المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي وقوم ابراهيم وقوم لوط. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وان يكذبك هؤلاء المشركون فلست باول رسول كذب. وليسوا باول امة كذبت رسولها. فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. وقوم ابراهيم وقوم واصحاب مدين اي قوم شعيب وكذب موسى فامليت للكافرين المكذبين فلم اعادلهم بالعقوبة بل امهلتهم حتى في طغيانهم يعمهون. وفي كفرهم وشرهم يزدادون. ثم اخذتهم العذاب اخذ عزيز مقتدر. فكيف كان نكير؟ اي انكاري عليهم كفرهم وتكذيبهم. كيف حاله؟ كان اشد العقوبات وافظع المثلات فمنهم من اغرقه ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من اهلك بالريح العقيم ومنهم من خسف به الارض ومنهم من ارسل عليه عذاب يوم الظلة فليعتدوا بهم هؤلاء المكذبون ان يصيبهم ما اصابهم. فانهم ليسوا خيرا منهم. ولكتب الله لهم براءة في الكتب المنزلة من الله. وكم من معذبين المهلكين امثال هؤلاء كثير. ولهذا قال النشيد. فكأي من قرية. اي وكم من قرية اهلكناها بالعذاب الشديد. والخزي الدنيوي وهي ظالمة بكفرها الله وتكذيبها لرسله. لم يكن عقوبتنا لها ظلما منا فهي خاوية على عروشها. فديارهم متهدمة قصورها وجدرانها. قد سقطت عروشها فاصبحت خرابا بعد ان كانت عامرة. وموحشة بعد ان كانت اهلة باهلها انسة ايوه كم من بئر قد كان يزدحم عليه الخلق لشربهم وشرب مواشيهم ففقد اهله عدم منه الوارد والصادر. وكم من قصر تعب عليه اهله فشيدوه ورفعوه وحصنوه وزخرفوه. فحين جاءهم امر الله لم يغني عنهم شيئا واصبح خاليا من اهله قد صاروا عبرة لمن اعتبر ومثالا لما فكر ونظر. ولهذا دعا الله عباده الى السير في الارض لينظر ويعتبر فقال افلم يسيروا في الارض بابدانهم وقلوبهم فتكون لهم قلوب يعقلون بها ايات الله ويتأملون بها واقع عبره. او اذان يسمعون بها اخبار الامم الماضيين. وانباء القرون المعذبين والا فمجرد نظر العين وسماع الاذن وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار. غير مفيد ولا موصل الى المطلوب. ولهذا قال اي هذا العمى الضار في الدين عمى القلب عن الحق حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الاعمى المرئيات. واما عمى البصر فغايته بلغة. ومنفعة دنيوية اي يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب لجهلهم وظلمهم وعنادهم. وتعجيزا لله وتكذيبا لرسله. ولن يخلف الله وعده فما وعدهم به من العذاب لا بد من وقوعه ولا يمنعهم منه مانع. واما عجلته والمبادرة فيه فليس ذلك اليك يا محمد ولا يستفزنك وتعجيزهم ايانا. فان امامهم يوم القيامة الذي يجمع فيه اولهم واخرهم. ويجازون باعمالهم. ويقع بهم العذاب الدائم الاليم ولهذا قال من وشدته وهوله. فسواء اصابهم عذاب في الدنيا ام تأخر عنهم العذاب فان هذا اليوم لابد ان يدركهم. ويحتمل ان المراد ان ان الله حليم ولو استعجلوا العذاب فان يوما عنده كالف سنة مما تعدون. فالمدة وان تطاولتموها واستبطأتم فيها نزول العذاب فان الله تمهل المدد الطويلة ولا يهمل حتى اذا اخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم وكأين من قرية امليت لها اي امهلتها مدة طويلة هي ظالمة اي مع ظلمهم فلم يكن مبادرتهم بالظلم موجبا لمبادرتنا بالعقوبة ثم اخذتها بالعذاب والي المصير. اي مع عذابها في الدنيا سترجع الى الله فيعذبها بذنوبها. فليحذر هؤلاء الظالمون من حلول عقاب الله ولا يغتروا بالامهال. يأمر تعالى لا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ان يخاطب الناس جميعا. لانه رسول الله حقا. مبشرا للمؤمنين بثواب الله. منذرا للكافرين والظالمين من عقابه وقوله مبين. اي بين الانذار وهو التخويف مع الاعلام بالمخوف. وذلك لانه اقام البراهين الساطعة على صدق لما انذرهم به. ثم ذكر تفصيل النذارة والبشارة فقال ورزق كريم. فالذين امنوا بقلوبهم ايمانا صحيحا صادقا. وعملوا الصالحات بجوارحهم في جنات النعيم اي الجنات التي تنعم بها بانواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح والصور والاصوات. والتنعم برؤية الرب الكريم. وسماع كلام والذين سعوا في اياتنا معاجزين اولئك اصحاب الجحيم والذين كفروا اي جحدوا نعمة ربهم وكذبوا رسله واياته. فاولئك اصحاب الجحيم اي الملازمون لها. المصاحبون لها في كل اوقاتهم. فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من عقابها فينسخ الله ما يلقي الشيطان اياته والله عليم حكيم. يخبر تعالى بحكمته البالغة واختباره لعباده. وان الله ما ارسل قبل محمد من رسول ولا نبي الا اذا تمنى اي قرأ قراءته التي يذكر بها الناس ويأمرهم وينهاهم القى الشيطان في امنيته اي في قراءة من طرقه ومكايده ما هو مناقض لتلك القراءة. مع ان الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله. وحفظ وحيه ان يشتبه او بغيره ولكن هذا الالقاء من الشيطان غير مستقر ولا مستمر. وانما هو عارض يعرض ثم يزول. وللعوارض احكام. ولهذا قال فينسخ الله ما يلقي الشيطان اي يزيله ويذهبه ويبطله. ويبين انه ليس من اياته. ويحكم الله اياته. اي يتقنها يحررها ويحفظها فتبقى خالصة من مخالطة القاء الشيطان. والله عزيز اي كامل القوة والاقتدار. فبكمال قوته يحفظ وحي ويزيل ما تلقيه الشياطين. حكيم يضع الاشياء مواضعها. فمن كمال حكمته مكن الشياطين من الالقاء المذكور. ليحصل ما ذكره بقوله ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة لطائفتين من الناس. لا يبالي الله بهم وهم الذين في قلوبهم مرض. اي ضعف وعدم ايمان تام وتصديق فيؤثر في قلوبهم ادنى شبهة تطرأ عليها. فاذا سمعوا ما القاه الشيطان داخلهم الريب والشك. فصار فتنة لهم والقاسية قلوبهم اي الغليظة التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير. ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها. فاذا سمعوا ما القاه الشيطان جعلوه حجة لهم على باطلهم. وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله. ولهذا قال اي مشاقة لله ومعاندة للحق ومخالفة له بعيد من الصواب. فما يلقيه الشيطان يكون فتنة لهؤلاء الطائفين فيظهر بهما في قلوبهم من الخبث الكامل فيها. واما الطائفة الثالثة فانه يكون رحمة في حقها. وهم المذكورون بقوله الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك لان الله منحهم من العلم ما به يعرفون الحق من الباطل. والرشد من الغيب. فيميزون بين الامرين. الحق المستقر الذي يحكمه الله. والباقي العارض الذي ينسخه الله بما على كل منهما من الشواهد. وليعلموا ان الله حكيم يقيض بعض انواع الابتلاء. ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة فيؤمنوا به بسبب ذلك ويزداد ايمانهم عند دفع المعارض والشبه اي تخشع وتخضع وتسلم لحكمته وهذا من هدايته اياهم وان الله لهادي الذين امنوا بسبب ايمانهم الى صراط مستقيم. علم بالحق وعمل فيثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة. وهذا نوع من تثبيت الله لعبده وهذه الايات فيها بيان ان للرسول صلى الله عليه وسلم اسوة باخوانه المرسلين. لما وقع منه عند قراءته صلى الله عليه وسلم والنجم. فلما بلغ افرأيتم والعزى ومناة الثالثة الاخرى. القى الشيطان في قراءته تلك الغرانيق العلا. وان شفاعتهن لترتجى. فحصل بذلك للرسول صلى الله عليه وسلم حزن وللناس فتنة. كما ذكر الله فانزل الله هذه الايات. ولا يزال الذين كفروا في مرية يخبر تعالى عن حالة الكفار وانهم لا يزالون في شك مما جئتهم به يا محمد لعناد واعراضهم وانهم لا يبرحون مستمرين على هذه الحال حتى تأتيهم الساعة بغتة اي مفاجأة او يأتيهم عذاب يوم اي لا خير فيه وهو يوم القيامة فاذا جاءتهم الساعة او اتاهم ذلك اليوم علم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين وندموا حيث لا ينفعهم الندم وابلسوا وايسوا من كل خير. وودوا لو امنوا بالرسول واتخذوا معه سبيلا. ففي هذا تحذيرهم من اقامتهم على مريتهم وفريتهم الملك يومئذ لله يحكم بينهم. الملك يومئذ اي يوم القيامة لله تعالى لا لغيره يحكم بينهم بحكمه العدل وقضائه الفصل فالذين امنوا بالله ورسله وما جاءوا به وعملوا الصالحات ليصدقوا بذلك ايمانهم في جنات النعيم نعيم القلب والروح والبدن مما لا يصفه الواصفون. ولا تدركه العقول اتنا فاولئك لهم عذاب مهين. والذين كفروا بالله ورسله وكذبوا باياته الهادية للحق الصواب فاعرضوا عنها او عاندوها. فاولئك لهم عذاب مهين لهم من شدته والمه وبلوغه للافئدة. كما استهانوا برسله واياته. اهانهم الله بالعذاب في سبيل الله ثم اقتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وان الله ان الله لعليم حليم. هذه بشارة كبرى لمن هاجر في سبيل الله. فخرج من داره ووطنه واولاده وماله ابتغاء وجه الله ونصرة لدين الله. فهذا قد وجب اجره على الله. سواء مات على فراشه او قتل مجاهدا في سبيل الله انهم الله رزقا حسنا. في البرزخ وفي يوم القيامة بدخول الجنة الجامعة للروح والريحان. والحسن والاحسان ونعيم القلب بدن ويحتمل ان المعنى ان المهاجر في سبيل الله قد تكفل برزقه في الدنيا رزقا واسعا حسنا سواء علم الله منه انه يموت على فراشه او يقتل شهيدا فكلهم مضمون له الرزق. فلا يتوهم انه اذا خرج من دياره وامواله سيفتقر ويحتاج فان رازقه هو خير الرازقين وقد وقع كما اخبر فان المهاجرين السابقين تركوا ديارهم وابناءهم واموالهم نصرة لدين الله فلم يلبثوا الا يسيرا حتى فتح الله عليهم البلاد ومكنهم من العباد فاجتبهوا من اموالها ما كانوا به من اغنى الناس. ويكون على هذا القول قوله ليدخلنهم مدخلا يرضون ان ما يفتحه الله عليه من البلدان خصوصا فتح مكة المشرفة. فانهم دخلوها في حالة الرضا والسرور. واما المراد به رزق الاخرة وان ذلك دخول الجنة فتكون الاية جمعت بين الرزقين. رزق الدنيا ورزق الاخرة. واللفظ صالح لذلك كله. والمعنى صحيح. فلا مانع من ارادت الجميع. وان الله لعليم بالامور ظاهرها وباطنها. متقدمها اخرها حليم يعصيه الخلائق ويبارزونه بالعظائم. وهو لا يعادلهم بالعقوبة مع كمال اقتداره. بل يواصل لهم رزقه اليهم فضله انه الله لينصرنه الله ان الله لعفو ذلك بان من جني عليه وظلم فانه يجوز له مقابلة الجاني بمثل جنايته. فان فعل ذلك فليس عليه سبيل وليس بملوم فان بغي عليه بعد هذا فان الله ينصره. لانه مظلوم. فلا يجوز ان يبغى عليه. بسبب انه استوفى حقه. واذا من المجازي غيره باساءته اذا ظلم بعد ذلك نصره الله. فالذي بالاصل لم يعاقب احدا اذا ظلم وجني عليه. فالنصر اليه اقرب ان الله العفو غفور اي يعفو عن المذنبين فلا يعادلهم بالعقوبة ويغفر ذنوبهم يزيلها ويزيل اثارها عنهم. فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي. ومعاملته لعباده في جميع الاوقات بالعفو والمغفرة. فينبغي لكم ايها المظلومون المجني عليهم ان تعفو وتصفحوا وتغفروا ليعاملكم الله كما تعاملون عباده فمن عفا واصلح فاجره على الله