المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي تعالى عن مجادلة اهل الكتاب اذا كانت من غير بصيرة من المجادل او بغير قاعدة مرضية والا يجادلوا الا بالتي هي احسن بحسن خلق ولطف ولين الكلام ودعوة الى الحق وتحسينه. ورد عن الباطل وتهجينه. باقرب طريق موصل لذلك. والا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو. بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق. الا من ظلم من اهل الكتاب بان ظهر من قصده وحاله. الا ارادة له في الحق وانما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة. فهذا لا فائدة في جداله. لان المقصود منها ضائع. وقولوا امنا بالله الذي انزل الينا وانزل اليكم والى هنا والهكم واحد ونحن له مسلمون وقولوا امنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد. اي ولتكن مجادلتكم لاهل الكتاب مبنية على الايمان ما انزل اليكم وانزل اليهم. وعلى الايمان برسولكم ورسولهم. وعلى ان الاله واحد ولا تكن مناظرتكم اياهم على وجه يحصل به القدح في شيء من الكتب الالهية او باحد من الرسل كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم. يقدح بجميع ما معهم من حق وباطل. فهذا ظلم وخروج عن الواجب واداب النظر. فان الواجب ان يرد ما مع الخصم من الباطل. ويقبل ما معه من الحق. ولا يرد الحق لاجل قوله ولو كان كافرا. وايضا فان بناء مناظرة اهل الكتاب على هذا الطريق فيه الزام لهم بالاقرار بالقرآن. وبالرسول الذي جاء به. فانه اذا يتكلم في الاصول الدينية التي اتفقت عليها الانبياء والكتب. وتقررت عند المتناظرين وثبتت حقائقهما عندهما. وكانت الكتب السابقة مرسلون مع القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم قد بينتها ودلت عليها واخبرت بها فانه يلزم التصديق بالكتب كلها والرسل كلهم وهذا من خصائص الاسلام. فاما ان يقال نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني. دون الكتاب الفلاني وهو الحق الذي صدق ما قبله فهذا ظلم وجور. وهو يرجع الى قوله بالتكذيب. لانه اذا كذب القرآن الدال عليها المصدق لما بين يديه من التوراة. فانه مكذب فيما زعم انه به مؤمن. وايضا فان كل طريق تثبت به نبوة اي نبي كان. فان مثلها واعظم منها دالة على نبوة محمد محمد صلى الله عليه وسلم. وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فان مثلها او اعظم منها يمكن توجيهها الى قوة غيره. فاذا ثبت بطلانها في غيره. فثبوت بطلانها في حقه صلى الله عليه وسلم اظهر واظهر. وقوله ونحن له مسلمون. اي من قادون مستسلمون لامره. ومن امن به واتخذه الها وامن بجميع كتبه ورسله. واتقاه لله واتبع رسله فهو السعيد. ومن انحرف عن هذا الطريق فهو الشقي الذين اتيناهم الكتاب يؤمنون به. اي وكذلك انزلنا اليك يا محمد هذا الكتاب الكريم المبين كل نبأ عظيم الداعية الى كل خلق فاضل وامر كامل. المصدق للكتب السابقة المخبر به الانبياء الاقدمون. فالذين اتيناهم الكتاب فعرفوه حق معرفته ولم يداخلهم حسد وهوى يؤمنون به. لانهم تيقنوا صدقه بما لديه من الموافقات. وبما عندهم من وبما تميزوا به من معرفة الحسن والقبيح والصدق والكذب. ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد باياتنا الا الكافرون. ومن هؤلاء الموجودين من يؤمن به ايمانا على بصيرة لا عن رغبته ولا رهبته لا يجحد باياتنا الا الكافرون. وما يجحد باياتنا الا الكافرون الذين دأبهم الجحود للحق والعناد له. وهذا حصر لمن كفر به انه لا يكون من احد قصده متابعة الحق. والا فكل من له قصد صحيح فانه لا بد ان يؤمن به. لما اشتمل عليه من البينات لكل من له عقل او القى السمع وهو شهيد. ومما يدل على صحته انه جاء به هذا النبي الامين. الذي عرف قومه صدقه امانته ومدخله ومخرجه وسائر احواله. وهو لا يكتب بيده خطا ولا يقرأ خطا مكتوبا. فاتيانه به في هذه الحال من البيانات القاطعة التي لا تقبل الارتياب انه من عند الله العزيز الحميد. ولهذا قال وما كنت تتلو اي تقرأ من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك. اذا لو كنت بهذه الحال فقالوا من الكتب السابقة او استنسخه منها فاما وقد نزل على قلبك كتابا جليلا تحديت به الفصحاء والبلغاء الاعداء للداء ان يأتوا بمثله او بسورة من مثله. فعجزوا غاية العجز بل ولا حدثتهم انفسهم بالمعارضة. لعلمهم ببلاغته وفصاحته وان كلام احد من البشر لا يبلغ ان يكون مجاريا له او على منواله. ولهذا قال اي بل هذا القرآن ايات بينات لا خفيات في صدور الذين اوتوا العلم. وهم سادة الخلق وعقلاؤهم واولو الالباب منهم. والقمل منهم. فاذا كان ايات بينات في صدور امثال هؤلاء كانوا حجة على غيرهم. وان كانوا غيرهم لا يضر. ولا يكون ذلك الا ظلما. ولهذا قال وما يجحد باياتنا الا الظالمون. لانه لا يجحدها الا جاهل تكلم بغير علم. ولم يقتد باهل العلم وهو متمكن من معرفته على حقيقته. واما متجاهل عرف انه حق فعانده. وعرف صدقه فخالفه قل انما الايات عند الله وانما انا نذير اي اعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول ولما جاء به؟ واقترحوا عليه نزول ايات عينوها كقولهم قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا. فتعيين الايات ليس عندهم ولا عند الرسول صلى الله عليه وسلم. فان في ذلك تدبيرا مع الله وانه لو كان كذلك وينبغي ان يكون كذلك وليس لاحد من الامر شيء. ولهذا قال قل انما الايات عند الله ان شاء انزلها او منعها وانما انا نذير مبين وليس لي مرتبة فوق هذه المرتبة. واذا كان القصد بيان الحق من الباطل. فاذا حصل المقصود باي طريق كان اقتراح الاية المعينات على ذلك ظلما وجورا. وتكبرا على الله وعلى الحق. بل لو قدر ان تنزل تلك الايات ويكون في قلوبهم انهم لا يؤمنون الا بها كان ذلك ليس بايمان. وانما ذلك شيء وافق اهواءهم. فامنوا لا لانه حق بل لتلك الايات. فاي فائدة ان حصلت في انزالها على التقدير الفرضي. ولما كان المقصود بيان الحق ذكر تعالى طريقه فقال فانزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم. ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون اولم يكفهم في علمهم بصدقك وصدق ما جئت به؟ انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم. وهذا كلام مختصر فيه من الايات البينات والدلالات الباهرات شيء كثير. فانه كما تقدم اتيان الرسول به بمجرده وهو امي. من الايات على صدقه. ثم عجزهم عن معارضته وتحديه اياهم. اية اخرى ثم ظهوره وبروزه جهرا علانية. يتلى عليهم ويقال هو من عند الله قد اظهره الرسول وهو في وقت قل فيه انصاره وكثر مخالفوه واعداؤه فلم يخفه ولم يثني ذلك عزمه بل صرح به على رؤوس الاشهاد ونادى به بين الحاضر والباد بان هذا كلام ربي. فهل احد يقدر على معارضته؟ او ينطق مباراته او يستطيع مجاراته. ثم اخباره عن قصص الاولين وانباء السابقين والغيوب المتقدمة والمتأخرة. مع مطابقته للواقع ثم هيمنته على الكتب المتقدمة وتصحيحه للصحيح ونفي ما ادخل فيها من التحريف والتبديل ثم هدايته لسواء السبيل في امره ونهيه فما امر بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته لم ينه عنه بل هو مطابق العدل والميزان والحكمة المعقولة لذوي البصائر والعقول. ثم مسايرة ارشاداته وهدايته واحكامه لكل حال وكل زمان. بحيث لا تصلح الامور الا به. فجميع ذلك يكفي من اراد تصديق الحق. وعمل على طلب الحق فلا كفى الله من لم يكفه القرآن. ولا شفى الله من لم فيه الفرقان ومن اهتدى به واكتفى فانه خير له. فلذلك قال وذلك لما يحصلون فيه من العلم الكثير والخير الغزير وتزكية القلوب والارواح وتطهير العقائد وتكميل الاخلاق والفتوحات الالهية والاسرار الربانية. قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدين يعلم ما في السماوات والارض. قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا. فانا قد استشهدته. فان كنت كاذبا احل ما به تعتبرون وان كان انما يؤيدني وينصرني وييسر لي الامور. فلتكفيكم هذه الشهادة الجليلة من الله. فان وقع في قلوبكم ان شهادته وانتم لم تسمعوه ولم تروه. لا تكفي دليلا فانه يعلم ما في السماوات والارض. ومن جملة معلوماته حالي حالكم ومقالي لكم فلو كنتم متقولا عليه مع علمه بذلك وقدرته على عقوبة لكان قدحا في علمه وقدرته وحكمته كما قال الله تعالى ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين امنوا بالباطل وكفروا بالله اولئك هم الخاسرون حيث هم خسروا الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وحيث فاتهم النعيم المقيم وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح. وفي مقابلة النعيم كل عذاب اليم. فخسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة ولولا اجل مسمى لجاءهم العذاب. يخبرك تعالى عن جهل المكذبين للرسول وما جاء به. وانهم يقولون استعجالا للعذاب وزيادة تكذيب. متى هذا الوعد ان كنتم صادقين يقول تعالى ولولا اجل مسمى لنزوله ولم يأتي بعد لجاءهم العذاب بسبب تعجيزهم لنا وتكذيبهم الحق. فلو اخذناهم بجهلهم لكان كلامهم اسرع لبلائهم وعقوبتهم ولكن مع ذلك فلا يستبطئون نزوله لا يشعرون. فانه سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. فوقع كما اخبر الله تعالى لما قدموا لبدرين مفاخرين ظانين انهم قادرون على مقصودهم فاهانهم الله وقتل كبارهم واستوعب جملة اشرارهم ولم يبق فيهم بيت الا اصابة تلك المصيبة فاتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا. ونزل بهم وهم لا يشعرون ان جهنم لمحيطة بالكافرين. هذا وان لم ينزل عليهم العذاب الدنيوي فان امامهم العذاب الاخروي. الذي لا يخلص منهم احد منه. سواء عوجل بعذاب الدنيا او امهل محيطة بالكافرين. ليس لهم عنها معدن ولا متصرف. قد احاطت بهم من كل جانب كما احاطت بهم قلوبهم وسيئاتهم وكفرهم. وذلك العذاب هو العذاب الشديد ثم من تحت ارجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون. فان اعمالكم انقلبت عليكم عذابا. وشملكم العذاب كما شملكم الكفر والذنوب. يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. كل نفس ثم الينا ترجعون والذين امنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نعم اجر العاملين يقول تعالى يا عبادي الذين امنوا بي وصدقوا رسولي ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. فاذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في ارض فارتحلوا منها الى ارض اخرى. حيث كانت العبادة لله وحده. فاماكن العبادة ومواضعها واسعة معبود واحد والموت لابد ان ينزل بكم ثم ترجعون الى ربكم فيجازي من احسن عبادته وجمع بين الايمان والعمل الصالح بانزاله الغرف العالية والمنازل الانيقة الجامعة لما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وانتم فيها خالدون فنعم تلك المنازل في جنات النعيم اجر العاملين لله يتوكلون. الذين صبروا على عبادة الله وعلى ربهم يتوكلون في ذلك. فصبرهم على عبادة الله يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك والمحاربة العظيمة للشيطان الذي يدعوهم الى الاخلال بشيء من ذلك وتوكلهم يقتضي شدة اعتمادهم على الله وحسن ظنهم به ان يحقق ما عزموا عليه من الاعمال ويكملها. ونص على التوكل وان كان داخلا في الصبر. لانه يحتاج اليه في كل فعل وترك مأمور به ولا يتم الا به لا تحمل رزقها الله يرزقها واياكم وهو السميع العليم الباري تبارك وتعالى قد تكفل بارزاق الخلائق كلهم. قويهم وعاجزهم. فكم من دابة في الارض ضعيفة القوى ضعيفة العقل لا تحمل رزقها ولا تدخره. بل لم تزل لا شيء معها من الرزق. ولا يزال الله يسخر لها الرزق في كل وقت بوقته ويرزقها واياكم. فكلكم عيال الله القائم برزقكم. كما قام بخلقكم وتدبيركم فلا يخفى عليه خافية. ولا تهلك دابة من عدم الرزق بسبب انها خافية عليه. كما قال الله تعالى وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها. كل في كتاب مبين من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر وسخر الشمس والقمر الله الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فاحيا به الارض من بعد موتها ليكونن الله قل الحمدلله بل اكثرهم لا يعقلون هذا استدلال على المشركين المكذبين بتوحيد الالهية والعبادة. والزام لهم بما اثبتوه من توحيد الربوبية. فانت لو سألته من خلق السماوات والارض ومن نزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها ومن بيده تدبير جميع الاشياء ان الله ليقولن الله وحده ولا اعترفوا بعجز الاوثان ومن عبدوه مع الله على شيء من ذلك فاعجب لافكهم وكذبهم وعدولهم الى من اقروا بعجزه. وانه لا يستحق ان يدبر شيئا. وسجل عليهم بعدم العقل. وانهم السفهاء ضعفاء الاحلام فهل تجد اضعف عقلا واقل بصيرة ممن اتى الى حجر او قبر ونحوه وهو يدري انه لا ينفع ولا يضر ولا يخلق ولا يرزق ثم صرف له خالص الاخلاص وصافي العبودية واشركه مع الرب الخالق الرازق النافع الضار. وقل الحمد لله الذي من الهدى من الضلال. واوضح بطلان ما عليه المشركون. ليحذره الموفقون. وقل الحمدلله الذي خلق العالم العلوي والسفلي بتدبيرهم ورزقهم وبسط الرزق على من يشاء وضيقه على من يشاء. حكمة منه ولعلمه بما يصلح عباده وما ينبغي لهم وما هذه الحياة الدنيا الا له ولعب. يخبر تعالى عن حالة في الدنيا والاخرة وفي ضمن ذلك التزهيد في الدنيا والتشويق للاخرى. فقال وما هذه الحياة الدنيا في الحقيقة؟ الا لهو ولعب تلهو بها القلوب وتلعب بها الابدان. بسبب ما جعل الله فيها من الزينة واللذات. والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة. الباهجة للعيون الغافلة المفرحة للنفوس المبطلة الباطنة. ثم تزول سريعا وتنقضي جميعا. ولم يحصل منها محبها الا على الندم والحسرة والخسران واما الدار الاخرة فانها دار الحيوان اي الحياة الكاملة. التي من لوازمها ان تكون ابدان اهلها في غاية القوة وقواهم في غاية الشدة. لانها ابدان وقوى خلقت للحياة. وان يكون موجودا فيها كل ما تكمل به الحياة. وتتم به اللذات من مفلحات القلوب والشهوات الابدان. من المآكل والمشارب والمناكح وغير ذلك. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. لو كانوا يعلمون لو كانوا يعلمون لما اثروا الدنيا على الاخرة ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان ورغبوا في دار اللهو واللعب. فدل ذلك على ان الذين يعلمون لا بد ان يؤثروا الاخرة على دنيا لما يعلمونه من حالة الدارين فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين. فلما نجاهم الى البر اله فسوف الزمت المشركين باخلاصهم لله تعالى في حالة الشدة عند ركوب البحر وتلاطم امواجه وخوفهم الهلاك. يتركون اذا اندادهم ويخلصون الدعاء لله وحده لا شريك له. فلما زالت عنهم الشدة ونجا من اخلصوا له الدعاء الى البر. اشركوا به من لا نجاه من شدة. ولا زال عنهم مشقة. فهلا اخلصوا لله الدعاء في حال الرخاء والشدة. واليسر والعسر ليكونوا مؤمنين به حقا. مستحقين ثوابه مندفعا عنهم عقابه. ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر. ليكون عاقبته كفر ما اتيناهم. ومقابلة النعمة بالاساءة وليكملوا تمتعهم في الدنيا. الذي هو كتمتع الانعام. ليس لهم هم الا بطونهم وفروجهم فسوف يعلمون حين ينتقلون من الدنيا الى الاخرة. شدة الاسف واليم العقوبة ثم امتن عليهم بحرمه الامن وانهم اهله في امن وسعة رزق والناس من حولهم يتخطفون ويخافون. افلا يعبدون الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف وبنعمة الله يكفرون. افبالباطل يؤمنون وهو ما هم عليه من الشرك والاقوال والافعال الباطلة. وبنعمة الله هم يكفرون فاين ذهبت عقولهم وانسلخت احلامهم؟ حيث اثروا الضلال على الهدى والباطل على الحق والشقاء على السعادة وحيث كانوا اظلم الخلق ما جاء ومن اظلموا ممن افترى على الله كذبا فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل الى الله او كذب بالحق لما فجاءه على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا الظالم العنيد امامه جهنم. اليس في جهنم انما مسوا للكافرين. اليس في جهنم مثوى للكافرين؟ يؤخذ بها منهم الحق بها وتكون منزلهم الدائم الذي لا يخرجون منه. والذين جاهدوا فينا لنهدين انهم سبلنا وان الله لمع المحسنين. والذين فينا وهم الذين هاجروا في سبيل الله وجاهدوا اعداءهم وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته لنهدينهم سبلنا اي الطرق الموصلة الينا وذلك لانهم محسنون. وان الله لمع المحسنين. بالعون والنصر والهداية. دل هذا على ان احرى الناس بموافقة الصواب اهل الجهاد. وعلى ان من احسن فيما امر به اعانه الله ويسر له اسباب الهداية. وعلى ان من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي انه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه امور الهية. خارجة عن مدرك اجتهاده. وتيسر له امر العلم. فان طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله بل هو احد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به الا خواص الخلق وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين والجهاد على تعليم امور الدين. وعلى رد نزاع المخالفين للحق. ولو كانوا من المسلمين بسم الله الرحمن الرحيم يعني ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله يوم كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من اقوى دول الارض. وكان يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة. وكانت الفرس مشركين يعبدون النار. وكانت الروم اهل كتاب ينتسبون الى التوراة والانجيل وهم اقرب الى المسلمين من الفرس. فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس. وكان المشركون لاشتراكهم والفرس في الشرك يحبون ظهور الفرس على الروم. فظهر الفرس على الروم. فغلبوهم غلبا لم يحط ملكهم. بل بادنى ارضهم. ففرح بذلك مكة وحزن المسلمون. فاخبرهم الله ووعدهم ان الروم ستغلب الفرس في بضع سنين تسع او ثمان ونحو ذلك. مما لا يزيد على العشر ولا ينقص عن الثلاث وان غلبة الفرس للروم ثم غلبة الروم للفرس. كل ذلك بمشيئته وقدره. ولهذا قال فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الاسباب. وانما هي لابد ان يقترن بها القضاء والقدر ويومئذ اي يوم يغلب الفرس ويقهرونهم. يفرح المؤمنون بنصر الله. ينصر من يشاء. اي يفرحون بانتصارهم على الفرس. وان كان الجميع كفارا ولكن بعض الشر اهون من بعض. ويحزن يومئذ المشركون. وهو العزيز الذي له العزة التي قهر بها الخلائق اجمعين. يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء. ويعز من يشاء ويذل من يشاء رحيموا بعباده المؤمنين حيث قيض لهم من الاسباب التي تسعدهم وتنصرهم ما لا يدخل في الحساب وعد الله لا يخلف الله وعده. فتيقنوا ذلك واجزموا به واعلموا انه لابد من وقوعه. فلما نزلت هذه الايات التي فيها هذا الوعد صدق بها المسلمون وكفر بها المشركون حتى تراهن بعض المسلمين وبعض المشركين على مدة سنين عينوها. فلما جاء الاجل الذي ضربه الله انتصر الروم على الفرس من بلادهم التي اخذوها منهم وتحقق وعد الله. وهذا من الامور الغيبية التي اخبر الله بها قبل وقوعها. ووجدت في زمان من اخبرهم الله بها من المسلمين والمشركين. ولكن اكثر الناس ايعلمون ان ما وعد الله به حق. فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعد الله. ويكذبون اياته. وهؤلاء الذين لا يعلمون الا يعلمون بواطن الاشياء وعواقبها وانما يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فينظرون الى الاسباب ويجزمون بوقوع الامر الذي في رأيهم انعقدت اسباب وجوده ويتيقن قانون عدم الامر الذي لم يشاهدوا له من الاسباب المقتضية لوجوده شيئا. فهم واقفون مع الاسباب غير ناظرين الى مسببها المتصدر فيها وهم عن الاخرة هم غافلون. قد توجهت قلوبهم واهواؤهم واراداتهم الى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت واقبلت بها وادبرت وغفلت عن الاخرة. فلا الجنة تشتاق اليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي الله ولقائه يروعها ويزعجها. وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الاخرة. ومن العجب ان هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا الى امر يحير العقول ويدهش الالباب. واظهروا من العجائب الذرية كهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا واعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما اقدرهم الله عليه فنظروا اليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك ابلدوا الناس في امر دينهم واشدهم غفلة عن اخرتهم واقلهم معرفة بالعواقب قد رآهم اهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطنهم يترددون. نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون. ثم نظروا الى ما اعطاهم الله واقدرهم عليه. من الافكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها وما حرموا من العقل العالي فعرفوا ان الامر لله. والحكم له في عباده. وان هو الا توفيقه وخذلانه. فخافوا ربهم وسألوه وان يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والايمان. حتى يصلوا اليه ويحلوا بساحته. وهذه الامور لو قارنها الايمان وبنيت عليه اثمرت الرقي العالي والحياة الطيبة. ولكنها لما بني كثير منها على الالحاد لم تثمر الا هبوط الاخلاق واسباب الفناء امير اي افلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسول الله ولقائه؟ في انفسهم فان في انفسهم ايات يعرفون بها ان الذي اوجده من العدم سيعيدهم بعد ذلك. وان الذي نقلهم اطوارا من نطفة الى علقة الى مضغة الى ادمي. قد نفخ في الروح الى طفل الى شاب الى شيخ الى هرم غير لائق ان يتركهم سدى المهملين لا ينهون ولا يؤمرون ولا يثابون ولا يعاقبون ان ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق. اي ليبلوكم ايكم احسن عملا. واجل مسمى اي مؤقت بقاء الى اجل تنقضي به الدنيا وتجيء به القيامة وتبدل الارض غير الارض والسماوات فلذلك لم يستعدوا للقائه ولم يصدقوا رسله التي اخبرت به قوة واثار الارض وعمرها اكثر مما عمروها. وجاءتهم رسلهم وهذا الكفر عن غير بل الادلة القاطعة قد دلت على البعث والجزاء. ولهذا نبههم على السير في الارض والنظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وخالفوا امرهم ممن هم اشد من هؤلاء قوة واكثر اثارا في الارض من بناء قصور ومصانع ومن غرس اشجار ومن زرع واجراء انهار فلم تغني عنهم قوتهم ولا نفعتهم اثارهم. حين كذبوا رسلهم الذين جاءوهم بالبينات الدالة على الحق. وصحة ما جاءوهم به. فان انهم حين ينظرون في اثار اولئك لم يجدوا الا امما بائدة وخلقا مهلكين ومنازل بعدهم موحشة وذما من الخلق عليهم متتاليين وهذا جزاء معجل نموذج للجزاء الاخروي ومبتدأ له. وكل هذه الامم المهلكة لم يظلمهم الله بذلك الاهلال وانما ظلموا انفسهم وتسببوا في هلاكها ثم كان عاقبة الذين اي الحالة السيئة الشنيعة. وصار ذلك داعيا لهم لان كذبوا بايات الله فهذا عقوبة لسوءهم وذنوبهم. ثم ذلك الاستهزاء والتكذيب يكون سببا لاعظم العقوبات واعضل المثلات الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم اليه ترجعون. ويوم تقوم الساعة يبدل يخبر تعالى انه المتفرد بابداء المخلوقات. ثم يعيدهم ثم اليه يرجعون بعد اعادتهم اجزيهم باعمالهم. ولهذا ذكر جزاء اهل الشر ثم جزاء اهل الخير فقال ويوم تقوم الساعة اي يقوم الناس لرب العالمين ويريدون القيامة عيانا يومئذ يبلس المجرمون. اي ييأسون من كل خير. وذلك انهم ما قدموا لذلك اليوم الا الاجرام وهي الذنوب من كفر وشرك ومعاصي. فلما قدموا اسباب العقاب ولم يخلطوها بشيء من اسباب الثواب. ايسوا وابلسوا وافلسوا وضل عنه ما كانوا يفترونه من نفع شركائهم وانهم يشفعون لهم. ولهذا قال ولم يكن لهم من شركائهم التي عبدوها مع الله شفعاء تبرأ المشركون ممن اشركوهم مع الله وتبرأ المعبودون وقالوا تبرأنا اليك ما كانوا وايانا يعبدون والتعنوا وابتعدوا. ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون. وفي ذلك يوم يفترق اهل الخير والشر. كما افترقت اعمالهم في الدنيا فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات امنوا بقلوبهم وصدقوا ذلك بالاعمال الصالحة. فهم في روضة فيها سائر انواع النبات واصناف المشتهيات يحضرون اي يسرون وينعمون بالمآكل اللذيذة والاشربة والحور الحساب والخدم والولدان والاصوات المطربات والسماع المسجي والمناظر المعجبة والروائح الطيبة والفرح والسرور واللذة مما لا يقدر احد ان يصفه واما الذين كفروا وجحدوا نعمه وقابلوها بالكفر وكذبوا باياتنا التي جاءتهم بها رسلنا. محضرون فيه قد احاطت بهم جهنم من جميع جهاتهم. واطلع العذاب الاليم على افئدتهم. وشوى الحميم وجوههم وقطع امعائهم فاين الفرق بين الفريقين؟ واين التساوي بين المنعمين والمعذبين؟ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبح وله الحمد في السماوات والارض وعشيا وحين تظهرون. هذا اخبار عن تنزهه عن السوء والنقص وتقدسه عن ان يماثله احد من الخلق. وامر للعباد ان يسبحوه حين يمسون وحين يصبحون. ووقت العشي وقت الظهيرة فهذه الاوقات الخمسة اوقات الصلوات الخمس. امر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد. ويدخل في ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس والمستحب كاذكار الصباح والمساء وادبار الصلوات. وما يقترن بها من النوافل. لان هذه الاوقات اختارها الله لاوقات المفروضات هي افضل من غيرها. فالتسبيح والتحميد فيها والعبادة فيها افضل من غيرها. بل العبادة وان لم على قول سبحان الله فان الاخلاص فيها تنزيه لله بالفعل. ان يكون له شريك في العبادة او ان يستحق احد من الخلق ما يستحقه من الاخلاص والانابة يخرج الحي من الميت كما يخرج النبات من الارض الميتة والسنبلة من الحبة والشجرة من والفرخة من البيضة والمؤمن من الكافر ونحو ذلك. ويخرج الميت من الحي بعكس المذكور بعد ان موتها وكذلك تخرجون. ويحيي الارض بعد موتها فينزل عليها المطر. وهي ميتة هامدة. فاذا انزل قيل عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج. وكذلك تخرجون من قبور فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع. ان الذي احيا الارض بعد موتها فانه يحيي الاموات. فلا فرق في نظر العقل بين الامرين ولا موجب الاستبعاد احدهما مع مشاهدة الاخر هذا شروع في تعداد اياته الدالة على انفراده بالالهية وكمال عظمته ونفوذ مشيئته وقوة اقتداره وجميل صنعه. وسعة رحمته واحسانه. فقال ومن اياته ان خلقكم من تراب. وذلك بخلق اصل النسل ادم عليه السلام. اي الذي خلقكم من اصل واحد ومادة واحدة وبثكم في اقطار الارض وارجائها. ففي ذلك ايات على ان الذي انشأكم من هذا الاصل وبثكم في اقطار الارض. هو المعبود الملك المحمود والرحيم الودود الذي سيعيذكم بالبعث بعد الموت ومن اياته الدالة على رحمته وعنايته بعباده. وحكمته العظيمة وعلمه ان خلق لكم من انفسكم ازواجا تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن بما رتب على الزواج من الاسباب الجالبة للمودة والرحمة. فحصل بالزوجة الاستمتاع والمنفعة بوجود الاولاد وتربيتهم. والسكون اليها. فلا تجد بين احد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون. يعملون افكارهم ويتدبرون ايات الله ينتقلون من شيء الى شيء. ومن اياته خلق السماوات والارض والعالمون هم اهل العلم الذين يفهمون العبر ويتدبرون الايات والايات في ذلك كثيرة من ايات خلق السماوات والارض وما فيهما ان ذلك دال على عظمة سلطان الله وكمال اقتداره. الذي اوجد هذه المخلوقات العظيمة وكمال حكمته لما فيها من الاتقان وسعة علمه. لان الخالق لا بد ان يعلم ما خلقه. الا يعلم من خلق وعموم رحمته وفضله لما في ذلك من المنافع الجليلة. وانه المريد الذي يختار ما يشاء. لما فيها من التخصيصات والمزايا وانه وحده الذي يستحق ان يعبد ويوحد. لانه المنفرد بالخلق. فيجب ان يفرد بالعبادة. فكل هذه ادلة عقلية. نبه الله العقول اليها وامرها بالتفكر واستخراج العبرة منها. وكذلك في اختلاف السنتكم والوانكم. على كثرتكم وتباينكم مع ان الاصل واحد ومخارج الحروف واحدة. ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه. ولا لونين متشابهين من كل وجه الا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز. وهذا دال على كمال قدرته ونفوذ مشيئته. ومن عنايته بعباده ورحمته بهم ان قدر ذلك الاختلاف بان لا يقع التشابه فيحصل الاضطراب. ويفوت كثير من المقاصد والمطالب كلامكم بالليل والنهار وابتغاءكم من فضله. ان في ذلك لايات اي سماع تدبر وتعقل للمعاني والايات في ذلك. ان ذلك دليل على رحمة الله تعالى كما قال ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه. ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وعلى تمام حكمته اذ حكمته اقتضت سكون الخلق في وقت ليستريحوا به ويستجموا. وانتشارهم في وقت. لمصالحهم الدينية والدنيوية ولا يتم ذلك الا بتعاقب الليل والنهار عليهم. والمنفرد بذلك هو المستحق للعبادة. ومن اياته يريد هم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الارض اي ومن اياته ان ينزل عليكم المطر الذي تحيا به البلاد والعباد. ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يخاف ويطمع فيه ان في ذلك لايات دالة على عموم احسانه وسعة علمه وكمال وعظيم حكمته وانه يحيي الموتى كما احيا الارض بعد موتها. لقوم يعقلون. اي لهم عقول تعقل بها ما تسمعه تراه وتحفظه وتستدل به على ما جعل دليلا عليه اي ومن ايات العظيمة ان قامت السماوات والارض واستقرتا وثبتتا بامره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الارض. فقدرته العظيمة التي بها امسك السماوات والارض ان تزول يقدر بها انه اذا دعا الخلق دعوة من الارض اذا هم يخرجون لخلق السماوات الارض اكبر من خلق الناس. وله من في السماوات الارض الكل خلقه ومماليكه. المتصرف فيه من غير منازع ولا معاون ولا معارض. وكلهم قانتون لجلاله خاضعون لك ما له؟ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اي الاعادة للخلق بعد موتهم اهون عليه من ابتداء خلقهم. وهذا بالنسبة الى الاذهان والعقول اذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به كانت قدرته على الاعادة التي اهون اولى واولى. ولما ذكر من الايات العظيمة ما بها يعتبر المعتبرون ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون. ذكر الامر العظيم والمطلب الكبير. فقال اعلى في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم. وهو كل صفة كمال والكمال من تلك الصفة. والمحبة والانابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين. والذكر الجليل والعبادة منهم. فالمثل الاعلى ووصفه الاعلى وما ترتب عليه. ولهذا كان اهل العلم يستعملون في حق الباري قياس الاولى. فيقولون كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها احق بالاتصاف بها. على وجه لا يشاركه فيها احد. وكل نقص في المخلوق ينزه عنه. فتنزه الخالق عنه من باب اولى واحرى. وهو العزيز الحكيم. اي له العزة الكاملة والحكمة واسعة فعزته اوجد بها المخلوقات واظهر المأمورات وحكمته اتقن بها ما صنعه واحسن فيها ما شرعه كذلك هذا مثل ضربه الله لقبح الشرك وتهجينه. مثلا من انفسكم لا يحتاج الى حل وترحال اعمال الجمال هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم؟ اي هل احد من عبيدكم وامائكم الارقاء؟ يشارككم في وترون انكم وهم فيه على حد سواء. اي كالاحرار الشركاء في الحق الحقيقة الذين يخاف من قسمه واختصاص كل شيء بحاله. ليس الامر كذلك فانه ليس احد مما ملكت ايمانكم شريكا لكم فيما رزقكم الله تعالى. هذا ولستم الذين خلقتموهم ورزقتموهم. وهم ايضا من ماليك مثلكم. فكيف ترضون ان تجعلوا لله كم من خلقه وتجعلونه بمنزلته وعديلا له في العبادة. وانتم لا ترضون مساواة مماليككم لكم. هذا من اعجب الاشياء من ادل شيء على سفه من اتخذ شريكا مع الله وان ما اتخذه باطن مضمحل ليس مساويا لله ولا له من العبادة شيء كذلك نفصل الايات بتوضيحها بامثلتها لقوم يعقلون الحقائق ويعرفون. واما من لا يعقل فلو فصلت له الايات وبينت له البينات. لم يكن له عقل يبصر به ما تبين ولا لب يعقل به ما توضح. فاهل العقول والالباب هم الذين يساق اليهم الكلام. ويوجه الخطاب. واذا علم من هذا المثال ان من اتخذ من دون الله شريكا يعبده ويتوكل عليه في اموره. فانه ليس معه من الحق شيء. فما الذي اوجب لهم الاقدام على امر باطل توضح له بطلانه وظهر برهانه. لقد اوجب لهم ذلك اتباع الهوى. فلهذا قال من اتبع الذين ظلموا بل اتبع الذين ظلموا بغير علم هويت انفسهم الناقصة التي ظهر من نقصانها ما تعلق به هواها امرا يجزم العقل بفساده والفطر الجيران ده بغير علم دلهم عليه ولا برهان قادهم اليه. اي لا تعجبوا من عدم هدايتهم فان الله تعالى اضلهم بظلمهم. ولا طريق لهداية من اضل الله. لانه ليس احد معارضا لله او منازعا له في ملكه. وما لهم من ناصرين ينصرونهم حين تحق عليهم كلمة العذاب ينقطع بهم الوصل والاسباب لا تبدين لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس يأمر تعالى بالاخلاص له في جميع الاحوال واقامة دينه. فقال فاقم وجهك انصبه ووجهه الى الدين الذي هو الاسلام والايمان والاحسان بان تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك الى اقامة شرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والانابة. والاحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة. بان تعبد الله فيها كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. وخص الله اقامة الوجه لان اقبال الوجه تبع لاقبال القلب. ويترتب وعلى الامرين سعي البدن. ولهذا قال حنيفا اي مقبلا على الله في ذلك معرضا عمن سواه. وهذا الامر الذي امرناك به هو فطرة الله التي فطر الناس عليها. ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها. فان احكام الشرع الظاهرة والباطنة. قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل اليها. فوضع في قلوبهم محبة الحق وايثار حق وهذا حقيقة الفطرة. ومن خرج عن هذا الاصل فلعارض عرض لفطرته افسدها. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة. فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون. لا تبديل لخلق الله اي لا هذا يبدل خلق الله فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله. ذلك الذي امرنا به الدين القيم اي الطريق المستقيم الموصل الى الله والى كرامته. فان من اقام وجهه للدين حنيفا فانه سالك الصراط المستقيم. في جميع شرائعه وطرقه ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلا يتعرفون الدين القيم وان عرفوه لم يسلكوه منيبين واتقوه وهذا تفسير لاقامة الوجه للدين. فان الانابة انابة القلب وانجذاب دواعيه لمرض الله تعالى. ويلزم لذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب. فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة. ولا يتم ذلك الا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة. فلذلك قال واتقوه فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات. وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو الى الانابة والتقوى لقوله تعالى واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهذا اعانتها على التقوى. ثم قال ولذكر الله اكبر. فهذا حثها على الانابة. وخص من المنهيات اصلها. والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك. فقال ولا تكونوا من المشركين. لكون الشرك مضادا للانابة التي روحها الاخلاص من كل وجه. ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقالوا من الذين فرقوا دينهم مع ان الاصل واحد وهو اخلاص العبادة لله وحده. وهؤلاء المشركون فرقوه. منهم من يعبد الاوثان والاصنام. ومنهم من يعبد الشمس والقمر. ومنهم من يعبد الاولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى. ولهذا قال وكانوا شيعا اي كل فرقة من فرق الشرك الفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل. ومنابذة غيرهم ومحاربتهم كل حزب بما لديه من العلوم المخالفة لعلوم الرسل فرحون به. يحكمون لانفسهم انه الحق وان غيرهم على باطل. وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا. كل فريق يتعصب لما معهم من حق وباطل فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق. بل الدين واحد والرسول واحد والاله واحد. واكثر الامور الدينية وقع فيها الاجماع بين العلماء والائمة. والاخوة الايمانية قد عقدها الله وربطها اتم ربط. فما بال ذلك كله كي يلغى ويبنى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية او فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا ويتميز بعضهم عن بعض فهل هذا الا من اكبر نزغات الشيطان واعظم مقاصده التي كاد بها المسلمين؟ وهل السعي في جمع كلمتهم وازالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الاصل الباطل الا من افضل الجهاد في سبيل الله وافضل الاعمال المقربة الى الله ولما امر تعالى بالانابة اليه وكان المأمور بها هي الانابة الاختيارية التي تكون في حالي العسر واليسر. والسعة الضيق ذكر الانابة الاضطرارية التي لا تكون مع الانسان الا عند ضيقه وكربه. فاذا زال عنه الضيق نبذها وراء ظهره هذه غير نافعة. فقال ليكفروا بما اتينا واذا مس الناس ضر مرض او خوف من هلاك ونحوه دعوا ربهم منيب اليه ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال. لعلمهم انه لا يكشف الضر الا الله. ثم اذا اذاقهم منه رحمة شفاهم من مرض وامنهم من خوفهم. اذا فريق منهم ينقضون تلك الانابة التي صدرت منهم. ويشركون به من لا دفع عنهم ولا ولا افقر ولا اغنى. وكل هذا كفر بما اتاهم الله ومن بهم عليه. حيث انجاهم وانقذهم من الشدة. وازال عنهم المشقة فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر والدوام على الاخلاص له في جميع الاحوال ام انزلنا عليهم سلطانا اي حجة ظاهرة فهو اي ذلك السلطان. ويقول لهم اثبتوا على شرككم مروا على شككم فانما انتم عليه هو الحق. وما دعتكم الرسل اليه باطل. فهل ذلك السلطان موجود عندهم؟ حتى يوجب لهم شدة التمسك بالشرك؟ ام البراهين العقلية والسمعية والكتب السماوية؟ والرسل الكرام وسادات الانام. قد نهوا اشد نهي عن ذلك وحذروا من سلوك طرقه الموصلة اليه. وحكموا بفساد عقلي ودين من ارتكبه. فشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان وانما هو اهواء النفوس ونزغات الشيطان يخبر تعالى عن طبيعة اكثر الناس في حال في الرخاء والشدة انهم اذا اذاقهم الله منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك. فرحوا بذلك فرح مطر لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. وان تصبهم سيئة اي حال تسوءهم. وذلك بما قدمت ايديهم من المعاصي ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة فالقنوط بعدما علم ان الخير والشر من الله والرزق سعته وضيقه من تقديره. ضائع ليس له محل. فلا تنظر ايها العاقل لمجرد الاسباب. بل اجعل نظرك لمسببها ولهذا قال فهم الذين يعتبرون بسط الله لمن شاءوا قبضة ويعرفون بذلك حكمة الله ورحمته وجوده. وجذب القلوب لسؤاله في جميع مطالب الرزق اولئك هم المفلحون. اي فاعطي القريب منك على حسب قربه وحاجته. عقه الذي اوجبه الشارع او حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والاكرام. والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته. وكذلك اتي المسكين الذي اسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من اطعامه وسقيه وكسوته وابن السبيل قريب منقطع به في غير بلده. الذي في مظنة الشدة الحاجة لانه لا مال معه. ولا كسب قد دبر نفسه به في سفره. بخلاف الذي في فانه وان لم يكن له مال ولكن لا بد في الغالب ان يكون في حرفة او صناعة ونحوها تسد حاجته. ولهذا جعل الله في الزكاة للمسكين وابن السبيل. ذلك خير للذين يريدون وجه ذلك ايتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل خير للذين يريدون بذلك العمل وجه الله. اي خير غزير وثواب كثير. لانه من افضل الاعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الاخلاص. فان لم يرد به وجه الله لم يكن خيرا للمعطي. وان كان خيرا افعل للمعطى كما قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس مفهومها ان هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي. ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما قوله واولئك هم المفلحون. واولئك الذين عملوا هذه الاعمال وغيرها لوجه الله. هم المفلحون هنا الفائزون بثواب الله. الناجون من عقابه. ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه من النفقات. ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال اي ما اعطيتم من اموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك ان يربوا اي يزيدوا في اموالكم ان تعطوها لمن تطمعون ان يعاوضكم عنها باكثر منها. فهذا العمل لا يربو اجره عند الله. لكونه معدوم الشرط الذي هو الاخلاص ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه. والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند الله هم المضعفون. وما اتيت من زكاة اي مال يطهركم من الاخلاق الرذيلة. ويطهر اموالكم من البخل بها. ويزيد في دفع حاجة المعطى. تريدون بذلك وجه الله. اي المضاعف لهم الاجر الذين تربوا نفقاتهم عند الله الله لهم حتى تكون شيئا كثيرا. ودل قوله وما اتيتم من زكاة ان الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق او مع لم يقضه. ويقدم عليه الصدقة ان ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد. ويرد تصرفه شرعا. كما قال تعالى في الذي يمدح الذي يؤتي ما له يتزكى فليس مجرد ايتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو ان يكون على وجه يتزكى به المؤتي الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ان يفعلوا من داركم سبحانه وتعالى عما يشركون. يخبر تعالى انه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم واماتتكم واحيائكم وانه ليس احد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك الله في شيء من هذه الاشياء فكيف يشركون بمن انفرد بهذه الامور من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه. فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه. وعلا عن شركهم فلا ذلك وانما وبالهم عليهم استعلن الفساد في البر والبحر اي فساد معيشهم ونقصها وحلول الافات بها وفي انفسهم من الامراض والوباء وغير ذلك وذلك بسبب ما قدمت ايديهم من الاعمال الفاسدة المفسدة بطبعها. هذه المذكورة ليذيقهم بعض الذي عملوا. اي ليعلموا انهم مجازي على الاعمال. فعجل لهم نموذجا من جزاء اعمالهم في الدنيا لعلهم يرجعون عن اعمالهم. التي اثرت لهم من الفساد ما اثرت. فتصلح احوالهم ويستقيم امرهم. فسبحان من انعم ببلائه وتفضل بعقوبته. والا فلو اذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة كيكيين والامر بالسير في الارض. يدخل فيه السير بالابدان والسير في القلوب. للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين كان اكثرهم مشركين. تجدون عاقبتهم شر العواقب. ومآلهم شر مآل. عذاب استأصلهم وذم ولعن من خلق الله يتبعهم. وخزي متواصل. فاحذروا ان تفعلوا فعالهم. يحذى بكم حذوهم. فان عدل الله وحكمته في كل زمان ومكان اي اقبل بقلبك وتوجه بوجهك واسعى ببدنك لاقامة الدين القيم المستقيم. فنفذ اوامره ونواهيه بجد واجتهاد. وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة. وبادر وحياتك وشبابك وهو يوم القيامة الذي اذا جاء لا يمكن رده ولا يرجأ العاملون ان يستأنفوا العمل. بل فرغ من الاعمال لم يبقى الا جزاء عمال اي يتفرقون عن ذلك اليوم ويصدرون اشتاتا متفاوتين ليروا اعمالهم ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات من فضله من كفر منهم فعليه كفره. ويعاقب هو بنفسه. لا تزر وازرة وزر اخرى. ومن عمل صالحا من الحقوق التي لله او التي للعباد الواجبة والمستحبة فلانفسهم لا لغيرهم يمهدون. اي يهيئون ولانفسهم يعمرون اخرتهم ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها. ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصورا على اعمالهم. بل يجزيهم الله من فضله الممدود وكرمه غير المحدود ما لا تبلغه اعمالهم. وذلك لانه احبهم واذا احب الله عبدا صب عليه الاحسان صبا واجزل له العطايا الفاخرة وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. وهذا بخلاف الكافرين فان الله لما ابغضهم ومقتهم عاقبهم وعذبهم ولم يزدهم كما زاد من قبلهم. فلهذا قال ومن اياته ان يرسل اي ومن الادلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى. وانه الاله المعبود الملك المحمود ان يرسل الرياح امام المطر مبشرات باثارتها للسحاب. ثم جمعها فتبشر بذلك النفوس قبل نزوله وليذيقكم من رحمته. فينزل عليكم من رحمته مطرا. تحيا به البلاد والعباد وتذوقون من رحمته ما تعرفون ان رحمته هي المنقذة للعباد والجالبة لارزاقهم. فتشتاقون الى الاكثار من الاعمال الصالحة. الفاتحة لخزائن الرحمة ولتجري الفلك في البحر القدري ولتبتغوا من فضله بالتصرف في معايشكم ومصالحكم. ولعلكم تشكرون. ولعلكم تشكرون سخر لكم الاسباب وسير لكم الامور. فهذا المقصود من النعم ان تقابل بشكر الله تعالى ليزيدكم الله منها. ويبقيها عليكم واما مقابلة النعم بالكفر والمعاصي فهذه حال من بدل نعمة الله كفرا ونعمته محنة وهو معرض لها زوال والانتقال منه الى غيره حقا علينا نصر المؤمنين اي ولقد ارسلنا من قبلك في الامم السابقين رسلا الى قومهم حين جحدوا الله وكذبوا بالحق فجائتهم رسلهم يدعونهم الى التوحيد والاخلاص والتصديق بالحق وبطلان ما هم عليه من الكفر والضلال بالبينات والادلة على ذلك. فلم يؤمنوا ولم يزولوا عن غيهم كان حقا علينا نصر المؤمنين فانتقمنا من الذين اجرموا ونصرنا المؤمنين اتباع الرسل كان حقا علينا نصر المؤمنين اي اوجبنا ذلك على انفسنا وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به فلابد من وقوعه فانتم ايها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم ان بقيتم على تكذيبكم حلت بكم العقوبة ونصرناه عليكم. الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسط كيف يشاء فيبسطه في السماء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله تعالى عن كمال قدرته وتمام نعمته انه يرسل الرياح فتثير سحابا من الارض. فيبسطه في السماء اي يمده ويوسعه كيف يشاء اي على اية حالة ارادها من ذلك؟ ثم يجعله اي ذلك السحاب الواسع كسفا اي سحابا ثخينا قد طبق بعضه فوق بعض. اي السحاب نقطا صغارا متفرقة تنزل جميع فتفسد ما اتت عليه فاذا اصاب به بذلك المطر من يشاء من عباده اذا هم يستبشرون. يبشر بعض بعضهم بعضا بنزوله. وذلك لشدة حاجتهم وضرورتهم اليه. ولهذا قال اي ايسين قانطين لتأخر وقت اي فلما نزل في تلك الحال صار له موقع عظيم عندهم وفرح واستبشار فاهتزت وربت وانبتت من كل زوج كريم انظروا الى اثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها ان ذلك ان ذلك الذي احيا الارض بعد موتها وعلى كل شيء قدير. فقدرته تعالى لا يتعصى عليها شيء. وان تعصى على قدر خلقه ودق عن افهامهم وحاضت فيه عقولهم يخبر تعالى عن حالة الخلق وانه مع هذه النعم عليهم باحياء الارض بعد موتها ونشر رحمة الله تعالى لو ارسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر وعلى زروعهم ريحا مضرة مثلفة او منقصة فرأوه مصفرا قد تداعى الى التلف. فينسون النعم الماضية يبادرون الى الكفر وهؤلاء لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر فانك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء. وبالاولى مدبرين. فان الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد والسماع النافع. كتوفر هذه الموانع المذكورة عن سماع الصوت الحسي لانهم لا يقبلون الابصار بسبب عماهم فليس منهم بنية له. فهؤلاء الذين ينفع فيهم اسماع الهدى. المؤمنون باياتنا بقلوبهم المنقادون لاوامرنا. المسلمون لنا. لان معهم الداعي القوي بقبول النصائح والمواعظ وهو استعدادهم للايمان بكل اية من ايات الله. واستعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من اوامر الله ونواهيه الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة يخلق ما يشاء وهو يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره. وكمال حكمته ابتدأ خلق الادميين من ضعف والاطوار الاول من خلقه من نطفة الى علقة الى مضغة الى ان صار حيوانا في الارحام الى ان ولد وهو في سن الطفولية وهو اذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال الله يزيد في قوته شيئا فشيئا. حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة ثم انتقل من هذا الطور ورجع الى الضعف والشيبة والهرم. يخلق ما يشاء يخلق ما يشاء بحسب حكمته. ومن حكمته ان يري العبد ضعفه. وان قوته محفوفة بضعفين. وانه ليس له من نفسه الا النقص. ولولا تقوية الله له لما وصل الى قوة وقدرة. ولو استمرت قوته وفي الزيادة لطغى وبغى وعتى. وليعلم العباد كمال قدرة الله التي لا تزال مستمرة. يخلق بها الاشياء ويدبر بها ولا يلحقها اعياء ولا ضعف ولا نقص. بوجه من الوجوه يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه وانه اذا قامت الساعة يقسم المجرمون بالله انهم ما لبثوا في الدنيا الا ساعة. وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر. واستقصار لمدة الدنيا ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له. قال تعالى اي ما زالوا وهم في الدنيا يؤفكون عن الحقائق ويأتفكون الكذب. ففي الدنيا كذبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون. وفي الاخرة انكروا الامر المحسود وهو اللبس الطويل في الدنيا فهذا خلقهم القبيح. والعبد يبعث على ما مات عليه والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث. وقال الذين اوتوا العلم والايمان اي من الله بهما وصارا وصفا لهم العلم بالحق. والايمان المستلزم ايثار الحق. واذا كانوا عالمين بالحق مؤثرين له. لزم ان يكون قوله مطابقا للواقع مناسبا لاحوالهم. فلهذا قالوا الحق لقد لبثتم في كتاب الله اي في قضائه وقدره الذي كتبه الله عليكم وفي حكمه الى يوم البعث اي عمرتم امرا يتذكر فيه المتذكر. ويتدبر فيه المتدبر. ويعتبر فيه المعتبر. حتى صار البعث ووصلتم الى هذه الحال فلذلك انكرتموه في الدنيا وانكرتم اقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الانابة والتوبة. فلم يزل الجهل شعاركم واثاره من التكذيب والخسار دثاركم الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون. فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم. فان كذبوا وزعموا انهم ما قامت عليهم الحجة. او ما تمكنوا من الايمان ظهر كذبهم بشهادة اهل العلم والايمان وشهادة جلودهم وايديهم وارجلهم. وان طلبوا الاعذار وانهم يردون ولا يعودون لما نهوا عنه. لم يمكنوا فانه فات وقت الاعذار. فلا تقبل معذرتهم. ولا هم يستعتبون. اي يزال عتبهم والعتاب عنهم اي ولقد ضربنا لاجل عنايتنا ولطفنا وحسن تعليمنا للناس في هذا القرآن من كل مثل. تتضح به الحقائق وتعرف به الامور وتنقطع به حجة وهذا عام في الامثال التي يضربها الله في تقريب الامور المعقولة بالمحسوسة. وفي الاخبار بما سيكون وجلاء حقيقته حتى كأنه وقع ومنه في هذا الموضع ذكر الله تعالى ما يكون يوم القيامة. وحالة المجرمين فيه وشدة اسفهم انه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب. ولكن ابى الظالمون الكافرون الا معاندة الحق الواضح. ولهذا قال ولئن جئتهم قم باية اي اية تدل على صحة ما جئت به مبطنون. اي قالوا للحق انه باطل. وهذا من كفرهم وجرائتهم. وطبع الله على قلوبهم وجهلهم المفرد ولهذا قال كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فلا يدخلها فخير ولا تدرك الاشياء على حقيقتها. بل ترى الحق باطلا والباطل حقا اصبر على ما امرت به وعلى دعوتهم الى الله. ولو رأيت منهم اعراضا فلا يصدنك ذلك. ان وعد الله حق اي لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر. فان العبد اذا علم ان عمله غير ضائع. بل سيجده كاملا. هان عليه ما يلقاه من المكاره كسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير اي قد ضعف ايمانهم وقل يقينهم. فخفت لذلك احلامهم وقل صبرهم اياك ان يستخفنك هؤلاء فانك ان لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم. والا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الاوامر والنواهي والنفس تساعدهم على هذا. وتطلب التشبه والموافقة. وهذا مما يدل على ان كل مؤمن موقن رزين العقل. يسهل عليه الصبر وكل ضعيف اليقين ضعيف العقل خفيفه. فالاول بمنزلة اللب والاخر بمنزلة القشور. فالله المستعان الف لام ميم تلك ايات الكتاب الحكيم. يشير تعالى لا اشارة دالة على التعظيم الى ايات الكتاب الحكيم. اياته محكمة صدرت من حكيم خبير. من احكامها انها جاءت باجل الالفاظ وافصحها وابينها. الدالة على اجل المعاني واحسنها. ومن احكامها انها محفوظة من التغيير والتبديل والزيادة والنقص والتحريف. ومن احكامها ان جميع ما فيها من الاخبار السابقة واللاحقة. والامور الغيبية كلها مطابقة للواقع مطابق لها الواقع لم يخالفها كتاب من الكتب الالهية ولم يخبر بخلافها نبي من الانبياء ولم يأت ولن يأتي علم مخصوص ولا معقول صحيح يناقض ما دلت عليه. ومن احكامها انها ما امرت بشيء الا وهو خالص المصلحة او راجحها. ولا عن شيء الا وهو خالص المفسدة او راجحها. وكثيرا ما يجمع بين الامر بالشيء مع ذكر حكمته فائدته. والنهي عن شيء مع ذكر ومن احكامها انها جمعت بين الترغيب والترهيب والوعظ البليغ الذي تعتدل به النفوس الخيرة وتحتكم فتعمل بالحزن ومن احكامها انك تجد اياته المتكررة كالقصص والاحكام ونحوها قد اتفقت كلها وتواطأت فليس فيها تناقض اختلاف فكلما ازداد بها البصير تدبرا واعمل فيها العقل تفكرا انبهر عقله وذهل لبه. من التوافق والتواطؤ وجزم جزما لا يمترى فيه انه تنزيل من حكيم حميد. ولكن مع انه حكيم ادعوا الى كل خلق كريم وينهى عن كل خلق لئيم. اكثر الناس محرومون الاهتداء به. معرضون عن الايمان والعمل به. الا من وفقه الله تعالى وعصمه وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون الى الخلق. فانه هدى لهم يهديهم الى الصراط المستقيم ويحذرهم من طرق الجحيم. ورحمة لهم تحصل لهم به السعادة في الدنيا والاخرة. والخير الكثير والثواب الجزيل والفرح السرور ويندفع عنهم الضلال والشقاء ثم وصف المحسنين بالعلم التام وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب الله. فيتركون معاصيه ووصفهم بالعمل وخص من العمل عملين فاضلين الصلاة المشتملة على الاخلاص ومناجاة الله تعالى والتعبد العام للقلب واللسان والجوارح المعينة على سائر الاعمال والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة. وتنفع اخاه المسلم وتسد حاجته. ويبين بها ان العبد يؤثر محبة الله على للمال فيخرجه محبوبه من المال لما هو احب اليه. وهو طلب مرضات الله فاولئك هم المحسنون الجامعون بين العلم التام والعمل على هدى اي عظيم كما يفيده التنكير. وذلك الهدى حاصل لهم وواصل اليهم من ربهم. الذي لم يزل يربيهم بالنعم عنهم النقم وهذا الهدى الذي اوصله اليهم من تربيته الخاصة باوليائه وهو افضل انواع التربية اولئك هم المفلحون. الذين ادركوا رضا ربهم وثوابه الدنيوي والاخروي. وسلموا من سخطه وعقابه. وذلك سلوكهم طريق الفلاح الذي لا طريق له غيرها. ولما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن المقبلين عليه ذكر من اعرض عنه ولم به رأسا وانه عوقب على ذلك بان تعوض عنه كل باطل من القول فترك اعلى الاقوال واحسن الحديث واستبدل به قول واقبحه. فلذلك قال اي ومن الناس من من هو محروم مخذول يشتري اي يختار ويرغب. رغبة من يبذل الثمن في الشيء لهو الحديث. اي الاحاديث الملهية للقلوب الصادق لها عن اجل مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم. وكل لغو وباطل. وهذيان من الاقوال المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان. ومن اقوال الراضين على الحق المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق. ومن غيبة ونميمة وكذب وشتم وسب ومن غناء ومزامير شيطان. ومن الماجريات الملهية التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا. فهذا الصنف من الناس يشتري لهو الحديث عنها هدي الحديث ليضل الناس بغير علم. اي بعدما ضل بفعله اضل غيره. لان الاضلال ناشئ عن الضلال. واضلاله في هذا الحديث صده عن الحديث النافع والعمل النافع والحق المبين والصراط المستقيم. ولا يتم له هذا حتى يقدح في الهدى والحق ويتخذ ايات الله هزوا ويسخر بها وبمن جاء بها. فاذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه. والقدح في الحق والاستهزاء به وباهله اضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه اليه من القول الذي لا يميزه ذلك الضال ولا يعرف حقيقته اولئك لهم عذاب مهين. بما ضلوا واضلوا واستهزأوا بايات الله. وكذبوا الحق الواقع ولهذا قال واذا تتلى عليه اياتنا ليؤمن بها وينقاد لها ولى مستكبرا اي ادبر ادبار مستكبر عنها راد لها ولم تدخل قلبه ولا اثرت فيه بل ادبر عنها بل كأن في اذنيه وقرا. اي صمما لا تصل اليه الاصوات. فهذا لا حيلة في هدايته فبشره بشارة تؤثر في قلبه الحزن والغم. وفي بشرته السوء والظلمة والغبرة. بعذاب اليم مؤلم لقلبه ولبدنه لا يقادر قدره ولا يدرى بعظيم امره. وهذه بشارة اهل الشر. فلا نعمة البشارة. واما بشارة اهل الخير فقال ان الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم جنات نعيم جمعوا بين عبادة الباطل بالايمان والظاهر بالاسلام والعمل الصالح. بشارة لهم بما قدموا مقرا لهم بما اسلفوه. خالدين فيها وعد الله حقا وهو فيها اي في جنات النعيم نعيم القلب والروح والبدن. وعد الله حقا لا يمكن ان يخلف ولا يغير ولا يتبدل وهو العزيز الحكيم. كامل العزة كامل الحكمة من عزته وحكمته. وفق من وفق وخذل من خذل بحسب ما اقتضاه علمه فيهم وحكمته وانزلنا من السماء ما انبتنا يتلو تعالى على عباده اثارا من اثار قدرته وبدائع من بدائع حكمته ونعما من اثار رحمته فقال خلق السماوات السبع على عظمها وسعتها وكثافتها وارتفاعها الهائل بغير عمد اي ليس لها عمد. ولو كان لها عمد لرؤيت. وانما استقرت واستمسكت بقدرة الله تعالى. والقى في الارض رواسي اي جبالا عظيمة ركزها في ارجائها وانحائها لان لا تميد بكم. فلولا الجبال الراسيات لمادت الارض ولما استقرت ساكنيها وبث فيها من كل دابة اي نشر في الارض الواسعة من جميع اصناف الدواب التي هي مسخرة لبني ادم ولمصالحهم ولما بثها في الارض علم تعالى انه لابد لها من رزق تعيش به. فانزل من السماء ماء مباركا كريم المنظر نافع مبارك فرتعت فيه كل الدواب المنبثة اليه كل حيوان في ضلال مبين هذا اي خلق العالم العلوي والسفلي من جماد وحيوان وسوق ارزاق الخلق اليهم خلق الله وحده لا شريك له. كل مقر بذلك حتى انتم يا معشر المشركين ساروني ماذا خلق الذين من دونه؟ اي الذين جعلتموهم له شركاء تدعونهم وتعبدونهم يلزم على هذا ان يكون لهم خلق كخلقه. ورزق كرزقه. فان كان لهم شيء من ذلك فارونيه. ليصح ما ادعيتم فيه من استحقاق العبادة ومن المعلوم انهم لا يقدرون ان يروه شيئا من الخلق لها. لان جميع المذكورات قد اقروا انها خلق الله وحده. ولا ثم شيء يعلم غيرها فثبت عجزهم عن اثبات شيء لها تستحق به ان تعبد. ولكن عبادتهم اياها عن غير علم وبصيرة. بل عن جهل وضلال. ولهذا قال بل الظالمون في ضلال مبين اي جلي واضح حيث عبدوا من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وتركوا الاخلاص للخالق الرازق المالك لكل الامور ولقد اتينا لقمان الحكمة نشكر فانما يشكر لنفسه ومن يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان بالحكمة. وهي العلم بالحق على وجهه وحكمته فهي العلم بالاحكام. ومعرفة ما فيها من الاسرار والاحكام. فقد يكون الانسان عالما ولا يكون حكيما اما الحكمة فهي مستلزمة للعلم. بل وللعمل. ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع والعمل الصالح. ولما اعطاه الله هذه المنة عظيمة امره ان يشكره على ما اعطاه. ليبارك له فيه. وليزيده من فضله. واخبره ان شكر الشاكرين يعود نفعه عليهم وان من كفر فلم يشكر الله عاد وبال ذلك عليه. والله غني عنه. حميد فيما يقدره ويقضيه على من خالف امره. فغناه من لوازم ذاته. وكونه حميدا في صفات كماله. حميدا في جميل صنعه. من لوازم ذاته. وكل واحد من الوصفين صفة كمال واجتماع احدهما الى الاخر زيادة كمال الى كمال. واختلف المفسرون هل كان لقمان نبيا او عبدا صالحا والله تعالى لم يذكر عنه الا انه اتاه الحكمة. وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه. فذكر اصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه. او قال له قولا به يعظه بالامر والنهي. المقرون بالترغيب والترهيب. فامر امره بالاخلاص ونهاه عن الشرك. وبين له السبب في ذلك فقال ووجه كونه عظيم انه لا افظع وابشع ممن سوى المخلوق من تراب بمالك الرقاب. وسوى الذي لا يملك من الامر شيئا بمن له الامر كله وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه. وسوى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم واخراهم وقلوبهم وابدانهم الا منه. ولا يصرف السوء الا هو. فهل اعظم ومن هذا الظلم شيء؟ وهل اعظم ظلما ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده؟ فذهب بنفسه الشريفة فجعلها في اخس المراتب جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا. فظلم نفسه ظلما كبيرا. ولما امر بالقيام بحقه بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد امر بالقيام بحق الوالدين فقال على وهن وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك الي المصير ووصينا الانسان اي عهدنا اليه وجعلناه وصية عنده. سنسأله عن القيام بها. وهل حفظها ام لا؟ فوصيناه لوالديه وقلنا له اشكر لي بالقيام بعبوديتي واداء حقوقي. والا تستعين بنعمي على معصيتي. ولوالديك بالاحسان اليهما بالقول اللين والكلام اللطيف والفعل الجميل والتواضع لهما واكرامهما واجلالهما والقيام بمؤنتهما واجتناب الاساءة اليهما من كل وجه. بالقول والفعل. فوصيناه بهذه الوصية. واخبرناه ان اي سترجع ايها الانسان الى من وصاك وكلفك بهذه الحقوق؟ فيسألك هل قمت بها فيثيبك الثواب الجزيل؟ ام ضيعتها فيعاقبك العقاب الوبيل. ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الام. فقال حملته امه وهنا على وهن. اي على مشقة فلا تزال تلاقي المشاق من حين يكون نطفة من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال ثم وجع ذلك الوجع الشديد. ثم فصاله في عامين وهو ملازم لحضانة امه وكفالتها ورضاعها. افما يحسن بمن تحمل على هذه الشدائد مع شدة الحب ان يؤكد على ولده ويوصي اليه بتمام الاحسان اليه وان جاهداك اي اجتهد والداك على ان تشرك بي ما ليس به علم فلا تطعهما ولا تظن ان هذا داخل في الاحسان اليهما. لان حق الله مقدم على حق كل احد. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولم يقل وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما. بل قال فلا تطعهما اي بالشرك واما برهما فاستمر عليه. ولهذا قال وصاحبهما في الدنيا معروفا. اي صحبة احسان اليهما بالمعروف. واما اتباعهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما. وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله المستسلمون لربهم المنيبون اليه واتباع سبيلهم ان يسلك مسلكهم في الانابة الى الله التي هي انجذاب دواعي القلب واراداته الى الله. ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله ويقرب منه ثم الي مرجعكم الطائع العاصي والمنيب وغيره. فلا يخفى على الله من اعمالكم العافية يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل. التي هي اصغر الاشياء واحقرها فتكن في صخرة. اي في وسطها او في السماوات او في الارض في اي جهة من جهاتهما يأتي بها الله لسعة علمه وتمام خبرته وكمال قدرته. ولهذا قال الله لطيف خبير. اي لطف في علمه وخبرته حتى اطلع على البواطن والاسرار وخفايا القفار والبحار. والمقصود من هذا الحث على مراقبة الله والعمل بطاعته مهما امكن. والترهيب من عمل القبيح قل او كثر. يا بني اقم ان الصلاة وامر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور يا بني اقم الصلاة حثه عليها وخصها لانها اكبر العبادات البدنية. وامر بالمعروف وانهى عن المنكر. وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به. والعلم بالمنكر لينهى عنه. والامر بما لا يتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا به. من الرفق والصبر وقد صرح به في قوله ومن كونه فاعلا لما يأمر به كافا لما ينهى عنه. فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر. وتكميل غيره بذلك بامره ونهيه. ولما علم انه لابد ان يبتلى اذا امر ونهى. وان في الامر والنهي مشقة على النفوس. امره بالصبر على ذلك. فقال على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور. ان ذلك الذي وعظ به لقمان ابنه من عزم الامور. اي من الامور التي يعزم عليها ويهتم بها ولا يوفق لها الا اهل العزائم. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض ولا تصعر خدك للناس اي لا تمله وتعبس في وجهك للناس تكبرا عليهم وتعاظما. ولا تمش في الارض مرحا اي بطرا. فخرا بالنعم ناسيا المنعم معجبا بنفسك. مختال في نفسه وهيئته وتعاظمه فخور بقوله واقصد في مشيك اي امشي متواضعا مستكينا لا مشي البطر والتكبر ولا مشي التماوت واغضض من صوتك ادبا مع الناس ومع الله ان انكر الاصوات اي افظعها وابشعها. فلو كان في رفع الصوت البليغ لفائدة ومصلحة لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته وبلادته. وهذه الوصايا التي وصى بها لقمان لابنه تجمع الحكم وتستلزم ما لم يذكر منها. وكل وصية يقرن بها ما يدعو الى فعلها ان كانت امرا والى تركها ان كانت نهيا. وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة انها العلم بالاحكام وحكمها ومناسباتها. فامره باصل الدين وهو التوحيد ونهاه عن الشرك وبين له الموجب لتركه وامره ببر الوالدين. وبين له السبب الموجب لبرهما. وامره بشكره وشكرهما. ثم احترز ان محل برهما وامتثال اوامرهما. ما لم يأمرا بمعصية. ومع ذلك فلا يعقهما. بل يحسن اليهما وان كان لا يطيعهما اذا جاهداه على الشرك وامره بمراقبة الله وخوفه القدوم عليه. وانه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر الا اتى به ونهاه عن التكبر وامره بالتواضع ونهاه عن البطر والاشر والمرح. وامره بالسكون في الحركات والاصوات. ونهاه عن ذلك وامره بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. واقامة الصلاة وبالصبر. الذين يسهل بهما كل امر. كما قال تعالى فحقيق بمن اوصى بهذه الوصايا ان يكون مخصوصا بالحكمة مشهورا بها. ولهذا من منة الله عليه وعلى سائر عباده ان قص عليهم من حكمته ما يكون لهم به اسوة حسنة ما في الارض واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله يمتن تعالى على عباده بنعمه ويدعوهم الى شكره ورؤيتها وعدم الغفلة عنها فقال الم تروا اي تشاهدوا وتبصروا بابصاركم وقلوبكم ان الله سخر لكم ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم كلها مسخرات لنفع العباد. وما في الارض من الحيوانات والاشجار والزروع والانهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. واسبغ عليكم اي عمكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة. التي نعلم بها والتي تخفى علينا نعم الدنيا ونعم الدين. حصول المنافع ودفع المضار فوظيفتكم ان تقوموا بشكر هذه النعم بمحبة المنعم والخضوع له. وصرفها في الاستعانة على طاعته. والا يستعان بشيء منها على معصيته. ولكن مع توالي هذه النعم من الناس من لم يشكرها بل كفرها وكفر بمن انعم بها. وجحد الحق الذي انزل به كتبه وارسل به رسله. فجعل في الله ان يجادل عن الباطل ليدحض به الحق. ويدفع به ما جاء به الرسول من الامر بعبادة الله وحده. وهذا المجادل على غير بصيرة فليس جداله عن علم فيترك وشأنه ويسمح له في الكلام ولا هدى يقتدي به بالمهتدين ولا كتاب منير غير مبين للحق فلا معقول ولا من قول ولا اقتداء بالمهتدين. وانما جداله في الله مبني على تقليد اباء غير مهتدين. بل ضالين مضئين ولهذا قال ابا انا اولو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير. واذا قيل لهم اتبعوا ما انزلتم الله على ايدي رسله فانه الحق. وبينت لهم ادلته الظاهرة قالوا معارضين ذلك. بل نتبع ما وجدنا عليه ابائنا فلا نترك ما وجدنا عليه اباءنا لقول احد كائنا من كان. قال تعالى في الرد عليهم وعلى ابائهم فاستجاب له اباؤهم ومشوا خلفه وصاروا من تلاميذ الشيطان واستولت عليهم الحيرة. فهل هذا موجب لاتباعهم لهم؟ ومشيهم على طريقتهم؟ ام ذلك يرهبهم من سلوك سبيلهم؟ وينادي على ضلال الهم والضلال من اتبعهم. وليس دعوة الشيطان لابائهم ولهم. محبة لهم ومودة. وانما ذلك عداوة لهم. ومكر بهم وبالحقيقة اتباعه من اعدائه الذين تمكن منهم وظفر بهم وقرت عينه باستحقاقهم عذاب السعير بقبول دعوته ومن يسلم وجهه الى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى عاقبة الامور. ومن يسلم وجهه الى الله ان يخضع له وينقاد له بفعل الشرائع. مخلصا له دينه وهو محسن في ذلك الاسلام بان كان عمله مشروعا قد اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم اول من يسلم وجهه الى الله بفعل جميع العبادات وهو محسن فيها بان يعبد الله كانه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. او هو من يسلم وجهه الى الله بالقيام بحقوقه وهم محسن الى عباد الله قائم بحقوقهم. والمعاني متلازمة لا فرق بين الا من جهة اختلاف مورد اللفظتين. والا فكلها متفقة على القيام بجميع شرائع الدين. على وجه تقبل به وتكمل. فمن فعل ذلك فقد استمسك بالعرة اي بالعروة التي من تمسك بها توثق ونجا وسلم من الهلاك فاز بكل خير. ومن لم يسلم وجهه لله او لم يحسن. لم يستمسك بالعروة الوثقى. واذا لم يستمسك بالعروة الوثقى. لم يكن ثم الا الهلاك والبوار. اي رجوعها وموئنها ومنتهاها. فيحكم في عباده يجازيهم بما الت اليه اعمالهم ووصلت اليه عواقبهم فليستعدوا لذلك الامر الينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ان الله عليم بذات الصدور ومن كفر فلا يحزنك كفره. لانك اديت ما عليك من الدعوة والبلاغ. فاذا لم يهتدي فقد وجب اجرك على الله. ولم يبقى للحزن في موضع على عدم اهتدائه. لانه لو كان فيه خير لهداه الله. ولا تحزن ايضا على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة ونابذوك المحاربة واستمروا على غيهم وكفرهم. ولا تتحرق عليهم بسبب انهم ما بودروا بالعذاب. فانبئهم بما عملوا فننبأهم بما عملوا من كفرهم وعداوتهم. وسعيهم في اطفاء نور الله واذى رسله التي ما نطق بها الناطقون فكيف بما ظهر وكان الشهادة ثم نضطرهم الى عذاب غليظ. نمتعهم قليلا في الدنيا ليزداد اثمهم ويتوفر عذابهم ثم نضطرهم اي نلجأهم. اي انتهى في عظمه وكبره وفظاعته والمه وشدته ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله قل الحمد لله اي ولئن سألت هؤلاء المشركين المكذبين بالحق من خلق السماوات لعلموا ان نامهم ما خلقت شيئا من ذلك. ولبادروا بقولهم الله الذي خلقهما وحده. فقل لهم ملزما لهم ومحتجا عليهم بما اقروا به. على ما انكروا قل الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون. الحمد لله الذي بين النور واظهر الاستدلال من انفسكم فلو كانوا يعلمون لجزموا ان المنفرد بالخلق والتدبير هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد. ولكن اكثر هم لا يعلمون. فلذلك اشركوا به غيرة. ورضوا بتناقض ما ذهبوا اليه على وجه الحيرة والشك. لا على وجه البصيرة ثم ذكر في هاتين الايتين النموذجا من سعة اوصافه. ليدعو عباده الى معرفته ومحبته واخلاص الدين له فذكر عموم ملكه وان جميع ما في السماوات والارض وهذا لجميع العالم العلوي والسفلي انه ملكه يتصرف فيهم باحكام الملك القدرية واحكامه الامرية واحكامه الجزائية فكلهم عبيد مماليك. مدبرون مسخرون ليس لهم من الملك شيء وانه واسع الغنى. فلا يحتاج الى ما يحتاج اليه احد من الخلق ما اريد منه من رزق وما اريد ان يطعمون. وان اعمال النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. لا تنفعوا الله شيئا وانما تنفع عامليها والله غني عنهم وعن اعمالهم. ومن غناه ان اغناهم واغناهم في دنياهم واخراهم. ثم اخبر تعالى عن سعة حمده وان حمده من لوازم ذاته. فلا يكون الا حميدا من جميع الوجوه. فهو حميد في ذاته. وهو حميد في صفاته. فكل صفة من صفاته يستحق عليها اكمل حمد واتمه. لكونها صفات عظمة وكمال وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه. وجميع ما امر به ونهى عنه يحمد عليه. وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد في الدنيا والاخرة. يحمد عليه. ثم اخبر عن سعة كلامه وعظمته قوله بشرح يبلغ من القلوب كل مبلغ وتنبهر له العقول وتحير فيه الافئدة وتسيح في معرفته اولو الالباب البصائر فقال ان الله عزيز حكيم ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام يكتب بها والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مدادا يستمد بها تكسرت تلك الاقلام ولفني ذلك المداد ولم تنفذ كلمات الله تعالى. وهذا ليس مبالغة لا حقيقة له. بل لما علم تبارك وتعالى ان العقول تتقاصر عن الاحاطة ببعض صفاته. وعلم تعالى ان معرفته لعباده افضل نعمة انعم بها عليهم. واجل من حصلوها وهي لا تمكن على وجهها. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. فنبههم تعالى تنبيها تستنير به قلوبهم وتنشرح له صدورهم. ويستدلون بما وصلوا اليه الى ما لم يصلوا اليه. ويقولون كما قال افضلهم واعلمهم بربه لا نحصي ثناء عليك. انت كما اثنيت على نفسك. والا فالامر اجل من ذلك واعظم. وهذا التمثيل من باب تقريب المعنى الذي لا يطاق الوصول اليه الى الافهام والاذهان والا فالاشجار وان تضاعفت على ما ذكر اضعافا كثيرة. والبحور لو امتدت باضعاف مضاعفة. فانه يتصور نفادها وانقضاؤها لكونها مخلوقة واما كلام الله تعالى فلا يتصور نفاده بل دلنا الدليل الشرعي والعقلي على انه لا نفاد له ولا منتهى وكل شيء ينتهي الا الباري وصفاته. وان الى ربك المنتهى. واذا تصور العقل حقيقة اوليته تعالى واخريته وانه كل ما فرضه الذهن من الازمان السابقة. مهما تسلسل الفرض والتقدير فهو تعالى قبل ذلك الى غير نهاية. وانه ما فرضه الذهن والعقل من الازمان المتأخرة. وتسلسل الفرض والتقدير وساعد على ذلك من ساعد بقلبه ولسانه. فالله تعالى بعد ذلك الى غير غاية ولا نهاية. والله في جميع الاوقات يحكم ويتكلم ويقول ويفعل كيف اراد. واذا اراد لا مانع له من شيء من اقواله وافعاله فاذا تصور العقل ذلك عرف ان المثل الذي ضربه الله لكلامه ليدرك العباد شيئا منه والا فالامر اعظم واجل. ثم ذكر جلالة عزته وكمال حكمته. فقال اله العزة جميعا. الذي ما في العالم العلوي والسفلي من القوة الا منه. اعطاها للخلق. فلا حول ولا قوة الا به. وبعزته الخلق كلهم وتصرف فيهم ودبرهم. وبحكمته خلق الخلق وابتدأهم بالحكمة. وجعل غايته والمقصود منه الحكمة. وكذلك الامر والنهي وجد بالحكمة وكانت غايته المقصودة الحكمة. فهو الحكيم في خلقه وامره. ثم ذكر عظمة قدرته وكمالها وانه لا يمكن ان يتصورها العقل فقال ان الله سميع بصير وهذا شيء يحير العقول. ان خلق جميع الخلق على وبعثهم بعد موتهم بعد تفرقهم في لمحة واحدة كخلقه نفسا واحدة. فلا وجه لاستبعاد البعث والنشور والجزاء على الاعمال الا الجهل بعظمة الله وقوة قدرته. ثم ذكر عموم سمعه لجميع المسموعات. وبصره لجميع المبصرات. فقال ان الله سميع بصير الم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولد اه وان الله بما تعملون خبير. وهذا فيه ايضا انفراده بالتصرف والتدبير. وسعة بايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل. اي ادخال احدهما على الاخر. فاذا دخل احدهما ذهب الاخر. وتسخير كهول الشمس والقمر يجريان بتدبير ونظام لم يختلن منذ خلقهما ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم في دينهم ودنياهم ما به يعتبرون وينتفعون. وكل منهما يجري الى اجل مسمى. اذا جاء ذلك الاجل انقطع جريانهما وتعطل سلطانهما وذلك في يوم القيامة. حين تكور الشمس ويخسف القمر وتنتهي دار الدنيا وتبتدأ الدار الاخرة ان الله بما تعملون خبير. وان الله بما تعملون من خير وشر خبير لا يخفى عليه شيء من ذلك اجازيكم على تلك الاعمال بالثواب للمطيعين والعقاب للعاصين انما يدعون من دونه الباطل وان الله هو العلي الكبير. وذلك الذي بين لكم من عظمته وصفاته ما بين بان الله هو الحق في ذاته وفي صفاته. ودينه حق ورسله حق ووعده حق عيده حق وعبادته هي الحق وان ما يدعون من دونه الباطل في ذاته وصفاته. فلولا ايجاد الله له لما وجد. ولولا امداده لما بقي. فاذا كان باطلا كانت عبادته ابطل وابطل. وان الله هو العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته الذي علت صفاته ان يقاس بها صفات احد من الخلق وعلى على الخلق فقهرهم. الكبير الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته. وله الكبرياء في قلوب اهل السماء والارض ان الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من اياته ان في ذلك لايات لكل اي المتر من اثار قدرته ورحمته وعنايته بعباده ان سخر البحر تجري فيه الفلك بامره القدري ولطفه واحسانه ليريكم من اياته. ففيها الانتفاع والاعتبار فهم المنتفعون بالايات صبار على الضراء شكور على السراء صبار على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقداره شكور لله على نعمه الدينية والدنيوية وذكرت تعالى حال الناس عند ركوبهم البحر. وغشيان الامواج كالظل فوقهم. انهم يخلصون الدعاء لله والعبادة فلما نجاهم الى البر انقسموا فريقين فرقة مقتصدة اي لم تقم الله على وجه الكمال بل هم مذنبون ظالمون لانفسهم. وفرقة كافرة بنعمة الله جاحدة لها. ولهذا قال وما يجحد باياتنا الا كل ختار اي غدار ومن غدر انه عاهد ربه. لان انجيتنا من البحر وشدته لنكونن من الشاكرين. فغدر ولم يفي بذلك. كفور بنعم الله هل يليق بمن نجاهم الله من هذه الشدة؟ الا القيام التام بشكر نعم الله لكم اخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا اه يأمر تعالى الناس بتقواه التي هي امتثال اوامره وترك زواجره ويستلفتهم لخشية يوم القيامة. اليوم الشديد الذي فيه كل احد لا يهمه الا نفسه. فلا يجزي والد عن ولده ولا هو جاز عن والده شيئا. لا يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته. قد تم على كل عبد عمله وتحقق عليه جزاءه فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل. مما يقوي العبد ويسهل عليه تقوى الله. وهذا من رحمة الله بالعباد. يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم. ويعدهم عليها الثواب ويحذرهم من العقاب. ويزعجهم اليه بالمواعظ والمخوفات. فلك الحمد يا رب العالمين المين ان وعد الله حق فلا تنتروا فيه. ولا تعملوا عمل غير المصدق. فلهذا قال الدنيا بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن الذي هو الشيطان الذي ما زال يخدع الانسان ولا يغفل عنه في جميع الاوقات. فان لله على عباده وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه باعمالهم. وهل وفوا حقه ام قصروا فيه؟ وهذا امر يجب الاهتمام به. وان يجعله العبد نصب عينيه ورأس مال تجارته التي يسعى اليه. ومن اعظم العوائق عنه والقواطع دونه. الدنيا الفتانة والشيطان موسوس المسول فنهى تعالى عباده ان تغرهم الدنيا. او يغرهم بالله الغرور. يعدهم ويمنيهم. وما يعدهم الشيطان الا غرورا وما تدرين نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس قد تقرر ان الله تعالى احاط علمه بالغيب والشهادة والظواهر والبواطن. وقد يطلع الله عباده على كثير من الامور الغيبية وهذه الامور الخمسة من الامور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات فلا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب فضلا عن غيرهما فقال ان الله عنده علم الساعة اي يعلم متى مرساها كما قال تعالى يسألونك عن الساعة ايان مرساها قل ان ما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو. ثقلت في السماوات والارض لا تأتيكم الا بغتة. وينزل الغيث اي هو بانزاله وعلم وقت نزوله. فهو الذي انشأ ما فيها انما هو هل هو ذكر ام انثى؟ ولهذا يسأل الملك الموكل بالارحام ربه هل هو ذكر ام انثى؟ فيقضي الله ما يشاء وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض وما تدري نفس ماذا تكسب غدا من كسب دينها ودنياها وما تدري نفس باي ارض تموت بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه. ولما خصص هذه الاشياء عمم علمه بجميع الاشياء فقال محيط بالظواهر والبواطن والخفايا والخبايا والسرائر. ومن حكمته التامة من اخفى علم هذه الخمسة عن العباد لان في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل الكتاب لا ريب يخبر تعالى ان هذا الكتاب الكريم انه تنزيل نزل من رب العالمين الذي رباهم بنعمة ومن اعظم ما رباهم به هذا الكتاب الذي فيه كل ما يصلح احوالهم ويتمم اخلاقهم. وانه لا ريب فيه ولا شك ولا بل هو ومع ذلك قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك افتراه محمد اختلقه من عند نفسه. وهذا من اكبر الجراءة على انكار كلام الله. رمي محمد صلى الله عليه وسلم باعظم الكذب. وقدرة الخلق كلام مثل كلام الخالق. وكل واحد من هذه الامور العظائم قال الله رادا على من قال افتراه بل هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. من ربك انزله رحمة للعباد اي هم في حال ضرورة وفاقة لارسال الرسول وانزال الكتاب لعدم النذير. بل هم في جهلهم يعمهون. وفي ظلمة ضلالهم يترددون. فانزلنا عليك الكتاب لعلهم يهتدون من ضلالهم فيعرفون الحق فيؤثرونه. وهذه الاشياء التي ذكرها الله كلها مناقضة لتكليف بهم له وانها تقتضي منهم الايمان والتصديق التام به. وهو كونه من رب العالمين وانه الحق. والحق مقبول على كل حال وانه لا ريب فيه بوجه من الوجوه. فليس فيه ما يوجب الريبة لا بخبر لا يطابق للواقع. ولا بخفاء واشتباه معانيه. وانه في ضرورة وحاجة الى الرسالة وان فيه الهداية لكل خير واحسان. الله الذي خلق السماوات والارض ما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي يخبر تعالى عن كمال قدرته بخلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام اولها يوم الاحد واخرها الجمعة مع قدرته على خلقها بلحظة. ولكنه تعالى رفيق حكيم. ثم وعلى العرش الذي هو سقف المخلوقات استواء يليق بجلاله ما لكم من دونه من ولي يتولاكم في اموركم فينفعكم ولا شفيع يشفع لكم توجه عليكم العقاب. فتعلمون ان خالق الارض والسماوات المستوية على العرش العظيم الذي انفرد بتدبيركم وتوليكم وله الشفاعة كلها هو المستحق لجميع انواع العبادة آآ يدبر الامر القدري والامر الشرعي. الجميع هو المنفرد بتدبيره. نازلة تلك التدابير من عند المليك من السماء الى الارض فيسعد بها ويشقي ويغني ويفقر ويعز ويذل ويكرم ويهين ويرفع اقواما ويضع اخرين وينزلوا الارزاق ثم يعرج اليه اي الامر ينزل من عنده ويعرج اليه وهو يعرج اليه ويصله في لحظة. ذلك عالم الغيب ذلك الذي خلق تلك المخلوقات العظيمة الذي استوى على العرش العظيم وانفرد بالتدابير في المملكة عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم. فبسعة علمه وكمال عزته وعموم رحمته اوجدها. واودع فيها من المنافع ما اودع ولم يعسر عليه تدبيرها اي كل مخلوق خلقه الله فان الله احسن خلقه. وخلقه خلقا يليق به ويوافقه فهذا عام ثم خص الادمي لشرفه وفضله فقال وذلك بخلق ادم عليه السلام ابي البشر ثم جعل نسله اي ذرية ادم ناشئة من ماء مهين وهو النطفة المستقذرة الضعيفة ثم سواه بلحمه واعضائه واعصابه وعروقه. واحسن خلقته ووضع كل عضو منه بالمحل الذي لا يليق به غيره ونفخ فيه من روحه بان ارسل اليه الملك فينفخ فيه الروح فيعود باذن الله حيوانا بعد اذ كان جمادا وجعل لكم السمع والابصار. اي ما زال يعطيكم من المنافع شيئا فشيئا. حتى اعطاكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون الذي خلقكم وصوركم اي قال المكذب بالبعث على وجه الاستبعاد. فاذا ضللنا في الارض اي بلينا وتمزقنا وتفرقنا في المواضع التي لا تعلم كان في خلق جديد. اين مبعوثون بعثا جديدا؟ بزعمهم ان هذا من ابعد الاشياء. وذلك لقياسهم قدرة الخالق بقدرهم وكلامهم هذا ليس لطلب الحقيقة. وانما هو ظلم وعناد وكفر بلقاء ربهم وجحد. ولهذا قال بل هم بلقاء ربهم كافرون. فكلامهم علم مصدره وغايته. والا فلو كان قصدهم بيان الحق لبين لهم من الادلة القاطعة على ذلك. ما يجعله مشاهدا للبصيرة بمنزلة الشمس للبصر. ويكفيهم انهم معهم علم انهم قد ابتدوا من العدم فالاعادة اسهل من الابتداء. وكذلك الارض الميتة ينزل الله عليها المطر. فتحيا بعد موتها وينبت به فرقوا بذورها اي جعله الله وكيلا على قبض الارواح وله اعوان. فيجازيكم باعمال وقد انكرتم البعث فانظروا ماذا يفعل الله بكم لما ذكر تعالى رجوعهم اليه يوم القيامة. ذكر حالهم في مقامهم بين يديه. فقال ولو ترى اذ المجرمون الذين اصروا على الذنوب العظيمة. ناكسوا رؤوسهم عند ربهم خاشعين خاضعين اذلاء مقرين بجرمهم. سائلين الرجعة قائلين ربنا ابصرنا وسمعنا اي بان لنا الامر ورأيناه عيانا فصار عين يقين صار عندنا الان يقين بما كنا نكذب به. اي لرأيت امرا فظيعا وحالا مزعجة واقواما خاسرين. وسؤلا غير مجاب لانه قد مضى وقت الامهال. وكل هذا بقضاء الله وقدره. حيث خلى بينهم وبين الكفر والمعاصي. فلهذا قال ولو اي لهدينا الناس كلهم وجمعناهم على الهدى. فمشيئتنا صالحة لذلك ولكن الحكمة تأبى ان يكونوا كلهم على الهدى. ولهذا قال انما من الجنة والناس اجمعين. ولكن حق القول مني اي وجب وثبت ثبوتا لا تغير فيه فهذا الوعد لا بد منه ولا محيد عنه فلا بد من اسبابه من الكفر والمعاصي انسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون. اي يقال للمجرمين الذين ملكهم الذل وسألوا الرجعة الى الدنيا ليستدركوا ما فاتهم. قد فات وقت الرجوع ولم يبق الا العذاب. فذوقوا العذاب الاليم بما نسيتم لقاء يومكم هذا وهذا النسيان نسيان ترك. اي بما اعرظتم عنه وتركتم العمل له. وكأنكم غير قادمين عليه ولا ملاقيه انا نسيناكم اي تركناكم بالعذاب جزاء من جنس عملكم. فكما نسيتم نسيتم وذوقوا عذاب الخلد اي العذاب غير المنقطع. فان العذاب اذا كان له اجل وغاية كان فيه بعض التنفيس والتخفيف. واما عذاب جهنم اعاذنا الله منها. فليس فيه روح راحة ولا انقطاع لعذابهم فيها من الكفر والفسوق والمعاصي لما ذكر تعالى الكافرين باياته وما اعد لهم من العذاب. ذكر المؤمنين بها وصفهم وما اعد لهم من الثواب. فقال انما يؤمن باياتنا اي ايمانا حقيقيا. من يوجد منه شواهد الايمان وهم الذين اذا ذكروا بايات ربهم فتليت عليهم ايات القرآن واتتهم النصائح على ايدي رسل الله وادعوا الى التذكر سمعوا فقبلوها وانقادوا وخروا سجدا. اي خاضعين لها خضوع ذكر لله وفرح بمعرفته لا بقلوبهم ولا فيمتنعون من الانقياد لها بل متواضعون لها. وقد تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالانشراح والتسليم. وتوصلوا بها الى مرضات الرب الرحيم. واهتدوا بها الى الصراط المستقيم تتجافى جنوبهم عن المضاجع اي ترتفع جنوبهم وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة الى ما هو الذ عندهم منه واحب اليهم. وهو الصلاة في الليل ومناجاة الله تعالى ولهذا قال يدعون ربهم اي في جلب المصالح الدينية والدنيوية ودفع مضارهما خوفا وطمعا اي جامعين بين الوصفين خوفا ان ترد اعمالهم وطمعا في قبولها خوفا من عذاب الله وطمعا في ثوابه رزقناهم ينفقون. ومما رزقناهم من الرزق قليلا كان او كثيرا ينفقون. ولم يذكر قيد النفق ولا المنفق عليه ليدل على العموم فانه يدخل فيه النفقة الواجبة كالزكوات والكفارات ونفقة الزوجات والاقارب نفقة مستحبة في وجوه الخير والنفقة والاحسان المالي خير مطلقا. سواء وافق غنيا او فقيرا قريبا او بعيدا ولكن الاجر يتفاوت بتفاوت النفع. فهذا عملهم. واما جزاؤهم فقال بما كانوا فلا تعلم نفس يدخل فيه جميع نفوس الخلق. لكونها نكرة في سياق النفي. اي فلا يعلم احد ما اخفي له فهم من قرة اعين من الخير الكثير والنعيم الغزير والفرح والسرور واللذة والحبور. كما قال تعالى على لسان رسوله اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فكما صلوا في الليل ودعوا واخفوا العمل جزاهم من جنس عملهم فاخفى اجرهم. ولهذا قال بما كانوا ينبه تعالى العقول على ما تقرر فيها. من عدم تساوي المتفاوتين المتباينين. وان حكمته تقتضي عدم تساويهما. فقال افمن كان مؤمنا قد عمر قلبه بالايمان وانقادت جوارحه لشرائعه واقتضى ايمانه اثاره وموجباته من ترك مساخيط الله التي يضر وجودها بالايمان كمن كان فاسقا قد خرب قلبه وتعطل من الايمان. فلم يكن فيه وازع ديني اسرعت جوارحه بموجبات الجهل والظلم من كل اثم ومعصية. وخرج بفسقه عن طاعة الله. افيستوي هذان الشخصان لا يستوون عقلا وشرعا كما لا يستوي الليل والنهار والضياء والظلمة وكذلك لا يستوي ثوابه هما في الاخرة اما الذين امنوا وعملوا الصالحات من فروض ونوافل فلهم جنات المأوى اي الجنات التي هي مأوى اللذات ومعدن الخيرات ومحل الافراح ونعيم القلوب والنفوس والارواح ومحل الخلود. وجوار الملك المعبود والتمتع بقربه. والنظر الى وجهه وسماع خطابه نزولا لهم اي ضيافة وقرى. فاعمالهم التي تفضل الله بها عليهم هي التي اوصلتهم لتلك المنازل الغالية العالية. التي لا يمكن التوصل اليها ببذل الاموال. ولا بالجنود والخدم. ولا بالاولاد. بل ولا بالنفوس والارواح ولا يتقرب اليها بشيء اصلا سوى الايمان والعمل الصالح واما الذين فسقوا فمأواهم النار. اي مقرهم ومحل خلودهم. النار التي جمعت كل عذاب وشقاء. ولا يفتر عنهم العقاب ساعة فكلما حدثتهم ارادتهم بالخروج لبلوغ العذاب منهم كل مبلغ ردوا اليها. فذهب عنهم ذلك الفرج واشتد عليهم الكرب. وقيل لهم ذوقوا عذابا فهذا عذاب النار. الذي يكون فيه مقرهم ومأواهم. واما العذاب الذي قبل ذلك ومقدمة له. وهو عذاب البرزخ فقد ذكره بقوله هم يرجعون ايوه لنذيقن الفاسقين المكذبين نموذجا من العذاب الادنى. وهو عذاب البرزخ. فنذيقهم طرفا منه قبل ان يموتوا اما بعذاب بالقتل ونحوه. كما جرى لاهل بدر من المشركين. واما عند الموت كما في قوله تعالى الظالمون في غمرات الموت. والملائكة باسطوا ايديهم. اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون. ثم يكمل لهم العذاب الادنى في برزخهم. وهذه الاية من الادلة على اثبات عذاب القبر. ودلالتها ظاهرة فانه قال ولنذيقنهم من العذاب الادنى اي بعض وجزء منه. فدل على ان ثم عذابا ادنى قبل العذاب الاكبر. وهو عذاب النار. ولما كانت الاذاقة من من العذاب الادنى في الدنيا قد لا يتصل بها الموت فاخبر تعالى انه يذيقهم ذلك لعلهم يرجعون اليه ويتوبون من ذنوبهم كما قال تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون من ذكر بايات ربه ثم اعرض عنها ان من المجرمين منتقمون اي لا احد اظلم وازيد تعديا ممن ذكر بايات ربه. التي اوصلها اليه ربه الذي يريد تربيته. وتكميل نعمته عليه على يد رسله تأمره وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية. وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية. التي تقتضي ان يقابلها بالايمان والتسليم والانقياد والشكر فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي. فلم يؤمن بها ولا اتبعها بل اعرض عنها وتركها وراء ظهره. فهذا من اكبر المجرمين الذين يستحقون شديد النقمة. ولهذا قال ولقد اتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقاءه وجعلناه هدى لبني لما ذكر تعالى اياته التي ذكر بها عباده وهو القرآن الذي انزله على محمد صلى الله عليه وسلم ذكر انه ليس ببدع من الكتب. ولا من جاء به بغريب من الرسل. فقد اتى الله موسى الكتاب الذي هو التوراة المصدقة للقرآن التي قد صدقها القرآن فتطابق حقهما وثبت برهانهما. فلا تكن في مرية من لقائه. لانه قد تواردت ادلة الحق وبيناته فلم يبق للشك والمرية محل. وجعلناه الكتاب الذي اتينا موسى هدى لبني اسرائيل يهتدون به في اصول دينهم وفروعه وشرائعه موافقة لذلك الزمان في بني واما هذا القرآن الكريم فجعله الله هداية للناس كلهم لانه هداية للخلق في امر دينهم ودنياهم الى يوم القيامة وذلك لكماله وعلوه. وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم. وجعلنا منهم ائمتين وجعلنا منهم اي من بني اسرائيل ائمة يهدون بامرنا اي علماء بالشرع وطرق الهداية. مهتدين في انفسهم يهدون غيرهم بذلك الهدى. فالكتاب الذي انزل اليهم هدى والمؤمنون به منهم على قسمين. ائمة يهدون بامر الله واتباع مهتدون بهم. والقسم الاول ارفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة وهي درجة الصديقين وانما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم والدعوة اخوتي الى الله والاذى في سبيله. وكفوا انفسهم عن جماحها في المعاصي. واسترسالها في الشهوات اي وصلوا في الايمان بايات الله الى درجة اليقين. وهو العلم التام الموجب للعمل. وانما وصلوا الى درجة اليقين لانهم تعلموا تعلما صحيحا. واخذوا المسائل عن ادلتها المفيدة لليقين. فما زالوا يتعلمون المسائل ويستدلون عليها بكثرة الدلائل حتى وصلوا لذاك فبالصبر واليقين تنال الامامة في الدين. وثم مسائل اختلف فيها بنو اسرائيل منهم من خاب فيها الحق ومنهم من اخطأه خطأ او عمدا والله تعالى يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. وهذا القرآن يقص على بني اسرائيل بعض الذي يختلفون فيه فكل خلاف وقع بينهم ووجد في القرآن تصديق لاحد القولين فهو الحق وما عداه مما خالفه باطل اولم يهد لهم كم اهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ايات افلا يسمعون. يعني اولم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول؟ ويهديهم الى الصواب؟ كم اهلكنا من قبلهم من قرون الذين سلكوا مسلكهم يمشون في مساكنهم فيشاهدونها عيانا كقوم هود وصالح وقوم لوط ايات افلا يسمعون. ان في ذلك لايات يستدل بها على صدق الرسل التي جاءتهم. وبطلان ما هم عليه من الشرك والشر وعلى ان من فعل مثل فعلهم فعل بهم كما فعل باشيعه من قبل. وعلى ان الله تعالى مجازي العباد وباعثهم للحشر افلا يسمعون ايات الله فيعونها فينتفعون بها؟ فلو كان لهم سمع صحيح وعقل لم يقيموا على حالة يجزم بها بالهلاك او لم يروا بابصارهم نعمتنا كمال حكمتنا انا نسوق الماء الى الارض الجرز التي لا نبات فيها. فيسوق الله المطر الذي لم يكن قبله موجودا فيها فيفرغه فيها من السحاب او من الانهار فنخرج به زرعا اي نباتا مختلف الانواع انفسهم افلا يبصرون. تأكل منه انعامهم وهو نبات البهائم. وانفسهم وهو طعام الادميين افلا يبصرون؟ افلا يبصرون تلك المنة التي احيا الله بها البلاد والعباد؟ فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر وتلك البصيرة الى الصراط المستقيم. ولكن غلب عليهم العمى واستولت عليهم الغفلة. فلم يبصروا في ذلك بصر الرجال وانما نظروا الى ذلك نظر الغفلة ومجرد العادة. فلم يوفقوا للخير ان يستعجل المجرمون بالعذاب الذي وعدوا به على التكذيب. جهلا منهم ومعاندة. ويقولون متى هذا الفتح الذي الذي يفتح بيننا وبينكم بتعذيبنا على زعمكم. ان كنتم ايها الرسل صادقين في دعواكم الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون. قل يوم الفتح الذي يحصل به عقابكم. لا تستفيدوا به شيئا فلو كان اذا حصل حصل امهالكم لتستدركوا ما فاتكم حين صار الامر عندكم يقينا لكان لذلك وجه ولكن اذا جاء يوم الفتح انقضى الامر ولم يبق للمحنة محل فلا ينفع الذين كفروا ايمانهم لانه صار ايمان ضرورة ايمهلون فيؤخر عنهم العذاب فيستدركون امرهم فاعرض عنهم لما وصل خطابهم الى حالة الجهل استعجال العذاب وانتظر الامر الذي يحل بهم فانه لا بد منه. ولكن له اجل. اذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر انهم منتظرون بك ريب المنون. ومتربصون بكم دوائر السوء. والعاقبة للتقوى بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ان الله كان عليما حكيما. اي يا ايها الذي من الله عليه بالنبوة واختصه بوحيه. وفضله على سائر الخلق اذكر نعمة ربك عليك باستعمال تقواه. التي انت اولى بها من غيرك. والذي يجب عليك منها اعظم من سواك. فامتثل اوامره ونواهيه بلغ رسالاته وادي الى عباده وحيه. وابذل النصيحة للخلق. ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد. ولا يردك عنه راد. فلا تطع كل كافر قد اظهر العداوة لله ورسوله. ولا منافق قد استبطن التكذيب والكفر. واظهر ضده. فهؤلاء هم الاعداء على حقيقة فلا تطعهم في بعض الامور التي تنقض التقوى وتناقضها. ولا تتبع اهواءهم. يضلوك عن الصواب ولكن اتبع ما يوحى اليك من ربك فانه هو الهدى والرحمة وارجو بذلك ثواب ربك. فانه بما تعملون خبير. يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم من الخير والشر وكفى بالله وكيلا. فان وقع في قلبك انك ان لم تطعهم في اهوائهم المضلة حصل عليك منهم ضرر او حصل نقص في هداية الخلق فادفع ذلك عن نفسك. واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره. وهو التوكل على الله بان تعتمد على ربك اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. في سلامتك من شرهم وفي اقامة الدين الذي امرت به انتبه وثق بالله في حصول ذلك الامر على اي حال كان. توكل اليه الامور فيقوم بها ما هو اصلح للعبد؟ وذلك لعلمه بمصالح عبده. من حيث لا يعلم العبد وقدرته على ايصالها اليه. من حيث لا يقدر عليها العبد انه ارحم بعبده من نفسه ومن والديه وارأف به من كل احد. خصوصا خواص عبيده. الذين لم يزل يربيهم ببره. ويدر عليهم حركاتهم ظاهرة والباطنة خصوصا وقد امره بالقاء اموره اليه ووعده. فهناك لا تسأل عن كل امر يتيسر. وصعب يسهل رطوب تهون وكروب تزول واحوال وحوائج تقضى وبركات تنزل ونقم تدفع وشرور ترفع. وهناك ترى الضعيف الذي فوض امره لسيده قد قام بامور لا يقوم بها امة من الناس. وقد سهل الله عليه ما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان وما جعل ادعياءكم ابناء جاءكم ذلكم قولكم بافواهكم والله يقول الحق. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل قيل يعاتب تعالى عباده عن التكلم بما لا حقيقة له من الاقوال. ولم يجعله الله تعالى كما قالوا. فان ذلك القول منكم كذب وزور يترتب عليه منكرات من الشرع. وهذه قاعدة عامة في التكلم في كل شيء. والاخبار بوقوع ووجود ما لم يجعله الله تعالى ولكن خص هذه الاشياء المذكورة لوقوعها وشدة الحاجة الى بيانها. فقال ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه هذا لا لا يوجد فاياكم ان تقولوا عن احد ان له قلبين في جوفه فتكون كاذبين على الخلقة الالهية وما جعل ازواجكم اللائي تظاهرون منهن بان يقول احدكم لزوجته انت علي كظهر امي او كامي. فما جعلهن الله امهاتكم. امك من ولدتك وصارت اعظم الناس عليك حرمة وتحريما. وزوجتك احل النساء لك. فكيف تشبه احد المتناقضين بالاخر؟ هذا امر لا يجوز. كما قال تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن امهاتهم. ان امهاتهم الا اللائي ولدنهم. وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا وما جعل ادعيائكم ابناءكم والادعياء الولد الذي كان الرجل يدعيه وهو ليس له او يدعى اليه بسبب تبنيه كما كان الامر بالجاهلية واول الاسلام. فاراد الله تعالى ان يبطله ويزيله. فقدم بين يدي ذلك بيان قبحه وانه باطل وكذب وكل باطل وكذب. لا يوجد في شرع الله ولا يتصف به عباد الله. يقول تعالى فالله لم يجعل الادعياء الذين تدعونهم او يدعون اليكم ابناءكم فان ابنائكم في الحقيقة من ولدتموهم وكانوا منكم. واما هؤلاء الادعياء من غيركم جعل الله هذا كهذا. ذلكم القول الذي تقولون في الدعي انه ابن فلان الذي ادعاه او والده فلان. قولكم بافواهكم اي قول لا حقيقة له ولا معنى له. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والله يقول الحق اي اليقين والصدق. فلذلك امركم باتباعه على قوله وشرعه. فقوله حق وشرعه حق والاقوال والافعال الباطلة لا تنسب اليه بوجه من الوجوه وليست من هدايته لانه لا يهدي الا الى السبيل المستقيمة والطرق الصادقة. وان كان ذلك واقعا بمشيئته مشيئته عامة لكل ما وجد من خير وشر. ثم صرح لهم بترك الحالة الاولى المتضمنة للقول الباطل. فقال فان لم تعلموا وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن وكان الله غفورا رحيما. ادعوهم اي الادعياء لابائهم هم الذين ولدوهم هو اقسط عند الله اي اعدل واقوم واهدى. فان لم تعلموا اباءهم الحقيقيين فاخوانكم في الدين ومواليد اي اخوتكم في دين الله ومواليكم في ذلك. فادعوهم بالاخوة الايمانية الصادقة والموالاة على ذلك. فترك الدعوة الى من تبناه حتم لا يجوز فعلها. واما دعاؤهم لابائهم فان علموا دعوا اليهم. وان لم يعلموا اقتصر على ما يعلم منهم. وهو قوة الدين والموالاة فلا تظن ان حالة عدم علمكم بابائهم عذر في دعوتهم الى من تبناهم. لان المحظور لا يزول بذلك وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن عليكم جناح فيما اخطأتم به. بان سبق على لسان احدكم دعوته الى من تبناه. فهذا غير مؤاخذ به. او علم ابوه ظاهرا دعوتموهم اليه وهو في الباطن غير ابيه. فليس عليكم في ذلك حرج اذا كان خطأ. ولكن يؤاخذكم بما تعمدت قلوبكم من الكلام بما لا يجوز؟ غفر لكم ورحمكم حيث لم يعاقبكم بما سلف وسمح لكم بما اخطأتم ورحمكم حيث بين لكم احكامه التي تصلح دينكم ودنياكم. فله الحمد تعالى معروفا كان ذلك في الكتاب مستورا. يخبر تعالى المؤمنين خبرا يعرفون به حالة الرسول صلى الله عليه وسلم ومرتبته. فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة. فقال النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم. اقرب ما للانسان واولى ما له نفسه فالرسول اولى به من نفسه. لانه عليه الصلاة والسلام بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة ما كان به ارحم الخلق القي وارأفهم. فرسول الله اعظم الخلق منة عليهم من كل احد. فانه لم يصل اليه مثقال ذرة من الخير. ولا اندفع عنه مثقال ذرة من الشر الا على يديه وبسببه. فلذلك وجب عليه انه اذا تعارض مراد النفس او مراد احد من الناس مع مراد الرسول الله عليه وسلم ان يقدم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم والا يعارض قول الرسول بقول احد كائنا من كان وان يفدوه انفسهم واموالهم واولادهم ويقدموا محبته على محبة الخلق كلهم. والا يقولوا حتى يقول ولا يتقدموا بين يديه. وهو صلى الله عليه وسلم اب للمؤمنين. كما في قراءة بعض الصحابة يربيهم كما يربي الوالد اولاده. فترتب على هذه الابوة ان كان نساؤه امهاتهم اي في الحرمة والاحترام والاكرام. لا في الخلوة والمحرمية. وكأن هذا مقدمة لما سيأتي في قصة زيد ابن حارثة الذي كان قبل يدعى زيد ابن محمد حتى انزل الله ما كان محمد ابا احد من رجالكم فقطع نسبه وانتسابه منه فاخبر في هذه الاية ان المؤمنين كلهم اولاد للرسول صلى الله عليه وسلم فلا مزية لاحد عن احد وان انقطع عن احدهما انتساب الدعوة فان نسب الايمانية لم ينقطع عنه فلا يحزن ولا يأسف. وترتب على ان زوجات الرسول امهات المؤمنين انهن لا قلنا لاحد من بعده كما صرح الله بذلك. ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا واولو الارحام اي الاقارب قربوا او بعدوا. بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. اي في حكمه فيرث بعضهم بعضا ويبر بعضهم بعضا. فهم اولى من الحلف والنصرة. والادعياء الذين كانوا من قبل يرثون بهذه الاسباب دون ذوي الارحام فقطع تعالى التوارث بذلك. وجعله للاقارب لطفا منه وحكمة. فان الامر لو استمر على العادة السابقة لحصل من الفساد والشر والتحيل لحرمان الاقارب من الميراث شيء كثير. من المؤمنين والمهاجرين اي سواء كان الاقارب مؤمنين مهاجرين خير مهاجرين فان ذوي الارحام مقدمون في ذلك. وهذه الاية حجة على ولاية ذوي الارحام في جميع الولايات. كولايات النكاح والمال وغير ذلك اي ليس لهم حق مفروض وانما هو بارادتكم ان شئتم ان تتبرعوا لهم تبرعا وتعطوهم معروفا منكم كان ذلك الحكم المذكور في الكتاب مستورا. اي قد سطر وكتب. وقدره الله فلا بد من نفوذه يخبر تعالى انه اخذ من النبيين عموما. ومن اولي العزم وهم هؤلاء الخمسة المذكورون خصوصا. ميثاقهم الغليظ وعهدهم الثقيل المؤكد للقيام بدين الله والجهاد في سبيله. وان هذا سبيل قد مشى الانبياء المتقدمون. حتى ختموا بسيدهم وافضلهم. محمد صلى الله عليه وسلم وامر الناس بالاقتداء بهم. وسيسأل الله الانبياء واتباعهم عن هذا العهد الغليظ. هل وفوا فيه وصدقوا؟ فيثيبهم جنات النعيم ام كفروا فيعذبهم العذاب الاليم. قال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. يا ايها الذين الله عليكم جنود فارسلنا عليهم ريحا فارسلنا عليهم ريحا وجلودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا. اذ جاء ساغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. يذكر تعالى عباده المؤمنين نعمة عليهم ويحثهم على شكرها حين جاءتهم جنود اهل مكة والحجاز من فوقهم واهل نجد من اسفل منهم وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة وذلك في وقعة الخندق وماءتهم طوائف اليهود الذين حوالي المدينة فجاءوا بجنود عظيمة وامم كثيرة وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة. فحصروا المدينة واشتد الامر وبلغت القلوب الحناجر حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ لما رأوا من الاسباب المستحكمة والشدائد الشديدة. فلم يزل الحصار على المدينة مدة طويلة. والامر كما وصف الله زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. وتظنون بالله الظنونا اي الظنون السيئة ان الله لا ينصر دينه ولا يتم كلمته. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا هنالك ابتلي المؤمنون بهذه الفتنة العظيمة وزلزلوا زلزالا شديدا بالخوف والقلق والجوع ليتبين ايمانه ويزيد ايقانهم. فظهر ولله الحمد من ايمانهم وشدة يقينهم ما فاقوا فيه الاولين والاخرين. وعندما اشتد الكرب وتفاقمت الشدائد صار ايمانهم عين اليقين. ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله. وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما. وهنالك تبين نفاق المنافقين وظهر ما كانوا يضمرون. قال تعالى والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا. وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة لا يثبت ايمانه وينظر بعقله القاصر الى الحالة القاصرة ويصدق ظنه لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة. ان يريدون الا واذ قال الطائفة من المنافقين بعدما جزعوا وقل صبرهم صاروا ايضا من المخذلين فلا صبروا بانفسهم ولا تركوا الناس من شرهم. فقالت هذه الطائفة يا اهل يثرب يريدون يا اهل المدينة. فنادوا باسم الوطن المنبئ عن التسمية فيه اشارة الى ان الدين والاخوة الايمانية ليس له في قلوبهم قدر وان الذي حملهم على ذلك مجرد الخور الطبيعي يا اهل يثرب لا مقام لكم. اي في موضعكم الذي خرجتم اليه خارج المدينة. وكانوا عسكروا دون الخندق وخارج المدينة فارجعوا الى المدينة. فهذه الطائفة تخزن عن الجهاد. وتبين انهم لا قوة لهم بقتال عدوهم. ويأمرونهم بترك القتال هذه الطائفة اشر الطوائف واضرها. وطائفة اخرى دونهم اصابهم الجبن والجزع واحبوا ان ينخزلوا عن الصفوف. فجعلوا يعتذرون الاعذار الباطلة وهم الذين قال الله فيهم اي عليها الخطر. ونخاف عليها ان يهجم عليها الاعداء. ونحن غيب عنها فاذن لنا ان نرجع اليها فنحرسها وهم كذبة في ذلك. وما هي بعورة. ان يريدون اي ما الا فرارا. ولكن جعلوا هذا الكلام وسيلة وعذرا لهم. فهؤلاء قل ايمانهم. وليس له ثبوت عند اشتداد المحن ولو دخلت عليهم من اقطارها ثم سئلوا الفتنة لاتوها وما تلبسوا بها الا يسيرا ولو دخلت عليهم المدينة من اقطارها اي لو دخل الكفار اليها من نواحيها واستولوا عليها لا كان ذلك ثم سئل هؤلاء ايه الفتنة؟ اي الانقلاب عن دينهم والرجوع الى دين المستوليين المتغلبين. لاتوها اي لاعطوها مبادرين اي ليس لهم منعة ولا تصلب على الدين. بل بمجرد ما تكون الدولة للاعداء يعطونهم ما طلبوا. ويوافق على كفرهم هذه حالهم. ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار والحال انهم قد عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار. وكان عهد الله مسؤولا سيسألهم عن ذلك العهد فيجدهم قد نقضوه فما ظنهم اذا بربهم كل ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل. واذا لا تمتعون الا قليلا قل لهم نائما على فرارهم. ومخبرا انهم لا يفيدهم ذلك شيئا. لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل فلو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. والاسباب تنفع اذا لم يعارضها القضاء والقدر. فاذا فجاء القضاء والقدر تلاشى كل سبب وبطلت كل وسيلة ظنها الانسان تنجيه. واذا حين فررتم لتسلموا من الموت والقتل. ولتنعموا وفي الدنيا فانكم لا تمتعون الا قليلا. متاعا لا يساوي فراركم وترككم امر الله وتفويتكم على انفسكم الابدي في النعيم السرمدي. ثم بين ان الاسباب كلها لا تغني عن العبد شيئا. اذا اراده الله بسوء فقال عند الذي يعصمكم من الله ان اراد بكم سوءا او اراد بكم رحمة. ولا يجدون له قل من ذا الذي يعصمكم ان يمنعكم من الله ان اراد بكم اي شرا او اراد بكم رحمة فانه هو المعطي المانع الضار النافع. الذي لا يأتي بالخير الا هو ولا يدفع السوء ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. ولا يجدون لهم من دون الله وليا يتولاهم فيجلب لهم النفع ولا نصير ان ينصرهم في دفع عنهم المضار. فليمتثلوا طاعة المنفرد بالامور كلها الذي نفذت مشيئته ومضى قدره ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته ولي ولا ناصر. ثم توعد تعالى المخذلين المعوقين وتهددهم فقال هلم الينا والقائلين لاخوانهم هلم الينا ولا يتوبون قد يعلم الله المعوقين منكم عن الخروج لمن لم يخرجوا والقائلين لاخوانهم الذين خرجوا هل ثم الينا اي ارجعوا كما تقدم من قولهم يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا. وهم مع تعويقهم وتخذيلهم لا يأتون البأس القتال والجهاد بانفسهم الا قليلا. فهم اشد الناس حرصا على التخلف. لعدم الداعي لذلك من الايمان والصبر ووجود المقتضي للجبن من النفاق وعدم الايمان الخوف رأيتهم ينظرون اليك تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت عليكم بأبدانهم عن القتال واموالهم عند النفقة فيه. فلا يجاهدون باموالهم وانفسهم. فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت من شدة الجبن الذي خلع قلوبهم والقلق الذي اذهلهم وخوفا على اجبارهم على ما يكرهون من القتال فاذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد اشحة على الخير اولئك لم يؤمنوا فاذا ذهب الخوف وصاروا في حال الامن والطمأنينة سلقوكم بالسنة اي خاطبوكم وتكلموا معكم بكلام حديد ودعاوى غير صحيحة. وحين تسمعهم تظنهم اهل الشجاعة والاقدام اشحة على الخير الذي يراد منهم. وهذا شر ما في الانسان ان يكون شحيحا بما امر به. شحيحا بماله ان في وجهه. شحيحا في بدنه ان يجاهد اعداء الله. او يدعو الى سبيل الله بجاهه شحيحا بعلمه ونصيحته ورأيه وكان ذلك على الله يسيرا. اولئك الذين بتلك الحالة لم يؤمنوا بسبب عدم ايمانهم. احمد الله اعمالهم. واما المؤمنون فقد وقاهم الله شح انفسهم وفقهم لبذل ما امروا به. من بذل لابدانهم في القتال في سبيله. واعلاء كلمته واموالهم للنفقة في طرق الخير. وجاههم وعلم يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وانهم بادون في ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا. يحسبون ان الاحزاب لم يذهبوا. اي يظنون ان هؤلاء الاحزاب الذين تحزبوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يذهبوا حتى يستأصلوا فخاب ظنهم وبطل حسبانهم. وان يأتي الاحزاب مرة اخرى اي لو اتى الاحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة. ود هؤلاء المنافقون هم ليسوا في المدينة ولا في القرب منها وانهما على الاعراب في البادية يستخبرون عن اخباركم ويسألون عن انبائكم ماذا حصل فتبا لهم وبعدا. فليسوا ممن يبالى بحضورهم. ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا اتبالوهم ولا تأسوا عليهم؟ لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله اه لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة وباشر موقف الحرب وهو الشريف الكامل البطل الباسل. فكيف ستشحون بانفسكم عن امر جاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فيه. فتأسوا به في هذا الامر وغيره. واستدل الاصوليون في هذه الاية على الاحتجاج بافعال الرسول صلى الله عليه وسلم. وان الاصل ان امته اسوته في الاحكام. الا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به. فالاسوة نوعان اسوة حسنة واسوة سيئة. فالاسوة الحسنة في الرسول صلى الله عليه وسلم. فان المتأسي به سالك طريق الموصل الى كرامة الله. وهو الصراط المستقيم. واما الاسوة بغيره اذا خالفه فهو الاسوة السيئة. كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسي بهم انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مهتدون. وهذه الاسوة الحسنة انما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الاخر فان ما معه من الايمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم هو رسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما. لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف ذكر حال المؤمنين حين فقال ولما رأى المؤمنون الاحزاب الذين تحزبوا ونزلوا منازلهم وانتهى الخوف. قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله. في قوله ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا. حتى يقول الرسول الذين امنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب. وصدق الله ورسوله فانا رأينا ما اخبرنا به الا ايمانا وتسليما. وما زادهم ذلك الامر الا ايمانا في قلوبهم وتسليما في جوارحهم وانقيادا لله. ولما ذكر ان المنافقين عاهدوا الله لا يولون الادبار. ونقضوا ذلك العهد. ذكر وفاء المؤمنين به فقال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. اي وفوا به سموه واكملوه فبذلوا مهجهم في مرضاته وسبلوا انفسهم في طاعته من ينتظر فمنهم من قضى نحبه. اي ارادته ومطلوبه وما عليه من الحق. فقتل في سبيل الله او مات مؤذن لحقه لم ينقصه شيئا. ومنهم من ينتظر تكميل ما عليه فهو شارع في قضاء ما عليه وفاء نحبه ولما يكمله. وهو في رجاء تكميله ساع في ذلك مجد. كما بدل غيرهم بل لم يزالوا على العهد لا يلوون ولا يتغيرون. فهؤلاء الرجال على الحقيقة ومن عداهم فصورهم صور رجال. واما الصفات فقد قصرت عن صفات الرجال ان الله كان غفورا رحيما. ليجزي الله الصادقين بصدقهم. اي بسبب في اقوالهم واحوالهم ومعاملتهم مع الله. واستواء ظاهرهم وباطنهم. قال تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. اي قدرنا ما قدرنا من هذه الفتن والمحن والزلازل. ليتبين الصادق من الكاذب فيجزي الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين. الذين تغيرت قلوبهم واعمالهم عند حلول الفتن. ولم يفوا بما عاهدوا الله عليه انشاء تعذيبهم بان لم يشأ هدايتهم. بل علم انهم لا خير فيهم فلم يوفقهم. او يتوب عليهم بان يوفقهم للتوبة والانابة وهذا هو الغالب على كرم الكريم. ولهذا ختم الاية باسمين دالين على المغفرة والفضل والاحسان فقال غفورا لذنوب المسرفين على انفسهم ولو اكثروا من العصيان اذا اتوا بالمتاب رحيما بهم حيث وفقهم التوبة ثم قبلها منهم وستر عليهم ما اجترحوه. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله الله قويا عزيزا. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا. اي ردهم خائبين. لم يحصل لهم الامر الذي كانوا حنقين عليه مغتاظين قادرين عليه جازمين بان لهم الدائرة قد غرتهم جموعهم واعجبوا بتحزبهم وفرحوا بعددهم وعددهم فارسل الله عليهم ريحا عظيمة وهي ريح الصبا فزعزعت مراكزهم وقوضت خيامهم وكفأت قدورهم وازعجتهم وضربهم الله بالرعب فانصرفوا بغيظهم وهذا من نصر الله لعباده المؤمنين بما صنع لهم من الاسباب العادية والقدرية اذا لا يغالبه احد الا غلب. ولا يستنصره احد الا غلب. ولا يعجزه امر اراده. ولا ينفع اهل القوة والعزم قوتهم وعزتهم ان لم يعنهم بقوته وعزته وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وانزل الذين ظاهروهم اي عاونوهم من اهل الكتاب اي اليهود من صياصيهم اي انزلهم من حصونهم مغفورا بهم مجهولين تحت حكم الاسلام. وقذف في قلوبهم الرعب. فلم يقوى على القتال بل استسلموا وخضعوا وذلوا تقتلون وتأسرون فريقا. فريقا تقتلون وهم الرجال المقاتلون وتأسرون فريقا. من عداهم من النساء والصبيان واورثكم اي غنمكم ارضهم وديارهم واموالهم ولهم وارضا لم تطأوها اي ارضا كانت من قبل من شرفها وعزتها عند اهلها لا تتمكنون من وطئها. فمكنكم الله لهم وغنمتم اموالهم وقتلتموهم واسرتموهم. وكان الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء. ومن قدرته قدر لكم ما قدر. وكانت هذه الطائفة من اهل الكتاب هم بنو قريظة من اليهود في قرية خارج المدينة غير بعيد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر الى المدينة. وودعهم وهادنهم فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه وهم باقون على دينهم لم يغير عليهم شيئا. فلما رأوا يوم الخندق الاحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرتهم وقلة المسلمين. وظنوا انهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين. وساعد على ذلك تبجيل بعض رؤسائهم عليهم فنقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما لئوا المشركين على قتاله. فلما خذل الله المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتالهم فحاصرهم في حصنهم فنزلوا على حكم سعد ابن معاذ رضي الله عنه فحكم فيهم تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتغنم اموالهم. فاتم الله لرسوله والمؤمنين المنة واسبغ عليهم النعمة واقر اعينهم بخذلان من ان خذل من اعدائهم. وقتل من قتلوا واسر من اسروا. ولم يزل لطف الله بعباده المؤمنين مستمرا يا ايها النبي قل لازواجك ان كنت تردن الحياة الدنيا وزينتها لما اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه في الغيرة وطلبنا منه النفقة والكسوة طلبنا منه امرا لا يقدر عليه في كل وقت. ولم يزلن في طلبهن متفقات في مرادهن فشق ذلك على الرسول حتى وصلت به الحال الى انه الى منهن شهرا. فاراد الله ان يسهل الامر على رسوله. وان يرفع درجة زوجاته ويذهب عنهن كل امر ينقص اجرهن. فامر رسوله ان يخيرهن فقال يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الحياة الدنيا اي ليس لكن في غيرها مطلب وصرتن ترضين لوجودها وتغضبن لفقدها فليس لي فيكن ارب وحاجة وانتن بهذه الحال فتعالين امتعكن شيئا مما ما عندي من الدنيا واصرحكن اي افارقكن سراحا جميلا. من دون مغاضبة ولا مشاقة بل بسعة صدر وانشراح بال قبل ان تبلغ الحال الى ما لا ينبغي ان الله عد للمحسنات منكن اجرا عظيما. وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة اي هذه الاشياء مرادكن وغاية مقصودكن. واذا حصل لكن الله ورسوله والجنة. لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها ويسرها وعسرها. وقنعتن من رسول الله بما تيسر. ولم تطلبن منه ما يشق عليه رتب الاجر على وصفهن بالاحسان. لانه السبب الموجب لذلك. لا لكونهن زوجات للرسول فان مجرد ذلك لا يكفي بل لا يفيد شيئا مع عدم الاحسان. فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. فاخترنا الله ورسوله له والدار الاخرة كلهن. ولم يتخلف منهن واحدة رضي الله عنهن. وفي هذا التخيير فوائد عديدة منها الاعتناء برسول وغيرته عليه ان يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية. ومنها سلامته صلى الله عليه وسلم بهذا التخيير من تبعته حقوق الزوجات وانه يبقى في حرية نفسه. ان شاء اعطى وان شاء منع. ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له. ومنها تنزيهه عن لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله والدار الاخرة عنها. وعن مقارنتها. ومنها سلامة زوجاته رضي الله عنه عن الاثم والتعرض لسخط الله ورسوله. فحسم الله بهذا التخيير عنهن التسخط على الرسول صلى الله عليه وسلم. الموجب لسخطه المسخط لربه الموجب لعقابه. ومنها اظهار رفعتهن وعلو درجتهن. وبيان علوه هممهن. ان كان الله ورسوله هو الدار الاخرة مرادهن ومقصودهن دون الدنيا وحطامها ومنها استعدادهن بهذا الاختيار للامر الخيار للوصول الى درجات الجنة. وان يكن زوجاته في الدنيا والاخرة. ومنها ظهور المناسبة بينه وبينهن. فانه اكمل الخلق. واراد الله ان تكون نساؤه كاملات مكملات طيبات مطيبات. الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. ومنها ان هذا التخيير داع وموجب للقناعة التي يطمئن لها القلب وينشرح لها الصدر. ويزول عنها جشع الحرص وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه همه وغمه. ومنها ان يكون اختيارهن هذا سببا لزيادة اجرهن ومضاعفته. وان يكن بمرتبة ليس فيها احد من النساء ولهذا قال لما اخترنا الله ورسوله والدار الاخرة ذكر مضاعفة اجرهن ومضاعفة وزرهن واثمهن لو جرى منهن. ليزداد حذرهن وشكرهن الله تعالى. فجعل من اتى منهن بفاحشة ظاهرة لها العذاب ضعفين