المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يسلم على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. يرشد الباري عباده المؤمنين سيدخل بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان. فان في ذلك عدة مفاسد. منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم. حيث قال انما جعل الاستئذان من اجل البصر. فبسبب الاخلال به يقع البصر على العورات. التي داخل البيوت. فان البيت للانسان في ستر عورة ما وراء بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. ومنها ان ذلك يوجب الريبة من الداخل. ويتهم بالشر سرقة او غيرها ان الدخول خفية يدل على الشر. ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حتى يستأنسوا. اي يستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا لانه به يحصل الاستئناس وبعدمه تحصل الوحشة وتسلم على اهلها وصفة ذلك ما جاء في الحديث السلام عليكم اادخل ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. ذلكم اي الاستئذان المذكور خير لكم لعلكم تذكرون لاشتماله على عدة مصالح وهو من مكارم الاخلاق الواجبة. فان اذن دخل المستأذن فيها احدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم. وان قيل لكم ارجعوا فارجعوه وازكى لكم والله بما تعملون عليم. اي فلا تمتنعوا من الرجوع ولا تغضبوا منه. فان صاحب المنزل لم يمنعكم حقا واجبا لكم وانما هو متبرع فان شاء اذن او منع فانتم لا يأخذ احدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال. هو ازكى لكم اي اشد لتطهيركم من السيئات وتنميتكم بالحسنات. فيجازي كل عام بعمله من كثرة وقلة وحسن وعدمه. هذا الحكم في البيوت المسكونة سواء كان فيها متاع للانسان ام لا. وفي البيوت غير المسكونة التي لا متاع فيها للانسان. واما البيوت التي ليس فيها اهلها وفيها متاع الانسان المحتاج للدخول اليه. وليست فيها احد يتمكن من استئذانه وذلك كبيوت الكراء وغيرها. فقد ذكرها بقوله بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم. والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ليس عليكم جناح اي حرج واثم. دل على ان الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة انه محرم. وفيه حرج ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم. وهذا من احترازات القرآن العجيبة. فان قوله لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للانسان. اخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه. وفيها متاعه وليس فيها ساكن. فاسقط الحرج في الدخول اليها. احوالكم الظاهرة والخفية ان مصالحكم فلذلك شرع لكم ما تحتاجون اليه وتضطرون من الاحكام الشرعية اي ارشد المؤمنين وقل لهم الذين معهم ايمان يمنعهم من وقوع ما يخل بالايمان. يغضوا من ابصارهم عن النظر الى العورات والى النساء الاجنبيات والى المردان الذين يخافوا بالنظر اليهم الفتنة والى زينة الدنيا التي تفتن وتوقع في المحذور ويحفظوا فروجهم عن الحرام في قبل او دبر او ما دون ذلك. وعن التمكين من مسها والنظر اليها ذلك الحفظ للابصار والفروج ازكى لهم اطهر واطيب وانى اعمالهم فان من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبث الذي يتدنس به اهل الفواحش. وزكت اعماله بسبب ترك المحرم الذي يطمع اليه النفس وتدعو اليه. فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومن غض بصره عن المحرم انار الله بصيرته لان العبد اذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته. مع داعي الشهوة كان حفظه لغيره ابلغ. ولهذا سماه الله حفظا الشيء المحفوظ ان لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه. وعمل الاسباب الموجبة لحفظه لم ينحفظ. كذلك البصر والفرج ان لم يجتهد اذا العبد في حفظهما اوقعاه في بلايا ومحن. وتأمل كيف امر بحفظ الفرج مطلقا؟ لانه لا يباح في حالة من الاحوال واما البصر فقال يغضوا من ابصارهم. اتى باداة من الدالة على التبعيض. فانه يجوز النظر في بعض الاحوال لحاجة كنظر الشاهد والعامل والخاطب ونحو ذلك. ثم ذكرهم بعلمه باعمالهم ليجتهدوا في حفظ انفسهم من المحرمات. لما المؤمنين بغض الابصار وحفظ الفروج امر المؤمنات بذلك فقال وقل للمؤمنات من ابصارهن عن النظر الى العورات والرجال بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع. ويحفظن فروجهن من التمكين من جماعها او امسيها او النظر المحرم اليها. ولا يبدين زينتهن كالثياب الجميلة والحلي. وجميع البدن كله من الزينة. ولما كانت الثياب الظاهرة لابد لها منها قال الا ما ظهر منها. اي الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها اذا لم يكن في ذلك ما يدعو الى الفتنة بها وليضربن بخمرهن على جيوبهن وهذا لكمال الاستتار. ويدل ذلك على ان الزينة التي يحرم ابداؤها يدخل فيها جميع البدن كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن ابداء زينتهن ليستثني منه قوله الا اي ازواجهن او ابائهن او اباء بعولتهن. يشمل الاب بنفسه والجد وان علا او ابنائهن او ابناء بعولتهن فيه الابناء وابناء بعولة مهما نزلوا. او اخوانهن او بني اخوانهن اشقاء او لاب او لام اخواتهن او نسائهن اي يجوز للنساء ان ينظر بعضهن الى بعض مطلقا. ويحتمل ان الاضافة تقتضي الجنسية اي النساء اللاتي من جنسكم ففيه دليل لمن قال ان المسلمة لا يجوز ان تنظر اليها الذمية. او ما ملكت ايمانهن او ما ملكت ايمانهن. فيجوز للمملوك اذا كان كله للانثى ان ينظر لسيدته ما دامت مالكة له كله انزال الملك او بعضه لم يجز النظر او التابعين غير اولي الاربدة من الرجال. اي او الذين يتبعونكم بكم من الرجال الذين لا اربة لهم في هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك وكالعنين الذي لم يبقى له شهوة لا في فرجه ولا في قلبه فان هذا لا محظور من نظره اي الاطفال الذين دون التمييز. فانه يجوز نظرهم للنساء الاجانب. وعلل تعالى ذلك بانهم لم يظهروا على عورات النساء. اي ليس لهم علم بذلك ولا وجدت فيهم الشهوة بعد. ودل هذا ان المميز تستتر منه المرأة لانه يظهر على عورات النساء اي لا يضربن الارض بارجلهن اليوم يصوت ما عليهن من حلي كخلاخل وغيرها. فتعلم زينتها بسببه. فيكون وسيلة الى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه. قاعدة تسدد ذرائع وان الامر اذا كان مباحا ولكنه يفضي الى محرم او يخاف من وقوعه فانه يمنع منه. فالضرب بالرجل في الارض الاصل انه مباح. ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة منع منه. ولما امر تعالى بهذه الاوامر الحسنة ووصى بالوصايا المستحسنة وكان لابد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك امر الله تعالى بالتوبة فقال المؤمنون لعلكم تفلحون. لان المؤمن يدعوه ايمانه الى التوبة. ثم علق على ذلك الفلاح قال لعلكم تفلحون. فلا سبيل الى الفلاح الا بالتوبة. وهي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا الى ما يحبه ظاهرا وباطنا. ودل هذا ان كل مؤمن محتاج الى التوبة. لان الله خاطب المؤمنين جميعا. وفيه على الاخلاص بالتوبة في قوله وتوبوا الى الله اي لا لمقصد غير وجهه. من سلامة من افات الدنيا او رياء وسمعة او نحو ذلك من المقاصد الفاسدة يغنهم الله من فضله. والله واسع عليم يأمر تعالى الاولياء والاسياد بانكاح من تحت ولايتهم من الايامى. وهم من لا ازواج لهم من رجال ونساء ثيب وابكى فيجب على القريب وولي اليتيم ان يزوج من يحتاج للزواج ممن تجب نفقته عليه. واذا كانوا مأمورين بانكاح من تحت ايديهم كان امرهم بالنكاح بانفسهم من باب اولى يحتمل ان المراد بالصالحين صلاح الدين. وان الصالح من العبيد والاماء وهو الذي لا فاجرا زانيا. مأمور سيده بانكاحه. جزاء له على صلاحه وترغيبا له فيه. ولان الفاسد بالزنا منهي عن تزوجه فيكون مؤيدا للمذكور في اول السورة ان نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب. ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والاماء دون الاحرار لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة. ويحتمل ان المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون اليه من العبيد والاماء يؤيد هذا المعنى ان السيد غير مأمور بتزويج مملوكه. قبل حاجته الى الزواج ولا يبعد ارادة المعنيين كليهما. والله واعلم وقوله ان يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله. ان يكونوا فقراء اي الازواج والمتزوجين يغنيهم الله من فضله. فلا يمنعكم ما تتوهمون من انه اذا تزوج افتقر بسبب كثرة عائلة ونحوه وفيه حث على التزوج ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. والله واسع كثير الخير عظيم الفضل. عليم بمن يستحق فضله الديني والدنيوي. او احدهما ممن لا يستحق فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه. هذا حكم العاجز عن امره الله ان يستعفف ان يكف عن المحرم ويفعل الاسباب التي تكفه عنه من صرف دواعي قلبه بالافكار التي تخطر بايقاعه فيه ويفعل ايضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم استطع فعليه بالصوم فانه له وجاء. وقوله الذين لا يجدون نكاحا اي لا يقدرون نكاحا اما لفقرهم او فقر اوليائهم واسيادهم. او امتناعهم من تزويجهم. وليس لهم من قدرة على اجبارهم على ذلك. وهذا التقدير احسن من لمن قدر لا يجدون مهرا نكاح وجعلوا المضاف اليه نائبا مناب المضاف فان في ذلك محذورين احدهما الحذف في كلام والاصل عدم الحذف. والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان. حالة غنى بماله وحالة عدم يخرج العبيد والاماء من انكحه على وليه كما ذكرنا. وعد للمستعفف ان الله سيغنيه وييسر له امره. وامر له بانتظار الفرج. لان لا يشق عليه ما هو فيه. وقوله اي من ابتغى وطلب منكم الكتابة وان يشتري نفسه من عبيد واماء فاجيبوه الى ما طلب. وكاتبوه ان علمتم فيهم اي في الطالبين للكتابة خيرا اي قدرة على التكسب وصلاحا في دينه. ولان في الكتابة تحصيل المصلحتين. مصلحة العتق والحرية. ومصلحة العوظ الذي يبذله في فداء نفسه. وربما جد واجتهد وادرك لسيده في مدة الكتابة من المال. ما لا يحصل في رقه. فلا يكون ضرر على السيد في كتابته مع حصول عظيم المنفعة للعبد. فلذلك امر الله بالكتابة على هذا الوجه امر ايجاب كما هو الظاهر او امر استحباب على القول الاخر. وامر بمعاونتهم على كتابتهم لكونهم محتاجين لذلك بسبب انهم لا مال لهم. فقال واتهم ولا تكرهوا فتياتكم على البراء ان واتوهم من مال الله الذي اتاكم يدخل في ذلك امر الذي كتبه ان يعطيه من كتابته او يسقط عنه منها. وامر الناس بمعونتهم. ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة ورغب في اعطائه بقوله من مال الله الذي اتاكم اي فكما ان المال مال الله وانما الذي بايديكم عطية من الله لكم منا فاحسنوا لعباد الله كما احسن الله اليكم. ومفهوم الاية الكريمة ان العبد اذا لم يطلب الكتابة لا يؤمر سيده ان يبتدي بكتابته وانه اذا لم يعلم منه خيرا بان علم منه عكسه اما انه يعلم انه لا كسب له فيكون بسبب ذلك كلا على الناس واما ان يخاف اذا عتق وصار في حرية نفسه ان يتمكن من الفساد فهذا لا يؤمر بكتابته بل ينهى عن ذلك لما فيه من المذكور ثم قال تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البراء ان اردنا تحصنا لتبت ولا تكرهوا فتياتكم اي امائكم على البغاء اي ان تكون زانية. ان اردنا تحصن لانه لا يتصور اكراهها الا بهذه الحال. واما اذا لم ترد تحصنا فانها تكون بغيا. يجب على سيدها منعها من ذلك وانما هذا نهي لما كانوا يستعملونه في الجاهلية. من كون السيد يجبر امته على البغاء. ليأخذ منها اجرة ذلك. ولهذا قال لتبتغوا عرض الحياة الدنيا. فلا يليق بكم ان تكون اماؤكم خيرا منكم واعف عن الزنا. وانتم تفعلون به ذلك لاجل عرض الحياة متاع قليل يعرض ثم يزول. فكسبكم النزاهة والنظافة والمروءة بقطع النظر عن ثواب الاخرة وعقابها افضل من كسبكم العرض القليل. الذي يكسبكم الرذالة والخسة. ثم دعا من جرى منه الاكراه الى التوبة. فقال قال ومن يكرههن فليتب الى الله وليقلع عما صدر منه مما يغضبه. فاذا فعل ذلك غفر الله ذنوبه ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من من العذاب وكما رحم امته بعدم اكراهها على ما يضرها