المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الحادي والعشرون بدلالة الكتاب والسنة على الفنون والمخترعات العصرية. قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء. وقال تعالى اتبيانا لكل شيء. وقال تعالى والله خلقكم وما تعملون. وقال سبحانه علم الانسان ما لم يعلم. وقال تعالى والذي خلق لكم ما في الارض جميعا. وقال عز وجل وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض. وقال سبحانه ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار. وقال تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وقال عز وجل والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون. الى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا الاصل اعلم ان علوم البشر السابقة واللاحقة وما يترتب عليها من المعارف والاعمال والنتائج والثمرات نوعان علوم دينية علوم دنيوية وكل رقي ديني ودنيوي واخلاقي وجسدي فانه من ثمرات العلوم. ولكن الرقي يتفاوت تفاوتا فاعظم انواع الرقي واعلاها واصلحها واكملها اذا اتفق العلمان المذكوران واتفقت اثارهما وتعاونا على الخيرات وعلى زوال الشرور كلها. وكلها متفاوتات متساعدات. يؤازر بعضها بعضا. ويهذب بعضها بعضا. فمن تأمل هذا القرآن عظيم وهدي النبي الكريم وخلفائه واصحابه عرف انه بين النوعين وحث عليهما ودعا اليهما. واخبر ان النجاح والفلاح والسعادة والهناء متوقف عليهما وانه يساير الاوقات والعصور والاحوال كلها ويطبق تعاليمه العالية على جميع ما حدث ويحدث يستجد مهما كان وان كل علم ومعرفة واثار ونتائج مهما عظمت وترقت اذا لم تكن مبنية على الدين فانها ناقصة عظيما وان شرها اعظم من خيرها. بل تكون خيراتها سببا لشرور عظيمة كما هو معروف للناظرين. وقد اخبر في هذه الاية ايات انه خلق لنا جميع ما في الارض وسخره لنا لنستمتع به وننتفع وانه خلقنا وخلق اعمالنا بما يسر وسخر لنا من الاسباب وانه علم الانسان ما لم يعلم وان الانسان جعله الله قابلا لتعلم العلوم التي جاءت بها الكتب السماوية ودعت اليها الرسل وللعلوم الكونية التي نبه عليها القرآن في عدة ايات. وقد امتن على الانسان بهذا التعليم وظهور اثاره ونتائجه. وامره بسلوك كل طريق تحصيل هذه المنافع هذا العموم والشمول في هذه الايات يأتي على جميع الفنون والعلوم العصرية وما ينشأ من هذه الفنون من المخترعات الهائلة وما يترتب عليها من المنافع الحاصلة وكلها من نعم الله فان الله تعالى هو الذي علم الانسان بالاسباب التي حصل له فيها العلم. كما انه هو الذي رزقه بالاسباب التي جعل الله رزقه فيها هو الذي جعل في الارض المنافع المتنوعة هو الذي يسر الاسباب التي تدرك بها هذه المنافع وامرهم بالتفكر والتدبر والتأمل الذي يوصلهم اليها ويهديهم الى كيفية استخراجها. وربط البشر بعضهم ببعض في علومهم ومعارفهم في اثارها ونتائجها وجعل تعالى هذا الارتباط المتنوع من اقوى الاسباب التي يدركون فيها كل مقدور للبشر وكل ما هو في كانهم هم في هذه الحالة بين امرين اما ان يستعينوا بهذه النعم على شكر المنعم وعلى القيام بحقوقه وحقوق سائر النوع الانساني بل على القيام بحقوق جميع المخلوقات وعلى العدل والرحمة والحكمة والصلاح والسعادة الحاضرة والمستقبلة. ان فعلوا ذلك لم يزالوا في صعود الى الخيرات سلامة من جميع الشرور والمهلكات تمت عليهم النعمة وامكنهم ان يحيوا حياة طيبة سعيدة هنيئة. بهذا امر القرآن ولهذا دعا قرآن وارشد العباد حذرهم من ضده هو انهم ان اشتغلوا بالنعم عن المنعم وجعلوا هذه النعم غاية مطلوبهم ونهاية مرادهم ولم يقوموا بحقوق المنعم ولا حنوا بها على الخلق بالرحمة والعدل. كانت وبالا عليهم وضررا لازما. وصارت الات ووسائل للهلاك والدمار والشقاء ولم يمكنهم ان يعيشوا في هذه الدنيا عيشة هنيئة بل عيشة شقاء وتنقل من شرور الى شرور كما هو مشاهد لكل احد. اخبر تعالى في هذا هذه الايات انه سخر لنا جميع الاحوال الكونية لننتفع بها في ديننا ودنيانا ولنعتبر بها على ما اخبر به من امور الغيب. ومن لوازم هذا التسخير انه لابد ان ييسر للبشر علوما واعمالا والات يدركون بها منافعهم. وهذه الايات فيها اكبر شاهد ودلالة على ان في الارض قوى ومنافع وخزائن ما زال البشر يدركونها ويحصلونها شيئا بعد شيء. كل ما تم للبشر من المخترعات والمستخرجات. انه في هذه الايات انه اخبر ان جميع منافعها مسخرة مستعدة للانتاج اذا سلكوا طرقها. وان منها ما كان موجودا في الازمنة الغابرة ومنها شيء سيحدث ويستخرج بعد ذلك وهو في قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. انه جاء بهذه الصيغة الدالة على الاستقبال وانه سيخلق في مستقبل الزمان بتعليم الخلق واهدارهم وتمكينهم من الاسباب المتنوعة. الا يعلمه العباد في ذلك الوقت؟ ولم يعين هذه الاشياء باعيانها واوصافها بل اخبر باللوازم الدالة على الملزوم لحكمة يفهمها كل متدبر متأمل فانه لو اخبرهم في ذلك الوقت باوصافها وقال لهم انها ستكون الطيارات والمراكب البخارية بانواعها. ان الناس سيتخاطبون في مشارق الارض ومغاربها في اسرع من لمح البصر. انه تكون كذا وكذا مما هو واقع ولا يزال يقع. لو اخبرهم ببعض ذلك لارتاب الناس من خبره. ولكان ذلك داعيا الى التكذيب. لان الناس لا بامر لم يشاهدوا له نظيرا. انظر لما اخبرهم بالاسراء والمعراج والشجرة الملعونة في القرآن. كيف كان ذلك فتنة للمكذبين؟ مع ان معجزات الانبياء قد عرف الناس انها من خوارق العادات. انها تقع على خلاف المعهود. فكيف لو اخبرهم بما حدث ويحدث في هذه الاوقات لكن ولله الحمد اخبر تعالى بنصوص متعددة باخبارات عامة وبلاوازم تدل على جميع ما حدث ويحدث. وكل المخترعات وان عظمت يسهل جدا تطبيق النصوص عليها واذا وجدت ظهر بها معجزة القرآن حيث اخبر بامور ولوازم لها ملزومات من ابعد الاشياء في عقول للخلق ثم وقعت طبق ما اخبر فازداد المؤمنون بها ايمانا بالله ورسوله وازداد المكذبون اعراضا ونفورا وتمردا. قال تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم. وقال سبحانه ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. وكما ان الارض محتوية على منافع عظيمة سخرها الله للادميين. كذلك اخبر ان الحديد فيه منافع للناس. ولم يقل الفلانية والفلانية ليشمل جميع المنافع التي تخدم بالحديد سابقا ولاحقا. فكل منفعة استخرجت من الارض او من الحديد منفردة او كورونا بغيرها او مساعدة لغيرها من الاسباب فانها داخلة في هذه الايات. كل تعليم حصل للبشر في العلوم الدينية والدنيوية والكونية فانه داخل في قوله تعالى علم الانسان ما لم يعلم. فلا يمكن ان يشذ عن هذه المعلومات شيء من العلوم والفنون والمنافع والمخترعات مستخرجات والنتائج والثمرات وكلها من الله بما يسر للعباد من الوسائل التي يدركونها بها. فمن الذي علمهم ومن الذي اقدرهم عليها؟ ومن الذي جعل فيها القوى والمنافع الكامنة وهداهم الى استخراجها الا الله تعالى. كما انه هو الذي يحيي ويميت ويرزق الخلائق ويدبر انواع التدابير بما خلق ويسر من الاسباب الموصلة الى هذه الامور. ولكن الجاحد قاصر النظر يقف عند الاسباب ولا يتجاوزها الى مسببها مقدرها والمنعم بها. ومن ذلك قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم مم حتى يتبين لهم انه الحق. فهذا خبره تعالى عن امور مستقبلة انه يري عباده من الايات والبراهين في الافات فاق في الانفس ما يدلهم على ان القرآن حق والرسول حقا وما جاء به هو الحق. وقد اراهم من اثار تعليم الله لهم واقداره لهم تيسير للاسباب المتنوعة في الافاق وفي انفسهم. ما يتبين به لكل منصف ان خبر الله وخبر رسله حقا. فان المكذبين يستبعدون خبر الله وهي وخبر رسله عن الغيوب التي لا تدركها عقولهم وافهامهم القاصرة فاراهم في هذه الاوقات امورا. فيها الدلالة الواضحة على ذلك فانه الذي اقدر الادمي الذي خرج من بطن امه لا يعلم شيئا فعلمه واقدره ويسر له الاسباب التي تنتج له الاعمال الباهرة بعدما كانت هذه الامور من المحالات عندهم. ذلك برهان على صدقه وصدق رسله. وقد كان المكذبون يستبعدون احياءه الموتى وجمعهم ليوم لا ريب فيه ولا يصدقون بالاسراء ومعراج الرسول ولا بانه تعالى ينادي الخلق بصوت يسمعه القريب والبعيد. وينكرون التخاطب بين اهل الجنة والنار مع البعد المفرط مع ان امور الغيب مخالفة لامور الشهادة فاراهم الله في الافاق وفي انفسهم من مخترعاتهم وعلومهم وفنونهم من المراكب الهوائية والبحرية والبرية باصنافها. ومن المخترعات الجهنمية ومن المخاطبات المتنوعة بين اهل الاقطار. ما يدلهم على ان هو الحق ورسوله ودينه ووعده ووعيده. ولكن ابى الظالمون الا نفورا واستكبارا. والحديث الثابت صحيح صريح في هذا فانه اخبر فصلى الله عليه وسلم انه يتقارب الزمان فظهر مصداقه في هذه الاوقات بقرب المواصلات واتصال الاخبار بجميع اهل الاطار حتى كأن الدنيا يكن لها بلد واحد من تقارب ما بينها وتقارب الزمان يلزم منه تقارب المكان. وقد كان هذا الحديث مشكلا معناه على اهل العلم قبل هذا الواقع فلما تم للبشر ما تم لهم من هذا التقارب الباهر لم يشك احد في ان هذا مراد الحديث وان من لوازم اخباره صلى الله عليه وسلم الاخبار بوجود الاسباب المتنوعة التي يحصل بها التقريب. لان اخبار الشارع بالشيء اخبار به وبما لا يتم الا به. كما ان امره بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. والوسائل لها احكام المقاصد. كذلك اخباره بانها لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجا وانهارا في صحيح مسلم. من ذا الذي يخطر بباله قبل هذه الاوقات ان هذه الجزيرة القاحلة تكون على هذا الوصف حتى ظهر مصداق ذلك ومباديه يسير امور الحراثة تخراج المياه بالالات الحديثة فخبروه بذلك خبر عن الامرين عما يقع عما به يقع عن الجزيرة انها ستكون فوجا وانهارا وعن الالات التي تخرج بها المياه وتحرث بها الاراضي وتتيسر الاعمال. ومن ذلك قوله تعالى واعدوا لهم استطعتم من قوة. وقوله وخذوا حذركم. فهذا الامر في كل زمان ومكان. وفي كل حال بما يليق بها. وهو امر بتعلم الفنون والقتال وهو امر بتعلم العلوم والفنون العصرية التي فيها التحصن من الاعداء والحذر منهم واعداد القوة بحسب الاستطاعة والامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. فلا ريب ان هذا امر بتعليم الصناعات والمخترعات. ولكل ما يحصل به اعداد القوة المرهبة اعداء من القوة المادية والمعنوية فمن ظن انها لا تدخل فيها فلقصور علمه وعقله. ولهذا اطلق الله في الايتين اعداد القوة والاخذ بالحذر ليشمل كل ما حصل به هذا الامر الضروري النافع. بل جميع الاوامر التي يأمر الله فيها بدفع عدوان الاعداء ومقاوماتهم بكل طريق تدل على وجوب تعليم الفنون الحربية والصناعية وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وذلك داخل في الجهاد. جهاد المقاومة وجهاد ومن ذلك اخباره بانهم من كل حدب ينسلون. الحدب الموضع المرتفع والنسلان الاسراع. فاذا اخبر انهم من كل حدب اي مكان من مرتفع ومنخفض بان الاخبار بالمرتفعات الصعبة المتعسرة يدل من باب اولى واحرى ان السهول كذلك. وهذا دليل على امرين عظيمين احدهما الاخبار بقرب المواصلات فان كل حدب من ادوات العموم. وان هذا الحديث سيشمل جميع الاطار في غاية ما يكون من السرعة. والثاني الاخبار بحدود فيما به يحصل هذا الاسراع الشامل لكل حدب. وهو هذه المخترعات الحديثة فان الاخبار باللازم اخبار بالملزوم وبالعتب. والاخبار بالشيء اخبار بالوسائل والاسباب التي توصل اليه. وهذا واضح. الاسباب تدل على المقاصد. والمقاصد يعرف بها حصول الوسائل. ومن ذلك امتنانه على العباد ما يسره لهم من الفلك البحرية وانها من اكبر نعمه التي تحملهم وتحمل اثقالهم وامتعتهم. ويحصل فيها تبادل المنافع المتعددة. وذلك تدل دلالة واضحة ان الصناعات التي يحصل بها هذا الجنس النافع بل الضروري الذي نفع العباد في امور دينهم ودنياهم ان تعلمها مما ما يحبه الله ومما يأمر به. وهنا ايات كثيرة في هذا ولكن هنا اية تشاركها في هذا المقصد تمتاز عنها بشمولها لجميع اصناف ملك البحرية والبرية والهوائية. وهي قوله تعالى واية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون اي اية للعباد على كمال قدرة الله وتفرده بالوحدانية وسعة رحمته وصدق رسله ان حملنا ذريتهم في الفلك المشهود فانه لما كان القرآن خطابا لاول هذه الامة واخرها. القرآن اوسع المعاني واشملها. وقد علم الباري جل وعلا بعلمه المحيط. ان تلك المتنوعة من سفن بحرية ومن قطارات وسيارات برية ومن طائرات هوائية بجميع انواعها. علم تعالى انها تتسع جدا في اخر الزمان وانه لا يدركها هؤلاء المخاطبون اولا انما تدركها ذرياتهم. قال ذريتهم فانه لما كان جنس الفلك موجودا هي السفن التي يعرفونها صرح به كما صرح بما كان اصله موجودا في ذلك الوقت. ولكن الصناعة رقته ونوعته وفرعته. هذا التفسير في هذه الاية نظير التفسير الذي اشرنا اليه في قوله صلى الله عليه وسلم يتقارب الزمان. وان اهل العلم قبل وقوعه تضاربت اقوالهم فيه بمحتملاته من بعيدة. كذلك هذه الاية الكريمة فسروا الذرية بوجوه بعيدة عن اللفظ والمعنى. حتى حملها كثير من المفسرين على ان المراد بالذرية الاباء والاجداد وانه من الاضضاد وهذا لا يعرف في اللغة ولكن ولله الحمد القرآن عربي اللفظ والمعنى صريح فيما ذكرنا ان الله اذا ترى المعاني الجليلة ذكر اوسعها واعلاها واشملها. وقد يذكر الله قصة خاصة اذا اراد ان يحكم عليها ذكر حكما عاما يشملها ويشمل ما هو نظيرها كما ذكرنا هذا في القواعد القرآنية وذكرنا امثلته هناك. المقصود ان الاية الكريمة تشمل النعمة بجميع الفلك. على اختلاف انواع البري والبحري والهوائي وهذا متضمن للحث على الوسائل التي تدرك بها هذه الاشياء وذلك بالتعلم للفنون والصناعات العصرية انه لا وسيم لها سوى ذلك كما هو معروف لكل احد فصله. ومن ذلك امره تعالى بفعل الاسباب التي تحصل فيها الارزاق من تجارات وصناعات وحراثات وحرف وغيرها وامتنانه على العباد بتيسيرها والاستعانة بها على طاعة الله والقيام بالواجبات المتعددة. كقوله تعالى حين امر بالسعي الى الجمعة وتقديمها على المكاسب التي هي وسائل لها ولغيرها من الفروض. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله اي ببيع ان وشراء وصناعة وحراثة وغيرها من اسباب الرزق. وقال تعالى هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور. اي جعلها مدللة لاسفاركم. مدللة روثكم مدللة لاستخراج معادنكم المتنوعة مهيئة لكل ما تحتاجونه منها. فامشوا في مناكبها اي في طلب الرزق والسعي في تحصيله ذلك يشمل جميع الطرق التي ينال بها الرزق في جميع الاقتصاديات التي اباحها الله ورسوله التي كانت موجودة في ذلك الزمان والتي لا تزال وتحدث اسبابها شيئا بعد شيء وينفتح للعباد من اسباب الرزق وطرقه امور لم تكن موجودة قبل ذلك. فعلمها وتعلمها وسلوك طرقها من مما امر الله به ورسوله حتى انه تعالى امر الناس ان يحجروا على سفهائهم في اموالهم الخاصة عن التصرفات الضارة لقصر عقولهم ومعارفهم وتجاربهم حتى يعلموهم ويختبروهم بالتجربة التي هي الطريق لمعرفة احوالهم. وهذا يدل على ان الله يحب من عباده هذا الامر يأمرهم به. ولهذا علل ذلك بقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما. فاخبر تعالى انه جعلها قيام من تقوم بها الامور الدينية والامور الدنيوية تقوم بها الضروريات والحاجيات والكماليات. فقد علمنا ربنا العناية التامة بحفظ الاموال اقتصادي في انفاقها. وعلمنا كيف نسلك الطرق المتنوعة لتحصيلها. ولم يحرم علينا منها طريقا واحدا الا الطرق المحرمة التي تضرنا وتكون سببا لهلاكنا. فمن هذه نعمته الكبرى على العباد ورحمته بهم. اليس يدل سبحانه على ان تعلم الفنون الاقتصادية الخاصة بالافراد العامة للحكومات والابار التي تنال بها الارزاق مما يحبه الله ويرضاه ويامر به ويوجبه. فهل شذ عن هذا الاصل فن وطريق او وسيلة من وسائل الرزق فتبارك الرزاق الحكيم الذي من حكمته جعل الارزاق وغيرها تنال باسبابها. ومن حكمته ان جعل لكل نوع من منها اناسا فيه يرغبون وله يعملون لتقوم المصالح كلها ويرتبط الناس بعضهم ببعض. فاهل التجارات واهل الصناعات واهل المهن والحرف واهل الحراثات وغيرهم كل منهم محتاج الى الاخر لا يستغني احد منهم عن احد بل اهل الاقطار النائية لما توسعت اسباب المكاسب اضطر بعضهم الى بعض ان فتحت طرق كثيرة لتحصيل الرزق. والكل من فضل الله وتيسيره ورزقه واحسانه. ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان اطيب ما اكلتم من كسبكم وهذا يشمل المكاسب كلها. وسئل اي الكسب اطيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم عمل الرجل بيده وكل بيت فان مبرور. وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيصيب منه انسان او طير او دابة الا كان له به وقد حث صلى الله عليه وسلم في عدة احاديث على التكسب والاستغناء به عن مسألة الناس وسؤالهم. والواجبات الدينية من الزكوات والكفارات ودفع الحاجات والواجبات الدينية من الزكوات والكفارات ودفع الحاجات والضرورات لا تقوم الا بالاموال. وكذلك الجهاد والمصالح الكلية والنفقات على النفس والعائلة والمماليك. وصدقات المتنوعة كلها لا تقوم الا بالاموال. والاموال لا تحصل الا بالكسب. فعلم ان السعي في تحصيل هذه الامور تبع لها ما كان منها واجب فوسيلته واجبة. وما كان منها مندوب فوسيلته مندوبة