المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم يخاطب الله الناس كافة بان يتقوا ربهم الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة. فحقيق بهم ان يتقوه بترك والفسوق والعصيان ويمتثل اوامره مهما استطاعوا. ثم ذكر ما يعينهم على التقوى ويحذرهم من تركها. وهو الاخبار باهوال يوم القيامة فقال لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه. ذلك بانها اذا وقعت الساعة رجفت الارض وارتجت وزلزلت زلزالها وتصدعت الجبال واندكت وكانت كثيبا مهيلا ثم هباء منبثا. ثم انقسم الناس ثلاثة ازواج. فهناك تنفطر السماء وتكور الشمس والقمر. وتنتثر النجوم. ويكون من القلب والبلابل ما تنصدع له القلوب وتجل منه الافئدة وتشيب منه الولدان وتذوب له الصم الصلاب. ولهذا قال وتضع كل ذات حمل حملها يوم ترونها تذهل كل مرضعة عنا ارضعت مع انها مجبولة على شدة محبتها لولدها. خصوصا في هذه الحال التي لا يعيش الا بها. وتضع كل ذات ان حملها من شدة الفزع والهول اي تحسبهم ايها الرائي لهم سكارى من الخمر وليسوا سكارى فلذلك اذهب عقولهم وفرغ قلوبهم وملأها من الفزع. وبلغت القلوب الحناجر وشخصت الابصار في ذلك اليوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. ويومئذ يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبه وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وهناك يعض الظالم على يديه. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه. وتنصب الموازين التي يوزن بها مثاقيل الذر من الخير والشر وتنشر صحائف الاعمال وما فيها من جميع الاعمال والاقوال والنيات من صغير وكبير ويوصل الصراط على متن جهنم وتزلف الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين. اذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيما وزفيرا. واذا القوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوه هنالك ثبورا ويقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدة وادعوا ثبورا كثيرا. واذا نادوا ربهم ليخرجهم منها قال اخسئوا فيها ولا تكلمون. قد غضب عليهم الرب الرحيم. وحضرهم العذاب الاليم. وايسوا من كل خير. ووجدوا اعمالهم كلها لم يفقدوا منها لا نقيرا ولا قطميرا. هذا والمتقون في روضات الجنات يحضرون. وفي انواع اللذات يتفكهون. وفيما اشتهت انفسهم خالدون. فحقيق للعاقل الذي يعرف ان كل هذا امامه ان يعد له عدته وان لا يلهيه الامل. فيترك العمل وان تكون تقوى الله شعاره. وخوفه ومحبة الله وذكره رح اعماله اي ومن الناس طائفة وفرقة سلكوا طريق الضلال وجعلوا يجادلون بالباطل الحق يريدون احقاق الباطل وابطال الحق. والحال انهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء. وغاية ما عندهم تقليد ائمة الضلال من كل شيطان مريد متمرد على الله وعلى رسله معاند لهم قد شاق الله ورسوله وصار من الائمة الذين يدعون الى النار كتب عليه اي قدر على هذا الشيطان المريد انه من تولاه اي اتبعه فانه يضله عن الحق. ويجنبه الصراط المستقيم ويهديه الى عذاب السعير. وهذا نائب ابليس حقا. فان الله قال عنه انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير فهذا الذي يجادل في الله قد جمع بين ضلاله بنفسه وتصديه الى اضلال الناس. وهو متبع ومقلد لكل شيطان مريد مات بعضها فوق بعض ويدخل في هذا جمهور اهل الكفر والبدع. فان اكثرهم مقلدة يجادلون بغير علم يقول تعالى يا ايها الناس ان في ريب من البعث اي شك واشتباه وعدم علم بوقوعه. مع ان الواجب عليكم ان تصدقوا ربكم. وتصدقوا رسله في ذلك ولكن اذا ابيتم الا الريب فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما. كل واحد منهما يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه ويزيل عن قلوبكم الريب. احدهما الاستدلال بابتداء خلق الانسان. وان الذي ابتدأه سيعيده. فقال فيه فانا من تراب وذلك بخلق ابي البشر ادم عليه السلام ثم من نطفة ايمني وهذا ابتداء اول التخليق ثم من اي تنقلب تلك النطفة باذن الله دما احمر. ثم من مضغة اينتقل الدم مضغة اي قطعة لحم بقدر ما يمضغ كالمضغة تارة تكون مخلقة اي مصور منها خلق الادمي وغير مخلقة تارة. بان تقذفها الارحام قبل تخليقها. لنبشر بين لكم اصل نشأتكم مع قدرته تعالى على تكميل خلقه في لحظة واحدة. ولكن ليبين لنا كمال حكمته وعظيم قدرته رحمته ايها نقر نبقي في الارحام من الحمل الذي لم تقذفه الارحام. ما نشاء ابقاءه الى اجل مسمى. وهو مدة الحمل ثم نخرجكم من بطون امهاتكم طفلا لا تعلمون شيئا. وليس لكم قدرة وسخرنا ما لكم الامهات واجرينا لكم في ثديه الرزق ثم تنتقلون طورا بعد طور حتى تبلغوا اشدكم وهو كمال القوة والعقل ومنكم من يتوكل فمن قبل ان يبلغ سن الاشد ومنكم من يتجاوزه فيرد الى ارض للعمر. اي اخسه وارذله. وهو سن الهرم والتخريب. الذي به يزول العقل محل كما زالت باقي القوى وضعفت. اي لاجل الا يعلم هذا معمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك. وذلك لضعف عقله. فقوة الادمي محفوفة بضعفين. ضعف الطفولية ونقصها وضعف الهرم ونقصه كما قال الله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير والدليل الثاني احياء الارض بعد موتها. فقال الله فيه اهتزت وربت. وترى الارض هامدة اي خاشعة مغبرة. لا نبات فيها ولا خضر فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت اي تحركت بالنبات وربت اي ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتها ترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل وانبتت من كل زوج اي صنف من اصناف النبات بهيج اي يبهج الناظرين ويسر المتأملين. فهذا للدليلان القاطعان يدلان على هذه المطالب الخمسة وهي هذه ذلك الذي انشأ الادمي مما وصف لكم الارض بعد موتها بان الله هو الحق. اي الرب المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله. وعبادته هي الحق. وعبادة غيره باطلة. وانه يحيي الموتى كما ابتدأ الخلق وكما احيا الارض بعد موتها. كما اشهدكم من بديع بقدرته وعظيم صنعته ما اشهدكم وان الساعة اتية لا ريب فيها فلا وجه لاستبعادها. وان الله يبعث من في القبور فيجازيكم باعمالكم حسنها وسيئها المجادلة المتقدمة للمقلد وهذه المجادلة للشيطان المريد الداعي الى البدع فاخبر وانه يجادل في الله اي يجادل رسل الله واتباعهم بالباطل ليدحض به الحق. بغير علم صحيح ولا هدى اي غير متبع في جداله هذا من دي لا عقل مرشد ولا متبوع مهتد ولا كتاب منير. اي واضح بين فلا له حجة عقلية ولا نقلية. ان هي الا شبهات يوحيها اليه الشيطان. وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم. ومع هذا ثاني عطفه. اي لاوية جانبه وعنقه. وهذا كناية عن كبره عن الحق. واحتقاره للخلق. فقد فرح بما معه من العلم غير النافع واحتقر اهل الحق وما معه من الحق. ليضل الناس اي ليكون من دعاة الضلال. ويدخل تحت هذا جميع ائمة الكفر والضلال. ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والاخروية فقال له في الدنيا خزي اي يفتضح هذا في الدنيا قبل الاخرة. وهذا من ايات الله العجيبة فانك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال الا وله من المقت بين العالمين واللعنة والبغض والذم ما هو حقيق به وكل بحسب حاله اي نذيقه حرها الشديد وسعيرها البليغ وذلك بما قدمت يداه ان الله ليس بظلام للعبيد ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا ذلك هو الخسران المبين. اي ومن الناس من هو ضعيف الايمان لم يدخل الايمان قلبه ولم تخالطهم بشاشته. بل دخل فيه اما خوفا واما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. فان اصابه خير اطمأن به. اي ان استمر ورزقه رغدا ولم يحصل له من المكاره شيء. اطمأن بذلك الخير لا بايمانه. فهذا ربما ان الله يعافيه ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه. وان اصابته فتنة من حصول مكروه او زوال محبوب انقلب على وجهه اي ارتد عن دينه خسر الدنيا والاخرة. اما في الدنيا فانه لا يحصل له بالردة ما امله الذي جعل الردة رأسا لماله. وعوضا عما يظن ادراكه. فخاب سعيه ولم يحصل له الا ما قسم له. واما الاخرة فظاهر حرم الجنة التي عرضها السماوات والارض. واستحق النار. اي الواضح البين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه. ذلك هو الضلال البعيد يدعو هذا الراجع على وجهه من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه. وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله. فانه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا. ذلك هو الضلال البعيد الذي قد بلغ في البعد الى حد نهاية حيث اعرض عن عبادة نافع الضار الغني المغني. واقبل على عبادة مخلوق مثله او دونه. ليس بيده من الامر شيء هل هو الى حصول ضد مقصوده اقرب؟ ولهذا قال ان ضرره في العقل والبدن والدنيا والاخرة معلوم. لبئس المولى اي هذا ولبئس العشير اي القرينة الملازمة على صحبته. فان المقصود من المولى والعشير حصول النفع ودفع الضرر. فاذا لم يحصل شيء من هذا فانه مذموم ملوم. ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات لما ذكر تعالى وانه على قسمين مقلد وداع ذكر ان المتسمي بالايمان ايضا على قسمين قسم لم يدخل الايمان قلبه كما تقدم والقسم الثاني المؤمن حقيقة صدق ما معه من الايمان بالاعمال الصالحة. فاخبر تعالى انه يدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار وسميت الجنة جنة لاشتمالها على المنازل والقصور. والاشجار والنوابت التي تجن من فيها. ويستتر بها من كثرتها الله يفعل ما يريد. فما اراده تعالى فعله من غير ممانع ولا معارض. ومن ذلك ايصال اهل الجنة اليه فيها جعلنا الله منهم بمنه وكرمه اي من كان يظن ان الله لا ينصر رسوله وان دينه فان النصر من الله ينزل من السماء. فليمدد ذلك الظان بسبب اي حبل الى السماء وليرقى اليها. ثم ليقطع النصر عليه من السماء فلينظر هل يذهبن كيده اي ما يكيد به الرسول ويعمله من محاربته والحرص على ابطال دينه ما يغيظه من ظهور دينه وهذا استفهام بمعنى النفي. وانه لا يقدر على شفاء غيظه بما يعمله من الاسباب. ومعنى هذه الاية الكريمة يا ايها المعادي للرسول لمحمد صلى الله عليه وسلم الساعي في اطفاء دينه الذي يظن بجهله ان سعيه سيفيده شيئا. اعلم انك مهما فعلت من الاسباب سعيت في كيد الرسول فان ذلك ليذهب غيظك ولا يشفي كمدك. فليس لك قدرة في ذلك. ولكن سنشير عليك برأي تتمكن به من شفاء غيظك ومن قطع النصر عن الرسول ان كان ممكنا ائت الامر مع بابه وارتقي اليه باسبابه. اعمد الى حبل من ليف او غيره ثم علقه في السماء ثم اصعد به حتى تصل الى الابواب التي ينزل منها النصر. فسدها واغلقها واقطعها فبهذه الحال تشفي غيظك. فهذا هو الرأي والمكيدة وان ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك انك تشفي بها غيظك. ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الاية الكريمة فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى. ومن تأييس الكافرين الذين يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم. والله متم كره ولو كره الكافرون. اي وسعوا مهما امكنهم اي وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما فصلنا جعلناه ايات بينات واضحات. دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة. ولكن الهداية بيد الله. فمن اراد الله هدايته اهتدى بهذا وجعله اماما له وقدوة واستضاء بنوره. ومن لم يرد الله هدايته. فلو جاءته كل اية ما امن. ولم ينفعه القرآن شيئا بل يكون حجة عليه موسى والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة. ان الله الم تر ان الله يسجد له من في السماوات والنجوم والجبال والشجر والدواب الدوام. وكثيرا من الناس. وكثير من ومن يهن الله فما له من ان الله يفعل ما يشاء يخبر تعالى عن طوائف اهل الارض من الذين اوتوا الكتاب من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين ومن المجوس ومن المشركين ان الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل ويجازيهم باعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها. ولهذا قال ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله هذان خصمان اختصموا في ربهم كل يدعي انه المحق فالذين كفروا يشمل كل كافر من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والمشركين. قطعت لهم ثياب من نار اي يجعل لهم ثياب من قطران وتشعل فيها النار ليعمهم العذاب من جميع جوانبهم رؤوسهم الحميد الماء الحار جدا يشعر بهما في بطونهم من اللحم والشحم والامعاء. من شدة حره وعظيم امره ولهم مقامع من حديد بيد الملائكة الغلاظ الشداد تضربهم فيها وتقمعهم اعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق. فلا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينظرون. ويقال لهم توبيخا عذاب الحريق اي المحرق للقلوب والابدان جنات تجري من تحتها الانهار ومعلوم ان هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين. الذين امنوا بجميع الكتب وجميع الرسل يحلون فيها من اساور من ذهب اي في ايديهم رجالهم ونسائهم اساور الذهب. فتم نعيمهم بذكر انواع المأكولات الذي ذات المشتمل عليها لفظ الجنات. وذكر الانهار السارحات. انهار الماء واللبن والعسل والخمر. وانواع اللباس الحلي الفاخر وذلك بسبب انهم هدوا الى الطيب من القول الذي افظله واطيبه كلمة الاخلاص. ثم سائر الاقوال الطيبة التي فيها ذكر الله او احسان الى عباد الله وهدوا الى صراط حميد. اي الصراط المحمود وذلك لان جميع الشرع كله محتوي على الحكمة والحمد وحسن المأمور به وقبح المنهي عنه. وهو الدين الذي لا افراط فيه ولا تفريط. المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح. او وهدوء الى صراط الله الحميد. لان الله ما يضيف الصراط اليه لانه يوصل صاحبه الى الله. وفي ذكر الحميد هنا ليبين انهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم. ولهذا يقولون في الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله واعترض تعالى بين هذه الايات بذكر سجود المخلوقات جميع من في السماوات والارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب. الذي يشمل الحيوانات كلها وكثير من الناس. وهم مؤمنون اي وجب وكتب لكفره وعدم ايمانه فلم يوفقه الله اهو للايمان لان الله اهانه. ومن يهن الله فما له من مكرم واذا كان يتوقف على تأديب مقدر شرعا او غير مقدر كانواع التعزير قاموا بذلك. واذا كان يتوقف على جعل اناس متصدقين قيل له لزم ذلك ونحو ذلك مما لا يتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا به ولا راد لما اراد ولا معارض لمشيئته. فاذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته. مستكينة لعزته عانية لسلطانه دل على انه وحده الرب المعبود. والملك المحمود. وان من عدل عنه الى عبادة سواه فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم وانهم جمعوا بين الكفر بالله ورسوله وبين الصد عن سبيل الله ومنع الناس من الايمان والصد ايضا عن المسجد الحرام الذي ليس ملكا لهم ولا لابائهم. بل الناس فيه سواء المقيم فيه والطارئ اليه تصدوا عنه افضل الخلق محمدا واصحابه. والحال ان هذا المسجد الحرام من حرمته واحترامه وعظمته. ان من يرد فيه بالحاد بظلم نوذي ومن عذاب اليم فمجرد ارادة الظلم والالحاد في الحرم موجب للعذاب. وان كان غيره لا يعاقب العبد عليه الا بعمل الظلم. فكيف بمن اتى فيه اعظم الظلم من الكفر والشرك والصد عن سبيله ومنع من يريده بزيارة فما ظنكم ان يفعل الله بهم؟ وفي هذه الاية الكريمة وجوب احترام الحرام وشدة تعظيمه. والتحذير من ارادة المعاصي فيه وفعلها وطهر يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه. وهو خليل الرحمن. فقال واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت. اي هيئناه له وانزلناه اياه. وجعل قسما من ذريته من سكانه. وامره الله ببنيانه. فبناه على تقوى الله واسسه على طاعة الله. وبناه هو وابنه اسماعيل وامره الا يشرك به شيئا بان يخلص لله اعماله. ويبنيه على الله وطهر بيتي اي من الشرك والمعاصي ومن الانجاس والادناس. واضافه الرحمن الى نفسه لشرفه وفضله. ولتعظم محبته القلوب وتنصب اليه الافئدة من كل جانب. وليكون اعظم لتطهيره وتعظيمه. لكونه بيت الرب للطائفين به والعاكفين عنده. المقيم من العبادة من العبادات من ذكر وقراءة وتعلم علم وتعليمه وغير ذلك من انواع القرب. اي اي طهره لهؤلاء الفضلاء الذين همهم طاعة مولاهم وخدمته. والتقرب اليه عند بيته. فهؤلاء لهم الحق ولهم الاكرام ومن اكرامهم تطهير البيت لاجلهم. ويدخل في تطهيره تطهيره من الاصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش على المتعبدين. للصلاة والطواف وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت. ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد كل فج عميق. واذن في الناس اي اعلمهم به وادعوهم اليه وبلغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته فانك اذا دعوتهم اتوك حجاجا وعمارا رجالا اي مشاة على ارجلهم من الشوق وعلى كل ضامر اي ناقة ضامر تقطع المهام والمفاوز وتواصل السير حتى تأتي الى اشرف لكن من كل فج عميق. اي من كل بلد بعيد. وقد فعل الخليل عليه السلام ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم فدعا الناس الى حج هذا البيت وابديا في ذلك واعادا وقد حصل ما وعده الله به اتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الارض ومغاربها ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام مرغبا فيه فقال ليشهدوا منافع لهم اي لينالوا ببيت بالله منافع دينية من العبادات الفاضلة والعبادات التي لا تكون الا فيه ومنافع دنيوية من التكسب وحصول الارباح الدنيوية وكل هذا امر مشاهد كل يعرفه. ويذكر اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام. وهذا من المنافع الدينية والدنيوية اي ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا. شكرا لله على ما رزقهم منها. ويسرها لهم. فاذا ذبحتموها اي شديد الفقر ثم ليقضوا تفثهم اي يقضوا نسكهم ويزيلوا الوسخ والاذى الذي لحقهم في حال الاحرام وليوفوا نذورهم التي اوجبوها على انفسهم من الحج والعمرة والهدايا. اي القديم افضل المساجد على الاطلاق المعتق من تسلط الجبابرة عليه. وهذا امر بالطواف خصوصا بعد الامر بالمناسك عموما. بفضله وشرفه لكونه المقصود وما قبله وسائل اليه. ولعله والله اعلم ايضا لفائدة اخرى وهي ان الطواف مشروع كل وقت. وسواء كان تابعا اللي نسك ام مستقلا بنفسه فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور ذلك الذي ذكرنا لكم من تلكم الاحكام. وما فيها من تعظيم حرمات الله واجلالها وتكريمها. لان تعظيم حرمات الله من الامور المحبوبة لله المقربة اليه التي من عظمها واجلها اثابه الله ثوابا جزيلا. وكانت خيرا له في دينه. ودنياه واخراه عند ربه الله كل ما له حرمة وامر باحترامه بعبادة او غيرها كالمناسك كلها وكالحرم والاحرام وكالهدايا وكالعبادات التي امر الله العباد بالقيام بها. فتعظيمها اجلالها بالقلب. ومحبتها وتكميل العبودية فيها. غير متهاون ولا متكاسل ولا متثاقل ثم ذكر منته واحسانه بما احله لعباده من بهيمة الانعام من ابل وبقر وغنم وشرعها من جملة المناسك التي يتقرب بها اليه فعظمت منته فيها من الوجهين. الا ما يتلى عليكم في القرآن تحريمه من قوله حرمت اليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. ولكن الذي من رحمته بعباده ان حرمه عليهم ومنعهم منه تزكية لهم وتطهيرا من الشرك به وقول ولهذا قال فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور فاجتنبوا الرجز اي الخبث القذر من الاوثان اي الانداد التي جعلتموها الهة مع الله. فانها اكبر انواع الرجس. والظاهر ان من هنا ليست لبيان الجنس كما قاله كثير من المفسرين وانما هي للتبعير وان الرجس عام في جميع المنهيات المحرمات فيكون منهيا عنها عموما وعن الاوثان التي هي بعضها خصوصا. اي جميع الاقوال المحرمات فانها من قول الزور الذي هو الكذب. ومن ذلك شهادة الزور فلما نهاهم عن الشرك والرجس وقول الزور امرهم ان يكونوا حنفاء اي مقبلين عليه وعلى عبادته معرضين عما سواه. غير مشركين به فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق ومن يشرك بالله فمثله فكأنما خر من السماء. اي سقط منها فتخطفه الطير بسرعة اي بعيد. كذلك المشرك فالايمان بمنزلة السماء محفوظة مرفوعة. ومن ترك الايمان بمنزلة الساقط من السماء عرضة للافات والبليات. فاما ان تخطفه الطير فتقطعه اعضاء. كذلك المشرك اذا ترك الاعتصام بالايمان. تخطفته الشياطين من كل جانب ومزقوه. واذهبوا عليه دينه ودنياه. ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من اي ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماته وشعائره. والمراد بالشعائر اعلام الدين الظاهرة ومنها مناسك كلها كما قال تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله ومنها الهدايا والقرآن للبيت وتقدم ان معنى تعظيمها اجلالها والقيام وبها وتكميلها على اكمل ما يقدر عليه العبد. ومنها الهدايا فتعظيمها باستحسانها واستسمانها. وان تكون مكملة من كل وجه. فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب. فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة ايمانه. لان تعظيمها تابع لتعظيم الله واجلاله. لكم فيها منافع لكم فيها اي في الهدايا منافع الى اجل مسمى. هذا في الهدايا المسوقة من البدن ونحوها. ينتفع بها اربابها بالركوب والحلب ونحو ذلك. مما لا يضره الى اجل مسمى مقدر موقت. وهو ذبحها اذا وصلت محلها وهو البيت العتيق. اي الحرم كله منى وغيرها فاذا ذبحت اكلوا منها واهدوا واطعموا البائس الفقير اي ولكل امة من الامم السالفة جعلنا من سكن. اي فاستبقوا الى الخيرات وتسارعوا اليها ولننظر ايكم احسن عملا. والحكمة في جعل الله لكل امة منسكا. لاقامة ذكره والالتفات لشكره. ولهذا قال ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فالهكم اله واحد. وان اختلفت اجناس الشرائع فكلها متفقة على هذا الاصل وهو الوهية الله. وافراده بالعبودية وترك الشرك به. ولهذا قال فله اسلموا. اي انقادوا واستسلموا له ولا لغيره فان الاسلام له طريق الى الوصول الى دار السلام. بخير الدنيا والاخرة والمخبت الخاضع يدعو لربه المستسلم لامره المتواضع لعباده. ثم ذكر صفات المخبتين فقال والصابرين على ما اصابهم ما رزقناهم ينفقون. الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خوفا وتعظيما. فتركوا لذلك المحرمات بخوف وجلهم من الله وحده. والصابرين على ما اصابهم من البأساء والضراء وانواع الاذى. فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك. بل صبروا ابتغاء ربهم محتسبين ثوابه مرتقبين اجره رزقناهم ينفقون. والمقيمي الصلاة اي الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة. بان ادوا اللازم فيها والمستحب عبوديتها الظاهرة والباطنة. ومما رزقناهم ينفقون. وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة كالزكاة والكفارة. والنفقة على الزوجات والاقارب والنفقات المستحبة كالصدقات بجميع وجوهها. واتى بمن المفيدة للتبعيض. ليعلم سهولة ما امر الله الله به ورغب فيه وانه جزء يسير مما رزق الله. وليس للعبد في تحصيله قدرة. لولا تيسير الله له ورزقه اياه. فيا ايها المرزوق من بفضل الله انفق مما رزقك الله ينفق الله عليك ويزدك من فضله هذا دليل على ان الشعائر عام في جميع اعلام الدين الظاهرة. وتقدم ان الله اخبر ان من عظم شعائره فان ذلك من تقوى القلوب. وهنا اخبر ان من جملة شعائره البدن اي الابل والبقر على احد القولين فتعظم وتستسمن وتستحسن لكم فيها خير اي المهدي وغيره من الاكل والصدقة والانتفاع والثواب والاجر واطعموا القانع والمعتر. فاذكروا اسم الله عليها اي عند ذبحها. قولوا بسم الله واذبحوها. صواف اي قائمة بان تقام على قوائمها الاربع ثم تعقل يدها اليسرى ثم تنحر. فاذا وجبت جنوبها اي سقطت في الارض جنوبها حين تسلب ثم يسقط الجزار جنوبها على الارض. فحينئذ قد استعدت لان يؤكل منها فكلوا منها. وهذا خطاب للمهدي. فيجوز له الاكل من هدي واطعموا القانع والمعتر. اي الفقير الذي لا يسأل تقنعا وتعففا والفقير الذي يسأل. فكل منهما له حق فيه كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون. كذلك سخرناها لكم اي البدن لعلكم تشكرون الله الى تسخيرها فانه لولا تسخيره لها لم يكن لكم بها طاقة. ولكنه ذللها لكم وسخرها رحمة بكم واحسانا اليكم. فاحمدوه وقوله لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى من لن ينال الله لحومها ولا دماؤها. اي ليس المقصود منها ذبحها فقط. ولا ينال الله من لحومها ولا دمائها شيء. لكونه الغني الحميد وانما يناله الاخلاص فيها والاحتساب والنية الصالحة. ولهذا قال ولكن يناله التقوى منكم. ففي هذا حث وترغيب على الاخلاص في النحر وان يكون القصد وجه الله وحده لا فخرا ولا رياء ولا سمعة ولا مجرد عادة. وهكذا سائر العبادات ان لم يقترن بها الاخلاص وتقوى الله كانت كالقشور الذي لا لب فيه والجسد الذي لا روح فيه. كذلك سخرها لكم لتكبروا الله كذلك سخرها لكم لتكبروا الله اي تعظموه وتجلوه على ما اي مقابلة لهدايته اياكم. فانه يستحق اكمل الثناء واجل الحمد. واعلى التعظيم وبشر المحسنين بعبادة الله بان يعبدوا الله كانهم يرونه. فان لم يصلوا الى هذه الدرجة فليعبدوهم معتقدين وقت عبادتهم الطلال عليهم ورؤيته اياهم. والمحسنين لعباد الله بجميع وجوه الاحسان من نفع مال او علم او جاه او نصح. او امر بمعروف او نهيا عن منكر او كلمة طيبة ونحو ذلك. فالمحسنون لهم البشارة من الله بسعادة الدنيا والاخرة. وسيحسن الله اليهم كما في عبادته ولعباده هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ للذين احسنوا الحسنى وزيادة. ان الله يدافع عن هذا اخبار ووعد وبشارة من الله للذين امنوا ان الله يدافع عنهم كل مكروه ويدفع عنهم كل شر بسبب ايمانهم من شر الكفار وشر وسوسة الشيطان وشرور انفسهم وسيئات اعمالهم ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحملون. فيخفف عنهم غاية التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب ايمانه فمستقل ومستكثر. ان الله لا يحب كل خوف اخوان اي خائنة في امانته التي حمله الله اياها فيبخس حقوق الله عليه ويخونها ويخون الخلق. كفول لنعم الله يوالي عليه الاحسان ويتوالى منه الكفر والعصيان فهذا لا يحبه الله بل يبغضه ويمقته. وسيجازيه على كفره وخيانته ومفهوم الاية. ان الله الله يحب كل امين قائم بامانته شكور لمولاه الله على نصرهم لقدير. كان المسلمون في اول الاسلام ممنوعين من قتال الكفار. ومأمورين بالصبر عليهم بحكمة الهية فلما هاجروا الى المدينة واوذوا وحصل لهم منعة وقوة اذن لهم بالقتال. قال الله تعالى اذن للذين يقاتلون. يفهم منهم انهم كانوا قبل ممنوعين. فاذن الله لهم بقتال الذين يقاتلون. وانما اذن لهم لانهم ظلموا بمنعهم من دينهم. واذيتهم عليه واخراجهم من ديارهم. فليستنصروه وليستعينوا به ثم ذكر صفة ظلمهم فقال الله الذين اخرجوا من ديارهم اي الجئوا الى الخروج بالاذية والفتنة بغير حق الا ان ذنبهم الذي نقم منهم نساؤهم ان يقولوا ربنا الله اي الا انهم وحدوا الله وعبدوه مخلصين له الدين. فان كان هذا ذنبا فهو ذنبهم كقوله تعالى وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وهذا يدل على حكمة الجهاد وان المقصود منه اقامة دين الله. وذب الكفار المؤذين مؤمنين البادئين لهم بالاعتداء عن ظلمهم واعتدائهم. والتمكن من عبادة الله واقامة الشرائع الظاهرة. ولهذا قال ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض في دفع الله بالمجاهدين في سبيله ضرر الكافرين لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد. اي لهدمت هذه المعابد الكبار لطوائف اهل الكتاب. معابد اليهود والنصارى والمساجد للمسلمين يذكر فيها اي في هذه المعابد اسم الله كثيرا. تقام فيها الصلوات وتتلى فيها كتب الله ويذكر فيها اسم الله بانواع الذكر. فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لاستولى الكفار على المسلمين. فخربوا معابدهم وفتنوهم عن دينهم فدل هذا ان الجهاد مشروع لاجل دفع الصائل والمؤذي. ومقصود لغيره. ودل ذلك على ان البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله وعمرت مساجدها واقيمت فيها شعائر الدين كلها من فضائل المجاهدين وببركتهم. دفع الله عنها الكافرين. قال الله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض. ولكن الله ذو فضل على العالمين. فان قلت نرى الان مساجد المسلمين عامرة لم تخرب مع ان كثير منها امارة صغيرة وحكومة غير منظمة. مع انهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الافرنج. بل نرى المساجد التي ولايتهم وسيطرتهم عامرة واهلها امنون مطمئنون. مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها. والله اخبر انه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت هذه المعابد. ونحن لا نشاهد دفعا. اجيب بان هذا السؤال والاستشكال داخل في عموم هذه الاية وفرد من افرادها فان من عرف احوال الدول الان ونظامها وانها تعتبر كل امة وجنس تحت ولايتها وداخل في حكمها تعتبره عضوا من اعضاء المملكة وجزء من اجزاء الحكومة. سواء كانت تلك الامة مقتدرة بعددها او عددها. او مالها او او خدمتها فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب الدينية والدنيوية. وتخشى ان لم تفعل ذلك ان يختل نظامها. وتفقد واركانها فيقوم من امر الدين بهذا السبب ما يقوم. خصوصا المساجد فانها ولله الحمد في غاية الانتظام. حتى في عواصم دول الكبار وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين. مع وجود التحاسد والتباغض بين دول الذي اخبر الله انه لا يزال الى يوم القيامة. فتبقى الحكومة المسلمة التي لا تقدر تدافع عن نفسها. سالمة من كثير ضررها لقيام الحسد عندهم فلا يقدر احدهم ان يمد يده عليها خوفا من احتمائها بالاخر. مع ان الله تعالى لا بد ان يري عباده من للاسلام والمسلمين ما قد وعد به في كتابه. وقد ظهرت ولله الحمد اسبابه بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم الى دينهم والشعور مبدأ العمل. فنحمده ونسأله ان يتم نعمته. ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع ان الله لقوي عزيز. ولينصرن الله من ينصره يقوموا بنصر دينه مخلصا له في ذلك يقاتل في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا اي كامل القوة عزيز لا يرام قد قهر الخلائق واخذ بنواصيهم فابشروا يا معشر المسلمين فانكم وان ضعف عددكم عددكم وقوي عدد عدوكم وعدتهم فان ركنكم القوي العزيز. ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون. فاعملوا بالاسباب بها ثم اطلبوا منه نصركم فلابد ان ينصركم. يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم. وقوموا ايها بحق الايمان والعمل الصالح. فقد وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات. ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم. وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا. ثم ذكر علامة من ينصره وبها يعرف ان من ادعى انه ينصر الله وينصر دينه. ولم يتصف بهذا الوصف فهو كاذب. فقال ان اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولله عاقبة الذين ان مكناهم في الارض اي ملكناهم اياها وجعلناهم المتسلطين عليها من غير منازع ينازعهم الا معارض اقاموا الصلاة في اوقاتها وحدودها واركانها وشروطها في الجمعة والجماعات. واتوا الزكاة التي عليهم خصوصا وعلى عموما اتوها اهلها. الذين هم اهلها. وامروا بالمعروف وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا من حقوق الله وحقوق الادميين. ونهوا عن المنكر كل منكر شرعا وعقلا معروف قبحه والامر بالشيء والنهي عنه يدخل فيه ما لا يتم الا به. فاذا كان المعروف والمنكر يتوقف على تعلم وتعليم. اجبروا الناس على التعلم والتعليم اي جميع الامور ترجع الى الله وقد اخبر ان العاقبة للتقوى فمن سلطه الله على العباد من الملوك وقام بامر الله كانت له العاقبة الحميدة ايه ده والحالة الرشيدة ومن تسلط عليهم بالجبروت واقام فيهم هوى نفسه فانه وان حصل له ملك مؤقت فان عاقبته غير حميدة فولايته مشؤومة وعاقبته مذمومة. وان يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعادوا وقوم ابراهيم وقوم لوط. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وان يكذبك هؤلاء المشركون فلست باول رسول كذب. وليسوا باول امة كذبت رسولها. فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط واصحاب مدين اي قوم شعيب وكذب موسى فامليت للكافرين المكذبين فلم اعادلهم بالعقول بل امهلتهم حتى استمروا في طغيانهم يعمهون. وفي كفرهم وشرهم يزدادون ثم اخذتهم بالعذاب اخذ عزيز مقتدر. فكيف كان نكير؟ اي انكار عليهم كفرهم وتكذيبهم. كيف حاله؟ كان اشد كالعقوبات وافظع المثلات. فمنهم من اغرقه ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من اهلك بالريح العقيم. ومنهم من خسف به الارظ ومنهم من ارسل عليه عذاب يوم الظلة فليعتبر بهم هؤلاء المكذبون ان يصيبهم ما اصابهم فانهم ليسوا خيرا منهم ولكتب الله لهم براءة في الكتب من الله وكم من المعذبين المهلكين امثال هؤلاء كثير. ولهذا قال الا وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وبئر فكأين من قرية اي وكم من قرية اهلكناها بالعذاب الشديد والخزي الدنيوي وهي ظالمة بكفرها بالله وتكذيبها لرسله. لم يكن عقوبتنا لها ظلما منا فهي خاوية على عروشها. فديارهم متهدمة قصورها وجدرانها قد سقطت عروشها فاصبحت خرابا بعد ان كانت عامرة وموحشة بعد ان كانت اهلة باهلها انسة ايوا كم من بئر قد كان يزدحم عليه الخلق لشربهم وشرب خشيهم ففقد اهله وعدم منه الوارد والصادر. وكم من قصر تعب عليه اهله فشيدوه ورفعوه وحصنوه وزخرفوه حين جاءهم امر الله لم يغني عنهم شيئا واصبح خاليا من اهله. قد صاروا عبرة لمن اعتبر ومثالا لمن فكر ونظر. ولهذا دعا الله الى السير في الارض لينظروا ويعتبروا فقال افلم يسيروا في الارض بابدانهم وقلوبهم فتكون لهم قلوب يعقلون بها ايات الله ويتأملون بها مواقع عبره. او اذان يسمعون بها اخبار الامم الماضيين وانباء القرون المعذبين. والا فمجرد نظر العين وسماع الاذن وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار. غير مفيد ولا الى المطلوب ولهذا قال انها لا تعمل ابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور اي هذا العمى الضار في الدين. عمى القلب عن الحق حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الاعمى المرئيات. واما عمى البصر فغايته بلغة. ومن فعل دنيوية ان يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب لجهلهم وظلمهم وعنادهم. وتعجيزا لله وتكذيبا لرسله ولن يخلف الله وعده. فما وعدهم به من العذاب لا بد من وقوعه. ولا يمنعهم منه مانع. واما عجلته والمبادرة فيه. فليس ذلك اليك يا محمد ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم ايانا فان امامهم يوم القيامة الذي يجمع فيه اولهم واخرهم ويجازون باعمالهم ويقع بهم العذاب الدائم الاليم. ولهذا قال من طوله وشدته وهوله. فسواء اصابهم عذاب في الدنيا ام تأخر عنهم العذاب فان هذا اليوم لابد ان يدركهم ويحتمل ان المراد ان الله حليم. ولو استعجلوا العذاب فان يوما عنده كالف سنة مما تعدون. فالمدة وان تطاولتموها واستبطأتم فيها نزول العذاب فان الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل. حتى اذا اخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم وكأين من قرية امليت لها اي امهلتها مدة طويلة وهي ظالمة اي مع ظلمهم فلم يكن مبادرتهم بالظلم موجبا لمبادرتنا بالعقوبة ثم اخذتها بالعذاب والي المصير. اي مع عذابها في الدنيا سترجع الى الله. فيعذبها بذنوبها فليحذر هؤلاء الظالمون من حلول عقاب الله. ولا يغتروا بالامهال يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ان يخاطب الناس جميعا. لانه رسول الله حقا. مبشرا للمؤمنين بثواب الله منذرا للكافرين والظالمين من عقابه. وقوله مبين اي بين الانذار وهو التخويف مع الاعلام بالمخوف. وذلك لان اقام البراهين الساطعة على صدق ما انذرهم به. ثم ذكر تفصيل النذارة والبشارة فقال مغفرة ورزق كريم. فالذين امنوا بقلوبهم ايمانا صحيحا صادقا. وعملوا الصالحات جوارحهم في جنات النعيم. اي الجنات التي تنعم بها بانواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح والصور والاصوات. والتنعم برؤية الكريم وسماع كلامه والذين كفروا اي جحدوا نعمة ربهم وكذبوا رسله واياته. فاولئك اصحاب الجحيم اي الملازمون لها. المصاحبون لها في كل فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من عقابها الشيطان في امنيته يخبر تعالى بحكمته البالغة واختباره لعباده وان الله ما ارسل قبل محمد من رسول ولا نبي الا اذا تمنى. اي قرأ قراءته التي يذكر بها الناس ويأمرهم وينهاهم. القى في امنيته اي في قراءته من طرقه ومكايده. ما هو مناقض لتلك القراءة؟ مع ان الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله وحفظ وحيه ان يشتبه او يختلط بغيره. ولكن هذا الالقاء من الشيطان غير مستقر ولا مستمر. وانما هو عارض يعرض ثم يزول وللعوارض احكام. ولهذا قال فينسخ الله ما يلقي الشيطان اي يزيله ويذهبه ويبطله. ويبين انه ليس من اياته ويحكم الله اياته اي يتقنها ويحررها ويحفظها. فتبقى خالصة من مخالطة القاء الشيطان. والله عزيز اي كامل القوة والاقتدار فبكمال قوته يحفظ وحيه ويزيل ما تلقيه الشياطين. حكيم يضع الاشياء مواضعها. فمن كمال حكمته مكن الشياطين من الالقاء مذكور ليحصل ما ذكره بقوله ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة لطائفتين من الناس. لا يبالي الله بهم وهم الذين في قلوبهم مرض. اي وعدم ايمان تام وتصديق جازم. فيؤثر في قلوبهم ادنى شبهة تطرأ عليها. فاذا سمعوا ما القاه الشيطان داخلهم الريب والشك فصار فتنة لهم والقاسية قلوبهم اي الغليظة التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير. ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها فاذا سمعوا ما القاه الشيطان جعلوه حجة لهم على باطلهم. وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله. ولهذا قال اي مشاقة لله ومعاندة للحق. ومخالفة له بعيد من الصواب. فما يلقيه الشيطان يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين. فيظهر بهما في قلوبهم من الخبث الكامن فيها. واما الطائفة الثالثة فانه يكون رحمة في حقها. وهم مذكورون بقوله وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك. لان الله منحهم من العلم ما به يعرفون الحق من الباطل. والرشد من الغيب فيميزون بين الامرين. الحق المستقل الذي يحكمه الله والباطل العارض الذي ينسخه الله. بما على كل منهما من الشواهد. وليعلموا ان الله حكيم يقيض بعض انواع الابتلاء ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة. فيؤمنوا به بسبب ذلك ويزداد ايمانهم عند دفع المعارض والشبه اي تخشع وتخضع وتسلم لحكمته وهذا من هدايته اياهم الذين امنوا الى صراط مستقيم. وان الله لهدي الذين امنوا بسبب ايمانهم الى صراط مستقيم علم بالحق وعمل بمقتضاه. فيثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة. وهذا نوع من تثبيت الله لعبده وهذا هذه الايات فيها بيان ان للرسول صلى الله عليه وسلم اسوة باخوانه المرسلين. لما وقع منه عند قراءته صلى الله عليه وسلم والنجم فلما بلغ افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى القى الشيطان في قراءته تلك الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى فحصل بذلك للرسول صلى الله عليه وسلم حزن وللناس فتنة. كما ذكر الله فانزل الله هذه الايات يخبر تعالى عن حالة الكفار وانهم لا يزالون في شك مما به يا محمد لعنادهم واعراضهم وانهم لا يبرحون مستمرين على هذه الحال يأتيهم عذاب يوم عقيم الملك يومئذ لله حتى تأتيهم الساعة بغتة اي مفاجأة او يأتيهم عذاب يوم عقيم. اي لا خير فيه وهو يوم القيامة. فاذا جاءتهم الساعة او اتاهم ذلك اليوم علم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين وندموا حيث لا ينفعهم الندم. وابلسوا وايسوا من كل خير. وودوا لو امنوا بالرسول واتخذوا معه سبيلا. ففي هذا تحذيرهم من اقامتهم على مريتهم وفريتهم. الملك يومئذ اي يوم القيامة لله تعالى لا لغيره يحكم بينهم بحكمه العدل وقضائه الفصل فالذين امنوا بالله ورسله وما جاءوا به وعملوا الصالحات صدقوا بذلك ايمانهم في جنات النعيم. نعيم القلب والروح والبدن مما لا يصفه الواصفون. ولا تدركه العقول وكذبوا باياتنا فاولئك لهم عذاب مهين. والذين كفروا بالله ورسله وكذبوا باياته الهادية للحق والصواب. فاعرضوا عنها او عاندوها. فاولى اولئك لهم عذاب مهين لهم. من شدته والمه وبلوغه للافئدة. كما استهانوا برسله واياته. اهانهم الله بالعذاب الذين هاجروا في سبيل الله ثم اقتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ليدخلنهم يرضون وان الله لعليم حليم. هذه بشارة كبرى لمن هاجر في سبيل الله. فخرج من داره به ووطنه واولاده وماله. ابتغاء وجه الله ونصرة لدين الله. فهذا قد وجب اجره على الله. سواء مات على فراشه او قتل مجاهدا في سبيل الله. في البرزخ وفي يوم القيامة بدخول الجنة الجامعة للروح والريحان والاحسان ونعيم القلب والبدن. ويحتمل ان المعنى ان المهاجر في سبيل الله قد تكفل برزقه في الدنيا رزقا واسعا حسنا. سواء علم الله منه انه يموت على فراشه او يقتل شهيدا فكلهم مضمون له الرزق. فلا يتوهم انه اذا خرج من دياره وامواله سيفتقر ويحتاج ان رازقه هو خير الرازقين. وقد وقع كما اخبر فان المهاجرين السابقين تركوا ديارهم وابنائهم واموالهم نصرة لدين الله. فلم الا يسيرا حتى فتح الله عليهم البلاد ومكنهم من العباد فاجتبهوا من اموالها ما كانوا به من اغنى الناس. ويكون على هذا القول قوله ليدخلنهم مدخلا يرضونه اما ما يفتحه الله عليه من البلدان خصوصا فتح مكة المشرفة فانهم دخلوها في حالة الرضا والسرور المراد به رزق الاخرة. وان ذلك دخول الجنة. فتكون الاية جمعت بين الرزقين. رزق الدنيا ورزق الاخرة. واللفظ صالح لذلك كله والمعنى صحيح فلا مانع من ارادة الجميع. وان الله لعليم بالامور ظاهرها باطنها متقدمها ومتأخرها حليم يعصيه الخلائق ويبارزونه بالعظائم وهو لا يعادلهم بالعقوبة مع كمال اقتداره فليواصل لهم رزقه ويسدي اليهم فضله لينصرنه الله ان الله لعفو غفور. ذلك بان من جني عليه وظلم. فانه يجوز له مقابلة الجاني بمثل جنايته. فان فعل ذلك فليس عليه سبيل وليس بملوم. فان بغي عليه بعد هذا فان الله ينصره. لانه مظلوم. فلا يجوز ان يبغى عليه. بسبب لانه استوفى حقه. واذا كان المجازي غيره باساءته اذا ظلم بعد ذلك نصره الله. فالذي بالاصل لم يعاقب احدا اذا ظلم وجني عليه النصر اليه اقرب. ان الله لعفو غفور. اي يعفو عن المذنبين. فلا يعادلهم ويغفر ذنوبهم فيزيلها. ويزيل اثارها عنهم. فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي. ومعاملته لعباده في جميع الاوقات بالعفو والمغفرة. فينبغي لكم ايها المظلومون المجني عليهم. ان تعفو وتصفحوا وتغفروا. ليعاملكم الله كما تعاملون عباده. فمن عفا واصلح فاجره على الله ذلك الذي شرع لكم تلك الاحكام الحسنة العادلة. وحسن التصرف في تقديره وتدبيره الذي يولج الليل في النهار. اي يدخل هذا على هذا وهذا على هذا فيأتي بالليل بعد النهار وبالنهار بعد الليل. ويزيد في احدهما ما ينقصه في الاخر. ثم بالعكس فيترتب على ذلك قيام الفصول ومصالح الليل والنهار والشمس والقمر. التي هي من اجل نعمه على العباد. وهي من الضروريات لهم وان الله سميع يسمع ضجيج الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. بصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. سواء منكم من اسر القول ومن جهر به. ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار هو الباطل ذلك صاحب الحكم والاحكام بان الله هو الحق. اي الثابت الذي لا يزال ولا يزول. الاول الذي ليس قبله شيء الذي ليس بعده شيء كامل الاسماء والصفات. صادق الوعد الذي وعده حق ولقاؤه حق ودينه حق. وعبادته هي الحق النافعة الباقية على الدوام. وان ما يدعون من دونه من الاسلام والانداد من الحيوانات والجمادات. هو الباطل الذي هو باطل في نفسه. وعبادته باطلة. لانها متعلقة بمضمحل فان تبعا لغايتها ومقصودها ان الله هو العلي الكبير. العلي في ذاته فهو عال على جميع المخلوقات. وفي قدره فهو كامل الصفات وفي قهره لجميع المخلوقات الكبير في ذاته وفي اسمائه وفي صفاته. الذي من عظمته وكبريائه ان الارض قبضته يوم القيامة. والسماوات مطويات بيمينه ومن كبريائه ان كرسيه وسع السماوات والارض ومن عظمته وكبريائه ان نواصي العباد بيده فلا يتصرفون الا بمشيئته ولا يتحركون ويسكنون الا بارادته. وحقيقة الكبرياء التي لا يعلمها الا هو. لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. انها كل كل الصفة كمال وجلال وكبرياء وعظمة. فهي ثابتة له. وله من تلك الصفة اجلها واكملها. ومن كبريائه ان العبادات كلها الصادرة من اهل السماوات والارض. كلها المقصود منها تكبيره وتعظيمه واجلاله واكرامه. ولهذا كان التكبير شعارا عبادات الكبار كالصلاة وغيرها هذا حث منه تعالى وترغيب في النظر اياته الدالات على وحدانيته وكماله. فقال الم تر اي الم تشاهد ببصرك وبصيرتك؟ ان الله انزل من السماء ماء وهو المطر فينزل على ارض خاشعة مجدبة قد اغبرت ارجائها ويبس ما فيها من شجر ونبات فتصبح مخضرة قد اكتست من كل زوج كريم وصار لها بذلك منظر بهيج. ان الذي احياها بعد موتها وهمودها لمحي الموتى بعد ان كانوا رميما اللطيف الذي يدرك بواطن الاشياء وخفياتها وسرائرها. الذي يسوق الى عبده الخير ويدفع عنه الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد. ومن لطفه انه يري عبده عزته في انتقامه وكمال اقتداره. ثم يظهر لطفه بعد ان اشرف العبد وعلى الهلاك ومن لطفه انه يعلم مواقع القطر من الارض وبذور الارض في باطنها. فيسوق ذلك الماء الى ذلك البذر. الذي على علم الخلائق فينبت منه انواع النبات. خبير بالسرائر الامور وخبايا الصدور وخفايا الامور له ما في السماوات وما في الارض خلقا وعبيدا فيهم بملكه وحكمته وكمال اقتداره. ليس لاحد غيره من الامر شيء وان الله لهو الغني بذاته الذي له الغنى المطلق التام من جميع الوجوه. ومن غناه انه لا يحتاج الى احد من خلقه. ولا يواليهم من ذلة ولا يتكثر بهم من قلة ومن غناه انه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا. ومن غناه انه صمد لا يأكل ولا يشرب. ولا يحتاج الى ما يحتاج اليه فيه الخلق بوجه من الوجوه. فهو يطعم ولا يطعم. ومن غناه ان الخلق كلهم مفتقرون اليه في ايجادهم واعدادهم وامدادهم. وفي ودنياهم ومن غناه انه لو اجتمع من في السماوات ومن في الارض. الاحياء منهم والاموات. في صعيد واحد. فسأل كل منهم ما بلغت امنيته فاعطاهم فوق امانيهم ما نقص ذلك من ملكه شيء. ومن غناه ان يده سحاء بالخير والبركات. الليل والنهار. لم يزل افضاله على الانفاس ومن غناه وكرمه ما اودعه في دار كرامته. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الحميد اي المحمود في ذاته وفي اسمائه لكونها حسنى. وفي صفاته لكونها كلها صفات كمال. وفي افعاله لكونها دائرة بين العدل والاحسان والرحمة والحكمة. وفي شرعه لكونه لا يأمر الا بما فيه مصلحة خالصة او راجحة. ولا ينهى الا عن ما فيه مفسدة خالصة او راجحة الذي له الحمد الذي يملأ ما في السماوات والارض وما بينهما وما شاء بعدها. الذي لا يحصي العباد ثناء على حمده. بل هو كما اثنى على نفسه فوق ما يثني عليه عباده وهو المحمود على توفيق من يوفقه وخذلان من يخذله. وهو الغني في حمده الحميد في غناه ان الله سخر لكم ما في الارض والفلك تجري في البحر بامره ويمسك السماء اه ان تقع على الارض الا باذنه اي الم تشاهد ببصرك وقلبك نعمة ربك السابغة؟ واياديه الواسعة؟ وان الله سخط ولكم ما في الارض من حيوانات ونباتات وجمادات. فجميع ما في الارض مسخر لبني ادم. حيواناتها لركوبه وحمله واعماله واكله انواع انتفاعه واشجارها وثمارها يقتاتها. وقد سلط على غرسها واستغلالها ومعادنها. يستخرجها وينتفع بها والفلك ايوا سخر لكم الفلك وهي السفن تجري في البحر بامره تحملكم وتحمل تجاراتكم. وتوصلكم من محل الى محل. وتستخرجون من البحر كلية تلبسونها ومن رحمته بكم انه يمسك السماء ان تقع على الارض فلولا رحمته وقدرته لسقطت السماء على الارض فتلف ما عليها وهلك من فيها. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. ولان زالتا ان امسكا فهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا ارحم بهم من والديهم ومن انفسهم. ولهذا يريد لهم الخير ويريدون لها الشر والضر. ومن رحمته ان سخر لهم ما سخر من هذه الاشياء وهو الذي احياكم اوجدكم من العدم. ثم يميتكم بعد ان احياكم ثم يحييكم بعد موتكم يجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته. ان الانسان اي جنسه الا من عصمه الله لكفور لنعم الله. كفور بالله لا يعترف باحسانه. بل ربما كفر بالبعث وقدرة ربه يخبر تعالى انه جعل لكل امة من سكن اي معبدا وعبادة قد تختلف في بعض الامور مع اتفاقها على العدل والحكمة. كما قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة. ولكن ليبلوكم فيما اتاكم هم ناسكون اي عاملون عليه بحسب احوالهم. فلا اعتراض على شريعة من الشرائع. خصوصا من الاميين اهل الشرك والجهل المبين فانه اذا ثبتت رسالة الرسول بادلتها وجب ان يتلقى جميع ما جاء به بالقبول والتسليم وترك الاعتراض. ولهذا قال فلا ينازعنك في الامر اي لا ينازعك المكذبون لك. ويعترضون على بعض ما جئتهم به بعقولهم الفاسدة مثل منازعتهم في حل الميتة. بقياسهم الفاسد. يقولون تأكلون ما قتلتم. ولا تأكلون ما قتل الله. وكقوله انما البيع مثل الربا ونحو ذلك من اعتراضاتهم التي لا يلزم الجواب عن اعيانها وهم منكرون لاصل الرسالة وليس فيها مجادلة حاجة بانفرادها بل لكل مقام مقال. فصاحب هذا الاعتراض المنكر لرسالة الرسول اذا زعم انه يجادل ليسترشد يقال له الكلام معك في اثبات الرسالة وعدمها. والا في الاقتصار على هذه دليل ان مقصوده التعنت والتعجيز. ولهذا امر الله رسوله ان يدعو ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. ويمضي على ذلك سواء اعترض المعترضون ام لا. وانه لا ينبغي ان يثنيك عن الدعوة شيء. لانك على هدى من مستقيم. اي معتدل موصل للمقصود. متضمن علم الحق والعمل به فانت على ثقة من امرك ويقين من دينك. فيوجب ذلك لك الصلابة والمضي لما امرك به ربك. ولست على امر مشكوك فيه او حديث مفترى فتقف مع الناس ومع اهوائهم وارائهم ويوقفك اعتراضهم. ونظير هذا قوله تعالى فتوكل على الله انك على الحق المبين. مع في قوله انك لعلى هدى مستقيم. ارشاد لاجوبة المعترضين على جزئيات الشرع. بالعقل الصحيح فان الهدى وصف لكل ما جاء به الرسول والهدى ما تحصل به الهداية من مسائل الاصول والفروع. وهي المسائل التي يعرف حسنها وعدلها وحكمتها بالعقل والفترة السليمة. وهذا بتدبر تفاصيل المأمورات والمنهيات. ولهذا امره الله بالعدول عن جدالهم في هذه الحالة. فقال الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون وان جادلوك فقل الله اعلم بما تعملون. اي هو عالم بمقاصدكم ونياتكم. فمجازيكم عليها في يوم القيامة الذي الله بينكم فيما كنتم فيه تختلفون. فمن وافق الصراط المستقيم فهو من اهل النعيم. ومن زاغ عنه فهو من اهل الجحيم. ومن تمام حكمه ان يكون حكما بعلم. فلذلك ذكر احاطة علمه واحاطة كتابه فقال السماء والارض ان ذلك في كتاب. ان ذلك على الله يسير الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض لا يخفى عليه منها خافية من ظواهر الامور وبواطنها وخفيها وجليها ومتقدمها ومتأخر اخرها ان ذلك العلم المحيط بما في السماء والارض. قد اثبته الله في كتاب وهو اللوح المحفوظ حين خلق الله القلم. قال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة. وان كان تصوره عندكم لا يحاط به فالله تعالى يسير عليه ان يحيط علما بجميع الاشياء. وان يكتب ذلك في كتاب مطابق للواقع يذكر تعالى حالة المشركين به العادلين به غيره. وان حالهم اقبح الحالات. وانه لا مستند لهم على ما فعلوه. فليس لهم به علم وانما هو تقليد تلقوه عن ابائهم الضالين. وقد يكون الانسان لا علم عنده بما فعله. وهو في نفس الامر له حجة ما علمها. فاخبر هنا ان الله لم ينزل في ذلك سلطانا اي حجة تدل عليه وتجوزه. بل قد انزل البراهين القاطعة على فساده وبطلانه. ثم توعد الظالمين منه المعاندين للحق فقال وما للظالمين من نصير ينصرهم من عذاب الله اذا نزل بهم وحل وهل هؤلاء الذين لا علم لهم بما هم عليه؟ قصد في اتباع الايات والهدى اذا جاءهم؟ ام هم راضون بما هم عليه من الباطل ذكر ذلك بقوله يكادون يسقون بالذين يتلون عليهم اياتنا. واذا تتلى عليهم اياتنا التي هي ايات الله الجليلة المستلزمة لبيان الحق من الباطل. لم يلتفتوا اليها ولم يرفعوا بها رأسا. بل في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون. تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر من بغضها وكراهتها ترى وجوههم معبسة وابشارهم مكفهرة. يكادون يسقون بالذين يتلون عليهم اياتنا اي يكادون يوقعون بهم القتلى والضرب البليغ. من شدة بغضهم وبغض الحق وعداوته. فهذه الحالة من الكفار بئس الحالة. وشرها بئس ولكن ثم ما هو شر منها حالتهم التي يؤولون اليها. فلهذا قال ذلكم النار. النار وعدها الله الذي فهذه شرها طويل عريض. ومكروهها والامها تزداد على الدوام ان الذين تدعون من دون الله وان يسلبهم الذباب شيئا لا هذا مثل ضربه الله لقبح عبادة الاوثان. وبيان نقصان عقول من عبدها. وضعف الجميع فقال يا ايها الناس هذا خطاب للمؤمنين والكفار. المؤمنون يزدادون علما وبصيرة. والكافرون تقوم عليهم الحجة. ضرب مثل فاستمعوا له اي القوا اليه اسماعكم وتفهموا ما احتوى عليه. ولا يصادف منكم قلوبا لاهية واسماعا معرضة. بل القوا اليه القلوب والاسرار وهو هذا ان الذين تدعون من دون الله شمل كل ما يدعى من دون الله لن يخلقوا ذبابا. الذي هو من احقر المخلوقات واخسها. فليس ليس في قدرتهم خلق هذا المخلوق الضعيف. فما فوقهم من باب اولى. بل ابلغ من ذلك باب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. لو يسلبهم الذباب شيئا استنقذوهم منه وهذا غاية ما يصير من العجز. ضعف الطالب الذي هو المعبود من دون الله والمطلوب الذي هو الذباب. فكل منهما ضعيف واضعف منهما من يتعلق بهذا الضعيف. وينزله منزلة رب العالمين فهذا ما قدر الله حق قدره. حيث سوى الفقير العاجز من جميع الوجوه. بالغني القوي من جميع الوجوه. سوى من لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضر ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بمن هو النافع الضار المعطي المانع. مالك الملك والمتصرف فيه بجميع انواع التصريف اي كامل القوة كامل العزة من كمال قوته وعزته ان نواصي الخلق بيديه وانه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن الا بارادته ومشيئته. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ومن كمال قوته انه يمسك السماوات والارض ان تزول ومن كمال قوته انه يبعث الخلق كلهم اولهم واخرهم بصيحة واحدة ومن كمال انه اهلك الجبابرة والامم العاتية بشيء يسير وسوط من عذابه ان الله سميع بصير. يعلم لما بين تعالى كماله وضعف الاصنام وانه المعبود حقا بين حالة الرسل. وتميزهم عن الخلق بما تميزوا به من الفضائل. فقال الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ان يختار ويجتبي من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا يكونون ازكى ذلك النوع واجمعه لصفات المجد واحقه بالاصطفاء. فالرسل لا يكونون الا صفوة الخلق على الاطلاق. والذي اختارهم واصطفاهم. ليس جاهلا بحقائق الاشياء. او يعلم شيئا دون شيء. وانما المصطفي لهم السميع البصير الذي قد احاط علمه وسمعه وبصره بجميع الاشياء. فاختياره اياهم عن علم منه انهم اهل لذلك. وان الوحي يصلح فيهم كما قال الله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته. والى الله ترجع الامور. اي هو يرسل الرسل. يدعون الناس الى الله فمنهم المجيب ومنهم الراض لدعوتهم. ومنهم العامل ومنهم الناكل. فهذا وظيفة الرسل. واما الجزاء على تلك الاعمال فمصيرها الى الله. فلا منه فضلا او عدلا يأمر تعالى عباده المؤمنين بالصلاة وخص منها الركوع والسجود لفضلهم وركنيتهما وعبادته التي هي قرة العيون وسلوة القلب المحزون. وان ربوبيته واحسانه على العباد يقتضي منهم ان يخلص له العبادة ويأمرهم بفعل الخير عموما. وعلق تعالى الفلاح على هذه الامور. فقال اي تفوزون بالمطلوب المرغوب وتنجون من المكروه المرهوب. فلا طريق للفلاحس والاخلاص في عبادة الخالق. والسعي في نفع عبيده فمن وفق لذلك فله القدح المعلى من السعادة والفلاح والنجاح وجاهدوا في الله حق جهاده والجهاد بذل الوسع في حصول الغرض المطلوب. فالجهاد في الله حق جهاده هو القيام التام بامر الله. ودعوة الخلق الى سبيله بكل طريق موصل الى ذلك. من نصيحة وتعليم وقتال وادب وزجر ووعظ وغير ذلك هو اجتباكم اي اختاركم يا معشر المسلمين من بين الناس واختار لكم الدين ورضيه لكم واختار لكم افضل الكتب وافضل الرسل فقابلوا هذه المنحة العظيمة بالقيام بالجهاد فيه حق القيام. ولما كان قوله وجاهدوا في الله حق جهاده. ربما توهموا ان هذا من باب تكليف ما لا يطاق او تكليف ما يشق احترز منه بقوله وما جعل عليكم في الدين من حرج. اي مشقة وعسر بل يسرها غاية التيسير وسهله بغاية السهولة. فاولا ما امر والزم الا بما هو سهل على النفوس. لا يثقلها ولا يؤودها. ثم اذا عرض والاسباب الموجبة للتخفيف خفف ما امر به اما باسقاطه او اسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الاية قاعدة شرعية وهي ان المشقة تجلب والتيسير والضرورات تبيح المحظورات. فيدخل في ذلك من الاحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب الاحكام ملة ابيكم ابراهيم اي هذه الملة المذكورة والاوامر ملة ابيكم ابراهيم التي ما زال عليها فالزموها واستمسكوا بها. هو سماكم المسلمين من قبل اي في الكتب السابقة كورونا ومشهورون آآ وفي هذا اي هذا الكتاب وهذا الشرع اي ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا. ليكون الرسول شهيدا عليكم باعمالكم خيرها وشرها وتكون شهداء على الناس. لكونكم خير امة اخرجت للناس. امة وسطا عدلا خيارا. تشهدون للرسل انهم بلغوا انهم تشهدون على الامم ان رسلهم بلغتهم بما اخبركم الله به في كتابه فاقيموا الصلاة باركانها وشروطها وحدودها وجميع لوازمها. واتوا الزكاة المفروضة لمستحقيها شكرا لله على ما اولاكم. واعتصموا بالله. ايمتنعوا به وتوكلوا عليه في ذلك. ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم. واعتصموا فنعم المولى ونعم النصير. هو مولاكم الذي يتولى اموركم فيدبركم بحسن تدبيره ويصرفكم على احسن تقديره اي نعم المولى لمن تولاه. فحصل له مطلوبه. ونعم النصير لمن استنصره. فدفع عنه المكروه