بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين اما بعد قال الله تعالى ويصنع الفلك وكل ما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال ان تسخر منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فامتثل نوح امر ربه وطفق يصنع السفينة وكلما مر عليه كبراء قومه وسادتهم استهزأوا به لما يقوم به من صنع السفينة وليس في ارضه ماء ولا انهار فلما تكرر استهزأوا به قال ان تستهزء ايها الملأ منا اليوم عندما نصنع السفينة فانا نستهزئ بكم لجهلكم بما يصير اليه امركم من الغرق اذا ربنا قال ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال ان تسخروا منا فانا نسخر ومنكم كما تسخرون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه اي بدأ يصنع السفينة وكلما مر عليه جماعة من قومه المشركين ورأوا ما يصنع هزئوا منه قال ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون اي قال نوح لقومه ان تستهزئوا بنا عند بناء السفينة فان سوف نستهزئ بكم كما تستهزئون بنا فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم وسوف تعلمون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب في الدنيا يدله ويهينه وينزل عليه يوم القيامة عقاب دائم لا ينقطع فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه اي قال نوح مهددا قومه فسوف تعلمون اذا نزل بكم عقاب الله من يأتيه عذاب يهينه في الدنيا ويحل عليه عذاب مقيم اي من ينزل به في الاخرة عذاب دائم لا ينقطع وفي هذا ادب عظيم جدا وهو ان المتوكل على الله تعالى الثابت على العقيدة واثق بانه على الحق لا يزعزع لا يزعزع ثقته مقابلة السفهاء اعماله النافعة بالسخرية او التشهير او الكتابة او الاذية او الضرر نعم ثم قال الله تعالى حتى اذا جاء امرنا وفار التنور قل نحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه قول ومن امن وما امن معه الا قليل وانهى نوح صنع السفينة التي امره الله بصنعها حتى اذا جاء امرنا باهلاكهم وفار الماء من التنور الذي كانوا يخبزون فيه اعلاما ببدء الطوفان قلنا لنوح احمل في السفينة من كل صنف من الحيوان فوق الارض زوجين ذكرا وانثى واهمل اهلك الا من سبق الحكم بانه مغرق لكونه لم يؤمن واحمل من امن معك من قومك وما امن معه من قومه الا عدد قليل على طول المدة التي مكث فيها يدعوهم الى الايمان وهنا درس مهم ان الانسان عليه ان يعمل فالمرء ليس مطالب بالنتائج انما عليه ان لا يفتر والا يقصر في اداء حق الله تعالى حتى اذا جاء امرنا وفار التنور اي حتى اذا جاء امر الله بعذاب قوم نوح وهلاكهم بالطوفان ونبع الماء بشدة من التنور وهو الموضع الذي يخبز فيه وهذا قد جعله الله تعالى علامة على مجيء العذاب وهذا المعنى الاخذ بالتنورة والمعنى الظاهر اخذ به عدد من اهل التفسير ومنهم من قال المقصود بذلك وجه الارض ولهم ايضا ادلة على هذا وربما يكون المعنيان فيكون تنور بيتهم يخرج منه الماء وكذلك تنبع الارض عيونا ليكون الغرق سريعا فالمعنيان واردان قل نحمل فيها من كل زوجين اثنين اي قلنا لنوح عليه الصلاة والسلام حين جاء موعد هلاك في قومه احمل في السفينة من كل صنف من اصناف المخلوقات ذكرا وانثى وهذا حتى نعلم ان هذه الشهوات التي غرزها الله تعالى في البشر وجدت لمصلحة وهو بقاء النوع ولكن الخطأ هو الاسراف فيها ووضعها في غير محلها واهلك الا من سبق عليه القول اي واحمل ايضا في السفينة اهل بيتك الا من قدر الله هلاكه لكفره كما قال الله تعالى فاوحينا اليه ان اصنع الفلك باعيننا ووحينا فاذا جاء امرنا وثار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون اذا قل نحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن امن. اي واحمل في السفينة ايضا من امن بالله واتبعت ثم بين ربنا جل جلاله هذا العدد انه قد قال وما امن معه الا قليل اي وما امن مع نوح عليه الصلاة والسلام الا نفر قليل من قومه وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ان ربي لغفور رحيم وقال نوح لمن امن من اهله وقومه اركبوا في السفينة بسم الله اي بعضهن لم يكتبوا لو كتبوا قائلين بسم الله بسم الله يكون جري السفينة وباسمه يكون رسوها ان ربي غفور للذنوب من تاب من عباده رحيم بهم ومن رحمته بالمؤمنين ان انجاهم من الهلاك. طبعا ربنا انجاهم وايضا ثمة فضل علينا انا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية فان جاء الله تعالى للاولين من رحمته عليها اذ نحن من بقيتهم وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها. اي وقال نوح عليه الصلاة والسلام لمن معه اركبوا في السفينة قالين بسم الله اي بسم الله يكون مسيرها السريع على وجه الماء وبسم الله يكون منتهى سيرها ورسوها على الشاطئ فهي تجري وتقف بتسخير الله واوامره وهنا يتذكر الانسان امرا مهما جدا وهو ان الانسان يسمي الله تعالى في كل شيء ان الانسان يسمي الله يسمي الله في كل عمل وقال يركب فيها بسم الله مجراها ومساها اشارة الى ان الانسان لا ينبغي ان يشرع في امر من الامور الا ويكون في وقت الشروع فيه ذاكر بسم الله تعالى بالاذكار المشروعة حتى يكون ببركة ذلك الذكر سببا لتمام ذلك. فالانسان يتبرك باسم الله ويستعين بالله تعالى ولذا اول ما نزل الوحي على النبي اقرأ باسم ربك اي اقرأ قائلا بسم الله وايضا الواجب ربط الهمة وتعليق القلب بفضل الله تعالى والبراءة عن الحول والقوة وقطع النظر عن الاسباب وهذا ايضا يؤخذ من هذه الاية الكريمة وقال اركبوا فيها بسم الله اي قائلين بسم الله فينبغي على الانسان ان يستعين بربه وان يذكر ربه ثم قال الله تعالى وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني يركب معنا ولا تكن مع الكافرين والسفينة تسير بمن فيها من الناس وغيرهم في موج عظيم من مثل الجبال وبعاطفة الابوة نادى نوح ابنه الكافر وكان منفردا عن ابيه وقومه في مكان يا بني اركب معنا في السفينة لتنجو من الغرق ولا تكن مع الكافرين فيصيبك ما اصابهم من الهلاك وتأمل هذا السياق وهي تجري بهم في موج كالجبال والسفينة تجري بنوح ومن ركب معه باذن الله وحفظه في امواج مرتفعة مثل الجبال وهذا كما قال تعالى انا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وقال سبحانه وتعالى وحملناه على ذات الواح ودسر تجري باعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها اية فهل من مدكر ثم قال الله تعالى ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني يركب معنا ولا تكن مع الكافرين فتأمل هذا الخطاب العجيب وهذه الحنوة. وتأمل قال ولا تكن مع الكافرين ولم يقل مع المغرقين اشارة الى ان من له عقل وهمة ينبغي ان يكون تحفظه على صون دينه اكد من تحفظه على صون نفسه لان حفظ الاديان اكد من حفظ النفوس اي ونادى نوح ابنه الكافر وكان في ناحية بعيدة عن السفينة قائلا له يا بني اركب معنى السفينة ولا تكن مع الكافرين فتغرق مثلهم قال ساوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين قال ابن نوح لنوح سألجأ الى جبل مرتفع ليمنعني ليمنعني من وصول الماء ليمنعني من وصول الماء الي. قال نوح لابنه لا مانع اليوم من عذاب الله بالغرق بالطوفان الا الله الراحم برحمته من يشاء سبحانه فانه يمنعه من الغرق وفرق الموج بين نوح وابنه الكافر فكان ابنه من المغرقين بالطوفان لكفره قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء اي قال ابن نوح عليه السلام سألجأ الى جبل عال اتحصن به يمنعني من الماء فلا اغرق قال لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم. اي قال نوح لابنه لا مانع اليوم من عذاب الله الا الراحم وهو الله الذي يرحم من يشاء فينجيه من الغرق وحال بينهما الموج فكان من المغرقين اي حال وبين نوح وابنه موج الماء فكان ممن اهلكهم الله بالغرق من قوم نوح الكافرين وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيظ الماء وقضي الامر واستوت على الجود وقيل بعدا للقوم الظالمين وقال الله للارض بعد نهاية الطوفان يا ارض اشربي ما عليك من ماء طفن. وقال للسماء يا سماء امسكي ولا ترسل المطر ونقص الماء حتى جفت الارض واهلك الله الكافرين ووقفت السفينة على جبل الجودي وقيل بعدا وهلاكا للقوم المتجاوزين لحدود الله وتأمل هذه الاية الكريمة وتأمل هذا الخطاب الجليل وتأمل قدرة الله تعالى وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي اي وامر الله الارض بعد غرق قوم نوح ان ياء الضوء تشرب الماء الذي على وجهك ويا سماء امسكي عن الامطار وغيظ الماء وقضي الامر. اي نقص الماء الذي على الارض حتى نظر وفرغ من هلاك قوم نوح الكافرين وان نساء المؤمنين واستوت على الجهد وتأمل رحمة الله سبحانه وتعالى. واستوت على الجود وفي ذلك يعني الانسان ينتبه الى الاشياء التي يكرمها الله تعالى اكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر. الجودي بنوح وطور سيناء بموسى وحراء بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ولذلك الانسان ينال الخير بفعله الطاعات واستوت على الجود اي ورست السفينة واستقرت بمن فيها على جبل الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين. اي وقيل بعدا وسحقا من رحمة الله للقوم الكافرين وهكذا الانسان يستذكر الايات وهي السبت ان الانسان كلما تقرب من رحمة الله نال الرحمة وكلما ابتعد عن رحمة الله تعالى فقد عرف نفسه للاذى والارض والسماء كل امرها بيد الله سبحانه وتعالى ونادى نوحا ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين ونادى نوح عليه الصلاة والسلام ربه مستغيثا بك. فقال يا رب ان ابني من اهلي الذين وعدتني بانجائهم وان وعدك هو الصدق الذي لا خلف فيه. وانت اعدد الحاكمين واعلمه والانسان يتأمل هذه الرحمة التي جعلها الله تعالى في الاباء ونادى نوح ونادى نوح ربه اي منادى نوح ربه فقال يا ربي ان ابني من اهلي الذين وعدتني ان تنجيهم من الغرق وان وعدك الصدق الذي لا يخلف ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك للحق وانت احكم الحاكم اي وانت يا رب اعدد الحاكمين. لا ظلم في حكمك ولا خطأ وهذا من رحمة نوح بابنه كما غرز الله تعالى رحمة الابناء في الاباء من فوائد الايات اولا بيان عادة المشركين في الاستهزاء والسخرية بالانبياء واتباعهم بيان سنة الله في الناس وهي ان اكثرهم لا يؤمنون لا ملجأ من الله الا اليه ولا عاصم من امره الا هو سبحانه هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته