المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لما ذكر تعالى المجادلة الباطل وانه على قسمين مقلد وداع ذكر ان المتسمي بالايمان ايضا على قسمين قسم لم يدخل الايمان قلبه كما تقدم والقسم الثاني المؤمن حقيقة. صدق ما معه من الايمان بالاعمال الصالحة. فاخبر تعالى انه يدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار سميت الجنة جنة لاشتمالها على المنازل والقصور. والاشجار والنوابت التي تجن من فيها. ويستتر بها من كثرتها فما اراده تعالى فعله من غير ممانع ولا معارض. ومن ذلك ايصال اهل الجنة اليها جعلنا الله منهم بمنه وكرمه فاليوم اي من كان يظن ان الله لا ينصر رسوله وان دينه فان النصر من الله ينزل من السماء. فليمدد ذلك الظان بسبب اي حبل الى السماء وليرقى اليها. ثم ليقطع النصر النازل عليه من السماء فلينظر هل يذهبن كيده اي ما يكيد به الرسول ويعمله من محاربته والحرص على ابطال دينه ما يغيظه من ظهور دينه وهذا استفهام بمعنى النفي. وانه لا يقدر على شفاء غيظه بما يعمله من الاسباب. ومعنى هذه الاية الكريمة يا ايها المعادي للرسول محمد محمد صلى الله عليه وسلم الساعي في اطفاء دينه الذي يظن بجهله ان سعيه سيفيده شيئا. اعلم انك مهما فعلت من الاسباب وسعيت في كيد الرسول فان ذلك ليذهب غيظك ولا يشفي كمدك. فليس لك قدرة في ذلك. ولكن سنشير عليك برأي تتمكن به من شفاء غيظك ومن قطع النصر عن الرسول ان كان ممكنا ائت الامر مع بابه وارتق اليه باسبابه. اعمد الى حبل من ليف او غيره ثم علقه في السماء ثم اصعد به حتى تصل الى الابواب التي ينزل منها النصر. فسدها واغلقها واقطعها. فبهذه الحال تشفي غيظك. فهذا هو الرأي والمكيدة. واما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك انك تشفي بها غيظك. ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الاية الكريمة فيها من الوعد والبشارة بنصره الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى. ومن تأييس الكافرين الذين يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم. والله متم نوره ولو كره الكافرون اي وسعوا مهما امكنهم اي وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما فصلنا جعلناه ايات بينات واضحات. دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة. ولكن الهداية بيد الله. فمن اراد الله هدايته اهتدى بهذا القرآن وجعله اماما له وقدوة. واستضاء بنوره. ومن لم يرد الله هدايته. فلو جاءته كل اية ما امن. ولم ينفعه القرآن شيئا. بل يكون حجة عليه والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة. ان الله على كل الم تر ان الله يسجد له من في السماوات والنجوم والجبال والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثيرا من الناس. وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب. ومن يهن الله فما له من مكر يخبر تعالى عن طوائف اهل الارض من الذين الكتاب من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين. ومن المجوس ومن المشركين ان الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة. ويفصل بينهم بحكمه العدل ويجازيهم باعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها. ولهذا قال ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله هذان خصمان اختصموا في ربهم كل يدعي انه المحق فالذين كفروا يشمل كل كافر من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والمشركين قطعت لهم ثيابهم ام النار اي يجعل لهم ثياب من قطران وتشعل فيها النار ليعمهم العذاب من جميع جوانبهم الماء الحار جدا يصعب بهما في بطونهم من اللحم والشحم والامعاء. من شدة حره وعظيم امره ولهم مقامع من حديد بيد الملائكة الغلاظ الشداد تضربهم فيها وتقمعهم من اعيدوا فيها اعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريم. فلا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينظرون. ويقال لهم توبيخا. ذوقوا عذاب الحريق اي محرق للقلوب والابدان جنات تجري من تحتها الانهار ومعلوم ان هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين. الذين امنوا بجميع الكتب وجميع الرسل يحلون فيها من اساور من ذهب اي يسور في ايديهم رجالهم ونسائهم اساور الذهب. فتم نعيم بذكر انواع المأكولات اللذيذات المشتمل عليها لفظ الجنات. وذكر الانهار السارحات. انهار الماء واللبن والعسل والخمر. وانواع اللباس الفاخر وذلك بسبب انهم هدوا الى الطيب من القول الذي افظله واطيبه كلمة الاخلاص. ثم سائر الاقوال الطيبة التي فيها ذكر الله. او الى عباد الله وهدوا الى صراط حميد. اي الصراط المحمود وذلك لان جميع الشرع كله محتوي على الحكمة والحمد وحسن المأمور به وقبحه المنهية عنه وهو الدين الذي لا افراط فيه ولا تفريط. المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح. او وهدوء الى صراط الله الحميد. لان الله كثيرا ما يضيف الصراط اليه لانه يوصل صاحبه الى الله. وفي ذكر الحميد هنا ليبين انهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم. ولهذا يقولون هنا في الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. واعترض تعالى بين هذه الايات بذكر سجود المخلوقات له جميع من في السماوات والارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب. الذي يشمل الحيوانات كلها وكثير من الناس وهم المؤمنون اي وجب وكتب لكفره وعدم ايمانه فلم يوفقه الله ايمان لان الله اهانه. ومن يهن الله فما له من مكرم ولا راد لما اراد ولا معارض لمشيئته. فاذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته. مستكينة لعزته انية لسلطانه دل على انه وحده الرب المعبود والملك المحمود. وان من عدل عنه الى عبادة سواه فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر فخسرانا مبينا ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم وانهم جمعوا بين الكفر بالله ورسوله وبين الصد عن سبيل الله ومنع الناس من الايمان والصد ايضا عن المسجد الحرام الذي ليس ملكا لهم ولا لابائهم بل الناس فيه سواء المقيم فيه والطارئ اليه بل عنه افضل الخلق محمدا واصحابه. والحال ان هذا المسجد الحرام من حرمته واحترامه وعظمته. ان من يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. فمجرد ارادة الظلم والالحاد في الحرم. موجب للعذاب. وان كان غيره لا يعاقب العبد عليه الا بعمل الظلم. فكيف بمن اتى فيه اعظم الظلم من الكفر والشرك والصد عن سبيله. ومنع من يريده بزيارة. فما ظنكم ان يفعل الله بهم؟ وفي هذه الاية الكريمة احترام الحرم وشدة تعظيمه. والتحذير من ارادة المعاصي فيه وفعلها