شو بعدك فليهنهم الخلود اذا ان كان وليس الامر كذلك. بل كل من عليها فان. ولهذا قال والينا ترجعون. كل نفس ذائقة الموت. وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق. وان هذا من عظمه وقوله اي ترك ابراهيم تكسير صنمهم هذا لاجل ان يرجعوا اليه استملوا حجته ويلتفتوا اليها ولا يعرضوا عنها. ولهذا قال في اخرها فرجعوا الى انفسهم. فحين رأوا ما حل جبريل عليه السلام فحملت باذن الله. حيث حملت به ووضعته من دون مسيس احد. وحيث تكلم في المهد وبرأها مما ظن بها المتهمون. واخبر عن نفسه في تلك الحالة. واجرى ولما حول تعالى على ذكر المتقدمين. وامر بالرجوع اليها في بيان هذه المسألة. بينها اتم تبيين في قوله وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون اي كناقة صالح وعصا موسى ونحو ذلك. قال الله ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها اي بهذه ايات المقترحة وانما سنته تقتضي ان من طلبها. ثم حصلت له فلم يؤمن ان يعاجله بالعقوبة. فالاولون ما امنوا بها افيؤمن هؤلاء بها؟ ما الذي فضلهم على اولئك؟ وما الخير الذي فيهم يقتضي الايمان عند وجودها؟ وهذا الاستفهام بمعنى النفي اي لا يكون ذلك منهم ابدا كنتم لا تعلمون. وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم هذا تعجب من حالة الناس. وانه لا ينجح فيهم تذكير. ولا يرعون الى نذير. وانهم قد قرب حسابهم ومجازاتهم على اعمالهم الصالحة والطالحة. والحال انهم في غفلة معرضون. اي غفلة عما خلقوا له. واعراض عما به كانهم للدنيا خلقوا. وللتمتع بها ولدوا. وان الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ. ولا يزالون في واعراضهم. ولهذا قال يلعبون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه. وما يضرهم ويرهبهم من الا استمعوه سماعا تقوم عليهم به الحجة وهم يلعبون والذين ظلموا الهدى الا بشر مثلكم افتأتون السحر وانتم تبصرون لاهية قلوبهم اي قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية وابدانهم لاعبة قد اشتغلوا بتناول الشهوات الباطل والاقوال الردية. مع ان الذي ينبغي لهم ان يكونوا بغير هذه الصفة. تقبل قلوبهم على امر الله ونهيه. وتستمعه اجتماعا تفقه المراد منه وتسعى جوارحهم في عبادة ربهم التي خلقوا لاجلها ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم عليه فبذلك يتم لهم امرهم وتستقيم احوالهم وتزكو اعمالهم. وفي معنى قوله اقترب للناس حسابهم قولان احدهما ان هذه الامة هي اخر الامم. ورسولها اخر الرسل. وعلى امته تقوم الساعة. قد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الامم. لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت انا والساعة كهاتين. وقرن بين اصبعيه والتي تليها. والقول الثاني ان المراد بقرب الحساب الموت. وان من مات قامت قيامته ودخل في دار الجزاء على الاعمال وان هذا تعجب من كل غافل معرظ لا يدري متى يفجأه الموت صباحا او مساء فهذه حالة الناس كلهم الا من ادركته العناية الربانية فاستعد للموت وما بعده. ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد. ومقابلة الحق بالباطل وانهم تناجوا وتواطؤوا فيما بينهم ان يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم انه بشر مثلكم. فما الذي فضله عليكم وخصه من بينكم فلو ادعى احد منكم مثل دعواه لكان قوله من جنس قوله ولكنه يريد ان يتفضل عليكم ويرأس فلا تطيعوه ولا تصدقوه وانه ساحر. وما جاء به من القرآن سحر. فانفروا عنه. ونفروا الناس وقولوا هذا وهم يعلمون انه رسول الله حقا بما شاهدوا من الايات ما لم يشاهد غيرهم ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد. والله تعالى قد احاط علما بما تناجوا به. وسيجازيهم عليه ولهذا قال ربي يعلم القول اي الخفي والجلي في السماء والارض اي في جميع ما احتوت عليه اقطارهما وهو السميع لسائر الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. العليم بما في الضمائر واكنته السرائر يذكر تعالى المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم. وبما جاء به من القرآن العظيم. وانهم سفهوه وقالوا فيه الاقاويل الباطلة المختلفة. فتارة يقولون اضعاف احلام بمنزلة كلام النائم الهادي. الذي لا يحس بما يقول مرة يقولون افتراه واختلقه وتقوله من عند نفسه. وتارة يقولون انه شاعر وما جاء به شعر. وكل من له ادنى معرفة بالواقع. من حالة الرسول ونظر في هذا الذي جاء به جزم جزما لا يقبل الشك. انه اجل الكلام واعلاه انه من عند الله وان احدا من البشر لا يقدر على الاتيان بمثل بعضه. كما تحدى الله اعداءه بذلك. ليعارضوا مع توفر اعيهم لمعارضته وعداوته فلم يقدروا على شيء من معارضته وهم يعلمون ذلك والا فما الذي اقامهم واقعدهم واقض مضاجعهم وببلبل السنتهم الا الحق الذي لا يقوم له شيء. وانما يقولون هذه الاقوال فيه حيث لم يؤمنوا به تنفيرا عنه لمن لم يعرفه وهو اكبر الايات المستمرة الدالة على الصحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه. وهو كاف شاف. فمن طلب ابى دليل غيرة او اقترح اية من الايات سواه فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء المعاندين الذين كذبوه وطلبوا من ايات ما هو اضر شيء عليهم. وليس لهم فيها مصلحة. لانهم ان كان قصدهم معرفة الحق اذا تبين دليله. فقد تبين دليله بدونها وان كان قصدهم التعجيز واقامة العذر لانفسهم وان لم يأتي بما طلبوا فانهم بهذه الحالة على فرض اتيان ما طلبوا من الايات لا يؤمنون قطعا فلو جاءتهم كل اية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم. ولهذا قال الله عنهم هذا جواب نشبه المكذبين للرسول القائلين هل لكان ملكا لا يحتاج الى طعام وشراب وتصرف في الاسواق وهلا كان خالدا. فاذا لم يكن كذلك دل على انه ليس برسول. وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل. تشابهوا في كفر فتشابهت اقوالهم فاجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول المقرين باثبات الرسل قبله ولو لم يكن الا ابراهيم عليه السلام الذي قد اقر بنبوته جميع الطوائف والمشركون يزعمون انهم على دينه وملته بان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كلهم من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق وتطرأ عليهم العوارض البشرية من الموت وغيره وان الله ارسلهم الى قومهم واممهم فصدقهم من صدقهم وكذبهم من كذبهم وان الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة السعادة لهم ولاتباعهم واهلك المسرفين المكذبين لهم. فما بال محمد صلى الله عليه وسلم تقام الشبه الباطلة على انكار وهي موجودة في اخوانه المرسلين. الذين يقر بهم المكذبون لمحمد. فهذا الزام لهم في غاية الوضوح. وانهم ان برسول من البشر ولن يقروا برسول من غير البشر. ان شبههم باطلة قد ابطلوها هم باقرارهم بفسادها. وتناقضهم بها فلو قدر انتقالهم من هذا الى انكار نبوة البشر رأسا. وانه لا يكون نبي ان لم يكن ملكا مخلدا. لا يأكل الطعام. فقد اجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون. ولو جعلناه لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون. وان البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة. قل لو كان في الارض ملائكة مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا. فان حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين. فاسألوا اهل الذكر من الكتب السالفة كاهل التوراة والانجيل يخبرونكم بما عندهم من العلم وانهم كلهم بشر من جنس المرسل اليهم وهذه الاية وان كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لاهل الذكر. وهم اهل العلم فانها عامة في كل لمسألة من مسائل الدين اصوله وفروعه اذا لم يكن عند الانسان علم منها ان يسأل من يعلمها ففيه الامر بالتعلم والسؤال اهل العلم ولم يؤمر بسؤالهم الا لانه يجب عليهم التعليم والاجابة عما علموه. وفي تخصيص السؤال باهل الذكر والعلم نهي عن سؤالي المعروف بالجهل وعدم العلم ونهي له ان يتصدى لذلك وفي هذه الاية دليل على ان النساء ليس منهن نبيه لا مريم ولا غيرها لقوله الا رجالا فلا تعقلون. لقد انزلنا اليكم ايها المرسل اليهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. كتابا جليلا وقرآنا مبينا. اي شرفكم وفخركم وارتفاعكم. ان تذكرتم به ما فيه من الاخبار الصادقة فاعتقد وامتثلتم ما فيه من الاوامر واجتنبتم ما فيه من النواهي. ارتفع قدركم وعظم امركم افلا تعقلون ما ينفعكم وما يضركم؟ كيف لا ترضون ولا تعملون على ما فيه ذكركم وشرفكم في الدنيا والاخرة فلو كان لكم عقل لسلكتم هذا السبيل. فلما لم تسلكوه وسلكتم غيره من الطرق. التي فيها ضاعتكم وخستكم في الدنيا والاخرة وشقاوتكم فيهما علم انه ليس لكم عقول صحيح. ولا رأي رجيح. وهذه الاية مصداقها ما وقع. فان مؤمنين بالرسول الذين تذكروا بالقرآن من الصحابة فمن بعدهم حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر والصيت العظيم والشرف على ما هو امر معلوم لكل احد؟ كما انه معلوم ما حصل لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا ولم يهتد به ويتزكى به. من الطاعة والتدسية والشقاوة فلا سبيل الى سعادة الدنيا والاخرة. الا بالتذكر بهذا الكتاب يقول تعالى محذرا لهؤلاء الظالمين للرسول بما فعل بالامم المكذبة لغيره من الرسل. وكم قصمنا اي اهلكنا بعذاب مستأصل من قرية تلفت عن اخرها وانشأنا بعدها قوما اخرين ان هؤلاء المهلكين لما احسوا بعذاب الله وعقابه وبشرهم نزوله لم يمكن لهم الرجوع ولا طريق لهم الى النزوع وانما ضربوا الارض بارجلهم ندما وقلقا وتحسرا على ما فعلوا وهروبا من وقوعه. فقيل لهم على وجه التهكم بهم اي لا يفيدكم الركض والندم ولكن ان كان لكم اقتدار فارجعوا الى ما اترفتم فيه من اللذات والمشتهيات ومساكنكم المزخرفات ودنياكم التي غرتكم والهتكم اذا جاءكم امر الله فكونوا فيها متمكنين. وللذاتها جانين وفي منازلكم مطمئنين معظمين. لعلكم ان تكونوا مقصودين ان في اموركم كما كنتم سابقا. مسؤولين من مطالب الدنيا كحالتكم الاولى. وهيهات اين الوصول الى هذا؟ وقد فات الوقت وحل بهم العقاب والمقت. وذهب عنهم عزهم وشرفهم ودنياهم. وحضرهم ندمهم وتحسرهم. ولهذا يا ويلنا انا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدا فما زالت تلك دعواهم اي الدعاء بالويل والثبور والندم والاقران على انفسهم بالظلم وان الله عادل فيما احل بهم اي بمنزلة النبات الذي قد حصد وانيم. قد خمدت منهم الحركات وسكنت منهم الاصوات. فاحذروا ايها المخاطبون ان تستمروا على تكذيب اشرف الرسل. فيحل بكم كما حل باولئك خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين. يخبر تعالى انه ما خلق السماوات والارض عبثا ولا لعبا من غير فائدة. بل خلقها بالحق وللحق. ليستدل بها العباد على انه الخالق العظيم. المدبر الحكيم الرحمن الرحيم. الذي له الكمال كله والحمد كله. والعزة كلها. الصادق في قيله. الصادقة رسله فيما تخبر عنه وان القادر على خلقهما مع سعتهما وعظمهما. قادر على اعادة الاجساد بعد موتها. ليجازي المحسن باحسانه. والمسيء اساءته لو اردنا ان نتخذ لهوا على الفرض والتقدير والمحال لاتخذناه من لدنا اي من عندنا ان كنا فاعلين ولم نطلعكم على ما فيه عبث ولهو لان ذلك نقص ومثل سوء لا نحب ان نريه اياكم فالسموات والارض اللذان بمرأى منكم على الدوام لا يمكن ان يكون القصد منهما العبث واللهو. كل هذا تنزل مع العقول الصغيرة. واقناعها بجميع الوجوه المقنعة. فسبحان الحليم الرحيم الحكيم في تنزيله الاشياء منازلها. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون. يخبر تعالى انه تكفل باحقاق الحق وابطال الباطل. وان كل باطل قيل وجودل به فان الله ينزل من الحق والعلم والبيان. ما يدمغه فيضمحل. ويتبين لكل احد بطلانه. فاذا هو زاهق اي مضمحل فان. وهذا عام في جميع المسائل الدينية. لا يورد مبطن شبهة عقلية ولا نقلية. في احقاق باطل او رد حق الا وفي ادلة الله من القواطع العقلية والنقلية. ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه. فاذا هو متبين بطلانه لكل احد وهذا يتبين باستقراء المسائل مسألة مسألة فانك تجدها كذلك ثم قال ولكم ايها الواصفون الله بما لا به من اتخاذ الولد والصاحبة ومن الانداد والشركاء. حظكم من ذلك ونصيبكم الذي تدركون الويل والندامة والخسران ليس لكم مما قلتم فائدة ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها. وتعملون لاجلها وتسعون في الوصول اليها. الا عكس مقصودك وهو الخيبة والحرمان في ولا يستحسرون. ثم اخبر انه له ملك السماوات والارض وما بينهما. فالكل عبيده ومماليكه فليس لاحد منهم ملك ولا قسط من الملك. ولا معاونة عليه. ولا يشفع الا باذن الله. فكيف يتخذ من هؤلاء الهة؟ وكيف يجعل لله منها ولد فتعالى وتقدس المالك العظيم الذي خضعت له الرقاب وذلت له الصعاب وخشعت له الملائكة المقربون واذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة اجمعون. ولهذا قال ومن عنده اي من الملائكة اي لا يملون ولا يسأمونها بشدة رغبتهم وكمال محبتهم وقوة ابدانهم الليل والنهار لا يفترون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون. اي مستغرقين في العبادة والتسبيح في جميع اوقاتهم فليس في اوقاتهم وقت فارغ منها ولا خال منها. وهم على كثرتهم بهذه الصفة. وفي هذا من بيان عظمته وجلالة سلطانه وكمال علمه وحكمته ما يوجب الا يعبد الا هو. ولا تصرف العبادة لغيره. ام اتخذوا الهة من الارض هم لما بين تعالى كمال اقتداره وعظمته. وخضوع كل شيء له. انكر على المشركين الذين اتخذوا من دون الله جهة من الارض في غاية العجز وعدم القدرة هم ينشرون استفهام بمعنى النفي اي لا يقدرون على نشرهم وحشرهم يفسر قوله تعالى واتخذوا من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. ولا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا. فسبحان الله. فسبحان فالمشرك يعبد المخلوق الذي لا ينفع ولا يضر. ويدع الاخلاص لله الذي له كمال كله وبيده الامر والنفع والضر. وهذا من عدم توفيقه وسوء حظه وتوفر جهله وشدة ظلمه. فانه لا يصلح الوجود الا على اله واحد. كما انه لم يوجد الا برب واحد. ولهذا قال لفسدتا لو كان فيهما اي في السماوات والارض الهة الا الله لفسدتا في ذاتهما وفسد ما فيهما من من المخلوقات وبيان ذلك ان العالم العلوي والسفلي على ما يرى في اكمل ما يكون من الصلاح والانتظام. الذي ما فيه خلل ولا عيب ولا ممانعة ولا معارضة. فدل ذلك على ان مدبره واحد وربه واحد والهه واحد. فلو كان له مدبران وربان او اكثر من ذلك اختل نظامه وتقوضت اركانه فانهما يتمانعان ويتعارضان. واذا اراد احدهما تدبير شيء واراد اخر عدمه فانه محال وجود مرادهما معا. ووجود مراد احدهما دون الاخر. يدل على عجز الاخر وعدم اقتداره. واتفاق حقهما على مراد واحد في جميع الامور غير ممكن. فاذا يتعين ان القاهر الذي يوجد مراده وحده. من غير ممانع ولا مدافع هو الله الواحد القهار. ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. اذا لذهب كل اله بما خلق ولعل بعضهم على بعض. سبحان الله عما يصفون. ومنه على احد التأويلين قوله تعالى قل لو كان معه الهة كما يقولون اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. ولهذا قال هنا فسبحان الله اي تنزه وتقدس عن كل نقص لكماله وحده رب العرش الذي هو سقف المخلوقات واوسعها واعظمها. فربوبية ما دونه من باب اولى عما يصف اي الجاحدون الكافرون من اتخاذ الولد والصاحبة. وان يكون له شريك بوجه من الوجوه لا يسأل عما يفعل لعظمته وعزته. وكمال قدرته لا يقدر احد ان يمانعه او يعارضه لا بقول ولا بفعل ولكمال حكمته ووضعه الاشياء مواضعها واتقانها احسن شيء يقدره العقل. فلا يتوجه فيه سؤال لان خلقه ليس فيه خلل ولا اخلال. وهم اي المخلوقون كلهم يسألون عن افعالهم واقوالهم. لعدم وفقرهم ولكونهم عبيدا. قد استحقت افعالهم وحركاتهم. فليس لهم من التصرف والتدبير في انفسهم. ولا في غيره مثقال قالوا ذرة ثم رجع الى تهجين حال المشركين وانهم اتخذوا من دونه الهة فقل لهم موبخا ومقرعا من دونه الهة قل هاتوا برهانكم. اي حجتكم ودليلكم على الصحة ما ذهبتم اليه. ولن يجدوا لذلك سبيلا بل قد قامت الادلة القطعية على بطلانه. ولهذا قال لا يعلمون الحق فهم معرضون. هذا ذكر من معي وذكر من قبلي. اي قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم من ابطال الشرك. فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء. بادلته العقلية والنقلية. وهذه الكتب السابقة كلها برهان وادلة لما قلت ولما علم انهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا اليه. علم انه لا برهان لهم. لان برهان القاطع يجزم انه لا معارض له والا لم يكن قطعيا. وان وجد معارضات فانها شبه لا تغني من الحق شيئا وقوله بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون بل اكثرهم لا يعلمون الحق اي وانما اقاموا على ما هم عليه تقليدا لاسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى. وليس عدم علمهم الحق لخفائه وغموضه. وانما ذلك عنه والا فلو التفتوا اليه ادنى التفات تبين لهم الحق من الباطل تبينا واضحا جليا. ولهذا قال قال وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم زبدة رسالتهم واصلها الامر بعبادة الله وحده لا شريك له. وبيان انه الاله الحق المعبود. وان عبادة ما سواهم باطلة. يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول وانهم زعموا قبحهم الله ان الله اتخذ ولدا فقالوا الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم واخبر عن وصف الملائكة بانهم عبيد مربوبون مدبرون. ليس لهم من الامر شيء وانما هم مكرمون عند الله قد اكرمهم الله وسيرهم من عبيد كرامته ورحمته. وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل. وانهم في في غاية الادب مع الله والامتثال لاوامره فلا يسبقونه بالقول اي لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة حتى يقول الله لكمال ادبهم وعلمهم بكمال وعلمه وهم بامره يعملون. اي مهما امرهم امتثلوا لامره. ومهما دبرهم عليه فعلوه. فلا يعصونه طرفة عين ولا يكون لهم عمل باهواء انفسهم من دون امر الله. يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لا لمن اقتضى وهم من خشية مشفقون. ومع هذا فالله قد احاط بهم علمه فعلم ما بين ايديهم وما خلفهم. اي امورهم الماضية والمستقبلة فلا خروج لهم عن علمه. كما لا خروج لهم عن امره وتدبيره ومن جزئيات وصفهم بانهم لا يسبقونه بالقول انهم لا يشفعون لاحد بدون اذنه ورضاه. فاذا اذن لهم وارتضى من يشفعون فيه فيه ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل الا ما كان خالصا لوجهه. متبعا فيه الرسول وهذه الاية من ادلة اثبات الشفع وان الملائكة يشفعون. اي خائفون وجلون قد خضعوا لجلاله وعنت وجوههم لعزه وجماله في جهنم كذلك نجزي الظالمين. فلما بين انه لا حق لهم في الالوهية ولا يستحقون شيئا من العبودية بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك. ذكر ايضا انه لا حظ لهم ولا بمجرد الدعوة. وان من قال منهم اني اله من دونه على سبيل الفرض والتنزل. فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين. واي ظلم اعظم من ادعاء المخلوق الناقص الفقير الى الله من جميع الوجوه. مشاركة الله في خصائص الالوهية والربوبية ترى الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من كل شيء حي فلا يؤمنون. اي اولم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم وجحدوا الاخلاص له في العبودية ما يدلهم دلالة مشاهدة على انه الرب المحمود الكريم المعبود فيشاهدون السماء والارض فيجدونهما رتقا. هذه ليس فيها سحاب ولا مطر. وهذه هامدة ميتة لا نبات فيها. ففتقناهما السماء المطر والارض بالنبات. اليس الذي اوجد في السماء السحاب؟ بعد ان كان الجو صافيا لا قزعة فيه. واودع فيه الماء الغزير ثم ساقه الى بلد ميت قد اغبرت ارجائه وقحط عنه ماؤه فامطره فيها فاهتزت وتحركت وربت وانبتت من كل زوج بهيج مختلف الانواع متعدد المنافع. اليس ذلك دليلا على انه الحق؟ وما سواه باطل وانه محيي الموتى وانه الرحمن الرحيم. ولهذا قال اي ايمانا صحيحا ما فيه شك ولا شرك. ثم عدد الادلة الافقية فقال اي ومن الادلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته انه لما كانت الارض لا تستقر الا بالجبال ارساها بها واوتدها لان لا تميل بالعباد اي لالا تضطرب فلا يتمكن العباد من السكون فيها ولا حرثها ولا الاستقرار بها فارساها بالجبال. فحصل بسبب ذلك من المصالح والمنافع ما حصل. ولما ما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض قد تتصل اتصالا كثيرا جدا فلو بقيت بحالها جبالا شامخات وقللا باذخات الاتصال بين كثير من البلدان. فمن حكمة الله ورحمته ان جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا. اي طرقا سهلة لا حزن لعلهم يهتدون. لعلهم يهتدون الى الوصول الى مطالبهم من البلدان. ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية في المنان سقفا محفوظا. وجعلنا السماء سقفا للارض التي انتم عليها محفوظا من السقوط. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. محفوظا ايضا من استراق الشياطين للسمع اياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ذا الذي يذكر الهتكم سلاه بان هذا دأب الامم السالفة مع رسولهم. فقال فحاق بالذين سخروا منهم اي نزل ما كانوا به يستهزؤون اي نزل بهم العذاب وتقطعت عنهم الاسباب. فليحذر هؤلاء ان يصيبهم ما اصاب اولئك وهم عن اياتها معرضون. اي غافلون لاهون. وهذا عام في جميع ايات السماء من علوها وسعتها وعظمتها ولونها الحسن واتقانها العجيب وغير ذلك من المشاهد فيها من الكواكب الثوابت والسيارات وشمسها وقمرها النيرات. المتولد عنهما الليل والنهار. كونهما دائما في فلكهما سابحين. وكذلك النجوم فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد. والفصول ويعرفون حساب عباداتهم ومعاملاتهم. ويستريحون في ويهدأون ويسكنون وينتشرون في نهارهم ويسعون في معايشهم. كل هذه الامور اذا تدبرها اللبيب وامعن فيها النظر جزم جزما لا شك فيه ان الله جعلها مؤقتة في وقت معلوم الى اجل محتوم. يقضي العباد منها مآربهم وتقوم بها منافعهم وليستمتعوا وينتفعوا. ثم بعد هذا ستزول وتضمحل ويفنيها الذي اوجدها. ويسكنها الذي حركها ينتقل المكلفون الى دار غير هذه الدار. يجدون فيها جزاء اعمالهم كاملا موفرا. ويعلموا ان المقصود من هذه الدار ان هنا مزرعة لدار القرار وانها منزل سفر لا محل اقامة لما كان اعداء الرسول يقولون تربصوا به ريب المنون قال الله تعالى هذا طريق مسلوك ومعبد منهوك. فلم نجعل لبشر من قبلك يا محمد الخلد في الدنيا. فاذا مت امثالك من الرسل والانبياء والاولياء وغيرهم. اي فهل اذا مت خلد كأس لا بد من شربه. وان طال بالعبد المدى وعمر سنين. ولكن الله تعالى اوجد عباده في الدنيا. وامرهم ونهاهم. وابتلاهم بالخير والشر بالغنى والفقر والعز والذل والحياة والموت. فتنة منه تعالى ليبلوهم ايهم احسن عملا. ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو. فنجازيكم باعمالكم ان خيرا فخير. وان شرا فالشر وما ربك بظلام للعبيد. وهذه الاية تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر. وانه مخلد في الدنيا وهو قول لا دليل عليه ومناقض للادلة الشرعية هذا الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون. وهذا من شدة كفرهم فان المشركين اذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزأوا به وقالوا اهذا الذي يذكر الهتكم؟ اي اهذا المحتقر بزعمهم؟ الذي يسب الهتكم ويذمها ويقع فيها. اي فلا تبالوا به ولا تحتفلوا به. هذا استهزاؤهم واحتقارهم له بما هو من كماله. فانه الافضل الذي من فضائله ومكارمه اخلاص العبادة لله. وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه. وذكر محله ومكانته ولكن محل الازدراء والاستهزاء هؤلاء الكفار الذين جمعوا كل خلق ذميم ولو لم يكن الا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله بذلك من اخس الخلق وارذلهم. ومع هذا فذكرهم للرحمن الذي هو اعلى حالاتهم كافرون بها. لانه لا يذكرون ولا يؤمنون به الا وهم مشركون. فذكرهم كفر وشرك. فكيف باحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال الرحمن هم كافرون. وفي ذكر اسمه الرحمن هنا بيان لقباحة حالهم. وانهم كيف قابلوا الرحمن؟ مسد النعم كلها بها ودافعوا النقم الذين بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع السوء الا اياه بالكفر والشرك خلق الانسان من عجل اي خلق عجولا يبادر ويستعجل بوقوعها. فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين. ويتباطؤونها والكافرون يتولون ويستعجلون عذاب تكذيبا وعنادا ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين؟ والله تعالى يمهل ولا يهمل ويحلم ويجعل لهم اجلا مؤقتا. اذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. ولهذا قال ساريكم اياتي اي في انتقامي ممن كفر بي وعصاني. فلا تستعجلون ذلك. وكذلك الذين كفروا ويقولون قالوا هذا القول اغترارا. ولما ايحق عليهم العقاب وينزل بهم العذاب فلو يعلم الذين كفروا حالهم الشنيعة حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم. اذ قد احاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان. ولا هم ينصرون. اي لا ينصرهم غيرهم. فلا نصروا ولا بل تأتيهم النار بغتة فتبهتهم من الانزعاج والذعر والخوف العظيم. فلا يستطيعون ردها. اذ هم اذلوا واضعف من ذلك اي يمهلون فيؤخر عنهم العذاب. فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة لما استعجلوا بالعذاب ولخافوه اشد الخوف ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم قالوا ما قالوا. ولما ذكر استهزائهم برسوله بقولهم اهذا المكذبين معرضون. يقول تعالى ذاكرا عجز هؤلاء الذين اتخذوا من دونه الهة. وانهم محتاجون مضطرون الى ربهم الرحمن الذي رحمته شملت البر والفاجر. في ليلهم ونهارهم. فقال قل من يكلأكم اي يحرسكم ويحفظكم بالليل. اذ كنتم نائمين على فروشكم وذهبت حواسكم وبالنهار وقت انتشاركم وغفلتكم من الرحمن اي بدله غيره اي هل يحفظكم احد غيره لا حافظ الا هو؟ فلهذا اشركوا به الا فلو اقبلوا على ذكر ربهم وتلقون صائحة لهدوا لرشدهم ووفقوا في امرهم اي اذا اردناهم بسوء هل من الهتهم من يقدر على منعهم من ذلك السوء؟ والشر النازل بهم لا يستطيعون نصر انفسهم ولا هم منا يصحبون. اي لا يعانون على امورهم من جهتنا واذا لم يعانوا من الله فهم مخذولون في امورهم. لا يستطيعون جلب منفعة ولا دفع مضرة. والذي اوجب لهم استمرارهم على كفرهم بشركهم قوله افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها افهم الغالبون. بل متعنا هؤلاء واباءهم حتى طال عليهم العمر. اي امددناهم بالاموال والبنين. واطلنا اعمارهم فاشتغلوا بالتمتع بها. ولهوا بها عما اله خلقوا وطال عليهم الامد فقست قلوبهم وعسى طغيانهم وتغلظ كفرانهم. فلو الفتوا انظارهم الى من يمينهم وعن يسارهم من الارض. لم يجدوا الا هالكا ولم يسمعوا الا صوت ناعية. ولم يحسوا الا بقرون متتابعة على الهلاك قد نصب الموت في كل طريق لاقتناص النفوس الاشراك. ولهذا قال افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها؟ اي بموت اهلها وفنائهم شيئا فشيئا حتى يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين. فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه افهم الغالبون الذين بوسعهم الخروج عن قدر الله وبطاقتهم الامتناع عن الموت. فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء. ام اذا جاءهم رسول ربهم لقبض ارواحهم اذعنوا وذلوا. ولم يظهر منهم ادنى ممانعة. قل انما انذركم بالوحي ولا يسمع الصماء اذا ما اي قل يا محمد للناس كلهم انما انذركم بالوحي اي انما انا رسول لا اتيكم بشيء من عندي ولا عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك. وانما انذركم بما اوحاه الله لي. فان استجبتم فقد استجبتم لله سيثيبكم على ذلك وان اعرضتم وعرضتم فليس بيدي من الامر شيء وانما الامر لله والتقدير كله لله ولا يسمع الصم الدعاء اي الاصم لا يسمع صوته لان سمعه قد فسد وتعطل. وشرط السماع مع الصوت ان يوجد محل قابل لذلك. كذلك الوحي سبب لحياة القلوب وللفقه عن الله. ولكن اذا كان القلب غير قابل لسماع الهدى. كان بالنسبة للهدى والايمان بمنزلة الاصم. بالنسبة الى الاصوات فهؤلاء المشركون صم عن الهدى فلا يستغرب عدم اهتدائهم خصوصا في هذه الحالة التي لم يأتهم العذاب ولا سهم الم انا كنا ظالمين. فلو مسهم نفحة من عذاب ربك. اي ولو جزء يسير ولا يسير من عذابه. اي لم يكن قولهم الا دعاء بالويل والثبور والندم والاعتراف بظلمهم وكفرهم واستحقاقهم للعذاب فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين. يخبر تعالى عن حكمه العدل وقضاء القسط بين عباده اذا جمعهم في يوم القيامة وانه يضع لهم الموازين العادلة التي يبين فيها مثاقيل التي توزن بها الحسنات والسيئات. فلا تظلم نفس مسلمة او كافرة شيئا بان تنقص من حسناتها او يزاد في سيئاتها. وان كان مثقال حبة من خردل التي اصر الاشياء واحقرها من خير او شر اتينا بها واحضرناها ليجازى بها صاحبها كقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل قال ذرة شرا يره. وقالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا وكفى بنا حاسبين يعني بذلك نفسه الكريمة فكفى به حاسبا اي عالما باعمال العباد حافظا لها مثبتا لها في الكتاب. عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها موصلا للعمال جزاءها المتقين. كثيرا ما يجمع تعالى بين هذين الكتابين الجليلين. الذين لم يطرق العالم افضل منهما. ولا اعظم ذكرا ولا ابرك ولا اعظم هدى وبيانا. وهما التوراة والقرآن. فاخبر انه اتى موسى اصلا وهارون تبعا الفرقان وهو التوراة الفارقة بين الحق والباطل والهدى والضلال. وانها ضياء اي نور يهتدي به المهتدون. ويأتم به السالكون. وتعرف الاحكام ويميز به بين الحلال والحرام. وينير في ظلمة الجهل والبدع والغواية. وذكرا للمتقين يتذكرون به ما وما يضرهم. ويتذكر به الخير والشر. وخص المتقين بالذكر. لانهم المنتفعون بذلك علما وعملا. ثم فسر المتقين فقال الذين يخشون ان ربهم بالغيب اي يخشونه في حال غيبتهم وعدم مشاهدة الناس لهم. فمع المشاهدة اولى فيتورعون عما حرم يقومون بما الزم اي خائفون وجلون. لكمال معرفتهم بربهم. فجمعوا بين الاحسان والخوف والعطف هنا من باب عطف الصفات المتغايرات الواردة على شيء واحد وموصوف واحد افانتم له منكرون وهذا اي القرآن ذكر مبارك انزلناه. فوصفه بوصفين جليلين. كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب. من معرفة الله باسمائه وصفاته وافعاله. ومن صفات الرسل والاولياء واحوالهم. ومن احكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها. ومن احكام الجزاء والجنة والنار. فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية. وسماه ذكرا لانه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر من التصديق بالاخبار الصادقة والامر بالحسن عقلا. والنهي عن القبيح عقلا. وكونه مباركا يقتضي كثرة خيراته ونماءها وزيادتها ولا شيء اعظم بركة من هذا القرآن. فان كل خير ونعمة وزيادة دينية او دنيوية او اخرى فانها بسببه واثر عن العمل به. فاذا كان ذكرا مباركا وجب تلقيه بالقبول والانقياد والتسليم شكر الله على هذه المنحة الجليلة والقيام بها واستخراج بركته بتعلم الفاظه ومعانيه. واما مقابلته بضد هذه الحالة من الاعراض عنه والاضراب عنه صفحا وانكاره وعدم الايمان به. فهذا من اعظم الكفر واشد الجهل والظلم ولهذا انكر تعالى على من انكره فقال لما ذكر تعالى موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم قال ولقد اتينا ابراهيم رشده من قبل اي من قبل ارسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما فاراه الله ملكوت السماوات والارض واعطاه من الرشد الذي كمل به نفسه ودعا الناس اليه ما لم يؤته احدا من العالمين غير محمد واضاف الرشد اليه لكونه رشدا بحسب حاله وعلو مرتبته. والا فكل مؤمن له من الرشد بحسب ما معه من الايمان اي اعطيناه رشدا. واختصصناه بالرسالة والخلة. واصطفيناه في الدنيا والاخرة. لعلمنا انه اهل لذلك بزكائه وذكائه. ولهذا ذكر محاجته لقومه ونهيهم عن الشرك وتكسير الاصنام والزامهم بالحجة قال لابي وقومه ما هذه التماثيل التي مثلتموها؟ نحبتموها بايديكم على صور بعض المخلوقات التي انتم لها عاكفون. مقيمون على عبادتها ملازمون لذلك فما هي؟ واي فضيلة تثبت لها؟ واين عقولكم التي ذهبت حتى افنيتم اوقاتكم بعبادة والحال انكم مثلتموها ونحتموها بايديكم فهذا من اكبر العجائب تعبدون ما تنحتون. فاجابوا بغير جواب العاجز الذي ليس بيده ادنى شبهة. فقال لو وجدنا ابائنا كذلك يفعلون سلكنا سبيلهم وتبعناهم على عبادتها. ومن المعلوم ان فعل احد من الخلق سوى الرسل ليس بحجة ولا تجوز به القدوة خصوصا في اصل الدين وتوحيد رب العالمين. ولهذا قال لهم ابراهيم مضللا للجميع اي ضلال بين واضح واي ضلال ابلغ من ضلالهم في الشرك وترك التوحيد. اي فليس ما قلتم يصلح للتمسك به. وقد اشتركتم واياهم في الضلال الواضح بين لكل احد قالوا على وجه الاستغراب لقوله والاستعظام لما قال وكيف بدأهم بتسفيههم وتسفيه ابائهم؟ اجئتنا بالحق ام انت من اللاعبين؟ اي هذا القول الذي قلته والذي جئتنا به هل هو حق وجد؟ ام كلامك لنا؟ كلام لاعب مستهزئ؟ لا يدري ما يقول. وهذا الذي ارادوا. وانما رددوا الكلام بين الامرين لانهم نزلوه منزلة المتقرر المعلوم عند كل احد. ان الكلام الذي جاء به ابراهيم كلام سفيه لا يعقل ما فرد عليهم ابراهيم ردا بين به وجه سفههم وقلة عقولهم فقال الارض الذي فطره وانا على داركم من الشاهدين. فجمع لهم بين الدليل العقلي والدليل السمعي. اما الدليل العقلي فانه قد علم كل احد حتى هؤلاء الذين جادلهم ابراهيم ان الله وحده الخالق لجميع المخلوقات من بني ادم والملائكة والجن والبهائم والسماوات والارض. المدبر لهن بجميع انواع التدبير. فيكون كل مخلوق مفقود صورا مدبرا متصرفا فيه. ودخل في ذلك جميع ما عبد من دون الله. افيليق عند من له ادنى مسكة من عقل وتمييز ان يعبد مخلوقا المتصرفا فيه لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر. واما الدليل السمعي فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام فانما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق ومن انواع هذا القسم شهادة احد من الرسل على ذلك. فلهذا قال ابراهيم وانا على ذلك اي ان الله وحده المعبود وان عبادة ما سواه باطل من الشاهدين. واي شهادة بعد شهادة الله اعلى من شهادة الرسل خصوصا اولي العزم منهم خصوصا خليل الرحمن. ولما بين ان اصنامهم ليس لها من التدبير شيء. اراد ان يريهم بالفعل وعدم انتصارها وليكيد كيدا يحصل به اقرارهم بذلك. فلهذا قال وتالله لاكيدن اصنامكم اي اكسروها على وجه الكيد بعد ان تولوا مدبرين قيل عنها الى عيد من اعيادهم. فلما تولوا مدبرين ذهب اليها بخفية فجعلهم جذاذا اي كسرا وقطعا. وكانت مجموعة في بيت واحد كلها الا كبيرا لهم. اي الا صنمهم الكبير فانه تركه لقصد سيبينه. وتأمل هذا الاحتراز العجيب فان كل قوت عند الله لا يطلق عليه الفاظ التعظيم الا على وجه اضافته لصاحبه. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا كتب الى ملوك الارض المشركين يقول الى عظيم الفرس الى عظيم الروم ونحو ذلك. ولم يقل الى العظيم وهنا قال تعالى الا كبيرا لهم ولم يقل كبيرا من اصنامهم. فهذا ينبغي التنبيه له. والاحتراز من تعظيم ما حقرة الله. الا اذا اضيف الى باصنامهم من الاهانة والخزي رموا ابراهيم بالظلم الذي هم اولى به حيث كسرها. ولم يدروا ان تكسيره لها من افضل مناقبه. ومن عدله وتوحيده. وانما الظالم من اتقى اخذها الهة وقد رأى ما يفعل بها قالوا سمعنا فتى يذكرهم ان يعيبهم ويذمهم. ومن هذا شأنه لابد ان يكون هو الذي كسرها. او ان بعضهم سمعه يذكر انه سيكيدها يقال له ابراهيم فلما تحققوا انه ابراهيم لعلهم يشهدون. قالوا فاتوا به اي بابراهيم على اعين الناس. اي بمرأى منهم ومسمع اشهد ان يحضرون ما يصنع بمن كسر الهتهم. وهذا الذي اراد ابراهيم وقصد ان يكون بيان الحق بمشهد من الناس ليشاهدوا الحق وتقوم عليهم الحجة. كما قال موسى حين واعد فرعون موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى. فحين ترى الناس واحضر ابراهيم قالوا له اانت فعلت هذا؟ اي التكسير بالهتنا يا ابراهيم؟ وهذا استفهام تقرير. اي فما الذي جرأك؟ وما الذي اوجب لك الاقدام على هذا الامر. فقال ابراهيم والناس شاهدون. اي كسرها غضبا عليها لما عبدت معه. واراد ان تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده. وهذا الكلام من ابراهيم القصد منه الزام واقامة الحجة عليه. ولهذا قال واراد المكسرة اسألوها لما كسرت والصنم الذي لم يكسر اسألوه لاي شيء كسرها ان كان عندهم نطق فسيجيبونكم الى كذلك وانا وانتم وكل احد يدري انها لا تنطق ولا تتكلم ولا تنفع ولا تضر. بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها باذى فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون. فرجعوا الى انفسهم اي عليهم عقولهم ورجعت اليهم احلامهم وعلموا انهم ضالون في عبادتها واقروا على انفسهم بالظلم والشرك انكم انتم الظالمون. فحصل بذلك المقصود ولزمتهم الحجة باقرارهم ان ما هم عليه باطل. وان فعلهم كفر وظلم ولكن لم يستمروا على هذه الحالة. ولكن نكسوا على رؤوسهم. اي انقلب الامر عليهم وانتكست عقولهم وضلت احلامهم فقالوا لابراهيم فكيف تهكموا بنا تستهزئ بنا وتأمرنا ان نسألها وانت تعلم انها لا تنطق. فقال ابراهيم موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رؤوس الاشهاد ومبينا عدم استحقاق الهتهم للعبادة فلا نفع ولا دفع اي ما اضلكم واخسر صفقتكم وما اخسكم انتم وما عبدتم من دون الله. ان كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال فلما عدمتم العقل وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة. صارت البهائم احسن حالا منكم. فحينئذ لما افحمهم ولم حجة استعملوا قوتهم في معاقبته اي اقتلوه اشنع القتلات بالاحراق. غضبا لالهتكم ونصرة لها. فتعسى لهم تعسى. حيث عبدوا من اقروا انه يحتاج الى نصرهم واتخذوه الها. فانتصر الله لخليله لما القوه في النار. وقال لها كوني بردا وسلاما على ابراهيم. فكانت عليه بردا وسلاما لم ينله فيها اذى ولا احس بمكروه. وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين. وارادوا به حيث عزموا على احراقه فجعلناهم الاخسرين اي في الدنيا والاخرة. كما جعل الله خليله واتباعه هم الرابحين المفلحين ونجيناه ولوطا من الارض التي باركنا فيها للعالمين. ونجيناه ولوطا وذلك انه لم يؤمن به من قومه الا لوط عليه السلام. قيل انه ابن اخيه فنجاه الله وهاجر اي الشام فغادر قومه في بابل من ارض العراق. وقال اني مهاجر الى ربي انه هو العزيز الحكيم ومن بركة الشام ان كثيرا من الانبياء كانوا فيها وان الله اختارها مهاجرا لخليله وفيها احد بيوته المقدسة وهو بيت المقدس ووهبنا له حين اعتزل قومه اسحاق ويعقوب ابن اسحاق نافلة بعدما كبر وكانت زوجته عاقرة فبشرته الملائكة باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب. ويعقوب هو اسرائيل الذي كانت منه الامة العظيمة اسماعيل ابن ابراهيم الذي كانت منه الامة الفاضلة العربية. ومن ذريته سيد الاولين والاخرين الصالحين وكلا من ابراهيم واسحاق ويعقوب جعلنا صالحين اي قائمين بحقوقه وحقوق عباده ومن صلاحهم جعلناهم ائمة يهدون بامرنا. انه جعلهم ائمة يهدون بامره. وهذا من اكبر نعم الله على عبده ان يكون اماما يهتدي به المهتدون ويمشي خلفه السالكون. وذلك لما صبروا وكانوا بايات الله يوقنون اي يهدون الناس بديننا لا يأمرون باهواء انفسهم بل بامر الله ودينه واتباع مرضاته ولا يكون العبد اماما حتى يدعو الى امر الله الزكاة وكانوا لنا عابدين. واوحينا اليهم فعل الخيرات يفعلونها ويدعون الناس اليها وهذا شامل لجميع الخيرات. من حقوق الله وحقوق العباد واقام الصلاة وايتاء الزكاة. هذا من باب ابي عطفي الخاص على العام لشرف هاتين العبادتين وفضلهما. ولان من كملهما كما امر كان قائما بدينه. ومن ضيعهما كان لما سواهما اضيع. ولان الصلاة افضل الاعمال التي فيها حقه. والزكاة افضل الاعمال التي فيها الاحسان لخلقه عابدين وكانوا لنا اي لا لغيرنا عابدين اي مديمين على العبادات القلبية والقوية والبدنية في اكثر اوقاتهم. فاستحقوا ان تكون العبادة وصفهم. فاتصفوا بما امر الله به الخلق وخلقهم لاجله ولوطا اتيناه حكما وعلما ونجيناه من القضية التي كانت تعمل انهم كانوا قوم سوء فاسقين. هذا ثناء من الله على رسوله لوط عليه السلام بالعلم الشرعي والحكم بين الناس بالصواب والسداد. وان الله ارسله الى قومه يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عن ما هم عليه من الفواحش فلبث يدعوهم فلم يستجيبوا له. فقلب الله عليهم ديارهم وعذبهم عن اخرهم لانهم قوم سوء فاسقين. كذبوا الداعي وتوعدوه بالاخراج. ونجى الله لوط واهله فامره ان يسري بهم ليلا ليبعدوا عن القرية. فسروا ونجوا من فضل الله عليهم ومنته وادخلناه في رحمتنا التي من دخلها كان من الامنين من جميع انا الينا كل خير وسعادة وبر وسرور وثناء. وذلك لانه من الصالحين. الذين صلحت اعمالهم وزكت احوالهم واصلح الله فاسدهم. والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله. كما ان الفساد سبب لحرمانه الرحمة والخير. واعظم الناس صلاحا الانبياء عليهم السلام. ولهذا يصفهم بالصلاح. وقال سليمان عليه السلام وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ونصرنا انه من القوم الذين كذبوا باياتنا انهم كانوا قوم سوء فاغرقناهم اجمع ايوا اذكر عبدنا ورسولنا نوحا عليه السلام مثنيا مادحا حين ارسله الله الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمس عاما يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عن الشرك به ويبدي فيهم ويعيد ويدعوهم سرا وجهارا وليلا ونهارا فلما رآهم لا ينجح فيهم الوعظ ولا يفيد لديهم الزجر نادى ربه وقال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. فاستجاب الله له فاغرقهم ولم يبق منهم احدا. ونجى الله نوحا واهله ومن معه من المؤمنين في الفلك المشحون. وجعل ذريته هم الباقين. ونصره الله على قومه المستهزئين وداوود وسليمان اذ يحكمان في الحرف اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين اي واذكر هذين النبيين الكريمين داوود وسليمان مثنيا مبجلا. اذ اتاهم الله العلم الواسع والحكم بين العباد بدليل قوله اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم اي اذ تحاكم اليهما صاحب حرف نفشت فيه غنم القوم الاخرين اي رعت ليلى فاكلت ما في اشجاره ورعت زرعه فقضى فيه داوود عليه السلام بان الغنم تكون لصاحب الحرث نظرا الى تفريط اصحابها فعاقبهم بهذه العقوبة. وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب. لان اصحاب الغنم يدفعون غنمهم الى صاحب الحرث فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرف حتى يعود الى حاله الاولى. فاذا عاد الى حاله تردى ورجع كل منهما بماله. وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام. ولهذا قال ففهمنا سليمان وكلا اتينا حكما وعلما. ففهمناها سليمان اي فهمناه هذه القضية ولا يدل ذلك ان داوود لم يفهمه الله في غيرها. ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله وكلا من داوود وسليمان اتينا حكما وعلما. وهذا دليل على ان الحاكم قد يصيب الحق والصواب. وقد يخطئ ذلك وليس بملوم اذا اخطأ مع بذل اجتهاده. ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال وذلك انه كان من اعبد الناس واكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا وكان قد اعطاه الله من حسن الصوت ورقته ورخامته. ما لم يؤته احدا من الخلق. فكان اذا سبح واثنى على الله جاوبته الجبال والطيور البهم. وهذا فضل الله عليه واحسانه. فلهذا قال وعلمناه صنعة لبوس لكم اي علم الله داوود عليه السلام صنعة الدروع فهو اول من صنعها وعلمها وسارت صناعته الى من بعده فالان الله وله الحديث وعلمه كيف يسردها. والفائدة فيها كبيرة. لتحصنكم من بأسكم. اي هي وقاية لكم. وحفظ عند الحرب اشتداد البأس. فهل انتم شاكرون نعمة الله عليكم؟ حيث اجراها على يد عبده داوود كما قال تعالى وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر والسرابيل تقيكم بئسكم. كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون امل ان تعليم الله لداوود صنعة الدروع والانتها امر خارق للعادة. وان يكون كما قاله المفسرون ان الله الان له الحديد حتى كان يعمله كالعجين والطين من دون اذابة له على النار. ويحتمل ان تعليم الله له على جار العادة. وان اذانة الحديد له بما علمه الله من الاسباب المعروفة الان لاذابتها. وهذا هو الظاهر. لان الله امتن بذلك على العباد. وامرهم بشكرها لولا ان صنعته من الامور التي جعلها الله مقدورة للعباد. لم يمتن الله عليهم بذلك. ويذكر فائدتها. لان الدروع التي صنع داوود عليها السلام متعذر ان يكون المراد اعيانها وانما المنة بالجنس. والاحتمال الذي ذكره المفسرون لا دليل عليه الا قوله والنا له الحديد. وليس فيه ان الامانة من دون سبب. والله اعلم بذلك وليس سليمان الريح اي سخرناها عاصفة اي سريعة في مرورها تجري بامره حيث دبرت امتثلت امره. غدوها شهر ورواحها شهر الى الارض التي باركنا فيها وهي ارض الشام حيث كان مقره. فيذهب على الريح شرقا وغربا ويكون مأواها ورجوع الى الارض المباركة. قد احاط علمنا بجميع الاشياء وعلمنا من داوود سليمان ما اوصلناهما به الى ما ذكرنا وهذا ايضا من خصائص سليمان عليه السلام ان الله سخر له الشياطين والعفاريت وسلطه على تسخيرهم في الاعمال التي لا يقدر على كثير منها غيرهم. فكان منهم من يغوص له في البحر. ويستخرج الدر واللؤلؤ وغير ذلك. ومنهم من يعمل له محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات. وسخر طائفة منهم لبناء بيت المقدس. ومات وهم على عمله. وبقوا بعده سنة حتى علموا موته كما سيأتي ان شاء الله تعالى اي لا يقدر على الامتناع منه وعصيانه. بل حفظهم الله بقوته وعزته وسلطانه مسني الضر وانت ارحم الراحمين. اي واذكر عبدنا ورسولنا ايوب مثنيا معظما له. رافعا لقدره حين ابتلاه الله ببلاء شديد فوجده صابرا راضيا عنه. وذلك ان الشيطان سلط على جسده ابتلاء من الله وامتحانا فنفخ في جسده فتقرح قروحا عظيمة. ومكث مدة طويلة واشتد به البلاء. ومات اهله وذهب ما له. فنادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين. فتوسل الى الله بالاخبار عن حال نفسه. وانه بلغ الصبر منه كل مبلغ وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له قال له اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب. فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب فاذهب الله ما به من الاذى العابدين. واتيناه اهله. اي رددنا عليه اهله وماله. ومثلهم معهم بان منحه الله مع العافية من الاهل والمال شيئا كثيرا. رحمة من عندنا به حيث صبر ورضي فاثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الاخرة اي جعلناه عبرة للعابدين. الذين ينتفعون بالعبر. فاذا رأوا ما اصابه من البلاء ثم ما اثابه الله وبعد زواله ونظر السبب ووجدوا الصبر. ولهذا اثنى الله عليه به في قوله انا وجدناه صابرا. نعم العبد انه فجعلوه اسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر اي واذكر عبادنا المصطفين وانبياءنا المرسلين باحسن الذكر. واثني عليهم ابلغ الثناء. اسماعيل ابن وادريس وذا الكفل نبيين من انبياء بني اسرائيل. كل من هؤلاء المذكورين من الصابرين والصبر وحبس النفس ومنعها. مما تميل بطبعها اليه. وهذا يشمل انواع الصبر الثلاثة. الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله. والصبر على اقدار الله المؤلمة. فلا يستحق العبد اسم الصبر التام. حتى يوفي هذه الثلاثة حقها اهؤلاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام قد وصفهم الله بالصبر. فدل انهم وفوها حقها وقاموا بها كما ينبغي ووصفهم ايضا بالصلاح وهو يشمل صلاح القلوب معرفة الله ومحبته والانابة اليه كل وقت وصلاح اللسان بان يكون رطبا من ذكر الله وصلاح الجوارح باشتغالها بطاعة الله و فيها عن المعاصي فبصبرهم وصلاحهم ادخلهم الله برحمته وجعلهم مع اخوانهم من المرسلين واثابهم الثواب العاجل والاجل ولو لم يكن من ثوابهم الا ان الله تعالى نوه بذكرهم في العالمين. وجعل لهم لسان صدق في الاخرين. لكفى بذلك شرفا وفضلا على يديه من الخوارق والمعجزات ما هو معلوم. فكانت وابنها اية للعالمين. يتحدث بها جيلا بعد جيل. ويعتبر بها المعتقل ولما ذكر الانبياء عليهم السلام قال مخاطبا للناس وان هذه امتكم امة واحدة. اي هؤلاء هذا في الظلمات ان لا اله الا انت. فنادى في الظلمات يالله لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين اي واذكر عبدنا ورسولنا نون وهو يونس اي صاحب النون وهي الحوت بالذكر الجميل والثناء الحسن. فان الله تعالى ارسله الى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بامد سماه لهم. فجاءهم العذاب ورأوه عيانا. فعجوا الى الله وضجوا وتابوا فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى فلولا كانت قرية امنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما امنوا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين. وقال وارسلناه الى مئة الف او يزيدون. فامنوا فمتعناهم الى حين وهذه الامة العظيمة الذين امنوا بدعوة يونس من اكبر فضائله. ولكنه عليه الصلاة والسلام ذهب مغاضبا. وابق عن ربه لذنب من الذنوب التي لم يذكرها الله لنا في كتابه. ولا حاجة لنا الى تعيينها. لقوله اذ ابق الى الفلك لقوله وهو مليم اي فاعل ما يلام عليه. والظاهر انه عجلته ومغاضبته لقومه. وخروجه من بين اظهرهم قبل ان يأمره الله لذلك وظن ان الله لا يقدر عليه ان يضيق عليه في بطن الحوت او ظن انه سيفوت الله تعالى ولا مانع من عروض هذا الظن الكمل من الخلق على وجه لا يستقر ولا يستمر عليه. فركب في السفينة مع اناس فاقترعوا من يلقون منهم في البحر مخافة الغرق ان بقوا كلهم. فاصابت القرعة يونس فالتقمه الحوت. وذهب به الى ظلمات البحار. فنادى في تلك الظلمات فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاقر لله تعالى بكمال الالوهية. ونزهه عن كل نقص وعيب وافة. واعترف بظلم نفسه وجنايته قال الله تعالى فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون. ولهذا قال هنا فاستجبنا له ونجيناه من الغم. اي الشدة التي وقع فيها. وكذلك ننجي المؤمنين. وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن في شدة وغم ان الله تعالى سينجيه منها ويكشف عنه ويخفف لايمانه كما فعل بيونس عليه السلام وزكريا اذ نادى ربه رب لا تذرني فردا. ربي لا تذرني فردا اي واذكر عبدنا ورسولنا زكريا منوها بذكره ناشرا لمناقبه وفضائله من جملتها هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه للخلق رحمة الله اياه وانه نادى ربه ربي لا تذرني فردا. اي قال قال ربياني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم اكن بدعائك ربي شقيا واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من ال يعقوب. واجعله ربي رضيا. من هذه الايات علمنا ان قوله رب لا تذرني فردا انه لما تقارب اجله خاف الا يقوم احد بعده مقامه في الدعوة الى الله. والنصح لعباد الله وان يكون في فردا ولا يخلف من يشفعه ويعينه على ما قام به. اي خير الباقيين وخير من خلفني بخير وانت ارحم بعبادك مني ولكني اريد ما يطمئن به قلبي وتسكن له نفسي ويجري في موازين في ثوابه. فاستجبنا له ووهبنا له يحيى النبي الكريم الذي لم يجعل الله له من قبل سميا. واصلحنا له زوجه بعدما كانت عاقرا. لا يصلح رحمها للود فاصلح الله رحمها للحمل. لاجل نبيه زكريا. وهذا من فوائد الجليس والقرين الصالح. انه مبارك على قرينه صار يحيى مشتركا بين الوالدين ولما ذكر هؤلاء الانبياء والمرسلين كلا على انفراده اثنى عليهم عموما فقال كانوا يسارعون في الخيرات ان يبادرون اليها ويفعلونها في اوقاتها الفاضلة يكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها الا انتهزوا الفرصة فيها. انهم كانوا سارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ويدعوننا رغبا ورهبا ان يسألوننا الامور المرغوب فيها من مصالح الدنيا والاخرة. ويتعوذون بنا من الامور المرهوب منها من مضار الدارين وهم راغبون راهبون لا غافلون لاهون ولا مدلون. اي متذللين متضرعين. وهذا لكمال معرفتهم بربهم من روحنا وجعلناها وبنها اية للعالمين. اي واذكر مريم عليها السلام عليها مبينا لقدرها شاهرا لشرفها. فقال والتي احصنت فرجها اي حفظته من الحرام وقربانه. بل ومن قال فلم تتزوج لاشتغالها بالعبادة واستغراق وقتها بالخدمة لربها. وحين جاءها جبريل في صورة بشر سوي تام الخلق حسن قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا. فجازاها الله من جنس عملها. ورزقها ولدا من غير اب. بل نفخ فيها الرسل المذكورون هم امتكم وائمتكم الذين بهم تأتمون وبهديهم تقتدون كلهم على دين واحد وصراط واحد والرب ايضا واحد. ولهذا قال وانا ربكم الذي خلقتكم وربيتكم بنعمتي في الدين والدنيا. فاذا كان الرب واحدا والنبي واحدا والدين واحدا. وهو عبادة الله وحده لا شريك له بجميع انواع العبادة كان وظيفتكم والواجب عليكم القيام بها. ولهذا قال ترتب العبادة على ما سبق بالفاء ترتيب المسبب على سببه. وكان اللائق الاجتماع على هذا الامر وعدم التفرق فيه. ولكن البغي والاعتداء اب يا الافتراق والتقطع. ولهذا قال اين راجعون؟ وتقطعوا امرهم بينهم. اي تفرق الاحزاب المنتسبون لاتباع الانبياء فرقا وتشتتوا. كل من يدعي ان الحق معه والباطل مع الفريق الاخر. وكل حزب بما لديهم فرحون. وقد علم ان المصيب منهم من كان سالكا للدين من القويم والصراط المستقيم. مؤتما بالانبياء وسيظهر هذا اذا انكشف الغطاء وبرح الخفاء. وحشر الله الناس لفصل القضاء. فحين حينئذ يتبين الصادق من الكاذب. ولهذا قال كل من الفرق المتفرقة وغيرهم الينا راجعون اي فنجازيهم اتم الجزاء. ثم فصل جزاءه فيهم منطوقا ومفهوما. فقال فمن يعمل من الصالحات اي الاعمال التي شرعتها الرسل. وحثت عليها الكتب وهو مؤمن بالله وبرسله. وما جاءوا به فلا كفران لسعيه. اي لا نضيع سعيه ولا نبطله. بل نضاعفه له اضعافا كثيرة اي مثبتون له في اللوح المحفوظ. وفي الصحف التي مع الحفظة. اي ومن لم يعمل من الصالحات. او عملها وهو ليس بمؤمن فانه محروم خاسر في دينه ودنياه. حرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون ان يمتنعوا على القرى المهلكة المعذبة. الرجوع الى الدنيا ليستدركوا ما فرطوا فيه. فلا سبيل الى الرجوع لمن اهلك وعذب. فليحذر ان يستمروا على ما يوجب الاهلاك فيقع بهم. فلا يمكن رفعه. وليقلعوا وقت الامكان والادراك يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب هذا تحذير من الله للناس في ان يقيموا على الكفر والمعاصي. وانه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج. وهما قبيلتان عظيمتان من بني ادم. وقد سد عليهم ذو القرنين لما شكي اليه افسادهم في الارض وفي اخر الزمان ينفتح السد عنهم فيخرجون الى الناس في هذه الحالة والوصف الذي ذكره الله من كل مكان وهو الحدب ينسلون اي يسرعون. وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة واسراعهم في الارض. اما بذواتهم واما بما وفق الله لهم من الاسباب التي تقرب لهم البعيد. وتسهل عليهم الصعب. وانهم يقهرون الناس. ويعلون عليهم في الدنيا. وانه لا يدان لاحد بقتالهم واقترب الوعد الحق واقترب الوعد الحق اي يوم القيامة الذي وعد الله باتيانه ووعده حق وصدق. ففي ذلك اليوم ترى الكفار شاخصة من شدة الافزاع والاهوال المزعجة والقلاقل المفظعة. وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم. وانهم يدعون بالويل والثبور والندم والحسرة على ما فات. ويقولون قد كنا في غفلة من هذا اليوم العظيم. فلم نزل فيها مستغرقين وفي لهو الدنيا حتى اتانا اليقين ووردنا القيامة فلو كان يموت احد من الندم والحسرة لماتوا اعترفوا بظلمهم وعدل الله فيهم. فحينئذ يؤمر بهم الى النار هم وما كانوا يعبدون. ولهذا قال اي انكم ايها العابدون مع الله الهة غيره حصب جهنم اي وقودها وحطبها انتم لها واردون واصنامكم والحكمة في دخول الاصنام النار وهي جماد لا تعقل وليس عليها ذنب بيان كذب من اتخذها الهة وليزداد عذابهم. فلهذا قال لو كان هؤلاء الهة ما وردوها وهذا كقوله تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين. وكل من العابدين والمعبودين فيها خالدون لا يخرجون منها ولا ينتقلون عنها. لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون لهم فيها زفير من شدة العذاب وهم فيها لا يسمعون. صم بكم عمي او لا يسمعون من الاصوات غير صوت بها لشدة غليانها واشتداد زفيرها وتغيظها لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهدن ودخول الهة المشركين النار انما هو الاصنام. او من عبد وهو راض بعبادته واما المسيح وعزير والملائكة ونحوهم ممن عبد من الاولياء فانهم لا يعذبون فيها ويدخلون في قوله ان الذين سبقوا لهم منا الحسنى اي سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والاعمال الصالحة اولئك عنها مبعدون. اولئك عنها اي عن النار مبعدون. فلا يدخلونها ولا يكونون قريبا منها بل يبعدون عنها غاية البعد حتى لا يسمعوا حسيسها ولا يروا شخصها وهم فيما اشتهت انفسهم خالدون من المآكل والمشارب والمناكح والمناظر ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مستمر لهم ذلك. يزداد حسنه على الاحقاب لا يحزنهم الفزع الاكبر اي لا يقلقهم اذا فزع الناس اكبر فزع. وذلك يوم القيامة حين تقرب النار. تتغيظ على الكافرين والعاصين. فيفزع الناس لذلك الامر وهؤلاء لا يحزنهم لعلمهم بما يقدمون عليه. وان الله قد امنهم مما يخافون الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون وتتلقاهم الملائكة الملائكة اذا بعثوا من قبورهم واتوا على النجائب وفدا لنشورهم مهنئين لهم قائلين هذا يومكم الذي كنتم توعدون فليهنكم ما وعدكم الله وليعظم استبشاركم بما امامكم من الكرامة. وليكثر فرحكم وسروركم بما امنكم الله من المخاوف والمكاره كطي السجل للكتب. يخبر تعالى ان انه يوم القيامة يطوي السماء على عظمها واتساعها كما يطوي الكاتب للسجل اي الورقة المكتوبة فيها فتنتثر نجومها ويكور شمسها وقمرها وتزول عن اماكنها. اي اعادة للخلق مثل ابتدائنا لخلقهم. فكما ابتدأنا خلقهم ولم يكونوا شيئا. كذلك نعيدهم بعد موتهم ننفذ ما وعدنا لكمال قدرته وانه لا تمتنع منه الاشياء فلقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون. ولقد كتبنا في زبور وهو الكتاب المزبور والمراد الكتب المنزلة كالتوراة ونحوها من بعد الذكر اي كتبناه في الكتب المنزلة بعد ما كتبنا في الكتاب السابق الذي هو اللوح المحفوظ وام الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه. والمكتوب في ذلك ان الارض اي ارض الجنة يرثها عبادي الصالحون الذين قاموا بالمأمورات واجتنبوا المنهيات فهم الذين يورثهم الله الجنات. كقول اهل الجنة الحمد لله الذي صدقنا وعده وثنى الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء. ويحتمل ان المراد الاستخلاف في الارض. وان الصالحين يمكن الله لهم في الارض ويوليهم عليها كقوله تعالى وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين. يثني الله تعالى على كتابه العزيز القرآن. ويبين كفايته والتامة عن كل شيء وانه لا يستغنى عنه فقال ايتبلغون به في الوصول الى ربهم والى دار كرامته. فيوصلهم الى اجل المطالب وافضل الرغائب. وليس للعابدين الذين هم اشرف الخلق خلق وراءه غاية. لانه الكفيل بمعرفة ربهم باسمائه وصفاته وافعاله. وبالاخبار بالغيوب الصادقة وبالدعوة حقائق الايمان وشواهد الايقان المبين للمأمورات كلها والمنهيات جميعها. المعرف بعيوب النفس والعمل والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله. والتحذير من طرق الشيطان وبيان مداخله على الانسان. فمن لم يغنيه القرآن فلا اغناه الله ومن لا يكفيه فلا كفاه الله ثم اثنى على رسوله الذي جاء بالقرآن فقال للعالمين. فهو رحمته المهداة لعباده. فالمؤمنون به قبلوا هذه الرحمة وشكروها وقاموا بها. وغيرهم كفرها وبدلوا نعمة الله كفرا واذوا رحمة الله ونعمته قل يا محمد انما يوحى الي انما الهكم اله واحد. الذي لا يستحق العبادة الا هو. ولهذا قال اي منقادون لعبوديته مستسلمون لالوهيته فان فعلوا ليحمدوا ربهم على ما من عليهم بهذه النعمة التي فاقت المنن وان ادري اقريب ام بعيد ما توعدون شهر من القول ويعلم ما تكتمون. فان تولوا عن الانقياد لعبودية ربهم. فحذرهم حلولا مثلا دون العقوبة فقل اذنتكم اي اعلمتكم بالعقوبة على سواء اي علمي وعلمكم بذلك مستو فلا تقولوا اذا نزل العذاب ما جاءنا من بشير ولا نذير. بل الان استوى علمي وعلمكم لما انذرتكم وحذرتكم. واعلمتكم بمآل الكفر ولم اكتم عنكم شيئا. وان ادري اقريب ام بعيد ما توعدون. اي من العذاب لان علمه عند الله وهو بيده ليس لي من الامر شيء. وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين اي لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه شر لكم. وان تتمتعوا في الدنيا الى حين. ثم يكون اعظم لعقوبتكم وربنا قال ربي احكم بالحق اي بيننا وبين القوم الكافرين فاستجاب الله هذا الدعاء وحكم بينهم في الدنيا قبل الاخرة بما عاقب الله به الكافرين من وقعة بدر وغيرها على ما تصفون اي نسأل ربنا الرحمن ونستعين به على ما تصفون من قولكم سنظهر عليكم وسيضمحل دينكم فنحن في هذا لا نعجب بانفسنا ولا نتكل على حولنا وقوتنا وانما نستعين بالرحمن الذي ناصية كل مخلوق بيده ونرجوه ان يتم ما استعناه به من رحمته وقد فعل ولله الحمد