اي ماء جار بدليل قوله قد جعل ربك تحتك اي تحت المكان الذي انت فيه لارتفاعه سريا اي نهرا وهو وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا الصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب. وان كانت مجزئة مثابا عليها. فان الثواب على حسب ما يعقل القلب منها والذين هم عن اللغو. وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة. معرضون. رغبة عنه المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. قد افلح المؤمنون الذين هم قم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللفظ معرضون. هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم. وباي شيء وصلوا الى ذلك. وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم والترغيب فيها فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الايات. يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الايمان. زيادة ونقصا كثرة وقلة فقوله اي قد فازوا وسعدوا ونجحوا وادركوا كل ما المؤمنون الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم الكاملة الذين هم في صلاتهم خاشعون والخشوع في الصلاة هو حضور القلب بين يدي الله تعالى. مستحضرا لقربه. فيسكن لذلك قلبه. وتطمئن وتسكن حركاته ويقل التفاته متأدبا بين يدي ربه مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من اول صلاته الى اخرها فتنتفي بذلك الوساوس والافكار الردية. وهذا روح الصلاة والمقصود منها. وهو الذي يكتب للعبد وتنزيها لانفسهم وترفعا عنه. واذا مروا باللغو مروا كراما. واذا كانوا معرضين عن اللغو. فاعراضهم عن المحرم من باب اولى واحرى. واذا ملك العبد لسانه وخزنه الا في الخير. كان مالكا لامره. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين وصاه بوصايا قال الا اخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول الله. فاخذ بلسان نفسه وقال قال كف عليك هذا فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة كف السنتهم عن اللغو والمحرمات. والذين هم للزكاة اي مؤدون لزكاة اموالهم على اختلاف اجناس الاموال مزكين لانفسهم من ادناس الاخلاق ومساوئ الاعمال التي تزكو النفس بتركها وتجنبها فاحسنوا في عبادة الخالق في الخشوع في الصلاة واحسنوا الى خلقه باداء الزكاة والذين هم لفروجهم حافظون والذين هم لفروجهم حافظون عن الزنا. ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو الى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم من كل احد ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين. الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم من الاماء المملوكات فانهم غير ملومين بقربهما. لان الله تعالى احلهما. فمن ابتغى ذلك هم العادون. فمن ابتغى وراء ذلك غير الزوجة والسرية الذين تعدوا ما احل الله الى ما حرمه. المتجرؤون على محارم الله وعموم هذه الاية يدل على تحريم نكاح المتعة فانها ليست زوجة حقيقية مقصودا بقاؤها ولا مملوكة وتحريم نكاح المحلل لذلك ويدل قوله او ما ملكت ايمانهم انه يشترط في حل المملوكة ان تكون كلها في ملكه. فلو كان له بعضها لم تحل لانها ليست مما ملكت يمينه بل هي ملك له ولغيره. فكما انه لا يجوز ان يشترك في المرأة الحرة زوجان فلا يجوز ان شركة في الامة المملوكة سيدان. اي مراعون لها ضابطون حافظون حريصون على القيام بها وتنفيذها. وهذا عام في جميع الامانات التي هي حق لله. والتي هي حق للعباد. قال تعالى انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال. فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملن هالانسان فجميع ما اوجبه الله على عبده امانة. على العبد حفظها بالقيام التام بها. وكذلك يدخل في ذلك امانات الادميين كامانة الاموال والاسرار ونحوهما. فعلى العبد مراعاة الامرين واداء الامانتين. ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وكذلك العهد يشمل العهد الذي بينهم وبين ربهم والذي بينهم وبين العباد وهي الالتزامات والعقود التي يعقدها العبد فعليه مراعاتها والوفاء بها. ويحرم عليه التفريط فيها واهمالها اي يداومون عليها في اوقاتها وحدودها واشراطها واركانها. فمدحهم بالخشوع بالصلاة وبالمحافظة عليها لانه لا يتم امرهم الا بالامرين. فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع. او على الخشوع من دون محافظة عليها. فانه هموم ناقص هم الوارثون. اولئك الموصوفون بتلك الصفات هم الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون الذين ما يرثون الفردوس الذي هو اعلى الجنة. ووسطها وافضلها لانهم حلوا من صفات الخير اعلاها وذروتها. او المراد بذلك الجنة ليدخل بذلك عموم المؤمنين على درجاتهم ومراتبهم كل بحسب حاله. هم فيها خالدون لا يطعنون ولا يبغون عنها حول لاشتمالها على اكمل النعيم وافضله واتمه. من غير مكدر ولا منغص ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ذكر الله في هذه الايات اطوار الادمي وتنقلاته. من ابتداء خلقه الى اخر ما يصير اليه. فذكر ابتداء خلق ابي النوع البشري ادم عليه السلام وانه من سلالة من طين. اي قد سلت واخذت من جميع الارض. ولذلك جاء بنوه على قدر الارض. منهم الطيب والخبيث وبين ذلك والسهل والحزن وبين ذلك ثم جعلناه اي جنس الادميين نطفة تخرج من بين الصلب والترائب. فتستقر في قرار مكين وهو الرحم محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك فخلقنا المضغة عظاما. ثم خلقنا النطفة التي قد استقرت قبل علقة. اي دما احمر. بعد مضي يوما من النطفة ثم خلقنا العلقة بعد اربعين يوما مضغة اي قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ من صغرها اه فخلقنا المضغة اللينة عظاما صلبة قد تخللت اللحم بحسب حاجة البدن اليها ثم ان شئناه خلقا اخر فتبارك الله. فتبارك الله احسن الخالقين. فكسونا العظام لحما. اي جعلنا اللحم كسوة للعظام. كما جعلنا العظام عمادا للحم وذلك في الاربعين الثالثة ثم انشأناه خلقا اخر نفخ فيه الروح. فانتقل من كونه جمادى الى انصار حيوانا فتبارك الله احسن الخالقين. فتبارك الله اي تعالى وتعاظم وكثر خيره. احسن الخالقين الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة. قليلا ما تشكرون. فخلقه كله حسن. والانسان من احسن مخلوقاته هو احسنها على الاطلاق. كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم. ولهذا كان خواصه افضل المخلوقات واكملها ثم انكم بعد ذلك الخلق ونفخ الروح لميتون في احد اطواركم وتنقلاتكم اسود ثم انكم يوم القيامة تبعثون فتجازون باعمالكم. حسنها وسيئها. قال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى؟ الم يكن نطفة من مني يمنى؟ ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر ان يزيد عليكم فضيلة ليكون متبوعا. والا فما الذي يفضله عليكم؟ وهو من جنسكم. وهذه المعارضة ما زالت موجودة في مكذبي الرسل وقد اجاب الله عنها بجواب شاف على السنة رسله كما في قوله قالوا اي لرسلهم ان انتم والانثى اليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى ان عن الخلق غافلين. لما ذكر تعالى خلق الادمي ذكر سكنه. وتوفر النعم عليه من كل وجه. فقال قال ولقد خلقنا فوقكم سقفا للبلاد ومصلحة للعباد سبع طرائق اي سبع سموات طباقا كل طبقة فوق الاخرى قد زينت بالنجوم والشمس والقمر. واودع فيها من مصالح الخلق ما اودع فكما ان خلقنا عام لكل مخلوق. فعلمنا ايضا محيط بما خلقنا. فلا نغفل مخلوقا ولا ننساه ولا نخلق خلقا فنضل ولا نغفل عن السماء فتقع على الارض. ولا ننسى ذرة في لجج البحار وجوانب الفلوات. ولا دابة الا سقنا اليها رزقها وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها. وكثيرا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ بلى وهو الخلاق العليم. لان خلق المخلوقات من اقوى الادلة العقلية الى علم خالقها وحكمته. بقدر فاسكن وانزلنا من من السماء ماء يكون رزقا لكم ولانعامكم بقدر ما يكفيكم. فلا ينقصه بحيث لا يكفي الارض والاشجار. فلا يحصل منه المقصود ولا يزيده زيادة لا تحتمل بحيث يتلف المساكن ولا تعيش معه النباتات والاشجار. بل انزله وقت الحاجة لنزوله. ثم عرفه عند التضرر من دوامه. اي انزلناه عليها فسكن واستقر. واخرج بقدرة منزله جميع الازواج النباتية واسكنه ايضا معدا في خزائن الارض. بحيث لم يذهب نازلا حتى لا يوصل اليه. ولا يبلغ اعرفون اما بالا ننزله او ينزله فيذهب نازلا لا يوصل اليه. او لا يوجد منه المقصود منه. وهذا تنبيه منه لعباده ان يشكروه على نعمته. ويقدروا عدمه ماذا يحصل به من الضرر؟ كقوله تعالى قل ارأيتم ان اصبح ماؤكم غورا؟ فمن يأتيكم بماء معين انشأنا لكم به جنات من نخيل واعناب. لكم فيها فواكه كثيرة فانشأنا لكم به اي بذلك الماء جنات اي بساتين من نخيل واعناب خص تعالى هذين النوعين مع انه ينشئ منه غيرهما من الاشجار لفضلهما ومنافعهما. التي فاقت بها الاشجار. ولهذا العامة في قوله لكم فيها اي في تلك الجنات فواكه كثيرة ومنها تأكلون من طين واترج ورمان وتفاح وغيرها. تنبت وصبغ للآكلين. وشجرة تخرج من طور سيناء. وهي شجرة الزيتون. اي جنسها خصت بالذكر لان مكانها خاص في ارض الشام ولمنافعها التي ذكر بعضها في قوله اي فيها الزيت الذي هو دهن يكثر استعماله من الاستصباح به. واصطباغ الاكلين. اي يجعل اداما للاكلين وغير ذلك من المنافع ولكم فيا منافع كثيرة ومنها تأكلون. اي ومن نعمه عليكم ان سخر لكم الانعام الابل والبقر والغنم فيها عبرة للمعتبرين ومنافع للمنتفعين. نسقيكم مما في بطونها من لبن يخرج من بين فرث خالص سائغ للشاربين. ولكم فيها منافع كثيرة من اصوافها واوبارها واشعارها. وجعل لكم من جلود للانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم. ومنها تأكلون افضل المآكل من لحم وشحم وعليها وعلى الفلك تحمل اي جعلنا سفنا لكم في البر تحملون عليها اثقالا الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس. كما جعل لكم السفن في البحر تحملكم وتحمل متاعكم. قليلا كان او فالذي انعم بهذه النعم وصنف انواع الاحسان وادر علينا من خيره المدرار. هو الذي يستحق كمال الشكر وكمال الثناء والاجتهاد في عبوديته والا يستعان بنعمه على معاصيه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. افلا تتقون. يذكر تعالى رسالة عبده ورسوله نوح عليه السلام اول رسول ارسله لاهل الارض فارسله الى قومه وهم يعبدون الاصنام. فامرهم بعبادة الله وحده. فقال يا قومي اعبدوا الله اي اخلصوا له العبادة. لان العبادة لا تصح الا باخلاصها. ما لكم من اله غيره فيه ابطال الوهية لله واثبات الالهية لله تعالى. لانه الخالق الرازق الذي له الكمال كله. وغيره بخلاف ذلك افلا تتقون ما انتم عليه من عبادة الاوثان والاصنام؟ التي صورت على صور قوم صالحين فعبدوها مع الله فاستمر على ذلك يدعوهم سرا وجهارا وليلا ونهارا الف سنة الا خمسين عاما وهم لا يزدادون الا عتوا ونفوس فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل فقال الملأ من قومه الاشراف والسادة المتبوعون على وجه المعارضة لنبيهم نوح والتحذير من اتباعه مثلكم يريد ان يتفضل عليكم. اي ما هذا الا بشر مثلكم؟ قصده حين ادعى النبوة لا بشر مثلنا تريدون ان تصدونا عن ما كان يعبد اباؤنا. فائتونا بسلطان مبين. قالت لهم رسلهم ان نحن الا بشر مثل ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. فاخبروا ان هذا فضل الله ومنته. فليس لكم ان تحجروا على الله. وتمنعوه من ايصال فضله علينا. وقالوا هنا سمعنا بهذا في ابائنا الاولين. ولو شاء الله لانزل ملائكة. وهذه ايضا مضت بالمشيئة باطلة. فانه وان كان لو شاء لانزل ملائكة فانه حكيم رحيم. حكمته ورحمته تقتضي ان يكون الرسول من جنسه الادميين لان الملك لا قدرة لهم على مخاطبته. ولا يمكن ان يكون الا بصورة رجل. ثم يعود اللبس عليهم كما كان. وقول ما سمعنا بهذا اي بارسال رسول في ابائنا الاولين واي حجة في عدم سماعهم ارسال رسول في ابائهم الاولين. لانهم لم يحيطوا علما بما تقدم فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم. وعلى تقدير انه لم يرسل فيهم رسولا. فاما ان يكونوا على الهدى. فلا حاجة لارسال الرسول اذ ذاك واما ان يكونوا على غيره فليحمدوا ربهم ويشكروه ان خصهم بنعمة لم تأت اباءهم ولشعروا بها ولا يجعلوا عدم الاحسان على غيرهم سببا لكفرهم للاحسان اليهم ان هو الا رجل به جنة. اي مجنون فتربصوا به. اينتظروا به حتى حين؟ الى ان يأتيه الموت وهذه الشبه التي اوردوها معارضة لنبوة نبيهم دالة على شدة كفرهم وعنادهم. وعلى انهم في غاية الجهل والضلال فانها لا تصلح للمعارضة بوجه من الوجوه. كما ذكرنا بل هي في نفسها متناقضة متعارضة. فقوله ما هذا الا بشر مثل يريد ان يتفضل عليكم. اثبتوا ان له عقلا يكيدهم به. ليعلوهم ويسودهم. ويحتاج مع هذا ان يحذر منه لان لا به فكيف يلتئم مع قولهم ان هو الا رجل به جنة؟ وهل هذا الا من مشبه ضال منقلب عليه الامر قصده الدفع باي طريق اتفق له غير عالم بما يقول. ويأبى الله الا ان يظهر خزي من عاداه وعادى رسله. فلما رأى نوح انه لا يفيدهم دعاؤه الا فرارا فاستنصر ربه عليهم غضبا لله. حيث ضيعوا امره وكذبوا رسوله. وقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ان ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. قال تعالى ولقد نادنا نوح فلن المجيبون فاوحينا اليه ان نصنع الفلك باعيننا ووحينا. فاوحينا اليه عند استجابتنا له سببا ووسيلة للنجاة قبل وقوع اسبابه. ان اصنع الفلك اي السفينة باعيننا ووحينا. اي بامرنا لك ومعونتنا وانت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك. فاذا جاء امرنا بارسال الطوفان الذي عذبوا به ثار التنور اي ثارة الارض وتفجرت عيونا حتى محل النار الذي لم تجري العادة الا ببعده عن الماء. فاسلك فيها اثنين واهلك. اي ادخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات. ذكرا وانثى. تبقى ما النسل لسائر الحيوانات التي اقتضت الحكمة الربانية ايجادها في الارض واهلك. اي ادخلهم عليه القول منهم. ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون. الا لا من سبق عليه القول كابنه ولا تخاطبني في الذين ظلموا. اي لا تدعوني ان انجيهم. فان القضاء والقدر قد حتم انهم مغرقون. فاذا استويت انت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله. فقل الحمد لله بسم الله الذي نجانا من القوم الظالمين. فاذا استويت انت ومن معك على الفلك اي علوتم عليها واستقلت في تيار الامواج ولجج اليم فاحمدوا الله على النجاة والسلامة. فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وهذا تعليم منه له ولمن معه ان يقولوا هذا شكرا له وحمدا على نجاتهم. من القوم الظالمين في عملهم وعذابهم انزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين اي وبقيت عليكم نعمة اخرى فادعوا الله فيها. وهي ان ييسر الله لكم منزلا مباركا. فاستجاب الله دعاءه. قال الله وقضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين الى ان قال قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى ممن معك ان في ذلك اي في هذه القصة لا ايات تدل على ان الله وحده المعبود. وعلى ان رسوله نوحا صادق وان قومه كاذبون وعلى رحمة الله بعباده حيث حملهم في صلب ابيهم نوح في الفلك لما غرق اهل الارض والفلك ايضا من ايات الله قال تعالى ولقد تركناها اية فهل من مدكر؟ ولهذا جمعها هنا لانها تدل على عدة ايات ومطالب ثم انشأنا من بعدهم قرنا عن اخرين. لما ذكر نوحا وقومه وكيف اهلكهم؟ قال الظاهر انهم ثمود قوم صالح عليه السلام لان هذه القصة تشبه قصتهم افلا تتقون. فارسلنا فيهم رسولا منهم من جنس يعرفون نسبه وحسبه وصدقه ليكون ذلك اسرع لانقيادهم اذا كان منهم وابعد عن اشمئزازهم فدعا الى دعت اليه الرسل اممهم. ان اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. فكلهم متفق على هذه الدعوة. وهي اول دعوة يدعون بها اممهم الامر بعبادة الله والاخبار انه المستحق لذلك والنهي عن عبادة ما سواه. والاخبار ببطلان ذلك وفساده. ولهذا قال افلا تتقون؟ افلا تتقون ربكم؟ فتجتنبوا هذه الاوثان والاصنام. وقال الملأ من قومه الذين وكذبوا بلقاء الاخرة واترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا الا بشر مثلكم اي قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة واطغاهم ترفهم في الحياة الدنيا. معارضة لنبيهم وتكذيبا وتحذيرا منه. ما هذا الا بشر مثلكم؟ اي من جنسكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون. فما الذي يفضله عليكم؟ فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون. اي ان تبعتموه وجعلتموه لكم رئيسا وهو مثلكم انكم لمسلوب العقل نادمون على ما فعلتم وهذا من العجب. فان الخسارة والندامة حقيقة لمن لم يتابعه ولم ينقد له. والجهل والسفه العظيم لمن تكبر عن الانقياد لبشر خصه الله بوحيه. وفضله برسالته ابتلي بعبادة الشجر والحجر. وهذا نظير قولهم قالوا ابشر منا واحدا نتبعه؟ انا اذا لفي ضلال وسعر. االقيت الذكر عليه من بيننا. بل هو كذاب اشر. فلما انكروا رسالته وردوها. انكروا ما جاء به من البعث بعد الموت. والمجازاة الاعمال فقالوا ايعدكم انكم اذا متم كنتم ترابا وعظاما هيهات هيهات لما توعدون. اي بعيد بعيد ما يعدكم به من البعث. بعد ان تمزقتم وكنتم ترابا وعظاما. فنظروا نظرا قصرا ورأوا هذا بالنسبة الى قدرهم غير ممكن. فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم. تعالى الله فانكروا قدرته على احياء الموتى وعجزوه غاية التعجيز ونسوا خلقهم اول مرة. وان الذي انشأهم من العدم فاعادته لهم بعد اهون عليه وكلاهما هين لديه. فلما لا ينكرون اول خلقهم ويكابرون المحسوسات؟ ويقولون اننا لم نزل موجودين حتى سلم لهم انكارهم للبعث. وينتقل معهم الى الاحتجاج على اثبات وجود الخالق العظيم. وهنا دليل اخر وهو ان الذي احيا الارض بعد موته ان ذلك لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير. وثم دليل اخر وهو ما اجاب به المنكرين للبعث في قوله. بل عجبوا جاءهم منذر منهم. فقال الكافرون هذا شيء عجيب. اإذا متنا وكنا ترابا؟ ذلك رجع بعيد. فقال في جوابهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم اي في البلاء وعندنا كتاب حفيظ يا وما نحن بمبعوثين ان هو الا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا. اي يموت اناس ويحيا اناس. وما نحن بمبعوثين. ان هو الا رجل به جنة فلهذا اتى بما اتى به من توحيد الله. واثبات المعاد فتربصوا به حتى حين. اي ارفعوا عنه العقوبة بالقتل وغيره احتراما له. ولانه مجنون غير مؤاخذ بما يتكلم به. اي فلم يبقى بزعمهم الباطل مجادلة معه بصحة ما جاء به فانهم قد عرفوا بطلانه. وانما بقي الكلام هل يوقعون به ام لا؟ فبزعمهم ان عقولهم الرزينة اقتضت الابقاء عليه وترك الايقاع به مع قيام موجب. فهل فوق هذا العناد والكفر غاية؟ ولهذا لما اشتد كفرهم ولم ينفع فيهم الانذار دعا عليهم نبيهم فقال رب انصرني بما كذبون اي باهلاكهم وخزيهم الدنيوي قبل الاخرة. قال الله مجيبا لدعوته فجعلنا فاخذتهم الصيحة بالحق لا بالظلم والجور بل بالعدل وظلمهم اخذتهم الصيحة فاهلكتهم عن اخرهم. اي هشيم من يابسا بمنزلة غثاء السيل الملقى في جنبات الوادي. وقال في الاية الاخرى انا ارسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم من محتضر. اي اتبعوا مع عذابهم البعد واللعنة والذم من العالمين. فما بكت بهم السماء والارض وما كانوا منظرين ثم ارسلنا رسلنا اي ثم انشأنا من بعد هؤلاء المكذبين المعاندين قرونا اخرين. كل امة في وقت مسمى واجل محدود لا تتقدم عنه ولا تتأخر. وارسلنا اليهم رسلا متتابعة. لعلهم يؤمنون وينيبون. فلم يزل الكفر والتكذيب سيبوا دأب الامم العصاة والكفرة البغاة. مع ان كل رسول من الايات ما يؤمن على مثله البشر. بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم. يدل على حقيقة ما جاءوا به فبعدا لقوم لا يؤمنون. فاتبعنا بعضهم بعضا بالهلاك فلم يبق منهم باقية. وتعطلت مساكنهم من بعدهم. وجعلناهم احاديث يتحدث بهم من بعدهم. ويكونون عبرة للمتقين ونكالا للمكذبين وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم. ما اشقاهم تعسا لهم ما اخسر صفقتهم مر علي منذ زمان طويل كلام لبعض العلماء لا يحضرني الان اسمه. وهو انه بعد بعث موسى ونزول التوراة الله العذاب عن الامم. اي عذاب الاستئصال وشرع للمكذبين المعاندين الجهاد. ولم ادري من اين اخذه. فلما تدبرت هذه الايات مع الايات التي في سورة القصص تبين لي وجهه اما هذه الايات فلان الله ذكر الامم المهلكة المتتابعة على الهلاك ثم اخبر انه ارسل موسى بعدهم وانزل عليه التوراة فيها الهداية للناس. ولا يرد على هذا اهلاك فرعون. فانه قبل نزول التوراة واما الايات التي في سورة القصص فهي صريحة جدا فانه لما ذكر هلاك فرعون قال ولقد اتينا موسى الكتاب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون. فهذا صريح انه اتاه الكتاب بعد هلاك الامم الباغية واخبر انه انزله بصائر للناس وهدى ورحمة. ولعل من هذا ما ذكر الله في سورة يونس من قوله ثم بعثنا من بعد اي من بعد نوح رسلا الى قومهم فجاؤوهم بالبينات. فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل. كذلك نطبع على قلوبهم المعتدين ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون والله اعلم. فقوله ثم ارسلنا موسى ابن عمران كليم الرحمن واخاه هارون فسأل ربه ان يشركه في امره فاجاب سؤله باياتنا الدالة على صدقهما وصحة ما جاء به وسلطان مبين. اي حجة من قوتها ان تقهر القلوب وتتسلط عليها لقوتها فتنقاد لها قلوب المؤمنين. وتقوم الحجة البينة على المعاندين وهذا كقوله ولقد اتينا موسى تسع ايات بينات. ولهذا رئيس المعاندين عرف الحق وعاند. فاسأل بني اسرائيل اذ جاءهم اي بتلك الايات البينات. فقال له فرعون اني لاظنك يا موسى مسحورا. فقال موسى لقد فعلمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر. واني لاظنك يا فرعون مثبورا. وقال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال هنا ثم ارسلنا موسى واخاه هارون باياتنا وسلطان مبين وملأه فاستكبروا وكانوا قوما عاليين. الى فرعون وملأه كهامان وغيره من رؤسائهم فاستكبروا اي تكبروا عن الايمان بالله واستكبروا على انبيائه. وكانوا قوما عاليين. اي وصفهم العلو والقهر والفساد في الارض. فلهذا صدر منهم الاستكبار ذلك غير مستكثر منهم. فقالوا انؤمن لبشرين مثلنا وقوم ما لنا عابدون. فقالوا كبرا وتيها وتحذيرا لضعفاء العقول. وتمويه انؤمن لبشرين مثلنا كما قاله من قبلهم سواء بالسواء تشابهت قلوبهم في الكفر فتشابهت اقوالهم وافعالهم وجحدوا منة الله عليهما رسالة وقومهما لنا عابدون. وقومهما اي بنو اسرائيل لنا عابدون. اي معبدون بالاعمال الشاقة كما قال تعالى واذ نجيناكم من ال فرعون يصومونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم. فكيف نكون تابعين بعد ان كنا متبوعين؟ وكيف يكون هؤلاء رؤساء علينا؟ ونظير وقولهم قول قوم نوح انؤمن لك واتبعك الارذلون؟ وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي. من المعلوم ان ان هذا لا يصلح لدفع الحق. وانه تكذيب ومعاندة. ولهذا قال في الغرق في البحر وبنو اسرائيل ينظرون ولقد اتينا موسى بعدما اهلك الله فرعون وخلص الشعب الاسرائيلي مع موسى وتمكن حينئذ من اقامة امر الله فيهم واظهار شعائره. وعده الله ان ينزل عليه التوراة اربعين ليلة. فذهب لميقات ربه. قال الله تعالى وكتبنا له في الوحي من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء. ولهذا قال هنا اي بمعرفة التفاصيل الامر والنهي والثواب والعقاب. ويعرفون ربهم باسمائه وصفاته واويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين. اي وامتننا على عيسى ابن مريم وجعلناه وامه من ايات الله العجيبة حيث حملته وولدته من غير اب. وتكلم في المهد صبيا واجرى الله على يديه من الايات ما اجرى. واوينا الى ربوة اي مكان مرتفع. وهذا والله اعلم وقت وضعها. ذات قرار اي مستقر وراحة. ومعين واعملوا صالحا اني بما تعملون هذا امر منه تعالى لرسوله باكل الطيبات التي هي الرزق الطيب الحلال. وشكر الله بالعمل الصالح. الذي به يصلح القلب والبدن والدنيا والاخرة. ويخبرهم انه بما يعملون عليم. فكل عمل عملوه وكل سعي اكتسبوه. فان الله يعلم وسيجازيهم عليه اتم الجزاء وافضله. فدل هذا على ان الرسل كلهم متفقون على اباحة الطيبات من المآكل. وتحريم الخبائث منها وانهم متفقون على كل عمل صالح. وان تنوعت بعض اجناس المأمورات واختلفت بها الشرائع. فانها كلها عمل صالح ولكن تتفاوت بتفاوت الازمنة. ولهذا الاعمال الصالحة التي هي صلاح في جميع الازمنة. قد اتفقت عليها الانبياء والشرائع كالامر بتوحيد الله واخلاص الدين له. ومحبته وخوفه ورجائه. والبر والصدق والوفاء بالعهد وصلة الارحام وبر الوالدين والاحسان الى الضعفاء والمساكين واليتامى والحنو والاحسان الى الخلق ونحو ذلك من الاعمال الصالحة. ولهذا كان اهل العلم والكتب السابقة حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يستدلون على نبوته باجناس ما يأمر به وينهى عنه. كما جرى لاهرقل وغيره فانه اذا امر بما امر به الانبياء الذين من قبله ونهى عما نهوا عنه دل على انه من جنسهم بخلاف الكذاب فلا بد ان يأمر بالشر وينهى عن الخير. ولهذا قال تعالى للرسل وان هذه امتكم امة اي جماعتكم يا معشر والرسل جماعة واحدة متفقة على دين واحد. وربكم واحد. فاتقوني بامتثال اوامري واجتناب زواجري وقد امر الله المؤمنين بما امر به المرسلين. لانهم بهم يقتدون. وخلفهم يسلكون. فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم. واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. فالواجب من كل منتسبين الى الانبياء وغيرهم. ان يمتثلوا هذا ويعملوا به. ولكن ابى الظالمون المفترقون الا عصيانا. ولهذا قال فتقطعوا امرهم بينهم زبرا. اي تقطع المنتسبون الى اتباع الانبياء امرهم اي دينهم بينهم زبرا اي قطعا. كل حزب ما لديهم اي بما عندهم من العلم والدين. فرحون يزعمون انهم المحقون وغيرهم على غير الحق. مع ان المحق منهم من كان على طريق الرسل من اكل الطيبات والعمل الصالح. وما عداهم فانهم مبطلون فذرهم في غمرتهم اي في وسط جهلهم بالحق ودعواهم انهم هم المحقون. حتى حين. اي الى ان ينزل العذاب بهم فانهم لا ينفع فيهم وعظ. ولا يفيدهم زجر. وكيف يفيد من يزعم انه على الحق؟ ويطمع في دعوة غيره الى ما هو عليه ايحسبون ان ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في نسارع لهم في الخيرات من لا يشعرون. ايحسبون ان ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات. اي ايظنون ان زيادتنا اياهم بالاموال والاولاد. دليل على انه من اهل الخير والسعادة عادة وان لهم خير الدنيا والاخرة. وهذا مقدم لهم ليس الامر كذلك. بل لا يشعرون انما نملي لهم ونمهلهم ونمدهم بالنعم ليزدادوا اثما. وليتوفر عقابهم في الاخرة. وليغتبطوا بما اوتوا حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة لما ذكر تعالى الذين جمعوا بين الاساءة والامن. الذين يزعمون ان عطاء الله اياهم في الدنيا دليل على خيرهم وفضلهم ذكر الذين جمعوا بين الاحسان والخوف فقال ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون ايه وجلون مشفقة قلوبهم. كل ذلك من خشية ربهم خوفا ان يضع عليهم عدله. فلا يبقى لهم حسنة. وسوء ظن في انفسهم الا يكونوا قد قاموا بحق الله تعالى وخوفا على ايمانهم من الزوال ومعرفة منهم بربهم وما يستحقه من الاجلال والاكرام وخوفهم واشفاقهم يوجب لهم الكف عما يوجب الامر المخوف من الذنوب والتقصير في الواجبات ايات ربهم يؤمنون. اي اذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا. ويتفكرون ايضا في الايات القرآنية يتدبرونها فيبين لهم من معاني القرآن وجلالته واتفاقه وعدم اختلافه وتناقضه. وما يدعو اليه من معرفة الله وخوفه رجاءه واحوال الجزاء فيحدث لهم بذلك من تفاصيل الايمان ما لا يعبر عنه اللسان. ويتفكرون ايضا في الايات الافقية كما في قوله ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب بهم لا يشركون. اي لا شركا جليا كاتخاذ غير الله معبودا. يدعوه ويرجوه. ولا شركا خفيا كالرياء ونحوه بل هم مخلصون لله في اقوالهم واعمالهم وسائر احوالهم. والذين يؤتون ما اتوا وقلوب والذين يؤتون ما اتوا يعطون من انفسهم مما امروا به ما اتوا من كل ما يقدرون عليه من صلاة وزكاة وحج وصدقة وغير ذلك مع هذا قلوبهم وجلة اي خائفة. اي طائفة عند عرض اعمالها عليه والوقوف بين يديه ان تكون اعمالهم غير منجية من عذاب الله لعلمهم بربهم وما يستحقه من اصناف العبادات يسارعون في وهم لا سابقون. اولئك يسارعون في الخيرات. اي في ميدان التسارع في افعال الخير. همهم ما يقربه وهم الى الله وارادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه. فكل خير سمعوا به او سنحت لهم الفرصة اليه. انتهزوه وبادروه قد نظروا الى اولياء الله واصفيائه امامهم ويمنة ويسرة يسارعون في كل خير وينافسون في الزلفى عند ربهم ولما كان المسابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره وقد لا يسبق لتقصيره. اخبر تعالى ان هؤلاء من من السابقين فقال وهم لا سابقون. وهم لها اي للخيرات سابقون. قد بلغوا ذروتها وتبارواهم والرعيل الاول. ومع هذا قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة انهم سابقون. ولما ذكر مسارعتهم الى الخير واستبقاهم اليها ربما وهم واهم ان المطلوب منهم ومن غيرهم امر غير مقدور او متعسر. اخبر تعالى انه لا يكلف نفسه الا وسعها. ولا نكلف نفسا الا وسعها. اي بقدر ما تسعه ويقدر من قوتها عنه. ليس مما يستوعب وقوتها رحمة منه وحكمة لتيسير طريق الوصول اليه. ولتعمر جادة السالكين في كل وقت اليه ينطق بالحق وهم لا يظلمون لدينا كتاب ينطق بالحق وهو الكتاب الاول الذي فيه كل شيء. وهو يطابق كل واقع يكون. فلذلك كان حقا هم لا يظلمون بنقص من احسانهم او يزداد في عقوبتهم وعصيانهم. بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهن اعمال من دون ذلك هم لها عاملون. يخبر تعالى ان قلوب المكذبين في غمرة من هذا. اي وسط غمرة من الجهل والظلم والغفلة والاعراض. تمنعهم من الوصول الى هذا القرآن. فلا يهتدون به ولا يصلوا الى قلوبهم منه شيء. واذا القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا. واجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم فلما كانت قلوبهم في غمرة منه عملوا بحسب هذا الحال من الاعمال الكفرية والمعاندة للشرع ما هو موجب لعقابهم ولكن لهم اعمال من دون هذه الاعمال هم لها عاملون. اي فلا يستغرب عدم وقوع العذاب فيهم. فان الله يمهلهم اعملوا هذه الاعمال التي بقيت عليهم مما كتب عليهم. فاذا عملوها واستوفوها انتقلوا بشر حالة الى غضب الله وعقابه حتى اذا اخذنا مترفيه بالعذاب اذا هم يجأرون. حتى اذا اخذنا مترفيهم اي متنعم عميهم الذين ما اعتادوا الا الترف والرفاهية والنعيم. ولم تحصل لهم المكاره. فاذا اخذناهم بالعذاب ووجدوا مسة. اذا هم يجأرون يصرخون ويتوجعون. لانه اصابهم امر خالف ما هم عليه. ويستغيثون فيقال لهم واذا لم تأتيهم النصرة من الله وانقطع عنهم الغوث من جانبه لم يستطع طيعوا نصر انفسهم ولم ينصرهم احد. فكأنه قيل ما السبب الذي اوصلهم الى هذه الحال؟ قال قد كانت اياتي تتلى عليكم لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها فلم تفعلوا ذلك. بل كنتم على اعقابكم تنكصون. اي راجعين القهقرة الى الخلف. وذلك لان باتباع اعيهم القرآن يتقدمون. وبالاعراض عنه يستأخرون وينزلون الى اسفل سافلين. مستكبرين به سامرا تهدي قال المفسرون معناه مستكبرين به الضمير يعود الى البيت. المعهود عند المخاطبين او الحرم اي متكبرين على الناس بسببه تقولون نحن اهل الحرم فنحن افضل من غيرنا واعلى سامرا اي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت تهجرون اي تقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في هذا القرآن فالمكذبون كان طريقتهم في القرآن الاعراض عنه. ويوصي بعضهم بعضا بذلك. وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه. لعلكم وقال الله عنهم افمن هذا الحديث تعجبون؟ وتضحكون ولا تبكون؟ وانتم سامدون؟ ام يقولون تقولا فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل لا جرم حقت عليهم العقوبة ولما وقعوا فيها لم يكن لهم ناصر ينصرهم ولا مغيث ينقذهم ويوبخون عند ذلك بهذه الاعمال الساقطة اي افلا يتفكرون في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه؟ اي فانهم لو تدبروه لا اوجب لهم الايمان ولا منعهم من الكفر. ولكن المصيبة التي اصابتهم بسبب اعراضهم عنه. ودل هذا على ان تدبر القرآن يدعوهم الى كل خير ويعصم من كل شر. والذي منعه من تدبره ان على قلوبهم اقفالها فلم يأت ابائهم الاولين. اي او منعهم من الايمان انه جاءهم رسول وكتاب. ما جاء اباءهم الاولين فرضوا بسلوك طريق ابائهم الضالين وعارضوا كل ما خالف ذلك. ولهذا قالوا هم ومن اشبههم من الكفار ما اخبر الله عنهم وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون فاجابهم بقوله قال او لو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه ابائكم؟ فهل تتبعون ان كان قصدكم الحق؟ فاجابوا امرهم قالوا انا بما ارسلتم به كافرون. وقوله اي او منعهم من اتباع الحق. ان رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم غير معروف عندهم. فهم منكرون له. يقولون لا نعرفه ولا نعرف صدقه. دعونا حتى ننظر حاله ونسأل عنه من له به خبرة. اي لم يكن الامر كذلك فانهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة تامة. صغيرهم وكبيرهم يعرفون منه كل خلق جميل. ويعرفون صدقه وامانته. حتى كانوا يسمونه انه قبل البعثة الامين فلما لا يصدقونه؟ حين جاءهم بالحق العظيم والصدق المبين بل جاءهم بالحق واكثرهم للحق كارهون. ام يقولون به جنة اي جنون فلهذا قال ما قال والمجنون غير مسموع منه. ولا عبرة بكلامه لانه يهذي بالباطل والكلام السخيف. قال الله في الرد عليهم في هذه المقالة. بل جاءهم بالحق اي بالامر الثابت الذي هو صدق وعدل. لا اختلاف فيه ولا تناقض. فكيف يكون من جاء به به جنة؟ وهل لا الا في اعلى درج الكمال من العلم والعقل ومكارم الاخلاق. وايضا فان في هذا الانتقال مما تقدم. اي بل الحقيقة التي منعتهم من الايمان انه جاءهم بالحق. واكثرهم للحق كارهون. واعظم الحق الذي جاءهم به اخلاص العبادة لله وحده ترك ما يعبد من دون الله. وقد علم كراهتهم لهذا الامر وتعجبهم منه. فكون الرسول اتى بالحق وكونهم كارهين للحق بالاصل هو الذي اوجب لهم التكذيب بالحق. لا شكا ولا تكذيبا للرسول. كما قال الله تعالى فانهم لا يكذبونك. ولكن الظالمين فبآيات الله يجحدون. فان قيل لم لم يكن الحق موافقا لاهوائهم؟ لاجل ان يؤمنوا ويسرعوا الانقياد. اجاب تعالى قوله ولو اتبع الحق وهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن ووجه ذلك ان اهواءهم متعلقة بالظلم والكفر والفساد من الاخلاق والاعمال. فلو تبع الحق اهواءهم لفسدت السماوات الارض لفساد التصرف والتدبير المبني على الظلم وعدم العدل. فالسماوات والارض ما استقامتا الا بالحق والعدل. بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون. بل اتيناهم بذكرهم اي بهذا القرآن نذكر لهم بكل خير. الذي به فخرهم وشرفهم حين يقومون به. ويكونون به سادة الناس شقاوة منهم وعدم توفيق. نسوا الله فنسيهم. نسوا الله فانساهم انفسهم. فالقرآن ومن جاء به اعظم نعمة ساقها الله اليهم. فلم يقابلوها الا بالرد والاعراض. فهل بعد هذا الحرمان حرمان؟ وهل يكون وراءه الا نهاية الخسران اي او منعهم من اتباعك يا محمد انك تسألهم على الاجابة اجرا فهم من مغرم مثقلون. يتكلفون من اتباعك بسبب ما تأخذ منه من الاجر والخراج. ليس الامر كذلك وهذا كما قال الانبياء لاممهم. يا قومي لا اسألكم عليه اجرا. ان اجري الا على الله. اي ليسوا يدعون الخلق طمعا فيما يصيب منهم من الاموال. وانما يدعون نصحا لهم وتحصيلا لمصالحهم. بل كان الرسل انصح للخلق من انفسهم. فجزاهم الله عن اممهم خير الجزاء. ورزقنا الاقتداء بهم في جميع الاحوال وان الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط لناكبون. ذكر الله تعالى في هذه الايات الكريمة كل سبب موجب للايمان. وذكر الموانع وبين فسادها واحدا بعد واحد. فذكر من الموانع ان قلوبهم في غمرة وانهم لم يتدبروا القول وانهم اقتدوا بابائهم وانهم قالوا برسولهم جنة كما تقدم الكلام عليها وذكر من الامور الموجبة الخير والشر فمن ثقلت موازينه بان رجحت حسناته على سيئاته. فاولئك هم المفلحون لنجاتهم من النار. واستحقاق بهم الجنة وفوزهم بالثناء الجميل ومن خفت موازينه بان رجحت سيئاته على حسناته بايمانهم تدبر القرآن وتلقي نعمة الله بالقبول ومعرفة حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكمال صدقه وامانته وانه لا يسألهم عليه اجرا. وانما سعيه لنفعهم ومصلحتهم. وان الذي يدعوهم اليه صراط مستقيم. سهل على العاملين استقامته موصل الى المقصود من قرب حنيفية سمحة حنيفية في التوحيد سمحة في العمل. فدعوتك اياهم الى الصراط المستقيم موجب لمن يريد الحق ان يتبعك. لانه مما تشهد العقول والفطر بحسنه وموافقته للمصالح. فاين يذهبون ان لم يتابعوا فانهم ليس عندهم ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك. لانهم متجنبون منحرفون عن الطريق الموصل الى الله والى دار كرامته. ليس في ايديهم الا ضلالات وجهالات. وهكذا كل من خالف الحق لابد ان يكون منحرفا في جميع اموره. قال الله تعالى فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم. ومن اضل ممن اتبع هواه وبغير هدى من الله هذا بيان لشدة تمردهم وعنادهم. وانهم اذا اصابهم الضر دعوا الله ان يكشف عنهم ليؤمنوا. او ابتلاهم ذلك ليرجعوا اليه. ان الله اذا كشف الضر عنهم لجوا. اي استمروا في طغيانهم يعمهون. اي يجولون في كفرهم حائرين مترددين كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك. وانهم يدعونه مخلصين له الدين. وينسون ما يشركون به. فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بالشرك وغيره ولقد اخذناهم بالعذاب. قال المفسرون المراد بذلك الجوع الذي اصابهم سبع سنين. وان الله ابتلاهم بذلك ليرجعوا اليه بالذل والاستسلام. فلم ينجح فيهم ولا نجح منهم احد فما استكانوا لربهم اي خضعوا وذلوا. وما يتضرعون اليه ويفتقرون. بل مر عليهم ذلك ثم زال كانهم ولم يصبهم لم يزالوا في غيهم وكفرهم ولكن ورائهم العذاب الذي لا يرد. وهو قوله على دين شديد اذا هم فيه مبلسون. حتى اذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد. كالقتل يوم بدر وغيره. ايسونا من كل خير قد حضرهم الشر واسبابه. فليحذروا قبل نزول عذاب الله الشديد. الذي لا يرد بخلاف مجرد العذاب. فانه ربما عنهم كالعقوبات الدنيوية التي يؤدب الله بها عباده. قال الله تعالى فيها ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون يخبر تعالى بمننه على عباده الداعية لهم الى شكره والقيام بحقه فقال وهو الذي انشأ لكم السمع لتدركوا به المسموعات فتنتفعوا في دينكم ودنياكم والابصار لتدركوا بها المبصرات فتنتفع بها في مصالحكم. والافئدة اي العقول التي تدركون بها الاشياء. وتتميزون بها عن البهائم فلو عدمتم السمع والابصار والعقول لان كنتم صما عميا بكما. ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم كمالكم افلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم؟ فتقومون بتوحيده وطاعته. ولكنكم قليل شكركم مع وللنعم عليكم. وهو تعالى الذي ذراكم في الارض في بثكم في اقطارها وجهاتها. وسلطكم على استخراج مصالحها ومنافعها. وجعلها كافية لمعايشكم ومساكنكم واليه تحشرون بعد موتكم. فيجازيكم بما عملتم في الارض من خير وشر. وتحدث الارض التي كنتم فيها باخبارها. وهو تعالى وحده الذي يحيي ويميت. اي المتصرف وفي الحياة والموت هو الله وحده وله اختلاف الليل والنهار. اي تعاقبهما وتناوبهما. فلو شاء ان يجعل النهار سرمدا. من اله غير خير الله ياتيكم بليل تسكنون فيه. ولو شاء ان يجعل الليل سرمدا. من اله غير الله يأتيكم بضياء. افلا تبصرون من رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه. ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. ولهذا قال هنا فتعرفون ان الذي وهب لكم من النعم السمع والابصار والافئدة والذين نشركم في الارض وحده والذي ويميت وحده. والذي يتصرف بالليل والنهار وحده ان ذلك موجب لكم ان تخلصوا له العبادة وحده لا شريك له. وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر. ولا يتصرف بشيء بل هو عاجز من كل وجه. فلو كان لكم عقل لم تفعلوا ذلك كما قال الاولون. اي بل سلك هؤلاء المكذبون مسلك الاولين من المكذبين بالبعث. واستبعدوه غاية الاستبعاد فقالوا هذا لا يتصور ولا يدخل عقل بزعمهم لقد وعدنا نحن واباؤنا هذا من قبل اي ما زلنا وعدوا بان البعث كائن. نحن واباؤنا ولم نرى ولم يأت بعد. ان هذا الا اساطير الاولين اي قصصوهم واسمارهم التي يتحدث بها وتلهى والا فليس لها حقيقة وكذبوا قبحهم الله. فان الله اراهم من اياته اكبر من البعث. ومثله لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. وضرب لنا مثلا ونسي خلقه. قال من يحيي العظام وهي رميم. وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت سيقولون لله قل افلا تذكرون. اي قل لهؤلاء المكذبين بالبعث العادلين بالله غيره محتجا عليهم بما اثبتوه. واقروا به من توحيد الربوبية وانفراد الله بها. على ما انكروه من توحيد الالهية والعبادة وبما اثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة على ما انكروه من اعادة الموتى الذي هو اسهل من ذلك. لمن الارض ومن فيها اي من هو الخالق للارض ومن عليها من حيوان ونبات وجماد وبحار وانهار وجبال. المالك لذلك له فانك اذا سألتهم عن ذلك لا بد ان يقولوا لله وحده فقل لهم اذا اقروا بذلك اي افلا ترجعون الى ما ذكركم الله به؟ مما هو معلوم عندكم مستقر في فطركم. قد يغيبه الاعراض في بعض الاوقات والحقيقة انكم ان رجعتم الى ذاكرتكم بمجرد التأمل. علمتم ان ما لك ذلك هو المعبود وحده. وان الهية فمن هو مملوك ابطال الباطل ثم انتقل الى ما هو اعظم من ذلك فقال قل من رب السماوات السبع وما فيها من النيرات والكواكب السيارات والثوابت ورب العرش العظيم الذي هو اعلى المخلوقات. واوسعها واعظمها. فمن الذي خلق ذلك ودبره؟ وصرفه بانواع التدبير قولون لله اي سيقرون بان الله رب ذلك كله. قل لهم حين يقرون بذلك قل افلا تتقون. افلا تتقون عبادة المخلوقات العاجزة؟ وتتقون الرب العظيم كامل القدرة عظيم السلطان. وفي هذا من لطف الخطاب من قوله افلا تذكرون افلا تتقون؟ والوعظ باداة العرظ الجاذبة للقلوب ما لا يخفى ثم انتقل الى اقرارهم بما هو اعم من ذلك كله. فقال ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون. قل من بيده ملك تقوت كل شيء اي ملك كل شيء من العالم العلوي والعالم السفلي. ما نبصره وما لا نبصره. والملكوت صيغة مبالغة بمعنى الملك وهو يجير عباده من الشر ويدفع عنهم المكاره ويحفظهم مما يضرهم ولا يجار عليه اي لا يقدر واحد ان يجير على الله ولا يدفع الشر الذي قدره الله. بل ولا يشفع احد عنده الا باذنه سيقولون لله اي سيقرون ان الله لكل شيء المجير الذي لا يجار عليه. قل لهم حين بذلك ملزما لهم فانى تسحرون. اي فاين تذهب عقولكم؟ حيث عبدتم من علمتم انهم لا ملك لهم. ولا قسط من ملك وانهم عاجزون من جميع الوجوه. وتركتم الاخلاص للمالك العظيم. القادر المدبر لجميع الامور. فالعقول التي دلتكم على هذا لا تكون الا مسحورة. وهي بلا شك قد سحرها الشيطان بما زين لهم وحسن لهم وقلب الحقائق لهم سحر عقولهم كما سحرت السحرة اعين الناس يقول تعالى بل اتينا هؤلاء المكذبين بالحق المتضمن للصدق في الاخبار العدل في الامر والنهي. فما بالهم لا يعترفون به وهو احق ان يتبع وليس عندهم ما يعوضهم عنه الا الكذب والظلم. ولهذا قال ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. وانهم لكاذبون اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. كذب يعرف بخبر الله وخبر رسله. ويعرف بالعقل الصحيح. ولهذا نبه تعالى على الدليل للعقل على امتناع الهين فقال سبحان الله سبحان الله عما يصفون. اذا اي لو كان معه الهة كما يقولون. لذهب كل اله بما خلق. اي لانفرد كل واحد من الالهيين بمخلوقاته واستقل بها يخبر تعالى عن هول يوم القيامة وما في ذلك اليوم من المزعجات والمقلقات وانه اذا نفخ في الصور نفخة البعث. فحشر الناس اجمعون لميقات يوم معلوم. انه يصيبهم من الهول ما ولحرص على ممانعة الاخر ومغالبته. ولعل بعضهم على بعض. فالغالب يكون هو الاله. والا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم ولا يتصور ان ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول. واعتبر ذلك بالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيارة. فانها منذ خلقت وهي تجري على نظام واحد وترتيب واحد كلها مسخرة بالقدرة مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم ليست مقصورة على مصلحة احد دون احد. ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا ولا معارضة في ادنى تصرف. فهل يتصور ان يكون ذلك تقدير الهين ربين. قد نطقت بلسان حالها وافهمت بديع اشكالها ان المدبر لها اله واحد. كامل الاسماء والصفات قد افتقرت اليه جميع المخلوقات. في ربوبيته لها وفي الهيته لها. فكما لا وجود لها ولا دوام الا بربوبيته. كذلك لا صلاح لها ولا قوام الا بعبادته وافراده ولهذا نبه على عظمة صفاته بانموذج من ذلك. وهو علمه المحيط. فقال عالم الغيب اي الذي غاب عن ابصارنا وعلمنا من الواجبات والمستحيلات والممكنات. والشهادة وهو ما نشاهد من ذلك. فتعال اي ارتفع وعظم عما يشركون به من لا علم عنده الا ما علمه الله. لما قام تعالى على المكذبين ادلته العظيمة. فلم يلتفتوا لها ولم يذعنوا لها. حق عليهم العذاب. ووعدوا بنزوله. وارشد الله ورسوله ان يقول اي وقت اريتني عذابه واحضرتني ذلك. اي اعصمني واحمني مما ابتليتهم به من الذنوب الموجبة للنقم. واحمني ايضا من العذاب الذي ينزل بهم. لان العقوبة العامة تعم عند نزولها العاصي وغيره. قال الله في بعذابهم. ولكن ان اخرناه فلحكمة والا فقدرتنا صالحة لايقاعه فيهم هذا من مكارم الاخلاق التي امر الله رسوله بها فقال ادفع بالتي هي احسن اي اذا اساء اليك اعداؤك بالقول والفعل فلا تقابلهم بالاساءة. مع انه يجوز معاقبة المسيء بمثل اساءته. ولكن ادفع فاتهم اليك بالاحسان منك اليهم فان ذلك فضل منك على المسيء ومن مصالح ذلك انه تخف الاساءة عنك في الحال وفي المستقبل وانه ادعى لجلب المسيء الى الحق. واقرب الى ندمه واسفه. ورجوعه بالتوبة عما فعل. وليتصف العافي بصفة الاحسان ويقهر بذلك عدوه الشيطان وليستوجب الثواب من الرب. قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله. وقال الله تعالى الا ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها اي ما يوفق لهذا الخلق الجميل الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. وقوله اي بما يقولون من الاقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق. قد احاط علمنا بذلك وقد حلمنا عنهم. وامهلناهم وصبرنا عليهم والحق لنا وتكذيبهم لنا. فانت يا محمد ينبغي لك ان تصبر على ما يقولون. وتقابلهم بالاحسان كان هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر. واما المسيء من الشياطين فانه لا يفيد فيه الاحسان ولا يدعو حزبه الا يكون من اصحاب السعير فالوظيفة في مقابلته ان يسترشد ما ارشد الله اليه رسوله فقال من همزات الشياطين. وقل ربي اعوذ بك اي اعتصم بحولك وقوتك متبرأ من حولي وقوتي من همزات الشياطين اي اعوذ بك من الشر الذي يصيبني بسبب مباشرتهم وهمزهم ومسهم. ومن الشر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم وهذه استعاذة من مادة الشر كله واصله. ويدخل فيها الاستعاذة من جميع نزغات الشياطين. ومن مسه ووسوسته فاذا اعاذ الله عبده من هذا الشر واجاب دعاءه سلم من كل شر ووفق لكل خير آآ قائلها ومن ورائهم يخبر تعالى عن حال من حضره الموت من المفرطين الظالمين انه يندم في تلك الحال اذا رأى مآله وشاهد قبح اعماله فيطلب الرجعة الى الدنيا لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهر اخواتها وانما ذلك يقول لعلي اعمل صالحا فيما تركت من العمل وفرطت في جنب الله كلمة هو قائلها كلا اي لا رجعة له ولا امهال قد قضى الله انهم اليها ايرجعون انها اي مقالته التي تمنى فيها الرجوع الى الدنيا كلمة هو قائلها اي مجرد قول باللسان لا يفيد صاحبها الا الحسرة والندم. وهو ايضا غير صادق في ذلك. فانه لو رد العاد لما نهي عنه اي من امامهم وبين ايديهم برزخ وهو الحاجز بين الشيئين فهو هنا الحاجز بين الدنيا والاخرة. وفي هذا البرزخ يتنعم المطيعون ويعذب العاصون. من موتهم الى يوم يبعثون اي فليعدوا له عدته وليأخذوا له اهبته انسابهم التي هي اقوى الاسباب. فغير الانساب من باب اولى. وانه لا يسأل احد احدا عن حاله لاشتغاله بنفسه فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ او يشقى شقاوة لا سعادة بعدها. قال الله تعالى يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وفي القيامة مواضع يشتد كربها ويعظم وقعها كالميزان الذي يميز به اعمال العبد. وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه. وتبين فيه مثاقيل الذر من واحاطت به خطيئاته. فاولئك الذين خسروا انفسهم كل خسارة غير هذه الخسارة. فانها بالنسبة اليها سهلة. ولكن لكن هذه خسارة صعبة. لا يجبر مصابها ولا يستدرك فائتها. خسارة ابدية وشقاوة سرمدية. قد خسر نفسه الشريف التي يتمكن بها من السعادة الابدية. ففوتها هذا النعيم المقيم. في جوار الرب الكريم لا يخرجون منها ابد الابدين. وهذا الوعيد انما هو كما ذكرنا لمن احاطت خطيئاته بحسناته ولا يكون ذلك الا كافرا. فعلى هذا لا يحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته. فانهم ليس لهم حسنات. ولكن ان تعد اعمالهم وتحصى فيقفون عليها ويقررون بها. ويخزون بها. واما من معه اصل الايمان. ولكن عظمت سيئاته فرجحت على حسناته فانه وان دخل النار لا يخلد فيها. كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. ثم ذكر تعالى سوء مصير الكافرين فقال تلفح وجوههم النار اي تغشاهم من جميع جوانبهم حتى تصيب اعضائهم الشريفة ويتقطع عن وجوههم قد عبست وجوههم وقلصت شفاههم من ما هم فيه وعظيم ما يلقونه. فيقال لهم توبيخا ولو ما. الم تكن اياتي تتلى عليكم الم تكن اياتي تتلى عليكم تدعون بها لتؤمنوا وتعرض عليكم لتنظروا فكنتم بها تكذبون ظلما منكم وعنادا. وهي ايات بينات دالات على الحق والباطل اناث للمحق والمبطل. فحين اذ اقروا بظلمهم حيث لا ينفع الاقرار اخوتنا وكنا قوماين. قالوا ربنا غلبتني علينا شقوتنا اي غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والاعراض عن الحق. والاقبال على ما يضر وترك ما ينفع وكنا قوما ضالين في عملهم وان كانوا يدرون انهم ظالمون اي فعلنا في الدنيا فعل التائه الضال السفيه. كما قالوا في الاية الاخرى وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما ما في اصحاب السعير وهم كاذبون في وعدهم هذا فانهم كما قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. ولم يبق الله لهم حجة بل قطع اعذارهم وعمرهم في الدنيا ما يتذكر فيه من تذكر. ويرتدع فيه المجرم. فقال الله جوابا لسؤالهم اخسئوا فيها ولا تكلمون. وهذا القول نسأله تعالى العافية اعظم قول على الاطلاق يسمعه المجرمون في التخييب والتوبيخ والذل والخسار والتأييس من كل خير والبشرى بكل شر. وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم. اشد عليهم وابلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم. ثم ذكر الحالة التي اوصلت الى العذاب وقطعت عنهم الرحمة فقالون ربنا امنا. يقولون ربنا امنا فاغفر لنا ارحمنا وانت خير الراحمين. فجمعوا بين الايمان المقتضي لاعماله الصالحة. والدعاء لربهم المغفرة والرحمة والتوسل اليه بربوبيته ومنته عليهم بالايمان والاخبار بسعة رحمته وعموم احسانه وفي ضمنه ما يدل على خضوعهم وخشوعهم وانكسارهم لربهم وخوفهم ورجائهم. فهؤلاء سادات الناس وفضلاؤهم سخريا حتى انسوكم ذكري. وكنتم من فاتخذتموهم ايها الكفرة الانذال ناقص العقول والاحلام سخريا تهزؤون بهم حتى اشتغلتم بذلك السفه. حتى انسوكم ذكري وهذا الذي اوجب لهم نسيان الذكر اشتغالهم بالاستهزاء بهم. كما ان نسيانهم للذكر يحثهم على الاستهزاء. فكل من الامرين يمد الاخر فهل فوق هذه الجراءة جراءة اني جزيتهم اليوم بما صبروا على طاعتي وعلى اذاكم حتى توصلوا الي انهم هم الفائزون بالنعيم المقيم. والنجاة من الجحيم. كما قال في الاية الاخرى فاليوم الذين امنوا من الكفار مريم يضحكون. قال لهم على وجه اللوم وانهم سفهاء الاحلام حيث اكتسبوا في هذه المدة اليسيرة كل شر اوصلهم الى غضبه وعقوبته. ولم يكتسبوا ما اكتسبه المؤمنون من الخير. الذي الى السعادة الدائمة ورضوان ربهم. كم لبثتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم. كلامهم هذا مبني على استقصارهم جدا لمدة مكثهم في الدنيا. وافاد ذلك لكنه لا يفيد مقداره ولا يعينه. فلهذا قال اي الضابطين لعدده. واما هم ففي شغل شاغل وعذاب مذهل عن معرفة عدده. فقال لهم ان لبثتم الا قليلا سواء عينتم عدده ام لا لو انكم كنتم تعلمون افحسبتم انما خلقناكم عبسا. وانكم الينا فلا ترجعون فتعالى الله اي افحسبتم ايها الخلق انما خلقناكم عبثا اي سدى تأكلون وتشربون وتمرحون وتتمتعون بلذات الدنيا ونترككم لا نأمركم ولا ننهاكم ولا نثيبكم ولا نعاقبكم ولهذا قال وانكم الينا لا ترجعون. لا يخطر هذا ببالكم. فتعالى الله. اي تعاظم وارتفع عن هذا ظني الباطل الذي يرجع الى القدح في حكمته. الملك الحق لا اله الا هو لا اله الا هو رب العرش الكريم فكونه ملكا للخلق كلهم حقا. في صدقه ووعده ووعيده. مألوها معبودا لما له من الكمال رب العرش العظيم. فما دونه من باب اولى يمنع ان يخلقكم عبثا ارى لا برهان له به فانما حسابه عند ربه. انه لا يفلح الكافرون ايوة من دعا مع الله الهة غيره بلا بينة من امره ولا برهان يدل على ما ذهب اليه. وهذا قيد ملازم فكل من دعا غير الله فليس له برهان على ذلك. بل دلت البراهين على بطلان ما ذهب اليه. فاعرض عنها ظلما وعنادا هذا سيقدم على ربه فيجازيه باعماله. ولا ينيله من الفلاح شيئا. لانه كافر فكفرهم منعهم من الفلاح خير الراحمين. وقل داعيا لربك مخلصا له الدين. رب اغفر لنا حتى تنجينا من المكروه وارحمنا لتوصلنا برحمتك الى كل خير. وانت خير الراحمين. فكل راحم للعبد فالله خير له منه. ارحم بعبده من الوالدة بولدها. وارحم به من نفسه