الحال اذا رأى مآله وشاهد قبح اعماله فيطلب الرجعة الى الدنيا لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها. وانما كذلك يقول لعلي اعمل صالحا فيما تركت من العمل وفرطت في جنب الله المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي قل افلا تذكرون. اي قل لهؤلاء المكذبين بالبعث العادلين بالله غيره محتجا عليهم بما اثبتوه واقروا به من توحيد الربوبية وانفراد الله بها. على ما انكروه من توحيد الالهية والعبادة ما اثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة على ما انكروه من اعادة الموتى الذي هو اسهل من ذلك. لمن الارض ومن فيها؟ اي من هو للارض ومن عليها من حيوان ونبات وجماد وبحار وانهار وجبال. المالك لذلك المدبر له. فان انك اذا سألتهم عن ذلك لابد ان يقولوا لله وحده فقل لهم اذا اقروا بذلك اي افلا ترجعون الى ما ذكركم الله به؟ مما هو معلوم عندكم. مستقر في فطركم. قد يغيبه الاعراض في بعض الاوقات. والحقيقة انكم ان رجعتم الى ذاكرتكم بمجرد التأمل. علمتم ان ما لك ذلك هو المعبود وحده. وان الهية من هو مملوك ابطلوا الباطل ثم انتقل الى ما هو اعظم من ذلك فقال قل من رب السماوات السبع وما فيها من النيرات والكواكب السيارات والثوابت ورب العرش العظيم الذي هو واعلى المخلوقات واوسعها واعظمها. فمن الذي خلق ذلك ودبره وصرفه بانواع التدبير اي سيقرون بان الله رب ذلك كله. قل لهم حين يقرون بذلك افلا تتقون عبادة المخلوقات العاجزة؟ وتتقون الرب العظيم كامل القدرة عظيم السلطان وفي هذا من لطف الخطاب من قوله افلا تذكرون؟ افلا تتقون؟ والوعظ باداة العرظ الجاذبة للقلوب؟ ما لا يخفى ثم انتقل الى اقرارهم بما هو اعم من ذلك كله. فقال ويجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون. قل من بيده ملكوت كل شيء اي ملك كل شيء من العالم العلوي والعالم السفلي. ما نبصره وما لا نبصره. والملكوت صيغة مبالغة بمعنى الملك وهو يجير عباده من الشر ويدفع عنهم المكاره ويحفظهم مما يضرهم ولا يجار عليه. اي لا يقدر احد ان يجير على الله ولا يدفع الشر الذي قدره الله بل ولا يشفع احد عنده الا باذنه سيقولون لله اي سيقرون ان الله المالك لكل شيء المدير الذي لا يجار عليه. قل لهم حين يقرون بذلك لهم فانى تسحرون اي فاين تذهب عقولكم؟ حيث عبدتم من علمتم انهم لا ملك لهم. ولا قسط من الملك وانهم عاجزون من جميع الوجوه وتركتم الاخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الامور. فالعقول التي دلتكم على هذا لا تكونوا الا مسحورة وهي بلا شك قد سحرها الشيطان بما زين لهم وحسن لهم وقلب الحقائق لهم فسحر عقولهم ما سحرت السحرة اعين الناس. يقول تعالى بل اتينا هؤلاء المكذبين بالحق المتضمن للصدق في الاخبار العدل في الامر والنهي. فما بالهم لا يعترفون به وهو احق وان يتبع وليس عندهم ما يعوضهم عنه الا الكذب والظلم. ولهذا قال وما كان معه من اله. وانهم لكاذبون. ما اتخذ الله من ولد ما كان معه من اله كذب يعرف بخبر الله وخبر رسله. ويعرف بالعقل الصحيح. ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي على امتناع الهين فقال سبحان الله سبحان الله عما يصفون. اذا اي لو كان معه الهة كما يقولون. لذهب كل اله بما خلق. اي لانفرد كل واحد من الالهيين بمخلوقاته واستقل بها. ولحرص على ممانعة الاخر ومغالبته ولعل بعضهم على بعض. فالغالب يكون هو الاله. والا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم. ولا تصوروا ان ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول. واعتبر ذلك بالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيارة. فانها منذ خلقت وهي يجري على نظام واحد وترتيب واحد. كلها مسخرة بالقدرة مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم. ليست مقصورة على احد دون احد ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا ولا معارضة في ادنى تصرف. فهل يتصور ان يكون ذلك تقدير الهين قد نطقت بلسان حالها وافهمت ببديع اشكالها ان المدبر لها اله واحد كامل الاسماء والصفات قد افتقرت اليه جميع المخلوقات في ربوبيته لها وفي الهيته لها فكما لا وجود لها ولا دوام الا بربوبيته. كذلك لا صلاح لها ولا قوام الا بعبادته وافراده بالطاعة. ولهذا نبه على عظمة صفاته بانموذج من ذلك. وهو علمه المحيط. فقال عالم الغيب اي الذي غاب عن ابصارنا وعلمنا من الواجبات والمستحيلات والشهادة وهو ما نشاهد من ذلك. فتعالى اي ارتفع وعظم عما يشركون به. من لا علم عنده الا ما علمه الله. لما اقام تعالى على المكذبين ان ادلته العظيمة فلم يلتفتوا لها ولم يذعنوا لها حق عليهم العذاب. ووعدوا بنزوله. وارشد الله رسوله ان يقول اي اي وقت اريتني عذابهم واحضرتني ذلك اي اعصمني واحمني مما ابتليتهم به من الذنوب الموجبة واحمني ايضا من العذاب الذي ينزل بهم. لان العقوبة العامة تعم عند نزولها العاصي وغيره. قال الله في تقريب عذابهم فانا على ان نريك ما نعدهم لقادرون ولكن ان اخرناه فلحكمة ها والا فقدرتنا صالحة لايقاعه فيهم هذا من مكارم الاخلاق التي امر الله رسوله بها فقال ادفع بالتي هي احسن اي اذا اساء اليك اعداءك بالقول والفعل فلا تقابلهم بالاساءة. مع انه يجوز معاقبة المسيء بمثل اساءته. ولكن ادفع اساءتهم اليك بالاحسان منك اليهم فان ذلك فضل منك على المسيء. ومن مصالح ذلك انه تخف الاساءة عنك. في الحال وفي المستقبل. وانه ادعى جلب المسيء الى الحق واقرب الى ندمه واسفه ورجوعه بالتوبة عما فعل وليتصف العافي بصفة الاحسان ويقهر بذلك عدو وهو الشيطان وليستوجب الثواب من الرب. قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله. وقال الله تعالى ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها اي ما يوفق لهذا الخلق الجميل. الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. وقوله اي بما يقولون من الاقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق قد احاط علمنا بذلك وقد حلمنا عنهم وامهلناهم وصبرنا عليهم والحق لنا وتكذيبهم لنا. فانت يا محمد ينبغي لك ان تصبر على ما يقولون. وتقابلهم بالاحسان. هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر. واما المسيء من الشياطين فانه لا يفيد فيه الاحسان ولا يدعو حزبه الا ليكونوا من اصحاب السعير فالوظيفة في مقابلته ان يسترشد ما ارشد الله اليه رسوله فقال الشياطين وقل ربي اعوذ بك اي اعتصم بحولك وقوتك متبرأ من حولي وقوتي من همزات الشياطين. اي اعوذ بك من الشر الذي يصيبني بسبب مباشرتهم وهمزهم ومسهم. ومن الشر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم. وهذه استعاذة من مادة كله واصله. ويدخل فيها الاستعاذة من جميع نزغات الشياطين. ومن مسه ووسوسته. فاذا اعاذ الله عبده له من هذا الشر واجاب دعاءه سلم من كل شر ووفق لكل خير الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركتك الا انها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ كن الى يوم يبعثون. يخبر تعالى عن حال من حضره الموت. من المفرطين الظالمين انه يندم في تلك كلا اي لا رجعة له ولا امهال. قد قضى الله انهم اليها لا يرجعون. انها اي مقالته التي تمنى فيها الرجوع الى الدنيا. كلمة هو قائلها اي مجرد قول باللسان. لا يفيد صاحبه الا الحسرة والندم وهو ايضا غير صادق في ذلك فانه لو رد لعاد لما نهي عنه كن الى يوم يبعثون. اي من امامهم وبين ايديهم برزخ. وهو الحاجز بين الشيئين. فهو هنا الحاجز بين الدنيا والاخرة. وفي هذا البرزخ يتنعم المطيعون ويعذب العاصون. من موتهم الى يوم يبعثون. اي فليعدوا عدته وليأخذوا له اهبته