ما معنى كلمة الرب قال الجوهري رحمه الله تعالى رب كل شيء مالكه والرب اسم من اسماء الله عز وجل ولا يقال في غيره الا بالاضافة وقد قالوه في الجاهلية للملك وقال الاصبهاني رحمه الله الرب في الاصل التربية وهو انشاء الشيء حالا فحالا الى حد التمام يقال ربه ورباه ورببه وقيل لاني ربني رجل من قريش احب الي من ان يردني رجل من هواز الرب مصدر مستعار للفاعل ولا يقال الرب مطلقا الا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات نحو قوله تعالى بلدة طيبة ورب غفور اما بالاضافة فيقال له عز وجل ولغيره نحو قوله رب العالمين وربكم رب ابائكم الاولين ويقال بالاضافة ايضا لغير الله. كقولك رب الدار ورب الفرس لصاحبهما وعلى ذلك قوله تعالى اذكرني عند ربك فانساه الشيطان ذكر ربه وجمع الرب ارباب. قال تعالى اارباب متفرقون خيس ام الله الواحد القهار ولم يكن من حق الرب ان يجمع اذ كان اطلاقه لا يتناول الا الله تعالى لكن اتى بلفظ الجمع فيه على حسب اعتقاداتهم لا على ما عليه ذات الشيء في نفسه والحاصل ان لفظ الرب في اللغة يطلق على المالك والسيد والمربي وعلى المتصرف للاصلاح وكل هذه المعاني صحيح من حق الله تعالى ويطلق عليه اطلاقا حقيقيا لانه رب كل شيء ومالكه والهه قال تعالى الحمد لله رب العالمين وقال العلامة تقي الدين المقريزي رحمه الله في تجريد التوحيد فمعنى رب العالمين رب العالمين. فان الرب سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد لعباده القائم بتربيتهم واصلاحهم المتكفل بصلاحهم من خلق ورزق واصلاح دين ودنيا وقال الشوكاني رحمه الله ان لفظ الرب باعتبار معناه اللغوي مشعر اتم اشعار باخلاص توحيده هذا باعتبار معناه الافرادي دون الاضافي ثم في معناه الاضافي دلالة اخرى فان كونه رب العالمين يدل على ذلك ابلغ دلالة انتهى كلام الشوكاني تم اطلاق لفظ الرب على غيره تعالى فاطلاق حقيقي اضافي يقال فلان رب البيت ورب الدابة ورب المال بمعنى انه مالكه لا بمعنى انه خالقه وهذا الاطلاق لا يعني اكثر من ان الرب سبحانه اعطاه من فضله هذا القدر من الملك وهو نسبة اضافية والغرض من الاضافة رفع الالتباس لان الرب لا يطلق الا على الله سبحانه فهو رب كل شيء وخالقه والمتصرف فيه اما معنى توحيد الربوبية اصطلاحا فهو توحيد الله بافعاله اي الاقرار بان الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه وانه المحيي والمميت النافع الضار المتفرد باجابة الدعاء عند الاضطرار الذي له الامر كله وبيده الخير كله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الايمان بالقدر اي الايمان بان كل محدث في الكون صادر عن علم الله عز وجل وارادته وقدرته وبعبارة اخرى فان هذا التوحيد معناه نفي الشريك عنه تعالى في صفات الربوبية الحقة التي تعني الخلق والرزق والملك والتربية والتدبير والاقرار بانه تعالى وحده هو الفاعل المطلق في الكون لا يشاركه احد في فعله سبحانه وقد اشار الله تعالى في كتابه الكريم الى هذا المعنى في كثير من الايات منها قوله تعالى الذي له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا وهذا النوع من التوحيد هو كالاساس بالنسبة لانواع التوحيد الاخرى لان الخالق المالك المدبر هو الجدير وحده بالتوجه اليه بالعبادة كما هو الجدير وحده بصفات الجلال والكمال. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهذا التوحيد اي توحيد الربوبية هو من التوحيد الواجب لكن لا يحصل به الواجب ولا يخلص بمجرده عن الاشراك الذي هو اكبر الكبائر الذي لا يغفره الله بل لابد ان يخلص لله الدين فلا يعبد الا اياه سيكون دينه لله انتهى كلام شيخ الاسلام وزعم اهل الكلام والنظر والفلسفة ومن وافقهم ان هذا التوحيد هو التوحيد المطلوب الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب فتعبوا في اثباته وتقريره وليس الامر كما يزعمون لان الغاية الاولى والقضية الكبرى التي جاءت بها الرسل ونزلت بها الكتب هي توحيد الله عز وجل بالعبادة. فعبادة الله وحده لا شريك له هو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وانزل به الكتب قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون ويتضمن توحيد العبادة توحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات قال الشوكاني رحمه الله اعلم ان الله لم يبعث رسله ولم ينزل كتبه بتعريف خلقه لانه الخالق والرازق لهم ونحو ذلك فان هذا يقر به كل مشرك قبل بعثة الرسل بل بعث الله رسله وانزل كتبه لاخلاص توحيده وافراده بالعبادة قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت انتهى كلام الشوكاني رحمه الله وقد كان المشركون الذين بعث اليهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرون بتوحيد الربوبية وانه لا خالق الا الله وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم اعترافهم بذلك في كثير من الايات منها قوله تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله فقل افلا تتقون؟ وقال تعالى قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم فيقولون لله قل افلا تتقون وقال عز وجل ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم وقال سبحانه ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ومثل هذا كثير في القرآن فان المشركين من العرب كانوا يقرون باصل توحيد الربوبية وقد بين العلامة الشنقيطي رحمه الله ان كل الاسئلة التي وجهها الله تعالى للمشركين المتعلقة بتوحيد الربوبية الاستفهام فيها استفهام تقرير يراد منها انهم اذا اقروا رتب لهم التوبيخ والانكار على ذلك الاقرار لان المقر بالربوبية يلزمه الاقرار بالالوهية ضرورة انتهى كلام الشنقيطي رحمه الله ومثل هذا في القرآن كثير فان المشركين من العرب كانوا يقرون باصل توحيد الربوبية ولم يكونوا يعتقدون في الاصنام انها مشاركة لله في خلق العالم بل حالهم فيها كحال امثالهم من مشركي الامم من الهند والترك والبربر وغيرهم حيث يجعلون اصنامهم واوثانهم شفعاء ووسائل بينهم وبين الله. كما قال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم. ويقولون فهؤلاء شفعاءنا عند الله وعلى هذا فان اقرارهم بالربوبية لم ينفعهم ولم يدخلهم في الاسلام وقاتلهم الرسول صلى الله عليه واله وسلم واستحل دماءهم واموالهم. وذلك لانهم انكروا توحيد الالهية واشركوا بالله في عبادته قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون اي ما يقر اكثرهم في اقراره بالله وبانه خلقه وخلق السماوات والارض الا وهو مشرك بعبادة الاوثان فلم يعتد باقرارهم هذا لانه خالفه فعلهم فمن شأن من اقر لله بتوحيد الربوبية ان يفرده بتوحيد العبادة فاذا لم يفعل ذلك الاقرار الاول باطل اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان وصف علماء العلوم الحديثة الذين يستدلون باثار صنع الله في مخلوقاته على اثبات وجود الله وصفهم بالايمان خطأ شنيع يستضر به هؤلاء العلماء قبل غيرهم لانهم يتوهمون انهم بهذا الاقرار بوجود الخالق قد اتوا بما يجب عليهم وانهم على خير لانهم ليسوا ملحدين اشرارا قال صاحب كتاب النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية واسلوب الفكر التغريبي في التعامل معها وما احسن ما قال ان غاية ما عند التيار العقلاني في الابواب الدينية ان اصاب هو اثبات الربوبية اما ما سواها فلا شيء كبير عندهم وهنا يظهر النقص الكبير الذي وقع فيه الفكر العقلاني تجاه الدين في اوروبا وقد دافعوا عما يقر به اغلب عقلاء البشر وبما تدين به الفطر السوية ولكن بقيت امور العبادة والتوحيد وشرائع الدين معطلة عند هؤلاء ومما يؤسف عليه ان هذا اصبح سمة غالبة لمن يسمون عندهم بالمؤمنين من مفكرين وعلماء اذ هم في الغالب ممن يعتقد بوجود الله ولكنه لا يعترف بالنبوات والشرائع