المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي فضلا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره من له عذاب عظيم. لما ذكر فيما تقدم تعظيم الرمي بالزنا عموما. صار ذلك كانه مقدمة لهذه القصة التي وقعت على اشرف النساء ام المؤمنين رضي الله عنها وهذه الايات نزلت في قصة الافك المشهورة الثابتة في والسنن والمسانيد وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها فلم يفقدوها. ثم استقل الجيش راحلا وجاءت مكانهم وعلمت انهم اذا فقدوها رجعوا اليها فاستمروا في مسيرهم. وكان صفوان ابن المعطل السلمي من افاضل الصحابة رضي الله عنهم عن قد عرس في اخريات القوم ونام فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها فاناخ راح راحلته فركبتها من دون ان يكلمها او تكلمه ثم جاء يقود بها بعدما نزل الجيش في الظهيرة. فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال. اشاع ما اشاع ووشى الحديث. وتلقفته الالسن حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين وصاروا يتناقلون هذا الكلام وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك فحزنت حزنا شديدا. فانزل الله تعالى براءتها في هذه الايات. ووعد الله المؤمنين واعظم ذلك. ووصاهم بالوصايا النافعة فقوله تعالى منهم له عذاب عظيم. ان الذين جاءوا بالافك اي الكذب الشنيع وهو رمي ام المؤمنين. عصبة من اي جماعة منتسبون اليكم يا معشر المؤمنين. منهم المؤمن الصادق في ايمانه. ولكنه اغتر بترويج المنافقين. ومنهم المنافق لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. لما تضمن ذلك تبرئة ام المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولما تضمن من بيان الايات المضطر اليها العباد. التي ما زال العمل بها الى يوم القيامة. فكل هذا خير عظيم. لولا مقالة اهل الافك لم يحصل ذلك. واذا اراد الله امرا جعل له سببا ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم. واخبر ان قدح بعضهم ببعض كقدح في انفسهم. ففيه ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم واجتماعهم على مصالحهم كالجسد الواحد. والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. فكما انه يكره ان يقدح احد في عرضه فليكره من كل احد ان يقدح في اخيه المؤمن الذي بمنزلة نفسه وما لم يصل العبد الى هذه الحالة فانه من نقص ايمانه وعدم نصحه له عذاب عظيم. لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم. وهذا وعيد للذين جاءوا بالافك. وانهم سيعاقبون على ما قالوا منه ذلك وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة والذي تولى كبره اي معظم الافك وهو المنافق الخبيث عبدالله ابن ابي ابن سلول لعنه الله له عذاب عظيم الا وهو الخلق في الدرك الاسفل من النار. ثم ارشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام. فقال المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين. ايظا المؤمنون هم ببعض خيرا وهو السلامة مما رموا به. وان ما معهم من الايمان المعلوم يدفع ما قيل فيه من الافك الباطل وقالوا بسبب ذلك الظن سبحانك. اي تنزيها لك عن كل سوء. وعن ان تبتلي اصفيائك بالامور شنيعة هذا افك مبين. اي كذب وبهت من اعظم الاشياء وابينها. فهذا من الظن الواجب حين سماع المؤمن عن اخيه المؤمن مثل هذا الكلام وان يبرئه بلسانه ويكذب القائل لذلك اي هلا جاء الرامون على ما رموا به باربعة شهداء اي عدول مرضيين عند الله هم الكاذبون. وان كانوا في قد تيقنوا ذلك فانهم كاذبون في حكم الله. لان الله حرم عليهم التكلم بذلك. من دون اربعة شهود. ولهذا قال عند الله هم الكاذبون. ولم يقل فاولئك هم الكاذبون. وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم بحيث لا يجوز الاقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق رحمته في الدنيا والاخرة لمسكم فيما افضتم فيه عذاب عظيم. ولولا فضل الله عليكم رحمته في الدنيا والاخرة بحيث شملكم احسانه فيهما في امر دينكم ودنياكم لمسكم فيما افضتم اي خضتم فيه بشأن الافك عذاب عظيم لاستحقاقكم ذلك بما قلتم. ولكن من فضل الله عليكم ورحمته ان شرع لكم التوبة وجعل عقوبة مطهرة للذنوب اذ تلقونه بالسنتكم اي ويلقيه بعضكم الى بعض. وتستوشون حديثه وهو قول باطل. وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم والامران محظوران التكلم بالباطل والقول بلا علم وتحسبونه هينا. فلذلك اقدم عليه من اقدم من المؤمنين الذين تابوا منه. وتطهروا بعد ذلك وهذا فيه الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها فان العبد لا حسبانه شيئا ولا يخفف من عقوبة الذنب. بل يضاعف الذنب ويسهل عليه مواقعته مرة اخرى ان سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ولولا اذ سمعتموه اي وهلا اذ سمعتم ايها المؤمنون كلام اهل الافك قلتم منكرين لذلك معظمين لامره يكون لنا ان نتكلم بهذا اي ما ينبغي لنا وما يليق بنا الكلام بهذا الافك المبين. لان المؤمن يمنعه ايمانه من ارتكاب القبائح سبحانك هذا بهتان عظيم. هذا بهتان اي كذب عظيم يعظكم الله ان تعودوا لمثله اي لنظيره من رمي المؤمن بالفجور فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك. ونعم المواعظ والنصائح من ربنا. فيجب علينا مقابلتها بالقبول والاذعان التسليم والشكر لله على ما بين لنا ان الله نعم ما يعظكم به. ان كنتم مؤمنين. دل ذلك على ان الايمان الصادق يمنع صاحبه من الاقدام على المحرمات ويبين الله لكم الايات المشتملة على بيان الاحكام والوعظ والزجر والترغيب والترهيب يوضحها لكم توضيحا جليا والله عليم حكيم. اي كامل العلم. عام الحكمة. فمن علمه وحكمته ان علمكم من علمه. وان كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون. ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة اي الامور شنيعة مستقبحة مستعظمة. فيحبون ان تشتهر الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم. اي موجع للقلب والبدن. وذلك لغشه لاخوانه المسلمين ومحبة الشر لهم وجراءته على اعراضهم. فاذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة ان تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب فكيف بما هو اعظم من ذلك؟ من اظهاره ونقله. وسواء كانت الفاحشة صادرة او غير صادرة وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين. وصيانة اعراضهم كما صان دماءهم واموالهم. وامرهم بما يقتضي المصافاة. وان احب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه فلذلك علمكم وبين لكم ما تجهلونه ولولا فضل الله عليكم قد احاط بكم من كل جانب ورحمته عليكم ان الله رؤوف رحيم. لما بين لكم هذه الاحكام والمواعظ والحكم الجليلة ولما امهل من خالف امره. ولكن فضله ورحمته وان ذلك وصفه اللازم اثر لكم من الخير الدنيوي والاخروي. ما لم تحصوه او تعدوه. ولما نهى عن هذا الذنب نهى عن الذنوب عموما فقال فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا. ولكن الله يزكي يا ايها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان اي طرقه ووساوسه وخطوات الشيطان. يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى ان ما الحكم وهو النهي عن اتباع خطوات الشيطان؟ والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه من الشر المقتضي والداعي لتركه. فقال فان اي الشيطان يأمر بالفحشاء اي ما تستفحشه العقول والشرائع من الذنوب العظيمة مع ميل بعض النفوس اليه والمنكر هو من تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان لا تخرج عن ذلك. فنهي الله عنها للعباد نعمة منه عليهم ان يشكروا ويذكره لان ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح. فمن احسانه عليهم ان نهاهم عنها كما نهاهم عن اكل السموم القاتلة ونحوها اي ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان لان الشيطان يسعه جنده في الدعوة اليها وتحسينها. والنفس ميالة الى السوء. اما به والنقص مستولي على العبد من جميع جهاته. والايمان غير قوي. فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى احد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات. فان الزكاة يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته اوجب ان يتزكى منكم من تزكى وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. ولهذا قال ولكن الله يزكي من يشاء. من يعلم منه انه يزكى بالتزكية. ولهذا قال هاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا. الا تحبون ان يغفر الله لكم ولا يأتلي اي لا يحلف اولو الفضل منكم والسعة كان من جملة الخائضين في الافك مسطح بن اثار وهو قريب لابي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله. فحلف ابو بكر الا ينفق عليه لقوله الذي قال فنزلت هذه الاية ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه. ويحثه على العفو والصفح بمغفرة الله ان غفر له. فقال الا تحبون ان يغفر الله لكم اذا عاملتم عبيده بالعفو والصفح عاملكم بذلك. فقال ابو بكر لما سمع هذه الاية بلى والله اني ان يغفر الله لي فرجع النفقة الى مسطح. وفي هذه الاية دليل على النفقة على القريب. وانه لا تترك النفقة والاحسان بمعصية الانسان والحث على العفو والصفح. ولو جرى عليه ما جرى من اهل الجرائم. ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة. لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم. ان الذين يرمون المحصنات اي العفائف عن الفجور. الغافلات التي لم يخطر ذلك بقلوبهن المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة. واللعنة لا تكون الا على ذنب كبير. واكد اللعنة بان انها متواصلة عليهم في الدارين. وهذا زيادة على اللعنة. ابعدهم عن رحمته واحل بهم شدة نقمته. وذلك العذاب يوم القيامة بما كانوا يعملون. فكل جارحة تشهد عليهم بما عملت ينطقها الذي انطق كل شيء. فلا يمكنه الانكار ولقد عدل في العباد من جعل شهودهم من انفسهم يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق اي جزاءهم على اعمالهم الجزاء الحق الذي بالعدل والقسط يجدون جزاءها موفرا لم يفقدوا منها شيئا. ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب الى يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا. ويعلمون في ذلك الموقف العظيم ان الله هو الحق المبين. فيعلمون انحسار الحق المبين في الله تعالى. فاوصافه العظيمة حق وافعاله هي الحق هي الحق ولقاؤه حق ووعده ووعيده وحكمه الديني والجزائي حق ورسله حق فلا ثم حق الا في الله وما من الله الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات اي كل خبيث من الرجال والنساء والكلمات والافعال مناسب للخبيث وموافق له ومقترن به ومشاكل له وكل طيب من الرجال النساء والكلمات والافعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به ومشاكل له. فهذه كلمة عامة وحصر لا يخرج منه شيء من اعظم مفرداته ان الانبياء خصوصا اولي العزم منهم خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو افضل الطيبين من الخلق على الاطلاق. لا يناسبهم الا كل طيب من النساء. فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الامر قد النبي صلى الله عليه وسلم وهو المقصود بهذا الافك من قصد المنافقين فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يعلم انها لا تكون الا طيبة طاهرة من هذا الامر القبيح. فكيف وهي هي صديقة النساء؟ وافضلهن واعلمهن واطيبهن حبيبة رسول رب العالمين التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ثم صرح بذلك بحيث لا يبقي مبطل مقال ولا لشك وشبهة مجالا فقال اولئك مبرءون من ما يقولون له والاشارة الى عائشة رضي الله عنها اصلا وللمؤمنات المحسنات قناة الغافلات تبعا لهم مغفرة تستغرق الذنوب ورزق كريم في الجنة. صادر من الرب الكريم