المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل التاسع عشر في الثناء على التواضع وذم الكبر. فكثرت نصوص الكتاب والسنة في الامر بالتواضع للحق والخلق. والثناء على المتواضعين وذكر ثوابهم العاجل والاجل كما تكاثرت بالنهي عن الكبر والتكبر والتعاظم وبيان عقوبات المتكبرين. قال تعالى فاعبدوا وتوكل عليه وقال سبحانه يا ايها الناس اعبدوا ربكم وقال فاستقيموا اليه واستغفروه. العبودية لله وحده طاعته في امره ونهيه. كل ذلك خضوع للحق. فان اعظم الحقوق حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. فمن خضع لهذا حقي في اصول الدين وفروعه وهو المتواضع الخاضع لله. ومن اعرض عنه او عارضه فهو متكبر. ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر سيحشرهم اليه جميعا. والنار قد اعدها الله مثوى للمتكبرين عليه. المستكبرين عن العبودية لله. التواضع هو اصل الدين والتكبر مناف للدين. وبهذا نستطيع ان نفهم حق الفهم. قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا يدخل الجنة من في قلبه فيه مثقال حبة خردل من كبر. وقوله عن الله تعالى انه قال العظمة ازاري والكبرياء ردائي. فمن نازعني واحدا من هما عذبته فكل من لم يخضع لله ولعبوديته وطاعته وطاعة رسوله فهو مستكبر. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم التواضع والكبر تفسيرا عاما شاملا واضحا يزيل كل اشكال ولا يحتاج بعده الى مقال فقال حين سئل عن الكبر. الكبر بطر الحق وغمط الناس ومفهومه ان التواضع ضده وهو قبول الحق والانقياد له وعدم احتقار الناس فمن قبل الحق وانقاد له ولم يحقر احدا وتواضع لعباد الله فهذا هو المتواضع للحق وللخلق وهو القائم بحقوق الله وحقوق الخلق. ومن بطر الحق فرده ولم ينقد له وغمط الناس فاحتقرهم وازدراءهم بقلبه وقوله وفعله فهذا هو المتكبر. فعليك بهذا الحد الجامع المانع وطابق بينه وبين احوال الخلق عموما او اخلاقك وعليك ان تجتهد وتجاهد نفسك على التحقق والاتصاف بخلق التواضع لله ولعباد الله لتكون من المفلحين. والا كنت من الخاسرين اصل التواضع هو الالتزام الذي التزمه المؤمنون في قولهم سمعنا واطعنا اي سمعنا يا ربنا ما قلته في كتابك وقاله نبيك سمع قبول واذ واطعنا امرك وامر رسولك المنادي للايمان وهو الذي توسل به اولو الالباب عند ربهم في حصول ما يحبون وفي دفع ما يكرهون في قول ربنا اننا سمعنا منادي ينادي للايمان ان امنوا بربكم ايمانا قلبيا بالتصديق واليقين والرغبة في العبودية. مستلزما لاعمال الجوارح بالقيام بحقوق الله وحقوق الخلق. هذا هو الايمان الذي توسلوا به الى مغفرة ذنوبهم وحصول مطلوبهم. وبهذا التواضع الكامل كملت اخلاقهم واحوالهم كلها بترك هذا التواضع والاتصال بضده تحق المتكبرون العقاب وحرموا من الثواب. قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين. اي ذليلين كلما استهانوا بعبادة الله اذلهم الله بالعذاب جزاء من جنس عملهم. والتواضع اعظم نعمة انعم الله بها على العبد. قال تعالى فبما رحمة ان من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك. وقالت تعالى وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة وبالاحسان كامل للخلق فكان خلقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الاخلاص لله والحنو على عباد الله ضد اوصاف المتكبرين من كل وجه. فعلى كل عبد ان يلتزم التزاما عاما بلا استثناء تصديق الله ورسوله. لكل امر ونهي بامتثال الامر بحسب القدرة واجتناب النهي قال صلى الله عليه وسلم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم وما كان كذلك فقد سلك طريق الاستقامة والصراط الصراط المستقيم ولكن لابد للعبد من تفريط في بعض الواجبات او تجرأ على بعض المحرمات ولكن عليه المبادرة عند ذلك للتوبة والاستغفار كما قال تعالى فاستقيموا اليه واستغفروه. وعلى العبد ان يتواضع لعباد الله ويلين لهم ويحب لجميعهم طيب وينصح لهم في كل حالة من احوالهم ويحترم الكبير ويحنوا على الصغير ويوقر النظير ولا يحتقر الناقص في عقله وشرفه ولا الفقيه طوبى للمتواضعين وويل للمتكبرين المتجبرين. للمتواضع والمتكبر علامات لا تخفى على المتأملين. المتواضع ينقاد حقي مع من كان ولا يبالي بترك قول كان يقوله وينصره. اذا اتضح له الصواب. والمتكبر يتعصب لاقواله وافعاله ويعجب بقوله ومقاله يبين له الحق ويشمخ بانفه متكبرا عنه عجبا بنفسه وتيها. وبهذا الخلق نزل الى اسفل الدركات. المتواضع يسلم على الصغير والكبير والشريف والوضيع ويقبل بوجهه وقوله على من تصدى له حتى يقضي حاجته ويعاشر كل احد اكمل معاشرة. والمتكبر لا سلم ولا يقبل بوجهه على الفقير والحقير وينأى بجانبه عن مجالستهم ولا يهتم بشأنهما وانما يتصدى ويعظم الرؤساء والكبراء رأى خاضعا لهم بقلبه معظما لهم بلسانه. وهذا اكبر برهان معبر عن رذيلته. ما اقل حظ المتكبرين وما اعظم خسرانهم المبين. خسروا وبتكبرهم الايمان والاخلاق الجميلة وخسروا ما اعده الله للمتواضعين من الثواب. وحصلوا على الوباء والعقاب خسروا محبة الخلق على اختلاف طاقاتهم. فالناس جبلوا على محبة المتواضعين ومقت المتكبرين. ومن اظهر من الناس تعظيمهم ومحبتهم. فذلك زور ونفاق يذهب ويح للمتكبرين ما اعظم حمقهم وما اضلهم واجهلهم باي وصف يتكبرون وباي عمل يتجبرون. من علم انه مخلوق فقير ناقص من كل وجه فباي شيء يتكبر؟ ومن فهم ان اوله نطفة نظرة واخره جيفة قذرة وهو بين ذلك يحمل العذرة فبأي شيء يعجب ويفتخر. والله ان الفخر كل الفخر بالتواضع لله ولعباد الله ما وصل للمنازل العلية الا بالتواضع. ولادركت الاخلاق الجميلة الا بالانقياد للحق وتعظيم حقوق الخلق. المتواضع حبيب الى الله حبيب الى عباد الله. قريب من الخيرات بعيد من الشرور والمنكرات فكبر بغيض الى الله بغيض الى عباد الله بعيد من الاحسان والخيرات. قريب من الشرور والمنكرات. كم حصل للمتواضع من مودة وصداقة قال كم تم له من ثناء وادعية من الناس مستجابات؟ كم جبر بتواضعه من فقير؟ وكم حصل له بالتواضع من خير كثير؟ ما تواضع احد لله الا رفعه ولا تكبر احد الا وضعه. التواضع خلق الانبياء والمرسلين ونعت المتقين والمهتدين. تكبر خلق الجبابرة ظالمين. التواضع يزيد الشريف شرفا ويرفع الوضيع حتى يصل الى مقامات الاولياء والاصفياء. ما احلى خلق التواضع وخصوصا من الاغنياء الاشراف والرؤساء وما اقبح الكبر من كل احد. وبالاخص من الضعفاء والفقراء. لقد سعد المتواضعون في الدنيا والاخرة. ولقد رجع المتكبرون بالذل والصفقة الخاسرة. قال تعالى ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا. ان الله الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير. وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه تبع هواه وكان امره فرطا. واتبع هواه وكان امره فرطا. فامر في هذه الاية بالتواضع وذكر صفات المتواضعين وهم الذين يريدون وجه الله المخلصون لله المتضرعون لربهم في الغداة والعشي الذين يمشون على الارض هونا ويخالقون الناس بخلق حسن. ولا يأنفون من احد ولا يتعاظمون على احد. ونهى عن التكبر وذكر من صفات متكبرين انهم الذين غفلت قلوبهم عن الله واتبعوا اهواءهم وانفرطت عليهم امورهم وخسروا دينهم ودنياهم وانهم من تكبرهم يمشون في الارض مرحا وبطرا ويصعرون خدودهم على عباد الله ويقتالون في قلوبهم وافعالهم ويفتخرون باقوالهم. فما ابعد بين الفريقين وما اشد التفاوت بين الطائفتين في مقاصدهم واقوالهم وافعالهم وصفاتهم. من تواضع لله ولعباد الله كان جميع اجتماعاته بالناس على اختلاف درجاتهم مغنما يكسب بها الخيرات والمثوبة من الله. فانه يلاقي الناس ويخاطبهم ويجتمع بهم عاشرهم بهذه النية الصالحة الفاضلة وبالكلام اللين الطيب للغني والفقير والشريف والوضيع. لا يرى لنفسه عليهم فضلا ويوطن نفسه على ما استطاع استطاع من نفع ما اجتمع به فهذه النية وهذا العمل وهذه المعاشرة من هذا المتواضع جميعه قربة يتقرب بها الى الله ثم يترتب على ذلك محبة الناس وكثرة ثنائهم وادعيتهم له وهذا افضل ما اكتسبه المكتسبون. ونافس فيه المنافسون. وكل من سمع باخلاقه ولو لم يجالسه احد ربه ودعا له فما اعظم الغبن والخسران الاستهوان بهذه الامور الجليلة والخصال الجميلة التي لا تدرك وتنال الا بخلق التواضع قلت لها