المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي تقسموا طاعة معروفة. ان الله خبير بما تعملون يخبر تعالى عن حالة المتخلفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد من المنافقين. ومن في قلوبهم مرض وضعف ايمان انهم يقسمون بالله لان امرتهم فيما يستقبل او لان نصصت عليهم حين خرجت ليخرجن. والمعنى الاول اولى قال الله ردا عليهم قل لا تقسموا طاعة معروفة قل لا تقسموا. اي لا نحتاج الى اقسامكم ولا الى اعذاركم فان الله قد نبأنا من اخباركم وطاعتكم معروفة لا تخفى علينا قد كنا نعرف منكم التثاقل والكسل من غير عذر لا وجه لعذركم وقسمكم انما يحتاج الى ذلك من كان امره محتملا وحاله مشتبهة فهذا ربما يفيده العذر براءة اما انتم فكلا ولما وانما ينتظر بكم ويخاف عليكم حلول بأس الله ونقمته. ولهذا توعدهم بقوله ان الله خبير بما تعملون. فيجازيكم عليها اتم الجزاء. هذه حالهم في نفس الامر واما الرسول صلى الله عليه وسلم فوظيفته ان يأمركم وينهاكم ولهذا قال قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول فان امتثلتم كان حظكم وسعادتكم. وان تولوا فانما عليهما حمل من الرسالة وقد اداها ما حملتم من الطاعة وقد بانت حالكم وظهرت. فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب وان تطيعوه تهتدوا الى الصراط المستقيم قولا وعملا فلا سبيل لكم الى الهداية الا بطاعته. وبدون ذلك لا يمكن بل هو محال اي تبليغكم البين الذي لا يبقي لاحد شكا ولا شبهة. وقد فعل صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين وانما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى. فالرسول ليس له من الامر شيء. وقد قام بوظيفته وليمكنن لهم دينهم الذي لهم وليبدلنهم هذا من وعوده الصادقة التي شوهد تأويلها ومخبرها فانه وعد من قام بالايمان والعمل الصالح من هذه الامة ان يستخلفهم في الارض يكونون هم الخلفاء فيها. المتصرفين في تدبيرها وانه يمكن لهم انهم الذي ارتضى لهم وهو دين الاسلام الذي فاق الاديان كلها. ارتضاه لهذه الامة لفضلها وشرفها ونعمته عليها. بان يتمكنوا من اقامته واقامة شرائعه الظاهرة والباطنة في انفسهم وفي غيرهم. لكون غيرهم من اهل الاديان وسائر الكفار. مغلوبين ذليلين وانه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم ليتمكن من اظهار دينه وما هو عليه الا باذى كثير من الكفار وكون المسلمين قليلين جدا بالنسبة الى غيرهم. وقد رماهم اهل الارض عن قوس واحدة وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الامور وقت نزول الاية وهي لم تشاهد الاستخلاف في الارض والتمكين فيها. والتمكين من اقامة الدين الاسلامي والامن التام. بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا ولا يخافون احدا الا الله. فقام صدر هذه الامة من الايمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم. فمكنهم من البلاد والعباد وفتحت مشارق الارض ومغاربها. وحصل الامن التام والتمكين التام. فهذا من ايات الله العجيبة الباهرة. ولا يزال الامر الى قيام الساعة مهما قاموا بالايمان والعمل الصالح فلا بد ان يوجد ما وعدهم الله وانما يسلط عليهم الكفار والمنافقين ويدلهم في بعض الاحيان بسبب اخلال المسلمين بالايمان والعمل الصالح ومن كفر بعد ذلك التمكين والسلطنة التامة لكم يا معشر المسلمين اولئك هم الفاسقون. الذين خرجوا عن طاعة الله وفسدوا. فلم يصلحوا لصالح ولم يكن فيهم اهلية للخير لان الذي يترك الايمان في حال عزه وقهره وعدم وجود الاسباب المانعة منه. يدل على فساد نيته وخبث طويته. لانه ولا داعي له لترك الدين الا ذلك. ودلت هذه الاية ان الله قد مكن من قبلنا واستخلفهم في الارض. كما قال موسى لقومه استخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون. وقال تعالى ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض يأمر تعالى باقامة الصلاة باركانها وشروطها وادابها ظاهرا وباطنا. وبايتاء الزكاة من الاموال التي استخلف الله بها العباد واعطاهم اياها بان يؤتوها الفقراء وغيرهم ممن ذكرهم الله لمصرف الزكاة. فهذان اكبر الطاعات واجلهما جامعتان لحقه وحق خلقه. للاخلاص للمعبود وللاحسان الى العبيد. ثم عطف عليهما الامر العام. فقال واطيعوا الرسول. وذلك بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. من يطع الرسول فقد اطاعه الله لعلكم حين تقومون بذلك ترحمون. فمن اراد الرحمة فهذا طريقها. ومن رجاها من دون اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الرسول فهو متمن كاذب. وقد منته نفسه الاماني الكاذبة لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الارض فلا يغرك ما متعوا به في الحياة الدنيا. فان الله وان امهلهم فانه لا يهملهم. نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب الغليظ ولهذا قال هنا اي بئس المئال الكافرين مآل الشر والحسرة والعقوبة الابدية الذين ملكت ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون كذلك يبين الله لكم الايات والله عليم حكيم امر المؤمنين ان يستأذنهم مماليكهم والذين لم يبلغوا الحلم منهم قد ذكر الله حكمته وانه ثلاث عورات تأذني عليهم واقتنوا بهم بالليل بعد العشاء وعند انتباههم قبل صلاة الفجر فهذا في الغالب ان النائم يستعمل للنوم في الليل ثوب من غير ثوبه المعتاد. واما نوم النهار فلما كان في الغالب قليلا قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة. قيده بقوله وحين يضعون ثيابكم من الظهيرة اي للقائلة وسط النهار. ففي ثلاثة هذه الاحوال يكون المماليك والاولاد الصغار كغيرهم. لا تمكنون من الدخول الا باذن. واما ما عدا هذه الاحوال الثلاثة فقال اي ليسوا كغيرهم. فانهم يحتاج اليهم دائما. في شق الاستئذان منهم في كل وقت. ولهذا قال ان يترددون عليكم في قضاء اشغالكم وحوائجكم. كذلك يبين الله لكم الايات والله عليم حكيم. كذلك يبين الله لكم الايات بيانا مقرونا بحكمته ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته. ولهذا قال له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات. والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه. فاعطى كل مخلوق خلقه اللائق به واعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به. ومنه هذه الاحكام التي بينها وبين مآخذها وحسنها كذلك يبين الله لكم اياته والله عليم حكيم. واذا بلغ الاطفال منكم الحلم وهو انزال المني يقظة او مناما فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم اي في سائر الاوقات والذين من قبلهم هم الذين ذكرهم الله بقوله يا ايها الذين امنوا لا كلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا كذلك يبين الله لكم الايات ويوضحها ويفصل احكامها. وفي هاتين الايتان فوائد منها ان السيد وولي الصغير مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الاولاد العلم والاداب الشرعية لان الله وجه الخطاب اليهم بقوله يا ايها الذين امنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ولا يمكن ذلك الا بالتعليم والتأديب. ولقوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن. ومنها الامر بحفظ العورات الاحتياط لذلك من كل وجه. وان المحل والمكان الذي مظنة لرؤية عورة الانسان فيه انه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء ونحو ذلك ذلك ومنها جواز كشف العورة لحاجة. كالحاجة عند النوم وعند البول والغائط ونحو ذلك. ومنها ان المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط النهار. كما اعتادوا نوم الليل. لان الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة. ومنها ان الصغير الذي دون لا يجوز ان يمكن من رؤية العورة. ولا يجوز ان ترى عورته. لان الله لم يأمر باستئذانهم الا عن امر ما يجوز. ومنها ان مملوكة ايضا لا يجوز ان يرى عورة سيده. كما ان سيده لا يجوز ان يرى عورته كما ذكرنا في الصغير. ومنها انه ينبغي للواعي والمعلم ونحوهم ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي ان يقرن بالحكم بيان مأخذه ووجهه ولا يلقيه مجردا عن الدليل لان الله لما بين الحكم المذكور علله بقوله ثلاث عورات لكم. ومنها ان الصغير والعبد مخاطبان كما ان وليهما مخاطب لقوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن. ومنها ان ريق الصبي طاهر ولو كان بعد نجاسة كالقيء لقوله تعالى طوافون عليكم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهرة انها ليست بنجس من الطوافين عليكم والطوافات. ومنها جواز استخدام الانسان من تحت يده. من الاطفال على وجه معتاد لا يشق على الطفل لقوله طوافون عليكم. ومنها ان الحكم المذكور المفصل انما هو لما دون البلوغ. فاما ما بعد البلوغ فليس الا استئذان ومنها ان البلوغ يحصل بالانزال. فكل حكم شرعي رتب على البلوغ حصل بالانزال. وهذا مجمع عليه وانما الخلاف هل يحصل البلوغ بالسن او الانبات للعانة؟ والله اعلم