وقوله سبحانه ومن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا وقوله لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته فما يعين عليه فانه منه. فبهذا يعلم ان المسلمين بالمعنى الحقيقي اكمل الخلق في فعل الاسباب النافعة لانهم يبدون فيها مقدورهم. مستعينين بالله في حصولها وفي تكميلها وفيما لا يقدرون عليه منها. وفي انجاح اعمالهم المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله اصول عظيمة من قواعد الاسلام. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ما لك يوم الدين. اياك نعبد واياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. امين. اللهم صل على محمد وعلى اله واصحابه ومن تبعهم الى يوم الدين. هذه قواعد واصول عظيمة من قواعد دين الاسلام. القاعدة الاولى الدين كله مبني على عبادة الله وحده والاستعانة به وحده. كما صرحت بهذه السورة الكريمة وفي القرآن بين هذين الامرين في مواضع متعددة. كقوله فاعبده وتوكل عليه. عليه توكلت واليه انيب ربنا عليك توكلنا واليك انبنا. وغير ذلك من الايات. وفي الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شيء كثير كقوله احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن وبتتميم العبد لعبادة الله واستعانته به تكمل اموره الدينية والدنيوية. فعبادة الله ان يقوم العبد بتوحيد الله وعبوديته الظاهرة والباطنة المالية والبدنية والمركبة منهما. المتعلقة بحقوق الله تعالى والمتعلقة بحقوق خلقه. ومن ذلك القيام بالمصالح الكلية النافعة للمسلمين في دينهم ودنياهم. ويكون هذا القيم مصحوبا بثلاث ثلاثة امور قوة الجد والاجتهاد بحسب ما يستطيعه العبد. وقوة الاعتماد على الله في تيسير ذلك. الامر الذي يحاول العبد مع الثقة التامة بالله في تيسيره وكمال الاخلاص له. بحيث لا يكون الحامل له على ذلك غرض خسيس. ولا قصد مراعاة الناس وسمعتهم. ولا عصبية وطنية او قومية او جنسية. بل الحامل له على ذلك ارادة رضا الله وحصول ثوابه. ومن ثوابه ما يترتب عليه من المصالح النافعة. وبهذا المعنى الكلي العظيم يتضح لنا ان القيام جميع الاسباب النافعة والقيام بما يتممها ويكملها هي من اعظم ما يدخل في هذه القاعدة. فان القيام بها عبادة ووسيلة الى عبادة الله. فكما يدخل في عبادة الله ما اعان عليها من السعي والمشي والركوب الى العبادات. فيدخل فيها اكتساب الاموال من حلها. للقيام بالزكوات وواجب النفقات. ولقيام الاعمال النافعة التي لا تقوم الا بالاموال ويدخل فيها ايضا تعلم الفنون والصناعات العصرية. والاختراعات التي فيها استعداد المسلمين لمقاومة اعدائهم. وللسلامة من من شرورهم وذلك بحسب المستطاع. قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وقال تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. فكل ما يستطيعه المسلمون من اعداد القوة العقلية والصناعية والسياسية والفنون العسكرية. وما اشبه كذلك فانه يدخل في عبادة الله. وفيما يعين عليها. فان الجهاد الذي هو بذل الجهد في مقاومة الاعداء. من اجل العبادة وحصول مقاصدهم. فليس بعد هذا الكمال الذي حث عليه الدين الاسلامي كمال ولا فوقه مرتقى. حيث يموه الدعاة الى الالحاد ان الدين الاسلامي يثبت العاملين ويضعف نفوسهم. وهذا من المكابرة والتجري والكذب راح بمكان لا يخفى على من له ادنى مسكت عقل. فاذا تبين ان الدين الاسلامي الصحيح يحث على القيام بالاسباب نافعة ويبعث الهمم والعزائم بالاستعانة بالله عليها والثقة به في تكميلها ونجاحها. فكم في الكتاب والسنة من الامر بفعل الخيرات وترك المنكرات. والاخذ بجميع الاسباب النافعات. فاعلم انها هنا طريقين ذميمين منحرفين في الاسباب يبرأ الدين منهما كل البراءة. احدهما مذهب الجبرية القائلين بان العبد مجبور على افعاله. وان حركاته الاختيارية حركات اضطرارية بمنزلة حركات الاشجار. وان الاسباب لا تأثير لها في مسبباتها. وان الله يخلق عندها لا بها. ويوجد الاشياء باقترانها عادة لا انها طريق ووسيلة الى مقاصدها. وهذا المذهب باطل كن شرعا وعقلا. اما شرعا فان الكتاب والسنة مملوءان من ذكر اضافة الاعمال للعاملين خيرها وشرها. وانهم هم الذين يفعلونها طوعا واختيارا لا قصرا واضطرارا. ومملوءان من ذكر ان الاسباب بها حصول مقاصدها. وهي الطريق الوحيد لسعادة الدنيا والاخرة. وان الكسل عنها موجب للحرمان. والضعف فيها داع الى الخسران تقدم ان الشرع يحث عليها غاية الحث. مع الاستعانة بالله عليها. واما بطلان هذا القول عقلا. فلانه من المعلوم بالضرورة ان افعال العباد بل والحيوانات تقع باختيارهم وارادتهم. وان شاءوا ارادوا وفعلوا وان ارادوا وانه لولا ان العبادة تقع افعالهم طوع اختيارهم لما كان للاوامر الشرعية والعرفية فائدة. فكيف يؤمر يوجه الخطاب الى من لا قدرة له على افعاله. وكيف يوجد النهي واللوم على من لا يقدر على ترك النواهي. فهذا معلوم فساد بالضرورة من الشرع وببداهة العقل. واعظم منه بطلانا واشد فسادا. مذهب الطبائعيين في الاسباب. الذين يرون اسباب جارية على مقتضى الطبيعة ونظام الكون. وانها لا تعلق لها بقضاء الله وقدره. وان الله لا يقدر على تغييرها ولا منعها ولا اعانتها. واهل هذا المذهب معروفون بالخروج عن ديانات الرسل كلهم. لان هذا القول الخبيث مبني على نفي الايمان بالله ونفي ربوبيته. والرب في الحقيقة عند هؤلاء هي الطبيعة. فهي التي تتفاعل وتتطور وتحدث الاشياء جاء كلها هؤلاء الملحدون لا يثبتون لله افعالا. ولا يثبتون انه يثيب الطائعين بالنعم والكرامات في الدنيا والاخرة ولا يعاقب العاصين بالنقم في الدنيا والاخرة. وينفون معجزات الانبياء الخارقة للعادة كلها وكرامات الاولياء ويقولون ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا. وهذا المذهب الذي هو ابطل المذاهب الذي تنزه عنه اليهود اليهود والنصارى وكثير من المشركين. فضلا عن الدين الاسلامي قد اغتر به بعض الكتاب العصريين. وارادوا من وجرائتهم العظيمة ان ينسبوه الى دين الاسلام. ودين الاسلام وسائر الاديان بريئة من هذا القول الخبيث وهو في شق واديان الرسل في شق اخر. الرسل والشرائع تثبت ربوبية الله وافعاله وقضاءه وقدره. انقياد العالم العلوي والسفلي لارادة الله وقدرته. وهؤلاء ينكرون ذلك والرسل والشرائع تثبت ان الاسباب والمسببات محل حكمة الله وان الله قد جعلها على نظام حكيم دال على كمال حكمة الله وانتظام امر الدنيا والاخرة. وانه لا يمكن احد ان يغير سنن الله ولا يحولها. ومع هذا فانها تابعة لمشيئة الله وارادته. لا يستقل سبب منها الا باعانته ولا يمنع بعض الاسباب ويغير بعض الاسباب ليري عباده انه هو المتصرف المطلق. وقد اوقع الله الاخذات الخارقة بالمكذبين بالرسل. واكرم انبياءه واولياءه بالنجاة في الدنيا والاخرة. فاهلك قوم نوح طوفان ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين. وجعل النار بردا وسلاما على ابراهيم. واعطى موسى من حياتك الحية والعصا فالق البحر. ما فيه اكبر عبرة بانه المتصرف المطلق. وجعل عيسى يبرئ الاكمه والابرص ويحيى الموتى باذنه واعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الكرامات والخوارق الكونية ما لم يعطي احدا من الرسل فانشق له القمر وسلم عليه الشجر والحجر. ونبع الماء من بين اصابعه. استقى الخلق الكثير من الماء القليل اشبع الخلق العظيم من الطعام اليسير. وابرأ الله بدعواته امراضا كثيرة. وانزل الله الغيث بدعوته في قضايا كثيرة عصمه الله من الناس ونصره في مواطن كثيرة نصرا خارقا للعادة. ونصر الله امته في مواطن كثيرة كثيرة واكرم الله الرسل والاولياء في امور خارقة للعادة. وهذه الامور كلها مما ينكرها اهل هذا المذهب الخبيث فعلم انه مناف للايمان بالرسل من كل وجه. وان من زعم انه يبقى مع صاحبه من الايمان شيء فهو مغرور جابر واما بطلانه عقلا وفطرة فان العقلاء كلهم مطبقون على انقياد العالم العلوي والسفلي الى ارادة الله ولم ينكر ذلك احد الا من جحد الله ولم يثبت وجوده. وهؤلاء علم ان عقولهم قد مرجت وانكار الامور المحسوسة التي لا يزال الله يريها عباده في جميع الاوقات. ومن فروع هذا المذهب الانكار بان الله ينقذ المضطرين ويجيب دعوات الداعين ويغيث اللهفات ويكشف الكربات. وانما هي عندهم الاسباب تتفاعل وتتغالب. فجحد ما علم بالضرورة من شرائع الانبياء. وما اقرت به الخليقة واعترفوا به وفطروا عليه. وبذلك حكموا لانفسهم في مفارقة العقل والدين. ومن فروع ذلك انكار قصة ادم واهباطه الى الارض. وخلق الله اياه وايح وائه اليه وجميع ما تحتوي قصته مع زوجه ومع ابليس. وانكار انه اول انسان وزعموا ان الانسان في اول امره في مكث مدة طويلة لا يتكلم ولا يعبر عما في ضميره. ثم انتقل من ذلك الطور البهيمي الى طور الاشارات دون التكلم باللغات. ثم مكث ما شاءت الطبيعة لا ما شاء الله. فتطور وصار يتكلم فجحدوا ما جاءت به الرسل به الكتب واتبعوا ما تخرصه المعطلون الملحدون. الذين بنوا نظرياتهم على تخرصات لا تنبني على العلوم المعقولة ولا العلوم المحسوسة. ومن فروع هذا المذهب الخبيث ان هذا العالم لا يزال ولا يزال. وان الله لا يغيره ولا ينقل العباد من هذه الدار الى دار الجزاء. فانكروا مقصود ما جاءت به الكتب السماوية والرسل الكرام. وما دلت عليه الادلة قلة العقلية الصريحة التي لا تقبل ريبا ولا اشكالا. فان الطبيعة خلق من خلق الله فهو الذي خلقها وطبعها كبرها وسخرها فتبا لمن جعلها ربه واله. وهو يشاهد في ايات الله في الافاق. وفي الانفس اكبر الادلة والبراهين على ربوبيته رب العالمين. وان جميع الموجودات منقادة لارادته مصرفة بقدرته هذا التفصيل يتضح ان هذا القول الاخير ليس مذهبا لاحد من المعترفين بالاديان. وانما هو مأخوذ عن زنادقة فلاسفة القائلين بقدم العالم وان الله لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئا من الجزئيات. ومذهب هؤلاء معروف خوف انهم لا يصدقون برسالة احد من الرسل. ولا يقرون بشيء من الكتب. واما المذهب الذي حكيناه عن الجبرية فمع بطلانه فاهله احسن بكثير كثير من اولئك. فانهم ينتسبون الى الدين ويعظمون الرسول. ولكنهم في القضاء والقدر. فسلبوا العبد قدرته ضلالا منهم وجهلا مع ايمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله. واليوم الاخر والقدر خيره وشره. لكنهم سلطوا اعداء الرسل على المسلمين. حيث نسبوا مذهبهم للدين. والدين بريء منهم فحمل عليهم الفلاسفة وسفهوا رأيهم في هذا. وظنوا انهم بذلك انتصروا على الدين. ولكن الدين الحقيقي هؤلاء ويضللهم. ويحث العباد على القيام بالاسباب النافعة في الدين والدنيا. ويحضهم على الاجتهاد فيها وعلى الاستعانة بالله وبحوله وقوته. وكذلك الدين الحقيقي والعقل الصحيح. يخبر ان ضلال هؤلاء الفلاسفة المعطلين في الاسباب افظع من ضلال الجبرية. حيث جعلوا الاسباب مستقلة منقطعة عن قضاء الله وقدره. وانكروا الاصول السابقة قيمة لهذا الاصل القبيح. القاعدة الثانية الدين الحق هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة رسوله. وهذا الاصل الكبير الذي صرح به الكتاب والسنة في مواضع كثيرة. مثل قوله تعالى اتلوا ما اوحي اليكم من الكتاب وقوله اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم. وقوله واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم وقوله ولا تتبعوا من دونه اولياء. وقوله سبحانه وما اتاكم الرسول فخذوه ما نهاكم عنه فانتهوا. وقوله سبحانه اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو واعرض عن المشركين ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. وقوله صدق الله وقوله عز وجل ومن اصدق من الله حديثا وقوله ومن اصدق من الله قيلا وقوله سبحانه واطيعوا الله والرسول. والرسول في مواضع كثيرة اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين الذين انعمت عليهم الاية وقوله وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. ولا تتبعوا السوء فتفرق بكم عن سبيله. وقوله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى غير سبيل المؤمنين. نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. وقوله انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى. وقوله لا يصلاها الا الاشقى الذي كذب وتولى وقوله ومن يتولى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون قوله الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون وقوله واتبع سبيل من اناب الي وقوله الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. وقوله سبحانه ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون. وقال تعالى وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين. وقوله وانك لتهدي الى صراط مستقيم صراط الله. الاية فهذه الايات الكريمات واضعافها واضعاف اضعافها. دل الدلالة صريحة انه يتعين على الخلق. اتباع ما انزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة. وان الهدى والفلاح السعادة والنجاة في الدنيا والاخرة في اتباع ذلك. وان في ضد ذلك الضلال والهلاك والشقاء في الدنيا والاخرة ان الصراط المستقيم الذي من سلكه في عقائده واقواله وافعاله وشؤونه الدينية والدنيوية هو سبيل الله الذي شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. من الاخبارات والاوامر والنواهي. وان وظيفة المكلفين ان يصدقوا كل كما اخبر الله به ورسوله ويطيع الله ورسوله في امتثال الامر واجتناب النهي. وان السعادة والنجاة في هذا التصديق وهذه الطاعة والشقاء والعذاب في تكذيب الاخبار. والتولي عن الامر والنهي. وان من امن وعمل صالحا وسلك طريق الرسل فهو من اولياء الله وحزبه. ومن لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحا فهو من اعدائه وحربه. وانه يتعين سلوك طريق المنيبين الى الله في ظاهرهم وباطنهم. لا طريق الغافلين ولا المعرضين ولا المعارضين الصادين عن سبيل فهذه النصوص ونحوها صريحة انه يجب ان يكون الاصل الذي اليه مرجع المكلفين. كتاب ربهم وسنة نبيهم وان جميع المقالات والاحوال والاعمال والعلوم توزن بهذا الاصل. فما وافقه فهو الحق والصدق والصواب. وما وناقضه فهو الضلال والشقاء. وان من جعل كلام اعداء الرسل هو الاصل. وغيره ما وافقه قبله. وما خالفه رفضه فهو محاد لرسل الله منابذ لدين الله. وان في مقدمة هؤلاء الملحدين من دعوا الى رفض كل قديم وجعلوه سلما لهم وطريقا لرفض الدين وعلومه واعماله. وان هذه دعاية الحادية. القصد منها الدعاية نبذ الدين واعتناق طريق الملحدين. وان اهل العقول الصحيحة والالباب السليمة هم الذين يدعون الى رفض الشرور والفساد وانواع الظلم والى الحث على الخير والصلاح والاصلاح. فهذا هو الاصل الذي يوافق عليه جميع العقلاء اهل الاديان وغيرهم وحيث كان هو الميزان الذي لا يمكن كل احد الا الاعتراف به حتى المنصفين من الاجانب. فعلينا وعلى الخلق كلهم ان يعرضوا القديم والحديث على هذا الاصل الجليل. حيث عرض على هذا الاصل القديم والحديث وجد ما دل عليه الكتاب والسنة هو الخير وهو الهدى والسعادة. لانه يدعو الى الخير. قال تعالى ولتكن منكم امة يدعون الى الخير. وقال ان الذين امنوا وعملوا الصالحات. الاية وقال ان اريد الا لا ما استطعت وقوله وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. وقوله سبحانه والله لا يحب الفساد وقوله ان الله لا يصلح عمل المفسدين. فما ثم صلاح وخير ونفع ديني ودنيوي الا والكتاب والسنة قد حث عليه ورغب فيه. وبين الطريق الموصلة اليه حتى الفنون والاختراعات والصناعات الحادثة التي فيها نفع للعباد. وتقيهم من الشرور والفساد. وما من شر وضرر وفساد الا وقد نهى الدين الاسلامي عنه سواء كان ذلك متقدما او متأخرا. واما تعنت الملحدين الماديين بوجوب رفض القديم مطلقا. واعتناق جديدة مطلقة. فهذا اصل لا يمكن ان يوافق عليه احد من العقلاء. لان القديم منه طيب وخبيث. والجديد طيب وخبيث. فالطيب يجب قبوله مطلقا. والخبيث يجب رفضه مطلقا. الطيب الذي في الحديث انما استفيد مما دل عليه القديم من علوم واخلاق. فاصل الخير ومنبعه ما جاءت به الرسل. ونزلت به الكتب. ويقال لاهل هذه الدعاية الخبيثة هذه دعاية لا يمكن ان يوافق عليها احد حتى انتم لا توافقون عليها فانكم تقبلون ما عن ائمتكم وتحثون على ذلك. سواء كانوا من القدماء او من الاخرين. فاصل لا يوافق عليه احد من الخلق يجب ان نرفضه وان نرجع الى الاصول الدينية والاصول العقلية. اما الاصول الدينية فقد اريناكم بعض ما دل عليه اشرف الكتب وهو القرآن بوجوب اتباع كتاب الله وما دل عليه ما جاء عن رسول الله. وانه الخير والحق والهدى وما سواه شر وضلال وشقى. واما الاصول العقلية فهلم فلنتحاكم الى هذه الاصول التي لا يمكن عاقلا ان يقدح بها ومن قدح فيها فهو مكابر. نتحاكم الى الطيب والخبيث. فكل طيب من العقائد والاخلاق والاعمال المقاصد والوسائل فعلينا ان نقبله. وكل خبيث من ذلك فعلينا ان نرفضه. وهلم فلنتحاكم الى الخير والصلاح والاصلاح لا الى الشر والفساد. فكل خير وصلاح واصلاح. فعلينا ان نقبله. وكل شر وفساد. فعلينا ان نتركه هلم فلنتحاكم الى ما يرقي الخلق ويعليهم في دينهم ودنياهم. والى ما ينزلهم ويحلل اخلاقهم وادابهم فهم في دينهم ودنياهم. فنقبل الاول ونرفض الثاني. هلم فلنتحاكم الى ما فيه نفع ديني ودنيوي. نفع حقيقي فنقبله وما فيه ضرر ديني ودنيوي فنرفضه. هلم فلنتحاكم الى ما اثاره جليلة. وعواقبه حميدة في الدنيا والاخرة فنقبله ونقبل عليه. والى ما اثاره ذميمة وعواقبه وخيمة فندعه ونرفضه. هل ثم فلنتحاكم الى العدل واداء الحقوق في حقوق الله وحقوق عباده. فنقبله وندعو اليه. واما الظلم وعدم اداء الحقوق الواجبة فهذه الاصول العقلية والشرعية وما اشبهها. لا يدعى احد للتحاكم اليها فيابى. لدلنا على سفاهته وحمقه ومكابرته. فالدين الاسلامي لا يأبى التحاكم في علومه واخلاقه واعماله وادابه كلها. الى العقول التي يتفق العقلاء على صحتها وسلامتها. بل هو الذي دعا الخلق اليها وحثهم عليها. فكيف يأبى ان يحتكم الى ما تقتضيه اصوله واسسه. واما اطلاق المحاكمة الى القديم والحديث. فهذا كما تقدم لا يوافق عليه هؤلاء لانها قضية مختلة. متزعزعة عند الناصرين لها. لانهم لا يتناقضون في رفض وفي قبول كل حديث فمنه اشياء يقبلونها ومنه اشياء يرفضونها من وجه. دال على فسادها من انفسهم وحججهم. ووجه اخر وهو انهم اذا كانوا يرفضون القديم ويرحبون بالجديد. فهذه قضية اول من يحظى بابطالها واصفوها وذلك انهم اذا اسسوا لهم امورا يجرونها ويرونها هي الحق. الذي يجب تقديمه ونصره. كانوا اذا جاء من بعد لهم فاما ان يتبعوا ما اسسه الاولون فينتقض اصلهم وتصير الامور الحادثة عند النشء الحديث لا يعبأ بها وانما يحافظ على ما قاله الاولون. وهذا بعينه اكبر برهان على نفيها. وان تسلسل هذه القاعدة عند النشء الذي بعدهم فيجيبون رفض ما قاله هؤلاء واعتناق الامور المتجددة. لم يثبت بايدي الناس حق يكون له الاثبات بل ما اثبته هؤلاء نفاه الاخرون. وما نفاه هؤلاء اثبته الاخرون. فصاروا في امر مريج متهافت مختل الاصول والفروع هذا من جهة ميزان هذه القضية الجائرة في عقول قائليها. واما وزنها في الشرائع الدينية وفي العقول الصحيحة فهي ارذل واخس من ان يقام لها وزن. وانما هي اقوال صدرت من سفهاء الاحلام. ضعفاء العقول ارادوا بها التمويه على الاغرار الذين لا قلب لهم يستفتونه. ولا الباب صحيحة يزنون بها الامور والقضايا انما الموازين التي لا يقدح فيها احد من العقلاء. فتلك الاصول التي اشرنا لها وما اشبهها. فهي التي من قالها صدقة قوله ومن حكم بها عدل حكمه. ومن استقام عليها هدي الى صراط مستقيم. وهي الاصول التي لا يمكن نقضها وتجري مع الزمان والاحوال لا تتغير. لانها حقائق ثابتة صالحة للخليقة. موضوعة لنفعهم. اما فليس عندهم ادنى ريب بان دينهم هو الحق الذي لا تعرف الحقائق الا به. وهو الدين الذي رسم للخلق حقائق الاشياء ودلهم عليها وارشدهم الى منافعها. ولا يستريبون ان جميع اصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه اذا وزنت بتلك الموازين الصحيحة ظهر نورها وجلالها وكمالها. ووجوب تقديمها على كل شيء. واما المنحرفون عن الدين ربما يصير عندهم في هذا المقام مغالطات. ويدعون دعوتهم مجردة عن البرهان. ان مذاهبهم هي الموافقة لتلك الاصول. فعند ذلك يقال هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين. وبينوا الطريق التي تعرف بها ما ادعيتم. ونحن نعلم علما مبنيا على البراهين والحقائق. انه ليس لهم طريق صحيح الى تحقيق كل قول بذوا به الدين. ثم نقول عن طريق التقول في مقام المناظرة. ان الدعاوي اذا تعارضت والاقوال اذا تناقضت فعندنا حكمان عدلان الدين الاسلامي والعقل الصحيح. اما الاول فان كان المجادل بالباطل يدعي انه مسلم فانه يقال له المسلم باجماع المسلمين لا يصير مسلما حتى يقدم ما جاء به الرسول من كتاب الله وسنة رسوله على ما قاله الناس فعلينا ان نتبع ما جاء في الكتاب والسنة. وما اشكل عليك هل هو موافق او معارض؟ وضحنا لك من ادلة ما يوجب لك الوضوح. والانقياد التام. ربما كان فهمك قاصرا عن دلالات النصوص. فيبين له دخول جميع والمصالح في نصوص الشرع. واذا انقاد لذلك فهو مسلم ويصير طريق العقل مؤيدا لطريق الدين والعقل. اما فانه يبين له الادلة والبراهين العظيمة. التي لا تقاوم ولا تصادم على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على الوحي الذي جاء به من عند الله. وهي ادلة في اعلى ما يكون من القوة والوضوح والكثرة. وايات نبوته صلى الله عليه سلم وبراهينها متنوعة. اخلاقه العظيمة التي اقسم الله بها بقوله وانك لعلى خلق عظيم حيث اذا وضح بعضها عرف انه لا كان ولا يكون احد من عظماء الرجال يدانيه في الكمال والفضل والخصال الحميدة التي يستحيل ومعها ان يكون متقولا. بل تدل على انه اصدق الخلق وابرهم واتمهم في كل فضل وكمال. وما امر به نهى عنه وشرعه فانه محكم منتظم لا يأمر الا بكل معروف شرعا وعقلا. ولا ينهى الا عن كل منكر شرعا وعقل لا تجد في احكامه اختلالا ولا سفها ولا عبثا ولا منافاة للحكمة. والقرآن العظيم الذي جاء به من عند الله فانه تبيان كل شيء وهدى ورحمة. وفيه من العلوم والحقائق العظيمة ما لا يمكن ان يأتي عليه الوصف. لا يمكن ان يأتي علم صحيح ينقض ما جاء به بوجه من الوجوه. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد فيه علوم الاولين والاخرين. فبمجرد نظر المنصف الى ما جبل الله رسوله عليه من الاخلاق. والى احكام وكماله والى عظمة القرآن وما احتوى عليه من المعجزات. يضطره الى تصديقه والى الخضوع لدينه وشرعه. واذا انه رسول الله وانه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى. تعين قبول ما جاء به وان يكون هو الاصل الذي تعرض عليه الاقوال قالوا والمذاهب فما وافقه فهو الحق. وما خالفه فهو الباطل. لانه اذا علم انه رسول الله حقا كان ما به حقا لا يمكن ان يعارض الحق. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فان ابى المناظر الانقياد الى شيء مما تقدم فعلى وجه التنزل في المناظرة الدال على غاية الانصاف واقناع الخصم فهلم الى التحاكم الى العقول الحرة المعروفة بالاعتدال التي لم تتلوث بالتعصبات ولا بالقصود الفاسدة والاغراض السيئة. التي ليس لها قصد الا طلب الحقيقة والتسليم للحقائق. ولا يستريب من وقف على اصول الدين وتعاليمه العالية والاخلاق السامية وادابه الرفيعة انه هو الذي يكفل سعادة الدنيا الحقيقية. التي تعد سعادة كما كان كفيلا بسعادة الاخرة ايعرف ذلك حق المعرفة الا من تتبع الحقائق الدينية. وما تسمو اليه من رقي القلوب والارواح والاخلاق. وما على ذلك في المادة المالية والصناعية والسياسية. وما يقوي ذلك من الامور المعنوية. وبذلك يعرف معرفة على وجه البصيرة التي لا تردد فيها ولا ريب انه يتعين على الخلق اتباع ما انزل الله على رسوله من الكتاب والسنة كما تعين ذلك شرعا وتقدمت الاشارة الى بعض ما دل على ذلك من النصوص. وانما قلنا ذلك وتنزلنا هذا التنزل الذي لا يبقي لمبطله شبهة لانه في هذه الاوقات تم الالحاد وفشت دعاية بين المسلمين وصار يدعو اليه الاجانب ويدعو اليه من تسمى بالدين. اما نفاقا وخداعا واما ان يكون صنيعة لغيره واجيرا واما ان يكون ليس له بصيرة. سمع الناس يقولون شيئا فقاله وهذا كثير في اهل الصحف الذين لا بصير لهم في الدين. ولا يبالون بسقوط صحفهم عن الاعتبار الديني. بل والادبي. ومن دعا بالطريقة التي شرحناها يلقى لدعوته معارضا اصلا. اللهم الا لمن عرفوا بالمكابرات وجحد الحقائق والمغالطات التي لا تسمن ولا اغني ولا تفيد شيئا. ولنذكر سورة مناظرة جرت بين رجلين كانا رفيقين وكانا مسلمين يدينان بالدين الحق علما وعملا. فغاب احدهما عن صاحبه مدة. ثم التقيا فاذا هذا الغائب قد تغيرت احواله واخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فاذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين. الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به سيد المرسلين فحاوله صاحبه وقلبه لعله يرجع عن هذا الانقلاب الغريب. فعرف ان هذه علة ومرض تفتقر الى استئصال الدواء وانزال الدواء على الداء. وان ذلك متوقف على معرفة الاسباب التي حولته. والى تمحيصها وتخليصها وتوضيح مرتبتها ومقابلتها بما يضادها ويقمعها. فقال له مستكشفا عن الحامل له على ذلك. ما هي يا اخي الاسباب التي حملتك على ما ارى. وما الذي دعاك الى نبذ ما كنت عليه؟ فاذا كان خيرا كنت انا وانت فيه شريكين الا كان غير ذلك. فاعرف من عقلك وادبك انك لا ترضى ان تقيم على ما يضرك. ويثمر لك الثمرات الرديئة فقال له لا اخفيك العلم اني قد رأيت حالة المسلمين حالة لا يرضاها ذوي الهمم العالية. رأيتهم في ذل وخمول وامورهم مدبرة واحوالهم سيئة. ورأيت في الجانب الاخر هؤلاء الاجانب قد ترقوا في هذه الحياة وتفننوا في الفنون والمخترعات العجيبة المدهشة والصناعات المتفوقة. فرأيتهم قد دانت لهم الامم. وخضعت لهم الرقاب. وصاروا يتحكمون في الامم الضعيفة بما شاءوا. ويعدونهم كالعبيد والاجراء. واقل من ذلك. فرأيت منهم العز الذي بهرني. والتفنن الذي ادهشني. فقلت في نفسي لولا ان هؤلاء هم القوم وانهم على الحق المسلمون على الباطل ما كانوا على هذا الوصف الذي ذكرت لك. فرأيت ان سلوكي سبيلهم واقتدائي بهم خير لي واحمد عاقبة. فهذا الذي سيرني الى ما رأيت. فقال له صاحبه حين ابدى له ما كان مستورا. اذا كان هذا هو السبب الذي حولك الى ما ارى. فهذا يا اخي ليس من الاسباب التي يبني عليها العقلاء واولو الالباب عقائدهم واخلاقهم اعمالهم. اما تأخر المسلمين فيما ذكرت فليس ذلك من دينهم. وقد علمت وتيقنت ان دين الاسلام يدعو الى الصلاح والاصلاح. والاستعداد بالقوة المعنوية والقوة المادية من كل وجه الى قوة المسلمين. ومقاومتهم والى السلامة من كل اضرارهم. وهو لا تزال تعاليمه وارشاداته قائمة لدينا تنادي اهلها. هلموا الى جميع الاسباب النافعة التي تعليكم وترقيكم في دينكم ودنياكم. افا بتفريط اهل الدين تحتج على الدين هذا التفريط منهم يوجب على اهل البصائر منهم ان يكون خيرهم ونشاطهم وجهادهم الاكبر متضاعفا. لينالوا المقام قامات الشامخة ويبتعدوا من الهوة العميقة. اليس القيام التام والجهاد من افرد الفروض والزم اللوازم في هذه الحال فالجهاد في حال قوة المسلمين وكثرة المشاركين. له فضل عظيم يفوق سائر العبادات. فكيف اذا كانوا في هذه الحال التي وصفت ان الجهاد لا يمكن تعبير المعبرين عن فضائله ومناقبه فانه في هذه الحال يكون جهاد قسمين. قسم منه فيه تقويم المسلمين وايقاظ هممهم وبعث عزائمهم. وتعليمهم العلوم النافعة وتهذيبهم بالاخلاق الراقية. ولعل هذا اشق النوعين وافضلهما. وقسم فيه مقاومة الاعداء. واعداد العدة القولية والفعلية والسياسية والداخلية والخارجية لمقاومتهم ومنازلتهم في ميادين الحياة. افحين صار الامر على هذا الوصف الذي ذكرت وصار الموقف حرجا. تتخلى عن اخوانك المسلمين. تتخلف عن الجبناء والمخلفين. فكيف مع ذلك ينضموا الى حرب المحاربين. لا تكن يا اخي ارذل ممن قيل فيهم. تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا. قاتلوا للدين او الدفاع لاجل الرابطة القومية. فاعيذك يا اخي من هذه الحالة التي لا يرضاها اهل الديانات. ولا اهل النجدات والمروءات. فهل ترضى ان تشارك قومك في حال عزهم وقوة عددهم وعديدهم؟ وتفارقهم في حال ذلهم ومصالحهم وتخذلهم في حالة اشتدت فيها الضرورة الى نصرة الاولياء وقمع عدوان الاعداء. فهل رأيت يا اخي قوما خيرا من قومك ودينا خيرا من دينك. وقال ذلك المنقلب المنصوح. الامر كما ذكرت لك ونفسي تتوق الى اولئك الاقوال الذين اتقنوا الفنون والصناعات. والفوا السياسات والحضارات وترقوا في هذه الحياة. وقال له صاحبه وهو محاوره رفضت دينا قيما كامل القواعد نير البرهان. يدعو الى الخيرات ويحث على طريق السعادة والفلاح ويقول لاهله هلموا الى الفلاح والنجاح. دين مبني على الحضارات الراقية الصحيحة. التي بنيت على العدل التوحيد واسست على الرحمة والحكمة والشفقة واداء الحقوق. وشملت بظلها الظليل وخيرها الطويل واحسانها الشامل وبهائها الكامل ما بين المشارق والمغارب. واقر بذلك الموافق والمخالف. اتتركها راغبا في حضارات ومدنيات مبنية على الكفر والالحاد. مؤسسة على الطمع والجشع وظلم العباد. فاقدة لروح الايمان ورحمته. حضارة ظاهرها مزيف وباطنها خراب. وتخالها تعميرا للوجود. وهي في الحقيقة مآلها الهلاك والتدمير. الم ترى اثارها في هذه الاوقات وما جلبته للخلق من الهلاك والفناء والافات. فهل سمع الخلق منذ ان اوجدهم الله لهذه المجازر البشرية نظيرا ومثيلا. فهل اغنت عنهم مدنيتهم وحضارتهم من عذاب الله من شيء. لما جاء امر ربك وما زادت هم غير تبيب. فلا يخدعنك يا اخي ما ترى من المناظر والزخرفة والاقوال المموهة. والدعاوي الطويلة العريضة فانظر الى بواطن الاشياء. ولا تغرنك الظواهر. وتأمل النتائج الوخيمة. فهل اسعدتهم هذه الحضارة في دنياهم التي لا حياة لهم يرجون غيرها. الم ترهم ينتقلون من شر الى شرور وانهم لا يسكنون في وقت الا وهم الى شرور فظيعة يتحفزون ثم هب انهم متعوا في حياتهم ومتعوا بالعز والرياسات ومظاهر الحياة. فهل اذا انحزت اليهم واليتهم يشركونك في حياتهم ويجعلونك كانفسهم. كلا والله انهم اذا رضوا عنك جعلوك من اخس خدامهم اقذر اجرائهم. واية ذلك انك في ليلك ونهارك تكدح في خدمتهم. وتتكلم وتجادل وتخاصم على حسابهم ولم نرهم رفعوك حتى ساووا فيك ادنى قومهم وبني جنسهم. فالله الله يا اخي في دينك والله الله في مروءتك اخلاقك وادبك. والله الله في بقية رمقك. فالانضمام الى هؤلاء والله هو الهلاك. فلما سمع هذا الكلام وتأمل جميع الطرق والوسائل التي تنال بها الاغراض الصحيحة من اولئك الاقوام. فاذا هي مسدودة عرف انه في محنته هذه من جملة المغرورين. وان الواجب عليه متابعة الناصحين. وان الرجوع الى الحق الذي فيه سعادة الدنيا والاخرة خير من التمادي على الباطل الذي يحتوي على الضرر المبين. فقال لصاحبه كيف لي بالرجوع وان لي وقد اظهرت الانحياز الى اولئك والنزوع. فقال له صاحبه الم تعلم ان من اكبر فضائل الانسان ان يتبع الحق الذي تبين له مع ما هو فيه من الباطل. وان الخطأ والزلل قلما يسلم منه بشر. ولكن الموفق هو الذي اذا وقع في المهالك طلب الوسيلة والطريق الى كل سبب يخلصه منها. وان من نعمة الله على العبد ان يقيض له الناصحين الذين يرشدونه الى الخير ويأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر. ويسعون في سعادته وفلاحه. ثم من تمام هذه النعمة وفق لطاعتهم ولا يتشبه بمن قال الله فيهم. ولكن لا تحبون الناصحين. واعلم انه ربما كان الانسان اذا ذاق مذهب المنحرفين. وشهد ما فيه من الغي والضلال. ثم تراجع الى الحق الذي هو حبيب القلوب ربما كان هذا اعظم لوقعه واكبر لنفعه. فارجع الى الحق ثابتا وثق بوعد الله. ان الله لا يخلف الميعاد فقال الحمد لله الذي انقذنا بلطفه وحسن عنايته من الهلاك. ومن علينا بالسعادة والهدى. فنسأل الله ان ان نعمته علينا بالثبات على دينه. انه جواد كريم. فقال الناصح لاخيه لما رأى ما يسره من رجوعه الى الحق وازيدك يا اخي بيانا ان هذه المظاهر التي نراها من الكفار قد نبهنا الله في كتابه الا نغتر بها فلولا انه تعالى قد علم انها من طرق الغرور ووسائل الخداع لما نبهنا عليها وارشدنا وحذرنا ان نغتر بها كما قال تعالى لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل. وبئس المهان وقال سبحانه فلا يغررك تقلبهم في البلاد. والايات فبين لنا ان هذا الاغترار مصيدة للجاهلين. وان الله ارى عباده من وقائعه واياته من الامم الظالمة ما حصلت به العبرة وان من بنى امره ومسالكه على الاغترار بما متعوا به. فانه جاهل احمق. مقلد قاصر ونظره قاصر وايضا فقد اخبر تعالى في ايات كثيرة انه يستدرجهم فيما اعطاهم. فيغترون ويغتر بهم. وهذا هو الواقع منهم وممن تعشق احوالهم وانه تعالى يمهلهم ثم يأخذهم اخذ عزيز مقتدر. ولسنا ننكر ان الله اعطاهم اسبابا عظيمة تدرك بها المطالب. لكن هذه الاسباب اذا لم تبنى على الحق والدين الحق. صار ضررها اكثر من نفعها هذا بالنظر الى الحياة الدنيا. واما في الاخرة فليس لهم في الاخرة من نصيب ولا خلاق. القاعدة الثالثة الايمان بالله هو الاصل الذي دعت اليه جميع الرسل. وبه الرقي الحقيقي في الدنيا والاخرة. جميع الكتب التي انزلها الله وجميع رسول ارسله الله. الاصل الذي اسدت اليه. والدعوة التي دعت اليها هو الايمان بالله والايمان بوجوده وايجاده المخلوقات. والايمان بما له من الاسماء الحسنى وصفات الكمال. والاذعان الكامل لعبوده والافتقار اليه. القرآن العظيم الذي هو اجل الكتب واعظمها. والمهيمن عليها حث على هذا الاصل بالطرق كلها ففيه من اسماء الله الحسنى اكثر من ثمانين اسما معرفتها ومعرفة معانيها تملأ القلوب ايمانا ونورا ويقينا وعلما وعرفانا. وافضل ما حصلته القلوب. وارقى الاعتقادات النافعة. قال تعالى قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وما اوتي النبيون. وما بين احد منهم ونحن وقال سبحانه كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله. لا نفرق بين احد من رسله. وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. وقال سبحانه والذين امنوا وقال في مواضع كثيرة يرتب عليها خيرات الدنيا والاخرة. ويرتل على عدم الايمان جميع الشرور الدنيوية والاخروية. ويخبر ان الاعمال والتعبدات كلها ناشئة عن الايمان. فمن امتلأ قلبه من الايمان بالله. كانت قوة عبوديته لله بحسب ذلك الايمان الذي في قلبه. وكذلك اعمال الاسباب النافعة التي تنفع الافراد والشعوب. لا يمكن العبد ان يقوم بها على وجه الكمال والصدق والاخلاص والبناء على الاصول النافعة. الا بالايمان الايمان اصل الخير الديني والدنيوي وبه توزن الامور صالحها وطالحها. واذا اردت تفصيل هذه الجمل العظيمة والتمثيل لها على وجه يعترف به اهل العقول والالباب. فالامور التي يحصل بها الرقي الحقيقي والسعادة والفلاح الاعتقادات الصحيحة والاخلاق المزكية للقلوب المطهرة للارواح الباعثة للهمم والعزائم الى كل خير والاعمال الصالحة النافعة في الدين والدنيا. وهذه الامور متلازمة لا يتم بعضها الا ببعض. وبتمامها السعادة والفلاح. فاذا اعتقد العبد ما اخبرت به الرسل عن الله تعالى. وان له الكمال المطلق من جميع الوجوه بكل وجه واعتقاد اختبار وان الاشياء وجودها وبقاؤها وكمالها بالله تعالى. ومنها تستمد كل شيء. علم ان الله هو الخالق وما سواه مخلوق. وهو الرازق المحسن. وما سواه مرزوق مضطر الى احسان ربه وكرمه من كل وجه وهو المدبر المصرف للعالم العلوي والسفلي بحكمته وعلمه وعنايته وحسن تدبيره. وهو بكل شيء عليم يعلم السر واخفى. لا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء. يسمع الاصوات سواء من منكم من اسر القول ومن جهر به. ويرى جميع ما حواه العالم العلوي والسفلي. لا يخفى على نظره ادق المخلوقات في اخفى الامكنة. وهو مع ذلك واسع الرحمة والجود والكرم والبر والامتنان. يفيض الاحسان على مخلوقاته اناء الليل الليل والنهار يده بالخير سحاء الليل والنهار. ما من دابة الا هو اخذ بناصيته وموصل اليها من بره واحسانه جميع ما تحتاجه في وجودها وبقائها وتمام احوالها. قد امر المخلوقات ان تنيب اليه وتسأله حاجاتها وتفزع اليه في جميع مهاماتها وملماتها. فيجيب الداعين ويكشف كربات المكروبين ويزيل الضر عن المضطرين. ويسوق الالطاف واصناف البر لعباده المنيبين. فمتى اعتقدت القلوب هذه اعتقادات الصحيحة في ربها والهها. فلابد ان تنيب اليه بالخوف والرجاء والمحبة. وتمتلئ من تعظيمه والايمان به وتطلب السعي في كل امر يرضيه. وتتجنب كل امر يسخطه. فيضطرها هذا الامر الى الاخلاص. الذي هو روح الاعمال المخلص لله تنبني اعماله الظاهرة والباطنة على ان يكون الداعي لها والباعث عليها هو الايمان بالله غايتها الذي تنتهي اليه وتسعى اليه. طلب رضاه والتنعم بثوابه وخيراته. وبذلك يزول عن القلوب جميع الاخلاق الرذيلة من الرياء والنفاق والعجب ومساوي الاخلاق. وتتحلى بالاخلاق الجميلة من الحب والاخلاص والطمع معي في فضل الله والخوف من عقابه والصدق الكامل في طلب مرضاته. والانابة التامة الى ربها في رغباتها ورهباتها لانها تعلم انه لا ملجأ ولا منجى ولا مولى ولا نصير. الا ربها ومليكها. ويكون محبتها للخير الذي يقربه الى مولاها مقدمة على كل محبة. وترى ان قوتها وغذائها وكمالها بهذه الانابة. وهذا الافتقار بهذا التعبد على عباد الله فتحب للمسلمين ما تحب لنفسها من الخير. وتسعى لذلك بحسب مقدورها. ثم اذا اصاب النكبات وحلت بها المصيبات. فزعت الى ربها ليكشف ضرها. ويثيبها على ما قدر عليها. وتطمع غاية الطمع في فضل ربها ورجاء رحمته وطلب ثوابه. وبهذا المعنى الذي تتصف به وهذه العقيدة النافعة تهون عليها المصيبة وتخف عنها المكروهات. لما تعلمه من حكمة الله واستناد الامور الى تدبيره وقدرته. ولما ترجوه من تفريج كرب بها بانها تعلم انه لا يفرج الكربات. ولا يزيل الشدات الا هو. ولما ترجوه من الثواب الذي رتبه على المكاره والصبر عليها. واما من لم يحصل له هذا الايمان فانه عند المصائب والملمات يجري له من الالام القلبية والفظائل الروحية والزلات العظيمة ما لا يمكن التعبير عنه. ربما ان بعض هؤلاء تصل بهم الحال الى اتلاف نفسه او الى زوال عقله لعدم ما يستند اليه ويرجوه. وكما ان المؤمن الحقيقي يتلقى المكاره والمصيبات بالصبر والقوة والطمأنينة للاسباب التي اشرنا اليها فانه يتلقى اوامر ربه بالقوة والعزيمة الصادقة. ويؤدي حقوقه حقوق خلقه بالكمال والتمام. بحسب استطاعته. ومع ذلك فانه يعلم انه لا يمكنه ان تتم له العبودية الحقوق الواجبة والمستحبة والمصالح الكلية والجزئية الا بالسعي بالاسباب الدنيوية النافعة. وبالقيام بالقوة المعنوية والمادية. ان بعثت همته لداعي الايمان وداعي العقل وداعي الفطرة الى ذلك. وابدى ما يقدر عليه في تحصيل ذلك وعلم ان المقاصد لا تتم الا بالوسائل. وان الوسائل التي تتعين على المصالح مما امر الله به ومما رتب عليه عليه الثواب. وعلى الاستهانة به العقاب فدخل في هذا جميع الاسباب الموجودة والتي ستحدث بعد ذلك. فعلم بذلك ان المذكور هو الباعث على تحصيل خير الدنيا والاخرة. وان من لا يرجو ثوابا من الله ولا يخشى منه عقابا ولا له ايمان يستند اليه. انه ضعيف الهمة ضعيف العزم النافع. وانما عزماته في تحصيل لذاته البهيمية وشهواته السفلية وطمعه الدنيء. فربما كانت قوته في هذه الامور واسبابه المادية في تحصيلها فوق ما صوره المتصور ويعبر عنه المتكلم. ولكن الايمان يستند اليه. ولا غاية حميدة يرتجيها. ولا حياة ابدية يعمل لها فمن كانت هذه حاله لم ينل في هذه الحياة طيبها. ولا نجح في تحصيل سعادتها بقطع النظر عن الحياة الاخرى فانه ليس له في الاخرة من خلاق ولا نصيب. وبهذا يتضح لنا ما عليه المعرضون الان عن الايمان بالله وان هذه المناظر وما متعوا به من الحياة. ما هي الا لذات مؤقتة تحتها ما شئت من الالام والاكثر وانه لا غاية لها. وان المؤمنين بالله مهما تنقلت بهم الاحوال. وتطورت بهم الامور. فانهم خير من هؤلاء واحسن عاقبة. فلو وفق المؤمن للقيام الكامل بالايمان على الوصف الذي ذكرنا لحازوا الحياة الطيبة في هذا هذه الدنيا والحياة التي هي اطيب منها في دار القرار. وازيدك ايضا ان الايمان والذي وصفنا هو الذي يحث صاحبه على كل خلق جميل. ويزجره عن كل خلق رذيل. فالايمان يدعو صاحبه الى الصدق في الاقوال. الصدق في معاملة الخلق. فمن لم يكن مؤمنا هذا الايمان لم تكن مطمئنا من اقواله ولا من معاملاته. وربما راعاك في وكذلك في اشياء وهو الذي يحث على النصح لله ورسوله وكتابه وائمة المسلمين وعامتهم. فامام العبد يوجب ان يبذل في هذه الامور كل ما يستطيعه من النصح. ويقدر عليه. ومن لم يكن كذلك فانت غير امن من غشه ان نصحك فيما يظهر ويبين فما الذي يمنعه ان يغشك فيما يظن انه لا يبين؟ ليس معه من الايمان ما يعصمه من هذا الخلق الرذيل. الايمان المذكور يحمل صاحبه على الصبر والقوة. والشجاعة والاقدام في المواضع التي يحجم عنها ضعفاء خفاء النفوس. الذين لا ايمان معهم. فالمؤمن لقوة ايمانه وتوكله على الله ورجائه لثوابه. وعلمه ان الثواب الديني والدنيوي والاخروي. يكون بحسب ما قام به من واجبات الايمان ومكملاته. وما قام به من الجهاد يسهل عليه القيام بالاعمال الشاقة. ويهون عليه. وما يلقى من الاهوال والمعارضات ولا يأخذهم في ذلك لوم لائمين قدح القادحين ولا يصعب عليه ما اصابه من جراء ذلك من المصائب. وكلما قوي الايمان كان قيامه بهذه الامور اعظم واتم. اما من لم يكن معه ذلك الامام الصحيح. فمن اين له الثبات على الصبر وعلى المقاومات الشاقة؟ نعم قد يكون له صبر بعض الاوقات في تحصيل اغراضه السفلية وشهواته النفسية. وقد يكون عنده من الشجاعة والقوة في تحصيل ذلك الكبار وفي الحديث مع الاصحاب وغيرهم. وكذلك يتعين ان يكون هيئات وجمعيات من المسلمين يدعون الى الخير. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ومن اكبر المعروف ان يسعوا في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم على مصالحهم الكلية. وازالة ما يقع بين ولكن حاله ما ارذلها واخطرها واقلها بقاء. فان الوسائل تابعة لمقاصدها. فاين من كانت مقاصدها اجل المقاصد نصر الدين واعانة المؤمنين وقمع اعداء الدين ومقاومة الباطل وتحصيل الفلاح الابدي والسعادة السرمدية. القيام بحقوق الله. كليها وجزئيها. اين هذا مما نهايته ادراك رئاسة مؤقتة فتاة ولذات فانية مشوبة بالاكدار. وكان عاقبتها الهلاك والبوار. فوالله ان بين حاليها لك ما بين من المشارق والمغارب. الايمان المذكور يحمل صاحبه على العدل. وينهاه عن الظلم فانه يعلم ان ايمانه لا يتحقق الا بذلك. واما من عدم الايمان فاين العدل الذي يتأسس عليه؟ فما تأسس العدل الا بالايمان بالله واتباعه الرسل والكتب السماوية. والا فبطبيعة الانسان الظلم والفوضوية لا في جماعاتهم ولا في افرادهم. واما من لم يتأثر اسس على العدل فليس من الدين. وكيف تأمن من لا ايمان له ان يظلمك في دمك ومالك؟ فان النفوس مجبولة على محبة الاب ان لم يكن معها ايمان يردعها. وعلم صحيح وعدل يحجرها. الايمان الموصوف بما ذكرنا. كما انه يدعو اهل الى الاخلاق الحميدة. وينهاهم عن الاخلاق الرذيلة. ويحثهم على الاداب الحسنة. فكذلك يحثهم على الاخلاق الدينية. فكذلك لكي يحثهم على ترك الاخلاق الرديئة. والحقيقة الاسلامية عليه من فنون الصناعات وانواع المخترعات الحديثة. واستعداد للاعداء جميع الوسائل النافعة على حسب الحال المقتضية. ولا يذهب الى الكسل والضعف وان يكونوا كلا على غيرهم. كذلك يحثهم على ما تقتضيه المصلحة وعلى جمع كلمة المسلمين واتفاقهم على الخير. المؤمنون بالمعنى الحقيقي يقومون بهذه الامور لداعي الدين اذا قام غيرهم فيها للامر الثاني فقط. ولكن لمصلحة دنيوية ان يسبقهم هؤلاء القوم في تحصيل الفنون العصرية التي فيها المقاومة والاقتدار على المهاجمة. وعند المسلمين من الدواعي وطلب المصلحة. ما ليس عند غيرهم. واللوم موجه الى المؤمنين فليس لهم عذر عند الله ولا عند خلقه ولا تعذرهم نفوسهم الابية ولا اخلاقهم وتعاليمهم الدينية الايمانية لكان الايمان الحقيقي يدعو الى هذه الفضائل ويزجر عن جميع الرذائل. اتضح انه الطريق الوحيد والصراط الاقوم للسعادة الحقيقية والرقي الحقيقي. وان ما نراه في بعض الامم الفاقدة للايمان ليس الا كالسراب حتى اذا جاءه المنصف حقق امره لم يجده شيئا. حتى قال بعض منصفيهم في هذا المقام ان الناس قد كانوا ولا يزالون يطلبون الحق ولم يكونوا في زمان ابعد عنه في هذا الزمان. يريد بذلك قومه فما هم عليه من مظاهر السعادة الدنيوية. فان حشوه الام الشاغلة لقلوبهم اجمعين. ما يرحمهم لاجله المقصرون عنهم. ويزهد الراغبين في مثلها لهم ويصدها عن اتباع والسبب بعدهم عن الايمان والحق. وتزوغوا انفسهم الى الباطل. وهرولتهم خوف دواعي الشهوة. والسبب الاصلي في ذلك كله خلو نفوسهم من الركون الى الاله الواحد. خالق الجميع ورازق الاحياء ومقدر الاسباب لمكاسبهم. فهذه الاحوال والظواهر التي لم تبنى على الايمان. هل يقول صحيح العقل انها حياة سعيدة؟ والقلوب قلقة والنفوس محترقة من الراحة والحياة الطيبة راحة المؤمنين الذين اكتسبوا راحة الضمائر وطمأنينة السرائر والرضا الحقيقي مع السعي الجميل في طلب المنافع والمكاسب. المؤمن حيث تجده تجد هذا الوصف منطبقا عليه. فهو سعيد وان كان بين الاشقياء. حكيم وان وجد بين السفهاء. واما من اخذ اسم الايمان رسما ولم يتحقق به عقدا ولا خلقا ولا ادبا. فلم تضمن له الحياة الطيبة القاعدة الرابعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. كم في كتاب الله وسنة رسوله من الامر بهذا الاصل العظيم. والقاعدة العامة الجامعة لكل خير. فان المعروف اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعا وعقلا والمنكر اسم جامع لكل ما عرف قبحه شرعا وعقلا. والحق هو العلوم النافعة والاعمال الصالحة. فيدخل في هذا تعلم جميع العلوم النافعة وتعليمها. وكما يدخل في ذلك تعليم المستعدين لطلب العلم. فانه يدخل فيه تعليم الناس ووعظهم في المساجد والمجامع الصغار خارجا عن الدين الاسلامي. ولن يجدوا الى ذلك سبيلا. وكيف يجدون السبيل والذي انزله وشرعه للخلق هو الرب الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. واحاط بكل شيء وعلم احوال الخلق. ماضيها ومستقبلها فلا يخفى عليه منها من التعادي والتباغض والتنافر. التي هي من اكبر الاسباب الممكنة للاعداء. وان يكون من المسلمين طائفة كافية مستعدة للجهاد بالاقبال على تعلم العلوم والفنون العصرية والصناعات والاسلحة التي لا يقوم الجهاد الا بها ان الجهاد في سبيل الله من اكبر ما يدخل في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. والجهاد نوعان جهاد واجتهاد في تقوية المسلمين بالروح الايمانية والقوة المعنوية. والشجاعة الدينية وجهاد الاعداء في مدافعتهم ومهاجمتهم. واخذ الاحتياطات لوقاية شرهم وضررهم. ومعلوم ان هذه الامور تتوقف على الحذق والمهارة في الفنون العصرية النافعة. فيكون السعي فيها وفي تعلمها داخلا في الجهاد. وطريقا عظيما من طرقه. ومن ذلك ان يكون طائفة من المسلمين تتفقد الناس وتلزمهم القيام بالفرائض الدينية كالصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع حقوق الله وحقوق خلقه الواجبة عن المنكرات الظاهرة والباطنة. ومن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق. ان يكون المسلمون في كل اوقات واحوالهم متناصحين. يحث بعضهم بعضا على الحق الذي هو العلم النافع. والعمل الصالح والصبر على ذلك. فان الصبر هو الالة والاساس التي لا ثبوت للامور الا به. ومن ذلك السعي في المشاريع الخيرية التي تنفع الامة. وتحصيل الاموال قيامها وتقويمها. كالمدارس العلمية في جميع فنون العلم النافع في الدين والدنيا. المعينة على الدين. سواء كان ذلك سعيا على طريق الاحسان المحض او على طريق التجارة والكسب. فكثير من الاعمال الكبيرة التي تنفع الناس في دينهم ودنياهم. لا تقوم والا بالشركات الواسعة. فاذا كان الناس يسعون للمساهمة في الشركات التجارية المحضة فكيف يتأخرون عن الشركات الجامعة للامرين للمصلحة الدينية والمصلحة الدنيوية. بل نفس السعي فيها والعمل لها من اعظم ما يقرب الى الله تعالى. وتعيينها يتوقف وعلى المشاورة واتباع المصلحة الراجحة. ومن اجل وافضل ما يدخل في ذلك مجادلة المبطلين. واقامة الحجج والبراهين على اعداء الدين من الكفار والملحدين. وقد يكون مقاومة الملحدين الذين يتسمون باسم الاسلام. ويدعون الى نبذ اصوله ودعائمه افضل من التصدي للمبارزين من الاجانب المعروفين بمبارزة الدين. فان هؤلاء شرهم اعظم وضررهم اكبر. لاغترار كثير من الناس بانتسابهم الى الاسلام. وهم في الحقيقة من اكبر اعدائه. وهؤلاء قد يكونون اجراء للاجانب. وقد يكونون مخدوعين لكن من اوجب الواجبات تمييز احوالهم وانكار ما ادخلوه على الدين من الدعاية الباطلة. وبما تلوناه عليك من التقرير اليقينية عن دين الاسلام. يتضح عقلا كما اتضح شرعا. بطلان ما زعمه بعض المتعصبين من دعاة النصارى واجرائهم ان دين الاسلام مانع من الرقي. وان هذا الكلام والزعم الخبيث مكابرة بينة. وان الرقي الحقيقي محال وغير ممكن يتأسس على قواعد الدين. فالقواعد والاصول التي نبهنا عليها عن الدين لا يمكن احدا ان ينكر انها السبب الاعظم. والطريق الوحيد الى الارتقاء بمدارج السعادة والفلاح. وانه يتعذر النجاح بدونها. وان كل رقي بغيرها فانه مبني على شفع جرف هار وكيف يحصل الرقي اذا لم ترتقي القلوب والارواح بمحبة الله والانابة والافتقار اليه. وقوة الايمان والتوكل عليه وكيف يحصل الرقي التام اذا لم ترتقي الاخلاق بالتحلي بالفضائل والتخلي عن جميع الرذائل؟ وكيف يتم الرقي خير الجهاد الشرعي الذي هو الجهاد على تبين الحق والهدى وعلى قبوله وعلى دفع عادية المعتدين. الجهاد الشرعي هو الذي جمع بين القوة المعنوية بالايمان الكامل بالله. والاعتماد عليه. التوكل والاستعانة به. والعمل بجميع الاسباب التي لا يتم الجهاد الا بها وجمع القوة المادية. حيث حث على الاستعداد بكل ما يستطاع من القوة العقلية والسياسية. والرمي والركوب وتعلم الصناعات والفنون التي تعين على الجهاد. وعلى اخذ الحذر من الاعداء بكل وسيلة وطريق. فيا ويح من زعم ان هذه التعاليم العظيمة العالية لا يحصل بها الرقي. وانما يحصل بالقوة المادية التي لا صلة لها بالدين. المبنية على القساوة والهمجية والوحشية والظلم ونبذ الدين. ولكن اكثر الناس تغرهم المظاهر والصور. وليس لهم الباب ينظرون بها الى حقائق الاشياء والى الامور النافعة التي نتائجها الخيرات والسعادة الابدية. القاعدة الخامسة الدين الاسلامي هو الصلاح المطلق ولا سبيل الى صلاح البشر الصلاح الحقيقي الا بالدين الاسلامي. قال تعالى في عدة ايات ان الذين امنوا وعملوا الصالحات. ثم يرتب على ذلك خير الدنيا والاخرة. ويطلق الصالحات. فكل شيء ينطبق عليه الصلاح. فانه داخل في الصالحات. ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. ان الله لا يصلح عمل المفسدين. والله يتولى صالحين اي الذين صلحت قلوبهم واخلاقهم واعمالهم. واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون. وهذا يقوله تعالى للمنافقين الذين يزعمون ان ما هم عليه من النفاق. وترك الايمان صلاح. فاخبر تعالى انه من عين الفساد. فكل من زعم ان الصلاح في خلاف الدين الاسلامي فهو من هؤلاء وعلى شاكلتهم. وفي القرآن ايات كثيرة فيها الحث على الصلاح والاصلاح والتحذير عن الفساد والافساد. وهذا الاصل الكبير كما انه ثابت شرعا ودينا. فانه ثابت في العقول الصحيحة والالباب المستقيمة. وذلك بمعرفة ما هو الصلاح وضده اما الصلاح فان تكون الامور كلها ظاهرها وباطنها دينيها ودنيويها معتدلة كاملة مكملة. حاصلا لها من من الاوصاف الصالحة والنعوت المصلحة ما يوصلها الى الصلاح الحقيقي. وبذلك ينتفي عنها الفساد. اما صلاح القلوب فانت عارفة بالحق معترفة به منقادة له تابعة له. فاعظم الحق على الاطلاق الذي يتعين معرفته والانقياد له ومعرفة تفرد الرب بالكمال المطلق الذي لا يشاركه ولا يماثله فيه مخلوق بوجه من الوجوه. وانه المتفرد في عظمة فاتح وتفرده في افعاله وعطائه ومنعه وخفضه ورفعه وتصريفه الامور بحكمة وعناية تتناقص عقول العالم عن بلوغ غايتها ونهاية دقتها. ثم اذا عرفته هذه المعرفة الصحيحة المتلقاك عن كتاب الله وسنة رسول الله اعترفت وانقادت له محبة وخوفا ورجاء وانابة اليه وقصدا. في جميع شؤونها الظاهرة والباطنة. وبهذه المعرفة والاعتراف والانقياد التام تنقاد الى اداء حقوقه وحقوق عباده بانشراح وطمأنينة واذعان وداع الايمان ورجاء ثواب اليس هذا هو الصلاح الحقيقي الذي لا يمكن صلاح الاحوال الا به. فهل يمكن ان يصلح عبد لم يفرد ربه بمعرفته ومحبته والانابة اليه. ولم ينقض في ظاهره وباطنه الى القيام بعبوديته وحقوق خلقه. فلو خلت القلوب من هذه المعاني الجليلة فهل يمكن ان تصلح؟ وهل يمكن ان تصلح الحركات الظاهرة والباطنة؟ هذا ممتنع ومستحيل. فالقلوب الخالية من ايمان المتجردة عن الانقياد والاذعان اليه. حيث انقطعت عن الله فلا بد ان تتبع شهواتها واهوائها. وبذلك تفسد الاحوال كلها. وهذا برهان ظاهر نير على ان الصلاح في الدين والدنيا منوط بالقيام بالدين الاسلامي. وايضا فان الناس مضطرون الى الاجتماع ومفتقرون الى تبادل المصالح. ولابد لبعضهم من بعض وشؤون بعضهم متعلقة ببعض ولا يشك احد من العقلاء ان مصالح البشر متعارضة ومطالبهم متباينة. والمصالح مختلفة والاهوية غالبة فكان هذا اقوى البراهين على اضطرار الخلق الى دين وشرع سماوي معصوم. يجدد لهم الحدود ويشرع لهم الشرائع وينهج لهم طريق العدل والانصاف. ويمكن بعضهم من الانتفاع ببعض بطمأنينة وحياة طيبة. والشرع والدين الاسلامي بذلك على الوجه الاكمل والطريق الاقوم. الا ترى حسن ما شرعه من المعاملات في المعاوضات كلها والتبرعات. وما اوجبه من الحقوق بين الناس على حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة والظروف. وما فيه من قواعد العدل التي لا غنى للخلق كلهم عنها وما فيه من الحدود والعقوبات للمجرمين بحسب جرائمهم. فلو وكل الناس الى عقولهم في هذه الامور لصارت تبعا للاهوية اغراضي وحصلت الفوضى بحسب ما ترك من نظامات الشريعة. وكل قاعدة نافعة موجودة عند الاجانب وكل نظام عندهم فانما اصله مأخوذ من الدين الاسلامي. فليذكر لنا المنحرفون اصلا نافعا ومعاملة نافعة وعملا نافعا مثقال ذرة واحكم ما شرعه غاية الاحكام. كما احكم ما قدره في احسن نظام. اليس من اجل طرق الصلاح الشكر عند النعماء والصبر عند المصائب والضراء. الامران اللذان لم يزل ولا يزال الخلق في هذه الدنيا بينها يتقلبون. ولا يمكن ان ومنهما مخلوق في وقت من الاوقات. ولا حالة من الاحوال. فسل الشاك في اشتمال الدين الاسلامي على غاية الصلاح الما يدعو اليه الدين الاسلامي من مقابلة النعم والخيرات بالشكر والثناء على موليها. والاستعانة بها على ما يحبه ويرضاه في صرفها في الوجوه النافعة. ومقابلة المكاره والمصائب بالصبر والرضا عن الله. والتسليم لاقداره. فيكون العباد عند النعم من الشاكرين وعند المكاره من الصابرين. ويكسب الحياة الطيبة في الدنيا مع ما يدخره الله له في الاخرة. ام مقابلة النعم الاشهر والبعطر والمكاره بالسخط والالام القلبية والزلازل الروحية. كما هو امر لازم للمنحرفين. فالعاقل لا يشك ان الامرين لا يستويان. وقل له اي الامور خير؟ ما دعا اليه الدين من قوله. والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم وكان بين ذلك قواما. الذي به صلاح الامور ام طريقة الاسراف والتبذير وطريقة البخل والتقتير. وما دعا اليه الدين من الاحسان في عبادة الخالق وايقاعها على احسن الوجوه واكملها. والاحسان الى الخلق بكل وسائل الاحسان. اما اليه المنحرفون من الاعراض عن عبادة الله وحده. والاقبال التام على شهوات النفوس الخسيسة. وجعلها هي مبلغ علم الانسان وكل همه منع الاحسان الى الخلق. بل مقابلة الاحسان بالاساءة. فلابد ان يقول العقل الصحيح هذا الامر الجلي لا يحتاج الى طلب ترجيح وقل للشاك في حسن الدين الاسلامي هل ما دعي اليه من وجوب بر الوالدين وصلة الارحام واداء حقوق اصحابي والجيران والمعاملين بطريقة العدل والفضل. خير ام طريق الاثرة والعقوق والقطيعة والجور في المعاملات. وقل له الله قد وهبنا عقولا وقوى ظاهرة وباطنة. نتمكن بها من ادراك سعادتنا ودفع شقاوتنا. فهل اذا استعملنا ما وهبنا ربنا من ذلك فيما خلقنا له من عبادة ربنا والقيام بحقوقه وحقوق عباده. ووضوح تلك المواهب والقوى باحكام من انعم بها ووهبها والسلوك من ذلك الطريق المستقيم الى ربنا. والاستعانة بما اعطانا من المنافع الدنيوية الى صلاح ديننا ومصالحنا من الكلية ام الاولى بنا ان نستعمل العقول والقوى في امور تافهة طفيفة. لا تغني عن صاحبها شيئا. ان لم يؤسسها ويبينها على الدين ويجعلها تبعا لشهواته ووفقا على مراداته ولو اهلك وضر اخراه. فالدين الصحيح يدعو الى الاول وطرق الانحراف تدعو الى الثاني وقل له ايضا ايما اولى بالعبد ان يتبع ما دعا اليه الدين من اخلاص الدين لله وحده وتعليق الرغبات بالله والا يرجو ولا يطيع الا بفضل الله وكرمه وتعليق ذلك بالمخلوقين. والذين لا يملكون لانفسهم فضلا عن نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وقل له ان كان الرب هو الذي خلقنا ورزقنا وهدانا وعافانا. وتفضل علينا بالنعم الظاهرة والباطنة. الا يجب علينا ان يكون هو معبودنا وهو الذي نحمده ونشكره ونبذل له ما في وسعنا جهادنا ومع ذلك فاننا لا نبلغ بذلك مقابلة ادنى نعمة من نعمه علينا. فهل يليق بنا ان نصرف شيئا من ذلك في شكر بغيره وعبودية غيره. لا والله ان هذا امر يستقبحه الشرع والعقل والفطرة. وقل للشاك في تعاليم الدين الراقية. اليس الدين الاسلامي يحث المسلمين على ان يكونوا اخوة متألفين. متفقين على دينهم على اصوله وعلى جميع مصالحه. ويرغبهم في هذا الاصل غاية الترغيب. ويذكر لهم ثمرات ذلك العاجلة والاجلة. ويزجرهم اشد الزجر عن كل ما ينافي ذلك من التباغض والتقاطع. ويخبرهم ان اصلاح ذات البين هو السبب والطريق لصلاح الاحوال. كما ان فساد ذات البين هو السبب في الاضرار والدينية والدنيوية. فهل يوجد طريق لصلاح الاحوال الكلية؟ غير هذا الطريق الذي يرشد اليه الدين بجميع وجوهه. وقل في كمال الدين اذا قال نحن نعترف بما احتوى عليه الدين الاسلامي من الاصلاحات الدينية والقلبية او الاخلاقية احتوت عليه احكامه من العبادات والمعاملات من الحسن الذي لا مزيد عليه. ولا يمكن ان تقترح العقول احكاما مثل احكامه. فضلا عن كونها تقترح اعلى من احكامه. ولكن نشك في احتوائه على المنافع الدنيوية وعلى الصناعات وعلى علوم السياسة. فاجبه قائلا اليس فيه قواعد واصول من علم الاجتماع والسياسة لا يمكن ان يخترع المخترعون احسن منها؟ اليس فيه الامر بالمشاورة في جميع الامور الداخلية والخارجية. فما المقصود من المشاورات الا النظر في المصالح والمضار والخير والشر. وتقديم ما تعينت مصلحته وترجحت. واجتناب ما تعينت مضرته او ترجحت. فالسياسة الحكيمة كلها ترجع الى الشورى في الم يقل الله وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض. وقال الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماء السماوات وما في الارض. اي سخر لنا جميع ما في الارض لننتفع بغرسها وزرعها وحرثها. واستخراج معادنها والانتفاع بصناعة وكذلك قال وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. فاطلق المنافع المنافع الدينية والمنافع الدنيوية. خصوصا منافع الاسلحة المتنوعة. التي تجري مع الزمان والاحوال والصناعات التي ينتفع بها الانسان في كل شيء. الم يقل الله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. فهذا يدخل فيه كل قوة عقلية وسياسية وتعلم الفنون الحربية والركوب والرمي وتوابع ذلك. وكذلك امر باخذ الحذر من الاعداء. وذلك بالتخلص والتحقق والتحرز منهم بكل وسيلة تحصل بها الوقاية والتحرز. وكم في كتاب الله وسنة رسوله من الامر بالجهاد ومقاومة الاعداء فيدخل في ذلك كل وسيلة تعين على الجهاد في سبيل الله. فعلم بذلك ان الدين الاسلامي قد احتوى على جميع المصالح خيرات العاجلة والآجلة والنفع الكلي والجزئي والديني والدنيوي. فهذه كلمات كليات يعرف تحقيقها بتتبع والاجناس والافراد وتحقيق الامر فيها. وهذا من اكبر الايات والبراهين انه تنزيل من حكيم حميد ومما يدل على عظمة هذا الدين ان الله اباح جميع الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمناظر والمناكح والتمتعات وحرم كل خبيث من هذه الامور ضار لصاحبه وللمصلحة العمومية. وانه ما امر بشيء فقال العقل الصحيح الحر. ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به. ولا اخبر بما تحيله العقول بل اخباره نوعان. نوع العقول بصحته وكماله وفضله. ونوع لا تهتدي اليه ولا تعرفه لعدم وصولها اليه. لكونه من عالم الغيب الذي لم تشاهده ولا شاهدت نظيره. وهذا النوع قد ارى الله عباده في الافاق وفي انفسهم من الايات. ما يدل على صدق ما اخبرت به الرسل ونطقت به الكتب السماوية. من نظر وامعن النظر في هذه الاصول التي تلوناها ونبهنا عليها تنبيها مختصرا. علم علما يقينيا ان الدين الاسلامي هو الدين الحق في علومه وعقائده واخلاقه واعماله وسياساته وحسن معاملته للخلق واحسانه الى الموافق والمخالف. وانه يدعو الى سبيل الحق بالحكمة التي هي سلوك الطرق والوسائل القولية والفعلية يستعان بها في الدعاية الى سبيل الله. الذي هو الصراط المستقيم. وانه يأمر باللين وعدم المخاشنة في مخاطبة المحاربين للدين فكيف بذلك مع المؤمنين؟ فيقول لرسوله صلى الله عليه وسلم فبما رحمة من الله فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وقال قال لموسى وهارون فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. ثم انظر الى ما يخاطب الله به اعداءه الكفار وتخاطبهم الرسل. فانه الطريق الاقوم لهذا الطريق والدعاية الى الخير. وبه تحصل من المنافع ودفع المضار ما لا يحصل بالمخاشنة والمشاتمة فانها طريقة الجاهلين الحمقى وان حسنت مقاصدها فقد ساءت طرائقهم. وهذا اخر ما يسر الله من هذه الرسالة الاصولية المحتوية على قواعد واصول مختصرة جامعة ونسأله تعالى ان يثبتنا على دينه وصراطه المستقيم. انه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد واله وصحبه اجمعين. قال ذلك وكتبه الفقير الى الله تعالى عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين. ونقلته من خط شيخنا المكرم متع الله لنا بحياته. وانا الفقير الى رب البريات عبده وابن عبده عبدالعزيز بن صالح بن دامغ. وذلك بغاية من العجلة. حرر في الاول من جمادى الثاني سنة ست وستين وثلاثمائة والف من الهجرة