المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. هذا تعجب من حالة الناس وانه لا ينجح فيهم تذكير ولا يرعوون الى نذير. وانهم قد قربوا حسابهم ومجازاتهم على اعمالهم الصالحة والطالحة والحال انهم في غفلة معرضون. اي غفلة عما خلقوا له. واعراض عما زجروا به. كانهم للدنيا خلقوا وللتمتع بها ولدوا. وان الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ. ولا يزالون في غفلتهم واعراضهم. ولهذا قال ما يأتي من ذكر من ربهم محدث الا استمعوا وهم يلعبون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه وما يضرهم ويرهبهم منه الا استمعوه سماعا تقوم عليه به الحجة وهم يلعبون الا بشر مثلكم افتأتون السحر وانتم تبصرون لاهية قلوبهم اي قلوبهم قافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية. وابدانهم لاعبة. قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل الباطل. والاقوال الردية مع ان الذي ينبغي لهم ان يكونوا بغير هذه الصفة تقبل قلوبهم على امر الله ونهيه وتستمعه استماعا تفقهه المراد منه وتسعى في عبادة ربهم التي خلقوا لاجلها. ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال. فبذلك يتم لهم امرهم وتستقيم احوالهم وتزكو اعمالهم. وفي معنى قوله اقترب للناس حسابهم قولان. احدهما ان هذه الامة هي اخر الامم ورسولها اخر الرسل وعلى امته تقوم الساعة. قد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الامم لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت انا والساعة كهاتين وقرن بين اصبعيه السبابة والتي تليها والقول ان المراد بقرب الحساب الموت وان من مات قامت قيامته ودخل في دار الجزاء على الاعمال وان هذا تعجب من كل غافل معرض لا يدري متى يفجأه الموت صباحا او مساء فهذه حالة الناس كلهم الا من ادركته العناية الربانية فاستعد للموت وما بعده. ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد. ومقابلة الحق بالباطل وانهم تناجوا وتواطؤوا في ما بينهم ان يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم انه بشر مثلكم. فما الذي فضله عليكم وخصه من بينكم؟ فلو ادعى احدكم منكم مثل دعواه لكان قوله من جنس قوله ولكنه يريد ان يتفضل عليكم ويرأس فيكم فلا تطيعوه ولا تصدقوه وانه ساحر وما جاء به من القرآن سحر فانفروا عنه ونفروا الناس وقولوا هذا وهم يعلمون انه رسول الله حقا. بما شاهدوا من الايات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم. ولكن لهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد. والله تعالى قد احاط علما بما تناجوا به. وسيجازيهم عليه. ولهذا قال قال ربي يعلم القول اي الخفي والجلي في السماء والارض اي في جميع ما احتوت عليه اقطارهما. وهو السميع لسائر الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات العليم بما في الضمائر واكنته السرائر يذكر تعالى اتفاك المكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من القرآن العظيم. وانهم سفهوه وقالوا فيه الاقاويل الباطلة المختلفة. فتارة يقولون اضعاف احلام بمنزلة كلام النائم الهادي الذي لا يحس بما يقول. وتارة يقولون افتراه واختلق وتقوله من عند نفسه. وتارة يقولون انه شاعر وما جاء به شعر. وكل من له ادنى معرفة بالواقع من حالة ونظر في هذا الذي جاء به جزم جزما لا يقبل الشك. انه اجل الكلام واعلاه. وانه من عند الله وان احدا من البشر لا يقدر على الاتيان بمثل بعضه. كما تحدى الله اعداءه بذلك. ليعارضوا مع توفر دواعيهم لمعارضته وعداوته. فلم على شيء من معارضته وهم يعلمون ذلك والا فما الذي اقامهم واقعدهم واقض مضاجعهم وبلبل السنتهم الا الحق الذي الذي لا يقوم له شيء. وانما يقولون هذه الاقوال فيه. حيث لم يؤمنوا به تنفيرا عنه لمن لم يعرفه. وهو اكبر الايات المستمرة الدالة على الصحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه. وهو كاف شاف. فمن طلب دليلا غيره او اقترح اية من الايات سواه فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء المعاندين الذين كذبوه. وطلبوا من ايات الاقتراح ما هو اضر شيء عليهم. وليس لهم فيها مصلحة لانهم ان كان قصدهم معرفة الحق اذا تبين دليله. فقد تبين دليله بدونها. وان كان قصدهم التعجيز واقامة العذر لانفسهم وان لم يأتي بما طلبوا فانهم بهذه الحالة على فرض اتيان ما طلبوا من الايات لا يؤمنون قطعا. فلو جاءتهم كل اية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم. ولهذا قال الله عنهم اي كناقة صالح وعصا موسى ونحو ذلك. قال الله اهلكناها افهم يؤمنون. ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها. اي بهذه الايات المقترحة. وانما سنته ان من طلبها ثم حصلت له فلم يؤمن ان يعاجله بالعقوبة. فالاولون ما امنوا بها. افيؤمن هؤلاء بها؟ ما الذي على اولئك وما الخير الذي فيهم يقتضي الايمان عند وجودها؟ وهذا الاستفهام بمعنى النفي. اي لا يكون ذلك منهم ابدا وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين هذا جواب للرسول القائلين هل لكان ملكا لا يحتاج الى طعام وشراب وتصرف في الاسواق؟ وهلا كان خالدا؟ فاذا لم يكن كذلك دل على انه ليس برسول. وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل. تشابهوا في الكفر. فتشابهت اقوالهم اجابة تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول المقرين باثبات الرسل قبله ولو لم يكن الا ابراهيم عليه السلام الذي قد اقر وبنبوته جميع الطوائف والمشركون يزعمون انهم على دينه وملته بان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كلهم من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق. وتطرأ عليهم العوارض البشرية من الموت وغيره. وان الله ارسلهم الى قومهم واممهم فصدقهم من صدقهم وكذبهم من كذبهم. وان الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة والسعادة لهم ولاتباعهم. واهلك المكذبين لهم فما بال محمد صلى الله عليه وسلم تقام الشبه الباطلة على انكار رسالته. وهي موجودة في اخوانه المرسلين الذين يقر بهم المكذبون لمحمد فهذا الزام لهم في غاية الوضوح وانهم ان اقروا برسول من البشر ولن يقروا سئل من غير البشر ان شبههم باطلة قد ابطلوها هم باقرارهم بفسادها وتناقضهم بها. فلو قدر انتقالهم من هذا الى انكار نبوة البشر رأسا وانه لا يكون نبي ان لم يكن ملكا مخلدا. لا يأكل الطعام. فقد اجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون. ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا. ولا لبسنا عليهم ما يلبسون. وان البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة. قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين. لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا فان حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين فاسألوا اهل الذكر من الكتب السالفة اهل التوراة والانجيل يخبرونكم بما عندهم من العلم. وانهم كلهم بشر من جنس المرسل اليهم. وهذه الاية وان كان خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لاهل الذكر. وهم اهل العلم فانها عامة في كل مسألة من مسائل الدين. اصوله فروعه اذا لم يكن عند الانسان علم منها ان يسأل من يعلمها ففيه الامر بالتعلم والسؤال لاهل العلم ولم يؤمر بسؤالهم الا لانه يجب عليهم التعليم والاجابة عما علموه. وفي تخصيص السؤال باهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم نهي له ان يتصدى لذلك. وفي هذه الاية دليل على ان النساء ليس منهن نبيا. لا مريم ولا غيرها. لقوله الا رجال كان لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم. افلا تعقلون لقد انزلنا اليكم ايها المرسل اليهم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب كتابا جليلا وقرآنا مبينا اي شرفكم وفخركم وارتفاعكم. ان تذكرتم به ما فيه من الاخبار الصادقة فاعتقدتموها. وامتثلتم ما فيه من الاوامر واجتنبتم ما فيه من النواهي ارتفع قدركم وعظم امركم. افلا تعقلون افلا تعقلون ما ينفعكم وما يضركم. كيف لا ترضون ولا تعملون على ما فيه ذكركم وشرفكم في الدنيا والاخرة. فلو كان لكم عقل لسلكتم هذا السبيل فلما لم تسلكوه وسلكتم غيره من الطرق التي فيها ضعتكم وخستكم في الدنيا والاخرة وشقاوتكم فيهما انه ليس لكم عقول صحيح ولا رأي رجيح. وهذه الاية مصداقها ما وقع. فان المؤمنين بالرسول الذين تذكروا القرآن من الصحابة فمن بعدهم حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر والصيت العظيم والشرف على الملوك ما هو امر معلوم لكل احد كما انه معلوم ما حصل لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا. ولم يهتد به ويتزكى به. من المقت والطاعة والتدسية والشقاوة فلا سبيل الى سعادة الدنيا والاخرة الا بالتذكر بهذا الكتاب يقول تعالى محذرا لهؤلاء الظالمين المكذبين للرسول بما فعل بالامم المكذبة لغيره من الرسل وكم قصمنا اي اهلكنا بعذاب مستأصل من قرية تلفت عن اخرها وانشأنا بعدها الاخرين وان هؤلاء المهلكين لما احسوا عذاب الله وعقابه وبشرهم نزوله. لم يمكن لهم الرجوع ولا طريق لهم الى النزوع. وانما ضربوا الارض بارجلهم ندما وقلقا وتحسرا على ما فعلوا وهروبا من وقوعه. فقيل لهم على وجه التهكم بهم اي لا يفيدكم الركض والندم. ولكن ان كان لكم اقتدار فارجعوا الى ما اترفتم فيه من اللذات والمشتهيات ومساكنكم المزخرفات ودنياكم التي غرتكم والهتكم حتى جاءكم امر الله فكونوا فيها مسكنين وللذاتها جانين وفي منازلكم مطمئنين معظمين. لعلكم ان تكونوا مقصودين في اموركم كما كنتم سابقا مسؤولين من مطالب الدنيا كحالتكم الاولى. وهيهات اين الوصول الى هذا؟ وقد فات الوقت وحل بهم العقاب والمقت ذهب عنهم عزهم وشرفهم ودنياهم. وحضرهم ندمهم وتحسرهم. ولهذا فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامنين. فما زالت تلك دعواهم اي الدعاء بالويل والثبور والندم والاقرار على انفسهم بالظلم. وان الله عادل فيما احل بهم اي بمنزلة النبات الذي قد حصد وانيم. قد خمدت منهم الحركات وسكنت منهم الاصوات. فاحذروا ايها المخاطبون ان تستمروا على تكذيب اشرف الرسل فيحل بكم كما حل باولئك