المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينات اي هذه سورة عظيمة القدر انزلناها رحمة منا بالعباد وحفظناها من كل شيطان وفرضناها اي قدرنا فيها ما قدرنا من الحدود والشهادات وغيرها. وانزلنا فيها ايات بينات اي احكاما جليلة وحكما عظيمة. حين نبين لكم ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ثم شرع في بيان تلك الاحكام المشار اليها فقال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة هذا الحكم في الزاني والزانية انهما يجلد كل منهما مئة جلدة. واما الثيب فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ان حده الرجم. ونهانا تعالى ان تأخذنا رأفة بهما في دين الله. تمنعنا من اقامة الحد عليهم. سواء رأفة طبيعية او لاجل قرابة او صداقة او غير ذلك وان الايمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من اقامة امر الله. فرحمته حقيقة باقامة حد الله عليه. فنحن وان رحمناه لجريان القدر عليه. فلا نرحمه من هذا الجانب. وامر تعالى ان يحضر عذاب الزانيين طائفة. اي جماعة من المؤمنين سهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع. وليشاهدوا الحد فعلا فان مشاهدة احكام الشرع بالفعل مما يقوى بها العلم ويستقر بها الفهم ويكون اقرب لاصابة الصواب فلا يزاد فيه ولا ينقص. والله اعلم الزاني لا ينكح الا زانية هذا بيان لرذيلة الزنا. وانه يدنس عرض صاحبه وعرض من قارنه ومازجه. ما لا يفعله بقية الذنوب اخبر ان الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء الا انثى زانية. تناسب حاله حالها او مشركة بالله. لا تؤمن ببعث ولا ولا تلتزم امر الله. والزانية كذلك لا ينكحها الا زان او مشرك اي فر ما عليهم ان ينكحوا زانيا او ينكحوا زانية. ومعنى الاية ان من اتصف بالزنا من رجل او امرأة ولم يتب من ذلك. ان المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو اما ان لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله. فذاك لا يكون الا مشركا. واما ان يكون ملتزم لحكم الله ورسوله فاقدم على نكاحه مع علمه بزناه. فان هذا النكاح زنا. والناكح زان مسافح. فلو كان مؤمنا لله حقا لم يقدم على ذلك. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب. وكذلك انكاح الزاني حتى يتوب. فان مقارنة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها اشد الاقترانات والازدواجات. وقد قال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم اي قرناء فحرم الله ذلك لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة والحاق الاولاد الذين ليسوا من الزوج. وكون الزاني لا يعفها بسبب لاشتغاله بغيرها مما بعضه كاف للتحريم. وفي هذا دليل ان الزاني ليس مؤمنا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني حين يزني وهو مؤمن فهو وان لم يكن مشركا فلا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الايمان المطلق المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة. ولا تقبلوا لهم لما عظم تعالى امر الزاني بوجوب جلده وكذا ردمه ان كان محصنا. وانه لا تجوز مقارنته ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر. بين تعالى تعظيم على الاعراض بالرمي بالزنا فقال والذين يرمون المحصنات اي النساء الاحرار العفائف. وكذلك الرجال لا فرق بين الامرين والمراد بالرمي الرمي بالزنا بدليل السياق. ثم لم يأتوا على ما رموا به باربعة شهداء. اي رجال عدول يشهدون بذلك صريحا فاجلدوهم ثمانين جلدة بصوت متوسط يؤلم فيه ولا يبالغ بذلك حتى يترفه. لان القصد تأديب للاتلاف وفي هذا تقدير حد القذف. ولكن بشرط ان يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. واما حذف غير محصن فانه يوجب التعزير ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا. اي لهم عقوبة اخرى. وهي ان شهادة القاذف غير مقبولة. ولو حد على القذف حتى يتوب كما يأتي واولئك هم الفاسقون. اي الخارجون عن طاعة الله الذين قد كثر شرهم وذاك الانتهاك ما حرم الله وانتهاك عرض اخيه وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به. وازالة الاخوة التي الله بين اهل الايمان. ومحبة ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا. وهذا دليل على ان القذف من كبائر الذنوب. وقوله الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم. فالتوبة في هذا الموضع ان يكذب القاذف نفسه ويقر انه كاذب فيما قال وهو واجب عليه ان يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه حيث لم باربعة شهداء فاذا تاب القاذف واصلح عمله بدل اساءته احسانا زال عنه الفسق. وكذلك تقبل شهادته على الصحيح فان الله غفور رحيم. فان الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا. لمن تاب واناب. وانما القاذف اذا لم يأتي باربعة شهداء اذا لم يكن زوجا فاذا كان زوجا فقد ذكر بقوله ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله وانما كانت شهادات الزوج على زوجته دارئة عنه الحد. لان الغالب ان الزوج لا يقدم وعلى رمي زوجته التي يدنسه ما يدنسها الا اذا كان صادقا. ولان له في ذلك حقا. وخوفا من الحاق اولاد ليسوا منه به ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره. فقال فشهادة احدهم اربع شهادة الذين يرمون ازواجهم اي الحرائر للمملوكات ولم يكن لهم على رميهم بذلك شهداء الا انفسهم بان لم يقيموا شهداء على ما رموهم به. سما انها شهادة لانها نائبة مناب الشهود بان يقول اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميتها به. والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. اي يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة. مؤكدا تلك الشهادات ان يدعو على نفسه باللعنة ان كان كاذبا. فاذا تم لعانه سقط عنه حد القذف ظاهر الايات. ولو سمى الرجل الذي رماها به فانه يسقط وحقه تبعا لها وهل يقام عليها الحد؟ بمجرد لعان الرجل ونقولها ام تحبس؟ فيه قولان للعلماء الذي يدل عليه الدليل انه يقام عليه الحد بدليل قوله ويدرأ عنها العذاب ان تشهد. فلولا ان العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه لم يكن لعانها والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين ويدرأ عنها اي يدفع عنها العذاب اذا قابلت شهادات الزوج بشهادات من جنسها وتزيد في الخامسة مؤكدة لذلك ان تدعو على نفسها بالغضب. فاذا تم اللعان بينهما فرق بينهما الى ابد وانتفى الولد الملاعن عليه وظاهر الايات. يدل على اشتراط هذه الالفاظ عند اللعان. منه ومنها واشتراط الترتيب فيها ولا ينقص منها شيء. ولا يبدل شيء بشيء. وان اللعان مختص بالزوج اذا رمى امرأته. لا بالعكس. وان الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به كما لا يعتبر مع الفراش. وانما يعتبر الشبه حيث لا مرجح الا هو رحمته وان الله تواب حكيم. وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام اي لاحل باحد المتلاعنين الكاذب منهما ما دعا به على نفسه. ومن رحمته وفضله ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين شدة الحاجة اليه وان بين لكم شدة الزنا وفظاعته وفظاعة القذف به وان شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها