المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله السابع عشر والمائتان الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا وقال يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والارض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال فيه لاحد قبلي ولم يحل لي الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من ولا يختلى خلاه فقال العباس يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم وبيوتهم فقال الا الاذخر رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته قوله في حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يوم فتح مكة لا هجرة الى اخره الهجرة هي الانتقال من بلد الشرك الى بلد الاسلام وهي واجبة على من لم يقدر على اظهار دينه او يخشى الفتنة على دينه ومن قدر على اظهار دينه وامن الفتنة عليه فهي مستحبة له ولما اذى المشركون رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ومن امن معه هاجر الى المدينة فاوجب الله تعالى الهجرة على كل مؤمن يقدر عليها وكثيرا ما يقرن ذكرها مع العبادات العظيمة كالايمان والجهاد ونحوهما فانها من اكبر الطاعات لما يترتب عليها من نصر الله ورسوله واظهار الدين وتكثير سواد المسلمين وغير ذلك من المصالح وذم الله تعالى من لم يهاجر مع قدرته على الهجرة وكان الذين انتقلوا من مكة ثلاثة اقسام قسم قبل صلح الحديبية وهؤلاء المهاجرون الاولون وهم افضل المهاجرين وقسم بعده وقبل فتح مكة وهؤلاء يسمون مهاجرين ولهم فضل الهجرة ولكن لا يلحقون الاولين بالفضل فالاولون افضل منهم كما قال تعالى لا يستوي منكم ممن انفق من قبل الفتح وقاتل المراد بالفتح صلح الحديبية اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا الاية القسم الثالث من انتقل عن مكة بعد فتحها فهذا لا يعد مهاجرا ولهذا قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا هجرة بعد الفتح اي ان مكة صارت بلد اسلام فلا تشرع الهجرة منها وقوله ولكن جهاد ونية اي ان الجهاد مشروع وفيه فضل عظيم وهو من افضل الطاعات ونية اي نية الاعمال الصالحة من هجرة وجهاد وغيرهما اي يجب ان يلتزم طاعة الله تعالى وينوي فعل ما اوجب عليه اذا عجز عن فعله فينوي انه لو كان في بلد غير الاسلام ان يهاجر وينوي الجهاد ولهذا ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق فالنية اذا تعذر العمل بلغت مبلغه ولهذا ورد ان بعض الراغبين في الخير كان يدور على العلماء يسأل هل يمكن ان يكون الانسان في عبادة دائما وابدا في جميع عمره فلما سأل بعضهم فقال نعم يمكن ذلك افعل العبادة ما دمت قادرا فاذا عجزت عن فعلها فانوي فعلها ولا تزال في عبادة انتهى قوله واذا استنفرتم فانفروا اي اذا استنفركم الامام او نائبه للقتال وجب على كل من قدر عليه النفير واصل الجهاد فرض كفاية ويكون فرض عين في ثلاث مسائل احداها هذه اذا استنفره الامام او نائبه وجب عليه النفير ان لم يكن له عذر صحيح قال تعالى يا ايها الذين امنوا ما لكم اذا قيل لكم في سبيل الله الايات وان كان النفير عاما فيجب على العموم او خاصا فيكون فرض عين على المعينين الثانية اذا حصر العدو بلده فيكون فرض عين لانه حينئذ يكون دفاعا ولهذا ذم الله تعالى من تخلف في هذه الحال ذما شديدا فقال وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم. هم للكفر يومئذ الاية الثالثة اذا حضر صف القتال تعين عليه ولم يجز التولي عنه فان هذا فرار ولما عد رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم السبع الموبقات عد منها الفرار يوم الزحف اي اذا التقى الجمعان وقوله وقال يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله الى اخره اي لم يحرمه احد من المخلوقين فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال فيه لاحد قبلي كما تقدم وايضا فلم يحل له صلى الله عليه وعلى اله وسلم مطلقا فانه انما حل له ساعة من نهار ثم عادت حرمته فهو حرام هذا تأكيد لحرمته بحرمة الله تعالى اي ليس ابتداء مني وانما هو حرام بحرمة الله السابقة الى يوم القيامة وقوله لا يعضد شوكه اي لا يقطع لان حرمته تعم الحيوانات والاشجار غير ما استثني ففي هذا التنبيه بالادنى على الاعلى فاذا كان الشوك لا يقطع مع انه يؤذي فالشجر الذي ليس فيه اذية من باب اولى واحرى وقوله ولا ينفر صيده اي انه لا يهاجئ فلو رآه في ظل ونحوه لم يجز له تنفيره عنه فاذا كان تنفيره لا يجوز فقتله من باب اولى واحرى وقوله ولا يلتقط لقطته الا من عرفها اي ان لقطته ليست كلقطة غيره فانها لا تؤخذ لاجل التملك وانما يجوز التقاطها لاجل التعريف فانه يجب على من التقط لقطته ان يعرفها دائما وابدا ولا يملكها ولو مضى اعوام كثيرة او يدفعها الى الامام هذا اصح قولي العلماء وقال بعضهم انها كغيرها تملك بعد تعريفها حولا وقوله ولا يختلى خلاه الخلاء الحشيش الرطب اي لا يحش حشيشه الرطب فلما كان هذا عاما لجميع انواعه. قال العباس يا رسول الله الا الاذخر وهو نبت معروف طيب الرائحة فانه بين العلة الداعية الى استثنائه فقال فانه لقينهم وبيوتهم القين الحداد اي انه يكبس به النار لانه لين سريع كالخوص ونحوه ويستعملونه للبيوت فانهم يجعلونه فوق الجريد بينه وبين الطين فلما رأى حاجتهم اليه وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما وعلم ان الله واسع الرحمة واسع الكرم قال الا الاذخر اي انه لا بأس باخذه وكذلك ما زرعه الادمي واليابس والكمأة وترك البهائم ترعى بنفسها وهذه تعد من فضائل العباس رضي الله عنه وكان الادخار اذ ذاك كثيرا جدا