبيخ بالنسبة الى الواجبين. والا فمن المعلوم ان على الانسان واجبين امر غيره ونهيه وامر نفسه ونهيها. فترك احدهما لا يكون رخصة في ترك الاخر. فان الكمال ان يقوم الانسان بالواجبين. والنقص الكامل ان يتركهما واما قيامه باحدهما دون الاخر. فليس في رتبة الاول وهو دون الاخير. وايضا فان النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله. فاقتداؤهم بالافعال ابلغ من اقتدائهم بالاقوال المجردة امرهم الله ان يستعينوا في امورهم كلها بالصبر بجميع انواعه وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها. والصبر عن معصية الله حتى يتركها. والصبر على اقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها. فبالصبر وحبس النفس على ما امر الله بالصبر عليه. معونة عظيمة على كل امر من الامور. ومن يتصبر يصبره الله. وكذلك الصلاة التي هي ميزان الايمان وتنهى عن الفحشاء والمنكر. يستعان بها على كل امر من الامور. وانها اي الصلاة لكبيرة اي شاقة الا على الخاشعين. فانها سهلة عليهم خفيفة. لان الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده. يوجب له فعلها منشرحا صدره لترقبه للثواب وخشيته من العقاب بخلاف من لم يكن كذلك. فانه لا داعي له يدعوه اليها. واذا فعلها صارت من اثقل الاشياء عليه والخشوع هو خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى. وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا. وايمانا به وبلقائه ولهذا قال الذين يظنون ان يستيقنون انهم ملاقوا ربهم فيجازيهم باعمالهم وانهم اليه راجعون. فهذا الذي خفف عليهم العبادات واوجب لهم التسلي في المصيبات ونفس عنهم الكربات وزجرهم عن فعل السيئات. فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات واما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة غيرها من العبادات من اشق شيء عليه اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين. ثم كرر على بني اسرائيل بنعمته وعظا لهم وتحذيرا وحثا. واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفسي شيئا. ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي في اي لا تغني نفس ولو كانت من الانفس الكريمة كالانبياء والصالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة والاقربين شيئا لا كبيرا ولا صغيرا. وانما ينفع الانسان عمله الذي قدمه. ولا يقبل منها اي النفس شفاعة لاحد بدون اذن الله ورضاه عن المشفوع له. ولا يرضى من العمل الا ما اريد به وجهه. وكان على السبيل والسنة. ولا يؤخذ منها عدل. اي فداء. ولو ان للذي ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب ولا يقبل منهم ذلك ولا هم ينصرون. ان يدفع عنهم المكروه الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه. فقوله لا تجزي نفس عن نفس شيئا هذا في تحصيل المنافع. ولا هم ينصرون هذا في دفع مضار فهذا النفي للامر المستقل به النافع. ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل. هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل او بغيره كالشفاعة. فهذا يوجب للعبد ان ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين. لعلمه انهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع وان يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار. فيعبده وحده لا شريك له. ويستعينه على عبادته نجيناكم من ال فرعون يسوءونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم وان فرقنا بكم البحر فان انجيناكم واغرقنا ال فرعون وانتم تنظرون وان واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون. ثم عفونا عنكم من بعد ذلك وان قال توبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم. هذا شروع في تعداد نعمه على بني اسرائيل على وجه التفصيل. فقال واذ نجيناكم من ال فرعون اي من فرعون وملأه وجنوده وكانوا قبل ذلك يسومونكم ايولونهم ويستعملونهم سوء العذاب اي اشده بان كانوا يذبحون ابناءكم خشية نموكم ويستحيون نساءكم اي فلا يقتلونهن. فانتم بين قتيل ومذلل بالاعمال الشاقة منته عليهم بوعده لموسى اربعين ليلة. لينزل عليه التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة. ثم انهم لم يصبروا قبل استكمال ميعاد حتى عبدوا العجل من بعده اي ذهابه وانتم ظالمون. عالمون بظلمكم. قد قامت عليكم الحجة فهو اعظم جرما واكبر ثم انه امركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بان يقتل بعضكم بعضا. فعفا الله عنكم بسبب ذلك. لعلكم تشكرون الله وان قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره. فاخذتكم الصاعقة وانتم واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره. وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله. فاخذتكم اما الموت او الغشية العظيمة. وانتم تنظرون وقوع ذلك. كل ينظر الى صاحبه بعد موتكم لعلكم تشكرون. ثم ذكر نعمته عليهم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الارزاق. فقال ظللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن والسلوى. وضللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن وهو اسم جامع لكل رزق حسن. يحصل بلا تعب. ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك. والسلوى طائر صغير يقال له السماني طيب اللحم فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون. كلوا من طيبات ذات ما رزقناكم اي رزقا لا يحصل نظيره لاهل المدن المترفهين. فلم يشكروا هذه النعم. واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب فما ظلمونا يعني بتلك الافعال المخالفة لاوامرنا. لان الله لا تضره معصية العاصين. كما لا تنفعه طاعات الطائعين. ولكن كانوا انفسهم يظلمون فيعود ضرره عليهم وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. وهذا ايضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم اياه. فامرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا وسكنا. ويحصل لهم فيها الرزق الرغد. وان يكون دخولهم وهم على وجه الخاضعين لله فيه بالفعل. وهو دخول الباب سجدا اي خاضعين ذليلين. وبالقول وهو ان يقولوا حطة اي ان يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم اياه مغفرته. نغفر لكم خطاياكم بسؤالكم المغفرة. وسنزيد المحسنين باعمالهم. اي جزاء عاجلا واجل فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون. فبدل الذين ظلموا منهم ولم يقل فبدلوا لانهم لم يكونوا كلهم بدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا بدل حطة حبة في حنطة استهانة بامر الله واستهزاءه واذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب اولى واحرى. ولهذا دخلوا يزحفون على ادبارهم. ولما كان هذا الطغيان اكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم قال فانزلنا على الذين ظلموا منهم اجزا اي عذابا من السماء بسبب فسقهم وبغيهم وان استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعصوا في الارض استسقى اي طلب لهم ماء ان يشربون منه. فقلنا اضرب بعصاك الحجر اما حجر مخصوص معلوم عنده واما اسمه جنس فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. وقبائل بني اسرائيل اثنتا عشرة قبيلة. قد علم كل اناس منهم مشربهم اي محلهم الذي يشربون عليه من هذه الاعين. فلا يزاحم بعضهم بعضا. بل يشربونه متهنئين لا متكدرين. ولهذا قال كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعسوا في الارض مفسدين. كلوا واشربوا من رزق الله اي الذي اتاكم من غير استعين ولا تعب ولا تعثوا في الارض مفسدين. اي تخربوا على وجه الافساد اي واذكروا اذ قلتم لموسى على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها اصبر على طعام واحد اي جنس من الطعام وان كان كما تقدم انواع لكنها لا تتغير يخرج وفومها وعدسها وبصرها. فادع ان ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها. اي نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه. وقثائها وهو الخيار وفومها اي ثومها والعدس والبصل معروف. قال لهم موسى اهبطوا مصر فان لكم ما سألتم مضربت عليهم الدلة. اتستبدلون الذي هو ادنى وهو الاطعمة المذكورة بالذي هو خير وهو المن والسلوى فهذا غير لائق بكم. فان هذه الاطعمة التي طلبتم ان يا مصري ان هبطتموه وجدتموها. واما طعامكم الذي من الله به عليكم. فهو خير الاطعمة واشرفها. فكيف تطلبون به بدلا لما كان الذي جرى منهم فيه اكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لاوامر الله ونعمه. جازاهم من جنس عملهم. فقال الذلة والمسكنة وباءوا لغضب من وضرب عليهم الذلة التي تشاهد على ظاهر ابدانهم والمسكنة بقلوبهم. فلم تكن انفسهم عزيزة ولا لهم همم عالية. بل انفسهم انفس مهينة وهممهم ارداء الهمم وباءوا بغضب من الله. اي لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا. الا ان رجعوا بسخطهم عليهم فبئست الغنيمة غنيمتهم وبئس الحالة حالتهم. ذلك بانهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق. ذلك الذي استحقوا به غضبه بانهم كانوا يكفرون بايات الله على الحق الموضحة لهم. فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم. وبما كانوا يقتلون النبيين بغير الحق. وقوله بغير الحق زيادة الشناعة. والا فمن المعلوم ان قتل النبي لا يكون بحق. لكن لان لا يظن جهلهم وعدم علمهم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. ذلك بما عصوا بان ارتكبوا معاصي الله وكانوا يعتدون على عباد الله فان المعاصي يجر بعضها بعضا. فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير. ثم ينشأ عنه الذنب الكبير. ثم ينشأ عنها انواع البدع والكفر وغير ذلك فنسأل الله العافية من كل بلاء. واعلم ان الخطاب في هذه الايات لامة بني اسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن وهذه الافعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل اسلافهم. ونسبت اليهم لفوائد عديدة. منها انهم كانوا يتمدحون ويزكون انفسهم فهم ويزعمون فضلهم على محمد ومن امن به. فبين الله من احوال سلفهم التي قد تقررت عندهم ما يبين به لكل احد منهم انهم من اهل الصبر ومكارم الاخلاق ومعالي الاعمال. فاذا كانت هذه حالة سلفهم مع ان المظنة انهم اولى وارفع حالة ممن بعدهم كيف الظن بالمخاطبين؟ ومنها ان نعمة الله على المتقدمين منهم نعمة واصلة الى المتأخرين. والنعمة على الاباء نعمة على الابناء فخوطبوا بها لانها نعم تشملهم وتعمهم. ومنها ان الخطاب لهم بافعال غيرهم مما يدل على ان الامة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها. حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد. وكان الحادث من بعدهم حادثا من الجميع. لان يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع. وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع. ومنها ان افعالهم اكثرها لم ينكروها والراضي بالمعصية شريك للعاصي. الى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها الا الله. ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعملوا هذا الحكم على اهل الكتاب خاصة. لان الصابئين الصحيح انهم من جملة فرق النصارى. فاخبر الله ان المؤمنين من هذه الامة واليهود والنصارى والصابئين من امن منهم بالله واليوم الاخر وصدقوا رسلهم. فان لهم الاجر العظيم والامن ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون واما من كفر منهم بالله ورسوله واليوم الاخر فهو بضد هذه الحال. فعليه الخوف والحزن. والصحيح ان هذا الحكم بين هذه الطوائف من حيث هم لا بالنسبة الى الايمان بمحمد. فان هذا اخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. وان هذا مضمون احوالهم وهذه طريقة القرآن اذا وقع في بعض النفوس عند سياق الايات بعض الاوهام. فلابد ان تجد ما يزيل ذلك الوهم. لانه تنزيل من يعلم الاشياء قبل وجوده بها ومن رحمته وسعت كل شيء. وذلك والله اعلم انه لما ذكر بني اسرائيل وذمهم. وذكر معاصيهم وقبائحهم. ربما وقع في بعض النفوس انهم كلهم يشملهم الذم. فاراد الباري تعالى ان يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه. ولما كان ايضا ذكر بني اسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها. ليتضح الحق ويزول التوهم والاشكال. فسبحان من اودع في ما يبهر عقول العالمين. ثم عاد تبارك وتعالى يوبخ بني اسرائيل بما فعل سلفهم. وان اخذنا ميثاقكم كنا فوقكم الطور خذوا ما اتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون واذكروا اذ اخذنا ميثاقكم وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم برفع الطور فوقهم. وقيل لهم خذوا ما اتيناكم من التوراة بقوة اي بجد واجتهاد وصبر على اوامر الله واذكروا ما فيه اي ما في كتابكم بان تتلوه وتتعلموه لعلكم تتقون عذاب الله الله وسخط او لتكونوا من اهل التقوى. فبعد هذا التأكيد البليغ فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين. توليتم واعرظتم وكان ذلك موجب لان يحل بكم اعظم العقوبات. ولكن لولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين. ولقد علمتم الذين اعتدوا السبت فاوجب لهم هذا الذنب العظيم ان غضب الله عليهم وجعلهم قردة خاسئين حقيرين ذليلين. فجعلناها نكالا هل لما بين يدي وما خلف وموعظة للمتقين وجعل الله وهذه العقوبة نكالا لما بين يديها. اي لمن حضرها من الامم. وبلغه خبرها ممن هو في وقتهم. وما خلفها اي من بعده فتقوم على العباد حجة الله وليرتدعوا عن معاصيه. ولكنها لا تكون موعظة نافعة الا للمتقين. واما من عاداهم فلا ينتفعون بالايات. واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة قالوا اتت قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين. اي واذكروا ما جرى لكم مع حين قتلتم قتيلا وادارأتم فيه اي تدافعتم واختلفتم في قاتله حتى تفاقم الامر بينكم. وكاد لولا تبيين الله لكم يحدث بينكم شر كبير فقال لكم موسى في تبيين القاتل اذبحوا بقرة. وكان من الواجب المبادرة الى امتثال امره وعدم الاعتراض عليه. ولكنهم الا الاعتراض فقالوا اتتخذنا هزوا؟ فقال نبي الله ان اكون من الجاهلين فان الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه. وهو الذي يستهزئ بالناس. واما العاقل فيرى ان من اكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزاءه بمن هو ادمي مثله. وان كان قد فضل عليه فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه والرحمة لعباده. فلما قال لهم موسى ذلك علموا ان ذلك صدق. فقالوا اي ما سنها انه يقول انها بقرة لا فارض ولا ذكر عوان بين ذلك. قال انه يقول انها بقرة لا فارض اي كبيرة ولا بكر اي صغيرة عوان بين ذلك واتركوا التشديد والتعنت انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها اي شديد. تسر الناظرين من حسنها ان شابه علينا قال ادعو لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقرة تشابه علينا. فلم نهتدي الى ما تريد وانا ان شاء الله لمهتدون مسلمة لا شية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها ما كانوا يفعلون. قال انه يقول انها بقرة لذلول. اي مذللة بالعمل. تثير ارضى بالحراثة ولا تسقي الحرف اي ليست بساقية مسلمة من العيوب او من العمل لا شية فيها اي لا لون فيها غير لونها المتقدم قال الان جئت بالحق اي بالبيان الواضح وهذا من جهلهم. والا فقد جاءهم بالحق اول مرة. فلو انهم اعترضوا اي بقرة لحصل المقصود ولكنهم شددوا بكثرة الاسئلة فشدد الله عليهم. ولو لم يقولوا ان شاء الله لم يهتدوا ايضا اليها. فذبحوها اي البقرة التي وصفت بتلك الصفات وما كادوا يفعلون بسبب التعنت الذي جرى منهم قرأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون. فقلنا اضربوه ببعضها كذلك الموتى ويريكم اياته لعلكم تعقلون. فلما ذبحوها قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضه بينات اي بالادلة الواضحات المبينة للحق. ثم اتخذتم العجل من بعده اي من بعد مجيئه. وانتم ظالمون في ذلك. ليس لكم عذر واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما اتيناكم بقوة واسمعوا اي بعضو منها اما معين او اي عضو منها فليس في تعيينه فائدة فضربوهم ببعضها فاحياه الله واخرج ما كانوا يكتمون فاخبر بقاتله وكان في احياءه وهم يشاهدون ما يدل على احياء الله الموتى لعلكم تعقلون. فتنزجرون عما يدور ثم قلوبكم اي اشتدت وغلظت فلم تؤثر فيها الموعظة من بعد ذلك. اي من بعد ما انعم عليكم بالنعم العظيمة. واراكم الايات ولم يكن ينبغي ان تقسو قلوبكم. لان ما شاهدتم مما يوجب رقة القلب والقيادة. ثم وصف قسوتها بانها كالحجارة. التي هي اشد قسوة من الحديد لان الحديد والرصاص اذا اذيب في النار ذاب بخلاف الاحجار. وقوله او اشد قسوة اي انها لا تقصر عن قساوة الاحجار وليست او بمعنى بل ثم ذكر فضيلة الاحجار على قلوبهم فقال وان منها لما يشقق فيخرج منه اه وان منها لما يهبط من خشية الله. فبهذه الامور فظلت قلوبكم ثم وتوعدهم تعالى اشد الوعيد فقال من هو علي بها حافظ لصغيرها وكبيرها. وسيجازيكم على ذلك اتم الجزاء واوفاه. واعلم ان كثيرا من المفسرين رحمهم الله قد في حشو تفاسيره من قصص بني اسرائيل ونزلوا عليها الايات القرآنية وجعلوها تفسيرا لكتاب الله محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج. والذي ارى انه وان جاز نقل احاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة. ولا منزلة على كتاب الله فانه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا. اذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك ان مرتبتها كما قال النبي صلى الله عليه عليه وسلم لا تصدقوا بني اسرائيل ولا تكذبوهم. فاذا كان مرتبتها ان تكون مشكوكا فيها. وكان من المعلوم بالضرورة من دين الاسلام ان القرآن يجب الايمان به والقطع بالفاظه ومعانيه فلا يجوز ان تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة التي يغلب على الظن كذبها وكذب اكثرها معاني لكتاب الله. مقطوعا بها ولا يستريب بهذا احد. ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل. والله الموفق افتطمعون ان يؤمنونكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله هذا قطع لاطماع المؤمنين من ايمان اهل كتاب اي لا تطمعوا في ايمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم. فانهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه. فيضعون له معاني ما ارادها الله ليوهموا الناس انها من عند الله. وما هي من عند الله؟ فاذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم به الناس عن سبيل الله فكيف يرجى منهم ايمان لكم؟ فهذا من ابعد الاشياء. ثم ذكر حال منافقي اهل الكتاب فقال اتقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلا بعضهم الى بعض قالوا اتحدثونهم ما فتح الله عليكم ليحاجوكم بي عند ربكم. افلا تعقلون واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا فاظهروا لهم الايمان قولا بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. واذا خلا بعضهم الى بعض فلم يكن لهم احد من غير اهل دينهم قال بعضهم لبعض اتحدثونهم بما فتح الله عليكم؟ اي اتظهرون لهم الايمان وتخبرونهم انكم مثلهم فيكون ذلك حجة لهم عليكم. يقولون انهم قد اقروا بان ما نحن عليه حق. وما هم عليه باطل. فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم افلا تعقلون؟ اي افلا يكون لكم عقل فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض. او سيعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. اولا يعلمون ان ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. فهم وان اسروا ما يعتقدونه فيما بينهم. وزعموا انهم باصرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين فان هذا غلط منهم وجهل كبير. فان الله يعلم سرهم وعلنهم. في ظهر لعباده ما انتم عليه. ومنهم لا يعلمون الكتاب الا اماني وانهم الا يظنون. ومنهم اي من اهل الكتاب اميون اي ليسوا من اهل العلم لا يعلمون الكتاب الا اماني. اي ليس لهم حظ من كتاب الله الا التلاوة فقط. وليس عندهم خبر بمعية عند الاولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم. وهؤلاء انما معهم ظنون وتقاليد لاهل العلم منهم. فذكر في هذه الايات علماءهم وعوامهم ومنافقيهم ومن لم ينافق منهم. فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال. والعوام مقلدون لهم لا بصيرة فلا مطمع لكم في الطائفتين فويل لهم مما كتبت ايديهم توعد تعالى المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون هذا من الله وهذا فيه اظهار الباطل وكتم الحق. وانما فعلوا ذلك مع علمهم ليشتروا به ثمنا قليلا. والدنيا كلها من اولها الى اخرها ثمن قليل. فجعلوا باطلهم شركا يصطادون بهما في ايدي الناس. فظلموهم من وجهين من جهة تلبيس دينهم عليهم. ومن جهة اخذ اموالهم بغير حق. بل بابطل الباطل اعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما. ولهذا توعدهم بهذين الامرين فقال فويل لهم مما كتبت ايديهم اي من التحريف والباطل. وويل لهم مما يكسبون من الاموال. والويل شدة العذاب والحسرة. وفي ضمنها الويل العيد الشديد. قال شيخ الاسلام لما ذكر هذه الايات من قوله افتطمعون الى قوله يكسبون. فان الله ذم الذين هنا الكلمة عن مواضعه. وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة. على ما اصله من البدع الباطلة. وذم الذين لا يعلمون الكتاب الا اماني. وهو ومتناول لمن ترك تدبر القرآن. ولم يعلم الا مجرد تلاوة حروفه. ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله. لينال دنيا وقال انه من عند الله مثل ان يقول هذا هو الشرع والدين. وهذا معنى الكتاب والسنة. وهذا معقول السلف والائمة وهذا هو اصول الدين الذي يجب اعتقاده على الاعيان والكفاية. ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة. لان لا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله وهذه الامور كثيرة جدا في اهل الاهواء جملة كالرافضة وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين الى الفقهاء قل اتخذتم عند الله عهدا ان يخلف الله عهده ان تقولون على الله ما لا تعلمون. ذكر افعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا انهم يزكون انفسهم ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه. وانهم لن تمسهم النار الا اياما معدودة في قليلة تعد بالاصابع فجمعوا بين الاساءة والامن. ولما كان هذا مجرد دعوة رد الله عليهم فقال قل لهم يا ايها اتخذتم عند الله عهدا اي بالايمان به وبرسله وبطاعته. فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل ام تقولون على الله ما لا تعلمون؟ فاخبر تعالى ان صدق دعواهم متوقفة على احد هذين الامرين الذين لا ثالث لهما اما ان يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا فتكون دعواهم صحيحة. واما ان يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة. فيكون ابلغ لخزيهم وعذابهم قد علم من حالهم انهم لم يتخذوا عند الله عهدا لتكذيبهم كثيرا من الانبياء. حتى وصلت بهم الحال الى ان قتلوا طائفة منهم. ولنقولهم عن طاعة الله ونقضيهم المواثيق. فتعين بذلك انهم متقولون مختلقون. قائلون عليه ما لا يعلمون. والقول عليه بلا علم من اعظم المحرمات واشنع القبيحات. ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل احد. يدخل به بنو اسرائيل وغيرهم. وهو الحكم الذي لا حكم غيره. لا امانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين. فقال فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. بلى اي ليس الامر كما ذكرتم فانه قول حقيقة له ولكن من كسب سيئة وهو نكرة في سياق الشرط. فيعم الشرك فما دونه. والمراد به هنا الشرك بدليل قوله احاطت به خطيئته اي احاطت بعاملها فلم تدع له منفذا. وهذا لا يكون الا بالشرك. فان من معه الايمان لا تحيط به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية. وهي حجة عليهم كما ترى. فانها ظاهرة في الشرك هكذا كل مبطل يحتج باية او حديث صحيح على قوله الباطل فلابد ان يكون فيما احتج به حجة عليه. والذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. والذين امنوا بالله وملائكته ملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وعمل الصالحات ولا تكون الاعمال صالحة الا بشرطين. ان تكون خالصة لوجه الله. متبعا بها سنة رسوله فحاصل هاتين الايتين ان اهل النجاة والفوز اهل الايمان والعمل الصالح والهالكون اهل النار المشركون بالله الكافرون به والمساكين وقولوا للناس حسنا. واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون. وهذه الشرائع من اصول الدين التي امر الله بها في كل شريعة لاشتمالها على المصالح العامة في كل زمان ومكان. فلا يدخلها نسخ كاصل الدين. ولهذا امرنا الله بها في قوله واعبدوا الله اه ولا تشركوا به شيئا. فقوله واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل هذا من قسوتهم ان كل امر امروا به استعصوا. فلا الا بالايمان الغليظة والعهود الموثقة. لا تعبدون الا الله. هذا امر بعبادة الله وحده. ونهي عن الشرك به. وهذا اصل الدين ان اكثرهم لا يؤمنون. فعدم ايمانهم هو الذي اوجب لهم نقض العهود. ولو صدق ايمانهم لكان مثل من قال الله فيهم. من المؤمنين رجال صدقة اتقوا ما عاهدوا الله عليه فلا تقبل الاعمال كلها ان لم يكن هذا اساسها. فهذا حق الله تعالى على عباده. ثم قال وبالوالدين احسانا. اي احسنوا بالوالدين احسانا وهذا يعم كل احسان قولي وفعلي. مما هو احسان اليهم. وفيه النهي عن الاساءة الى الوالدين. او عدم الاحسان والاساءة لان الواجب الاحسان والامر بالشيء نهي عن ضده. وللاحسان ظدان الاساءة وهي اعظم جرم. وترك الاحسان بدون اساءة وهذا محرم. لكن لا يجب ان يلحق بالاول. وكذا يقال في صلة الاقارب واليتامى والمساكين. وتفاصيل الاحسان لا تنحصر بالعدل بل تكون بالحد كما تقدم. ثم امر بالاحسان الى الناس عموما. فقال وقولوا للناس حسنا. ومن القول الحسن امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليمهم العلم وبذل السلام والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب. ولما كان الانسان لا يسع الناس بماله امر بامر يقدر به على الاحسان الى كل مخلوق. وهو الاحسان بالقول فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار. ولهذا قال تعالى ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن. ومن ادب الانسان الذي ادب الله به عباده ان يكون الانسان نزيها في اقواله وافعاله غير فاحش ولا بذيء ولا شاتم ولا مخاصم بل يكون حسن الخلق واسع الحلم مجاملا لكل احد صبورا على ما يناله من اذى الخلق امتثالا لامر الله ورجاء لثوابه. ثم امرهم باقامة الصلاة وايتاء الزكاة. لما تقدم ان الصلاة متضمنة للاخلاص المعبود والزكاة متضمنة للاحسان الى العبيد. ثم بعد هذا الامر لكم بهذه الاوامر الحسنة. التي اذا نظر اليها البصير العاقل عرف ان من احسان الله الى عباده ان امرهم بها وتفضل بها عليهم. واخذ المواثيق عليكم. توليتم على وجه الاعراض. لان المتولي قد يتولى الا وله نية رجوع الى ما تولى عنه. وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الاوامر. فنعوذ بالله من الخذلان. وقوله الا قليلا منهم هذا استثناء لئلا يوهم انهم تولوا كلهم. فاخبر ان قليلا منهم عصمهم الله وثبتهم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم اخراجهم. افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض. فما جزاء من يفعل ذلك ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب غافل عن ما تعملون. وهذا الفعل المذكور في هذه الاية. فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة. وذلك ان الاوس والخزرج وهم الانصار كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين. وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية. فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود بنو قريظة وبنو النظير وبنو قينقاع فكل فرقة منهم حالفت فرقة من اهل المدينة. فكانوا اذا اقتتلوا اعان اليهود حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الاخرى من اليهود. فيقتل اليهودي اليهودي ويخرجه من دياره اذا حصل جلاء ونهب ثم اذا وضعت الحرب اوزارها وكان قد حصل اسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا. والامور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم ففرض عليهم الا يسفك بعضهم دم بعض. ولا يخرج بعضهم بعضا. واذا وجدوا اسيرا منهم وجب عليهم فداؤه. فعملوا بالاخير وتركوا الاولين فانكر الله عليهم ذلك فقال افتؤمنون ببعض الكتاب وهو فداء الاسير وتكفرون ببعض وهو القتل والاخراج وفيها اكبر دليل على ان الايمان يقتضي فعل الاوامر واجتناب النواهي. وان المأمورات من الايمان. قال الله تعالى فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا وقد وقع ذلك فاخزاهم الله وسلط رسوله عليهم. فقتل من قتل وسبى من سبى منهم واجلى من اجلى يوم القيامة يردون الى اشد العذاب. اي اعظمه وما الله بغافل عما تعملون. ثم اخبر تعالى عن السبب الذي اوجب لهم الكفر ببعض الكتاب والايمان ببعضه فقال اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلا يخفف اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة توهموا انهم ان لم يعينوا خلفائهم حصل لهم عار فاختاروا النار على العار. فلهذا قال فلا يخفف عنهم العذاب بل هو باق على شدته. ولا يحصل لهم راحة بوقت من الاوقات ولا هم ينصرون. اي يدفع عنهم مكروه. ولقد اتينا موسى الكتاب بعده بالرسل واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس ففريقا كذبتم وفريقا يمتن تعالى على بني اسرائيل ان ارسل اليهم كليمه موسى واتاه التوراة ثم تاب من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة الى ان ختم انبيائهم بعيسى ابن مريم عليهم السلام. واتاهم من الايات البينات ما يؤمن على مثله البشر وايدناه بروح القدس. اي قواه الله بروح القدس. قال اكثر المفسرين انه جبريل عليه السلام. وقيل انه الايمان الذي يؤيد الله به عباده. ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها. لما اتوكم بما لا تهوى انفسكم واستكبرتم عن الايمان بهم فريقا منهم كذبتم وفريقا تقتلون. فقدمتم الهوى على الهدى واثرتم الدنيا على الاخرة. وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا وقالوا قلوبنا غلف. بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون اي اعتذروا عن الايمان لما دعوتهم اليه يا ايها الرسول بان قلوبهم غلف اي عليها غلاف واغطية فلا تفقه ما تقول. يعني سيكون لهم بزعمهم عذر لعدم العلم. وهذا كذب منهم. فلهذا قال تعالى بل لعنهم الله بكفرهم. اي انهم مطرودون ملعونون بسبب كفرهم فقليلا المؤمن منهم او قليلا ايمانهم وكفرهم هو الكثير فلما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئس ما اشتروا به انفسهم ان يكفروا بما انزل الله بغيا. بغيا ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده. فباءوا بغضب بغضب على غضب وللكافرين عذاب ايوه لما جاءهم كتاب من عند الله على يد افضل الخلق وخاتم الانبياء المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة وقد علموا به وتيقنوه. حتى انهم كان اذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب. استنصروا بهذا النبي وتوعدوهم بخروجه انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه به من احد الا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخرة وانهم يقاتلون المشركين معه. فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا كفروا به بغيا وحسدا ان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فلعنهم الله وغضب عليهم غضبا بعد غضب. لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم. ولهم في الاخرة عذاب مهين. اي مؤلم وهو صبي الجحيم وفوت النعيم المقيم. فبئس الحال حالهم. وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الايمان بالله وكتبه ورسله. الكفر به وبكتبه وبرسله مع علمهم وتيقنهم فيكون اعظم لعذابهم. واذا قيل لهم امنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم لم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين. اي واذا امر اليهود بالايمان بما انزل الله على رسوله وهو القرآن استكبروا واتوا وقالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه اي بما سواه من الكتب مع ان الواجب ان يؤمن بما انزل الله مطلقا. سواء انزل عليهم او على غيرهم. وهذا هو الايمان النافع. الايمان بما انزل الله على جميع الرسل لله. واما التفريق بين الرسل والكتب وزعم الايمان ببعضها دون بعض. فهذا ليس بايمان بل هو الكفر بعينه. ولهذا قال الله قال ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله. ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض. ويريدون ان يتخذوا بين ذلك السبيل اولئك هم الكافرون حقا. ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا. والزمهم الزاما لا محيد لهم عنه فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بامرين فقال وهو الحق. فاذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الاخبارات والاوامر والنواهي. وهو من عند ربهم فالكفر به بعد ذلك كفر بالله وكفر بالحق الذي انزله. ثم قال مصدقا لما معهم اي موافقا له في كل ما عليه من الحق ومهيمنا عليه. فلما تؤمنون بما انزل عليكم وتكفرون بنظيره؟ وهل هذا الا تعصب واتباع للهوى لا للهدى وايضا فان كون القرآن مصدقا لما معهم يقتضي انه حجة لهم على صدق ما في ايديهم من الكتب. فلا سبيل لهم الى اثباتها الا به اذا كفروا به وجحدوه صاروا بمنزلة من ادعى دعوة بحجة وبينة ليس له غيرها. ولا تتم دعواه الا بالسلامة بينته. ثم يأتي هو وحجته فيقدح فيها ويكذب فيها. اليس هذا من الحماقة والجنون؟ فكان كفرهم بالقرآن كفرا بما في ايديهم ونقضا له. ثم تعالى عليهم دعواهم الايمان بما انزل اليهم بقوله قل لهم فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون. ولقد جاءكم موسى قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم. قل بئس ما يأمركم به واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور. خذوا ما اتيناكم بقوة واسمعوا. اي مع قبول وطاعة واستجابة قالوا سمعنا وعصينا. اي صارت هذه حالتهم واشربوا في قلوبهم العجل. اي صبغ حب العجل وحب عبادته في قلوبهم وتشربها بسبب كفرهم. قل بئس ما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين. اي انتم تدعون الايمان تتمدحون بالدين الحق وانتم قتلتم انبياء الله واتخذتم العجل الها من دون الله. لما غاب عنكم موسى نبي الله ولم تقبلوا اوامره ونواهيه الا بعد التهديد. ورفع الطور فوقكم. فالتزمتم بالقول ونقضتم بالفعل. فما هذا الايمان الذي ادعيتم؟ وما هذا فان كان هذا ايمانا على زعمكم فبئس الايمان الداعي صاحبه الى الطغيان والكفر برسل الله وكثرة العصيان. وقد عهد ان الصحيح يأمر صاحبه بكل خير. وينهاه عن كل شر. فوضح بهذا كذبهم. وتبين تناقضهم. قل ان كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت فتمنوا الموت ان كنتم صادقين. اي قل لهم على وجه تصحيح دعواهم ان كانت لكم الدار الاخرة يعني الجنة خالصة من دون الناس. كما زعمتم انه لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. وان النار لن تمسهم الا اياما معدودة فان كنتم صادقين بهذه الدعوة فتمنوا الموت. وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس بعد هذا يخبر تعالى ان اهل الكتاب قد تقربوا ترى عندهم وعرفوا ان محمدا رسول الله. وان ما جاء به حق وصدق. وتيقنوا ذلك كما تيقنوا ابناءهم. بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم والمضايقة لهم بعد العناد منهم الا احد امرين اما ان يؤمنوا بالله ورسوله واما ان يباهلوا على ما هم عليه بامر يسير عليه وهو تمني الموت الذي يوصلهم الى الدار التي هي خالصة لهم. فامتنعوا من ذلك. فعلم كل احد انهم في غاية المعاندة والمحادة لله لرسوله مع علمهم بذلك ولهذا قال تعالى الله عليم بالظالمين ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين اشركوا ولن يتمنوه ابدا بما قدمت ايديهم من الكفر والمعاصي. لانهم يعلمون انه طريق لهم الى المجازاة باعمالهم الخبيثة فالموت اكره شيء اليهم وهم احرص على الحياة من كل احد من الناس. حتى من المشركين الذين لا يؤمنون باحد من الرسل والكتب. ثم ذكر محبتهم للدنيا فقال يود احدهم لو يعمر الف سنة يود احدهم لو يعمر الف سنة وهذا ابلغ ما يكون من الحرص. تمنوا حالة هي من المحالات والحال انهم لو عمروا العمر المذكور. لم يغني عنهم شيئا ولا دفع عنهم من والله بصير بما يعملون. تهديد لهم على المجازات باعمالهم انه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وجبر قيل وميكال فان الله عدو للكافرين. اي قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا ان الذي منعهم من الايمان ان وليك جبريل عليه السلام ولو كان غيره من ملائكة الله لامنوا بك وصدقوا. ان هذا زعم منكم تناقض وتهافت وتكبر على الله فان جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبه. وهو الذي ينزل على الانبياء قبلك. والله هو الذي امره وارسله ذلك فهو رسول محو. مع ان هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض. وفيه هداية التامة من انواع الضلالات. والبشارة بالخير الدنيوي والاخروي لمن امن به. فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك كفر بالله واياته وعداوة لله ولرسوله وملائكته. فان عداوتهم لجبريل لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله. فيتضمن الكفر والعداوة للذي انزله وارسله. والذي ارسل به والذي ارسل اليه. فهذا وجه ذلك كايات بينات وما يكفر بها الا الفاسقون. يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم ولقد قد انزلنا اليك ايات بينات تحصل بها الهداية لمن استهدى واقامة الحجة على من عاند. وهي في الوضوح والدلالة على الحق قد بلغت مبلغا عظيما ووصلت الى حالتنا يمتنع من قبولها الا من فسق عن امر الله. وخرج عن طاعة الله واستكبر غاية التكبر. اوكلما وهذا فيه التعجيب من كثرة وعدم صبرهم على الوفاء بها. فكلما تفيد التكرار فكلما وجد العهد ترتب عليه النقد. ما السبب في ذلك؟ السبب ان معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم انهم لا يعلمون. اي ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم. وكانوا يزعمون انهم متمسكون بكتابهم فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله الذي انزل اليهم. اي طرحوه رغبة عن وراء ظهورهم. وهذا ابلغ في الاعراض كانهم في فعلهم هذا من الجاهلين. وهم يعلمون صدقه واحقية ما جاء به بهذا ان هذا الفريق من اهل الكتاب لم يبق في ايديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول. فصار كفرهم به كفرا بكتابهم من حيث لا يشعرون. ولم ما كان من العوائد القدرية والحكمة الالهية ان من ترك ما ينفعه وامكنه الانتفاع به فلم ينتفع ابتلي بالاشتغال بما يضره فمن ترك عبادة الرحمن ابتلي بعبادة الاوثان. ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه. ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه. ومن لم انفق ما له في طاعة الله. انفقه في طاعة الشيطان. ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد. ومن ترك الحق ابتلي بالباطل كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين ولا ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا. يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين بباب لاروت وماروت. وما يعلمان من احد حتى يقولا ان ولبئس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون. ولو انهم امنوا واتقوا لمثوبة من عند الله لو كان اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلقوا من السحر على ملك سليمان. حيث اخرجت الشياطين للناس السحر وزعموا ان سليمان عليه السلام كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم. وهم كذبة في ذلك فلم يستعمله سليمان بل نزهه الصادق وفي قيله وما كفر سليمان اي بتعلم السحر فلم يتعلمه ولكن الشياطين كفروا بذلك. يعلمون الناس السحر من اضلالهم وحرصهم على اغواء بني ادم. وكذلك اتبع اليهود السحر الذي انزل على الملكين الكائنين بارض بابل من ارض العراق. انزل عليهما السحر امتحانا الى ان من الله لعباده فيعلمانهم السحر. وما يعلمان من احد حتى ينصحاه. ويقولا انما نحن فتنة فلا تكفر. اي لا تتعلم كم السحر؟ فانه كفر فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته. فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والاضلال. ونسبته وترويجه الى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام. وتعليم الملكين امتحانا مع نصحهما لان لا يكون لهم حجة. فهؤلاء اليهود يتبعون ان السحر الذي تعلمه الشياطين والسحر الذي يعلمه الملكان. فتركوا علم الانبياء والمرسلين واقبلوا على علم الشياطين. وكل يصبو الى ما يناسبه. ثم ذكر مفاسد السحر فقال فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. ومع ان محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما لان الله قال في حقهما. وجعل بينكم مودة ورحمة. وفي هذا دليل على ان السحر له حقيقة. وانه يضر الله اي بارادة الله والاذن نوعان اذن قدري وهو المتعلق بمشيئة الله كما في هذه الاية واذن شرعي كما في قوله تعالى في الاية السابقة فانه نزله على قلبك باذن الله. وفي هذه الاية وما اشبهها ان الاسباب مهما بلغت في قوة التأثير. فانها التابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير. ولم يخالف في هذا الاصل احد من فرق الامة غير القدرية في افعال العباد. زعموا انها مستقلة غير تابعة للمشيئة. فاخرجوها عن قدرة الله فخالفوا كتاب الله وسنة رسوله واجماع الصحابة والتابعين. ثم ذكر ان علم السحر مضرة محضة. ليس فيه منفعة لا دينية ولا دنيوية. كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي. كما قال تعالى في الخمر والميت قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس. واثمهما اكبر من نفعهما. فهذا السحر مضرة محضة. فليس له داع اصلا. فالمنهيات كلها اما مضرة محضة او شرها اكبر من خيرها. كما ان المأمورات اما مصلحة محضة او خيرها اكثر من شرها. ولقد علموا اليهود لمن اشتراه اي رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة ما له في الاخرة من خلاق. اي نصيب بل هو موجب للعقوبة فلم يكن فعلهم اياه جهلا. ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة. ولبئس ما شروا به انفسهم. لو كانوا يعلمون علما العمل ما فعلوه وللكافرين عذاب اليم. كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم ام للدين. راعنا اي راع احوالنا فيقصدون بها معنى صحيحا. وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا. فانتهزوا الفرصة. فصاروا يخاطبون الرسول بذلك. ويقصدون دون المعنى الفاسد فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة سدا لهذا الباب. ففيه النهي عن الجائز اذا كان وسيلة الى محرم. وفيه الادب واستعمال الالفاظ التي لا تحتمل الا الحسن وعدم الفحش. وترك الالفاظ القبيحة او التي فيها نوع تشويش او احتمال لامر غير لائق. فامره هم بلفظة لا تحتمل الا الحسن. فقال وقولوا انظرن فانها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور. واسمعوا لم يذكر المسموع ليعم ما امر باستماعه فيدخل فيه سماع القرآن وسماع السنة التي هي الحكمة لفظا ومعنى واستجابة. ففيه الادب والطاعة ثم توعد الكافرين بالعذاب المؤلم الموجع من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله الله ذو الفضل العظيم واخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين انهم ما يودون ان ينزل من خير اي لا قليلا ولا كثيرا من ربكم. حسدا منهم وبغضا لكم ان يختصكم بفضله. فانه ذو الفضل العظيم ومن فضله عليكم انزال الكتاب على رسولكم ليزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة. ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. فله الحمد والمنة ما ننسخ من اية او ننسها نأتي بخير منها. نأتي بخير منها او مثلها لم تعلم ان الله على كل شيء قدير. النسخ هو النقل فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع الى حكم اخر او الى اسقاطه. وكان اليهود ينكرون النسخ ويزعمون انه لا يجوز. وهو مذكور عندهم في التوراة. فانكارهم له كفر وهوى نحن فاخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ وانه ما ينسخ من اية اي ننسيها العباد فنزيلها من قلوبهم نأتي بخير منها وانفع لكم او مثلها. فدل على ان النسخ لا يكون لاقل مصلحة لكم من الاول. لان فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الامة سهل عليها دينها غاية التسهيل. واخبر ان من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته. فقال الم تعلم ان الله على كل شيء قدير قدير الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض؟ فاذا كان مالكا لكم متصرفا فيكم تصرف المالك البر الرحيم في اقداره واوامره ونواهيه. فكما انه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من انواع التقادير. كذلك لا يعترض عليه فيما يشرع لعباده من الاحكام. فالعبد مدبر مسخر تحت اوامر ربه الدينية والقدرية. فما له والاعتراظ؟ وهو ايضا ولي عباده ونصيرهم فيتولاهم في تحصيل منافعهم وينصرهم في دفع مضارهم. فمن ولايته لهم ان يشرع لهم من الاحكام ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده. وايصالهم الى مصالحهم من حيث لا يشعرون بلطفه ام تريدون ان تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان ينهى الله المؤمنين او اليهود بان يسألوا رسولهم كما سئل موسى من قبل والمراد بذلك اسئلة التعنت والاعتراض. كما قال تعالى يسألك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء. فقد سألوا موسى اكبر من ذلك فقالوا ارنا الله جهره. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسوءكم. فهذه ونحوها هي المنهي عنها واما سؤال الاسترشاد والتعلم فهذا محمود قد امر الله به. كما قال تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. ويقررهم عليه كما في قوله يسألونك عن الخمر والميسر ويسألونك عن اليتامى ونحو ذلك. ولما كانت المسائل المنهي عنها مذمومة قد تصل الى الكفر قال ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل. ثم اخبر عن حسد كثير من اهل الكتاب كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بامره ان الله على كل شيء قدير. وانهم بلغت بهم الحال انهم ودوا لو يردون دونكم من بعد ايمانكم كفارا. وسعوا في ذلك واعملوا المكايد. وكيدهم راجع عليهم. كما قال الله تعالى. وقالت طائفة من اهل الكتاب امنوا بالذي انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا اخره. لعلهم يرجعون. وهذا من حسدهم الصادر من عند انفسهم فامرهم الله بمقابلة من اساء اليهم غاية الاساءة بالعفو عنهم والصفح حتى يأتي الله بامره. ثم بعد ذلك اتى الله بامره بالجهاد فشفى الله انفس المؤمنين منهم فقتلوا من قتلوا واسترقوا من استرقوا واجلوا من اجلوا. ان الله على كل شيء قدير فاذا كان مالكا لها كان مالكا لكل الجهات فاينما تولوا وجوهكم من الجهاد اذا كان توليكم اياها بامره اما ان باستقبال الكعبة بعد ان كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس. او تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها. فان القبلة حيثما توجه العبد واقيموا الصلاة واتوا الزكاة وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله اه ان الله بما تعملون بصير. ثم امرهم الله بالاشتغال في الوقت الحاضر باقامة الصلاة وايتاء الزكاة وفعل كل القربات ووعدهم انهم مهما فعلوا من خير فانه لا يضيع عند الله بل يجدونه عنده وافرا موفرا قد حفظه ان الله بما تعملون بصير. وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين. اي قال قال اليهود لن يدخل الجنة الا من كان هودى. وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصارى. فحكموا لانفسهم بالجنة وحدهم وهذا مجرد امان غير مقبولة الا بحجة وبرهان. فاتوا بها ان كنتم صادقين. وهكذا كل من ادعى دعوى. لابد ان يقيم البرهان على صحة دعواه والا فلو قلبت عليه دعواه وادعى مدع عكس ما ادعى بلا برهان لكان لا فرق بينهما. فالبرهان هو الذي الدعاوى او يكذبها. ولما لم يكن بايديهم برهان علم كذبهم بتلك الدعوى. ثم ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل احد. فقال بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره والاقدار ليكون للطائفين فيه. والعاكفين والركع السجود اي المصلين. قدم الطواف لاختصاصه بالمسجد الحرام. ثم الاعتكاف لان من شرطه المسجد مطلقا. ثم الصلاة مع انها افضل لهذا المعنى. واضاف الباري البيت اليه لفوائد منها ان ذلك ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بلى اي ليس بامانيكم ودعاويكم ولكن من اسلم وجهه لله اي اخلص لله اعماله متوجها اليه بقلبه وهو مع اخلاصه محسن فيه بعبادة ربه بان عبده بشرعه. فاولئك هم اهل الجنة وحدهم. فلهم اجرهم عند ربهم وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فحصل لهم المرغوب ونجوا من المرغوب. ويفهم منها ان من ليس كذلك فهو من اهل النار الهالكين لا نجاة الا لاهل الاخلاص للمعبود. والمتابعة للرسول وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب. كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. وذلك انه بلغ باهل الكتاب الهوى والحسد الى ان بعضهم ضلل بعضا. وكفر بعضهم بعضا. كما فعل الاميون من العرب وغيرهم فكل فرقة تضلل الفرقة الاخرى ويحكم الله في الاخرة بين المختلفين بحكمه العدل الذي اخبر به عباده فانه لا فوز ولا نجاة الا لمن صدق جميع الانبياء والمرسلين. وامتثل اوامر ربه واجتنب نواهيه. ومن عاداهم فهو هالك لهم في الدنيا خزي ولهم في الاخرة عذاب عظيم. اي لا احد اظلم واشد جرما ممن منع مساجد الله عن ذكر الله فيها واقامة الصلاة وغيرها من انواع الطاعات. وسعى اي اجتهد وبذل وسعه في خرابها الحسي والمعنوي. فالخراب الحسي هدمها وتقديرها والخراب المعنوي منع الذاكرين لاسم الله فيها. وهذا عام لكل من اتصف بهذه الصفة. فيدخل في ذلك اصحاب الفيل وقريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها عام الحديبية والنصارى حين اخربوا بيت المقدس وغيرهم من انواع الظلمة السعين في خرابها محادة لله ومشاقة. فجازاهم الله بان منعهم دخولها شرعا وقدرا الا خائفين ذليلين. فلما اخافوا عباد الله اخافهم الله فالمشركون الذين صدوا رسوله لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم الا يسيرا. حتى اذن الله له في فتح مكة ومنع المشركين من قربان بيته فقال تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا واصحاب قد ذكر الله ما جرى عليهم والنصارى سلط الله عليهم المؤمنين فاجلوهم عنه. وهكذا كل من اتصف بوصفهم فلا بد ان لينا له قسطه وهذا من الايات العظيمة اخبر بها الباري قبل وقوعها فوقعت كما اخبر. واستدل العلماء بالاية الكريمة على انه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد. لهم خزي في الدنيا اي فضيحة كما تقدم. ولهم في الاخرة عذاب عظيم. واذا كان لا ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه. فلا اعظم ايمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية. كما قال الله تعالى انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر. بل قد امر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها. فقال تعالى في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه. وللمساجد احكام كثيرة يرجع حاصلها الى مضمون هذه الايات الكريمة لله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله. ان الله اي ولله المشرق والمغرب خصهما بالذكر لانهما محل الايات العظيمة فهما مطالع الانوار او تشتبه القبلة فيتحرى الصلاة اليها. ثم يتبين له الخطأ او يكون معذورا بصلب او مرض ونحو ذلك. فهذه الامور اما ان يكون العبد فيها معذورا او مأمورا. وبكل حال فما استقبل جهة من الجهات خارجة عن ملك ربه. فثم وجه الله ان الله الله واسع عليم. فيه اثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به تعالى. وان لله وجها لا تشبهه الوجوه. وهو تعالى واسع الفضل والصفات عظيمها عليم بسرائركم ونياتكم. فمن سعته وعلمه وسع لكم الامر. وقبل منكم المأمور فله الحمد والشكر وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والارض كله وقالوا اي اليهود والنصارى والمشركون وكل من قال ذلك اتخذ الله ولدا الى ما لا يليق بجلاله. واساءوا كل الاساءة وظلموا انفسهم. وهو تعالى صابر على ذلك منهم. قد حلم عليهم وعافاهم ورزقهم مع تنقصهم اياه سبحانه. اي تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون. مما لا يليق بجلاله. فسبحان سبحان من له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه. ومع رده لقولهم اقام الحجة والبرهان على تنزيهه عن ذلك فقال بل لهما في السماوات والارض اي جميعكم ملكه وعبيده يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك وهم قانطون لهم سخرونا تحت تدبيره. فاذا كانوا كلهم عبيدة مفتقرين اليه وهو غني عنهم. فكيف يكون منهم احد يكون له ولدا؟ والولد لابد ان يكون من جنس والده لانه جزء منه. والله تعالى المالك القاهر وانتم المملوكون المقهورون. وهو الغني وانتم الفقراء فكيف مع هذا يكون له ولد؟ هذا من ابطل الباطل واسمجه. والقنوط نوعان قنوت عام. وهو قنوت الخلق كلهم. تحت تدبير وخاص وهو قنوت العبادة. فالنوع الاول كما في هذه الاية والنوع الثاني كما في قوله تعالى وقوموا لله قانتين ثم قال كن فيكون. بديع السماوات والارض. اي خالقهما على وجه قد اتقنهما واحسنهما. على غير مثال سبق اذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون. فلا يستعصي عليه ولا يمتنع منه كذلك قال الذين من قبلهم اي قال الجهلة من اهل الكتاب وغيرهم هل لا يكلمنا كما كلم الرسل او تأتينا اية ايات الاقتراح التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وارائهم الكاسدة التي تجرأوا بها على الخالق واستكبروا على رسله كقولهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره. يسألك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء. فقد سألوا موسى اكبر من ذلك. وقالوا لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا. او يلقى اليه كنز او تكون له جنة. وقوله وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا امن الارض ينبوعا. فهذا دأبهم مع رسلهم. يطلبون ايات التعنت. لا ايات الاسترشاد. ولم يكن قصدهم تبين الحق. فان الرسل قد جاءوا من الايات بما يؤمن بمثله البشر. ولهذا قال تعالى قد بينا الايات لقوم يوقنون. فكل موقن فقد عرف من ايات الله الباهرة وبراهينه الظاهرة ما حصل له به اليقين. واندفع عنه كل شك وريب. ثم ذكر تعالى بعض اية موجزة مختصرة جامعة للايات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم. وصحة ما جاء به فقال انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا. فهذا مشتمل على الايات التي جاء بها. وهي ترجع الى ثلاثة امور. الاول في نفس ارساله. والثاني في سيرته وهديه ودله. والثالث في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة. فالاول والثاني قد دخل في قوله انا ارسلناك والثالث دخل في قوله بالحق. وبيان الامر الاول وهو نفس ارساله انه قد علم حالة اهل الارض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الاوثان والنيران والصلبان. وتبديلهم للاديان حتى كانوا في ظلمة من الكفر. قد عمتهم وشملتهم الا بقايا من للكتاب قد انقرضوا قبيل البعثة وقد علم ان الله تعالى لم يخلق خلقه سدى ولم يتركهم هملا لانه حكيم عليم قدير رحيم فمن حكمته ورحمته بعباده ان ارسل اليهم هذا الرسول العظيم. يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له. فبمجرد رسالته يعرف والعاقل صدقه وهو اية كبيرة على انه رسول الله. واما الثاني فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة. وعرف سيرته وهديه قبل البعثة ونشوءه على اكمل الخصال. ثم من بعد ذلك قد ازدادت مكارمه واخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين. فمن عرفها استمر احواله عرف انها لا تكون الا اخلاق الانبياء الكاملين. لان الله تعالى جعل الاوصاف اكبر دليل على معرفة اصحابها وصدقهم كذبهم واما الثالث فهو معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم. والقرآن الكريم المشتمل على الاخبارات الصادقة والاوامر الحسنة والنهي عن كل قبيح والمعجزات الباهرة. فجميع الايات تدخل في هذه الثلاثة. قوله بشيرا اي من اطاعك بالسعادة الدنيوية والاخروية. ونذيرا لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والاخروي. ولا تسأل عن اصحاب الجحيم اي لست مسؤولا عنهم انما عليك البلاغ وعلينا الحساب اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من يخبر تعالى رسوله انه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى الا باتباعه لانهم دعاة الى الدين الذي هم عليه. ويزعمون انه الهدى فقل لهم ان هدى الله الذي ارسلت به هو الهدى. واما ما انتم عليه فهو الهوى. بدليل قوله ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم. ما لك من الله من ولي ولا نصير. فهذا فيه النهي العظيم عن اتباع اهواء اليهود والنصارى. والتشبه بهم فيما يختص به دينهم. والخطاب وان كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فان امة داخلة في ذلك لان الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب. كما ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثم قال حين اتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به ومن يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي واتقوا يوما لا تجزي نفس ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون. يخبر تعالى ان الذين اتاهم الكتاب ومن عليهم به منة مطلقة. انهم يتلونه حق تلاوته. ان يتبعونه حق حق اتباعه والتلاوة الاتباع فيحلون حلاله ويحرمون حرامه. ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه. وهؤلاء هم سعداء من اهل الكتاب الذين عرفوا نعمة الله وشكروها وامنوا بكل الرسل ولم يفرقوا بين احد منهم. فهؤلاء هم المؤمنون حق لا من قال منهم نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه. ولهذا توعدهم بقوله ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون وقد تقدم تفسير الاية التي بعدها اينال عهد الظالمين. يخبر تعالى عن عبده وخليله ابراهيم عليه السلام. المتفق على امامته وجلالته الذي كل من طوائف اهل الكتاب تدعيه. بل وكذلك المشركون ان الله ابتلاه وامتحنه بكلمات. اي باوامر ونواهي كما هي الله في ابتلائه لعباده ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان. من الصادق الذي ترتفع درجته ويزيد قدره ويزكو عمله ويخلص ذهبه. وكان من اجلهم في هذا المقام الخليل عليه السلام. فاتم مما ابتلاه الله به واكمله ووفاه. فشكر الله له ذلك ولم يزل الله شكورا فقال اني جاعلك للناس اماما ان يقتدون بك في الهدى ويمشون خلفك الى سعادتهم الابدية ويحصل لك الثناء الدائم والاجر الجزيل. والتعظيم من كل احد. وهذه لعمر الله افضل درجة تنافس فيها المتنافسون. واعلى مقام اليه العاملون واكمل حالة حصلها اولو العزم من المرسلين واتباعهم من كل صديق متبع لهم داع الى الله والى سبيله. فلم ما اغتبط ابراهيم بهذا المقام وادرك هذا. طلب ذلك لذريته لتعلو درجته ودرجة ذريته. وهذا ايضا من امامته ونصحه لعباده الله ومحبته ان يكثر فيهم المرشدون. فلله عظمة هذه الهمم العالية والمقامات السامية. فاجابه الرحيم اللطيف واخبر مانع من نيل هذا المقام فقال لا ينال عهدي الظالمين. اي لا ينال الامامة في الدين. من ظلم نفسه وضرها وحط قدرها. لمن الظلم لهذا المقام. فانه مقام الته الصبر واليقين. ونتيجته ان يكون صاحبه على جانب عظيم من الايمان والاعمال الصالحة الاخلاق الجميلة والشمائل السديدة والمحبة التامة والخشية والانابة. فاين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الاية ان غير الظالم سينال الامام ولكن مع اتيانه باسبابها. ثم ذكر تعالى نموذجا باقيا دالا على امامة ابراهيم. وهو هذا البيت الحرام الذي قال قصده ركنا من اركان الاسلام حاطا للذنوب والاثام. وفيه من اثار الخليل وذريته ما عرف به امامته. وتذكرت به فقال من صلى وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا ان طهرا واذ دعا ان البيت مثابة للناس اي مرجعا يتوبون اليه لحصول منافعهم الدينية والدنيوية. يترددون اليه ولا يقضون منه وطرا. وجعل امن يأمن به كل احد حتى الوحش وحتى الجمادات كالاشجار. ولهذا كانوا في الجاهلية على شركهم يحترمونه اشد الاحترام ويجد احدهم قاتل ابيه في الحرم فلا يهيجه. فلما جاء الاسلام زاده حرمة وتعظيما وتشريفا وتكريما. واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى يحتمل ان يكون المراد بذلك المقام المعروف. الذي قد جعل الان مقابل باب الكعبة. وان المراد بهذا ركعتا الطواف يستحب ان تكون خلف مقام ابراهيم وعليه جمهور المفسرين. ويحتمل ان يكون المقام مفردا مضافا. فيعم جميع مقامات في الحج وهي المشاعر كلها من الطواف والسعي. والوقوف بعرفة ومزدلفة. ورمي الجمار والنحر. وغير ذلك من افعال الحج سيكون معنى قوله مصلى اي معبدا اي اقتدوا به في شعائر الحج. ولعل هذا المعنى اولى لدخول المعنى الاول فيه. واحتمال اللفظ وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل اي اوحينا اليهما وامرناهما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي ومن الرجز يقتضي شدة اهتمام ابراهيم واسماعيل بتطهيره. لكونه بيت الله فيبذلان جهدهما ويستفرغان وسعهما في ذلك. ومنها ان اضافة تقتضي التشريف والاكرام. ففي ضمنها امر عباده بتعظيمه وتكريمه. ومنها ان هذه الاظافة هي السبب الجاذب للقلوب اليه واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم ومئس المصير. اي واذ دعا ابراهيم لهذا البيت ان يجعله الله بلدا امنا. ويرزق اهله من انواع الثمرات. ثم قيد السلام هذا الدعاء للمؤمنين تأدبا مع الله. اذ كان دعاؤه الاول فيه الاطلاق. فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم. فلما دعا لهم رزقي وقيده بالمؤمن. وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر والعاصي والطائع. قال تعالى ومن كفر اي ارزقهم كلهم وكافرهم. اما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله. ثم ينتقل منه الى نعيم الجنة. واما الكافر فيتمتع فيه قليلا. ثم ما اضطره اي الجئه واخرجه مكرها الى عذاب النار. وبئس المصير ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ايوة اذكر ابراهيم واسماعيل في حالة رفعهما القواعد من البيت الاساس. واستمرارهما على هذا العمل العظيم. وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء حتى انهما مع هذا العمل. دعوا الله ان يتقبل منهما عملهما. حتى يحصل فيه النفع العميم وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت ودعوة لانفسهما وذريتهما بالاسلام. الذي حقيقته خضوع القلب وانقياده لربه المتضمن الانقياد الجوارح وارنا مناسكنا اي علمناها على وجه المشاهدة ليكون ابلغ. يحتمل ان يكون المراد بالمناسك اعمال الحج لها كما يدل عليه السياق والمقام. ويحتمل ان يكون المراد ما هو اعم من ذلك. وهو الدين كله والعبادات كلها. كما يدل عليه عموم اللفظ لان النسك التعبد ولكن غلب على متعبدات الحج تغليبا عرفيا. فيكون حاصل دعائهما يرجع الى التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح ولما كان العبد مهما كان لا بد ان يعتريه التقصير ويحتاج الى التوبة. قال وتب علينا انك انت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم. ويعلمهم الكتاب حكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم. ربنا وابعث فيهم اي في ذريتنا رسولا منهم ليكون ارفع لدرجتهما والانقاد له وليعرفوه حقيقة المعرفة. يتلو عليهم اياتك لفظا وحفظا وتحفيظا يعلمهم الكتاب والحكمة معنى ويزكيهم بالتربية على الاعمال الصالحة. والتبري من الاعمال الردية التي لا تزكوا النفوس معها. انك انت العزيز اي القاهر لكل شيء الذي لا يمتنع على قوته شيء. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فبعزتك وحكمتك ابعث فيهم هذا رسول فاستجاب الله لهما فبعث الله هذا الرسول الكريم الذي رحم الله به ذريتهما خاصة وسائر الخلق عامة. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام انا دعوة ابي ابراهيم. ولما عظم الله ابراهيم هذا التعظيم. واخبر عن صفاته الكاملة. قال تعالى ومن يرغب انه في الاخرة لمن الصالحين. اي ما يرغب عن ملة ابراهيم بعدما عرف من فضله الا من سفه نفسه اي جهلها وامتهنها ورضي لها بالدون. وباعها بصفقة المغبون. كما انه لا ارشد واكمل. ممن رغب في ملة ابراهيم. ثم عن حالته في الدنيا والاخرة. فقال ولقد اصطفيناه في الدنيا التي صار بها من المصطفين الاخيار. وانه في الاخرة لمن الصالحين الذين لهم اعلى الدرجات. اذ قال له اسلم قال امتثالا لربه اسلمت لرب العالمين. اخلاصا وتوحيدا ومحبة وانابة. فكان التوحيد لله نعته ثم ورثه في ذريته ووصاهم به. وجعلها كلمة باقية في عقبه. وتوارثت فيهم حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه. فانتم بني يعقوب قد وصاكم ابوكم بالخصوص. فيجب عليكم كمال الانقياد واتباع خاتم الانبياء. قال ووصى بها ابراهيم يا بني فلا تموتن الا وانتم مسلمون. يا بني ان الله اصطفى لكم الدين. اي اختاره وتخيره لكم بكم واحسانا اليكم. فقوموا به واتصفوا بشرائعه. وانصبغوا باخلاقه. حتى تستمروا على ذلك. فلا يأتيكم الموت الا وانتم عليه لان من عاش على شيء مات عليه. ومن مات على شيء بعث عليه. ولما كان اليهود يزعمون انهم على ملة ابراهيم. ومن بعده يعقوب وقوله لا نفرق بين احد منهم اي بل نؤمن بهم كلهم هذه خاصية المسلمين التي انفردوا بها عن كل من يدعي انه على فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم وان زعموا انهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب فانهم يكفرون بغيره فيفرقون قال تعالى منكرا عليهم فيما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل اسحاق الها واحدا الها واحدا ونحن له مسلمون. ام كنتم شهداء؟ اي حضورا اذ حضر يعقوب الموت اي مقدماته واسبابه فقال لبنيه على وجه الاختبار ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به ما تعبدون من بعدي؟ فاجابوه بما قرت به عينه. فقالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا فلا نشرك به شيئا ولا نعدل به احدا ونحن له مسلمون. فجمعوا بين التوحيد والعمل. ومن المعلوم ان انهم لم يحضروا يعقوب. لانهم لم يوجدوا بعد. فاذا لم يحضروا فقد اخبر الله عنه انه وصى بنيه بالحنيفية لا باليهودية. ثم قال تعالى ثم لا تسألون عما كانوا يعملون. تلك امة قد خلت اي مضت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم اي كل له عمله وكل سيجازى بما فعله. لا يؤخذ احد بذنب احد ولا ينفع احدا الا ايمانه وتقواه. فاشتغالكم بهم وادعائكم انكم على ملتهم والرضا بمجرد القول امر فارغ لا حقيقة له. بل الواجب عليكم ان تنظروا حالتكم التي انتم عليها. هل تصلح النجاة ام لا؟ ابراهيم حنيفا وما اي دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين الى الدخول في دينهم. زاعمين انهم هم المهتدون وغيرهم ضال قل لهم مجيبا جوابا شافيا. بل نتبع ملة ابراهيم حنيفا. اي مقبلا على الله معرضا عمن سواه قائما بالتوحيد. تارك للشرك والتنديد فهذا الذي في اتباعه الهداية وفي الاعراض عن ملته الكفر والغواية ما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباب صراط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق هذه الاية الكريمة قد اشتملت على جميع ما يجب الايمان به واعلم ان الايمان الذي هو تصديق القلب التام بهذه الاصول. واقراره المتضمن لاعمال القلوب والجوارح. وهو بهذا الاعتبار دخل فيه الاسلام وتدخل فيه الاعمال الصالحة كلها فهي من الايمان واثر من اثاره. فحيث اطلق الايمان دخل فيه ما ذكر. وكذلك الاسلام اذا اطلق دخل فيه الامام فاذا قرن بينهما كان الايمان اسما لما في القلب من الاقرار والتصديق والاسلام اسما للاعمال الظاهرة وكذلك اذا مع بين الايمان والاعمال الصالحة. فقوله تعالى قولوا اي بالسنتكم متواطئة عليها قلوبكم. وهذا هو القول التام المترتب عليه الثواب والجزاء. فكما ان النطق باللسان بدون اعتقاد القلب نفاق وكفر. فالقول الخالي من عمل القلب عديم التأثير. قليل الفائدة. وان كان العبد يؤجر عليه. اذا كان خيرا ومعه اصل الايمان. لكن فرق بين القول المجرد والمقترن به عمل القلب. وفي قوله قولوا اشارة الى الاعلان بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها. اذ هي اصل الدين واساسه. وفي قوله امنا ونحوه مما فيه صدور منسوبا الى جميع الامة اشارة الى انه يجب على الامة الاعتصام بحبل الله جميعا. والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم وعملهم متحدا وفي ضمنه النهي عن الافتراق وفيه ان المؤمنين كالجسد الواحد وفي قوله قولوا امنا بالله الى اخر الاية دلالة على جواز اضافة الانسان الى نفسه الايمان على وجه التقييد. بل على وجوب ذلك. بخلاف قوله انا مؤمن ونحو فانه لا يقال الا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة. لما فيه من تزكية النفس والشهادة على نفسه بالايمان. فقوله امنا اي بانه موجود. واحد احد متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص وعيب. مستحق لافراده بالعبادة كلها وعدم الاشراك به في شيء منها بوجه من الوجوه. وما انزل الينا يشمل القرآن والسنة. لقوله تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة فيدخل فيه الايمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله. من صفات البارئ وصفات رسله. واليوم الاخر والغيوب الماضية مستقبله والايمان بما تضمنه ذلك من الاحكام الشرعية الامرية واحكام الجزاء وغير ذلك. وما انزل الى ابراهيم الى اخر الاية فيه الايمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء. والايمان بالانبياء عموما. وخصوصا ما نص عليه في الاية لشرفهم. ولاتيانهم بالشرائع الكبار فالواجب في الايمان بالانبياء والكتب ان يؤمن بهم على وجه العموم والشمول. ثم ما عرف منهم بالتفصيل. وجب الايمان به مفصلا بين الرسل والكتب بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به. وينقض تكذيبهم تصديقهم. فان الرسول الذي زعموا انهم قد امنوا به قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم. فاذا كذبوا محمدا فقد كذبوا رسولهم فيما اخبرهم به. فيكونوا كفرا برسول وفي قوله وما اوتي النبيون من ربهم دلالة على ان عطية الدين هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والاخروية لم يأمرنا ان نؤمن بما اوتي الانبياء من الملك والمال ونحو ذلك. بل امرنا ان نؤمن بما اعطوا من الكتب والشرائع. وفيه ان الانبياء عن الله ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه. ليس لهم من الامر شيء. وفي قوله من ربهم اشارة الى انه ما لربوبيته لعباده ان ينزل عليهم الكتب ويرسل اليهم الرسل. فلا تقتضي ربوبيته تركهم سدى ولا هملا. واذا كان اوتي النبيون انما هو من ربهم ففيه الفرق بين الانبياء وبين من يدعي النبوة. وانه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون اليه. فالرسول لا يدعون الا لخير ولا ينهون الا عن كل شر. وكل واحد منهم يصدق الاخر ويشهد له بالحق. من غير تخالف ولا تناقض كونه من عند ربهم ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهذا بخلاف من ادعى النبوة فلابد ان يتناقضوا في اخبارهم واوامرهم ونواهيهم. كما يعلم ذلك من سبر احوال الجميع. وعرف ما يدعون اليه. فلما بين تعالى جميع ما يؤمن به عموما وخصوصا وكان القول لا يغني عن العمل. قال ونحن له مسلمون. اي خاضعون لعظمته. منقادون لعبادته بباطننا ظاهرنا مخلصون له العبادة بدليل تقديم المعمول وهو له على العامل وهو مسلمون. فقد اشتملت هذه الاية اختي الكريمة على ايجازها واختصارها على انواع التوحيد الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية وتوحيد الاسماء والصفات اكملت على الايمان بجميع الرسل وجميع الكتب. وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم. وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح. والاخلاص لله في ذلك وعلى الفرق بين الرسل الصادقين. ومن ادعى النبوة من الكاذبين. وعلى تعليم الباري عباده كيف يقولون. ورحمته واحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والاخرة. فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء. وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم اي فان امن اهل الكتاب بمثل ما امنتم به يا معشر المؤمنين. من جميع الرسل وجميع الكتب الذين اول من دخل فيهم واولى. خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. واسلموا لله وحده. ولم يفرقوا بين احد من رسل الله فقد اهتدوا للصراط المستقيم الموصل لجنات النعيم اي فلا سبيل لهم الى الهداية الا بهذا الايمان. لا كما زعموا بقولهم كونوا شهودا او نصارى تهتدوا. فزعموا ان الهداية خاصة بما كانوا عليه. والهدى هو العلم بالحق والعمل به. وضدهم ضلال عن العلم والضلال عن عملي بعد العلم وهو الشقاق الذي كانوا عليه لما تولوا واعرضوا. فالمشاق هو الذي يكون في شق. والله ورسوله في شق. ويلزم من من المشاقة المحادة والعداوة البليغة التي من لوازمها بذل ما يقدرون عليه من اذية الرسول. فلهذا وعد الله رسوله ان يكفيه اياهم لانه السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنون الحاجات. العليم بما بين ايديهم وما خلفهم. بالغيب والشهادة. بالظواهر فاذا كان كذلك كفاك الله شرهم. وقد انجز الله لرسوله وعده. وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم. وسبى بعضهم الى بعضهم وشردهم كل مشرد. ففيه معجزة من معجزات القرآن. وهو الاخبار بالشيء قبل وقوعه. فوقع طبق ما اخبر صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون. اي الزموا صبغة الله وهو دينه وقوموا به قياما تاما بجميع اعماله الظاهرة والباطنة. وجميع عقائده في جميع الاوقات. حتى يكون لكم صبغة وصفة من صفاتكم فاذا كان صفة من صفاتكم اوجب ذلك لكم الانقياد لاوامره طوعا واختيارا ومحبة. وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة. فحصلت لكم السعادة الدنيوية والاخروية لحث الدين على مكارم اخلاق ومحاسن الاعمال ومعالي الامور. فلهذا قال على سبيل التعجيب المتقرر للعقول الزكية. ومن احسن من الله صبغة الى احسن صبغة من صبغته. واذا اردت ان تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ. فقس الشيء بضده فكيف ترى في عبد امن بربه ايمانا صحيحا؟ اثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح فلم يزل يتجلى بكل وصف حسن وفعل جميل وخلق كامل ونعت جليل. ويتخلى من كل وصف قبيح ورذيلة وعيب. فوصفه الصدق في قوله وفعله. والصبر والحلم العفة والشجاعة والاحسان القولي والفعلي ومحبة الله وخشيته وخوفه ورجاءه. فحاله الاخلاص للمعبود والاحسان ايه ده؟ فقسوا بعبد كفر بربه وشرد عنه. واقبل على غيره من المخلوقين. فاتصف بالصفات القبيحة من الكفر والشرك والكذب والخيانة والمكر والخداع وعدم العفة. والاساءة الى الخلق في اقواله وافعاله. فلا اخلاص للمعبود ولا احسان الى عبيده فانه يظهر لك الفرق العظيم بينهما. ويتبين لك انه لا احسن صبغة من صبغة الله. وفي ظنه انه لا اقبح صبغة ممن صبغ بغير وفي قوله ونحن له عابدون. بيان لهذه الصبغة وهي القيام بهذين الاصلين. الاخلاص والمتابعة. لان العبادة قسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. ولا تكون كذلك حتى يشرعها الله على لسان رسوله. والاخلاص ان يقصد العبد وجه الله وحده في تلك الاعمال. فتقديم المعمول يؤذن بالحصر. وقال ونحن له عابدون. فوصف فهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار. ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما في الله وهو ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ونحن له مخلصون هي المجادلة بين اثنين فاكثر. تتعلق في المسائل الخلافية حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله وابطال قول خصمه. فكل واحد منهما يجتهد في اقامة الحجة على ذلك. والمطلوب منها ان تكون بالتي هي احسن. باقرب طريق يرد الضال الى الحق. ويقيم الحجة على المعاند ويوضح الحق ويبين الباطل. فان خرجت عن هذه الامور كانت مماراة ومخاصمة لا خير فيها. واحدثت من الشر ما فكان اهل الكتاب يزعمون انهم اولى بالله من المسلمين. وهذا مجرد دعوة تفتقر الى برهان ودليل. فاذا كان رب الجميع اذا ليس ربا لكم دوننا وكل منا ومنكم له عمله. فاستوينا نحن واياكم بذلك. فهذا لا يوجب ان يكون احد الفريقين اولى بالله من غيره لان التفريق مع الاشتراك في الشيء من غير فرق مؤثر دعوة باطلة وتفريق بين متماثلين ومكابرة ظاهرة وانما ما يحصل التفضيل باخلاص الاعمال الصالحة لله وحده. وهذه الحالة وصف المؤمنين وحدهم. فيتعين انهم اولى بالله من غيرهم. لان الاخلاص هو الطريق الى الخلاص. فهذا هو الفرق بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان. بالاوصاف الحقيقية التي يسلمها اهل العقول. ولا ينازع فيها الا كل مكابر جهول. ففي هذه الاية ارشاد لطيف لطريق المحاجة. وان الامور مبنية على الجمع بين المتماثلين. والفرق بين بين المختلفين ان تقولون ان ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط كانوا هودا او نصارى قل لانتم اعلم ام الله ومن اضل وهذه دعوة اخرى منهم ومحاجة في رسول الله زعموا انهم اولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين. فرد الله عليهم بقوله اانتم اعلم ام الله؟ فالله يقول ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما. وما كان من المشركين. وهم يقولون بل كان يهوديا او نصرانيا. فاما ان يكونوا هم الصادقين عالمين او يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك. فاحد الامرين متعين لا محالة. وصورة الجواب مبهم. وهو في غاية الوضوح البيان حتى انه من وضوحه لم يحتج ان يقول بل الله اعلم وهو اصدق. ونحو ذلك لانجلائه لكل احد كما اذا الليل انور ام النهار؟ والنار احر ام الماء؟ والشرك احسن ام التوحيد؟ ونحو ذلك. وهذا يعرفه كل من له ادنى عقل حتى انهم بانفسهم يعرفون ذلك. ويعرفون ان ابراهيم وغيره من الانبياء لم يكونوا هودا ولا نصارى. فكتموا هذا العلم هذه الشهادة فلهذا كان ظلمهم اعظم الظلم. ولهذا قال تعالى ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله. فهي شهادة عندهم سعة من الله لا من الخلق فيقتضي الاهتمام باقامتها فكتموها واظهروا ضدها. جمعوا بين كتم الحق وعدم النطق به. واظهار الباطل والدعوة اليه. اليس هذا اعظم الظلم؟ بلى والله وسيعاقبهم عليه اشد العقوبة. فلهذا قال وما الله بغافل عما تعملون. بل قد احصى اعمالهم واعدها وادخر لهم جزاءها. فبئس الجزاء جزاءهم وبئست النار مثوى للظالمين هذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة. عقب الايات المتضمنة للاعمال التي يجازى عليها. فيفيد ذلك الوعد والوعيد. والترغيب والترهيب ويفيد ايضا ذكر الاسماء الحسنى بعد الاحكام ان الامر الديني والجزائي اثر من اثارها وموجب من موجباتها وهي مقتضية له ما كسبت ولكم ما تقدم تفسيرها وكررها لقطع التعلق بالمخلوقين. وان المعول عليه ما اتصف به الانسان. لا عمل اسلافه وابائه. فالنفع الحقيقي بالاعمال لا بالانتساب المجرد للرجال التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. قد اشتملت الاية الاولى على معجزة وتسلية وتطمين قلوب المؤمنين. واعتراض وجوابه من ثلاثة اوجه والصفة المعترض وصفة المسلم لحكم الله ودينه. فاخبر تعالى انه سيعترض السفهاء من الناس وهم الذين لا يعرفون مصالح انفسهم. بل يضيعونها ويبيعونها بابخس ثمن. وهم اليهود والنصارى. ومن اشبههم من المعترضين على احكام بسم الله وشرائعه. وذلك ان المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس مدة مقامهم بمكة. ثم بعد الهجرة الى المدينة نحو سنة ونصف لما لله تعالى في ذلك من الحكم التي سيشير الى بعضها. وكانت حكمته تقتضي امرهم باستقبال الكعبة. فاخبرهم انه لابد ان يقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وهي استقبال بيت المقدس. اي شيء صرفهم عنه. وفي ذلك الاعتراض على حكم الله وشرعه وفضله واحسانه. فسلاهم واخبر بوقوعه وانه انما يقع ممن اتصف بالسفه. قليل العقل والحلم والديانة فلا تبالوا بهم اذ قد علم مصدر هذا الكلام. فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه ولا يلقي له ذهنه. ودلت الاية على انه لا يعترض لا احكام الله الا سفيه جاهل معاند. واما الرشيد المؤمن العاقل فيتلقى احكام ربه بالقبول والانقياد والتسليم. كما قال الله قال وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا. وقد كان في قوله السفهاء ما يغني عن رد قولهم وعدم المبالاة به. ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة حتى ازالها كشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض. فقال تعالى قل لهم مجيبا لله المشرق والمغرب. يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. اي فاذا كان المشرق والمغرب ملكا لله ليس جهة من الجهات خارجة عن ملكه. ومع هذا يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ومنه هدايتكم الى هذه القبلة التي هي من ملة ابيكم ابراهيم. فلاي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له. فهذا يوجب التسليم لامره بمجرد ذلك. فكيف وهو من فضل الله عليكم وهدايته ان هداكم لذلك فالمعترض عليكم معترض على فضل الله حسدا لكم وبغيا. ولما كان قوله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم والمطلق يحمل على المقيد. فان الهداية والضلال لهما اسباب اوجبتها حكمة الله وعدله. وقد اخبر في غير موضع من كتاب باسباب الهداية التي اذا اتى بها العبد حصل له الهدى. كما قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ذكر في في هذه الاية السبب الموجب لهداية هذه الامة مطلقا. بجميع انواع الهداية. ومنة الله عليها. فقال وكذلك جعل ويكون الرسول عليكم شهيدا. وكذلك جعلناكم امة وسطا. اي عدلا خيارا. وما عدا الوسط فاطراف داخلة تحت الخطر. فجعل الله هذه الامة وسطا في كل امور الدين. وسطا في الانبياء بين من غلا فيهم كالنصارى وبين من كاليهود بان امنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك ووسطا في الشريعة لا تشديدات اليهود واصالهم ولا تهاون النصارى وفي باب الطهارة والمطاعم لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة الا في بيعهم وكنائسهم. ولا يطهرهم الماء من النجاسات. وقد حرمت عليهم طيبات عقوبة لهم. ولكن نصارى الذين لا ينجسون شيئا ولا يحرمون شيئا. بل اباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم اكمل طهارة واتمها واباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح. وحرم عليهم الخبائث من ذلك. فلهذه الامة من الدين اكمله ومن الاخلاق اجلها ومن الاعمال افضلها. ووهبهم الله من العلم والحلم والعدل والاحسان. ما لم يهبه لامة سواهم فلذلك كانوا امة وسطاء كاملين ليكونوا شهداء على الناس بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط يحكمون على الناس من سائر اهل الاديان ولا يحكم عليهم غيرهم. فمن شهدت له هذه الامة بالقبول فهو مقبول. وما شهدت له بالرد فهو مردود. فان قيل كيف يقبل حكمهم على غيرهم؟ والحال ان كل مختصين غير مقبول قول بعضهم على بعض. قيل انما لم يقبل قول احد متخاصمين لوجود التهمة. فاما اذا انتفت التهمة وحصلت العدالة التامة كما في هذه الامة. فانما المقصود الحكم بالعدل والحق. وشرط ذلك العلم والعدل وهما موجودان في هذه الامة فقبل قولها فان شك شاك في فضلها وطلب مزكيا لها فهو اكمل الخلق نبيهم صلى الله عليه وسلم. فلهذا قال تعالى ويكون الرسول عليكم شهيدا. ومن شهادة هذه الامة على غيرهم انه اذا كان يوم القيامة وسأل الله المرسلين عن تبليغهم والامم المكذبة عن ذلك. وانكروا ان الانبياء بلغتهم استشهدت الانبياء بهذه الامة وزكاها نبيها. وفي الاية دليل على ان اجماع هذه الامة حجة قاطعة. وانهم معصومون عن الخطأ لاطلاق قوله فلو قدر اتفاقهم على الخطأ لم يكونوا وسطا الا في بعض الامور. ولقوله لتكونوا شهداء على الناس. يقتضي انهم اذا شهدوا على حكم ان الله احله او حرمه او اوجبه فانها معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم والشهادة والفتيا. ونحو ذلك يقول تعالى فعلى الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بنعم وما جعلنا القبلة التي كنت عليها وهي استقبال بيت المقدس اولا الا لنعلم اي علما يتعلق به الثواب والعقاب. والا فهو تعالى عالم بكل الامور قبل وجودها. ولكن هذا العلم لا يعلق عليه ثوابا ولا عقابا. لتمام عدله واقامة الحجة على عباده. بل اذا وجدت اعمالهم ترتب عليها الثواب والعقاب. اي شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن من يتبع الرسول ويؤمن به. فيتبعه على كل حال. لانه عبد مأمور مدبر. ولانه قد اخبرت الكتب المتقدمة انه يستقبل الكعبة. فالمنصف الذي مقصوده الحق مما يزيده ذلك ايمانا وطاعة للرسول. واما من انقلب على واعرض عن الحق واتبع هواه. فانه يزداد كفرا الى كفره. وحيرة الى حيرته. ويدلي بالحجة الباطلة المبنية على لا حقيقة لها وان كانت اي صرفك عنها لكبيرة اي شاقة الا على الذي نهدى الله. فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم وشكروا واقروا لهم بالاحسان. حيث وجههم الى هذا البيت العظيم. الذي فضله على سائر الارض. وجعل قصده ركنا من اركان الاسلام وهادما للذنوب والاثام. فلهذا خف عليهم ذلك وشق على من سواهم. ثم قال تعالى وما كان الله ليضيع فايمانكم اي ما ينبغي له ولا يليق به تعالى. بل هي من الممتنعات عليه. فاخبر انه ممتنع عليه ومستحيل ان يضيع ايمانكم وفي هذا بشارة عظيمة لمن من الله عليهم بالاسلام والايمان. بان الله سيحفظ عليهم ايمانهم فلا يضيعه. وحفظه نوعان حفظ عن الضياع والبطلان بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص. من المحن المقلقة والاهواء الصادة. وحفظ له بتنميته لهم وتوفيقهم لما يزداد به ايمانهم ويتم به ايقانهم. فكما ابتدأكم بان هداكم للامام فسيحفظه لكم ويتم بتنميته وتنمية اجره وثوابه. وحفظه من كل مكدر. بل اذا وجدت المحن التي المقصود منها تبيين المؤمن الصادق من الكاذب فانها تمحص المؤمنين وتظهر صدقهم. وكأن في هذا احترازا عما يقال ان قوله وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم اما من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين ايمانهم. فدفع هذا الوهم بقوله وما كان الله ضيع ايمانكم بتقديره لهذه المحنة او غيرها. ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة. فان الله لا يضيع ايمانهم لكونهم امتثلوا امر الله وطاعة رسوله في وقتها. وطاعة الله امتثال امره في كل وقت بحسب ذلك. وفي هذه الاية دليل لمذهب اهل اهل السنة والجماعة ان الايمان تدخل فيه اعمال الجوارح. وقوله ان الله بالناس لرؤوف رحيم. اي شديد الرحمة بهم عظيم فمن رأفته ورحمته بهم ان يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها. وان ميز عنهم من دخل في الايمان بلسانه دون قلبه. وان امتحنه امتحانا زاد به ايمانهم وارتفعت به درجتهم. وان وجههم الى اشرف البيوت واجلها فولي وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم يقول الله لنبيه قد نرى تقلب وجهك في السماء اي كثرة تردده في جميع جهاته شوقا وانتظارا لنزول الوحي باستقبال الكعبة. وقال وجهك ولم يقل بصرك لزيادة اهتمامه. ولان تقليب الوجه تلزم لتقليب البصر. فلنولينك اي نوجهك لولايتنا اياك. قبلة ترضاها اي تحبها وهي الكعبة. وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى الله عليه وسلم. حيث ان الله تعالى يسارع في رضاه. ثم صرح له باستقبالها فقال فول وجهك شطر المسجد حرام والوجه ما اقبل من بدن الانسان وحيث ما كنتم اي من بر وبحر شرق وغرب جنوب وشمال فولوا وجوهكم شطرة اي جهته ففيها اشتراط استقبال الكعبة للصلوات كلها فرضها ونفلها وانه ان امكن استقبال عينها والا في شطرها وجهتها وان الالتفات بالبدن مبطل للصلاة. لان الامر بالشيء نهي عن ضده. ولما ذكر تعالى فيما تقدم المعترضين على ذلك من اهل الكتاب وغيرهم. وذكر جوابهم ذكر هنا ان اهل الكتاب والعلم منهم يعلمون انك في ذلك على حق وامر. لما يجدونه في كتبهم فيعترضون عنادا وبغيا. فاذا كانوا يعلمون بخطأهم فلا تبالوا بذلك. فان الانسان انما يغمه اعتراض من اعترض عليه اذا كان الامر مشتبها وكان ممكنا ان يكون معه صواب. فاما اذا تيقن ان الصواب والحق مع المعترض عليه وان المعترض معاند عارف ببطلان قوله فانه لا محل للمبالاة. بل ينتظر بالمعترض العقوبة الدنيوية والاخروية. فلهذا قال تعالى وما الله بغافل عما يعملون. بل يحفظ عليهم اعمالهم ويجازيهم عليها. وفيها وعيد للمعترضين. وتسلية للمؤمنين ولئن اتيت الذين موتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم ما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما كان النبي صلى الله عليه وسلم من كمال حرصه على على هداية الخلق يبذل لهم غاية ما يقدر عليه من النصيحة. ويتلطف بهدايتهم ويحزن اذا لم ينقادوا لامر الله. فكان من الكفار من تمرد عن امر الله واستكبر على رسل الله وترك الهدى عمدا وعدوانا فمنهم اليهود والنصارى. اهل الكتاب الاول الذين كفروا صلى الله عليه وسلم عن يقين لا عن جهل. فلهذا اخبره الله تعالى انك لو اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية. اي بكل برهان ودليل يوضح قولك ويبين ما تدعو اليه ما تبعوا قبلتك اي ما تبعوك لان اتباع القبلة دليل على اتباعه ولان السبب هو شأن القبلة وانما كان الامر كذلك لانهم معاندون. عرفوا الحق وتركوه. فالايات انما تفيد وينتفع بها من يتطلب الحق وهم منتبه عليه فتوضح له الايات البينات. واما من جزم بعدم اتباع الحق فلا حيلة فيه. وايضا فان اختلافهم فيما بينهم حاصل وبعضهم غير تابع قبلة بعض. فليس بغريب منهم مع ذلك الا يتبعوا قبلتك يا محمد. وهم الاعداء حقيقة. الحسدة. وقوله وما انت بتابع قبلتهم ابلغ من قوله ولا تتبع. لان ذلك يتضمن انه صلى الله عليه وسلم اتصف بمخالفتهم فلا يمكن وقوع ذلك منه ولم يقل ولو اتوا بكل اية لانهم لا دليل لهم على قولهم. وكذلك اذا تبين الحق بادلته اليقينية لم يلزم الاتيان باجوبة الشبه الواردة عليه. لانه لا حد لها ولانه يعلم بطلانها. للعلم بان كل ما نافى الحق الواضح فهو باطل فيكون حل الشبه من باب التبرع. ولئن اتبعت اهواءهم انما قال اهواءهم ولم يقل دينهم لان ما هم عليه مجرد هوية نفس. حتى هم في قلوبهم يعلمون انه ليس بدين. ومن ترك الدين اتبع الهوى ولا محالة قال تعالى افرأيت من اتخذ الهه هواه؟ من بعد ما جاءك من العلم بانك على الحق وهم على الباطل انك اذا اي ان اتبعت فهذا احتراز لان لا تنفصل هذه الجملة عما قبلها ولو في الافهام لمن الظالمين اي داخل فيهم ومندرج في جملتهم واي ظلم اعظم من ظلم من علم الحق والباطل. فاثر الباطل على الحق. وهذا وان كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم فان امته مداخلة في ذلك. وايضا فاذا كان هو صلى الله عليه وسلم لو فعل ذلك وحاشاه صار ظالما مع علو مرتبته وكثرة حسناته فغيره من باب اولى واحرى. ثم قال تعالى فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وصلت الى حد لا يشكون فيه ولا يمترون. لكن فريقا منهم وهم اكثرهم الذين كفروا به كتموا هذه الشهادة مع وهم يعلمون. ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله. وفي ضمن ذلك تسلية للرسول والمؤمنين وتحذير لهم من شرهم وشبههم. وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون. فمنهم من امن به ومنهم من كفر به جهلا فالعالم عليه اظهار الحق وتبينه وتزيينه بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال وغير ذلك وابطال الباطل وتمييزه عن للحق وتشيينه وتقبيحه للنفوس بكل طريق مؤد لذلك. فهؤلاء الكاتمون عكسوا الامر فانعكست احوالهم حق من ربك فلا تكونن من الممترين الحق من ربك اي هذا الحق الذي هو احق ان يسمى حقا كل شيء لما اشتمل عليه من المطالب العالية والاوامر الحسنة. وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها ودفع مفاسدها. لصدورهم ربك الذي من جملة تربيته لك ان انزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس وجميع المصالح. فلا تكونن من الكريم اي فلا يحصل لك ادنى شك وريبة فيه. بل تفكر فيه وتأمل حتى تصل بذلك الى اليقين. لان التفكر فيه لا محالة للشك موصل لليقين استبقوا الخيرات اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا ان الله على كل شيء اي كل اهل دين وملة له وجهة يتوجه اليها في عبادته. وليس الشأن في استقبال القبلة فانه من الشرائع التي تتغير بها الازمنة والاحوال. ويدخلها النسخ والنقل من جهة الى جهة. ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله والتقرب اليه وطلب الزلفة عنده. فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية. وهو الذي اذا لم تتصف به النفوس حصلت له خسارة الدنيا والاخرة ما انها اذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة. وهذا امر متفق عليه في جميع الشرائع. وهو الذي خلق الله له الخلق وامرهم به الامر بالاستباق الى الخيرات قدر زائد عن الامر بفعل الخيرات. فان الاستباق اليها يتضمن فعلها وتكميلها وايقاعها على اكمل الاحوال والمبادرة اليها ومن سبق في الدنيا الى الخيرات فهو السابق في الاخرة الى الجنات. فالسابقون اعلى الخلق درجة والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل من صلاة وصيام وزكوات وحج وعمرة وجهاد. ونفع متعد وقاصر. ولما كان اقوى ما يحث النفوس على المسارعة الى الخير وينشطها ما رتب الله عليها من الثواب. قال اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا. ان الله على كل شيء قدير فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته فيجازي كل عامل بعمله. ليجزي الذين اساءوا بما عملوا. ويجزي الذين احسنوا بالحسنى ويستدل بهذه الاية الشريفة على الاتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل كالصلاة في اول وقتها. والمبادرة الى ابراء الذمة من الصيام الحج والعمرة واخراج الزكاة والاتيان بسنن العبادات وادابها. فلله ما اجمعها وانفعها من اية خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام. وانه للحق من ربك اي ومن حيث خرجت في اسفارك وغيرها. وهذا للعموم. فولي وجهك شطر المسجد الحرام. اي ثم خاطب الامة عموما فقال تولوا وجوهكم شطره لان لا. لان لا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم قم فلا تخشوهم واخشوني ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرا. وقال وانه للحق من ربك. اكده بان واللام لان لا يقع لاحد فيه ادنى شبهة. ولان ايظن انه على سبيل التشهي لا الامتثال. وما الله بغافل عما تعملون. بل هو مطلع عليكم في جميع احوالكم. فتأدبوا معه راقبوه بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. فان اعمالكم غير مغفول عنها. بل مجازون عليها اتم الجزاء. ان خيرا فخير وان شر فشر وقال هنا لان لا يكون للناس عليكم حجة اي شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة لينقطع عنكم احتجاج الناس من اهل الكتاب والمشركين فانه لو بقي مستقبلا بيت المقدس لتوجهت عليه الحجة فان اهل الكتاب يجدون في كتابهم ان قبلته المستقرة هي لعبة البيت الحرام والمشركون يرون ان من مفاخرهم هذا البيت العظيم وانه من ملة ابراهيم وانه اذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه سلم توجهت نحوه حججهم وقالوا كيف يدعي انه على ملة ابراهيم؟ وهو من ذريته. وقد ترك استقبال قبلته وهو اثبات رحمته التي من اثارها وجود جميع النعم. واندفاع جميع النقم فهذا دليل اجمالي على وحدانيته تعالى. ثم ذكر الادلة التفصيلية فقال فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل استقبال الكعبة قامت الحجة على اهل الكتاب والمشركين. وانقطعت حججهم عليه. الا من ظلم منهم. اي من احتج منهم بحجة هو ظالم فيها فيها وليس لها مستند الا اتباع الهوى والظلم. فهذا لا سبيل الى اقناعه والاحتجاج عليه. وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يريدونها على سبيل في احتجاج محلا يؤبه لها ولا يلقى لها بال. فلهذا قال تعالى فلا تخشوهم لان حجتهم باطلة والباطل كاسمه مخذول مخذول صاحبه وهذا بخلاف صاحب الحق فان للحق صولة وعزا يوجب خشية من هو معه. وامر تعالى بخشيته التي هي اصل كل خير فمن لم يخشى الله لم ينكف عن معصيته ولم يمتثل امره. وكان صرف المسلمين الى الكعبة مما حصلت فيها فتنة كبيرة. اشاعها اهل الكتاب والمنافقون والمشركون واكثروا فيها من الكلام والشبه. فلهذا بسطها الله تعالى وبينها اكمل بيان. واكدها بانواع من التأكيدات التي تضمنتها هذه الايات. منها الامر بها ثلاث مرات مع كفاية المرة الواحدة. ومنها ان المعهود ان الامر اما ان يكون للرسول فتدخل فيه الامة تبعا او للامة عموما. وفي هذه الاية امر فيها الرسول بالخصوص في قوله فولي وجه والامة عموما في قوله فولوا وجوهكم. ومنها انه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة التي اوردها اهل العناد. وابطلها شبهة شبهة كما تقدم توضيحها. ومنها انه قطع الاطماع من اتباع الرسول قبلة اهل الكتاب. ومنها قوله وانه للحق من رب فمجرد اخبار الصادق العظيم كاف شاف. ولكن مع هذا قال وانه للحق من ربك. ومنها انه اخمر وهو العالم بالخفيات ان اهل الكتاب متقرر عندهم صحة هذا الامر. ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم. ولما كانت اوليته لنا الى القبلة نعمة عظيمة وكان لطفه بهذه الامة ورحمته لم يزل يتزايد. وكلما شرع لهم شريعة فهي نعمة عظيمة. قال اتم نعمتي عليكم. فاصل النعمة الهداية لدينه بارسال رسوله وانزال كتابه. ثم بعد ذلك النعم المتممات لهذا الاصل. لا تعد ولا تحصر. منذ بعث الله رسوله الى ان قرب رحيله من الدنيا. وقد اعطاه الله من الاحوال والنعم واعطى امته ما اتم به نعمته عليه وعليهم وانزل الله عليه. اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي. ورضيت لكم الاسلام دينا. فلله الحمد على كل فضله الذي لا نبلغ له عدا فضلا عن القيام بشكره. ولعلكم تهتدون. اي تعلمون الحق وتعملون به. فالله تبارك وتعالى من رحمته بالعباد قد يسر لهم اسباب الهداية غاية التيسير. ونبههم على سلوك طرقها. وبينها لهم اتم تبيين حتى ان من جملة ذلك ان يقيض للحق المعاندين له فيجادلون فيه. فيتضح بذلك الحق. وتظهر اياته واعلامه. ويتضح بطلان الباطل. وانه لا حق حقيقة له ولولا قيامه في مقابلة الحق لربما لم يتبين حاله لاكثر الخلق وبضدها تتبين الاشياء فلولا الليل ما عرف فضل النهار ولولا القبيح ما عرف فضل الحسن ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا لله الحمد على ذلك. كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم اياتنا ويزكيكم يتلو عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة. ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون يقول تعالى ان انعامنا عليكم باستقبال الكعبة واتمامها بالشرائع والنعم ليس ذلك ببدع من احساننا ولا باوله. بل انعمنا عليكم باصول النعم ومتمماتها. فابلغوها ارسالنا اليكم هذا الرسول منكم تعرفون نسبه وصدقه وامانته وكماله ونصحه. يتلو عليكم اياتنا وهذا يعم الايات القرآنية وغيرها ويتلو عليكم الايات المبينة للحق من الباطل. والهدى من الضلال. التي دلتكم اولا على توحيد الله وكماله. ثم على صدق رسوله ووجوب الايمان ثم على جميع ما اخبر به من المعادي والغيوب. حتى حصل لكم الهداية التامة والعلم اليقيني. ويزكيكم ان يطهروا اخلاقكم نفوسكم بتربيتها على الاخلاق الجميلة وتنزيهها عن الاخلاق الرذيلة. وذلك كتزكيتكم من الشرك الى التوحيد. ومن الرياء الى الاخلاص ومن الكذب الى الصدق ومن الخيانة الى الامانة ومن الكبر الى التواضع. ومن سوء الخلق الى حسن الخلق. ومن التباغض والتهاجر والتقاطع الى التحاب والتواصل والتوادد وغير ذلك من انواع التزكية. ويعلمكم الكتاب اي القرآن الفاظه ومعانيه. والحكمة قيل هي السنة وقيل الحكمة معرفة اسرار الشريعة والفقه فيها. وتنزيل الامور منازلها. فيكون على هذا تعليم داخلا في تعليم الكتاب. لان السنة تبين القرآن وتفسره. وتعبر عنه. ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. لانهم كانوا قبل بعثة في ضلال مبين. لا علم ولا عمل. فكل علم او عمل نالته هذه الامة. فعلى يده صلى الله عليه وسلم وبسببه كان. فهذه النعم هي اصول النعم على الاطلاق. ولا هي اكبر نعم ينعم بها على عباده. فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها. فلهذا قال تعالى فاذكروني اذكركم فامر تعالى بذكره ووعد عليه افضل جزاء وهو ذكره لمن ذكره. كما قال تعالى على لسان رسوله من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وذكر الله تعالى افضله ما تواطأ عليه القلب واللسان. وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه. والذكر هو رأس الشكر. فلهذا امر به خصوصا. ثم من بعده امر بالشكر عموما. فقال واشكروا لي اي على ما انعمت عليكم بهذه النعم. ودفعت عنكم صنوف النقم والشكر يكون بالقلب اقرارا بالنعم واعترافا. وباللسان ذكرا وثناء وبالجوارح طاعة لله وانقيادا لامره واجتنابا لنهيه. فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة وزيادة في النعم المفقودة قال تعالى لئن شكرتم لازيدنكم وفي الاتيان بالامر بالشكر بعد النعم الدينية من العلم وتزكية الاخلاق والتوفيق للاعمال بيان انها اكبر النعم بل هي النعم الحقيقية التي تدوم اذا زال غيرها وانه ينبغي لمن وفقوا لعلم او عمل ان يشكروا الله على كذلك ليزيدهم من فضله وليندفع عنهم الاعجاب فيشتغلوا بالشكر. ولما كان الشكر ضده الكفر نهى عن ضده فقال ولا تكفرون. المراد بالكفر هنا ما يقابل الشكر. فهو كفر النعم وجحدها وعدم القيام بها. ويحتمل ان يكون المعنى عاما فيكون الكفر انواعا كثيرة. اعظمه الكفر بالله. ثم انواع المعاصي على اختلاف انواعها واجناسها من الشرك فما دونه الذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين امر الله تعالى المؤمنين بالاستعانة امورهم الدينية والدنيوية بالصبر والصلاة. فالصبر هو حبس النفس وكفها على ما تكره. فهو ثلاثة اقسام. صبرها على طاعة الله حتى تؤديها وعن معصية الله حتى تتركها. وعلى اقدار الله المؤلمة فلا تتسخطوها. فصلوا هو المعونة العظيمة على كل امر فلا سبيل لغير الصابر ان يدرك مطلوبه. خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة. فانها مفتقرة اشد الافتقار الى تحمل الصبر. وتجرع منارة الشاقة فاذا لازم صاحبها الصبر فاز بالنجاح وان رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها لم يدرك شيئا وحصل على حرمان وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها اليها وهي في محل قدرة العبد. فهذه لا يمكن تركها الا بصبر عظيم وكف لدواعي قلبه ونوازعها لله تعالى. واستعانة بالله على العصمة منها. فانها من الفتن الكبار. وكذلك البلاء الشاق خصوصا ان استمر فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسدية. ويوجد مقتضاها وهو التسخط. ان لم يقاومها صاحبها بالصبر لله والتوكل عليه واللجأ اليه والافتقار على الدوام. فعلمت ان الصبر محتاج اليه العبد بل مضطر في كل حالة من احواله. فلهذا امر الله تعالى به واخبر انه مع الصابرين اي مع من كان الصبر لهم خلقا وصفة. وملكة بمعونته وتوفيقه وتسديده. فهانت عليهم بذلك المشاق كاره وسهل عليهم كل عظيم. وزالت عنهم كل صعوبة. وهذه معية خاصة تقتضي محبته ومعونته ونصره وقربه. وهذه منقبة عظيمة للصابرين. فلو لم يكن للصابرين فضيلة الا انهم فازوا بهذه المعية من الله. لكفى بها فضلا وشرفا. واما المعية العامة فهي معية العلم والقدرة كما في قوله وهو معكم اينما كنتم. وهذه عامة للخلق. وامر تعالى بالاستعانة بالصلاة لان الصلاة هي عماد الدين ونور المؤمنين. وهي الصلة بين العبد وبين ربه. فاذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة مجتمعا فيها ما يلزم فيها وما يسن وحصل فيها حضور القلب الذي هو لبها. فصار العبد اذا دخل فيها استشعر دخوله على ربه. ووقوفه بين يديه موقف العبد الخادم المتأدب مستحظرا لكل ما يقوله وما يفعله. مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه. لا جرم ان هذه الصلاة من اكبر المعونة على جميع الامور فان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولان هذا الحضور الذي يكون في الصلاة يوجب للعبد في قلبه وصفا وداعيا يدعوه الى امتثال ربه واجتناب نواهيه. هذه هي الصلاة التي امر الله ان نستعين بها على كل شيء لما ذكر تبارك وتعالى الامر بالاستعانة بالصبر على جميع الامور. ذكر نموذجا مما يستعان بالصبر عليه. وهو الجهاد في سبيله. وهو افضل الطاعات البدنية واشقها على النفوس. لمشقة في نفسه ولكونه مؤديا للقتل وعدم الحياة. التي انما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها. فكل ما يتصرف به فانه سعي لها ودفع لما يضادها. ومن المعلوم ان المحبوب لا يتركه العاقل. الا لمحبوب اعلى منه واعظم. فاخبر تعالى ان من قتل في سبيله بان قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر لا لغير ذلك من الاغراض فانه لم تفوته الحياة المحبوبة بل حصل له حياة اعظم واكمل مما تظنون وتحسبون. فالشهداء احياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. الا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين. فهل اعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى؟ وتمتعهم برزقه البدني من المأكولات والمشروبات اللذيذة والرزق الروحي. وهو الفرح والاستبشار. وزوال كل خوف وحزن. وهذه حياة برزخية. اكمل من الحياة الدنيا بل قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان ارواح الشهداء في اجواف طيور خضر ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل معلقة بالعرش. وفي هذه الاية اعظم حث على الجهاد في سبيل الله وملازمة الصبر عليه. فلو شعر العباد بمال المقتولين في سبيل بالله من الثواب لم يتخلف عنه احد ولكن عدم العلم اليقيني التام هو الذي فتر العزائم وزاد نوما نائم وافات الاجور العظيمة والغنائم لما لا يكون كذلك والله تعالى قد اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون. فوالله لو كان للانسان الف نفس تذهب نفسا فنفسا في سبيل الله. لم يكن عظيما في جانب هذا الاجر العظيم ولهذا لا يتمنى الشهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزاءه الا ان يردوا الى الدنيا حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة وفي الاية دليل على نعيم البرزخ وعذابه. كما تكاثرت بذلك النصوص الجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع اخبر تعالى انه لابد ان يبتلي بالمحن ليتبين الصادق من الكاذب والجازع من الصابر. وهذه سنته تعالى في عباده. لان السراء لو استمرت لاهل الايمان ولم يحصل معها محنة لحصل الاختلاط الذي هو فساد. وحكمة الله تقتضي تمييز اهل الخير من اهل الشر. هذه فائدة المحن. لا ازالة ما مع مؤمنين من الايمان ولا ردهم عن دينهم. فما كان الله ليضيع ايمان المؤمنين. فاخبر في هذه الاية انه سيبتلي عباده بشيء من الخوف من الاعداء والجوع اي بشيء يسير منهما. لانه لو ابتلاهم بالخوف كله او الجوع لهلكوا. والمحن تمحص لا تهلك ونقص من الاموال وهذا يشمل جميع النقص المعنوي للاموال من جوائز سماوية وغرق وضياع واخذ الظلمة للاموال من الملوك الظلمة وقطاع الطريق وغير ذلك. والانفس اي ذهاب الاحباب من الاولاد والاقارب والاصحاب. ومن انواع الامراض في بدن العبد. او من يحبه والثمرات اي الحبوب وثمار النخيل والاشجار كلها والخضر ببرد او برد او حرق او افة سماوية من جراد ونحوه. فهذه الامور لابد ان تقع لان العليم الخبير اخبر بها. فوقعت كما اخبر. فاذا وقعت انقسم الناس قسمين جازعين وصابرين. فالجازع حصلت له المصيبتان. فوات المحبوب وهو وجود هذه المصيبة. وفوات ما هو اعظم منها. وهو الاجر بامتثال امر الله بالصبر. ففاز بالخسارة والحرمان ونقص ما معه من الايمان. وفاته الصبر والرضا والشكران. وحصل له السخط الدال على النقصان واما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولا وفعلا واحتسب اجرها عند الله وعلم ان ما يدركه من الاجر بصبره اعظم من المصيبة التي حصلت له. بل المصيبة تكون نعمة في حقه. لانها صارت طريقا لحصول ما هو خير لك هو انفع منها فقد امتثل امر الله وفاز بالثواب. فلهذا قال تعالى وبشر الصابرين. اي بشرهم بانهم يوفون اجرهم بغير حساب فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة. ثم وصفهم بقوله مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون. الذين اذا اصابتهم مصيبة وهي كل ما يؤلم القلب او البدن او كليهما مما تقدم ذكره. قالوا انا لله اي مملوكون لله مدبرون تحت امره فليس لنا من انفسنا واموالنا شيء. فاذا ابتلانا بشيء منها فقد تصرف ارحم الراحمين بمماليكه واموالهم. فلا اعتراض عليه بل من كمال عبودية العبد علمه بان وقوع البلية من المالك الحكيم الذي ارحم بعبده من نفسه. فيوجب له ذلك الرضا عن الله وشكرا له على تدبيره لما هو خير لعبده وان لم يشعر بذلك. ومع اننا مملوكون لله فانا اليه راجعون يوم المعاد. فمجاز كل عام بعمله فان صبرنا واحتسبنا وجدنا اجرنا موفرا عنده. وان جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا الا السخط وفوات الاجر. فكون العبد لله وراجع الي من اقوى اسباب الصبر اولئك الموصوفون بالصبر المذكور عليهم صلوات من ربهم اي ثناء وتنويه بحالهم. ورحمة عظيمة. ومن رحمته اياهم ان وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الاجر واولئك هم المهتدون الذين عرفوا الحق. وهو في هذا الموضع علمهم بانهم لله وانهم اليه راجعون. وعملوا به وهو هنا صبرهم لله ودلت هذه الاية على ان من يصبر فله ضد ما لهم. فحصل له الذم من الله والعقوبة والضلال والخسار. فما اعظم الفرق وبين الفريقين وما اقل تعب الصابرين واعظم عناء الجزعين. فقد اشتملت هاتان الايتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها لتخف وتسهل اذا وقعت. وبيان ما تقابل به اذا وقعت وهو الصبر. وبيان ما يعين على الصبر. وما للصابر من الاجر. ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر. وان هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت. ولن تجد لسنة الله تبديلا. وبيان انواع المصائب يخبر تعالى ان الصفا والمروة وهما معروفان من شعائر الله. اي اعلام دينه الظاهرة التي تعبد الله بها عباده. واذا فكان من شعائر الله فقد امر الله بتعظيم شعائره فقال ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب. فدل مجموع النصين انهما من شعائر الله وان تعظيم شعائره من تقوى القلوب. والتقوى واجبة على كل مكلف. وذلك يدل على ان السعي بها فرض لازم للحج والعمرة ما عليه الجمهور ودلت عليه الاحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال خذوا عني مناسككم فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما. هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما. لكونهما في الجاهلية تعبد وعندهم الاصنام فنفى تعالى الجناح بدفع هذا الوهم لا لانه غير لازم ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة انه لا يتطوع بالسعي مفردا الا مع انضمامه لحج او عمرة. بخلاف الطواف بالبيت فانه يشرع مع العمرة والحج وهو عبادة مفردة. فاما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار. فانها تتبع النسك. فلو فعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة ان البدعة نوعان. نوع يتعبد لله بعبادة لم يشرعها اصلا. ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة. فتفعل على غير تلك الصفة وهذا منه. وقوله ومن تطوع اي فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى خيرا من حج وعمرة وطواف وصلاة وصوم وغير ذلك. فهو خير له. فدل هذا على انه كلما ازداد العبد من طاعة الله ازداد خيره وكماله ودرجته عند الله لزيادة ايمانه. ودل تقييد التطوع بالخير ان من تطوع بالبدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله. انه لا يحصل له الا العناء. وليس ليس بخير له بل قد يكون شرا له ان كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل. فان الله شاكر عليم. الشاكر والشكور من اسماء الله تعالى الذي يقبل من عباده اليسير من العمل. ويجازيهم عليه العظيم من الاجر. الذي اذا قام عبده باوامره وامتثل طاعته. اعان انه على ذلك واثنى عليه ومدحه وجزاه في قلبه نورا وايمانا وسعة وفي بدنه قوة ونشاطا وفي جميع احواله زيادة ونماء وفي اعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الاجل عند ربه كاملا موفرا. لم تنقصه هذه الامور ومن شكره لعبده ان من ترك شيئا لله اعاظه خيرا منه. ومن تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا. ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه ومن اتاه يمشي اتاه هرولة. ومن عامله ربح عليه اضعافا مضاعفة. ومع انه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل بحسب نيته وايمانه وتقواه ممن ليس كذلك عليم باعمال العباد فلا يضيعها بل يجدونها اوفر ما كانت على حسب التي اطلع عليها العليم الحكيم ابيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. هذه الاية وان كانت نازلة تنفي اهل الكتاب وما كتموا من شأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته. فان حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما انزل الله من البينات الدالات على الحق المظهرات له والهدى وهو العلم الذي تحصل به الهداية الى الصراط المستقيم. ويتبين به طريق اهل النعيم من طريق اهل الجحيم فان الله اخذ الميثاق على اهل العلم بان يبينوا للناس ما من الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه. فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين كتم ما انزل الله والغش لعباد الله. فاولئك يلعنهم الله اي يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته. ويلعنهم اللاعنون وهم جميع الخليقة فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة. لسعيهم في غش الخلق وفساد اديانهم. وابعادهم من رحمة الله. فجوزوا من جنس عملهم كما ان معلم الناس الخير يصلي الله عليه وملائكته حتى الحوت في جوف الماء لسعيه في مصلحة الخلق واصلاح اديانهم وقربهم من رحمة الله فجوزي من جنس عمله. فالكاتم لما انزل الله مضاد لامر الله. مشاق لله. يبين الله الايات للناس ويوضحها وهذا يطمثها ويعميها. فهذا عليه هذا الوعيد الشديد. الا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فاولئك الا الذين تابوا اي رجعوا عما هم عليه من الذنوب ندما واقلاعا وعزما على عدم المعاودة واصلحوا ما فسد من اعمالهم فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن. ولا يكفي ذلك في الكاتم ايضا حتى يبين ما كتمه. ويبدي ضد ما اخفى. فهذا يتوب الله عليه. لان توبة الله غير محجوب عنها. فمن اتى بسبب التوبة تاب الله عليه لانه التواب. اي الرجاع على عباده بالعفو والصفح بعد الذنب اذا تابوا. وبالاحسان والنعم بعد المنع اذا رجعوا الذي اتصف بالرحمة العظيمة التي وسعت كل شيء. ومن رحمته ان وفقهم للتوبة والانابة. فتابوا وانابوا ثم رحمهم بان قبل ذلك منهم لطفا وكرما هذا حكم التائب من الذنب لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. واما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع الى ربه ولم يتب اليه ولم ينب اليه ولم يتب عن قريب. فاولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. لانه لما صار كفرهم وصفا ثابتة صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا لا تزول. لان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. خالدين فيها لا يخفف خالدين فيها اي في اللعنة او في العذاب والمعنيان متلازمان لا يخفف عنهم العذاب بل عذابهم دائم شديد مستمر. ولا هم ينظرون اي يمهلون. لان وقت الامهال وهو الدنيا قد مضى لم يبقى لهم عذر فيعتذرون يخبر تعالى وهو اصدق القائلين انه اله واحد اي متوحد منفرد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. فليس له شريك في ذاته ولا سمي له ولا كفو ولا مثل ولا نظير ولا خالق ولا مدمر غيره. فاذا كان كذلك فهو المستحق لان يؤله ويعبد بجميع انواع العبادة. ولا يشرك به احد من خلقه لانه الرحمن الرحيم. المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة احد. فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي. فبرحمته المخلوقات وبرحمته حصلت لها انواع الكمالات. وبرحمته اندفع عنها كل نقمة. وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته والائه وبين لهم كل ما يحتاجون اليه من مصالح دينهم ودنياهم. بارسال الرسل وانزال الكتب. فاذا علم ان ما بالعباد من نعمة فمن الله وان احدا من المخلوقين لا ينفع احدا علم ان الله هو المستحق لجميع انواع العبادة. وان يفرد بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل وغير ذلك من انواع الطاعات. وان من اظلم الظلم واقباح القبيح ان يعدل عن عبادته الى عبادة العبيد. وان يشرك المخلوق من تراب برب الارباب او يعبد المخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه. مع الخالق المدبر القادر القوي. الذي قد قهر كل شيء ودان له كل كل شيء ففي هذه الاية اثبات وحدانية الباري والهيته. وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين. وبيان اصل الدليل على ذلك وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء اخبر تعالى ان في هذه المخلوقات العظيمة ايات هي ادلة على وحدانية الباري والهيته وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته. ولكنها لقوم يعقلون. اي لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له. فعلى حسب ما من الله على عبده من العقل. ينتفع بالايات ويعرفها بعقله وفكره وتدبره. ففي خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها. وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم. وتنظيمها لمصالح العباد. وفي خلق الارض مهادا للخلق يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها. والاعتبار ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير. وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها وحكمته التي بها اتقنها واحسنها ونظمها. وعلمه ورحمته التي بها اودع ما اودع. من منافع الخلق صالحهم وضروراتهم وحاجاتهم. وفي ذلك ابلغوا الدليل على كماله واستحقاقه ان يفرد بالعبادة. لانفراده بالخلق والتدبير والقيام شؤون عباده وفي اختلاف الليل والنهار وهو تعاقبهما على الدوام اذا ذهب احدهما خلفه الاخر. وفي اختلافهما في الحر والبرد والتوسط وفي الطول والقصر والتوسط وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح بني ادم وحيواناتهم وجميع ما على وجه الارض من اشجار ونوابت كل ذلك بانتظام وتدبير وتسخير تنبهر له العقول. وتعجز عن ادراكه من الرجال الفحول. ما يدل ذلك على قدرة وعلمه وحكمته ورحمته الواسعة ولطفه الشامل وتصريفه وتدبيره الذي تفرد به وعظمته وعظمة ملكه وسلطانه مما يوجد يجب ان يؤله ويعبد ويفرد بالمحبة والتعظيم. والخوف والرجاء وبذل الجهد في محابه ومراضيه. وفي الفلك التي تجري في البحر وهي السفن والمراكب ونحوها مما الهم الله عباده صنعتها. وخلق لهم من الايات الداخلية والخارجية ما اقدرهم عليها. ثم سخر لها هذا البحر عظيم والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والاموال. والبضائع التي هي من منافع الناس. وبما تقوم مصالحهم وتنتظم معايشهم فمن الذي الهمهم صنعتها واقدرهم عليها؟ وخلق لهم من الالات ما به يعملونها. امن الذي سخر لها البحر تجري فيه باذنه وتسخيره الرياح ام من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية النار والمعادن المعينة على حملها وحمل ما فيها من الاموال. فهل هذه الامور اتفاق ام استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز؟ الذي خرج من بطن امه لا علم له ولا قدرة. ثم خلق له ربه القدرة وعلمه وما يشاء تعليمه؟ ام المسخر لذلك رب واحد حكيم عليم؟ لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء. بل الاشياء قد دانت واستكانت لعظمته وخضعت لجبروته. وغاية العبد الضعيف ان جعله الله جزءا من اجزاء الاسباب. التي بها وجدت هذه الامور العظام فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بخلقه. وذلك يوجب ان تكون المحبة كلها له. والخوف والرجاء وجميع الطاعة والذل تعظيم وما انزل الله من السماء من ماء وهو المطر النازل من السحاب. فاحيا به الارض بعد موتها فاظهرت من انواع الاقوات واصناف ما هو من ضرورات الخلائق التي لا يعيشون بدونها؟ اليس ذلك دليلا على قدرة من انزله واخرج بهما اخرج؟ ورحمته ولطفه بعباده وقيامه بمصالحهم وشدة افتقانهم وضرورتهم اليه من كل وجه. اما يوجب ذلك ان يكون هو معبودهم والههم؟ اليس ذلك دليلا على احياء الموتى ومجازاتهم باعمالهم. وبث فيها اي في الارض من كل دابة اي نشر في اقطار الارض من الدواب المتنوعة ما هو دليل على قدرته وعظمته؟ ووحدانيته وسلطانه العظيم. وسخرها للناس ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع. فمنها ما يأكلون من لحمه ويشربون من ذره. ومنها ما يركبون ومنها ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم. ومنها ما يعتبر به. ومع انه بث فيها من كل دابة. فانه سبحانه هو القائم بارزاقهم. المتكفل باقواتهم. فما من دابة في الارض الا على الله رزقها اعلم مستقرها ومستودعها. وفي تصريف الرياح باردة وحارة وجنوبا وشمالا وشرقا ودبورا وبين ذلك وتارة تثير السحاب وتارة تؤلف بينه وتارة تلقحه وتارة تدره وتارة تمزقه وتزيل ضرره وتارة تكون رحمة ترسل بالعذاب. فمن الذي صرفها هذا التصريف؟ واودع فيها من منافع العباد ما لا يستغنون عنه. وسخرها ليعيش فيها جميع الحيوانات وتصلح الابدان والاشجار والحبوب والنوابت الا العزيز الحكيم الرحيم. اللطيف بعباده. المستحق لكل ذل وخضوع ومحبة وانابة وعبادة وفي تسخير السحاب بين السماء والارض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير فيسوقه الله الى حيث شاء فيحيي به البلاد والعباد ويروي التلول والوهاد وينزله على الخلق وقت حاجتهم اليه. فاذا كان يضرهم كثرته امسكه عنهم فينزله رحمة ولطفا ويصرفه عناية وعطفا. فما اعظم سلطانه اغزر احسانه! والطف امتنانه! اليس من القبيح بالعباد ان يتمتعوا برزقه ويعيش ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه. اليس ذلك دليلا على حلمه وصبره وعفوه وصفحه؟ وعميم لطفه لله الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا. والحاصل انه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات وازداد تأمله للصنعة وما اودع فيها من لطائف البر والحكمة. علم بذلك انها خلقت للحق وبالحق. وانها صحائف ايات وكتب دلالة على ما اخبر الله به عن نفسه ووحدانيته. وما اخبرت به الرسل من اليوم الاخر. وانها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبر ومصرفها فتعرف ان العالم العلوي والسفلي كلهم اليه مفتقرون. واليه صامدون وانه الغني بالذات عن جميع المخلوقات فلا اله الا الله ولا رب سواه. ثم قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله لله. ولو يرى الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا ما احسن اتصال هذه الاية بما قبلها فانه تعالى لما بين وحدانيته وادلتها قاطعة وبراهينها الساطعة الموصلة الى علم اليقين المزيلة لكل شك. ذكر هنا ان من الناس مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين لله اي نظراء ومثلاء. يساويهم في الله بالعبادة والمحبة والتعظيم والطاعة. ومن كان بهذه الحالة بعد اقامة الحجة وبيان التوحيد علم انه معاند لله مشاق له. او معرض عن تدبر اياته والتفكر في مخلوقاته. فليس له ادنى عذر في ذلك. بل حقت عليه كلمة العذاب. وهؤلاء الذين يتخذون الانداد مع الله. لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير. وانما يسوونهم به في العبادة فيعبدونهم ليقربوهم اليه. وفي قوله اتخذوا دليل على انه ليس لله ند. وانما المشركون جعلوا بعض المخلوقات اندادا تسمية مجردة ولفظا فارغا من المعنى. كما قال تعالى وجعلوا لله شركاء. قل سموهم ام تنبؤونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن فالمخلوق ليس ندا لله. لان الله هو الخالق وغيره مخلوق. والرب الرازق ومن عاداه مرزوق. والله هو الغني وانتم الفقراء وهو الكامل من كل الوجوه. والعبيد ناقصون من جميع الوجوه. والله هو النافع الضار. والمخلوق ليس له من النفع والضر والامر شيء. فعلم علما يقينا بطلان قول من اتخذ من دون الله الهة واندادا. سواء كان ملكا او نبيا او صالحا او صنما او غير ذلك. وان الله والمستحق للمحبة الكاملة والذل التام. فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله والذين امنوا اشد حبا لله. اي من اهل الانداد لاندادهم لانهم اخلصوا محبتهم له. وهؤلاء اشركوا بها. ولانهم احبوا من يستحقوا المحبة على الحقيقة. الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه والمشركون احبوا من لا يستحق من الحب شيئا. ومحبته عين شقاء العبد وفساده. وتشتت امره. فلهذا اسعدهم الله بقوله ولو يرى الذين ظلموا باتخاذ الانداد والانقياد لغير رب العباد. وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله وسعيهم فيما يضر وهم اذ يرون العذاب اي يوم القيامة عيانا بابصارهم ان القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب. اي لعلموا علما جازما ان القوة والقدرة لله كلها وان اندادهم ليس فيها من القوة شيء. فيتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها. لا كما اشتبه في الدنيا وظنوا ان لها من الامر شيئا. وانها تقربهم اليه وتوصلهم اليه. فخاب ظنهم وبطل سعيهم وحق عليهم شدة العذاب ولم تدفع عنهم اندادهم شيئا. ولم تغني عنهم مثقال ذرة من النفع. بل يحصل لهم الضرر منها من حيث ظنوا نفعها اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب. وتبرأ المتبوعون من التابعين وتقطعت بينهم الوصل التي كانت في الدنيا. لانها كانت لغير الله وعلى غير امر الله. ومتعلقة بالباطن الذي لا حقيقة له ثم حلت اعمالهم وتلاشت احوالهم وتبين لهم انهم كانوا كاذبين وان اعمالهم التي يؤمنون نفعها وحصول نتيجتها انقلبت عليهم حسرة وندامة. وانهم خالدون في النار لا يخرجون منها ابدا. فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بانه متبع الباطل. فعملوا عمل الباطل ورجو غير مرجو وتعلقوا بغير متعلق فبطلت الاعمال ببطلان متعلقها ولما بطلت وقعت الحسرة مما فاتهم من الامل فيها فضرتهم غاية الضرر. وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين. واخلص العمل له ورجا نفعه. فهذا قد وضع الحق في موضعه فكانت اعماله حقا لتعلقها بالحق. ففاز بنتيجة عمله ووجد جزاءه عند ربه غير منقطع. كما قال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل اعمالهم. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد. وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم. ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل. وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم. كذلك يضرب الله او للناس امثالهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار. كذلك يريهم الله الله اعمالهم حسرات عليهم. وما هم بخارجين من وحينئذ يتمنى التابعون ان يردوا الى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم بان يتركوا الشرك بالله ويقبلوا على اخلاص العمل لله وهيهات فات الامر وليس الوقت وقت امهال وانظار. ومع هذا فهم كذبة. فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانما هو قول يقولونه وامان يتمنونها. حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم. والذنب ذنبهم. فرأس المتبوعين على الشر ابليس ومع هذا يقول لاتباعه لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم. يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا ولا تتبعوا خطوات الشيطان هذا خطاب للناس كلهم. مؤمنهم وكافرهم. فامتن عليهم بان امرهم ان يأكلوا من جميع ما في الارض من حبوب وثمار وفواكه وحيوانات. حالة كونها حلالا اي محللا لكم تناوله. ليس بغصب ولا سرقة ولا محصنا بمعاملة محرمة او على وجه محرم. او معينا على محرم. طيبا اي ليس بخبيث كالميتة والدم ولحم الخنزير الخبائث كلها ففي هذه الاية دليل على ان الاصل في الاعيان الاباحة اكلا وانتفاعا. وان المحرم نوعان اما محرم لذاته وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب واما محرم لما عرض له وهو المحرم لتعلق حق الله او حق عباده به وهو ضد الحلال وفيه على ان الاكل بقدر ما يقيم البنية واجب. يأثم تاركه لظاهر الامر. ولما امرهم باتباع ما امرهم به اذ هو عين صلاحهم. نهاهم عن لاتباع خطوات الشيطان اي طرقه التي يأمر بها. وهي جميع المعاصي من كفر وفسوق وظلم. ويدخل في ذلك تحريم الشوائب والحام. ونحو لذلك ويدخل فيه ايضا تناول المأكولات المحرمة. انه لكم عدو مبين. اي ظاهر العداوة. فلا يريد بامركم الا غشكم وان تكونوا من اصحاب السعير. فلم يكتفي ربنا بنهينا عن اتباع خطواته. حتى اخبرنا وهو اصدق القائلين بعداوته الداعية للحذر منه ثم لم يكتفي بذلك حتى اخبرنا بتفصيل ما يأمر به. وانه اقبح الاشياء واعظمها مفسدة. فقال انما يأمركم بالسوء اي الشر الذي يسوء صاحبه. فيدخل في ذلك جميع المعاصي. فيكون قوله والفحشاء من باب عطف خاص على العام لان الفحشاء من المعاصي ما تناهى قبحه كالزنا وشرب الخمر والقتل والقذف والبخل. ونحو ذلك مما يستفحشه من له عقل وان تقولوا على الله ما لا تعلمون. فيدخل في ذلك القول على الله بلا علم. في شرعه وقدره. فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه او وصفه به رسوله او نفى عنه ما اثبته لنفسه او اثبت له ما نفاه عن نفسه. فقد قال على الله بلا علم. ومن زعم ان لله ندا واوثانا تقرب من عبدها من الله. فقد قال على الله بلا علم. ومن قال ان الله احل كذا او حرم كذا او امر بكذا. او نهى عن كذا بغير بصيرة فقد قال على الله بلا علم. ومن قال ان الله خلق هذا الصنف من المخلوقات للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك. فقد قال لعل الله بلا علم ومن اعظم القول على الله بلا علم ان يتأول المتأول كلامه او كلام رسوله على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال ثم يقول ان الله ارادها. فالقول على الله بلا علم من اكبر المحرمات واشملها واكبر طرق الشيطان التي يدعو اليها هذه طرق الشيطان التي يدعو اليها هو وجنوده. ويبذلون مكرهم وخداعهم على اغواء الخلق بما يقدرون عليه. واما الله تعالى فانه يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. فلينظر العبد نفسه مع اي الداعيين هو. ومن اي الحزبين؟ اتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير والسعادة الدنيوية والاخروية. الذي كل الفلاح بطاعته وكل الفوز في خدمته. وجميع الارباح في معاملته المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة. الذي لا يأمر الا بالخير ولا ينهى الا عن الشر. ام تتبع داعي الشيطان الذي هو عدو الانسان؟ الذي يريد لك الشر ويسعى بجهده على اهلاكك في الدنيا والاخرة. الذي كل الشر في طاعته وكل الخسران في ولايته. الذي لا يأمر الا بشيء ولا ينهى الا عن خير. ثم اخبر تعالى عن حال المشركين اذا امروا باتباع ما انزل الله على رسوله. مما تقدم وصفه رغبوا عن ذلك وقالوا لا يعقلون شيئا ولا يهتلون بل نتبع ما الفينا عليه اباءنا فاكتفوا بتقليد الاباء وزهدوا في الايمان بالانبياء ومع هذا فاباؤهم اجهل الناس واشدهم ضلالا. وهذه شبهة لرد الحق واهية. فهذا دليل على اعراضهم عن الحق ورغبتهم عنه. وعدم انصافهم. فلو هدوا لرشدهم وحسن قصدهم لكان الحق هو القصد. ومن جعل الحق قصده ووازن بينه وبين غيره. تبين له الحق قطعا واتبعه ان كان ثم قال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا صم بكم عمي فهم لا اعقلوا. لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل. وردهم لذلك بالتقليد. علم انهم غير قابلين ان للحق ولا مستجيبين له. بل كان معلوما لكل احد انهم لن يزولوا عن عنادهم. اخبر تعالى ان مثلهم عند دعاء الداعي لهم الى الايمان. كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها. وليس لها علم بما يقول داعيها ومناديها. فهم يسمعون مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة. ولكن انهم لا يفقهونه فقها ينفعهم. فلهذا كانوا صما لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول. عميا لا ينظرون نظر اعتبار. بكما فلا ينطقون لما فيه خير لهم. والسبب الموجب لذلك كله انه ليس لهم عقل صحيح. بل هم اسفه السفهاء واجهل الجهلاء. فهل يستريب العاقل ان فمن دعي الى الرشاد وزيد عن الفساد ونهي عن اقتحام العذاب وامر بما فيه صلاحه وفلاحه وفوزه ونعيمه فعصى الناصح وتولى عن امر ربك واقتحم النار على بصيرة. واتبع الباطل ونبذ الحق ان هذا ليس له مسكة من عقل. وانه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء انه من اسفه السفهاء يا ايها الذين امنوا كلوا منوا طيبات ما رزقناكم واشكروا هذا امر للمؤمنين خاصة بعد الامر العام. وذلك انهم هم المنتفعون على الحق بالاوامر والنواهي بسبب ايمانهم فامرهم باكل الطيبات من الرزق. والشكر لله على انعامه باستعمالها بطاعته. والتقوي بها ما يوصل اليه فامرهم بما امر به المرسلين في قوله يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا. فالشكر في هذه الاية هو العمل الصالح وهنا لم يقل حلالا لان المؤمن اباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة. ولان ايمانه يحجزه عن تناول ما ليس له وقوله ان كنتم اياه تعبدون اي فاشكروه. فدل على ان من لم يشكر الله فلم يعبده وحده. كما ان من شكره فقد عبده واتى بما امر به ويدل ايضا على ان اكل الطيب سبب للعمل الصالح وقبوله. والامر بالشكر عقيب النعم. لان الشكر يحفظ النعم الموجودة ويجلب النعم المفقودة. كما ان الكفر ينفر النعم المفقودة. ويزيل النعم الموجودة. ولما ذكرت على اباحة الطيبات ذكر تحريم فقال فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم انما حرم عليكم الميتة وهي ما مات بغير تذكية شرعية. لان الميتة خبيثة مضرة لرداءتها في نفسها ولان الاغلب ان تكون عن مرض فيكون زيادة ضرر. واستثنى الشارع من هذا العموم ميتة الجراد وسمك البحر. فانه حلال طيب والدم اي المسفوح كما قيد في الاية الاخرى. وما اهل به لغير الله اي ذبح لغير الله. كالذي يذبح للاصنام والاوثان من الاحجار والقبور ونحوها وهذا المذكور غير حاصل للمحرمات. جيء به لبيان اجناس الخبائث المدلول عليها بمفهوم قوله. طيب فعموم المحرمات تستفاد من الاية السابقة من قوله حلالا طيبا كما تقدم. وانما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها لطفا بنا وتنزيها عن المضر. ومع هذا فمن اضطر اي الجأ الى المحرم بجوع وعدم. او اكراه غير باغ اي غير طالب للمحرم مع قدرته على الحلال. او مع عدم جوعه ولا عاد. اي متجاوز الحد في تناول ما ابيح له اضطرارا فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال واكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها فلا اثم اي جناح عليه. واذا ارتفع الجناح رجع الامر والى ما كان عليه والانسان بهذه الحالة مأمور بالاكيد. بل منهي ان يلقي بيده الى التهلكة وان يقتل نفسه. فيجب اذا عليه ويأثم ان ترك الاكل حتى مات. فيكون قاتلا لنفسه. وهذه الاباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده. فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة. فقال ان الله غفور رحيم. ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين كان الانسان في هذه الحالة ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها. اخبر تعالى انه غفور فيغفر له ما اخطأ فيه في هذه الحال خصوصا وقد غلبته الضرورة. واذهبت حواسه المشقة. وفي هذه الاية دليل على القاعدة المشهورة. الضرورات تبيح المحظورات فكل محظور اضطر له الانسان فقد اباحه له الملك الرحمن. فلله الحمد والشكر اولا واخرا. وظاهرا وباطنا ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا كما يأكلون في بطونهم الا النار. ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكي ولهم عذاب اليم. اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة هذا وعيد شديد لمن كتم ما انزل الله على رسله من العلم الذي اخذ الله ساق على اهله ان يبينوه للناس ولا يكتموه. فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي ونبذ امر الله. فاولئك ما يأكلون في بطونهم الا لان هذا الثمن الذي اكتسبوه انما حصل لهم باقمح المكاسب واعظم المحرمات. فكان جزاؤهم من جنس عملهم ولا يكلمهم الله يوم القيامة بل قد سخط عليهم واعرض عنهم. فهذا اعظم عليهم من عذاب النار. ولا يزكيهم اي لا يطهرهم من الاخلاق الرذيلة ليس لهم اعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها. وانما لم يزكهم لانهم فعلوا اسباب عدم التزكية التي اعظم اسبابها العمل بكتاب الله والاهتداء به والدعوة اليه. فهؤلاء نبذوا كتاب الله واعرضوا عنه. واختاروا الضلالة على الهدى. والعذاب على المغفرة. فهؤلاء لا يصلح لهم الا النار. فكيف يصبرون عليها؟ وانى لهم الجلد عليها؟ ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد. ذلك المذكور وهو انجازاته بالعدل ومنعه اسباب الهداية. ممن اباها واختار سواها. بان الله نزل الكتاب بالحق. ومن الحق مجازاة المحسن باحسان والمسيء باساءته. وايضا ففي قوله نزل الكتاب بالحق ما يدل على ان الله انزله لهداية خلقه. وتبيين الحق من الباطل والهدى من الضلال. فمن صرفه عن مقصوده فهو حقي بان يجازى باعظم العقوبة. وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ايوه ان الذين اختلفوا في الكتاب فامنوا ببعضه وكفروا ببعضه. او الذين حرفوه وصرفوه على اهوائهم ومراداتهم. لفي شقاق اي محادة بعيد عن الحق. لانهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض. فمرج امرهم كثر شقاقهم وترتب على ذلك افتراقهم بخلاف اهل الكتاب الذين امنوا به وحكموه في كل شيء. فانهم اتفقوا واتفقوا بالمحبة اجتماع عليه وقد تضمنت هذه الايات الوعيدة للكاتمين لما انزل الله المؤثرين عليه عرض الدنيا بالعذاب والسخط وان الله لا يطهرهم توفيق ولا بالمغفرة وذكر السبب في ذلك بايثارهم الضلالة على الهدى. فترتب على ذلك اختيار العذاب على المغفرة. لعملهم بالاسباب التي يعلمون انها موصلة لها. وان الكتاب مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه. وعدم الافتراق. وان كل من خالفه فهو في غاية البعد عنه الحق والمنازعة والمخاصمة. والله اعلم ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وبنى السبيل والسار وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا قادرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون. يقول تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب اي ليس هذا هو البر المقصود من العباد. فيكون كثرة البحث فيه والجدال من العناء الذي ليس تحته الا الشقاق والخلاف. وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالسرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ونحو ذلك. ولكن البر من امن بالله اي بانه اله واحد موصوف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص. واليوم الاخر وهو كل ما اخبر الله به في كتابه او ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون يخبر تعالى بما من به على عباده بانه فرض عليهم الصيام كما فرضه على الامم السابقة. لانه من الشرائع والاوامر التي هي امر به الرسول مما يكون بعد الموت والملائكة الذين وصفهم الله لنا في كتابه ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم كتاب اي جنس الكتب التي انزلها الله على رسله واعظمها القرآن. فيؤمن بما تضمنه من الاخبار والاحكام. والنبيين عموما خصوصا خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم. واتى المال وهو كل ما يتموله الانسان من مال. قليلا كان او كثيرا اي اعطى المال على حبه اي حب المال. بين به ان المال محبوب للنفوس. فلا يكاد يخرجه العبد. فمن اخرجه مع حبه له تقربا الى الله تعالى كان هذا برهانا لايمانه. ومن ايتاء المال على حبه ان يتصدق وهو صحيح شحيح. يأمل الغنى ويخشى الفقر. وكذلك اذا كانت الصدقة عن قلة كانت افضل. لانه في هذه الحال يحب امساكه. لما يتوهمه من العدم والفقر. وكذلك اخراج نفيس من المال وما يحبه من ما له. كما قال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. فكل هؤلاء ممن اتى المال على ثم ذكر المنفق عليهم وهم اولى الناس ببرك واحسانك من الاقارب الذين تتوجع لمصابهم وتفرح بسرورهم الذين يتناصرون ويتعاقلون فمن احسن البر واوفقه تعاهد الاقارب بالاحسان المالي والقولي على حسب قربهم وحاجتهم. ومن اليتامى الذين لا كاسب لهم وليس لهم قوة يستغنون بها وهذا من رحمته تعالى بالعباد. الدالة على انه تعالى ارحم بعباده من الوالد بولده فالله قد اوصى العباد وفرض عليهم في اموالهم الاحسان الى من فقد اباؤهم ليصيروا كمن لم يفقد والديه ولان الجزاء من جنس العمل فمن رحم يتيم غيره رحم يتيمه. والمساكين وهم الذين اسكنتهم الحاجة واذلهم الفقر. فلهم حق على الاغنياء بما مسكنتهم او يخففها بما يقدرون عليه وبما يتيسر. وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فحث الله عباده على اعطائه من المال ما يعينه على سفره. لكونه مظنة الحاجة وكثرة المصارف. فعلى من انعم الله عليه بوطنه وراحته وخولهم من نعمته ان يرحم اخاه الغريب الذي بهذه الصفة على حسب استطاعته ولو بتزويده او اعطائه الة لسفره او دفع ما ينوبه من من المظالم وغيرها والسائلين اي الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج توجب السؤال كمن ابتلي بارش جناية او ضريبة عليه من ولاة الامور او يسأل الناس لتعمير المصالح العامة كالمساجد والمدارس والقناطر ونحو ذلك. فهذا له حق وان كان غنيا وفي الرقاب فيدخل فيه العتق والاعانة عليه. وبذل مال للمكاتب ليوفي سيده. وفداء الاسرى عند الكفار او عند الظلمة. واقام الصلاة وآتى الزكاة. قد تقدم مرارا ان الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة. لكونهما افضل العبادات واكمل القربات. عبادات قلبية مدنية ومالية وبهما يوزن الايمان ويعرف ما مع صاحبه من الايقان. والموفون بعهدهم اذا عاهدوا. والعهد هو الالتزام بالزام الله او الزام العبد لنفسه. فدخل في ذلك حقوق الله كلها. لكون الله الزم بها عباده والتزموها. ودخلوا تحت عهدتها ووجب عليهم اداؤها وحقوق العباد التي اوجبها الله عليهم. والحقوق التي التزمها العبد كالايمان والنذور ونحو ذلك في البأس اي الفقر لان الفقير يحتاج الى الصدر من وجوه كثيرة. لكونه يحصل له من الالام القلبية والبدنية المستمرة. ما لا لغيره. فان تنعم الاغنياء بما لا يقدر عليه تألم. وان جاع اوجاعت عياله تألم. وان اكل طعاما غير موافق لهواه تألم وان عري او كاد تألم وان نظر الى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألم. وان اصابه البرد الذي لا يقدر وعلى دفعه تألم. فكل هذه ونحوها مصائب يؤمر بالصبر عليها والاحتساب. ورجاء الثواب من الله عليها والضراء. اي المرض كاختلاف انواعه من حمى وقروح ورياح ووجع عضو. حتى الضرس والاصبع ونحو ذلك. فانه يحتاج الى الصبر على ذلك. لان ستضعف والبدن يألم وذلك في غاية المشقة على النفوس. خصوصا مع تطاول ذلك. فانه يؤمر بالصبر احتسابا لثواب الله تعالى وحين البأس اي وقت القتال للاعداء المأمور بقتالهم. لان الجلاد يشق غاية المشقة على النفس. ويجزع الانسان من القتل او الجراح او الاسر فاحتيج الى الصبر في ذلك احتسابا ورجاء لثواب الله تعالى الذي منه النصر والمعونة التي وعدها الصابرين. اولئك اي متصفون بما ذكر من العقائد الحسنة والاعمال التي هي اثار الايمان وبرهانه ونوره. والاخلاق التي هي جمال الانسان وحقيقته الانسانية فاولئك هم الذين صدقوا في ايمانهم. لان اعمالهم صدقت ايمانهم واولئك هم المتقون. لانهم تركوا المحظور وفعلوا المأمون لان هذه الامور مشتملة على كل خصال الخير تضمنا ولزوما. لان الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله. ولان العبادات المنصوص عليها في هذه الاية اكبر العبادات. ومن قام بها كان بما سواها اقوم. فهؤلاء هم الابرار الصادقون المتقون. وقد علم ما رتب الله وعلى هذه الامور الثلاثة من الثواب الدنيوي والاخروي. مما لا يمكن تفصيله في مثل هذا الموضع. يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصص في القتلى. فمن غفر له من اخيه شيء باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم يمتن تعالى على عباده المؤمنين بانه فرض عليهم القصاص في القتل. اي المساواة فيه وان يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقصود اقامة للعدل والقسط بين العباد. وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين. فيه دليل على انه يجب عليهم كلهم حتى اولياء القاتل حتى القاتل بنفسه اعانة ولي المقتول اذا طلب القصاص. وتمكينه من القاتل. وانه لا يجوز لهم ان يحولوا بين هذا الحد ويمنع الولية من الاقتصاص كما عليه عادة الجاهلية وما اشبههم من ايواء المحدثين. ثم بين تفصيل ذلك فقال الحر بالحر يدخل بمنطوقها الذكر بالذكر والانثى بالانثى والانثى بالذكر والذكر بالانثى. فيكون منطوقها مقدم على مفهوم الانثى بالانثى مع دلالة السنة على ان الذكر يقتل بالانثى وخرج من عموم هذا الابوان وان علوا فلا يقتلان الولد لورود السنة بذلك. مع ان في قوله القصاص ما يدل على انه ليس من العدل ان يقتل الوالد بولده. ولان ما في قلب الوالد الذي من الشفقة والرحمة ما يمنعه من القتل لولده الا بسبب اختلال في عقله او اذية شديدة جدا من الولد له. وخرج من العموم ايضا كافر بالسنة مع ان الاية في خطاب المؤمنين خاصة. وايضا فليس من العدل ان يقتل ولي الله بعدوه. والعبد بالعبد ذكرا كان او انثى تساوت قيمهما او اختلفت. ودل بمفهومها على ان الحر لا يقتل بالعبد. لكونه غير مساو له والانثى بالانثى اخذ بمفهوم فيها بعض اهل العلم فلم يجز قتل الرجل بالمرأة. وتقدم وجه ذلك. وفي هذه الاية دليل على ان الاصل وجوب القود في القتل. وان بدن عن فلهذا قال فمن عفي له من اخيه شيء اي عفا ولي المقتول عن القاتل الى الدية او عفا بعض الاولياء فانه يسقط القصاص وتجب الدية. وتكون الخيرة في القود واختيار الدية الى الولي. فاذا عفا عنه وجب على الولي اي ولي المقتول ان يتبع بيع القاتل بالمعروف من غير ان يشق عليه. ولا يحمله ما لا يطيق. بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه. وعلى القاتل اداء اليه باحسان من غير مطل ولا نقص ولا اساءة فعلية او قولية. فهل جزاء الاحسان اليه بالعفو؟ الا الاحسان بحسن القضاء. وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للانسان مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف. ومن عليه الحق بالاداء باحسان. وفي قوله فمن عفي له من اخي ترقيق وحث على العفو الى الدية. واحسن من ذلك العفو مجانا. وفي قوله اخيه دليل على ان القاتل لا يكفر. لان قادم الاخوة هنا اخوة الايمان. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الايمان. فلم يخرج بالقتل منها. ومن باب اولى ان سائر المعاصي التي هي دون كفر لا يكفر بها فاعلها وانما ينقص بذلك ايمانه. واذا عفا اولياء المقتول او عفا بعضهم احتقن دم القاتل وصار معصوما منهم ومن غيرهم. ولهذا قال فمن اعتدى بعد ذلك اي بعد العفو فله عذاب اليم. اي في الاخرة. واما قتله وعدمه فيؤخذ مما تقدم. لانه قتل مكافئا له فيجب قتله بذلك. واما من فسر العذاب الاليم بالقتل. فان الاية ستدل على انه يتعين قتله ولا يجوز العفو عنه. وبذلك قال بعض العلماء والصحيح الاول لان جنايته لا تزيد على جناية غيره ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص. فقال ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم ولكم في القصاص حياة. اي تنحقن بذلك الدماء وتنقمع به الاشقياء. لان من عرف انه مقتول اذا قتل لا يكاد يصدر منه القتل. واذا رؤي القاتل مقتولا انذعر بذلك غيره وانزجر. فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل. لم يحصل من كتاب الشر الذي يحصل بالقتل. وهكذا سائر الحدود الشرعية. فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار. ونكر الحياء لافادة التعظيم والتكفير. ولما كان هذا الحكم لا يعرف حقيقته الا اهل العقول الكاملة. والالباب الثقيلة. خصهم بالخطاب دون وهذا يدل على ان الله تعالى يحب من عباده ان يعملوا افكارهم وعقولهم في تدبر ما في احكامه من الحكم والمصالح الدالة على كماله وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة. وان من كان بهذه المثابة فقد استحق المدح بانه من ذوي الالباب الذين وجه الخطاب وناداهم رب الارباب وكفى بذلك فضلا وشرفا لقوم يعقلون. وقوله لعلكم تتقون. وذلك ان من عرف ربه عرف ما في دينه وشرعه من الاسرار العظيمة والحكم البديعة. والايات الرفيعة. اوجب له ذلك ان انقاد لامر الله. ويعظم معاصيه في تركها فيستحق بذلك ان يكون من المتقين الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين. اي فرض الله عليكم يا معشر المؤمنين اذا حضر احدكم الموت اي اسبابه كالمرض المشرف على الهلاك. وحضور اسباب المهالك. وكان قد ترك خيرا. اي مالا وهو المال عرفا فعليه ان يوصي لوالديه واقرب الناس اليه بالمعروف على قدر حاله من غير سرف ولا اتصال على الابعد دون الاقرب بل يرتب وهم على القرب والحاجة. ولهذا اتى فيه بافعال التفضيل. وقوله حقا على المتقين. دل على وجوب ذلك. لان الحق هو الثابت قد جعله الله من موجبات التقوى. واعلم ان جمهور المفسرين يرون ان هذه الاية منسوخة باية المواريث. وبعضهم يرى انها في الوالدين والاقربين غير الوارثين مع انه لم يدل على التخصيص بذلك دليل. والاحسن في هذا ان يقال ان هذه الوصية للوالدين والاقربين مجملة ردها الله تعالى الى العرف الجاري. ثم ان الله تعالى قدر للوالدين الوارثين. وغيرهما من الاقارب الوارثين هذا المعروف. في ايات غريب بعد ان كان مجملا وبقي الحكم في من لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الارث وغيرهما ممن حجب بشخص او وصف. فان الانسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم احق الناس ببره. وهذا القول تتفق عليه الامة ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين. لان كلا من القائلين بهما كل منهم لاحظ ملحظا واختلف المورد. فبهذا الجمع يحصل الاتفاق والجمع بين الايات لانه مهما امكن الجمع كان احسن من ادعاء النسخ الذي لم يدل عليه دليل صحيح. ولما كان الموصي قد يمتنع من الوصية لما يتوهمه ان من بعده قد يبدل ما قال تعالى ان الله سميع عليم. فمن خاف من موصي جنفا او اثما فاصلح بينهم فلا ان الله غفور رحيم فمن بدله اي الاساءة للمذكورين او بهم بعد ما سمع اي بعدما عقله وعرف طرقه وتنفيذه. فانما اثمه على الذين يبدلونه. والا فالموصي وقع اجره على الله وانما الاثم على المبدل المغير. ان الله سميع يسمع سائر الاصوات ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته. فينبغي له ان يراقب اما من يسمعه ويراه وان لا يجور في وصيته عليم بنيته وعليم بعمل الموصى اليه. فاذا اجتهد الموصي وعلم الله من نيته ذلك اثابه ولو اخطأ. وفيه التحذير الموصى اليه من التبديل. فان الله عليم به. مطلع على ما فعله. فليحذر من الله. هذا حكم الوصية العادلة. واما الوصية التي فيها حيف وجنف واثم. فينبغي لمن حضر الموصي وقت الوصية بها ان ينصحه بما هو الاحسن والاعدل وان ينهاه عن الجور والجنف وهو الميل بها عن خطأ من غير تعمد. والاثم وهو التعمد لذلك. فان لم يفعل ذلك فينبغي له ان يصلح بين الموصى اليهم ويتوصلا الى العدل بينهم على وجه التراضي والمصالحة. ووعظهم بتبرئة ذمة ميتهم. فهذا قد فعل معروفا عظيما وليس عليه اثم كما على مبدل الوصية الجائزة. ولهذا قال ان الله غفور اي يغفر جميع الزلات ويصفحه عن التبعات لمن ابى اليك ومنه مغفرته لمن غض من نفسه وترك بعض حقه لاخيه. لان من سامح سامحه الله غفور لميتهم الجائر في وصيته اذا احتسبوا بمسامحة بعضهم بعضا لاجل براءة ذمته. رحيم بعباده حيث شرع لهم كل امر به يتراحمون ويتعاطفون. فدلت هذه الايات على الحث على الوصية وعلى بيان من هي له. وعلى وعيد المبدل الوصية العادلة. والترغيب في الاصلاح في الوصية الجائرة. يا مصلحة للخلق في كل زمان. وفيه تنشيط لهذه الامة. بانه ينبغي لكم ان تنافسوا غيركم في تكميل الاعمال. والمسارعة الى صالح قال وانه ليس من الامور الثقيلة التي اختصيتم بها. ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام. فقال لعلكم تتقون فان الصيام من اكبر اسباب التقوى. لان فيه امتثال امر الله واجتناب نهيه. فمما اشتمل عليه من التقوى ان الصائم يترك ما حرم الله عليه من الاكل والشرب والجماع ونحوها. التي تميل اليها نفسه. متقربا بذلك الى الله. راجيا بتركها ثوابه. فهذا من التقوى منها ان الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى في ترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه. لعلمه باطلاع الله عليه. ومنها ان صيام يضيق مجاري الشيطان فانه يجري من ابن ادم مجرى الدم. فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي. ومنها ان ان في الغالب تكثر طاعته. والطاعات من خصال التقوى. ومنها ان الغني اذا ذاق الم الجوع اوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى وعلى الذين يطيقونه فدية تصوموا خير لكم ان ولما ذكر انه فرض عليهم الصيام اخبر انه ايام معدودات اي قليلة في غاية السهولة ثم سهل تسهيلا اخر. فقال فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. وذلك للمشقة في الغالب رخص الله لهما في الفطر. ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن. امرهما ان يقضياه في ايام اخر. اذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة. وفي قوله فعدة من ايام فيه دليل على انه يقضي عدد ايام رمضان. كاملا كان او ناقصا وعلى انه يجوز ان يقضي اياما قصيرة باردة عن ايام طويلة حارة كالعكس. وقوله وعلى الذين يطيقونه ان الصيام فدية عن كل يوم يفطرونه. طعام مسكين وهذا في ابتداء فرض الصيام. لما كانوا غير معتادين للصيام. وكان فرضه حتما فيه مشقة عليهم. درجهم الرب الحكيم باسهل طريق. وخير المطيق للصوم بين ان يصوم. وهو افضل او يطعم ولهذا قال وان تصوموا خير لكم. ثم بعد ذلك جعل الصيام حتما على المطيق. وغير المطيق يفطر ويقضيه في ايام اخر وقيل وعلى الذين يطيقونه ان يتكلفونه ويشق عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان يريد الله بكم اليسر ولا يريد الله على ما هداكم ولعلكم شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اي الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان. الشهر العظيم الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم. وهو القرآن الكريم المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية. وتبيين الحق باوضح بيان بين الحق والباطل والهدى والضلال. واهل السعادة واهل الشقاوة. فحقق بشهر هذا فضله. وهذا احسان الله عليكم فيه ان يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام. فلما قرره وبين فضيلته وحكمة الله تعالى في تخصيصه. قال فمن شهد منكم الشهر فليصم هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر. ولما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصة. اعاد الرخصة للمريض والمسافر لان لا يتوهم ان الرخصة ايضا منسوخة. فقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. اي يريد الله تعالى ان عليكم الطرق الموصلة الى رضوانه اعظم تيسير. ويسهلها اشد تسهيل. ولهذا كان جميع ما امر الله به عباده في غاية السهولة في اصله واذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهله تسهيلا اخر. اما باسقاطه او تخفيفه بانواع التخفيفات وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لان تفاصيلها جميع الشرعيات ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات. ولتكملوا العدة وهذا والله اعلم لان لا يتوهم متوهم ان صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه رفع هذا الوهم بالامر بتكميل عدته وبشكر الله تعالى عند اتمامه على توفيقه وتسهيله وتبينه لعباده. وبالتكبير عند انقضائه ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال الى فراغ خطبة العيد واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم هذا جواب سؤال سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه فقالوا يا رسول الله اقريب ربنا فنناجيه؟ ام بعيد فنناديه؟ فنزل. واذا سألك عبادي عني فاني قريب. لانه تعالى الرقيب الشهيد لكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم اي ولا خذوا اموالكم اي اموال غيركم اضافها اليهم. لانه ينبغي للمسلم ان يحب لاخيه ما يحب لنفسه. ويحترم ما له كما يحترم المطلع على السر واخفى. يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. فهو قريب ايضا من داعيه بالاجابة. ولهذا قال اجيب دعوة الداعي اذا دعان والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة. والقرب نوعان قرب بعلمه من كل خلقه. وقرب من عابديه وداعيه بالاجابة والمعونة والتوفيق. فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع. ولم يمنع مانع من اجابة الدعاء اكل الحرام ونحوه فان الله قد وعده بالاجابة. وخصوصا اذا اتى باسباب اجابة الدعاء. وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لاوامره نواهيه القولية والفعلية والايمان به الموجب للاستجابة. فلهذا قال فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. اي لهم الرشد الذي هو الهداية للايمان والاعمال الصالحة. ويزول عنهم الغي المنافي للايمان والاعمال الصالحة. ولان الايمان بالله والاستجابة اجابة لامره سبب لحصول العلم. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. ثم قال تعالى احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهم علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم الان باشروهن وابتغوا وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم ولا تلك حدود الله فلا تقربوها. كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون. كان في اول فرض الصيام يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الاكل والشرب والجماع. فحصلت المشقة لبعضهم فخفف الله تعالى عنهم ذلك. فاباح في ليالي الصيام كلها الاكل والشرب وهو الجماع سواء نام او لم ينم. لكونهم يختانون انفسهم بترك بعض ما امروا به. فتاب الله عليكم بان وسع لكم امرا انا لولا توسعته موجبا للاثم وعفى عنكم ما سلف من التخون. فالان بعد هذه الرخصة والسعة من الله باشروهن وقبلة ولمسا وغير ذلك. وابتغوا ما كتب الله لكم. اينوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب الى الله تعالى. والمقصود الاعظم من الوطء وهو حصول الذرية واعفاف فرجه وفرج زوجته. وحصول مقاصد النكاح. ومما كتب الله لكم ليلة القدر الموافق ثقة لليالي صيام رمضان. فلا ينبغي لكم ان تشتغلوا بهذه اللذة عنها وتضيعوها. فاللذة مدركة وليلة القدر اذا فاتت لم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. هذا غاية للاكل والشرب والجماع. وفيه انه اذا اكل ونحى شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه. وفيه دليل على استحباب السحور للامر. وانه يستحب تأخيره اخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد وفيه ايضا دليل على انه يجوز ان يدركه الفجر وهو جنب من الجماع. قبل ان يغتسل ويصح صيامه. لان لازم اباحة في الجماع الى طلوع الفجر ان يدركه الفجر وهو جنب. ولازم الحق حق. ثم اذا طلع الفجر اتموا الصيام اي الامساك عن الى الليل وهو غروب الشمس. ولما كان اباحة الوطء في ليالي الصيام ليست اباحته عامة لكل احد. فان المعتكف لا يحل له ذلك استثناه بقوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد. اي وانتم متصفون بذلك ودلت الاية على مشروعية الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى وانقطاعا اليه. وان الاعتكاف لا يصح الا في المسجد. ويستفاد من تعريف المساجد انها المساجد المعروفة عندهم. وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس. وفيه ان الوطأ من مفسدات الاعتكاف. تلك المذكورات وهو الاكل والشرب والجماع ونحوه من المفطرات في الصيام وتحريم الفطر على غير المعذور وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات حدود الله التي حدها لعباده ونهاهم عنها. فقال فلا تقربوها ابلغ من قوله فلا تفعلوها. لان القربان يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه. والنهي عن وسائله الموصلة اليه. والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد عنها غاية ما يمكنه. وترك لكل سبب يدعو اليها. واما الاوامر فيقول الله فيها تلك حدود الله فلا تعتدوها. فينهى عن مجاوزتها. كذلك اي بين الله لعباده الاحكام السابقة اتم تبيين. واوضحها لكم اكمل ايضاح. يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون. فان انهم اذا بان لهم الحق اتبعوه. واذا تبين لهم الباطل اجتنبوه. فان الانسان قد يفعل المحرم على وجه الجهل بانه محرم. ولو علم تحريمه انه لم يفعله فاذا بين الله للناس اياته لم يبق لهم عذر ولا حجة فكان ذلك سببا للتقوى. ولا تأكلوا اموال ما له؟ ولان اكله لما لغيره يجرأ غيره على اكل ماله عند القدرة. ولما كان اكلها نوعين نوعا بحق ونوعا بباطل. وكان محرم انما هو اكلها بالباطل. قيده تعالى بذلك. ويدخل في ذلك اكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة او عارية. او نحو لذلك ويدخل فيه ايضا اخذها على وجه المعاوضة. بمعاوضة محرمة كعقود الربا والقمار كلها. فانها من اكل المال بالباطل لانه ليس في مقابلة عوض مباح. ويدخل في ذلك اخذها بسبب غش في البيع والشراء والاجارة ونحوها. ويدخل في ذلك استعمال الاجراء واكل اجرتهم. وكذلك اخذهم اجرة على عمل لم يقوموا بواجبه. ويدخل في ذلك اخذ الاجرة على العبادات والقربات التي لا تصح. حتى ليقصد بها وجه الله تعالى ويدخل في ذلك الاخذ من الزكوات والصدقات والاوقاف والوصايا لمن ليس له حق منها او فوق حقه فكل هذا ونحوه من اكل المال بالباطل. فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه حتى ولو حصل فيه النزاع. وحصل الارتفاع الى حاكم الشرع الى من يريد اكلها بالباطل بحجة غلبت حجة المحق. وحكم له الحاكم بذلك فان حكم الحاكم لا يبيح محرما ولا يحلل حراما ما يحكم على نحو مما يسمع والا فحقائق الامور باقية فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ولا شبهة ولا استراحة. فمن ادلى الى الحاكم بحجة باطلة. وحكم له بذلك فانه لا يحل له. ويكون اكلا لما لغيره بالباطل والاثم. وهو عالم بذلك. فيكون في عقوبته واشد في نكاله. وعلى هذا فالوكيل اذا علم ان موكله مبطل في دعواه لم يحل له ان يخاصم عن الخائن. كما قال تعالى ولا تكن للخائنين خصيما. يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج قوله تعالى يسألونك عن الاهلة جمع هلال ما فائدتها وحكمتها؟ او عن ذاتها؟ قل هي مواقيت للناس اي جعلها الله الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير. يبدو الهلال ضعيفا في اول الشهر. ثم يتزايد الى نصفه. ثم يشرع في النقص الى كماله. وهكذا ليعرف الناس بذلك مواقيت عباداتهم من الصيام. واوقات الزكاة والكفارات واوقات الحج. ولما كان الحج يقع في اشهر معلومات ويستغرق اوقاتا كثيرة. قال والحج وكذلك تعرف بذلك اوقات الديون المؤجلات. ومدة الايجارات ومدة العدد وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق. فجعله تعالى حسابا يعرفه كل احد من صغير وكبير. وعالم وجاهل. فلو كان الحساب كانت الشمسية لم يعرفه الا النادر من الناس. وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها. وهذا كما كان الانصار وغيرهم من العرب. اذا قاموا لم يدخلوا البيوت من ابوابها تعبدا بذلك. وظنا انه بر. فاخبر الله انه ليس ببر. لان الله تعالى لم يشرعه لهم. وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله فهو متعبد ببدعة. وامرهم ان يأتوا البيوت من ابوابها لما فيه من السهولة عليهم التي هي قاعدة من قواعد الشرع. ويستفاد من اشارة الاية انه ينبغي في كل امر من الامور ان يأتيه الانسان من الطريق السهل القريب. الذي قد جعل له موصلا فالامر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي ان ينظر في حالة المأمور ويستعمل معه الرفق والسياسة التي بها يحصل المقصود المقصود او بعضه والمتعلم والمعلم ينبغي ان يسلك اقرب طريق واسهله. يحصل به مقصوده. وهكذا كل من حاول امرا من الامور من ابوابه وثابر عليه. فلا بد ان يحصل له المقصود بعون الملك المعبود. واتقوا الله هذا هو البر الذي امر الله به. وهو لزوم تقواه على الدوام بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. فانه سبب للفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب. والنجاة من المرهوب. فمن لم يتق الله الله تعالى لم يكن له سبيل الى الفلاح. ومن اتقاه فاز بالفلاح والنجاح. وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين هذه الايات تتضمن وبالقتال في سبيل الله. وهذا كان بعد الهجرة الى المدينة. لما قوي المسلمون للقتال امرهم الله به. بعدما كانوا مأمورين بكف ايديهم وفي تخصيص القتال في سبيل الله حث على الاخلاص ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين. الذين يقاتلونكم اي الذين مستعدون لقتالكم وهم المكلفون الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال. والنهي عن الاعتداء يشمل انواع الاعتداء كلها من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين. والاطفال والرهبان ونحوهم. والتمثيل بالقتلى وقتل الحيوانات وقطع الاشجار ونحوها بغير مصلحة تعود للمسلمين. ومن الاعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية اذا بذلوها. فان ذلك لا يجوز عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه. فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك نساء الكافرين. فان انتهوا فان الله غفور رحيم. واقتلوهم حيث اقفتموهم هذا امر بقتالهم اينما وجدوا في كل وقت وفي كل زمان قتال مدافعة وقتال مهاجمة ثم استثنى من هذا العموم قتالهم عند المسجد الحرام وانه لا يجوز الا ان يبدأوا بالقتال. فانهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم. وهذا مستمر في كل وقت حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا. فان الله يتوب عليهم. ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله والشرك في المسجد الحرام. وصد والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده. ولما كان القتال عند المسجد الحرام يتوهم انه مفسدة في هذا البلد الحرام اخبر تعالى ان المفسدة بالفتنة عنده بالشرك والصد عن دينه. اشد من مفسدة القتل. فليس عليكم ايها المسلمون حرج في قتالهم ويستدل بهذه الاية على القاعدة المشهورة وهي انه يرتكب اخف المفسدتين لدفع اعلاهما. وقاتلوهم حتى الا تكون فتنة ويكون الدين لله. فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله. وانه ليس المقصود به سفك دماء الكفار واخذ اموالهم. ولكن المقصود به في ان يكون الدين لله تعالى. في ظهر دين الله تعالى على سائر الاديان. ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره. وهو المراد بالفتنة. فاذا اذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال. فان انتهوا عن قتالكم عند المسجد الحرام. فلا عدوان الا على الظالمين. اي فليس عليهم منكم اعتداء الا من ظلم منهم فانه يستحق المعاقبة بقدر ظلمه فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا يقول تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام يحتمل ان يكون المراد به ما وقع من المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عام الحديبية. عن الدخول لمكة وقاضوهم على دخولها من قبل. وكان الصد والقصر في شهر حرام وهو ذو القعدة فيكون هذا بهذا. فيكون فيه تطييب لقلوب الصحابة بتمام نسكهم وكماله. ويحتمل ان يكون المعنى انكم ان قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه وهم المعتدون. فليس عليكم في ذلك حرج. وعلى هذا فيكون قوله والحرمات قصاص من باب عطف العام على الخاص اي كل شيء يحترم من شهر حرام او بلد حرام او احرام او ما هو اعم من ذلك جميع ما امر الشرع باحترامه. فمن تجرأ عليها فانه يقتص منه. فمن قاتل في الشهر الحرام قاتل. ومن هتك البلد الحرام اخذ منه الحد ولم يكن له حرمة. ومن قتل مكافئا له قتل به. ومن جرحه او قطع عضوا منه اقتص منه. ومن اخذ مال غيره المحترم اخذ منه بدله ولكن هل لصاحب الحق ان يأخذ من ماله بقدر حقه ام لا؟ خلاف بين العلماء الراجح من ذلك انه ان كان الحق ظاهرا كالضيف اذا لم يقره غيره. والزوجة والقريب اذا امتنع من تجب عليه النفقة من الانفاق عليه. فانه يجوز اخذه من ما له وان كان السبب خفيا كمن جحد دين غيره او خانه في وديعة او سرق منه ونحو ذلك فانه لا يجوز ان يأخذ من مقابلة له جمعا بين الادلة. ولهذا قال تعالى تأكيدا وتقوية لما تقدم. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم هذا تفسير لصفة المقاصة. وانها هي المماثلة في مقابلة المعتدي. ولما كانت النفوس في الغالب لا تقف على حدها اذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي امر تعالى بلزوم تقواه التي هي الوقوف عند حدوده وعدم تجاوزها. واخبر تعالى انه مع المتقين اي بالعون والنصر والتأييد والتوفيق. ومن كان الله معه حصل له السعادة الابدية. ومن لم يلزم التقوى تخلف عنه وليه وخذله. فوكله الى نفسه فصار هلاكه اقرب اليه من حبل الوريد اهي ولا تلقوا بايديكم من التهلكة واحسنوا. ان الله يحب المحسنين يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله. وهو اخراج الاموال في الطرق الموصلة الى الله. وهي كل طرق الخير من صدقة على مسكين. او قريب او انفاق على من تجب مؤنته. واعظم ذلك واول ما دخل في ذلك. الانفاق في الجهاد في سبيل الله. فان النفقة فيها جهاد وهو فرض كالجهاد بالبدن. وفيها من المصالح العظيمة. الاعانة على تقوية المسلمين. وعلى توهية الشرك واهله. وعلى اقامة الله واعزازه. فالجهاد في سبيل الله لا يقوم الا على ساق النفقة. فالنفقة له كالروح لا يمكن وجوده بدونها. وفي ترك الانفاق في سبيل الله ابطال للجهاد. وتسليط للاعداء. وشدة تكالبهم. فيكون قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة كالتعليل لذلك والالقاء باليد الى التهلكة يرجع الى امرين ترك ما امر به العبد اذا كان تركه موجبا او مقاربا لهلاك البدن او الروح وفعل ما هو سبب موصل الى تلف النفس او الروح. فيدخل تحت ذلك امور كثيرة. فمن ذلك ترك الجهاد في سبيل الله او النفقة الموجب لتسلط الاعداء ومن ذلك تغرير الانسان بنفسه في مقاتلة او سفر مخوف او محل مسبعة او حيات او يصعد شجرا او بنيانا خطرا او يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك. فهذا ونحوه ممن القى بيده الى التهلكة. ومن الالقاء باليد التهلكة الاقامة على معاصي الله. واليأس من التوبة. ومنها ترك ما امر الله به من الفرائض. التي تركها هلاك للروح والدين ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعا من انواع الاحسان امر بالاحسان عموما. فقال واحسنوا ان الله يحب المحسنين وهذا يشمل جميع انواع الاحسان. لانه لم يقيده بشيء دون شيء. فيدخل فيه الاحسان بالمال كما تقدم. ويدخل فيه الاحسان بالجاه بالشكل ساعات ونحو ذلك. ويدخل في ذلك الاحسان بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتعليم العلم النافع. ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس. من كرباتهم وازالة شداتهم. وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وارشاد ضالهم واعانة من يعمل عملا. والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك مما هو من الاحسان الذي امر الله به. ويدخل في الاحسان ايضا الاحسان في عبادة الله تعالى. وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فمن اتصف بهذه الصفات كانوا من الذين قالوا الله فيهم للذين احسنوا الحسنى وزيادة. وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل اموره. ولما فرغ تعالى من ذكر احكام الصيام فالجهاد ذكر احكام الحج فقال ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضر المسجد واتقوا الله واعلموا ان الله شديد العقاب. يستدل بقوله تعالى واتموا الحج والعمرة على امور. احدها وجوب الحج والعمرة وفرضيتهما. الثاني وجوب اتمامهما باركانهما وواجباتهما التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله خذوا عني مناسككم الثالث ان فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة. الرابع ان الحج والعمرة يجب اتمامهما بالشروع فيهما. ولو كانا نفلا. الخامس الامر باتقان واحسانهما وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما. السادس وفيه الامر باخلاصهما لله تعالى. السابع انه ايخرج المحرم بهما بشيء من الاشياء حتى يكملهما. الا بما استثناه الله وهو الحصر. فلهذا قال فان احصرتم اي منعتم من الى البيت لتكمينهما بمرض او ضلالة او عدو. ونحو ذلك من انواع الحصر. الذي هو المنع فما استيسر من الهدي اي ما استيسر من الهدي وهو سبع بدنه او سبع بقرة او شاة يذبحها المحصر ويحلق ويحل من احرامه بسبب الحصر. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لما صدهم المشركون عام الحديبية فان لم يجد الهدي فليصم بدله عشرة ايام كما في المتمتع ثم يحل ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وهذا من محظورات الاحرام ازالة الشعر حلق او غيره لان المعنى واحد من الرأس او من البدن. لان المقصود من ذلك حصول الشعث والمنع من الترفه بازالته. وهو موجود في بقية الشعر وقاس كثير من العلماء على ازالة الشعر تقليم الاظفار بجامع الترفه ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ والهدي محله وهو يوم النحر. والافضل ان يكون الحلق بعد النحر. كما تدل عليه الاية. ويستدل بهذه الاية على ان المتمتع اذا الهدي لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر. فاذا طاف وسعى للعمرة احرم بالحج. ولم يكن له احلال بسبب سوق الهدي. وانما منع تبارك وتعالى من ذلك لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له. والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد. وليس عليه في ذلك من ضرر اذا حصل الضرر بان كان به اذى من مرض ينتفع بحلق رأسه له او قروح او قمل ونحو ذلك فانه يحل له ان يحلق رأسه ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة ايام او صدقة على ستة مساكين او نسك ما يجزئ في اضحية فهو مخير. والنسك وافضل فالصدقة في الصيام. ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك من تقليم الاظفار او تغطية الرأس او لبس المخيط. او التطيب فانه يجوز عند الضرورة مع وجوب الفدية المذكورة. لان القصد من الجميع ازالة ما به يترفه. ثم قال تعالى فاذا امنتم اي بان قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره. فمن تمتع بالعمرة الى الحج بان توصل بها اليه. وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منه منها فما استيسر من الهدي اي فعليه ما تيسر من الهدي. وهو ما يجزئ في اضحية. وهذا دم نسك. مقابلة لحصول النسكين له هو في سفرة واحدة. ولانعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة. بعد فراغ العمرة وقبل الشروع في الحج. ومثلها القران لحصول له ويدل مفهوم الاية على ان المفرد للحج ليس عليه هدي. ودلت الاية على جواز بل فضيلة المتعة. وعلى جواز فعل بها في اشهر الحج. فمن لم يجد اي الهدي او ثمنه. فصيام ثلاثة ايام في الحج. اول جوازها من حين الاحرام بالعمرة. واخر ثلاثة ايام بعد النحر. ايام رمي الجمار والمبيت بمنى. ولكن الافضل منها ان يصوم السابع والثامن والتاسع. وسبعة اذا ارجعتم؟ اي فرغتم من اعمال الحج؟ فيجوز فعلها في مكة وفي الطريق. وعند وصوله الى اهله. ذلك المذكور من وجوب الهدي على المتمتع لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام بان كان عنه مسافة قصر فاكثر. او بعيدا عنه عرفا. فهذا الذي يجب عليه الهدي لحصول النسكين له في سفر واحد. واما من كان اهله من حاضري المسجد الحرام. فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك. واتقوا الله اي في جميع اموركم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات. واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الاية واعلموا ان الله شديد العقاب. اي لمن عصاه. وهذا هو الموجب للتقوى. فان من خاف عقاب الله ان كف عما يوجب العقاب كما ان من رجا ثواب الله عمل لما يوصله الى الثواب. واما من لم يخف العقاب ولم يرجو الثواب. اقتحم المحارم. وتجرأ على ترك الواجبات الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق يخبر تعالى ان الحج عنف اشهر معلومات عند المخاطبين. مشهورات بحيث لا تحتاج الى تخصيص. كما احتاج الصيام الى تعيين شهره. وكما بين تعالى اوقات الصلوات اخواتي الخمس. واما الحج فقد كان من ملة ابراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم. والمراد بالاشهر المعلومات عند جمهور العلماء شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. فهي التي يقع فيها الاحرام بالحج غالبا. فمن فرض فيهن الحج اي احرم به لان الشروع فيه يصيره فرضا ولو كان نفلا. واستدل بهذه الاية الشافعي ومن تابعه على انه لا يجوز الاحرام بالحج قبل اشهره. قلت لو قيل ان فيها دلالة لقول الجمهور بصحة الاحرام بالحج قبل اشهره. لكان قريبا. فان قوله فمن فرض فيهن الحج دليل على ان الفرض قد يقع في الاشهر المذكورة. وقد لا يقع فيها والا لم يقيده. وقوله فلا ولا فسوق ولا جدال في الحج. اي يجب ان تعظموا الاحرام بالحج. وخصوصا الواقع في اشهره. وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية. خصوصا عند النساء بحضرتهن. والفسوق وهو جميع المعاصي. ومنها محظورات والجدال وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة. لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج. الذل انكسار لله والتقرب اليه بما امكن من القربات. والتنزه عن مقارفة السيئات. فانه بذلك يكون مبرورا. والمبرور ليس له جزاء الا الجنة وهذه الاشياء. وان كانت ممنوعة في كل مكان وزمان. فانها يتغلب المنع عنها في الحج. واعلم انه لا يتم التقرب الى الله بترك المعاصي حتى يفعل الاوامر. ولهذا قال تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله. اتى بمن؟ لتنصيص العموم فكل خير وقربة وعبادة داخل في ذلك. اي فان الله به عليم. وهذا يتضمن غاية الحث على افعال الخير. وخصوصا في تلك الشريفة والحرمات المنيفة. فانه ينبغي تدارك ما امكن تداركه فيها. من صلاة وصيام وصدقة وطواف واحسان قولي وفعلي حصول رضا الله والفوز بالنعيم المقيم. والقرب من الرب الرحيم. فصار هذا الدعاء اجمع دعاء واكمله. واولاه بالايثار. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به ويحث عليه. واذكروا الله في ايام معدودات ثم امر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك فان تزود فيه الاستغناء عن المخلوقين والكف عن اموالهم سؤالا واستشرافا وفي الاكثار منه نفع واعانة للمسافرين. وزيادة قربة لرب العالمين. وهذا الزاد الذي المراد منه اقامة البنية بلغة ومتاع المزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه. فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى دار القرار. وهو الموصل لاكمله للذة واجل نعيم دائم ابدا. ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به. الذي هو عرضة لكل شر. وممنوع من الوصول الى دار المتقين فهذا مدح للتقوى. ثم امر بها اولي الالباب. فقال واتقوني يا اولي الالباب. ايا اهل العقول الرزينة. اتقوا ربكم لكم الذي تقواه اعظم ما تأمر به العقول وتركها دليل على الجهل وفساد الرأي واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن لما امر تعالى بالتقوى اخبر تعالى ان ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره ليس فيه حرج اذا لم يشغل عما يجب اذا كان المقصود هو الحج. وكان الكسب حلالا منسوبا الى فضل الله. لا منسوبا الى حذق العبد. والوقوف مع السبب ونسيان المسبب فان هذا هو الحرج بعينه. وفي قوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام. دلالة على امور احدها الوقوف بعرفة وانه كان معروفا انه ركن من اركان الحج. فالافاضة من عرفات لا تكون الا بعد الوقوف. الثاني الامر وبذكر الله عند المشعر الحرام وهو المزدلفة. وذلك ايضا معروف يكون ليلة النحر بائتا بها. وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعيا حتى يسفر جدا ويدخل في ذكر الله عنده ايقاع الفرائض والنوافل فيه. الثالث ان الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف عرفة كما تدل عليه الفاء والترتيب. الرابع والخامس ان عرفات ومزدلفة كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها واظهارها السادس ان مزدلفة في الحرم كما قيده بالحرام. السابع ان عرفة في الحل كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين. ايذكروا الله تعالى كما من عليكم بالهداية بعد الضلال. وكما علمكم ما لم هل تكونوا تعلمون فهذه من اكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم في القلب واللسان واستغفروا الله ان الله غفور رحيم رحيم. ثم افيضوا من حيث افاض الناس. اي ثم افيضوا من مزدلفة من حيث افاض الناس من لدن ابراهيم عليه السلام الى الان والمقصود من هذه الافاضة كان معروفا عندهم وهو رمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي والمبيت بمنى ليالي التشريق وتكميل باقي المناسك. ولما كانت هذه الافاضة يقصد بها ما ذكر. والمذكورات اخر المناسك. امر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والاكثار من ذكره. فالاستغفار للخلل الواقع من العبد في اداء عبادته وتقصيره فيها. وذكر الله شكر الله على انعامه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة. وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ان يستغفر الله عن التقصير. ويشكر وعلى التوفيق لا كمن يرى انه قد اكمل العبادة ومن بها على ربه وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة فهذا حقيق بالمقت ورد العمل كما ان الاول حقيق بالقبول والتوفيق لاعمال اخر. فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم ابدا فمن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وماله وفي الاخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة الله سريع الحساب. ثم اخبر تعالى عن احوال الخلق وان الجميع يسألونه مطالبهم ويستدفعونه ما ولكن مقاصدهم تختلف فمنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا ايسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته وليس له في الاخرة من نصيب لرغبته عنها وقصر همته على الدنيا. ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين. ويفتقر اليه في مهمات دينه ودنياه. وكل من هؤلاء وهؤلاء لهم نصيب من كسبهم وعملهم. وسيجازيهم تعالى على حسب اعمالهم وهماتهم ونياتهم. جزاء دائرا من العدل سوى الفضل يحمد عليه اكمل حمد واتمه. وفي هذه الاية دليل على ان الله يجيب دعوة كل داع مسلما او كافرا او فاسقا لكن ليست اجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته له وقربه منه. الا في مطالب الاخرة ومهمات الدين. والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد من رزق هنيء واسع حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين وراحة وعلم وعمل صالح ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة. وحسنة الاخرة هي السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى. واتقوا الله واعملوا اعلموا انكم اليه تحشرون. يأمر تعالى بذكره في الايام المعدودات. وهي ايام التشريق الثلاثة بعد العيد مزيتها وشرفها وكون بقية احكام المناسك تفعل بها. ولكون الناس اضيافا لله فيها. ولهذا حرم صيامها. فللذكر فيها ليست لغيرها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ايام التشريق ايام اكل وشرب وذكر لله. ويدخل في ذكر الله في ذكره عند رمي الجمار وعند الذبح. والذكر المقيد عقب الفرائض. بل قال بعض العلماء انه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر وليس ببعيد. فمن تعجل في يومين اي خرج من منى ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني فلا اثم عليه. ومن تأخر بان بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد فلا اثم عليه. وهذا تخفيف من الله تعالى على عباده في اباحة كلا الامرين. ولكن من المعلوم انه اذا ابيح كلا الامرين فالتأخر افضل. لانه اكثر عبادة. ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره والحاصل ان الحرج منفي عن المتقدم. والمتأخر فقط ايده بقوله لمن اتقى اي اتقى الله في جميع اموره واحوال الحج فمن اتقى الله في كل شيء حصل له نفي الحرج في كل شيء. ومن اتقاه في شيء دون شيء. كان الجزاء من جنس العمل. واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب معاصيه. واعلموا انكم اليه تحشرون. فمجازيكم باعمالكم. فمن اتقاه وجد جزاء التقوى عنده. ومن لم اتقه عاقبه اشد العقوبة. فالعلم بالجزاء من اعظم الدواعي لتقوى الله. فلهذا حث تعالى على العلم بذلك يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام. لما امر تعالى بالاكثار من ذكره وخصوصا في الاوقات الفاضلة الذي هو خير ومصلحة وبر. اخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه. ويخالف فعله قوله فالكلام اما ان يرفع الانسان او يخفضه. فقال ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا. اي اذا تكلم راق كلامه السامع واذا نطق ظننته يتكلم بكلام نافع ويؤكد ما يقول بانه يشهد الله على ما في قلبه بان يخبر ان الله يعلم ان ما في قلبه موافق لما نطق به. وهو كاذب في ذلك لانه يخالف قوله فعله. فلو كان صادقا لتوافق القول والفعل. كحال المؤمن غير المنافق فلهذا قال وهو الد الخصام. اي اذا خاصمته وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب. وما يترتب على ذلك ما هو من مقابر الصفات ليس كاخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم. والانقياد للحق وظيفتهم. والسماحة سجيتهم لا سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. واذا تولى هذا الذي يعجبك قوله اذا حضر عندك سعى في الارض ليفسد فيها ان يجتهدوا على اعمال المعاصي التي هي افساد في الارض ويهلك بسبب ذلك الحرث والنسل. فالزروع والثمار والمواشي تتلف وتنقص وتقل بركتها بسبب العمل في المعاصي. والله الله لا يحب الفساد. واذا كان لا يحب الفساد. فهو يبغض العبد المفسد في الارض غاية البغض. وان قال بلسانه قولا حسنا. ففي هذه الاية دليل على ان الاقوال التي تصدر من الاشخاص ليست دليلا على صدق ولا كذب ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها نزكي لها وانه ينبغي اختبار احوال الشهود والمحق والمبطل من الناس بسبر اعمالهم والنظر لقرائن احوالهم والا يغتر وبتمويههم وتزكيتهم انفسهم ثم ذكر ان هذا المفسد في الارض بمعاصي الله اذا امر بتقوى الله تكبر وانف واخذته العزة الاثم واذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم في جمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين فحسبه جهنم التي هي دار العاصين والمتكبرين بئس المهاد اي المستقر والمسكن عذاب دائم وهم لا ينقطع ويأس مستمر لا يخفف عنهم العذاب ولا يرجون الثواب جزاء لجناياتهم ومقابلة لاعمالهم. فعياذا بالله من احوالهم. ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء والله رؤوف بالعباد ومن والله رؤوف هؤلاء هم الموفقون الذين باعوا انفسهم وارخصوها وبذلوا طلبا لمرضاة الله ورجاء لثوابه. فهم بذلوا الثمن للمليء الوفي الرؤوف بالعباد. الذي من رأفته ورحمته ان وفقهم لذلك قد وعد الوفاء بذلك فقال ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة. وفي هذه الاية اخبر انهم اشتروا انفسهم وبذلوها واخبر برأفته الموجبة لتحصين ما طلبوا وبذل ما به رغبوا. فلا تسأل بعد هذا عن ما يحصل لهم من الكريم. وما يناله من الفوز والتكريم. ولا سمعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين. هذا امر من الله تعالى للمؤمنين ان يدخلوا في السلم كافر اي في جميع شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئا والا يكونوا ممن اتخذ الهه هو اه ان وافق الامر المشروع هواه فعله وان خالفه تركه. بل الواجب ان يكون الهوى تبعا للدين. وان يفعل كل ما يقدر عليه من افعال الخير. وما يعجز عنه. يلتزمه وينويه فيدركه بنيته. ولما كان الدخول في السلم كافة لا يمكن ولا يتصور الا بمخالفة طرق الشيطان. قال ولا تتبعوا خطوات الشيطان اي في العمل بمعاصي الله. انه لكم عدو مبين. والعدو المبين لا يأمر الا بالسوء والفحشاء. وما به الضرر عليك ولما كان العبد لا بد ان يقع منه خلل وزلل. قال تعالى ان الله عزيز حكيم. فان زللتم من بعد ما جاءتكم اي على علم ويقين فاعلموا ان الله عزيز حكيم. وفيه من الوعيد الشديد والتخويف ما يوجب ترك الزلل. فان العزيز القاهر حكيم اذا عصاه العاصي قهره بقوته. وعذبه بمقتضى حكمته. فان من حكمته تعذيب العصاة والجناة. اليوم في ظل وقضي الامر والى وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب. يقول تعالى هل ينتظر الساعون في الفساد في الارض؟ المتبعون لخطوات الشيطان النابذون لامر الله الا يوم الاعمال الذي قد حشي من الاهوال والشدائد والفظائع. ما يقلقل قلوب الظالمين ويحق به الجزاء السيء على المفسدين وذلك ان الله تعالى يطوي السماوات والارض. وتنثر الكواكب وتكور الشمس والقمر. وتنزل الملائكة الكرام فتحيط بالخلائق. وينزل الباري تبارك وتعالى في ظلل من الغمام. ليفصل بين عباده بالقضاء العدل. فتوضع الموازين وتنشر الدواوين. وتبيض وجوه اهل للسعادة وتسود وجوه اهل الشقاوة ويتميز اهل الخير من اهل الشر. وكل يجازى بعمله. فهنالك يعض الظالم على يديه. اذا علم حقيقة ما هو عليه وهذه الاية وما اشبهها دليل لمذهب اهل السنة والجماعة المثبتين للصفات الاختيارية كالاستواء والنزول والمجيء ونحو ذلك من الصفات التي اخبر بها تعالى عن نفسه. او اخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. فيثبتونها على وجه يليق بجلاله الله وعظمته من غير تشبيه ولا تحريف خلافا للمعطلة على اختلاف انواعهم من الجهمية والمعتزلة والاشعرية ونحوهم ممن ينفي هذه الصفات ويتأول لاجلها الايات. بتأويلات ما انزل الله عليها من سلطان. بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله. والزعم بان كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب. فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي بل ولا دليل عقلي. اما النقلي فقد اعترفوا ان النصوص الواردة في الكتاب والسنة ظاهرها بل صريحها دال على مذهب اهل السنة والجماعة. وانها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل. ان خرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص. وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من ايمان. واما العقل فليس في العقل ما تدل على نفي هذه الصفات بل العقل دل على ان الفاعل اكمل من الذي لا يقدر على الفعل. وان فعله تعالى المتعلق بنفسه والمتعلق بخلقه هو كمال فان زعموا ان اثباتها يدل على التشبيه بخلقه. قيل لهم الكلام على الصفات يتبع الكلام على الذات. فكما ان لله ذات الا تشبهها الذوات فلله صفات لا تشبهها الصفات. فصفاته تبع لذاته. وصفات خلقه تبع لذواتهم. فليس في اثباتها ما التشبيه بوجه. ويقال ايضا لمن اثبت بعض الصفات ونفى بعضها. او اثبت الاسماء دون الصفات. اما ان تثبت الجميع كما اثبته الله لنفسه واثبته رسوله واما ان تنفي الجميع وتكون منكرا لرب العالمين. واما اثباتك بعد ذلك ونفيك لبعضه. فهذا تناقض ففرق بينما اثبته وما نفيته. ولن تجد الى الفرق سبيلا. فان قلت ما اثبته لا يقتضي تشبيها. قال لك اهل السنة والاثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيها. فان قلت لا اعقل من الذي نفيته الا التشبيه. قال لك النفاة ونحن لا نعقل من الذي اثبته الا التشبيه فما اجبت به النفاة اجابك به اهل السنة لما نفيته. والحاصل ان من نفى شيئا واثبت شيئا مما دل الكتاب والسنة على فهو متناقض لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي. بل قد خالف المعقول والمنقول الرسل فتيقنوها وعرفوها فلم يقوموا بشكر هذه النعمة التي تقتضي القيام بها بل كفروا بها وبدلوا نعمة الله كفرا فلهذا استحقوا ان ينزل الله عليهم عقابه ويحرمهم من ثوابه. وسمى الله تعالى كفر النعمة تبديلا لها. لان من انعم الله عليه بنعمة دينية او دنيوية فلم يشكرها ولم يقم بواجبها اذ ما حلت عنه وذهبت وتبدلت بالكفر والمعاصي. فصار الكفر بدل النعمة واما من شكر الله تعالى وقام بحقها فانها تثبت وتستمر. ويزيده الله منها. زين للذين اثر الحياة الدنيا ويسهرون من الذين امنوا زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخر من الذين امنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء يخبر تعالى ان الذين كفروا بالله وبآياته ورسله ولم ينقادوا لشرعه انهم زينت لهم الحياة الدنيا فزينت في اعينهم وقلوبهم فرضوا بها واطمأنوا بها وصارت اهواءهم واراداتهم واعمالهم كلها لها فاقبلوا واكبوا على تحصيلها وعظموها وعظموا من شاركهم في صنيعهم. واحتقروا المؤمنين واستهزأوا بهم وقالوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا. وهذا من ضعف عقولهم ونظرهم القاصر. فان الدنيا دار ابتلاء وامتحان. وسيحصل الشقاء فيها لاهل الايمان والكفران بل المؤمن في الدنيا وانا له مكروه فانه يصبر ويحتسب. فيخفف الله عنه بايمانه وصبره ما لا يكون لغيره. وانما الشأن كل الشأن والتفضيل الحقيقي في الدار الباقية. فلهذا قال تعالى والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة. فيكون المتقون في اعلى الدرجات استعين بانواع النعيم والسرور والبهجة والحبور. والكفار تحتهم في اسفل الدركات. معذبين بانواع العذاب والاهانة والشقاء السرمدي. الذي امنتهى له. ففي هذه الاية تسلية للمؤمنين ونعي على الكافرين. ولما كانت الارزاق الدنيوية والاخروية لا تحصل الا بتقدير ولن تنال الا بمشيئة الله. قال تعالى والله يرزق من يشاء بغير حساب. فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر واما رزق القلوب من العلم والايمان ومحبة الله وخشيته ورجائه ونحو ذلك فلا يعطيها الا من يحب وما اختلف فيه الا الذين البينات بغيا بينهم. فهدى الله الذين امنوا اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم اي كانوا مجتمعين على الهدى وذلك عشرة قرون بعد نوح عليه السلام. فلما اختلفوا في الدين فكفر منهم وبقي الفريق الاخر على الدين. وحصل النزاع وبعث الله الرسل ليفصلوا بين الخلائق ويقيموا الحجة عليهم. وقيل بل كانوا على الكفر والضلال والشقاء. ليس لهم نور ولا ايمان. فرحمهم الله تعالى بارسال الرسل اليهم. مبشرين من اطاع الله بثمرات الطاعة من الرزق والقوة في البدن والقلب والحياة الطيبة. واعلى ذلك الفوز برضوان الله والجنة. ومنذرين من عصى الله بثمرات المعصية من حرمانه الرزق والضعف والاهانة والحياة الضيقة. واشد ذلك سخط الله والنار. وانزل معهم الكتاب بالحق. وهو الاخبارات الصادقة والاوامر العادلة فكل ما اشتملت عليه الكتب فهو حق يفصل بين المختلفين في الاصول والفروع. وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع. ان يرد الاختلاف الى والله والى رسوله ولولا ان في كتابه وسنة رسوله فصل النزاع لما امر بالرد اليهما. ولما ذكر نعمته العظيمة بانزال الكتب يا اهل الكتاب وكان هذا يقتضي اتفاقهم عليها واجتماعهم. فاخبر تعالى انهم بغى بعضهم على بعض. وحصل النزاع والخصام وكثرة الاختلاف فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي ان يكونوا اولى الناس بالاجتماع عليه. وذلك من بعد ما علموه وتيقنوه بالايات البينات والادلة القاطعات. فضلوا بعيدا. فهدى الله الذين امنوا من هذه الامة لما اختلفوا فيه من الحق. فكل ما اختلف فيه اهل الكتاب واخطأوا فيه الحق والصواب هدى الله للحق فيه هذه الامة باذنه تعالى وتيسيره لهم ورحمته. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. فعم الخلق تعالى بالدعوة الى الصراط المستقيم. عدلا منه تعالى واقامة حجة على الخلق. لان لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وهذا بفضله ورحمته واعانته ولطفه. من شاء من عباده فهذا فضله واحسانه. وذاك عدله وحكمته مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول الذين امنوا معه متى نصر الله. الا ان نصر الله قريب يخبر تعالى انه لابد ان يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة. كما فعل بمن قبلهم فهي سنته الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل ان من قام بدينه وشرعه لابد ان يبتليه. فان صبر على امر الله ولم يبالي بالمكاره الواقفة في سبيله. فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كماله ومن السيادة التها. ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله بان صدته المكاره عما هو بصدده. وثنته المحن عن مقصده. فهو الكاذب في دعوى الايمان فانه ليس الايمان بالتحلي والتمني ومجرد الدعاوى حتى تصدقه الاعمال او تكذبه. فقد جرى على الامم الاقدمين ما ذكر الله عنهم مستهم البأس اي الفقر والضراء اي الامراض في ابدانهم. وزلزلوا بانواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي واخذ الاموال وقتل الاحبة وانواع المضار حتى وصلت بهم الحال والم بهم الزلزال الى ان استبطأوا نصر الله مع ولكن لشدة الامر وضيقه. قال الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله؟ فلما كان الفرج عند الشدة وكلما ضاق الامر تسع قال تعالى الا ان نصر الله قريب. فهكذا كل من قام بالحق فانه يمتحن. فكلما اشتدت عليه وصعبت اذا روى ثابر على ما هو عليه. انقلبت المحنة في حقه منحة. والمشقات راحات. واعقبه ذلك الانتصار على الاعداء. وشفاء ما في قلبه من وهذه الاية نظير قوله تعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين قوله تعالى الف لام ميم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فلا يعلمن من الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. فعند الامتحان يكرم المرء او يهان. يسألونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وبني السبيل ما تفعلوا من خير فان الله به عليم. ان يسألونك عن النفقة. وهذا يعم السؤال عن المنفق والمنفق عليه فاجابهم عنهما فقال قل ما انفقتم من خير اي مال قليل او كثير فاولى الناس به واحقهم بالتقديم حقا عليك وهم الوالدان الواجب برهما. والمحرم عقوقهما. ومن اعظم العقوق ترك الانفاق عليهما. ولهذا فكانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر. ومن بعد الوالدين الاقربون على اختلاف طبقاتهم. الاقرب فالاقرب على بالقرب والحاجة فالانفاق عليهم صدقة وصلة. واليتامى وهم الصغار الذين لا كاسب لهم. فهم في مظنة الحاجة لعدم قيام بمصالح انفسهم وفقد الكاسب. فوصى الله بهم العباد رحمة منه بهم ولطفا. والمساكين وهم اهل الحاجات وارباب الضرورات الذين اسكنتهم الحاجة فينفق عليهم لدفع حاجاتهم واغنائهم. وابن السبيل اي الغريب المنقطع به في غير بلده عانوا على سفره بالنفقة التي توصله الى مقصده. ولما خصص الله تعالى هؤلاء الاصناف لشدة الحاجة عمم تعالى فقال وما افعلوا من خير اي من صدقة على هؤلاء وغيرهم. بل ومن جميع انواع الطاعات والقربات. لانها تدخل في اسم الخير. فان الله عليم فيجازيكم عليه ويحفظه لكم. كل على حسب نيته واخلاصه. وكثرة نفقته وقلتها. وشدة الحاجة اليها وعظم وقعها ونفعها كتب عليكم القتال وهو كره لكم هو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا اتعلمون. هذه الاية فيها فرض القتال في سبيل الله. بعدما كان المؤمنون مأمورين بتركه. لضعفهم عدم احتمالهم لذلك فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة وكثر المسلمون امرهم الله تعالى بالقتال واخبر انه مكروه للنفوس. لما فيه من التعب والمشقة وحصول انواع المخاوف والتعرض للمتالف. ومع هذا فهو خير محض ما فيه من الثواب العظيم والتحرز من العقاب الاليم. والنصر على الاعداء والظفر بالغنائم. وغير ذلك مما هو مرب على ما فيه من الكراهة وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم. وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة فانه شر. لانه يعقب الخذلان الاعداء على الاسلام واهله. وحصول الذل والهوان وفوات الاجر العظيم. وحصول العقاب. وهذه الايات عامة مطردة في افعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة انها خير بلا شك. وان افعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك. واما احوال الدنيا فليس الامر مطردا. ولكن الغالب على العبد المؤمن انه اذا احب امرا من الامور قيض الله له من الاسباب ما يصرفه عنه انه خير له. فالاوفق له في ذلك ان يشكر الله ويجعل الخير في الواقع انه يعلم ان الله تعالى ارحم بالعبد من نفسه. واقدر على مصلحة عبده منه. واعلم بمصلحته منه. كما قال تعالى والله يعلم وانتم لا تعلمون. فاللائق بكم ان تتمشوا مع اقداره. سواء سرتكم او ساءتكم. ولما كان الامر بالقتال لو لم يقيد شمل الاشهر الحرم وغيرها. استثنى تعالى القتال في الاشهر الحرم. فقال في الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل. ولا يزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه اعمالهم في الدنيا والاخرة النار هم فيها خالدون. الجمهور على ان تحريم القتال في الاشهر الحرم منسوخ. بالامر بقتال حيثما وجدوا. وقال بعض المفسرين انه لم ينسخ. لان المطلق محمول على المقيد. وهذه الاية مقيدة لعموم الامر القتال مطلقا ولان من جملة مزية الاشهر الحرم بل اكبر مزاياها تحريم القتال فيها. وهذا انما هو في قتال الابتداء. واما قتال الدفع فانه يجوز في الاشهر الحرم كما يجوز في البلد الحرام. ولما كانت هذه الاية نازلة بسبب ما حصل لسرية عبدالله بن جحش وقتلهم عمرو بن الحضرمي واخذهم اموالهم. وكان ذلك على ما قيل في شهر رجب عيرهم المشركون بالقتال بالاشهر الحرم وكانوا في تعييرهم ظالمين. اذ فيه من القبائح ما بعظه اعظم مما عيروا به المسلمين. قال تعالى في بيان ما فيهم وصد عن لله اي صد المشركين من يريد الايمان بالله وبرسوله وفتنتهم من امن به وسعيهم في ردهم عن دينهم وكفرهم الحاصل في الشهر الحرامي والبلد الحرام الذي هو بمجرده كاف في الشر. فكيف وقد كان في شهر حرام وبلد حرام؟ واخراج اهله اي اهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. لانهم احق به من المشركين وهم عماره على الحقيقة. فاخرجوهم منه ولم يمكنوهم من الوصول اليه. مع ان هذا البيت سواء العاكف فيه والباد. فهذه الامور كل واحد منها اكبر من القتل في الشهر الحرام فكيف وقد اجتمعت فيهم؟ فعلم انهم فسقة ظلمة في تعييرهم المؤمنين. ثم اخبر تعالى انهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين وليس غرضهم في اموالهم وقتلهم. انما غرضهم ان يرجعوهم عن دينهم. ويكونوا كفارا بعد ايمانهم. حتى يكونوا من اصحاب فهم باذلون قدرتهم في ذلك. ساعون بما امكنهم ويأبى الله الا ان يتم نوره. ولو كره الكافرون. وهذا الوصف عام لكل الكفار لا يزالون يقاتلون غيرهم حتى يردوهم عن دينهم. وخصوصا اهل الكتاب من اليهود والنصارى. الذين بذلوا الجمعيات نشروا الدعاة وبث الاطباء وبنوا المدارس لجذب الامم الى دينهم. وتدخيلهم عليهم كل ما يمكنهم من الشبه التي تشككهم في دينهم ولكن المرجو من الله تعالى الذي من على المؤمنين بالاسلام واختار لهم دينه القيم واكمل لهم دينه ان يتم عليهم نعمته بالقيام به اتم القيام وان يخذل كل من اراد ان يطفئ نوره ويجعل كيدهم في نحورهم وينصر دينه ويعلي كلمته. وتكون هذه الاية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار. كما صدقت على من قبلهم. ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون. والذين كفروا الى جهنم يحشرون. ثم اخبر تعالى ان من ارتد عن الاسلام بان اختار عليه الكفر واستمر على ذلك حتى مات كافرا. فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. لعدم وجود شرطها والاسلام واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. ودلت الاية بمفهومها ان من ارتد ثم عاد الى الاسلام انه يرجع اليه عمله الذي قبل ردته. وكذلك من تاب من المعاصي فانها تعود اليه اعماله المتقدمة الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله اولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم هذه الاعمال الثلاثة هي عنوان السعادة والقطب رحى العبودية. وبها يعرف ما مع الانسان من الربح والخسران. فاما الايمان فلا تسأل من فضيلته وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين اهل السعادة واهل الشقاوة واهل الجنة من اهل النار. وهو الذي اذا كان مع العبد قبلت اعماله الخير منه واذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل ولا فرض ولا نفل. واما الهجرة فهي مفارقة المحبوب المألوف لرضى الله تعالى في ترك المهاجر وطنه وامواله واهله وخلانه تقربا الى الله ونصرة لدينه. واما الجهاد فهو بذل الجهد في في مقارعة الاعداء والسعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان. وهو ذروة الاعمال الصالحة. وجزاؤه افضل الجزاء وهو السبب الاكبر اكبر لتوسيع دائرة الاسلام وخذلان عباد الاصنام. وامن المسلمين على انفسهم واموالهم واولادهم. فمن قام بهذه الاعمال الثلاثة على لأوائها ومشقتها. كان لغيرها اشد قياما به وتكميلا. فحقق بهؤلاء ان يكونوا هم الراجون رحمة الله. لانهم اتوا السبب الموجب للرحمة. وفي هذا دليل على ان الرجاء لا يكون الا بعد القيام باسباب السعادة. واما الرجاء المقارن للكسل وعدم القيام اسباب فهذا عجز وتمن وغرور. وهو دال على ضعف همة صاحبه ونقص عقله. بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح. ووجود التي بلا بذر وسقي ونحو ذلك. وفي قوله اولئك يرجون رحمة الله. اشارة الى ان العبد ولو اتى من الاعمال بما اتى به لا ينبغي له ان يعتمد عليها ويعول عليها. بل يرجو رحمة ربه ويرجو قبول اعماله ومغفرة ذنوبه. وستر عيوبه. ولهذا قال قال والله غفور. اي لمن تاب توبة نصوحا. رحيم وسعت رحمته كل شيء. وعن مجوده واحسانه كل حي. وفي هذه الاية دليل على ان من قام بهذه الاعمال المذكورة حصل له مغفرة الله اذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله واذا حصلت له المغفرة ان دفعت عنه عقوبات الدنيا والاخرة. التي هي اثار الذنوب التي قد غفرت واضمحلت اثارها. واذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا والاخرة. بل اعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم. فلولا توفيقه اياهم لم يريدوها. ولولا اقدارهم هم عليها لم يقدروا عليها. ولولا احسانه لم يتمها ويقبلها منهم. فله الفضل اولا واخرا. وهو الذي من بالسبب والمسبب ثم قال تعالى الناس واثمهما اكبر من نفعهما. اي يسألك يا ايها الرسول المؤمنون عن احكام الخمر والميسر. وقد كان مستعملين في واول الاسلام فكأنه وقع فيهما اشكال. فلهذا سألوا عن حكمهما. فامر الله تعالى نبيه ان يبين لهم منافعها ومضارهما ليكون ذلك مقدمة لتحريمها وتحطيم تركهما. فاخبر ان اثمهما ومضارهما وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال عن ذكر الله وعن الصلاة والعداوة والبغضاء. اكبر مما يظنونه من نفعهما. من كسب المال بالتجارة بالخمر وتحصيله بالقمار النفوس عند تعاطيهما. وكان هذا البيان زاجرا للنفوس عنهما. لان العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته. ويجتنب ما ترجحت مضرته ولكن لما كانوا قد الفوهما وصعب التحتيم بتركهما اول وهلة. قدم هذه الاية مقدمة للتحريم. الذي ذكره في قوله يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان. الى قوله منتهون وهذا من لطفه ورحمته وحكمته تسكن بها قلوبهم وتطمئن لها خواطرهم. وفيه بقية مما ترك ال موسى وال هارون. فاتت به الملائكة حاملة له هم يرونه عيانا شربوا منه الا قليلا منهم. فلما جاوزه هو والذين امنوا معه قالوا لا طاقة ولهذا لما نزلت قال عمر رضي الله عنه انتهينا انتهينا. فاما الخمر فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه من اي نوع كان واما الميسر فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين من النرد والشطرنج. وكل مغالبة قولية او فعلية بعوض سوى مسابقة الخيل والابل والسهام. فانها مباحة لكونها معينة على الجهاد. فلهذا رخص فيها الشارع. ويسألونه الاخرة. وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من اموالهم. فيسر الله لهم الامر وامرهم ان ينفقوا العفو. وهو المتيسر من اموالهم الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم. وهذا يرجع الى كل احد بحسبه. من غني وفقير ومتوسط. كل له قدرة على انفاق ما عفا من ما له ولو شق تمرة. ولهذا امر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ان يأخذ العفو من اخلاق الناس وصدقاتهم. ولا يكلفهم ما عليهم ذلك بان الله تعالى لم يأمرنا بما امرنا به حاجة منه لنا. او تكليفا لنا بما يشق. بل امرنا بما فيه سعادتنا وما يسهل علينا وما به النفع لنا ولاخواننا. فيستحق على ذلك اتم الحمد. ولما بين تعالى هذا البيان الشافي واطلع العباد على شرعه قال كذلك يبين الله لكم الايات. اي الدالات على الحق المحصلات للعلم النافع والفرقان. لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة. اي لكي تستعملوا افكاركم في اسرار شرعه. وتعرفوا ان اوامره فيها مصالح الدنيا والاخرة. وايضا لكي فكروا في الدنيا وسرعة انقضائها فترفضوها. وفي الاخرة وبقائها. وانها دار الجزاء فتعمروها عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فاخوانكم لما نزل قوله تعالى ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون شق ذلك على المسلمين وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى خوفا على انفسهم من تناولها. ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة البركة فيها. وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فاخبرهم تعالى ان المقصود اصلاح اموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها وان خلطتهم اياهم في طعام او غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى لانهم اخوانكم ومن شأن الاخ مخالطة اخيه والمرجع وفي ذلك الى النية والعمل. فمن علم الله من نيته انه مصلح لليتيم. وليس له طمع في ما له. فلو دخل عليه شيء من غير قصد. لم يكن عليه بأس ومن علم الله من نيته ان قصده بالمخالطة التوصل الى اكلها وتناولها فذلك الذي حرج واثم. والوسائل لها احكام المقاصد وفي هذه الاية دليل على جواز انواع المخالطات في المآكل والمشارب والعقود وغيرها وهذه الرخصة لطف من الله تعالى واحسان وتوسعة على المؤمنين. والا فلو شاء الله لاعنتكم اي شق عليكم بعدم الرخصة بذلك فحرجتم. وشق عليكم ثم اثمتم ان الله عزيز. اي له القوة الكاملة والقهر لكل شيء. ولكنه مع ذلك حكيم. لا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته كاملة وعنايته التامة. فعزته لا تنافي حكمته. فلا يقال انه ما شاء فعل. وافق الحكمة او خالفها. بل يقال ان افعاله وكذلك احكامه تابعة لحكمته فلا يخلق شيئا عبثا بل لابد له من حكمة عرفناها ام لم نعرفها. وكذلك لم يشرع لعباده شيئا مجردا عن الحكمة. فلا يأمر الا بما فيه مصلحة خالصة او راجحة. ولا ينهى الا عن ما فيه مفسدة خالصة او راجحة لتمام حكمته ورحمته حتى مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم اولئك يدعون الى ويبين اياته ايوه لا تنكحوا النساء المشركات ما دمنا على شركهن. لان المؤمنة ولو بلغت من الدمامة ما بلغ خير من المشركة ولو بلغت من الحسن ما بلغت. وهذه عامة في جميع النساء المشركات. وخصصتها اية المائدة في اباحة نسائهم في اهل الكتاب كما قال تعالى والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب. ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا. وهذا عام لا تخصيص فيه. ثم ما ذكر تعالى الحكمة في تحريم نكاح المسلم او المسلمة لمن خالفهما في الدين. فقال اولئك يدعون الى النار اي في اقوالهم او افعالهم واحوالهم فمخالطتهم على خطر منهم والخطر ليس من الاخطار الدنيوية انما هو الشقاء الابدي. ويستفاد من تعليل الاية النهي عن كل مشرك ومبتدع. لانه اذا لم يجز التزوج مع ان فيه مصالح كثيرة. فالخلطة المجردة من باب اولى. وخصوصا الخلطة التي نفقات رجاء المثوبات. ولهذا قال تعالى والله بما تعملون بصير. فيعمل عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل. فيجازيه اتم الجزاء ثم قال تعالى ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم كالخدمة ونحوها. وفي قوله ولا تنكحوا المشركين. دليل على اعتبار الولي في النكاح. والله يدعو الى الجنة والمغفرة. ان يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة التي من اثارها دفع العقوبات. وذلك بالدعوة الى اسبابهما من الاعمال الصالحة والتوبة النصوح والعلم النافع والعمل الصالح. ويبين اياته اي احكامه وحكمها للناس لعلهم يتذكرون ولهم ذلك التذكر لما نسوه وعلم ما جهلوه والامتثال لما ضيعوه. ثم قال تعالى قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهر فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله. ان الله يحب التوابين يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض كما كانت قبل ذلك ام تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود؟ فاخبر تعالى ان الحيض اذى. واذا كان اذى. فمن الحكمة ان يمنع الله تعالى عباده عن الاذى وحده ولهذا قال فاعتزلوا النساء في المحيض. اي مكان الحيض وهو الوطء في الفرج خاصة. فهذا المحرم اجماعا. وتخصيص الاعتزال في المحيض يدل على ان مباشرة الحائض وملامستها في غير الوطء في الفرج جائز. لكن قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن. يدل على ان المباشرة فيما قرب من الفرج وذلك فيما بين السرة والركبة ينبغي تركه. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اراد ان يباشر امرأته وهي حائض امرها ان تعتذر فيباشرها. وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحيض. حتى يطهرن. اي ينقطع دمهن. فاذا انقطع الدم سال المنع الموجود وقت جريانه. الذي كان لحله شرطان انقطاع الدم والاغتسال منه. فلما انقطع الدم زال الشرط الاول وبقي الثاني فلهذا قال فاذا تطهرن اي اغتسلن فاتوهن من حيث امركم الله اي في القبل لا في الدبر. لانه محل الحرث وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض. وان انقطاع الدم شرط لصحته. ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده. وصيانة عن الاذى قال تعالى ان الله يحب التوابين. اي من ذنوبهم على الدوام. ويحب المتطهرين. اي المتنزهين عن الاثام. وهذا التطهر الحسي من الانجاس والاحداث. ففيه مشروعية الطهارة مطلقا. لان الله يحب المتصف بها. ولهذا كانت الطهارة مطلقا شرطا لصحة الصلاة والطواف وجواز مس المصحف ويشمل التطهر المعنوي عن الاخلاق الرذيلة والصفات القبيحة والافعال الخسيسة نساءكم حرث لكم فاتوا حرثكم انا شئتم قدموا وقدموا واتقوا الله واعلموا انكم ملاقون وبشر المؤمنين. وقدموا انفسكم واتقوا الله واعلموا انكم ملاقون. واعلموا ان انكم ملاقوا وبشر المؤمنين نسائكم حرث لكم فاتوا حرفكم ان شئتم ومدبرة غير انه لا يكون الا في القبل لكونه موضع الحرث. وهو الموضع الذي يكون منه الولد. وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر لان الله لم يبح اتيان المرأة الا في الموضع الذي منه الحرث. وقد تكاثرت الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك ولعن فاعله وقدموا لانفسكم اي من التقرب الى الله بفعل الخيرات. ومن ذلك ان يباشر الرجل امرأته ويجامعها على وجه القربة والاحتساب. وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم واتقوا الله اي في جميع احوالكم كونوا ملازمين لتقوى الله مستعينين بذلك علمكم انكم مناقوه ومجازيكم على اعمالكم الصالحة وغيرها. ثم قال وبشر المؤمنين لم يذكر المبشر به ليدل على العموم وان لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. وكل خير واندفاع كل ضير رتب على الايمان. فهو داخل في هذه البشارة وفيها محبة الله للمؤمنين ومحبة ما يسرهم واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما اعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والاخروي الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم المقصود من اليمين والقسم تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه. وكان الله تعالى قد امر بحفظ الايمان. وكان مقتضى ذلك حفظها وفي كل شيء ولكن الله تعالى استثنى من ذلك اذا كان البر باليمين يتضمن ترك ما هو احب اليه. فنهى عباده ان يجعلوا ايمانهم عرضة اي مانعة وحائلة عن ان يبروا ان يفعلوا خيرا او يتقوا شرا او يصلحوا بين الناس. فمن حلف على ترك واجب وجب حنثه حرم اقامته على يمينه. ومن حلف على ترك مستحب استحب له الحنف. ومن حلف على فعل محرم وجب الحنف. او على فعل مكروه تحب الحنف واما المباح فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنف. ويستدل بهذه الاية على القاعدة المشهورة انه اذا تزاحمت قدم اهمها. فهنا تتميم اليمين مصلحة وامتثال اوامر الله في هذه الاشياء مصلحة اكبر من ذلك. فقدمت لذلك ثم ختم الاية بهذين الاسمين الكريمين. فقال والله سميع اي لجميع الاصوات عليم بالمقاصد والنيات. ومنه سماعه لاقوال وعلمه بمقاصدهم هل هي خير ام شر؟ وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته وان اعمالكم ونياتكم قد استقر علمها عنده ثم قال تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم اي لا يؤاخذكم بما يجري على من الايمان اللاغية التي يتكلم بها العبد من غير قصد منه ولا كسب قلب. ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه لا والله وبلى والله. وكحلفه على امر ماض يظن صدق نفسه. وانما المؤاخذة على ما قصده بالقلب وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الاقوال. كما هي معتبرة في الافعال. والله غفور لمن تاب اليه. حليم بمن عصاه. حيث لم يعاجله بالعقوبة. ما الحلم عنه وستر؟ وصفح مع قدرته عليه وكونه بين يديه غفور رحيم. وهذا من الايمان الخاصة بالزوجة في امر خاص وهو حلف الزوج على ترك وطأ زوجته مطلقا او مقيدا باقل من اربعة اشهر او اكثر. فمن انا من زوجته خاصة فان كان لدون اربعة اشهر فهذا مثل سائر الايمان ان حنف كفر وان اتم يمينه فلا شيء عليه وليس لزوجته عليه سبيل لان ملكه اربعة اشهر. وان كان ابدا او مدة تزيد على اربعة اشهر. ضربت له مدة اربعة اشهر من يمينه اذا طلب زوجته ذلك لانه حق لها. فاذا تمت امر بالفئة وهو الوطئ. فان وطأ فلا شيء عليه الا كفارة اليمين. وان امتنع اجبر على الطلاق فان امتنع طلق عليه الحاكم. ولكن الفيئة والرجوع الى زوجته احب الى الله تعالى. ولهذا قال فان شفاء اي رجعوا الى ما حلفوا على تركه وهو الوطء. فان الله غفور يغفر لهم ما حصل منه من الحلف بسبب رجوعهم. رحيم حيث وجعل لايمانهم كفارة وتحل ولم يجعلها لازمة لهم غير قابلة للانفكاك. ورحيم بهم ايضا حيث فاؤوا الى زوجاتهم وحنوا عليهن ورحموهن. وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم. وان عزموا الطلاق اي امتنعوا من وكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن. وعدم ارادتهم لازواجهم. وهذا لا يكون الا عزما على الطلاق. فان حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة والا اجبره الحاكم عليه او قام به. فان الله سميع عليم. فيه وعيد وتهديد لمن يحلف هذا الحلف. ويقصد بذلك المضارة المشاقة ويستدل بهذه الاية على ان الايلاء خاص بالزوجة لقوله من نسائهم وعلى وجوب الوطء في كل اربعة اشهر مرة لان بعد الاربعة يجبر اما على الوطء او على الطلاق. ولا يكون ذلك الا لتركه واجبا. والمطلقات يتربصن ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله وبعولتهن احق بردهن ان في ذلك ان ارادوا اصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال اي النساء اللاتي طلقهن ازواجهن يتربصن ان ينتظرن ويعتددن مدة ثلاثة قروء اي حيض او اطهار على اختلاف العلماء في المراد بذلك. مع ان الصحيح ان ولهذه العدة عدة حكم منها العلم ببراءة الرحم. اذا تكررت عليها ثلاثة الاقرار. علم انه ليس في رحمها حمل فلا يفضي الى اختلاط الانساب. ولهذا اوجب تعالى عليهن الاخبار عما خلق الله في ارحامهن. وحرم عليهن كتمان ذلك من حمل او حيض. لان معنى ذلك يفضي الى مفاسد كثيرة. فكتمان الحمل موجب ان تلحقه بغير من هو له. رغبة فيه واستعجالا لانقضاء العدة. فاذا الحقته بغير ابي حصل من قطع الرحم والارث واحتجاب محارمه واقاربه عنه. وربما تزوج ذوات محارمه. وحصل في مقابلة ذلك الحاقه بغير ابيه وثبوت توابع ذلك من الارث منه وله. ومن جعل اقارب الملحق به اقارب له. وفي ذلك من الشر والفساد ما لا يعلمه الا رب العباد. ولو لم يكن في ذلك الا اقامتها مع من نكاحها باطل في حقه. وفيه الاصرار على الكبيرة العظيمة وهي الزنا لكفى بذلك شراء واما كتمان الحيض فان استعجلت واخبرت به وهي كاذبة. ففيه من انقطاع حق الزوج عنها واباحتها لغيره. وما يتفرع عن ذلك من الشر كما ذكرنا وان كذبت واخبرت بعدم وجود الحيض. لتطول العدة فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه. بل هي سحت عليها محرمة من جهتين من كونها لا تستحقه ومن كونها نسبته الى حكم الشرع وهي كاذبة. وربما راجعها بعد انقضاء العدة فيكون ذلك سفاحا لكونها اجنبية فلهذا قال تعالى ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن. ان كن يؤمن بالله واليوم الاخر. فصدور الكتمان منهن دليل على عدم ايمانهن بالله واليوم الاخر. والا فلو امنا بالله واليوم الاخر وعرفنا انهن مجزيات عن اعمالهن. لم يصدر منهن ما شيء من ذلك وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة عما تخبر به عن نفسها. من الامر الذي لا يطلع عليه غيرها كالحيض والحمل ونحوه ثم قال تعالى وبعولتهن احق بردهن في ذلك. اي لازواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة ان يردوهن الى نكاحهن. ان ارادوا اصلاح اي رغبة والفة ومودة. ومفهوم الاية انهم ان لم يريدوا الاصلاح فليسوا باحق بردهن. فلا يحل لهم ان لقصد المضارة لها وتطويل العدة عليها. وهل يملك ذلك مع هذا القصد؟ فيه قولان الجمهور على انه يملك ذلك مع التحريم والصحيح انه اذا لم يرد الاصلاح لا يملك ذلك كما هو ظاهر الاية الكريمة. وهذه حكمة اخرى في هذا التربص. وهي انه ربما ان زوجها ندم على فراقه لها فجعلت له هذه المدة ليتروى بها ويقطع نظره. وهذا يدل على محبته تعالى للالفة بين الزوجين هاته للفراق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ابغض الحلال الى الله الطلاق. وهذا خاص في الطلاق الرجعي. واما الطلاق البائن فليس البعلو باحق برجعتها بل ان تراضيا على التراجع فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط. ثم قال تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف اي وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لازواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع الى المعروف وهو العادة الجارية في ذلك البلد. وذلك الزمان من مثلها لمثله. ويختلف ذلك باختلاف الازمنة والامكنة والاحوال الاشخاص والعوائد. وفي هذا دليل على ان النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن. وكذلك الوطء الكل يرجع الى المعروف. فهذا موجب العقد المطلق واما مع الشرط فعلى شرطهما الا شرطا احل حراما او حرم حلالا وللرجال عليهن درجة اي رفعة ورياسة وزيادة عليها كما قال تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض. وبما انفقوا من اموالهم. ومنصب النبوة والامامة الصغرى والكبرى وسائر الولايات مختص بالرجال. وله ضعف ما لها في كثير من الامور. كالميراث ونحوه. والله عز عزيز حكيم. اي له العزة القاهرة والسلطان العظيم. الذي دانت له جميع الاشياء. ولكنه مع عزته حكيم في تصرفاته. ويخرج عموم هذه الاية الحوامل فعدتهن وضع الحمل. واللاتي لم يدخل بهن فليس لهن عدة. والاماء فعدتهن حيضتان كما هو قول الصحابة رضي الله عنهم وسياق الايات يدل على ان المراد بها الحرة ولا يحل لكم ان تأخذوا ما اتيتموهن شيئا الا ان يخاف الا يقيما حدود الله. فان خفتم ان لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. تلك حدود الله فلا تعتدون آآ كان الطلاق في الجاهلية واستمر اول وللاسلام يطلق الرجل زوجته بلا نهاية. فكان اذا اراد مضارتها طلقها. فاذا شارفت انقضاء عدتها رجعها. ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك ابدا. فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم. فاخبر تعالى ان الطلاق اي الذي تحصل به الرجعة مرتان. ليتمكن كان الزوج ان لم يرد المضارة من ارتجاعها ويراجع رأيه في هذه المدة. واما ما فوقها فليس محلا لذلك. لان من زاد على الثنتين فاما على المحرم اوليس له رغبة في امساكها بل قصده المضارة. فلهذا امر تعالى الزوجة ان يمسك زوجته بمعروف اي عشرة حسنة. ويجري امثاله مع زوجاتهم وهذا هو الارجح. والا يسرحها ويفارقها باحسان. ومن الاحسان الا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها لانه ظلم واخذ للمال في غير مقابلة بشيء. فلهذا قال ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا. الا ان يخاف الا حدود الله وهي المخالعة بالمعروف بان كرهت الزوجة زوجها لخلقه او خلقه او نقص دينه وخافت الا تطيع الله فيه. فان خفت الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. لانه عوض لتحصين مقصودها من الفرقة. وفي هذا مشروعية الخلع اذا وجدت هذه الحكمة تلك اي ما تقدم من الاحكام الشرعية حدود الله اي احكامه التي شرعها لكم وامر بالوقوف معها ومن يتعدى حدود فاولئك هم الظالمون. واي ظلم اعظم ممن اقتحم الحلال. وتعدى منه الى الحرام فلم يسعهما احل الله. والظلم ثلاثة اقسام ظلم العبد فيما بينه وبين الله وظلم العبد الاكبر الذي هو الشرك وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق. فالشرك لا يغفره الله الا توبة وحقوق العباد لا يترك الله منها شيئا. والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك. تحت المشيئة والحكمة تقهى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ان يتراجعا ان يقيم يقول تعالى فان طلقها اي الطلقة الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. اي نكاحا صحيحا لان النكاح الشرعي لا يكون الا صحيحا. ويدخل فيه العقد والوطء. وهذا بالاتفاق. ويشترط ان يكون نكاح الثاني نكاح رغبة فان قصد به تحليلها للاول فليس بنكاح ولا يفيد التحليل ولا يفيد وطأ السيد لانه ليس بزوج. فاذا تزوجها الثاني راغبا وطئها ثم فارقها وانقضت عدتها. فلا جناح عليهما اي على الزوج الاول والزوجة ان يتراجع ان يجدد عقدا جديدا بينهما لاضافته التراجع اليهما فدل على اعتبار التراضي. ولكن يشترط في التراجع ان يظن ان يقيما حدود الله. بان يقوم كل منهما بحق لصاحبه وذلك اذا ندم على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق وعزم ان يبدلاها بعشرة حسنة. فهذا لا جناح عليهما في التراجع مفهوم الاية الكريمة انهما ان لم يظن ان يقيما حدود الله بان غلب على ظنهما ان الحالة السابقة باقية. والعشرة السيئة غير زائلة ان عليهما في ذلك جناحا. لان جميع الامور ان لم يقم فيها امر الله. ويسلك بها طاعته لم يحل الاقدام عليها. وفي هذا دلالة على انه ينبغي للانسان اذا اراد ان يدخل في امر من الامور خصوصا الولايات الصغار والكبار نظر في نفسه فان رأى من نفسه قوة على ذلك ووثق بها عاصيهم مع قدرته عليهم اي ليس عليكم يا معشر الازواج جناح واثم بتطليق نسائي قبل المسيس وفرض المهر. وان كان في ذلك كسر لها فانه ينجبر بالمتعة. فعليكم ان تمتعوهن بان تعطوهن شيئا من المال. جبرا والا احجم. ولما بين الله تعالى هذه الاحكام العظيمة قال وتلك حدود الله اي شرائعه التي حددها وبينها ووضحها يبينها لقوم يعلمون. لانهم هم المنتفعون بها. النافعون لغيرهم. وفي هذا من فضيلة اهل العلم ما لا يخفى. لان الله تعالى جعل تبيينه لحدوده خاصا بهم. وانهم المقصودون بذلك. وفيه ان الله تعالى يحب من عباده معرفة حدود ما انزل على رسوله. واتفق بها ثم قال تعالى حروف اوسلحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل واذكروا نعمة الله عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم بي. واتقوا الله واعلموا ان الله بكل شيء عليم. واذا طلقتم النساء اي طلاقا رجعيا بواحدة او ثنتين. فبلغن فهن اي قارب الانقضاء عدتهن. فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف. اي اما ان تراجعوهن ونيتكم القيام بحقوقهن او تتركوهن بلا رجعة ولا اضرار. ولهذا قال ولا تمسكوهن ضرارا اي مضارة بهن. لتعتدوا في فعلكم هذا الحلال الى الحرام فالحلال الامساك بمعروف والحرام المضارة. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه. ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد الى من اراد الضرار. ولا تتخذوا ايات الله هزوا. لما بين تعالى حدوده غاية التبيين. وكان المقصود العلم بها والعمل. والوقوف فمعها وعدم مجاوزتها لانه تعالى لم ينزلها عبثا. بل انزلها بالحق والصدق والجد. نهى عن اتخاذها هزوا. اي لعبا بها وهو التجرؤ عليها وعدم الامتثال لواجبها مثل استعمال المضارة في الامساك او الفراق او كثرة الطلاق او جمع الثلاث. والله من رحمته جعل له واحدة بعد واحدة رفقا به وسعيا في مصلحته. واذكروا نعمة الله عليكم عموما باللسان ثناء وحمدا وبالقلب اعترافا وبالاركان يصرفها في طاعة الله. وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة اي السنة. الذين بين لكم بهما طريق الخير ورغبكم فيها وطرق الشر يحذركم اياها. وعرفكم نفسه ووقائعه في اوليائه واعدائه. وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. وقيل المراد الحكمة اسرار الشريعة فالكتاب فيه الحكم والحكمة فيها بيان حكمة الله في اوامره ونواهيه. وكلا المعنيين صحيح. ولهذا قال يعركم به اي بما انزل عليكم. وهذا مما يقوي ان المراد بالحكمة اسرار الشريعة. لان الموعظة ببيان الحكم والحكمة والترغيب او ترهيب فالحكم به يزول الجهل والحكمة مع الترغيب يوجب الرغبة والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة واتقوا الله في جميع واعلموا ان الله بكل شيء عليم. فلهذا بين لكم هذه الاحكام بغاية الاتقان والاحكام. التي هي جارية مع المصالح في كل زمان امان ومكان فلله الحمد والمنة وجوهن ان ينكحن ازواجهن اذا تراضوا اذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاخر. ذلكم ازكى لكم ثم اطهر والله يعلم وانتم لا تعلمون هذا خطاب لاولياء المرأة المطلقة دون الثلاث. اذا خرجت من العدة واراد زوجها ان ينكحها ورضيت بذلك. فلا يجوز لوليها من اب وغيره ان يعضلها ان يمنعها من التزوج به حنقا عليه وغضبا. واشمئزازا لما فعل من الطلاق الاول. وذكر انه من كان يؤمن بالله واليوم الاخر. فايمانه يمنعه من العضل فان ذلك ازكى لكم واطهر واطيب. مما يظن الولي ان عدم تزويجه هو الرأي واللائق. وانه يقابل بطلاقه الاول بعدم التزوير كما هو عادة المترفعين المتكبرين. فان كان يظن ان المصلحة في عدم تزويجه فالله يعلم وانتم لا تعلمون. فامتثلوا امر من هو عليه بمصالحكم مريد لها قادر عليها. ميسر لها من الوجه الذي تعرفونه وغيره. وفي هذه الاية دليل على انه لابد من الولي في لانه نهى الاولياء عن العظم. ولا ينهاهم الا عن امر هو تحت تدبيرهم. ولهم فيه حق. ثم قال تعالى لا بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث وتشاور فلا جناح عليهما وان اردتم ان تسترجعوا اولادكم فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما اتيتم واتقوا الله واعلموا ان الله بما تعملون بصير. هذا خبر بمعنى الامر تنزيلا له منزلة المتقرر الذي لا يحتاج الى امر. بان يرضعن اولادهن حولين. ولما كان الحول يطلق على الكامل وعلى معظم قول قال كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة. فاذا تم للرضيع حولان فقد تم رضاعه. وصار اللبن بعد ذلك بمنزلة سائر الاغذية فلهذا كان الرضاع بعد الحولين غير معتبر لا يحرم. ويؤخذ من هذا النص ومن قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ان اقل مدة الحمل ستة اشهر وانه يمكن وجود الولد بها. وعلى المولود له اي الاب رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وهذا ثامن لما اذا كانت في حباله او مطلقة فان على الاب رزقها اي نفقتها وكسوتها وهي الاجرة للرضاع. ودل هذا على انها اذا كانت في حباله لا يجب لها اجرة غير النفقة والكسوة. وكل بحسب حاله. فلهذا قال لا تكلف نفس الا وسعها. فلا يكلف الفقير ان ينفق نفقة الغني ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد. لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده. اي لا يحل ان تضار الوالدة بسبب ولدها اما ان تمنع من ارضاعه او لا تعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة او الاجرة. ولا مولود له بولده بان تمتنع من على وجه المضارة له او تطلب زيادة عن الواجب ونحو ذلك من الضرر. ودل قوله مولود له ان الولد لابيه لانه موهوب له ولانه من كسبه. فلذلك جاز له الاخذ من ماله رضي او لم يرضى. بخلاف الام. وقوله وعلى الوارث مثل ذلك على وارث الطفل اذا عدم الاب وكان الطفل ليس له مال مثل ما على الاب من النفقة للمرضع والكسوة. فدل على وجوب نفقة الاقارب المعسرين من القريب الوارث الموسر فان اراد اي الابوان فصالا اي فطام الصبي قبل الحولين عن تراض منهما بان يكونا راضيين وتشاور فيما بينهما. هل هو مصلحة للصبي ام لا؟ فان كان مصلحة ورضي فلا جناح عليهما في فطامه قبل الحولين. فدلت الاية بمفهومها على انه ان رضي احدهما دون الاخر او لم يكن مصلحة للطفل انه لا يجوز فطامه وقوله وان اردتم ان تسترضعوا بلادكم اي تطلبونهم المراضع غير امهاتهم على غير وجه المضارة فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما اتيتم بالمعروف اي للمرضعات والله بما تعملون بصير. فمجازيكم على ذلك بالخير والشر. والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا والله بما تعملون خبير اي اذا توفي الزوج مكثت زوجته متربصة اربعة اشهر وعشرة ايام وجوبا. والحكمة في ذلك ليتبين الحمل في مدة الاربعة ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس. وهذا العام مخصوص بالحوامل فان عدتهن بوضع الحمل. وكذلك الامة عدة على النصف من عدة الحرة شهران وخمسة ايام وقوله فاذا بلغن اجلهن اي انقضت عدتهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهن اي من مراجعتها للزينة والطيب بالمعروف اي على وجه غير محرم ولا مكروه. وفي هذا وجوب الاحداد مدة العدة عليه للمتوفى عنها زوجها دون غيرها من المطلقات والمفارقات. وهو مجمع عليه بين العلماء. والله بما تعملون خبير. اي عالم باعماله ظاهرها وباطنها جليها وخفيها. فمجازيكم عليها. وفي خطابه للاولياء بقوله فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهم من دليل على ان الولي ينظر على المرأة. ويمنعها مما لا يجوز فعله. ويجبرها على ما يجب وانه مخاطب بذلك. واجب عليه ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء او اكنن علم الله انكم ستمكرونهن ولكن لا تواعدوهن ان سرا الا ان تقولوا قولا معروفا. ولا تعزموا عقدة النكاح واعلموا ان الله غفور حليم. هذا حكم المعتدة من وفاة او المبانة في الحياة فيحرم على غير مبينها ان يصرح لها في الخطبة. وهو المراد بقوله ولكن لا تواعدوهن سرا. واما التعريض فقد اسقط تعالى فيه الجناح والفرق بينهما ان التصريح لا يحتمل غير النكاح. فلهذا حرم خوفا من استعجالها وكذبها في انقضاء عدتها رغبة في النكاح. ففيه دلالة على منع وسائل المحرم وقضاء لحق زوجها الاول بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها. واما التعريض وهو الذي يحتمل النكاح وغيره فهو جائز للبائن كأن يقول لها اني اريد التزوج واني احب ان تشاوريني عند القضاء عدتك ونحو ذلك فهذا لانه ليس بمنزلة الصريح. وفي النفوس داع قوي اليه. وكذلك اضمار الانسان في نفسه ان يتزوج من هي في عدتها اذا انقضت. ولهذا قال او اكننتم في انفسكم علم الله انكم ستذكرونهن. هذا التفصيل كله في مقدمات العقد. واما عقد النكاح فلا يحل حتى يبلغ الكتاب اجله. اي تنقضي العدة. واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم. اي فنووا الخير ولا تنوا الشر خوفا من عقاب ورجاء لثوابه. واعلموا ان الله غفور لمن صدرت منه الذنوب. فتاب منها ورجع الى ربه. حليم حيث لم يعادي للعاصين على خواطرهن على الموسع قدره وعلى المقطر اي المعسر قدره. وهذا يرجع الى العرف. وانه يختلف باختلاف الاحوال. ولهذا هذا قال متاعا بالمعروف فهذا حق واجب على المحسنين. ليس لهم ان يبخسوهن. فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن قلوبهن ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه. فعليهم في مقابلة ذلك المتعة. فلله ما احسن هذا الحكم الالهي. وادله على حكمة ورحمته ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. فهذا حكم المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر. ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال فنصف ما فرضتم الا ان يعفون او يعفو والذي بيده عقدة النكاح وان تعفو اقرب للتقوى ولا اي اذا طلقتم النساء المسيس وبعد فرض المهر فللمطلقات من المهر المفروض نصفه ولكم نصفه. هذا هو الواجب ما لم يدخله عفوا ومسامحة بان تعفو نصفها لزوجها اذا كان يصح عفوها او يعفو الذي بيده عقدة النكاح. وهو الزوج على الصحيح. لانه الذي بيده حل عقدته. ولان ولي لا يصح ان يعفو عمن وجب للمرأة لكونه غير مالك ولا وكيل. ثم رغب في العفو وان من عفا كان اقرب لتقواه. لكونه احسانا لشرح الصدر ولكون الانسان لا ينبغي ان يهمل نفسه من الاحسان والمعروف. وينسى الفضل الذي هو اعلى درجات المعاملة. لان معاملة الناس فيما بينهم على درجتين اما عدل وانصاف واجب وهو اخذ الواجب واعطاء الواجب واما فضل واحسان وهو اعطاء ما ليس بواجب والتسامح حقوق والغض مما في النفس. فلا ينبغي للانسان ان ينسى هذه الدرجة. ولو في بعض الاوقات وخصوصا لما بينك وبينه معاملة او مخالطة. فان اللهم جازي المحسنين بالفضل والكرم. ولهذا قال ان الله بما تعملون بصير. ثم قال حافظوا على الصلوات الصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. يأمر بالمحافظة على الصلوات عموما وعلى الصلاة الوسطى. وهي العصر خصوصا والمحافظة عليها اداؤها بوقتها وشروطها واركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب وبالمحافظة على الصلوات تحصل على سائر العبادات وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصا اذا اكملها كما امر بقوله. وقوموا لله قانتين اي ذليلين خاشعين ففيه الامر بالقيام والقنوط والنهي عن الكلام والامر بالخشوع. هذا مع الامن والطمأنينة انا فاذا امنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فان خفتم لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كل كافر وظالم وسبع وغير ذلك من انواع المخاوف اي ان خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوا رجالا اي على اقدامكم او ركبانا على الخيل والابل وغيرها. ويلزم على ذلك ان يكون مستقبل القبلة وغير مستقبليها وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها. حيث امر بذلك ولو مع الاخلال بكثير من الاركان والشروط. وانه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة صلاتها على تلك الصورة احسن وافضل. بل اوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت. فاذا امنتم اي زال الخوف عنكم فاذكروا الله وهذا يشمل جميع انواع الذكر. ومنه الصلاة على كمالها وتمامها. كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فانها نعمة عظيمة ومنة جسيمة تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر. ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها. ثم قال تعالى اي الازواج الذين يموتون ويتركون خلفهم ازواجا فعليهم ان يوصوا وصية لازواجهم متاعا الى بغير اخراج ان يوصون ان يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها. فان خرجن من انفسهن فلا جناح عليكم ايها الاولياء. فيما ما فعلنا في انفسهن من معروف والله عزيز حكيم. اي من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك. واكثر المفسرين ان هذه الاية منسوخة بما ما قبلها وهي قوله والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا. وقيل لم تنسخها بل الاية الاولى دلت على ان اربعة اشهر وعشر واجبة وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج ومراعاة للزوجة والدليل على ان ذلك مستحب انه هنا نفى الجناح عن الاولياء ان خرجن قبل تكميل الحول فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينفي الحرج عنهم وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين اي لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على كل متقي جبرا لخاطر كره واداء لبعض حقوقها. وهذه المتعة واجبة على من طلقت قبل المسيس. والفرض سنة في حق غيرها كما تقدم. هذا احسن ما قيل فيها آآ هم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك الله ولي الذين امنوا وهذا يشمل ولايتهم لربهم بان تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به احدا. قد اتخذوه حبيبا ووليا وقيل ان المتعة واجبة على كل مطلقة. احتجاجا بعموم هذه الاية. ولكن القاعدة ان المطلق محمول على المقيد. وتقدم ان الله فرض المتعة للمطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة. ولما بين تعالى هذه الاحكام العظيمة المشتملة على الحكمة والرحمة. امتن بها على عباده فقال كذلك يبين الله لكم اياته اي حدوده وحلاله وحرامه والاحكام النافعة لكم لعلكم تعقلونها فتعرفونها المقصود منها فان من عرف ذلك اوجب له العمل بها ثم قال تعالى يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم. بان الذي اخرجهم منها حذر الموت من وباء او غيره. يقصدون بهذا الخروج لا متى من الموت ولكن لا يغني حذر عن قدر. فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم ان الله تعالى احياهم. اما بدعوة نبي او بغير ذلك رحمة بهم ولطفا وحلما. وبيانا لاياته لخلقه باحياء الموتى. ولهذا قال ان الله لذو فضل اي عظيم. على الناس ولكن اكثرهم لا يشكرون. فلا تزيدهم النعمة شكرا. بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه. وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة يقر بها ويصرفها في طاعة المنعم من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويلبس واليه ترجعون ثم امر تعالى بالقتال في سبيله وهو قتال الاعداء الكفار لاعلاء كلمة الله ونصر دينه. فقال وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم. اي فاحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله. واعلموا انه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا. ولو ظننتم ان في القعود حياتكم وبقاءكم فليس الامر كذلك. ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الامر. فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم. بل اتاهم ما حذروا من غير ان يحتسبوا فاعلموا انكم كذلك. ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم الا بالنفقة وبذل الاموال في ذلك. امر تعالى بالانفاق في سبيل ورغب فيه وسماه قرضا فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا؟ فينفق ما تيسر من امواله في طرق الخيرات. خصوصا في الجهاد والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى. فيضاعفه له اضعافا كثيرة. الحسنة بعشرة امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة بحسب حالة المنفق ونيته ونفع نفقته. والحاجة اليها. ولما كان الانسان ربما توهم انه اذا انفق افتقر دفع تعالى هذا الوهم بقوله والله يقبض ويبسط. اي يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء. فالتصرف كله بيديه ومدار الامور راجع اليه فالامساك لا يبسط الرزق والانفاق لا يقبضه. ومع ذلك فالانفاق غير ضائع على اهله. بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا. فلهذا قال واليه ترجعون. فيجازيكم باعمالكم. ففي هذه الايات دليل على ان الاسباب لا تنفع مع القضاء والقدر وخصوصا الاسباب التي تترك بها اوامر الله. وفيها الاية العظيمة باحياء الموتى اعيانا في هذه الدار. وفيها الامر والنفقة في سبيل الله وذكر الاسباب الداعية لذلك الحاثة عليه. من تسميته قرضا ومضاعفته. وان الله يقبض ويبسط واليه ترجعون قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا قاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا لا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كتب والله عليم بالظالمين. وقال له نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا. قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن اهله يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني اسرائيل وهم الاشراف والرؤساء وخص الملأ بالذكر لانهم في العادة هم والذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعوهم غيرهم على ما يرونه. وذلك انهم اتوا الى نبي لهم بعد موسى عليه السلام. فقالوا له ابعث لنا ملكا اي عين لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا. ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم كما جرت عادة القبائل اصحاب البيوت. كل بيت لا يرضى ان يكون من البيت الاخر رئيس. فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم. وكانت انبياء بني اسرائيل تسوسهم. كلما مات نبي خلفه نبي اخر. فلما قالوا لنبيه تلك المقالة قال لهم نبيهم هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا؟ اي لعلكم تطلبون شيئا وهو اذا كتب عليكم لا تقومون على كثرته ومع هذا فهو عليم بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه ايه في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا من ولا اذى لهم اجرهم. لهم اجرهم فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها واعتمدوا على عزمهم ونيتهم فقالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من دياره وابنائنا اي اي شيء يمنعنا من القتال وقد الجئنا اليه بان اخرجنا من اوطاننا وسبي الثرارينا فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا فكيف مع انه فرض علينا وقد حصل ما حصل؟ ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقل توكلهم على ربهم فلما كتب عليهم القتال تولوا فجبنوا عن قتال الاعداء وضعفوا عن المصادمة. وزال ما كانوا عزموا عليه. واستولى على اكثرهم الخبر الا قليلا منهم فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم. فالتزموا امر الله ووطنوا انفسهم على مقارعة اعدائه. فحازوا شرف الدنيا الاخرة. واما اكثرهم فظلموا انفسهم وتركوا امر الله. فلهذا قال والله عليم بالظالمين. وقال لهم نبيهم مجيبا لطلبتهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا. فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض. ولكن ابوا الا ان يعترضوا فقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه؟ ولم يؤتى سعة من المال. اي كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف النسب ونحن احق بالملك منه. ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الاموال. وهذا بناء منهم على ظن فاسد وهو ان الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال. ولم يعلموا ان الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها. فلهذا فقال لهم نبيهم ان الله اصطفاه عليكم فلزمكم الانقياد لذلك وزاده الله بسطة في العلم والجسم. اي فضله عليكم بالعلم والجسم اي بقوة الرأي والجسم. الذين بهما تتم امور الملك. لانه اذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب. حصل فبذلك الكمال وماتى فاته واحد من الامرين اختل عليه الامر فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي حصل في الملك خرق وقهر ومخالفات للمشروع قوة على غير حكمة ولو كان عالما بالامور وليس له قوة على تنفيذها لم يفيده الرأي الذي لا ينفذه شيئا. والله اهو واسع الفضل. كثير الكرم لا يخص برحمته وبره العام احدا عن احد. ولا شريفا عن وضيع. ولكنه مع ذلك عليم بمن يستحق الفضل فيضعه فيه. فازال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة. لتبيينه ان اسباب الملك متوفرة فيه. وان فضل الله يؤتيه لمن يشاء من عباده ليس له راد ولا لاحسانه صاد تحمله الملائكة ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين ثم ذكر لهم نبيهم ايضا اية حسية يشاهدونها. وهي اتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا. وفي ذلك التابوت ولما برزوا رجال الموت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اي لما تملك طالوت بني اسرائيل واستقر له الملك تجهزوا قتال عدوهم فلما فصلت الوت بجنود بني اسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا امتحنهم بامر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك فقال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته. ومن لم يطعم اي لم يشرب منه فانه مني. الا من اغترف غرفة بيده. فلا جناح عليه في ذلك. ولعل الله ان جعل فيه بركة فتكفيه. وفي هذا الابتلاء ما يدل على ان الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان. فعصى اكثرهم وشربوا من النهر شرب المنهي عنه ان ورجعوا على اعقابهم ونكسوا عن قتال عدوهم. وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة. اكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة. وكان في رجوعهم عن باقي العسكر. ما يزداد به الثابتون توكلا على الله. وتضرعا واستكانة وتبرأا من حولهم وقوتهم وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم. فلهذا قال تعالى فلما جاوزه اي النهر هو اي طالوت والذين امنوا معه وهم الذين اطاعوا امر الله ولم يشربوا من النهر شرب المنهي عنه. فرأوا قلتهم وكثرة اعدائهم. قالوا اي قال كثير منهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده لكثرتهم وعددهم وعددهم. قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله اي يقنون ذلك وهم اهل الايمان الثابت واليقين الراسخ. مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم. وامرين لهم بالصبر. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله اي بارادته ومشيئته. فالامر لله تعالى والعزيز من اعزه الله والذليل من اذله الله ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله. فهذان قد عفا الله عن هذه الامة ما يقع بهما رحمة بهم واحسانا. فعلى هذا من صلى في ثوب مغصوب او نجس لا تغني الكثرة مع خذلانك ولا تضر القلة مع نصره. والله مع الصابرين بالنصر والمعونة والتوفيق. فاعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله فوقعت موعظته في قلوبهم واثرت معهم. ولهذا لما برزوا لجالوت وجنوده قالوا جميعهم ربنا افرغ علينا صبرا يقوي قلوبنا واوزعنا الصبر. وثبت اقدامنا عن التزلزل والفرار. وانصرنا على القوم الكافرين. منها هنا نعلم ان جالوت وجنوده كانوا كفار فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لاتيانهم بالاسباب الموجبة لذلك ونصرهم عليهم قتل داوود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء فهزموهم باذن الله وقتل داوود عليه السلام وكان مع جنود طالوت جالوت اي باشر قتل ملك الكفار بيده جاعته وقوته وصبره واتاه الله اي اتى الله داود الملك والحكمة اي من عليه بتملكه على بني اسرائيل مع الحكمة وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم. ولهذا قال وعلمه مما يشاء. من العلوم الشرعية والعلوم السياسية. فجمع الله له الملك والنبوة وقد كان من قبله من الانبياء يكون الملك لغيرهم. فلما نصرهم الله تعالى اطمئنوا في ديارهم وعبدوا الله امنين مطمئنين لخذلان اعدائهم وتمكينهم من الارض. وهذا كله من اثار الجهاد في سبيله. فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى اولى دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض. اي لولا انه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار. وتكالب الكفار لفسدت الارض الكفار عليها واقامتهم شعائر الكفر. ومنعهم من عبادة الله تعالى واظهار دينه. ولكن الله ذو فضل على العالمين. حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الارض باسباب يعلمونها واسباب لا يعلمونها. ثم قال تعالى ايات الله نتلوها عليك بالحق وانك لمن المرسلين. تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق اي بالصدق الذي لا ريب فيه. المتضمن للاعتبار والاستبصار. وبيان حقائق الامور. وانك لمن المرسلين. فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته التي من جملة ادلتها ما قصه الله علينا من اخبار الامم السابقين. والانبياء واتباعهم واعدائهم. التي لولا خبر الله اياه لما كان عنده علم بذلك بل لم يكن في قومه من عنده شيء من هذه الامور. فدل انه رسول الله حقا ونبيه صدقا الذي بعثه بالحق ودين الحق ليظهره على الدين كله. ولو كره المشركون. وفي هذه القصة من الايات والعبر ما يتذكر به اولو الالباب فمنها ان اجتماع اهل الكلمة والحل والعقل وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به امورهم وفهمه ثم العمل به اكبر سبب لارتقائه اصول مقصودهم كما وقع لهؤلاء الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم ويلم متفرقهم. وتحصل له الطاعة منهم ومنها ان الحق كلما عرض واوردت عليه شبه ازداد وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك. اجيبوا باجوبة حصل بها الاقناع وزوال الشبه والريب. ومنها ان العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات وبفقدهما او فقد احدهما نقصانها وضررها. ومنها ان الاتكال على النفس سبب للفشل والخذلان. والاستعانة الله والصبر والالتجاء اليه سبب النصر. فالاول كما في قولهم لنبيهم وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا فكأنه نتيجة ذلك انه لما كتب عليهم القتال تولوا. والثاني في قوله ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فهزموهم باذن الله. ومنها ان من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب. والصادق امن الكاذب والصابر من الجبان. وانه لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز. ومنها ان من رحمته وسنته الجارية ان يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين. وانه لولا ذلك لفسدت الارض باستيلاء الكفر وشعائره عليها. ثم قال تعالى الا تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس. ولو شاء لكن الله يفعل ما يريد. يخبر تعالى انه فضل بعض الرسل على بعض بما خصهم من بين سائر الناس ايحاءه وارسالهم الى الناس ودعائهم الخلق الى الله ثم فضل بعضهم على بعض مما اودع فيه من الاوصاف الحميدة والافعال السديدة والنفع العام فمنهم من كلمه الله كموسى ابن عمران خصه بالكلام ومنهم من رفعه على سائرهم درجات كنبينا صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع ما فيه من الفضائل ما تفرق في غيره. وجمع الله له من المناقب ما فاق به الاولين والاخرين. واتين عيسى ابن مريم البينات الدالات على نبوته وانه عبد الله ورسوله. وكلمته القاها الى مريم وروح منه. وايدناه بروح القدس. اي بالايمان واليقين الذي ايده به الله والله على ما امر به. وقيل ايده بجبريل عليه السلام يلازمه في احواله. ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جائتهم البينات الموجبة للاجتماع على الايمان ولكن اختلفوا. فمنهم من امن ومنهم من كفر. فكان موجب هذا الاختلاف التفرق والمعاداة ومع هذا فلو شاء الله بعد هذا الاختلاف ما اقتتلوا فدل ذلك على ان مشيئة الله نافذة غالبة للاسباب وانما تنفع الاسباب مع معارضة المشيئة فاذا وجدت اذ محل كل سبب وزال كل موجب. فلهذا قال ولكن الله يفعل ما يريد. فارادته غالبة المشيئة نافذة. وفي هذا ونحوه دلالة على ان الله تعالى لم يزل يفعل ما اقتضته مشيئته وحكمته. ومن جملة ما يفعله ما اخبر به عن نفسه واخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الاستواء والنزول والاقوال والافعال. التي يعبرون عنها بالافعال الاختيارية ايه ده كما يجب على المكلف معرفته بربه فيجب عليه معرفته برسله. ما يجب لهم ويمتنع عليهم ويجوز في حقهم. ويؤخذ جميع ذلك مما وصفهم الله به في ايات متعددة منها انهم رجال لا نساء من اهل القرى لا من اهل البوادي وانهم مصطفون جمع الله لهم من الصفات الحميدة ما بها الاصطفاء والاختيار. وانهم سالمون من كل ما يقدح في رسالتهم من كذب وخيانة وكتمان وعيوب مزرية وانهم لا يقرون على خطأ فيما يتعلق بالرسالة والتكليف. وان الله تعالى خصهم بوحيه. فلهذا وجب الايمان بهم وطاعتهم. ومن لم يؤمن بهم فهو كافر. ومن قدح في واحد منهم او سبه فهو كافر يتحتم قتله. ودلائل هذه الجمل كثيرة. من تدبر القرآن تبين له الحق ثم قال تعالى شفاعة والكافرون هم الظالمون. وهذا من لطف الله بعباده ان امرهم بتقديم شيء مما رزقهم الله من صدقة واجبة ومستحبة ليكون لهم ذخرا واجرا موفرا في يوم يحتاج فيه العاملون الى مثقال ذرة من الخير. فلا بيع فيه ولا الانسان نفسه بملء الارض ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه. ولم ينفعه خليل ولا صديق لا بوجاهة ولا بشفاعة وهو اليوم الذي فيه يخسر المبطلون ويحصل الخزي على الظالمين. وهم الذين وضعوا الشيء في غير موضعه. فتركوا الواجب من حق الله وحق عباده تتعدوا الحلال الى الحرام واعظم انواع الظلم. الكفر بالله الذي هو وضع العبادة التي يتعين ان تكون لله. فيصرفها الكافر الى مخلوق مثله فلهذا قال تعالى والكافرون هم الظالمون. وهذا من باب الحصر. اي الذين ثبت لهم الظلم التام كما قال تعالى ان لظلم عظيم. ثم قال تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء وسع كرسيه السماوات والارض هذه الاية الكريمة اعظم ايات في القرآن وافضلها واجلها. وذلك لما اشتملت عليه من الامور العظيمة والصفات الكريمة. فلهذا كثرت الاحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وتر للانسان في اوقاته صباحا ومساء وعند نومه وادبار الصلوات المكتوبات. فاخبر تعالى عن نفسه الكريمة بانه لا اله الا هو الى معبود بحق سواه فهو الاله الحق الذي تتعين ان تكون جميع انواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى بكماله وكمال صفاته عظيم نعمه ولكون العبد مستحقا ان يكون عبدا لربه ممتثلا اوامره مجتنبا نواهيه وكل ما سوى الله تعالى باطل. فعبادة سواه باطلة لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه. فلم يستحق شيئا من انواع العبادة. وقوله الحي القيوم هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الاسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما. فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع الذات كالسمع والبصر والعلم والقدرة ونحو ذلك. والقيوم هو الذي قام بنفسه وقام بغيره. وذلك مستلزم لجميع الافعال التي اتصف فيها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والاماتة والاحياء وسائر انواع التدبير كل ذلك داخل في قيومية الباري. ولهذا قال بعض المحققين انهما الاسم الاعظم الذي اذا دعي الله به اجاب واذا سئل به اعطى ومن تمام حياته وقيوميته انه لا تأخذه سنة ولا نوم. والسنة النعاس له ما في السماوات وما في الارض. اي هو وما سواه مملوء وهو الخالق الرازق المدبر. وغيره مخلوق مرزوق مدبر. لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في في الارض فلهذا قال من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه اي لا احد يشفع عنده بدون اذنه. فالشفاعة كلها لله تعالى لكنه تعالى اذا اراد ان يرحم من يشاء من عباده اذن لمن اراد ان يكرمه من عباده ان يشفع فيه. لا يبتدأ الشافع قبل الاذن ثم قال يعلم ما بين ايديهم اي ما مضى من جميع الامور. وما خلفهم اي ما يستقبل منها. فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الامور. متقدمها متأخرها بالظواهر والبواطن بالغيب والشهادة. والعباد ليس لهم من الامر شيء. ولا من العلم مثقال ذرة الا ما علمهم تعالى ولهذا قال ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء. وسع كرسيه السماوات والارض. وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه اذا كان هذه حالة الكرسي انه يسع السماوات والارض على عظمتهما وعظمة من فيهما. والكرسي ليس اكبر مخلوقات الله تعالى بل هنا ما هو اعظم منه وهو العرش وما لا يعلمه الا هو. وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الافكار وتكل الابصار وتقلقل جبال وتكع عنها فحول الرجال. فكيف بعظمة خالقها ومبدعها؟ والذي اودع فيها من الحكم والاسرار ما اودع. والذي قد امسك السماوات والارض ان تزول من غير تعب ولا نصب. فلهذا قال ولا يؤوده اي يثقله حفظهما وهو العلي بذاته فوق عرشه العلي بقهره لجميع المخلوقات. العلي بقدره لكمال صفاته. العظيم الذي تتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة وتصبر في جانب جلاله انوف الملوك القاهرة. فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة. والقهر والغلبة لكل شيء. فقد اشتملت هذه الاية على التوحيد الالهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات. وعلى احاطة ملكه واحاطة علمه وسعة سلطانه. وجلاله وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته. فهذه الاية بمفردها عقيدة في اسماء الله وصفاته. متضمنة جميع الاسماء الحسنى والصفات العلا ثم قال تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعرة الوسطى لانفصام لها يخبر تعالى انه لا اكراه في الدين لعدم الحاجة الى الاكراه عليه لان الاكراه لا يكون الا على امر خفيف اعلامه. غامضة اثاره او امر في غاية الكراهة للنفوس. واما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت اعلامه للعقول وظهرت طرقه. وتبين امره وعرف الرشد من الغي. فالموفق اذا نظر اليه ادنى نظر اثر واختاره. واما من كان سيء القصد فاسد الارادة. خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل. ويبصر الحسن. فيميل الى القبيح فهذا ليس لله حاجة في اكراهه على الدين. لعدم النتيجة والفائدة فيه. والمكره ليس ايمانه صحيحا ولا تدل اية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين. وانما فيها ان حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله. لكل منصف قصده اتباع الحق. واما القتال فلم تتعرض له وانما يؤخذ فرض القتال من نصوص اخر. ولكن يستدل في الاية الكريمة على قبول الجزية من غير اهل الكتاب. كما هو قول كثير من العلماء فمن يكفر بالطاغوت فيترك عبادة ما سوى الله وطاعة الشيطان. ويؤمن بالله ايمانا تاما اوجب له عبادة ربه فقد استمسك بالعروة الوثقى اي بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت اركانه. وكان المتمسك به على ثقة من امره. لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. واما من عكس القضية فكفر بالله وامن بالطاغوت. فقد اطلق هذه العروة الوثقى التي بها والنجاة واستمسك بكل باطل مآله الى الجحيم. والله سميع عليم. فيجازي كلا منهما بحسب ما علمه منه من الخير والشر وهذا هو الغاية لمن استمسك بالعروة الوثقى ولمن لم يستمسك بها. ثم ذكر السبب الذي اوصلهم الى ذلك فقال الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. والذين كفروا اولياء ووالوا اولياءه وعادوا اعداءه. فتولاهم بلطفه ومن عليهم باحسانه. فاخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل. الى نور الايمان الطاعة والعلم وكان جزاؤهم على هذا ان سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة الى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور. والذي حين كفروا اولياؤهم الطاغوت فتولوا الشيطان وحزبه واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم فسلطهم عليه عقوبة لهم فكانوا يؤزونهم الى المعاصي ازا. ويزعجونهم الى الشر ازعاجا. فيخرجونهم من نور الايمان والعلم والطاعة. الى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي. فكان جزاؤهم على ذلك ان حرموا الخيرات. وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات. وكانوا من حزب الشيطان واوليائه في دار حسرة فلهذا قال تعالى اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون اهد ابراهيم في ربه ان اتاه الله الملك. اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال ابراهيم اظلم فبهت الذي كفر. والله لا يهدي القوم الظالمين. يقول تعالى الم تر الى الذي ابراهيم في ربه اي الى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجاته فيما لا يقبل التشكيك. وما حمله على ذلك الا ان اتاه الله له الملك فطغى وبغى ورأى نفسه مترأسا على رعيته. فحمله ذلك على ان حاج ابراهيم في ربوبية الله. فزعم انه يفعل كما يفعل الله فقال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت ايه هو المنفرد بانواع التصرف وخص منه الاحياء والاماتة لكونهما اعظم انواع التدبير ولان الاحياء مبدأ الحياة الدنيا والاماتة مبدأ ما يكون في الاخرة. فقال ذلك المحاج انا احيي واميت ولم يقل انا الذي احيي واميت. لانه لم يدع الاستقلال بالتصرف. وانما زعم انه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه. فزعم انه كل شخصا فيكون قد اماته. ويستبقي شخصا فيكون قد احياه. فلما رآه ابراهيم يغالط في مجادلته. ويتكلم بشيء لا يصلح ان يكون فضلا عن كونه حجة اضطرد معه في الدليل فقال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق اي عيانا يقر وبه كل احد حتى ذلك كالكافر فات بها من المغرب. وهذا الزام له بطرد دليله ان كان صادقا في دعواه. فلما قال له امر لا قوة له في شبهة تشوش دليله. ولا قادحا يقدح في سبيله. بهت الذي كفر. اي تحير فلم يرجع اليه جوابا انقطعت حجته وسقطت شبهته وهذه حالة المبطن المعاند. الذي يريد ان يقاوم من حقه ويغالبه. فانه مغلوب مقهور ولهذا قال تعالى والله لا يهدي القوم الظالمين. بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم. وهم الذين اختاروا لانفسهم ذلك. والا فلو كان الحق والهداية لهداهم اليه ويسر لهم اسباب الوصول اليه. فبهذه الاية برهان قاطع على تفرد الرب بالخلق والتدبير يلزم من ذلك ان يفرد بالعبادة والانابة والتوكل عليه في جميع الاحوال. قال ابن القيم رحمه الله وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جدا وهي ان الشرك العالم انما هو مستند الى عبادة الكواكب والقبور. ثم صورت الاصنام على صورها. فتضمن الدليلان اللذان تدل بهما ابراهيم ابطال الهية تلك جملة بان الله وحده هو الذي يحيي ويميت. ولا يصبح الحي الذي يموت للالهية في حال حياته ولا بعد موته. فان له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه احياء واماتة. ومن كان كذلك فكيف يكون اله حتى يتخذ الصنم على صورته ويعبد من دونه. وكذلك الكواكب اظهرها واكبرها للحس هذه الشمس. وهي مربوبة مدبرة لا تصرف لها بنفسها بوجه ما. بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها. فتنقاد لامره ومشيئته. فهي مربوبة مسخرة مدبرة لا اله يعبد من دون الله. ثم قالت تعالى او كالذي مر على قرية وهي خاوية وشرابك لم يتسنه. وانظر الى حمارك ولنجعلك اية الناس وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما. فلما ما تبين له قال اعلم ان الله على كل شيء قدير. وهذا ايضا دليل اخر على توحيد الله بالخلق والتدبير والاماتة والاحياء. فقال او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها اي قد باد اهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها فلم يبق بها انيس. بل بقيت موحشة من اهلها مقفرة. فوقف عليها ذلك الرجل متعجبا. وقال انى يحيي هذه الله بعد موتها استبعادا لذلك وجهلا بقدرة الله تعالى. فلما اراد الله به خيرا اراه اية في نفسه وفي حمايته وكان معه طعام وشراب فاماته الله مئة عام ثم بعثه. قال كم لبثت؟ قال لبثت يوما او بعض يوم. استقصارا لتلك المدة التي مات فيها لكونه قد زالت معرفته وحواسه. وكان عهد حاله قبل موته. فقيل له بل لبثت مئة عام. فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنى. اي لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف الاوقات عليه. ففيه اكبر دليل على قدرته حيث ابقاه وحفظه عن التغير والفساد. مع ان الطعام والشراب من اسرع الاشياء فسادا. وانظر الى حمارك. وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده. وانتثرت عظامه وتفرقت اوصاله. ولنجعلك اية للناس على قدرة الله وبعث الاموات من قبورهم. لتكون انموذجا محوسا مشاهدا بالابصار فيعلم بذلك صحة ما اخبرت به الرسل. وانظر الى العظام كيف ننجزها؟ اي ندخل بعضها في بعض ونركب بعضها ببعض. ثم نكسوها فنظر اليها عيانا كما وصفها الله تعالى. فلما تبين له ذلك وعلم قدرة الله تعالى قال اعلم ان الله على كل شيء قدير قدير والظاهر من سياق الاية ان هذا رجل منكر للبعث اراد الله به خيرا وان يجعله اية ودليلا للناس لثلاثة اوجه احدها قوله ان يحيي هذه الله بعد موتها ولو كان نبيا او عبدا صالحا لم يقل ذلك. والثاني ان الله اراه اية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه. ليراه بعينه فيقر بما انكره. ولم يذكر في الاية ان القرية المذكورة عمرت وعادت الى حالتها. ولا في السياق ما يدل على ذلك ولا في ذلك كثير فائدة. ما الفائدة الدالة على احياء الله للموتى؟ في قرية خربت ثم رجع اليها اهلها او فعمروها وانما الدليل الحقيقي في احياءه واحياء حماره وابقاء طعامه وشرابه بحاله. والثالث في قوله فلما تبين له اي تبين له امر كان يجهله ويخفى عليه. فعلم بذلك صحة ما ذكرناه. والله اعلم. ثم قال تعالى قال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى؟ قال او لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن ان الله عزيز حكيم. وهذا فيه ايضا اعظم دلالة حسية على قدرة الله واحياءه الموتى للبعث والجزاء فاخبر تعالى عن خليله ابراهيم انه سأله ان يريه ببصره كيف يحيي الموتى؟ لانه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى. ولكنه احب ان يشاهده عيانا ليحصل له مرتبة عين اليقين. فلهذا قال الله له او لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وذلك انه بتوارد الادلة اليقينية مما يزداد به الايمان ويكمل به الايقان ويسعى في نيله اولو العرفان. فقال له ربه فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك. اي ضمهن ليكون ذلك بمرئى منك ومشاهدة وعلى يديك. ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا. اي اخلط اجزائهن بعضها ببعض. واجعل على كل جبل اي من الجبال التي في القرب منه. جزءا من تلك الاجزاء. ثم ادعهن يأتينك سعيا اي تحصل لهن حياة كاملة. ويأتينك بهذه القوة وسرعة الطيران. ففعل ابراهيم عليه السلام ذلك. وحصل له ما اراد. وهذا مما السماوات والارض الذي اراه الله اياه في قوله. وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض. وليكون من الموقنين. ثم قال ام ان الله عزيز حكيم؟ اي ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات فلم يستعصي عليه شيء منها بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله ومع ذلك فافعاله تعالى تابعة لحكمته لا يفعل شيئا عبثا ثم قال تعالى كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. هذا بيان للمضاعفات التي ذكرها الله في قوله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة. وهنا قال مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله اي في طاعته ومرضاته. واولاها انفاقها في الجهاد في سبيله. كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وهذا احضار لصورة المضاعفة بهذا المثل. الذي كان العبد يشاهده ببصره فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته. فيقوى شاهد الايمان مع العيان فتنقاد النفس مذعنة للانفاق. سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة. والمنة الجليلة. والله يضاعف هذه المضاعفة عفا لمن يشاء اي بحسب حال المنفق واخلاصه وصدقه. وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها. ويحتمل ان يكون والله يضاعف اكثر من هذه المضاعفة لمن يشاء. فيعطيهم اجرهم بغير حساب. والله واسع الفضل. واسع العطاء. لا ينقصه هو نائل ولا يحفيه سائل. فلا يتوهم المنفق ان تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة. لان الله تعالى لا يتعاظمه شيء. ولا ينقصه العطاء عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اي الذين ينفقون اموالهم في طاعة الله سبيله ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن بها على المنفق عليه بالقلب او باللسان. بان يعدد عليه احسانه ويطلب منه مقابلته ولا اذية له قولية او فعلية. فهؤلاء لهم اجرهم اللائق بهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فحصل لهم الخير واندفع عنهم الشر لانهم عملوا عملا خالصا لله سالما من المفسدات. قول معروف ومغفرة خير من صدقة تتبعها اذى والله غني حليم. قول معروف اي تعرفه القلوب ولا تنكره. ويدخل في ذلك كل قول كريم فيه ادخال السرور على قلب المسلم. ويدخل فيه رد السائل بالقول الجميل والدعاء له. ومغفرة لمن اساء اليك بترك مؤاخذته والعفو ويدخل في العفو عما يصدر من السائل مما لا ينبغي. فالقول المعروف والمغفرة خير من الصدقة التي يتبعها اذى. لان القول المعروف احسان قولي والمغفرة احسان ايضا لترك المؤاخذة. وكلاهما احسان ما فيه مفسد. فهما افضل من الاحسان بالصدقة. التي يتبعها اذى بمن او غيره ومفهوم الاية ان الصدقة التي لا يتبعها اذى افضل من القول المعروف والمغفرة. وانما كان المن بالصدقة مفسدا لها محرما لان المنة لله تعالى وحده والاحسان كله لله. فالعبد لا يمن بنعمة الله واحسانه وفضله. وهو ليس منه. وايضا فان المال مستعبد لمن يمن عليه والذل والاستعباد لا ينبغي الا لله. والله غني بذاته عن جميع مخلوقاته. وكلها مفتقرة اليه بالذات في جميع والاوقات فصدقتكم وانفاقكم وطاعاتكم يعود مصلحتها اليكم ونفعها اليكم والله غني عنها ومع هذا فهو عليم على من عصى لا يعاجله بعقوبة مع قدرته عليه. ولكن رحمته واحسانه وحلمه يمنعه من معاجلته للعاصين. بل يمهلهم ويصرف لهم الايات لعلهم يرجعون اليه وينيبون اليه. فاذا علم تعالى انه لا خير فيهم ولا تغني عنهم الايات ولا تفيد بهم انزل بهم عقابه وحرمهم جزيل ثوابه ولا يؤمن بالله واليوم الاخر. فمثل كمثل صفوان عليه تراب فاصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين. ينهى عباده تعالى لطفا بهم ورحمة عن ابطال صدقاتهم بالمن الاذى ففيه ان المن والاذى يبطل الصدقة. ويستدل بهذا على ان الاعمال السيئة تبطل الاعمال الحسنة. كما قال تعالى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض. ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون. فكما ان الحسنات يذهبن السيئات. فالسيئات تبطل ما قابلها من الحسنات في هذه الاية مع قوله تعالى ولا تبطلوا اعمالكم حث على تكميل الاعمال وحفظها من كل ما يفسدها لان لا يضيع العمل سدى وقوله كالذي ينفق ما له رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر. اي انتم وان قصدتم بذلك وجه الله في ابتداء الامر. فان المنة والاذى مبطلان لاعمالكم فتصير اعمالكم بمنزلة الذي يعمل لامراءات الناس. ولا يريد به الله والدار الاخرة. فهذا لا شك ان عمله من اصله مردود لان شرط العمل ان يكون لله وحده. وهذا في الحقيقة عمل للناس لا لله. فاعماله باطلة وسعيه غير مشكور. فمثله المطابق كمثل صفوان وهو الحجر الاملس الشديد. عليه تراب فاصابه وابل اي مطر غزير. فتركه صلدا. اي ليس عليه شيء من تراب فكذلك حال هذا المرائي قلبه غليظ قاس بمنزلة الصفوان وصدقته ونحوها من اعماله بمنزلة التراب الذي على الصفوان اذا رآه الجاهل بحاله ظن انه ارض زكية قابلة للنبات. فاذا انكشفت حقيقة حاله زال ذلك التراب وتبين ان عمله بمنزلة السراب وان قلبه غير صالح لنبات الزرع وزكائه عليه. بل الرياء الذي فيه والايرادات الخبيثة تمنع من انتفاعه بشيء من عمله فلهذا لا يقدرون على شيء من اعمالهم التي اكتسبوها لانهم وضعوها في غير موضعها وجعلوها لمخلوق مثلهم ولا يملك لهم ضررا ولا نفعا وانصرفوا عن عبادة من تنفعهم عبادته. فصرف الله قلوبهم عن الهداية. فلهذا قال والله لا يهدي القوم الكافرين ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من كمثل يسبق لها ضعفين. فان لم يصبها وابل فصلوا والله بما تعملون بصير هذا مثل المنفقين اموالهم على وجه تزكو عليه نفقاتهم. وتقبل به صدقاتهم. فقال الله تعالى ومثل الذين ينفقون اموالهم وابتغاء مرضات الله اي قصدهم بذلك رضا ربهم والفوز بقربه. وتثبيتا من انفسهم اي صدر الانفاق على وجه منشرحة له النفس سخية به. لا على وجه التردد وضعف النفس في اخراجها. وذلك ان النفقة يعرض لها افتان. اما ان يقصد الانسان بها الناس ومدحهم وهو الرياء او يخرجها على خور وضعف عزيمة وتردد. فهؤلاء سلموا من هاتين الافتين. فانفقوا ابتغاء مرضات الله لا لغير ذلك من المقاصد وتثبيتا من انفسهم فمثل نفقة هؤلاء كمثل جنة اي كثيرة الاشجار غزيرة الظلال من لاتنان وهو الستر لستر اشجارها ما فيها. وهذه الجنة بربوة اي محل مرتفع ضاح للشمس في اول النهار. ووسطه واخره فثماره اكثر الثمار واحسنها. ليست بمحل نازل عن الرياح والشمس. فاصابها اي تلك الجنة التي بربوة. وابل وهو غزير فاتت اكلها ضعفين. اي تضاعفت ثمراتها لطيب ارضها ووجود الاسباب الموجبة لذلك. وحصول الماء الكثير الذي ينميها فان لم يصبها وابل فطل. اي مطر قليل يكفيها لطيب منبتها. فهذه حالة المنفقين. اهل النفقات الكثيرة والقليلة كل على حسب حاله وكل ينم له ما انفق اتم تنمية واكملها. والمنمي لها هو الذي ارحم بك من نفسك. الذي يريد مصلحتك حيث لا تريد فيا لله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لاسرعت اليه الهمم. وتزاحم عليه كل احد ولحصل القتال عنده مع انقضاء هذه الدار وفنائها. وكثرة افاتها وشدة نصبها وعنائها. وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن حين ينظر اليه بعين بصيرة الايمان دائم مستمر. فيه انواع المسرات والفرحات. ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة والعزائم عن طلبه خامدة اترى ذلك زهدا في الاخرة ونعيمها؟ ام ضعف ايمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟ والا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الايمان به بشاشة قلبه. لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق اليه. وتوجهت همم عزائمه اليه. وطوعت نفسه له بكثرة له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر وله ذل اعصار فيه نار. فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت. كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون وهذا المثل مضروب لمن عمل عملا لوجه الله تعالى من صدقة او غيرها ثم عمل اعمالا تفسده. فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما. لكونهما غذاء وقوتا وفاكهة وحلوى. وتلك الجنة فيها الانهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة. وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته. ثم انه اصابه الكبر فضعف عن العمل. وزاد حرصه وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له. بل هم كل عليه ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة. فبينما هو كذلك اذ اصاب تلك جنة اعصار وهو الريح القوية التي تستدير. ثم ترتفع في الجو وفي ذلك الاعصار نار فاحترقت تلك الجنة. فلا تسأل عما لقي ذلك الذي اصابه الكبر من الهم والغم والحزن. فلو قدر ان الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن. كذلك من عمل عملا لوجه الله فان اعماله بمنزلة في البذر للزروع والثمار ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء. وتلك المفسدات التي تفسد الاعمال بمنزل الاعصار الذي فيه نار. والعبد احوج ما يكون لعمله اذا مات. وكان بحالة لا يقدر معها على العمل. فيجد عمله الذي يؤمل نفعه منثورا ووجد الله عنده فوفاه حسابه. والله سريع الحساب. فلو علم الانسان وتصور هذه الحال وكان له ادنى مسكة من عقل لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكن ضعف الايمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه الى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيما. وخطره جسيما. فلهذا امر تعالى بالتفكر وحث عليه فقال كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون مما اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم واعلموا ان الله غني حميد الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا. والله واسع عليم. يأمر تعالى عباده المؤمنين بالنفقة من طيبات ما يسر لهم من المكاسب. ومما اخرج لهم من الارض فكما من عليكم بتسهيل تحصيله. فانفقوا منه شكرا لله واداء لبعض حقوق اخوانكم عليكم وتطهيرا لاموالكم. واقصدوا في تلك النفقة الطيب الذي تحبونه لانفسكم. ولا تيمم الرديء الذي لا ولا تأخذونه الا على وجه الاغماض والمسامحة. واعلموا ان الله غني حميد. فهو غني عنكم. ونفع صدقاتكم واعمالكم عائد اليكم ومع هذا فهو حميد على ما يأمركم به من الاوامر الحميدة والخصال السديدة. فعليكم ان تمتثلوا اوامره لانها قوت القلوب وحياة النفوس ونعيم الارواح. واياكم ان تتبعوا عدوكم الشيطان. الذي يأمركم بالامساك ويخوفكم بالفقر والحاجة اذا انفقتم. وليس فهذا نصحا لكم بل هذا غاية الغش انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. بل اطيعوا ربكم الذي يأمركم بالنفقة على وجه يسهل عليكم ولا يضركم. ومع هذا فهو يعدكم مغفرة لذنوبكم. وتطهيرا لعيوبكم وفضلا واحسانا اليكم في الدنيا والاخرة من الخلف العاجل وانشراح الصدر ونعيم القلب والروح والقبر. وحصول ثوابها وتوفيتها يوم القيامة. وليس هذا عظيما عليه. لانه واسع الفضل لعظيم الاحسان علموا بما يصدر منكم من النفقات قليلها وكثيرها سرها وعلنها فيجازيكم عليها من سعته وفضله واحسانه ينظر العبد نفسه الى ان يدعيين يميل. فقد تضمنت هاتان الايتان امورا عظيمة. منها الحث على الانفاق ومنها بيان الاسباب لذلك ومنها وجوب الزكاة من النقدين وعروض التجارة كلها. لانها داخلة في قوله من طيبات ما كسبتم. ومنها اسلوب الزكاة في الخارج من الارض من الحبوب والثمار والمعادن. ومنها ان الزكاة على من له الزرع والثمر لا على صاحب الارض. لقوله اخرجنا لكم فمن اخرجت له وجبت عليه. ومنها ان الاموال المعدة للاقتناء من العقارات والاواني ونحوها. ليس فيها زكاة. وكذلك كالديون والغصوب ونحوهما. اذا كانت مجهولة او عند من لا يقدر ربها على استخراجها منه. ليس فيها زكاة. لان الله اوجب النفقة من الاموال التي يحصل فيها النماء الخارج من الارض. واموال التجارة مواساة من نمائها. واما الاموال التي غير معدة لذلك ولا مقدورا عليها. فليس فيها هذا المعنى ومنها ان الرديء ينهى عن اخراجه ولا يجزئ في الزكاة. ثم قال تعالى ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. فقد اوتي خيرا خيرا كثيرا وما يذكر الا اولو الالباب لما امر تعالى بهذه الاوامر العظيمة المشتملة على الاسرار والحكم. وكان ذلك لا يحصل لكل احد بل لمن من الله عليه واتاه الله الحكمة. وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة اسرار الشرائع وحكمها. وان من اتاه الله الحكمة فقد اتاه خيرا كثيرا. واي خير اعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الانبياء فكمال العبد متوقف على الحكمة اذ كماله بتكميل قوة العلمية والعملية فتكميل قوته العلمية لمعرفة الحق ومعرفة المقصود به. وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر وبذلك يتمكن من الاصابة بالقول والعمل. وتنزيل الامور منازلها في نفسه وفي غيره. وبدون ذلك لا يمكنه ذلك. ولما كان الله تعالى لقد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد للحق. فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم. ومفصلين لهم ما لم انقسم الناس قسمين. قسم اجابوا دعوتهم فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه. وما يضرهم فتركوه. وهؤلاء هم اولوا الالباب الكاملة والعقول التامة وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم. بل اجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد. وتركوا طاعة رب العباد. فهؤلاء ليسوا من اولي الالباب فلهذا قال تعالى وما يذكر الا اولوا الالباب وهذا فيه المجازات على النفقات واجبهم ومستحبها قليلها وكثيرها التي امر الله بها والنذور التي الزمها المكلف نفسه. وان الله تعالى يعلمها فلا يخفى عليه لا شيء ويعلم ما صدرت عنه. هل هو الاخلاص او غيره؟ فان صدرت عن اخلاص وطلب لمرضاة الله جازى عليها بالفضل العظيم والثواب الجسيم. وان لم ينفق العبد ما وجب عليه من النفقات. ولم يوفي ما اوجبه على نفسه من المنذورات. او قصد بذلك رضا المخلوقات. فانه ظالم قد وضع الشيء في غير واستحق العقوبة البليغة ولم ينفعه احد من الخلق ولم ينصره. فلهذا قال وما للظالمين من انصار خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير. اي ان تبدوا الصدقات فتظهروها وتكون علانية حيث كان القصد بها وجه الله فنعما هي اي في نعم الشيء هي لحصول المقصود بها وان تخفوها تسروها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. ففي هذا ان صدقة السر على الفقير افضل من صدقة العلانية. واما اذا لم تؤتى الصدقة الفقراء فمفهوم الاية ان السر ليس خيرا من العلانية. فيرجع في ذلك الى المصلحة. فان كان في اظهارها اظهار شعائر الدين وحصول ونحوه فهو افضل من الاسرار. ودل قوله وتؤتوها الفقراء على انه ينبغي للمتصدق ان يتحرى بصدقته المحتاجين. ولا في محتاج وغيره احوج منه. ولما ذكر تعالى ان الصدقة خير للمتصدق. ويتضمن ذلك حصول الثواب. قال ويكفر عنكم من سيئاتكم ففيه دفع العقاب والله بما تعملون خبير. من خير وشر قليل وكثير. والمقصود من ذلك المجازاة. ليس وما تنفقوا من خير انفسكم وما تنفقون الا ابتغاء وجه الله. وما تنفقوا من خير يوفى اليكم وانتم لا تظلمون. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هدى الخلق وانما عليك البلاغ المبين والهداية بيد الله تعالى. ففيه دلالة على ان النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر. ولو لم يهتدي فلهذا قال وما تنفقوا من خير اي قليل او كثير. على اي شخص كان من مسلم وكافر. فلانفسكم اي نفعه راجع اليكم. وما ينفقون الا ابتغاء وجه الله. هذا اخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن ايمانهم. انها لا تكون الا لوجه الله تعالى. لان ايمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الاخلاص. وما تنفقوا من خير يوفى اليكم يوم القيامة. تستوفون اجوركم وانتم لا تظلمون. اي تنقصون من اعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة. كما لا يزاد في سيئاتكم. ثم ذكر مصرف النفقات الذين هم اولى الناس بها يحسبهم التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا وما تنفقوا من خير فان الله به عليم. فوصفهم بست صفات احدها الفقر والثاني قوله احصروا في سبيل الله. اي قصروها على طاعة الله من جهاد وغيره. فهم مستعدون لذلك محبوسون له. الثالث عن الاسفار لطلب الرزق. فقال لا يستطيعون ضربا في الارض. اي سفرا للتكسب. الرابع قوله يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف وهذا بيان لصدق صدرهم وحسن تعففهم. الخامس انه قال تعرفهم بسيماهم. اي بالعلامة التي ذكر الله في وهذا لا ينافي قوله يحسبهم الجاهل اغنياء. فان الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه. واما الفطن المتفرق فبمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم السادس قوله لا يسألون الناس الحافا اي لا يسألونهم سؤال الحاف اي الحاح بل ان صدر منهم سؤال اذا احتاجوا لذلك لم يلحوا على من سألوا. فهؤلاء اولى الناس واحقهم بالصدقات. لما وصفهم به من جميل الصفات واما النفقة من حيث هي على اي شخص كان فهي خير واحسان. وبر يثاب عليها صاحبها ويؤجر. فلهذا قال وما تنفقوا من خير فان الله به عليم. ثم ذكر حالة المتصدقين في جميع الاوقات على جميع الاحوال. فقال عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله اي طاعته وطريق لا في المحرمات والمكروهات وشهوات انفسهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم اي اجر عظيم من خير عند الرب الرحيم. ولا خوف عليهم اذا خاف المقصرون. ولا هم يحزنون اذا حزن المفرطون. ففازوا بحصول المقصود المطلوب ونجوا من الشرور والمرهوب. ولما كملت على حالة المحسنين الى عباده بانواع النفقات. ذكر حالة الظالمين المسيئين اليهم غاية الاساءة فقال ذلك بانهم قالوا انما البيع يخبر تعالى عن اكلة الربا وسوء مآلهم والشدة منقلبهم انهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. اي يصرعه الشيطان بالجنون فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين. متوقعين لعظيم النكال وعسره فكما تقلبت عقولهم وقالوا انما البيع مثل الربا. وهذا لا يكون الا من جاهل عظيم جهله. او متجاهل عظيم عناده جازاهم الله من جنس احوالهم فصارت احوالهم احوال المجانين. ويحتمل ان يكون قوله لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس انه لما سلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت احلامهم وضعفت ارائهم وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون في عدم انتظامها وانسلاب العقل الادبي عنهم. قال الله تعالى ردا عليهم ومبينا حكمته العظيمة. واحل الله البيع اي لما فيه من عموم المصلحة والشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه. وهذا اصل في حل جميع انواع التصرفات الكسبية. حتى يرد ما يدل على المنع حرم الربا لما فيه من الظلم وسوء العاقبة. والربا نوعان ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة نسيئة. ومنه جعل ما في رأس مال سلم وربا فضل وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلا. وكلاهما محرم بالكتاب والسنة. والاجماع على ربا النسيم وشذ من اباح لي بالفضل وخالف النصوص المستفيضة. بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها. فمن جاءه موعظة من ربه اي وتذكير وترهيب عن تعاطي الربا على يد من قيده الله لموعظته. رحمة من الله بالموعوظ واقامة للحجة عليه. فانتهى عن فعله انزجر عن تعاطيه فله ما سلف. اي ما تقدم من المعاملات التي فعلها قبل ان تبلغه الموعظة. جزاء لقبوله للنصيحة. دل مفهوم الاية ان من لم ينتهي جوزي بالاول والاخر وامره الى الله في مجازاته وفيما يستقبل من اموره ومن عاد الى تعاطي الربا ولم تنفعه الموعظة بل اصر على ذلك فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. اختلف العلماء رحمهم الله في نصوص الوعيد التي ظاهرها تخليد اهل الكبائر من الذنوب التي دون الشرك بالله. والاحسن فيها ان يقال هذه الامور التي رتب الله عليها الخلود في النار. موجبات ومقتضيات لذلك ولكن الموجب ان لم يوجد ما يمنعه ترتب عليه مقتضاه. وقد علم بالكتاب والسنة واجماع سلف الامة ان التوحيد والايمان مانع من الخلود في النار فلولا ما مع الانسان من التوحيد لصار عمله صالحا للخلود فيها بقطع النظر عن كفره. ثم قال تعالى اثيم يمحق الله الربا اي يذهبه ويذهب بركته ذاتا ووصفا. فيكون سببا لوقوع الافات فيه. ونزع البركة عنه. وان انفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادا له الى النار. ويربي الصدقات ان ينميها وينزل البركة في المال الذي اخرجت منه. وينمي اجر صاحبها هذا لان الجزاء من جنس العمل. فان المرابي قد ظلم الناس واخذ اموالهم على وجه غير شرعي. فجوزي بذهاب ما له. والمحسن اليهم بانواع الاحسان ربه اكرم منه فيحسن عليه كما احسن على عباده. والله لا يحب كل كفار لنعم الله. لا يؤدي ما اوجب عليه من الصدقات. ولا يسلم ومنه ومن شره عباد الله اثيم. اي قد فعل ما هو سبب لاثمه وعقوبته. لما ذكر اكلة الربا وكان من المعلوم انهم لو كانوا مؤمنين ايمانا ينفعهم لم يصدر منهم ما صدر. ذكر حالة المؤمنين واجرهم وخاطبهم بالايمان. ونهاهم عن اكل الربا ان كانوا مؤمنين. يا يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين. فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. وهؤلاء هم الذين الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لامره. وامرهم ان يتقوه. ومن جملة تقواه ان يذروا ما بقي من الربا. اي المعاملات الحاضرة الموجودة واما ما سلف فمن اتعاظ عفا الله عنه ما سلف واما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فانه مشاق لربه محارب له. وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم. الذي يمهل للظالم ولا يهمله. حتى اذا اخذه اخذه اخذ عزيز مقتدر وان تبتم عن الربا فلكم رؤوس اموالكم اي انزلوا عليها لا تظلمون من عاملتموه باخذ الزيادة التي هي الربا ولا تظلمون رؤوس اموالكم وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان كان المدين ذو عسرة لا يجد وفاء فنظرة الى ميسرة وهذا واجب عليه ان ينظره حتى يجد ما يوفي به. وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون. اما باسقاطها او بعضها وهذه الاية من اخر ما نزل من القرآن. وجعلت خاتمة لهذه الاحكام والاوامر والنواهي. لان فيها الوعد على الخير والوعيد على فعل الشر وان من علم انه راجع الى الله فمجازيه على الصغير والكبير والجلي والخفي وان الله لا يظلمه مثقال ذرة اوجب له والرحمة وبدون حلول العلم في ذلك في القلب. لا سبيل الى ذلك اكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل. ولا يأبى كاتب ان ان يكتب كما علمه الله فليكتب وليملي للذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان شهيدين من رجالكم رجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما اخرى ولا يأبى الشهداء اذا ما دعوا ولا تسأموا ان تكتبوا صغيرا او كبيرا الى فليس عليكم جناح الا تكتبوها واشهدوا اذا تبايعوا كاتبون ولا شهيد. وان تفعلوا انه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم هذه اية الدين. وهي اطول اية القرآن. وقد اشتملت على احكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار. احدها انه تجوز انواع المداينات من سلم وغيره. لان الله اخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون اخبار مقرر لها. ذاكرا لاحكامها. وذلك يدل على الجواز الثاني والثالث انه لابد للسلم من اجل وانه لا بد ان يكون معينا معلوما فلا يصح حالا ولا الى اجل مجهول الرابع الامر بكتابة جميع عقود المداينات. اما وجوب واما استحبابا من شدة الحاجة الى كتابتها. لانها بدون الكتابة يدخلها من الغلط والنسيان والمنازعة والمشاجرة شر عظيم. الخامس امر الكاتب ان يكتب. السادس ان يكون عدلا في نفسه. لاجل اعتبار كتابته لان الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته. السابع انه يجب عليه العدل بينهما. فلا يميل لاحدهما لقرابة او صداقة او غير ذلك الثامن ان يكون الكاتب عارفا بكتابة الوثائق. وما يلزم فيها كل واحد منهما. وما يحصل به التوثق. لانه لا سبيل الى العدل الا بذلك وهذا مأخوذ من قوله وليكتب بينكم كاتم بالعدل. التاسع انه اذا وجدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة يعمل ولو كان هو الشهود قد ماتوا العاشر قوله ولا يأبى كاتب ان يكتب اي لا يمتنع من من الله عليه بتعليمه الكتابة ان يكتب بين المتدينين. فكما احسن الله اليه بتعليمه. فليحسن الى عباد الله المحتاجين الى كتابته. ولا يمتنع من الكتابة لهم الحادي عشر امر الكاتب الا يكتب الا ما املاه من عليه الحق. الثاني عشر ان الذي يملي من المتعاقدين من عليه الدين. الثالث عشر امره ان يبين ان جميع الحق الذي عليه ولا يبخس منه شيئا. الرابع عشر ان اقرار الانسان على نفسه مقبول. لان الله امر من عليه الحق ان يمل على الكاتب فاذا كتب اقرارهم بذلك ثبت موجبه ومضمونه وهو ما اقر به على نفسه. ولو ادعى بعد ذلك غلطا او سهوا. الخامس عشر ان من عليه حقا من الحقوق التي البينة على مقدارها وصفتها من كثرة وقلة وتعجيل وتأجيل. ان قوله هو المقبول دون قول من له الحق لانه تعالى لم ينهه عن بخس الحق الذي عليه. الا ان قوله مقبول على ما يقوله من مقدار الحق وصفته. السادس عشر انه يحرم على عليه حق من الحقوق ان يبخس وينقص شيئا من مقداره او طيبه او حسنه او اجله او غير ذلك من توابعه ولواحقه. السابعة عشر ان من لا يقدر على املاء الحق لصغره او سفهه او خرسه او نحو ذلك فانه ينوب وليه منابه في الاملاء والاقرار الثامن عشر انه يلزم الولي من العدل ما يلزم من عليه الحق من العدل. وعدم البخس لقوله بالعدل. التاسع عشر انه يشترط عدالة الولي ان الاملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق. العشرون ثبوت الولاية في الاموال. الحادي والعشرون ان الحق يكون على الصغير والسفيه والمجنون والضعيف لا على وليهم. الثاني والعشرون ان اقرار الصغير والسفيه والمجنون والمعتوه ونحوهم. وتصرفهم غير صحيح. لان الله جعل الاملاء لوليهم ولم يجعل لهم منه شيئا لطفا بهم ورحمة خوفا من تلافي اموالهم. الثالث والعشرون صحة تصرف الولي في مال من ذكر الرابع والعشرون فيه مشروعية كون الانسان يتعلم الامور التي يتوثق بها المتدينون كل واحد من صاحبه. لان المقصود من ذلك التوثق والعدل وما لا يتم المشروع الا به فهو مشروع. الخامس والعشرون ان تعلم الكتابة مشروع. بل هو فرض كفاية. لان الله ما امر بكتابة الديون وغيرها ولا يحصل ذلك الا بالتعلم. السادس والعشرون انه مأمور بالاشهاد على العقود. وذلك على وجه الندب لان المقصود من ذلك الارشاد الى ما يحفظ الحقوق. فهو عائد لمصلحة المكلفين. نعم ان كان المتصرف ولي يتيم او وقف. ونحو ذلك مما يجب حفظه تعين ان يكون الاشهاد الذي به يحفظ الحق واجبا. السابع والعشرون ان نصاب الشهادة في الاموال ونحوها رجلان. او رجل وامرأتان ودلت السنة ايضا انه يقبل شاهد مع يمين المدعي الثامن والعشرون ان شهادة الصبيان غير مقبولة بمفهوم لفظ الرجل التاسع والعشرون ان شهادة النساء منفردات في الاموال ونحوها لا تقبل. لان الله لم يقبلهن الا مع الرجل. وقد يقال ان الله اقام المرأتين فقام رجل للحكمة التي ذكرها وهي موجودة سواء كنا مع رجل او منفردات. والله اعلم. الثلاثون ان شهادة العبد البالغ كالشهادة الحر لعموم قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم. والعبد البالغ من رجالنا. الحادي والثلاثون ان شهادة الكفار ذكورا كانوا او نساء غير مقبولة. لانهم ليسوا منا ولانما من الشهادة على العدالة وهو غير عدل. الثاني والثلاثون فيه فضيلة على المرأة وان الواحد في مقابلة المرأتين بقوة حفظه ونقص حفظها. الثالث والثلاثون ان من نسي شهادته ثم ذكرها فذكر فشهادته مقبولة لقوله فتذكر احداهما الاخرى. الرابع والثلاثون يؤخذ من المعنى ان الشاهد اذا خاف شهادته في الحقوق الواجبة وجب عليه كتابتها لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. الخامس والثلاثون انه يجب على الشاهد اذا دعي للشهادة وهو غير معذور لا يجوز له ان يأبى لقوله ولا يأبى الشهداء اذا ما دعوا. السادس والثلاثون ان من لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم لم يجب عليه الاجابة لعدم الفائدة بها. ولانه ليس من الشهداء. السابع والثلاثون. النهي عن السآمة والضجر. من كتابة الديون كلها من صغير وكبير وصفة الاجل وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود. الثامن والثلاثون بيان الحكمة في مشروعية الكتابة والاشهاد في العقوق وانه اقسط عند الله واقوم للشهادة وادنى الا ترتابوا. فانها متضمنة للعدل الذي به قوام العباد والبلاد. وشهادة المقترنة بالكتابة تكون اقوم واكمل. وابعد من الشك والريب والتنازع والتشاجر. التاسع والثلاثون يؤخذ من ذلك ان من اشتبه في شهادته لم يجز له الاقدام عليها بل لابد من اليقين. الاربعون قوله الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح الا تكتبوها. فيه الرخصة في ترك الكتابة اذا كانت التجارة حاضرا بحاضر. لعدم شدة الحاجة الى الكتابة الحادي والاربعون انه ان رخص في ترك الكتابات في التجارة الحاضرة فانه يشرع الاشهاد لقوله واشهدوا اذا تبايعتم الثاني والاربع النهي عن مضارة الكاتب بان يدعى وقت اشتغال وحصول مشقة عليه. الثالث والاربعون النهي عن مباراة الشهيد ايضا بان يدعى الى تحمل شهادة او ادائها في مرض او شغل يشق عليه او غير ذلك هذا على جعل قوله ولا يضار كاتب ولا شهيد مبنيا للمجهول واما على جعلها مبنيا للفاعل ففيه نهي الشاهد والكاتب ان يضارا صاحب الحق بالامتناع او طلب اجرة شاقة ونحو ذلك وهذان هما الرابع والاربعون والخامس والاربعون. السادس والاربعون ان ارتكاب هذه المحرمات من خصال الفسق. لقوله وان تفعلوا فانه فسوق بكم السابع والاربعون ان الاوصاف كالفسق والايمان والنفاق والعداوة والولاية ونحو ذلك تتجزأ في الانسان. فتكون فيه مادة فسق وغيرها وكذلك مادة ايمان وكفر. لقوله فانه فسوق بكم. ولم يقل فانتم فاسقون او فساق. الثامن والاربعون. وحق ان يتقدم على ما هنا لتقدم موضعه. اشتراط العدالة في الشاهد لقوله ممن ترضون من الشهداء؟ التاسع والاربعون ان عدالة يشترط فيها العرف في كل مكان وزمان. فكل من كان مرضيا معتبرا عند الناس قبلت شهادته. الخمسون يؤخذ منها عدم قبول شهادة المجهول حتى يزكى. فهذه الاحكام مما يستنبط من هذه الاية الكريمة على حسب الحال الحاضرة والفهم القاصر. ولله في كلامه واسرار يخص بها من يشاء من عباده. وقوله تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا كرهان مقبوضة فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة. ومن يكتمها فانه اثم قلبه والله بما تعملون اي ان كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يكتب بينكم ويحصل به التوثق فرهان مقبوضة اي يقبضها صاحب الحق وتكون وثيقة عنده حتى يأتيه حقه. ودل هذا على ان الرهن غير المقبوض لا يحصل منها التوثق. ودل ايضا على ان الراهن والمرتهن لو اختلف في قدر ما رهنت به كان القول قولا مرتهن. ووجه ذلك ان الله جعل الرهن عوضا عن الكتابة. في توثق صاحب الحق. فلولا ان قول المرتهن مقبول في قدر الذي رهنت به لم يحصل المعنى المقصود. ولما كان المقصود بالرهن التوثق جاز حضرا وسفرا. وانما نص الله على السفر لانه في مظنة الحاجة اليه لعدم الكاتب فيه. هذا كله اذا كان صاحب الحق يحب ان يتوثق لحقه. فما كان صاحب الحق امنا من واحب ان يعامله من دون رهن. فعلى من عليه الحق ان يؤدي اليه كاملا غير ظالم له ولا باخس حقه. وليتق الله ربه في اداء الحق ويجازي من احسن به الظن بالاحسان. ولا تكتموا الشهادة. لان الحق مبني عليها. لا يثبت بدونها. فكتمها من اعظم الذنوب. لانه ما وجب عليه من الخبر الصدق ويخبر بضده وهو الكذب ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق. ولهذا قال تعالى ومن يكتمها فانه واثم قلبه والله بما تعملون عليم. وقد اشتملت هذه الاحكام الحسنة التي ارشد الله عباده اليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة دلت على ان الخلق لو اهتدوا بارشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم. لاشتمالها على العدل والمصلحة. وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات وانتظام امر المعاش. فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. لا نحصي ثناء عليه يحاسب فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. والله هذا اخبار من الله ان له ما في السماوات وما في الارض. الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية فكانوا ملكا له وعبيدا لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا موطن ولا حياة ولا نشورا. وهو ربهم ومالكهم والذي يتصرف فيهم بحكمته وعدله واحسانه. وقد امرهم ونهاهم وسيحاسبهم على ما اسروه واعلنوه. فيغفر لمن يشاء وهو لمن اتى باسباب بالمغفرة ويعذب من يشاء بذنبه الذي لم يحصل له ما يكفره. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء. بل كل الخلق طوع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله غفرانك ربنا واليك المصير. يخبر تعالى عن ايمان الرسول والمؤمنين معه وانقيادهم وطاعتهم وسؤاله مع ذلك المغفرة. فاخبر انهم امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله. وهذا يتضمن الايمان بجميع ما اخبر الله به عن نفسه واخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله. على وجه الاجمال والتفصيل وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص ويتضمن الايمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا. وعلى الايمان بجميع الرسل والكتب. اي بكل ما اخبرت به الرسل وتضمنته والكتب من الاخبار والاوامر والنواهي. وانهم لا يفرقون بين احد من رسله. بل يؤمنون بجميعهم. لانهم وسائط بين الله وبين عباده الكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله وقالوا سمعنا ما امرتنا به ونهيتنا واطعنا لك في ذلك ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا عصينا ولما كان العبد لا بد ان يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج الى مغفرته على الدوام. قالوا غفرانك اي نسألك مغفرتك لما صدر منا من التقصير والذنوب ومحو ما اتصفنا به من العيوب واليك المصير. اي المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ربنا لا تؤاخذنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته وعلى الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا واعف عنا واغفر لنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين لما نزل قوله تعالى وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله. شق ذلك على المسلمين بما توهموا وان ما يقع في القلب من الامور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به. فاخبرهم بهذه الاية انه لا يكلف نفسا الا وسعها اي امرا تسعه طاقتها ولا يكلفها ويشق عليها. كما قال تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج. فاصل الاوامر والنواهي ليست من الامور التي تشق على النفوس بل هي غذاء للارواح ودواء للابدان وحمية عن الضرر. فالله تعالى امر العباد بما امرهم به رحمة واحسانا ومع هذا اذا حصل بعض الاعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل اما باسقاطه عن المكلف او اسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم ثم اخبر تعالى ان لكل نفس ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر فلا تزن وازرة وزر اخرى ولا تذهب حسنات لغيره وفي الاتيان بكسب في الخير. الدال على ان عمل الخير يحصل للانسان بادنى سعي منه. بل بمجرد نية القلب واتى باكتسب في عمل الشر بالدلالة على ان عمل الشر لا يكتب على الانسان حتى يعمله. ويحصل سعيه. ولما اخبر تعالى عن ايمان الرسول والمؤمنين معه. وان كل عامل سيجازى بعمله. وكان الانسان عرضة للتقصير والخطأ والنسيان. واخبر انه لا يكلفنا الا ما نطيق. وتسعه قوتنا. اخبر عن دعاء المؤمنين بذلك وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان الله قال قد فعلت اجابة لهذا الدعاء فقال ربنا لا تؤاخذنا نسينا او اخطأنا والفرق بينهما ان نسيان ذهول القلب عما امر به فيتركه نسيانا. والخطأ ان يقصد شيئا يجوز له قصده او قد نسي نجاسة على بدنه او تكلم في الصلاة ناسيا او فعل مفطرا ناسيا او فعل محظورا من محظورات الاحرام التي ليس فيها اتلاف النسل فانه معفو عنه. وكذلك لا يحنث من فعل المحلوف عليه ناسيا. وكذلك لو اخطأ فاتلف نفسا او مالا. فليس عليه اثم. وان ما الضمان مترتب على مجرد الاتلاف. وكذلك المواضع التي تجب فيها التسمية. اذا تركها الانسان ناسيا لم يضر. ربنا ولا تحمل علينا اصرا تكاليف مشقة كما حملته على الذين من قبلنا. وقد فعل تعالى فان الله خفف عن هذه الامة في الاوامر من الطهارات واحوال العبادات ما لم يخففه على غيرها. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به. وقد فعل وله الحمد واعف عنا واغفر لنا وارحمنا. فالعفو والمغفرة يحصل بهما دفع المكاره والشرور. والرحمة يحصل بها صلاح الامور. انت مولانا اي ربنا ومليكنا والهنا الذي لم تزل ولايتك ايانا منذ وانشأتنا فنعمك دابة علينا متصلة عدد الاوقات. ثم انعمت علينا بالنعمة العظيمة والمنحة الجسيمة. وهي نعمة الاسلام التي جميع النعم تبع لها فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك بان تنصرنا على القوم الكافرين الذين كفروا بك وبرسلك وقاوموا اهل دينك ونبذوا فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان. بان تمكن لنا في الارض وتخذلهم وترزقنا الايمان والاعمال التي يحصل بها النصر. والحمد لله رب العالمين