المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ومن باب القرض والرهن والضمان والكفالة وغيرها. الصحيح ان المقرض اذا اجل القرض انه يلزمه الوفاء بذلك. وانه لا تملك المطالبة للمقترض قبل حلول اجله. لان الله امر بالوفاء بالعقود. وامر بالوفاء بالوعد. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الوعد من صفات النفاق. وسائر الديون كالقرض اذا اجلها صاحبها برضاه تأجلت. والصحيح ان المقترض يرد مثل ما اقترضه سواء كان مكيلا او موزونا او غيرهما مما له شيء يماثله او يقاربه. لان هذا هو مقتضى عقد القرض ولان مثله يحصل فيه المقصودان مقصود القيمة ومقصود حصول ذلك الشيء المقرض. ولان النبي صلى الله عليه وسلم ضمن احدى امهات المؤمنين لما كسرت صحفة الاخرى بصحفة مثلها. فقال اناء باناء ولانه امر عبدالله بن عمرو ان على ابل الصدقة وجميع المتلفات حكمها كالقرض ولانه لو وجبت القيمة لكان العقد من اصله عقد معاوضة بيع بقيام وهو مخالف لموضوعه فان القرض عقد ارفاق. قوله واذا قال اقترض لي مئة ولك عشرة صح لانها في مقابلة ما بذله من جاهه فيه نظر. ان هذه الصورة داخلة في القرض الذي جر نفعا. وهذا وسيلة قريبة الى الربا المحض كما فهو ظاهر ومن العجائب انها اولى بالامتناع من قوله. ولو قال اضمني فيها ولك ذلك لم يجز فما الفرق بين الامرين؟ الصحيح الذي لا ريب فيه ان الرهن يجوز في كل عين ودين ومنفعة. وانه اذا رضي الراهن بشيء من ذلك ان الحق له. فيلزم ما تراضيا عليه لانه كما قد تكون التوثيقة كثيرة جدا وقد تكون اقل من دين الانسان وقد تكون كثيرة مقبوضة وقد تكون يسيرة غير مقبوضة وقد تكون اعيانا معينة كما قد تكون ديونا في الذمم. وقد يكون دينا ثابتا. وقد يكون يحتمل الثبوت وعدمه. فقد يكون منفعة وريعا. فالصواب جواز ذلك كله ولزومه بالتعاقد عليه. وهذا هو الذي يدل عليه عمومات النصوص ومعانيها. ويحتاج الناس اليه. ولا دليل يدل على المنع في شيء من ذلك. والغرر الذي لا يغتفر هو ضرر المعاوضات واما التوفيقات فانها زيادة على مجرد المعاملة. فيها مصلحة لمن له الحق. واذا كان الحق له ورضي ان تكون توثيقته ناقصة او دينا او غير مقبوضة فما الذي يمنع من ذلك؟ وعموم الامر بالوفاء بالعقود والعقود يتناول وايضا فانه لو جوز للراهن ان يرهن غريمه الدين او الرهن الذي لم يقبضه ثم له ان يغدر به ويبيعه ويرهنه فان هذا غدر لا تأتي به الشريعة ولكن اذا اراد الغريم زيادة التوثيقة بالقبض ورهن الاعيان فهذا لا يلام على ومن هنا تعلم حكمة قوله تعالى فرهان مقبوضة. فان الله ذكر للعباد اعلى الحالات التي يتوثقون بها لحقوقهم فذكر شاهدين رجلين ثم نقلهم الى رجل وامرأتين. ومن المعلوم قبول شهادة رجل وامرأتين ولو مع وجود رجلين لكن الرجلان اكد. بل وكذلك ثبت انه صلى الله عليه وسلم قضى في الحق بشاهد ويمين المدعي. فلا يقال ان ظاهر الاية عدم قبول ذلك فكذلك الرهن اذا لم يقبض لا يقال انه لا يثبت. بل يقال ان الرهن المقبوض ازيد وثيقة لصاحب الحق والرهن الذي لم يقبض لم تنفه الاية واثبتته الادلة الاخر وهذا واضح. ويدل على ذلك انهم جوزوا رهن ما لا يجوز بيعه كرهن الثمرة قبل بدو صلاحها. والزرع قبل اشتداد حبه. فالقن دون رحمه المحرم. فعلم ان من الرهن خفيفا الا يضر فيه احتمال الغرر والجهالة وعدم الحصول. ويدل على ذلك انه بتقدير تلف الرهن او عدم حصوله لا يسقط شيء من الحق بل الحق باق لا يزول وسر المسألة ان الرهن امر خارج عن المعاملة. لا تفتقر المعاملة اليه بل هو من مصلحة صاحب الحق هذا بين ولله الحمد. والصواب ان عتق الراهن للعين المرهونة لا يحل. ولا ينفذ سواء كان مبصرا او معسرا. لانه به حق المرتهن تعلقا منع صاحبه التصرف فيه قبل انفكاكه. ولان تجويز عتقه فيه مفسدة عظيمة لانه لا تحصل طول الثقة والتوثقة برهن المماليك. لانه قد يعتقه فيكون معسرا او مماطلا. فتضيع توثيقته ويضيع حقه. ولان العتق الى الله كالوقف فكما لا ينفذ وقف المرهون فلا ينفذ عتقه ولا يتقرب الى الله الا بالعبادات. لا يتقرب اليه بفعل المحرمات واسقاط الحقوق الواجبة. واذا كان صادقا قصده اعتاقه والتقرب به الى الله فليؤدي الحق الذي عليه حتى تكون المسألة لا تبعث فيها فيعتقه بعد ذلك. والصحيح جواز الزيادة في دين الرهن بان يرهنه بمائة ثم يستدين منه ومئة اخرى فيرهنه بالمئة الثانية كالاولى. فهذا لا محظور فيه. فقولهم في تعليل المنع المشغول لا يشغل انما هو هو اذا رهنه عند زيد فلا يرهنه عند عمرو. واما في الزيادة في دينه فلا بأس. وانما هو زيادة استيثاق في الدين الاخير قدم ان الصحيح جواز قوله ان جئتك بحقك في محله والا فالرهن لك. والله اعلم. والصحيح ان قول المبتهن هو المقبول في بمقدار الدين المرهون به. لان الله تعالى جعل الرهنة ثقة بالحق. فاذا كان الدين الثابت في الذمة الفا. وقال صاحب الرهن هو رهن بعشرة منها. فقال المرتهن بل هو رهن بالالف كله. فان قبلنا قول الراهن لم يحصل توثقة بالرهن بمجرده. وان قبلنا قول المرتهن حصلت التوثيقة بالحق. فكان قبول قول المرتهن هو الاولى والاحسن. خصوصا اذا ادعى راهن ما لا يصدقه فيه العرف والعادة. الصحيح ان صاحب الحق لا يملك مطالبة الضامن حتى يعجز عن الاستيفاء من الغريب لان الضمان من التوثيقات كالرهن لا يباع الا اذا تعذر الوفاء. ولان العرف هكذا يستقبح الناس طلب الضامن قبل حذر الوفاء من الغريم الا اذا شرط. وكذا العرف ان الضامن يطالب بالحق ولو لم يتعذر فالمؤمنون عند شروطهم قيحوا في الحوالة انها اذا اجتمعت شروطها وان اوجبنا على صاحب الحق انه يستحيل فيها. فان الحق لا ينتقل بل ان حصل له الوفاء ممن احيل عليه والا رجع على صاحبه الذي عليه الدين. وان قوله صلى الله عليه وسلم مطل الغد مطل الغني ظلم واذا احيل احدكم على مليء فليحتل ان هذا امر باحسان الوفاء ممن عليه الحق وانه لا يحل له المطل اذا كان غنية بل يبادر بالاداء باحسان. وامر ايضا باحسان الاستيفاء. وان صاحب الحق يحسن في اخذه للحق. ولا يعسر على غريمه ومن احسانه انه اذا احاله على من له عليه دين فلا يمتنع من الاستحالة اذا لم يكن عليه ضرر فانه تان منه بغريمه. واما كون الحديث يدل على ان الغريم بمجرد حوالته لغريمه انه يبرأ. ولو افلس المحال عليه او مطل او تعذر الوفاء منه فلا يدل على ذلك بوجه والله اعلم