المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في ايات القصاص والحدود. قال تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر الى اخرها والتي بعدها. يمتن الله على عباده بان فرض عليهم القصاص في القتلى. اي المساواة فيه. وان يقتل القاتل عمدا على الصفة التي قتل عليها المقتول اقامة للعدل بين العباد. توجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على انه يجب وعليهم كلهم حتى اولياء القاتل. حتى القاتل نفسه. اعانة ولي المقتول اذا طلب القصاص. وتمكينه من القاتل. وان انه لا يحل لهم ان يحولوا بينه وبين القاتل اذا تمت الشروط كما يفعله اهل الجاهلية. ومن اشبههم من ايواء المحدثين. ثم فصل ذلك ذلك بقوله الحر بالحر يدخل في منطوقها وفي منطوق قوله ان النفس بالنفس ان الذكر يقتل بالانثى كما تقتل انثى بالذكر فيكون هذا المنطوق مقدما على مفهوم قوله والانثى بالانثى. مع دلالة صريح السنة الصحيحة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي بالجارية. وخرج من هذا العموم الابوان وان علوا فلا يقتلان بالولد بورود السنة بذلك مع ان في لفظ القصاص ما يدل على انه ليس من العدل ان يقتل الوالد بولده. ولان ما في قلب الوالدين من الرحمة المانعة من صدور هذه الجريمة منهما على ولدهما ما يحدث الشبهة. مع انه لابد في عقلهما اختلالا او اذية شديدة. احوجته الى قتل ولده او لم يحرر ان القتل عمد محض. وخرج من هذا العموم ان المسلم لا يقتل بالكافر لثبوت السنة بذلك. مع ان الاية في خطاب مؤمنين خاصة وليس ايضا من العدل ان يقتل ولي الله بعدوه. والعبد بالعبد ذكرا كان او انثى. تساوت قيمتهما او اختلفا ودل مفهومهما على ان الحر لا يقتل بالعبد بكونه غير مساو له. وفي هذه الاية دليل على ان الاصل وجوب القوض في العمد العدوان وان الدية بدل عنه. فلهذا قال فمن عفي له من اخيه شيء اي عفا ولي المقتول عن القاتل الى الدية. او عفا بعض الاولياء فانه يسقط القصاص وتجب الدية. وتكون الخيارات في القوض واختيار الدية الى الولي. فاذا عفا عنه وجب على ولي المقتول ان يتبع القاتل بالمعروف من غير ان يشق عليه. ولا يحمله ما لا يطيق. بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه. وعلى قاتل اداء اليه باحسان من غير مطل ولا نقص ولا اساءة فعلية او قولية فهل جزاء الاحسان اليه بالعفو الا الاحسان بحسن القضاء وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للانسان. مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف. ومن عليه الحق باحسان كما قال صلى الله عليه وسلم رحم الله عبدا سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى. وفي قوله عفي له من اخيه ترقيق وحث على العفو الى الدية. واكمل من ذلك العفو مجانا. وفي قوله اخيه دليل على ان القاتل عمدا لا يكفر. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الاسلام. فلم يخرج بالقتل عنها. ومن باب اولى سائر المعاصي التي هي دون القتل. ان صاحبها لا يكفر ولكنه يستحق العقاب وينقص بذلك ايمانه ان لم يتب. واذا عفا اولياء المقتول او بعضهم احتقن دم القاتل وصار معصوما منهم ومن غيرهم. فلهذا قال فمن اعتدى بعد ذلك اي بعد العفو فله عذاب اليم اي في الاخرة. واما قتل قتله وعدمه فيؤخذ مما تقدم لانه قتل مكافئا له فيجب قتله بذلك. ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص فقال ولكم في القصاص حياة اي تنحقن بذلك الدماء وتنقطع به الاشقياء. لان من عرف انه اذا قتل قتل لا يكاد تصدر منه قتلا. واذا رؤي القاتل مقتولا انزجر غيره بذلك. فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل من انكفاف الشر ما فيحصل بالقتل. وهكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النكاية والانزجار. ما يدل على حكمة الحكيم الغفار. ونكر الحياة بافادة التعظيم. ولما كان هذا الحكم لا يعرفه حقيقة المعرفة الا اهل العقول الكاملة. قال ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون. وهذا يدل على انه يحب من عباده ان يعملوا افكارهم وعقولهم بتدبر ما في احكامه من الحكم والمصائب صالح الدالة على كماله وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة. وان من كان بهذا الوصف فقد استحق الثناء والمدح بانه من ذوي الالباب الذين وجه اليهم الخطاب وكفى بذلك فضلا وشرفا. وقوله لعلكم تتقون. وذلك ان من عرف ربه ما في دينه وشرعه من الاسرار العظيمة والحكم البديعة والايات الرفيعة اوجب له ان ينقاد لامر الله ويخضع لشرعه طاعة لله ولرسوله. قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. ولا تأخذكم بهما رأفة في دينكم لان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. هذا حد الزاني غير المحصن من ذكر او انثى يجلد مائة جلدة جلدات تؤلمه وتزجره ولا تهلكه. ويتعين ان يكون ذلك علنا لا سرا. بحيث يشهده طائفة من المؤمنين كأن اقامة الحدود من الضروريات لقمع اهل الجرائم. واشتهارها هو الذي يحصل به الردع والانزجار واظهار عائر الدين. والاستتار به او على احد دون احد فيه مفاسد كثيرة. وردت السنة بتغريب عام كامل عن وطنه مع الجل اما تواترت السنة واجمع المسلمون على رجم الزاني المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت. وقال تعالى فالسارق والسارقة فاقطع او ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله. والله عزيز حكيم. السارق هو من اخذ مال غيره المحترم بغير رضاه وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب هذه العقوبة. وهو انه يجب قطع يده اليمنى كما هي قراءة بعض الصحابة. واليد اذا اطلقت فهي الكف الى الكوع فقط. فاذا قطعت حسمت وجوبا في زيت او ودك مغلي لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنة قيدت عموم الاية الكريمة بامور كلها ترجع الى تحقيق السرقة للاموال. ومنها لابد ان يكون المأخوذ منه حرزا وحفظ كل مال ما يحفظ به عادة فلو سرق من مال غير محرز فلا قطع عليه. ويؤخذ هذا من لفظ السارق فانه الذي يأخذ المال على وجه لا يمكن التحرز منه. فان عاد السارق قطعت رجله اليسرى. فان عاد فقيل تقطع يده اليسرى. ثم ان عاد قطعت رجله اليمنى وقيل يحبس حتى يموت. وورد في ذلك اثار عن السلف مختلفة. وقوله جزاء بما كسب. من التجري على اموال الناس نكالا من الله اي ترهيبا منه للسراق ليرتدعوا اذا علموا انهم يقطعون. هذا نظير قوله في القتل ولكم في القصاص حياة. والله عزيز حكيم. اي عز وحكم. فقطع بحكمته يد السارق. تنكيلا للمجرمين وحفظا للاموال وقد ذكر الله قبل هذا حد قطاع الطريق المحاربين في قوله انما جزاء الذين يحاربون الله. وقيل ان الامام مخير فيهم بين هذه الامور وعليه ان يفعل ما تقتضيه المصلحة ويحصل به النكاية. وقيل ان هذه العقوبة مرتبة بحسب الجريمة ان جمعوا بين القتل واخذ المال جمع لهم بين القتل والصلب. وان قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا. وان اخذوا مالا ولم اقتلوا قطعت ايديهم وارجلهم من خلاف. وان اخافوا الناس ولم يقتلوا ولا اخذوا مالا. نفوا من الارض فلا يتركون يأوون الى بلد. او يحبسون كما قاله بعضهم