المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينة اي هذه سورة عظيمة القدر انزلناها رحمة منا بالعباد وحفظناها من كل شيطان وفرضناها اي قدرنا فيها ما قدرنا من الحدود والشهادات وغيرها. وانزلنا فيها ايات بينات اي احكاما جليلة الاوامر والزواجر وحكما عظيمة. حين نبين لكم ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ثم شرع في بيان تلك الاحكام المشار اليها فقال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة هذا الحكم في الزاني والزانية بكرين انهما يجلد كل منهما مئة جلدة. واما الثيب فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ان حده الرجم. ونهانا تعالى ان تأخذنا رأفة بهما في دين الله. تمنعنا من اقامة الحد عليهم. سواء رأفة طبيعية او لاجل قرابة او صداقة او غير ذلك ذلك وان الايمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من اقامة امر الله. فرحمته حقيقة باقامة حد الله عليه. فنحن وان رحمناه لجريان القدر عليه. فلا نرحمه من هذا الجانب. وامر تعالى ان يحضر عذاب الزانيين طائفة. اي جماعة من المؤمنين ويحصل بذلك الخزي والارتداع. وليشاهدوا الحد فعلا فان مشاهدة احكام الشرع بالفعل مما يقوى بها العلم ويستقر بها الفهم ويكون اقرب لاصابة الصواب فلا يزاد فيه ولا ينقص. والله اعلم الزاني لا ينكح الا زانية الا زان او مشرك هذا بيان لرذيلة الزنا. وانه يدنس عرض صاحبه وعرض من قارنه ومازجه. ما لا يفعله بقية الذنوب اخبر ان الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء الا انثى زانية. تناسب حاله حالها او مشركة بالله. لا تؤمن ببعث ولا ولا تلتزم امر الله. والزانية كذلك لا ينكحها الا زان او مشرك اي حرم عليهم ان ينكحوا زانيا او ينكحوا زانية. ومعنى الاية ان من اتصف بالزنا من رجل او امرأة ولم يتب من ذلك ان المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو اما ان لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله. فذاك لا يكون الا مشركا. واما ان يكون ملتزم لحكم الله ورسوله فاقدم على نكاحه مع علمه بزناه. فان هذا النكاح زنا. والناكح زان مسافح. فلو كان مؤمنا لله حقا لم يقدم على ذلك. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب. وكذلك انكاح الزاني حتى يتوب. فان مقارنة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها اشد الاقترانات والازدواجات. وقد قال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم اي قرناء لما ذكر فيما تقدم تعظيم الرمي بالزنا عموما صار ذلك كانه مقدمة لهذه القصة التي وقعت على اشرف النساء ام المؤمنين رضي الله عنها وهذه الايات نزلت في قصة الافك المشهورة الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد وحاصلها فحرم الله ذلك لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة والحاق الاولاد الذين ليسوا من الزوج. وكون الزاني لا يعفها بسبب باشتغاله بغيرها مما بعضه كاف للتحريم. وفي هذا دليل ان الزاني ليس مؤمنا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فهو وان لم يكن مشركا فلا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الايمان المطلق ولا تقبلوا لما عظم تعالى امر الزاني بوجوب جلده وكذا ردمه ان كان محصنا. وانه لا تجوز مقارنته ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر. بين تعالى تعظيم الاقدام على الاعراض بالرمي بالزنا فقال والذين يرمون المحصنات اي النساء الاحرار العفائف. وكذلك الرجال لا فرق بين الامرين والمراد بالرمي الرمي بالزنا بدليل السياق ثم لم يأتوا على ما رموا به باربعة شهداء اي رجال عدول بذلك صريحا فاجلدوهم ثمانين جلدة بصوت متوسط يؤلم فيه ولا يبالغ بذلك حتى يترفه. لان القصد التأديب للاتلاف وفي هذا تقدير حد القذف. ولكن بشرط ان يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. واما قذف غير محصن فانه يوجب التعزير ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا. اي لهم عقوبة اخرى. وهي ان شهادة القاذف غير مقبولة. ولو حد على القذف حتى يتوب كما يأتي اي الخارجون عن طاعة الله حين قد كثر شرهم وذاك الانتهاك ما حرم الله وانتهاك عرض اخيه وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به وازالة الاخوة التي عقدها الله بين اهل الايمان. ومحبة ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا. وهذا دليل على ان القذف من كبائر الذنوب. وقوله الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم. فالتوبة في هذا الموضع ان يكذب القاذف نفسه ويقر انه كاذب فيما قال وهو واجب عليه ان يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه حيث لم باربعة شهداء فاذا تاب القاذف واصلح عمله بدل اساءته احسانا زال عنه الفسق. وكذلك تقبل شهادته على الصحيح فان الله غفور رحيم. فان الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا. لمن تاب واناب. وانما القاذف اذا لم يأتي باربعة شهداء اذا لم يكن زوجا. فاذا كان زوجا فقد ذكر بقوله ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله وانما كانت شهادات الزوج على زوجته دارئة عنه الحد. لان الغالب ان الزوج لا يقدر على رمي زوجته التي يدنسه ما يدنسها الا اذا كان صادقا. ولان له في ذلك حقا وخوفا من الحاق اولاد ليسوا منه به ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره. فقال فشهادة احدهم اربع شهادة الذين يرمون ازواجهم اي الحرائر للمملوكات ولم يكن لهم على رميهم بذلك شهداء الا انفسهم بان لم يقيموا شهداء هذا اعلى ما رموهم به انها شهادة لانها نائبة مناب الشهود بان يقول اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميتها به. والخامسة سنة الله عليه ان كان من الكاذبين. اي يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة مؤكدا تلك الشهادات ان يدعو على نفسه باللعنة ان كان كاذبا. فاذا تم لعانه سقط عنه حد القذف ظاهر الايات. ولو سمى الرجل الذي رماها به فانه حقه تبعا لها؟ وهل يقام عليها الحد؟ بمجرد لعان الرجل ونقولها ام تحبس؟ فيه قولان للعلماء الذي يدل عليه الدليل انه يقام عليها الحد بدليل قوله ويدرأ عنها العذاب ان تشهد. فلولا ان العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه لم يكن لعان هذا والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين. ويدرأ عنها ان يدفع عنها العذاب اذا قابلت شهادات الزوج بشهادات من جنسها وتزيد في الخامسة مؤكدة لذلك ان تدعو على نفسها بالغضب. فاذا تم اللعان بينهما فرق بينهما الى الابد وانتفى الولد الملاعن عليه وظاهر الايات. يدل على اشتراط هذه الالفاظ عند اللعان. منه ومنها واشتراط الترتيب فيها ولا ينقص منها شيء ولا يبدل شيء بشيء. وان اللعان مختص بالزوج اذا رمى امرأته لا بالعكس. وان الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به كما لا يعتبر مع الفراش. وانما يعتبر الشبه حيث لا مرجح الا هو وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام اي لاحل باحد المتلاعنين الكاذب منهما ما دعا به على نفسه. ومن رحمته وفضله ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين شدة الحاجة اليه وان بين لكم شدة الزنا وفظاعته وفظاعة القذف به وان شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم. بل هو خير لكم ان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها فلم يفقدوها ثم استقل الجيش راحلا وجاءت مكانهم وعلمت انهم اذا فقدوها رجعوا اليها فاستمروا في مسيرهم وكان صفوان بن المعطل السلمي من افاضل الصحابة رضي الله عنه. قد عرس في اخريات القوم ونام فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها فاناخ راحلته فركبتها من دون ان يكلمها او تكلمه. ثم جاء يقود بها بعدما فنزل الجيش في الظهيرة. فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر. مجيء صفوان بها في هذه الحال اشاع ما اشاع ووشى الحديث. وتلقفته الالسن حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين. وصاروا يتناقلون هذا الكلام وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة فحزنت حزنا شديدا. فانزل الله الله تعالى براءتها في هذه الايات. ووعظ الله المؤمنين واعظم ذلك. ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى ان الذين بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير ان الذين جاءوا بالافك اي الكذب الشنيع وهو رمي ام المؤمنين. عصبة منكم اي جماعة منتسبون اليكم يا معشر ترى المؤمنين منهم المؤمن الصادق في ايمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين ومنهم المنافق. لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. لما تضمن ذلك تبرئة ام المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها حتى تناول عموم فتح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولما تضمن من بيان الايات المضطر اليها العباد. التي ما زال العمل بها الى يوم القيامة. فكل هذا خير عظيم لولا مقالة اهل الافك لم يحصل ذلك. واذا اراد الله امرا جعل له سببا. ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين واخبر ان قدح بعضهم ببعض كقدح في انفسهم. ففيه ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم. واجتماعهم على مصالحهم كالجسد الواحد والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. فكما انه يكره ان يقدح احد في عرضه فليكره من كل احد ان يقدح في اخيه المؤمن الذي بمنزلة نفسه وما لم يصل العبد الى هذه الحالة فانه من نقص ايمانه وعدم نصحه كل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم. وهذا وعيد للذين جاؤوا بالافك. وانهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك. وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة والذي تولى كبره اي معظم الافكار هو المنافق الخبيث عبدالله بن ابي بن سلول لعنه الله له عذاب عظيم. الا وهو الخلود في الدرك الاسفل من النار. ثم ارشد الله وعباده عند سماع مثل هذا الكلام. فقال انفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين. ايظا المؤمنون بعظهم ببعظ خيرا وهو السلامة مما رموا وان ما معه من الايمان المعلوم يدفع ما قيل فيه من الافك الباطل. وقالوا سبب ذلك الظن سبحانك اي تنزيها لك عن كل سوء. وعن ان تبتلي اصفيائك بالامور الشنيعة. هذا افك مبين. اي كذب وبهت من اعظم الاشياء وابينها فهذا من الظن الواجب حين سماع المؤمن عن اخيه المؤمن مثل هذا الكلام وان يبرئه بلسانه ويكذب القائل لذلك اي هلجأ الرامون على ما رموا به باربعة شهداء اي عدول مرضيين عند الله هم الكاذبون. وان كانوا في انفسهم قد تيقنوا ذلك فانهم كاذبون في حكم الله لان الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون اربعة شهود. ولهذا قال ان الله هم الكاذبون. ولم يقل فاولئك هم الكاذبون. وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم. بحيث لا يجوز الاقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق تمسك فيما افضتم فيه عذاب عظيم. ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة. بحيث شملكم احسانه فيهما في امر دينكم ودنياكم لمسكم فيما افضتم اي خضتم فيه من شأن الافك عذاب عظيم ذلك بما قلتم ولكن من فضل الله عليكم ورحمته ان شرع لكم التوبة وجعل العقوبة مطهرة للذنوب وتحسبونه هينا اذ تلقونه بالسنتكم اي تلقفونه ويلقيه بعضكم الى بعض وتستوشون حديثه وهو قول باطل. وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم. والامران محظوران. التكلم باطل والقول بلا علم. وتحسبونه هينة فلذلك اقدم عليه من اقدم من المؤمنين الذين تابوا منه وتطهروا بعد ذلك وهذا فيه الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها. فان العبد لا يفيده حسبانه شيئا. ولا يخفف اذا عاملتم عبيده بالعفو والصفح عاملكم بذلك. فقال ابو بكر لما سمع هذه الاية بلى والله اني لاحب ان يغفر الله لي. فرجع النفقة الى مسطح. وفي هذه الاية دليل على النفقة على القريب. وانه لا تترك النفقة والاحسان من عقوبة الذنب بل يضاعف الذنب ويسهل عليه مواقعته مرة اخرى كونوا لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. ولولا اذ سمعتموه اي وهلا سمعتم ايها المؤمنون كلام اهل الافك قلتم منكرين لذلك معظمين لامره ما يكون لنا ان نتكلم بهذا اي ما ينبغي لنا وما يليق بنا الكلام بهذا الافك المبين. لان المؤمن يمنعه ايمانه من ارتكاب القبائح هذا بهتان اي كذب عظيم. يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا يعظكم الله ان تعودوا لمثله. اي لنظيره من رمي المؤمنين بالفجور. فالله يعظكم وينصحكم ذلك ونعم المواعظ والنصائح من ربنا. فيجب علينا مقابلتها بالقبول والاذعان. والتسليم والشكر لله على ما بين لنا ان الله نعم ما يعظكم به ان كنتم مؤمنين. دل ذلك على ان الايمان الصادق يمنع صاحبه من الاقدام على المحرمات. ويبين الله لكم ايات المشتملة على بيان الاحكام والوعظ والزجر. والترغيب والترهيب يوضحها لكم توضيحا جليا. والله عليم اي كامل العلم عام الحكمة. فمن علمه وحكمته ان علمكم من علمه. وان كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة الامور الشنيعة المستقبحة المستعظمة فيحبون ان تشتهر الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم اي موجع للقلب والبدن وذلك لغشه لاخوانه المسلمين ومحبة الشر لهم وجراءته على اعراضهم. فاذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة ان تشيع فاحشة واستحلاء ذلك بالقلب فكيف بما هو اعظم من ذلك؟ من اظهاره ونقله. وسواء كانت الفاحشة صادرة او غيرها الصادرة وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين. وصيانة اعراضهم كما صان دماءهم واموالهم. وامرهم بما يقتضي المصافاة وان يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه فلذلك علمكم وبين لكم ما تجهلونه ان الله رؤوف رحيم. ولولا فضل الله عليكم قد احاط بكم من كل جانب. ورحمته عليكم وان الله رؤوف رحيم. لما بين لكم هذه الاحكام والمواعظ والحكم الجليلة ولما امهل من خالف امره. ولكن فضل ورحمته وان ذلك وصفه اللازم اثر لكم من الخير الدنيوي والاخروي. ما لم تحصوه او تعدوه. ولما نهى عن هذا بخصوصه نهى عن الذنوب عموما فقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا ازكي من يشاء والله سميع عليم. يا ايها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات اي طرقه ووساوسه وخطوات الشيطان. يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى ان بين الحكم وهو النهي عن اتباع خطوات الشيطان والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه من الشر المقتضي والداعي لتركه قال فانه اي الشيطان يأمر بالفحشاء اي ما تستفحشه العقول والشرائع من الذنوب العظيمة مع ميل بعض النفوس اليه منكر هو ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان لا تخرج عن ذلك. فنهي الله عنها للعباد نعمة منه عليه ان يشكروه ويذكروه. لان ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح. فمن احسانه عليهم انها هم عنها كما نهاهم عن اكل السموم القاتلة ونحوها اي ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان. لان الشيطان يسعه جنده في الدعوة اليها وتحسينها. والنفس ميالة الى السوق امارة به والنقص مستول على العبد من جميع جهاته. والايمان غير قوي فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى احد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات. فان الزكاة يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته اوجب ان يتذكر منكم من تزكى وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. ولهذا قال الله سميع عليم. ولكن الله يزكي من يشاء. من يعلم منه انه يزكى بالتزكية. ولهذا قال الله سميع عليم الا تحبون ان يغفر الله لكم الله غفور رحيم. ولا يأتلي اي لا يحلف اولو الفضل منكم والسعة. كان من جملة الخائضين في الافكار ابن اثاثة وهو قريب لابي بكر الصديق. رضي الله عنه وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله. فحلف ابو بكر الا عليه لقوله الذي قال فنزلت هذه الاية ينهاهم عن هذا الحليف المتضمن لقطع النفقة عنه ويحثه على العفو والصفح ويعده بمغفرة الله ان غفر له فقال الا تحبون ان يغفر الله لكم بمعصية الانسان والحث على العفو والصفح. ولو جرى عليه ما جرى من اهل الجرائم. ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم. ان الذين يرمون المحصنات اي العفائف عن الفجور الغافلات التي لم يخطر ذلك بقلوبهن المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة. واللعنة لا تكون الا على ذنب كبير. واكد اللعن بانها متواصلة عليهم في الدارين. وهذا زيادة على اللعنة ابعدهم عن رحمته واحل بهم شدة نقمته. وذلك العذاب يوم القيامة فكل جارحة تشهد عليهم بما عملت ينطقها الذي انطق كل شيء فلا يمكنه والانكار ولقد عدل في العباد من جعل شهودهم من انفسهم يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق اي جزاءهم على اعمالهم الجزاء الحق الذي بالعدل والقسط يجدون جزاءها موفرا لم يفقدوا منها شيئا ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا. ويعلمون في ذلك الموقف العظيم ان الله هو الحق المبين. فيعلمون انحسار الحق المبين في الله تعالى. فاوصافه العظيمة حق وافعاله هي الحق وعبادته هي الحق ولقاؤه حق ووعده ووعيده وحكمه الديني والجزائي حق ورسله حق فلا ثم حق الا في الله وما من الله. الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات اولئك مبرءون مما يقولون لهم الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات اي كل من الرجال والنساء والكلمات والافعال مناسب للخبيث وموافق له ومقترن به ومشاكل له. وكل طيب من الرجال والنساء والكلمات والافعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به ومشاكل له. فهذه كلمة عامة حصر لا يخرج منه شيء من اعظم مفرداته ان الانبياء خصوصا اولي العزم منهم خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو افضل الطيبين من الخلق على الاطلاق. لا يناسبهم الا كل طيب من النساء. فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الامر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم وهو المقصود بهذا الافك. من قصد المنافقين ومجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يعلم انها لا تكون الا طيبة طاهرة من هذا الامر القبيح. فكيف وهي هي صديقة النساء؟ وافضلهن واعلمهن حبيبة رسول رب العالمين التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها. ثم صرح بذلك بحيث لا يبقي لمبطل مقالا ولا لشك وشبهة مجالا فقال والاشارة الى عائشة رضي الله عنها اصلا وللمؤمن المحصنات الغافلات تبعا. لهم مغفرة تستغرق الذنوب. ورزق كريم في الجنة. صادر من الرب الكريم لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها يرشد الباري عباده المؤمنين الا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان فان في ذلك عدة مفاسد منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال انما جعل الاستئذان من اجل البصر بسبب الاخلال به يقع البصر على العورات التي داخل البيوت. فان البيت للانسان في ستر عورة ما وراءه بمنزلة الثوب في ستر عورة ومنها ان ذلك يوجب الربا من الداخل ويتهم بالشر سرقة او غيرها. لان الدخول خفية يدل على الشر. ومنع سمع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حتى يستأنسوا اي يستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا لانه به يحصل الاستئناس. وبعدمه تحصل الوحشة وتسلم على اهلها وصفة ذلك ما جاء في الحديث السلام عليكم اادخل ذلكم اي الاستئذان المذكور خير لكم لعلكم تذكرون. لاشتماله على عدة وهو من مكارم الاخلاق الواجبة. فان اذن دخل المستأذن. فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوا اي فلا تمتنعوا من الرجوع ولا تغضبوا منه. فان صاحب المنزل لم يمنعكم حقا واجبا لكم وانما هو متبرع. فان شاء اا اذن او منع فانتم لا يأخذ احدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال. هو ازكى لكم اي اشد لتطهيركم من السيئات تنميتكم بالحسنات. فيجازي كل عامل بعمله من كثرة وقلة حسن وعدم. هذا الحكم في البيوت المسكونة سواء كان فيها متاع للانسان ام لا. وفي البيوت غير المسكونة التي لا متاع فيها الانسان واما البيوت التي ليس فيها اهلها وفيها متاع الانسان المحتاج للدخول اليه. وليس فيها احد يتمكن من استئذانه. وذلك بيوت الكراء وغيرها فقد ذكرها بقوله ليس عليكم جناح اي حرج واثم دل على ان الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة انه محرم. وفيه حرج ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع اعل لكم وهذا من احترازات القرآن العجيبة. فان قوله لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم لفظ عام في كل بيت ليس ملكا الانسان اخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه وفيها متاعه وليس فيها ساكن. فاسقط الحرج في الدخول اليها احوالكم الظاهرة والخفية وعلم مصالحكم. فلذلك شرع لكم ما يحتاجون اليه وتضطرون من الاحكام الشرعية اي ارشد المؤمنين وقل لهم الذين معه ايمان يمنعهم من وقوع ما يخل بالايمان. يغضوا من ابصارهم عن النظر الى العورات والى النساء الاجنبيات. والى المردان الذين خافوا بالنظر اليهم الفتنة والى زينة الدنيا التي تفتن وتوقع في المحظور. ويحفظوا فروجهم عن الوطء الحرام في قبل او دبر او ما دون ذلك وعن التمكين من مسها والنظر اليها ذلك الحفظ للابصار والفروج ازكى لهم اطهر واطيب وانى اعمالهم. فان من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبيث الذي يتدنس به اهل الفواحش وزكت اعماله بسبب ترك المحرم الذي تطمع اليه النفس وتدعو اليه. فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومن غض بصره عن المحرم انار الله بصيرته. ولان العبد اذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته مع داعي الشهوة كان حفظه لغيره ابلغ. ولهذا سماه الله حفظا. فالشيء المحفوظ ان لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه وعمل الاسباب الموجبة لحفظه لم ينحفظ. كذلك البصر والفرج ان لم يجتهد العبد في حفظهما اوقعاه في بلا ومحن وتأمل كيف امر بحفظ الفرج مطلقا؟ لانه لا يباح في حالة من الاحوال. واما البصر فقال يغضوا من ابصارهم اتى باداة من الدالة على التبعيض. فانه يجوز النظر في بعض الاحوال لحاجة. كنظر الشاهد والعامل والخاطب. ونحو لذلك ثم ذكرهم بعلمه باعمالهم ليجتهدوا في حفظ انفسهم من المحرمات. لما امر المؤمنين بغض الابصار وحفظ الفروج امر المؤمنات بذلك فقال ان ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها. وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن عن النظر الى العورات رجال بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع. ويحفظن فروجهن من التمكين من جماعها او مسها او النظر المحرم اليها ولا يبدين زينتهن كالثياب الجميلة والحلي وجميع البدن كله من الزينة. ولما كانت الثياب الظاهرة لابد لها منها قال الا ما ظهر منها. اي الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها اذا لم يكن في ذلك ما يدعو الى الفتنة بها. وليضربن وليضربن بخمرهن على جيوبهن. وهذا لكمال الاستتار. ويدل ذلك على ان الزينة التي يحرم ابداؤها يدخل فيها فجميع البدن كما ذكرنا ثم كرر النهي عن ابداء زينتهن ليستثني منه قوله الا لبعولتهن اي ازواجهن او او اباء بعولتهن يشمل الاب بنفسه والجد وان علا او ابنائهن او ابناء بعولتهن. ويدخل فيه الابناء وابناء بعولة مهما نزلوا او اخوانهن او بني اخوانهن اشقاء او لاب او لام او نسائهن او ما ملكت ايمانهن او بني اخواتهن او نسائهن اي للنساء ان ينظر بعضهن الى بعض مطلقا. ويحتمل ان الاضافة تقتضي الجنسية. اي النساء المسلمات اللاتي من جنسكم. ففيه لمن قال ان المسلمة لا يجوز ان تنظر اليها الذمية. او ما ملكت ايمانهن او ما ملكت ايمانهن يجوز للمملوك اذا كان كله للانثى ان ينظر لسيدته ما دامت مالكة له كله. فان زال الملك او بعضه لم يجز النظر او التابعين غير اولي الاربد من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات او التابعين غير اولي الاربد من الرجال اي او الذين يتبعونكم ويتعلقون بكم من الرجال الذين لا اربة لهم فيها هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك. وكالعنين الذي لم يبقى له شهوة لا في فرجه ولا في قلبه. فان هذا لا محظور من نظره او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء اي الاطفال الذين دون التمييز انه يجوز نظرهم للنساء الاجانب. وعلل تعالى ذلك بانهم لم يظهروا على عورات النساء. اي ليس لهم علم بذلك ولا وجدت فيهم شهوة بعد ودل هذا ان المميزة تستتر منه المرأة لانه يظهر على عورات النساء يعلم ما يخفين من زينتهن اي لا يضربن الارض بارجلهن ليصوت ما عليهن من حلي كخلاخل فتعلم زينتها بسببه. فيكون وسيلة الى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه. قاعدة سد الذرائع. وان الامر اذا كان مباحا ولكنه يفضي الى محرم او يخاف من وقوعه فانه يمنع منه. فالضرب بالرجل في الارض الاصل انه مباح. ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة منع منه. ولما امر تعالى بهذه الاوامر الحسنة ووصى بالوصايا المستحسنة وكان لابد من وقوع تقصير من المؤمن لذلك امر الله تعالى بالتوبة فقال وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون لان المؤمن يدعوه ايمانه الى التوبة. ثم علق على ذلك الفلاح فقال فلا سبيل الى الفلاح الا بالتوبة. وهي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا. الى ما يحبه ظاهرا وباطنا ودل هذا ان كل مؤمن محتاج الى التوبة. لان الله خاطب المؤمنين جميعا. وفيه الحث على الاخلاص بالتوبة في قوله. وتوبوا الى الله اي لا لمقصد غير وجهه من سلامة من افات الدنيا او رياء وسمعة او نحو ذلك من المقاصد الفاسدة والله واسع عليم. يأمر تعالى الاولياء والاسياد تحت ولايتهم من الايامى. وهم من لا ازواج لهم من رجال ونساء ثيب وابكار. فيجب على القريب وولي يتيم ان يزوج من يحتاج للزواج ممن تجب نفقته عليه. واذا كانوا مأمورين بانكاح من تحت ايديهم. كان امرهم بالنكاح انفسهم من باب اولى يحتمل ان المراد بالصالحين صلاح الدين. وان الصالح من العبيد والاماء وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا. مأمور سيده نكاحه جزاء له على صلاحه وترغيبا له فيه. ولان الفاسد بالزنا منهي عن تزوجه. فيكون مؤيدا للمذكور في اول السورة ان نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب. ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والاماء دون الاحرار. لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة ويحتمل ان المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون اليه من العبيد والاماء. يؤيد هذا المعنى ان السيد غير مأمور بتزويج مملوكي قبل حاجته الى الزواج. ولا يبعد ارادة المعنيين كليهما. والله اعلم. وقوله كونوا فقراء يغنهم الله من فضله. ان يكونوا فقراء اي الازواج والمتزوجين يغنهم الله من فضله. فلا يمنعكم ما تتوهمون من انه اذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه. وفيه حث على التزوج ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. والله واسع كثير الخير عظيم الفضل. عليم بمن يستحق فضله الديني والدنيوي او احدهما ممن لا يستحق فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله. هذا حكم العاجز عن النكاح. امره الله ان يستعفف. ان كف عن المحرم ويفعل الاسباب التي تكفه عنه. من صرف دواعي قلبه بالافكار التي تخطر بايقاعه فيه. ويفعل ايضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء وقوله الذين لا يجدون نكاحا اي لا يقدرون نكاحا. اما لفقرهم او فقر اوليائهم واسيادهم. او قناعهم من تزويجهم وليس لهم من قدرة على اجبارهم على ذلك. وهذا التقدير احسن من تقدير من قدر. لا يجدون مهر نكاح وجعلوا المضاف اليه نائبا مناب المضاف. فان في ذلك محذورين. احدهما الحذف في الكلام والاصل عدم الحذف. والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان. حالة غنى بماله وحالة عدم. فيخرج العبيد والاماء ومن انكاحه على وليه كما ذكرنا. وعد للمستعفف ان الله سيغنيه وييسر له امره. وامر له بانتظار الفرج لئلا يشق عليه ما هو فيه. وقوله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت اي من ابتغى وطلب منكم الكتابة وان يشتري نفسه من عبيد وامام فاجيبوه الى ما طلب وكاتبوه ان علمتم فيهم اي في الطالبين للكتابة خيرا. اي قدرة على التكسب صلاحا في دينه ولان في الكتابة تحصيل المصلحتين مصلحة العتق والحرية ومصلحة العوظ الذي يبذله في فداء نفسه. وربما واجتهد وادرك لسيده في مدة الكتابة من المال ما لا يحصل في رقه. فلا يكون ضرر على السيد في كتابته. مع حصول عظيم المنفعة للعبد فلذلك امر الله بالكتابة على هذا الوجه امر ايجاب كما هو الظاهر او امر استحباب على القول الاخر وامر بمعاونتهم على كتابتهم لكونهم محتاجين لذلك بسبب انهم لا مال لهم. فقال بسم الله الذي اتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردنا تحصنا لتبتغوا مضى الحياة الدنيا. واتوهم من مال الله الذي اتاكم. يدخل في ذلك امر سيده الذي كتبه ان يعطيه من كتابته او يسقط عنه منها وامر الناس بمعونتهم. ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة ورغب في اعطائه بقوله من مال الله اه الذي اتاكم اي فكما ان المال مال الله. وانما الذي بايديكم عطية من الله لكم ومحض منة. فاحسنوا لعباد الله كما الله اليكم ومفهوم الاية الكريمة ان العبد اذا لم يطلب الكتابة لا يؤمر سيده ان يبتدأ بكتابته وانه اذا لم يعلم منه خير بان علم منه عكسه اما انه يعلم انه لا كسب له فيكون بسبب ذلك كلا على الناس ضائعا. واما ان يخاف اذا عتق حرية نفسه ان يتمكن من الفساد فهذا لا يؤمر بكتابته بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور. ثم قال تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ولا تكرهوا فتياتكم اي امائكم على البغاء اي ان تكون زانية. ان اردنا تحصنا لانه لا يتصور اكراهها الا بهذه في الحال. واما اذا لم ترد تحصنا فانها تكون بغيا. يجب على سيدها منعها من ذلك. وانما هذا نهي لما كانوا يستعملونه في الجاهلية من كون السيد يجبر امته على البغاء. ليأخذ منها اجرة ذلك. ولهذا قال فلا يليق بكم ان تكون اماؤكم خيرا منكم واعف عن الزنا. وانتم تفعلون بهن ذلك لاجل عرض الحياة. متاع يعرض ثم يزول فكسبكم النزاهة والنظافة والمروءة بقطع النظر عن ثواب الاخرة وعقابها افضل من كسبك ومن عرض القليل الذي يكسبكم الرذالة والخسة. ثم دعا من جرى منه الاكراه الى التوبة. فقال ومن يكرههن فليتب الى الله وليقلع عما صدر من ما يغضبه فاذا فعل ذلك غفر الله ذنوبه ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من العذاب. وكما رحم امته بعدم اكراهها على ما يضرها الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين هذا تعظيم وتفخيم لهذه الايات التي على عباده يعرف قدرها ويقوم بحقها. فقال ولقد انزلنا اليكم ايات مبينات اي واضحات الدلالة على كل امر تحتاجون اليه من الاصول والفروع. بحيث لا يبقى فيها اشكال ولا شبهة. وانزلنا اليكم ايضا مثلا من الذين فلو من قبلكم من اخبار الاولين الصالح منهم والطالح وصفة اعمالهم. وما جرى لهم وما جرى عليهم. تعتبرونه مثالا ومعتبرا لمن فعل مثل افعالهم ان يجازى مثل ما جوز وموعظة للمتقين. اي وانزلنا اليكم موعظة للمتقين من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب. يتعظ بها المتقون فينكفون عما يكرهه الله الى ما يحبه الله السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصبااح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري. يوقد من شجرة مباركة ولا غربية ولا غربية يكاد زيتها يضيء نور على نور نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء الله نور السماوات والارض الحسي والمعنوي وذلك انه تعالى بذاته نور وحجابه الذي فلطفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه نور وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر والنور وبه استنارت الجنة وكذلك النور المعنوي يرجع الى الله فكتابه نور وشرعه نور والايمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات. ولهذا كل محل يفقد نوره. فثم الظلمة والحصر مثل نوره كمشكاة فيها مصباح. مثل نوره الذي يهدي اليه وهو نور الايمان والقرآن في قلوب المؤمنين كمشكاة اي قوة فيها مسباح لان القوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك المصباح في زجاجة زجاجة من صفائها وبهائها كانها كوكب دري. اي مضيء اضاءة الدر. يوقد ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الذرية يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية من شجرة مباركة زيتونة. اي يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من انور ما يكون. لا شرقية فقط فلا تصيبها الشمس اخر النهار ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس اول النهار. واذا انتفى عنها الامران كانت متوسطة من الارض. كزيتون الشام تصيبها الشمس اولا النهار واخره. فتحسن وتطيب ويكون اصفال زيتها. ولهذا قال لا يضيء ولو لم تمس النار يكاد زيتها من صفائه يضيء ولو لم نار. فاذا مسته النار اضاء اضاءة بليغة. اي نور النار ونور الزيت شوفوا هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن ونور الله في قلبه ان فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصافي فطرته صافية مستعدة للتعاليم الالهية والعمل المشروع. فاذا وصل اليه العلم والايمان اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة اشتعاله النار في فتيلة ذلك المصباح. وهو الصافي القلب من سوء القصد. وسوء الفهم عن الله. اذا وصل اليه الايمان. اضاء اضاءة عظيمة من الكادورات وذلك بمنزلة الصفاء الزجاجة الذرية. فيجتمع له نور الفطرة ونور الايمان ونور العلم. وصفاء المعرفة نور على نوره ولما كان هذا من نور الله تعالى وليس كل احد يصلح له ذلك. قال ان يشاء ممن يعلم زكاءه وطهارته وانه يزكو معه وينمو الناس والله بكل شيء عليم. ويضرب الله الامثال للناس ليعقلوا عنه ويفهموا لطفا منه واحسانا اليهم وليتضح الحق من الباطل. فان الامثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة. فيعلمها العباد علما واضحا فعلمه محيط بجميع الاشياء فلتعلموا ان ضربه الامثال ضرب من يعلم حقائق الاشياء وتفاصيلها وانها مصلحة للعباد. فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها. لا بالاعتراض عليها ولا فانه يعلم وانتم لا تعلمون. ولما كان نور الايمان والقرآن اكثر وقوع اسبابه في المساجد. ذكرها منوها بها فقال رجال. ان يتعبدوا لله في بيوت عظيمة فاضلة. هي احب البقاع اليه وهي المساجد اذن الله اي امر ووصى ان ترفع ويذكر فيها اسمه. هذان مجموع احكام المساجد. فيدخل في رفعها بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والاذى. وصونها عن المجانين والصبيان. الذين لا يتحرزون عن النجاسة وعن الكافر. وان صان عن اللغو فيها ورفع الاصوات بغير ذكر الله. يدخل في ذلك الصلاة كلها فرضها ونفلها قراءة القرآن والتسبيح والتهليل. وغيره من انواع الذكر. وتعلم العلم وتعليمه. والمذاكرة فيها والاعتكاف. وغير وذلك من العبادات التي تفعل في المساجد. ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين. عمارة بنيان وصيانة لها. وعمارة ذكر اسم الله من الصلاة وغيرها. وهذا اشرف القسمين. ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد. وجوبا عند اكثر علماء او استحبابا عند اخرين. ثم مدح تعالى عمارها بالعبادة فقال يسبح له اخلاصا بالغدو اول النهار والاصال اخره رجال خص هذين لشرفهما ولتيسر السير فيهما الى الله وسهولته. ويدخل في ذلك التسبيح في الصلاة وغيرها. ولهذا شرعت اذكار الصباح والمساء مساء واورادهما عند الصباح والمساء. ايسبح فيها لله رجال واي رجال ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا ولا تجارة ومكاسب مشغلة عنه ذكر الله واقام الصلاة. واقام الصلاة وايتاء الزكاة اه لا تلهيهم تجارة وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوظ. فيكون قوله ولا بيع من باب عطف الخاص على العام. لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره فهؤلاء الرجال وان اتجروا وباعوا واشتروا فان ذلك لمحذور فيه لكنه لا تلهيهم تلك بان يقدموا ويؤثرها على ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة. بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم. ونهاية مقصدهم. فما حال بينهم وبينها رفضوه. ولما كان ترك الدنيا شديدا على اكثر النفوس. وحب المكاسب بانواع التجارات محبوبا لها. ويشق عليها تركه في الغالب وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك. ذكر ما يدعوها الى ذلك ترغيبا وترهيبا. فقال يخاف من شدة هوله وازعاجه للقلوب والابدان. فلذلك خافوا ذلك اليوم فسهل عليهم العمل وترك ما يشغل عنه. ليجزيهم الله احسن ما عملوا والله يرزق من يشاء ليجزيهم الله احسن ما عملوا. والمراد باحسن ما عملوا. اعمالهم الحسنة صالحة لانها احسن ما عملوا. لانهم يعملون المباحات وغيرها. فالثواب لا يكون الا على العمل الحسن. كقوله تعالى ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. ويزيدهم من فضله زيادة كثيرة عن الجزاء مقابل لاعمالهم. بغير حساب بل يعطيه من الاجر ما لا يبلغه عمله. بل ولا تبلغه امنيته. ويعطيه من الاجر بلا عد ولا كيل هذا كناية عن كثرته جدا حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله والله سريع الحساب. او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها. ومن لم يجعل الله له نورا هذان مثلا ضربهما الله لاعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى وتحسن عامليها منها فقال والذين كفروا بربهم وكذبوا رسله. اعمالهم كسراب بقيعة اي بقاع لا شجر فيه ولا نبت يحسبه الظمآن ماء شديد العطش. الذي يتوهم ما لا يتوهم غيره. بسبب ما معه من العطش. وهذا حسبان باطل فيقصده ليزيل ظمأه حتى اذا جاءه لم يجده شيئا. فندم ندما شديدا. وازداد ما به من الظمأ. بسبب انقطاع رجاءه. كذلك اعمال الكفار بمنزلة السراب ترى ويظنها الجاهل الذي لا يدري الامور. اعمالا نافعة فيغره صورتها ويخلبه خيالها ويحسبها هو ايضا اعمالا نافعة لهواه. وهو ايضا محتاج اليها بل مضطر اليها. كاحتياج الظمآن للماء حتى اذا قدم على اعماله يوم الجزاء وجدها ضائعة ولم يجدها شيئا. والحال انه لم يذهب لا له ولا عليه بل وجد الله عنده فوفاه حسابه. ووجد الله عنده فوفاه حسابه. لم يخفى عليه من نقير ولا قطمير. ولن يعدم منه قليلا ولا كثيرا. فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد فانه لا بد من اتيانه ومثلها الله بالسراب الذي بقيعة اي لا شجر فيه ولا نبات. وهذا مثال لقلوبهم لا خير في فيها ولا بر فتزكو فيها الاعمال وذلك للسبب المانع. وهو الكفر. والمثل الثاني لبطلان اعمال الكفار يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. كظلمات في بحر لجي بعيد قعره ويل مداه يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات بعضها فوق بعض. ظلمة البحر اللجي. ثم فوق ظلمة الامواج المتراكمة. ثم فوق ذلك ظلمة السحب المدلهمة. ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم. فاشتدت الظلمة جدا بحيث ان الكائن في تلك الحال اذا اخرج يده لم يكد يراها مع قربه يا الي فكيف بغيرها؟ كذلك الكفار تراكمت على قلوبهم الظلمات ظلمة الطبيعة التي لا خير فيها وفوقها ظلمة كفر وفوق ذلك ظلمة الجهل وفوق ذلك ظلمة الاعمال الصادرة عما ذكر. فبقوا في الظلمة متحيرين وفي غمرتهم يعمهون وعن الصراط المستقيم مدبرين. وفي طرق الغي والضلال يترددون. وهذا لان الله تعالى خذلهم فلم يعطهم من نوره ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. لان نفسه ظالمة جاهلة فليس فيها من الخير والنور الا ما اعطاها مولاها. ومنحها ربها يحتمل ان هذين المثالين لاعمال جميع الكفار. كل منهم منطبق عليها وعددهما لتعدد الاوصاف. واحتمل ان كل مثال لطائفة وفرقة. فالاول للمتبوعين والثاني للتابعين والله اعلم كل قد علم صلاته وتسبيحه ينبه تعالى عباده على عظمته وكمال سلطانه وافتقار جميع المخلوقات في ربوبيتها وعبادتها فقال الم ترى ان الله يسبح له من في السماوات والارض من حيوان وجماد والطير صافات عصافات اجنحتها في جو السماء تسبح ربها كل من هذه المخلوقات قد علم صلاته وتسبيحه. اي كل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به وقد الهمه الله تلك الصلاة والتسبيح اما بواسطة الرسل كالجن والانس والملائكة واما بالهام منهم وتعالى كسائر المخلوقات غير ذلك. وهذا الاحتمال ارجح بدليل قوله اي علم جميع افعالها فلم يخفى عليه منها شيء. سيجازيهم بذلك. فيكون على هذا قد جمع بين علمه باعماله وذلك بتعليمه وبين علمه باعمالهم المتضمن للجزاء. ويحتمل ان الضمير في قوله قد علم صلاته وتسبيحه يعود الى الله وان الله تعالى قد علم عباداتهم وان لم تعلموا ايها العباد منها الا ما اطلعكم الله عليه وهذه الاية قوله تعالى تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن. وان من شيء الا يسبح بحمده. ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا. فلما بين عبوديتهم وافتقارهم اليه. من جهة العبادة والتوحيد بين افتقارهم من جهة الملك والتربية والتدبير فقال السماوات والارض خالقهما ورازقهما والمتصرف فيهما. في حكمه الشرعي والقدري. في هذه الدار وفي حكمه الجزائي اداري القرار بدليل قوله. اي مرجع الخلق ومآلهم ليجازيهم باعمالهم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جدار فيها منبر يكاد اي الم تشاهد ببصرك عظيم قدرة الله وكيف يزجي اي يسوق سحابا قطعا متفرقة. ثم يؤلف بين تلك القطع. فيجعله سحابا متراكما مثل الجبال. فترى الودق اي الوابل مطر يخرج من خلال السحاب نقطا متفرقة ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر فتمتلئ بذلك الغدران وتتدفق الخلجان وتسيل الاودية وتنبت الارض من كل زوج كريم. وتارة ينزل الله من ذلك السحاب. بردا يتلف ما يصيبه. فيصيبه بحسب ما اقتضاه حكمه وحكمته التي يحمد عليها يكاد سنا برقه. اي يكاد ضوء برق ذلك السحاب من شدته. يذهب بالابصار. اليس الذي انشأها وساقها لعباده المفتقرين. وانزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر. كامل القدرة نافذ المشيئة. واسع الرحمة يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لاولي يقلب الله الليل والنهار من حر الى برد ومن برد الى حر من ليل الى نهار ونهار الى ليل ويزيل الايام بين عباده اي لذوي البصائر والعقول النافذة للامور المطلوبة منها. كما تنفذ الابصار الى الامور المشاهدة الحسية. فالبصير ينظر الى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما اريد بها ومنها والمعرض الجاهل نظره اليها نظر غفلة بمنزلة نظر والله خلق كل فمنه من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على ان الله على كل شيء قدير ينبه عباده على ما يشاهدونه انه خلق جميع الدوابل التي على وجه الارض من ماء اي مادتها كلها الماء كما قال تعالى هذا وجعلنا من الماء كل شيء حي. فالحيوانات التي تتوالد مادتها ماء نطفة. حين يلقح الذكر الانثى والحيوانات التي تتولد من الارض لا تتولد الا من الرطوبات المائية كالحشرات. لا يوجد منها شيء يتولد من غير ماء ابدا. فالمادة واحدة ولكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة على رجلين ومنهم من يمشي على اربع. فمنهم من يمشي على بطنه كالحية ونحوها. ومنهم من يمشي على الرجلين كالادميين وكثير من الطيور. ومنهم من يمشي على اربع كبهيمة الانعام ونحوها. فاختلافها مع ان الاصل واحد يدل على نفوذ مشيئة الله وعموم قدرته. ولهذا قال اي من المخلوقات على ما يشاءه من الصفات. كما انزل المطر ما على الارض وهو لقاح واحد والام واحدة وهي الارض والاولاد مختلف الاصناف والاوصاف وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان. يسقى بماء واحد. ونفضل بعضها على بعض في الاكل. ان في ذلك ايات لقوم يعقلون يشاء الى صراط مستقيم. اي لقد رحمنا عبادنا وانزلنا اليهم ايات بينات. اي واضحة الدلالة على جميع المقاصد الشرعية والاداب المحمودة والمعارف الرشيدة. فاتضحت بذلك السبل. وتبين الرشد من الغي الهدى من الضلال فلم يبق ادنى شبهة لمبطل يتعلق بها ولا ادنى اشكال لمريد الصواب لانها تنزيل من كمل علمه وكمل رحمته وكمل بيانه فليس بعد بيانه بيان. ليهلك بعد ذلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة الله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. والله يهدي من يشاء ممن سبق لهم سابقة الحسنى وقدم الصدق. اي طريق واضح مختصر موصل اليه الى دار كرامته. متضمن العلم بالحق وايثاره والعمل به. عمم البيان التام لجميع الخلق وخصص بالهداية من يشاء فهذا واحسانه؟ وما فضل الكريم بممنون؟ وذاك عدله وقطع الحجة للمحتج. والله اعلم حيث يجعل مواقع احسانه ويقولون امنا بالله وبالرسول واطعنا ثم يتولى فريق منهم من يخبر تعالى عن حالة الظالمين ممن في قلبه مرض وضعف ايمان او ساق وريب وضعف علم. انهم يقولون بالسنتهم ويلتزمون الايمان بالله والطاعة. ثم لا يقومون بما قالوا. ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما. بدليل قوله وهم معرضون. فان المتولي قد يكون له نية عود ورجوع الى ما تولى عنه وهذا المتولي معرض لا التفات له ولا نظر لما تولى عنه. وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الايمان والطاعة لله وهو ضعيف الايمان. تجده لا يقوم بكثير من العبادات. خصوصا العبادات التي تشق على كثير من النفوس. كالزكوات والنفقات الواجبة والمستحبة والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك بينهم اذا فريق منهم معرضون. واذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم. اي اذا صار بينهم وما بين احد حكومة ادعوا الى حكم الله ورسوله. يريدون احكام الجاهلية ويفضلون احكام القوانين غير الشرعية على الاحكام الشرعية. لعلمهم ان الحق عليهم. وان الشرع لا يحكم الا بما يطابق الواقع وان يكن لهم الحق يأتوا اليهم العينين. وان يكن لهم الحق يأتوا اليه اي الى حكم الشرع وليس ذلك لاجل انه حكم شرعي. وانما ذلك لاجل موافقته اهواءهم. فليسوا ممدوحين في هذه الحال. ولو اتوا اليه عنين لان العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحب ويكره وفيما يسره ويحزنه. واما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه عند مخالفته ويقدم الهوى على الشرع فليس بعبد على الحقيقة. قال الله في لومهم على الاعراض عن الحكم الشرعي افي قلوبهم مرض اي علة اخرجت القلب عن صحته وازالت حاسته فصار بمنزلة المريض الذي يعرض عما ينفعه ويقبل على ما يضره. ام ارتابوا اي شكوا وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله واتهموه انه لا يحكم بالحق اولئك هم الظالمون. ام يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله؟ اي يحكم عليهم حكما ظالما جائرا. وانما هذا وصفهم بل اولئك هم الظالمون. واما حكم الله ورسوله ففي غاية العدالة والقسط موافقة الحكمة. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وفي هذه الايات دليل على ان الايمان ليس هو مجرد القول. حتى به العمل ولهذا نفى الايمان عمن تولى عن الطاعة ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال. وان من ينقد له دل على مرض في قلبه وريب في ايمانه. وانه يحرم اساءة الظن باحكام الشريعة. وان يظن بها خلاف العدل والحكمة. ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي ذكر حالة المؤمنين الممدوحين فقال انما كان قول المؤمنين اذا ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك اولئك هم المفلحون. اي انما كان قول المؤمنين حقيقة. الذين صدقوا ايمانهم باعمالهم حين فيدعون الى الله ورسوله ليحكم بينهم. سواء وافق اهواءهم او خالفها ان يقولوا سمعنا واطعنا. اي سمعنا حكم الله ورسوله واجبنا من دعانا اليه واطعنا طاعة تامة سالمة من الحرج حصر الفلاح فيهم لان الفلاح الفوز بالمطلوب والنجاة من المكروه. ولا يفلح الا من حكم الله ورسوله واطاع الله ورسوله. ولما ذكر فضل الطاعة في الحكم خصوصا. ذكر فضلها عموما في جميع الاحوال. فقال ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقيه فاولئك هم الفاعلين ومن يطع الله ورسوله فيصدق خبرهما ويمتثل امرهما ويخشى الله اي يخافه خوفا مقرونا بمعرفة فيترك ما نهى عنه ويكف نفسه عما تهوى. ولهذا قال ويتقه بترك المحظور لان التقوى عند الاطلاق يدخل فيها فعل المأمور وترك المنهي عنه. وعند اقترانها بالبر او الطاعة. كما في هذا الموضع فسروا بتوقي عذاب الله ترك معاصيه فاولئك الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله وخشية الله وتقواه هم الفائزون بنجاتهم من العذاب لترك اسبابه ووصولهم الى الثواب لفعلهم اسبابه. فالفوز محصور فيهم. واما من لم يتصف بوصفهم. فانه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الاوصاف الحميدة. واشتملت هذه الاية على الحق المشترك بين الله وبين رسوله. وهو الطاعة المستلزمة للايمان والحق المختص بالله وهو الخشية والتقوى. وبقي الحق الثالث المختص بالرسول. وهو التعزير والتوقير كما جمع بين حقوق الثلاثة في سورة الفتح في قوله لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا واقسموا بالله جهد ايمانهم لان امرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة ان الله خبير بما تعملون يخبر تعالى عن حالة المتخلفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد من المنافقين. ومن في قلوبهم مرض وضعف ايمان انهم يقسمون بالله لان امرتهم فيما يستقبل او لان نصصت عليهم حين خرجت ليخرجن. والمعنى الاول اولى. قال الله ردا عليهم. قل لا تقسموا طاعة معروفة. قل لا تقسموا اي لا نحتاج الى اقسامكم ولا الى اعذاركم. فان الله قد نبأنا من اخباركم وطاعتكم معروفة لا تخفى علينا. قد كنا نعرف منكم التثاقل والكسل من غير عذر. فلا وجه لعذركم وقسمكم انما يحتاج الى ذلك من كان امره محتملا وحاله مشتبهة. فهذا ربما يفيده العذر براءة. واما انتم فكلا ولما وانما ينتظر بكم ويخاف عليكم حلول بأس الله ونقمته. ولهذا توعدهم بقوله ان الله خبير فيجازيكم عليها اتم الجزاء. هذه حالهم في نفس الامر. واما الرسول صلى الله عليه وسلم فوظيفته ان يأمركم وينهاكم. ولهذا قال قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول تطيعوه تهتدوا وما على الرسول الا البلاغ المبين. قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول فان امتثلتم كان حظكم وسعادتكم. وان تولوا فانما عليه ما حمل من الرسالة. وقد اداها. وعليكم ما حملتم من الطاعة وقد بانت حالكم وظهرت فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب وان تطيعوه تهتدوا الى الصراط المستقيم قولا وعملا فلا سبيل لكم الى الهداية الا بطاعته وبدون ذلك لا يمكن بل هو محال اي تبليغكم البين الذي لا يبقي لاحد شكا ولا شبهة. وقد فعل صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين. وانما الذي يحاسبه ويجازيكم هو الله تعالى. فالرسول ليس له من الامر شيء. وقد قام بوظيفته هذا من وعوده الصادقة التي شوهد تأويلها ومخبرها فانه وعد من قام بالايمان والعمل الصالح من هذه الامة ان يستخلفهم في الارض يكونون هم الخلفاء فيها. المتصرفين في تدبيرها. وانه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم هو دين الاسلام الذي فاق الاديان كلها. ارتضاه لهذه الامة لفضلها وشرفها ونعمته عليها. بان يتمكنوا من اقامته واقامة شرائه الظاهرة والباطنة في انفسهم وفي غيرهم. لكون غيرهم من اهل الاديان وسائر الكفار. مغلوبين ذليلين. وانه يبدلهم من بعد لخوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من اظهار دينه وما هو عليه الا باذى كثير من الكفار وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة الى غيرهم وقد رماهم اهل الارض عن قوس واحدة وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الامور وقت نزول الاية وهي لم تشاهد الاستخلاف في الارض والتمكين فيها. والتمكين من اقامة الدين الاسلامي والامن التام. بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا ولا يخافون احدا الا الله. فقام صدر هذه الامة من الايمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم. فمكنهم من البلاد والعباد. وفتح مشارق الارض ومغاربها. وحصل الامن التام والتمكين التام. فهذا من ايات الله العجيبة الباهرة. ولا يزال الامر الى قيام الساعة مهما قام بالايمان والعمل الصالح فلا بد ان يوجد ما وعدهم الله وانما يسلط عليهم الكفار والمنافقين ويذيلهم في بعض الاحيان بسبب اخلال المسلمين بالايمان والعمل الصالح. هم الفاسقون ومن كفر بعد ذلك التمكين والسلطنة التامة لكم يا معشر المسلمين فاسقون الذين خرجوا عن طاعة الله وفسدوا فلم يصلحوا لصالح ولم يكن فيهم اهلية للخير لان الذي يترك في حال عزه وقهره وعدم وجود الاسباب المانعة منه. يدل على فساد نيته وخبث طويته. لانه لا داعي له لترك الدين الا كذلك ودلت هذه الاية ان الله قد مكن من قبلنا واستخلفهم في الارض كما قال موسى لقومه ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون؟ وقال تعالى ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم هم في الارض واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. يأمر تعالى لاقامة الصلاة باركانها وشروطها وادابها ظاهرا وباطنا وباتاء الزكاة من الاموال التي استخلف الله عليها العباد واعطاهم اياها بان يؤتوها الفقراء وغيرهم ممن ذكرهم الله لمصرف الزكاة. فهذان اكبر الطاعات واجلهما جامعتان لحقه وحق للاخلاص للمعبود وللاحسان الى العبيد. ثم عطف عليهما الامر العام فقال واطيعوا الرسول. وذلك بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. من يطع الرسول فقد اطاع الله. لعلكم حين تقومون بذلك ترحمون. فمن اراد الرحمة فهذا طريقها. ومن رجاها من دون اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الرسول فهو متمن كاذب وقد منته نفسه الاماني الكاذبة ومأواهم النار ولبئس المصير. لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الارض فلا يغرك ما متعوا في الحياة الدنيا فان الله وان امهلهم فانه لا يهملهم. نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ. ولهذا قال انا هنا ومأواهم النار اي بئس المآل مآل الكافرين اهل الشر والحسرة والعقوبة الابدية والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعف ثلاث عورات لك ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم الا بعض كذلك يبين الله لكم الايات والله عليم حكيم امر والمؤمنين ان يستأذنهم مماليكهم. والذين لم يبلغوا الحلم منهم. قد ذكر الله حكمته وانه ثلاث عورات للمستأذن عليهم. واقتنوا بالليل بعد العشاء. وعند انتباههم قبل صلاة الفجر. فهذا في الغالب ان النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد واما نوم النهار فلما كان في الغالب قليلا قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة قيده بقوله وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة اي للقائلة وسط النهار. ففي ثلاثة هذه الاحوال يكون المماليك والاولاد الصغار كغيرهم. لا يمكنون من الدخول الا باذن واما ما عدا هذه الاحوال الثلاثة فقال اي ليسوا كغيرهم فانهم يحتاج اليهم دائما. في شق الاستئذان منهم في كل وقت. ولهذا قال اي يترددون عليكم في قضاء اشغالكم وحوائجكم. كذلك يبين الله لكم كذلك يبين الله لكم الايات بيانا مقرونا بحكمته ليتأكد تقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته. ولهذا قال له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات. والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه. فاعطى كل مخلوق خلقه اللائق به. واعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به. ومنه هذه الاحكام التي بينها وبين مآخذها وحسنها كذلك يبين الله لكم اياته والله واذا بلغ الاطفال منكم الحلم وهو انزال المني يقظة او مناما. فليستأذنوا كما استأذن الذي من قبلهم اي في سائر الاوقات والذين من قبلهم هم الذين ذكرهم الله بقوله يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا. كذلك يبين الله لكم الايات ويوضحها ويفصل احكامها. والله عليم حكيم. وفي هاتين الايتين فوائد منها ان السيد ولي الصغير مخاطبان بتعليم عبيدهم. ومن تحت ولايتهم من الاولاد العلم والاداب الشرعية. لان الله وجه طاب اليهم بقوله يا ايها الذين امنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ولا يمكن ذلك الا بالتعليم والتأديب ولقوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن. ومنها الامر بحفظ العورات والاحتياط لذلك من كل وجه وان المحل والمكان الذي مظنة لرؤية عورة الانسان فيه انه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء ونحو ذلك. ومنها جواز كشف العورة لحاجة. كالحاجة عند النوم وعند البول والغائط ونحو ذلك. ومنها ان المسلمين كانوا معتادين للقيلولة النهار كما اعتادوا نوم الليل لان الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة. ومنها ان الصغير الذي دون البلوغ لا يجوز ان يمكن كان من رؤية العورة ولا يجوز ان ترى عورته. لان الله لم يأمر باستئذانهم الا عن امر ما يجوز. ومنها ان المملوك ايضا لا يجوز ان يرى عورة سيده. كما ان سيده لا يجوز ان يرى عورته. كما ذكرنا في الصغير. ومنها انه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي ان يقرن بالحكم بيان مأخذه ووجهه ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل. لان الله لما بين الحكم المذكور علله بقوله ثلاث عورات لكم. ومنها ان الصغير والعبد مخاطبان كما ان وليهما مخاطب لقوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن. ومنها ان ريق الصبي طاهر. ولو كان بعد نجاسة كالقيء. لقوله تعالى قال طوافون عليكم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهرة انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم ومنها جواز استخدام الانسان من تحت يده من الاطفال على وجه معتاد لا يشق على الطفل لقوله طوافون ومنها ان الحكم المذكور المفصل انما هو لما دون البلوغ. فاما ما بعد البلوغ فليس الا الاستئذان. ومنها ان البلوغ يحصل بالانزال. فكل حكم شرعي رتب على البلوغ حصل بالانزال. وهذا مجمع عليه. وانما الخلاف هل يحصل بلوغ بالسن او الانبات للعانة. والله اعلم. والقواعد من النساء اللاتي لا يرجونني وان يستعففن خير لهن ان والله سميع عليم. والقواعد من النساء اي اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة. اللاتي لا يرجون نكاحا اي ليطمعن في النكاح ولا يطمع فيهن وذلك لكونها عجوزا لا تشتهى او دميمة الخلقة لا تشتهي ولا تشتهى ان جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة. فليس عليهن جناح اي حرج واثم ان يضعن ثيابهن اي الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه. الذي قال الله فيه للنساء وليضربن بخمورهن على بهن فهؤلاء يجوز لهن ان يكشفن وجوههن لامن المحذور منها وعليها. ولما كان نفي الحرج عنهن في وضع الثياب. ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء. دفع هذا الاحتراز بقوله غير متبرجات بزينة اي غير مظهرات للناس زينة. من تجمل بثياب ظاهرة وتستر وجهها. ومن ضرب الارض برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها. لان مجرد الزينة على الانثى ولو مع تسترها ولو كانت لا تشتهى يفتن فيها ويوقع الناظر اليها في الحرج. وان يستعففن خير لهن والله سميع عليم. وان يستعففن خير لهن والاستعفاف. طلب العفة بفعل الاسباب المقتضية لذلك. من خروج وترك لما يخشى منه الفتنة. والله سميع لجميع الاصوات. عليم بالنيات والمقاصد فليحذرن من كل قول وقصد فاسد ويعلمن ان الله يجازي على ذلك يخبر تعالى عن منته على عباده وانه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير. فقال ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج. ولا على مريض وحرج اي ليس على هؤلاء جناح في ترك الامور الواجبة التي تتوقف على واحد منها وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على للاعمى او سلامة للاعرج او صحة للمريض. ولهذا المعنى العامي الذي ذكرناه اطلق الكلام في ذلك. ولم يقيد ما قيد قوله ولا على انفسكم اي حرج بيوتكم من بيوت ابائكم او بيوت امهاتكم او بيوت اخوانكم او بيوت اخواتكم او بيوت اعمامكم. ان تأكلوا من بيوتكم اي بيوت اولادكم. وهذا موافق للحديث الثابت. انت ومالك لابيك والحديث الاخر ان اطيب ما اكلتم من كسبكم وان اولادكم من كسبكم وليس المراد من قوله من بيوت بيت الانسان نفسه فان هذا من باب تحصيل الحاصل الذي ينزه عنه كلام الله ولانه نفى الحرج عما يظن او يتوهم في فيه الاثم من هؤلاء المذكورين. واما بيت الانسان نفسه فليس فيه ادنى توهم او بيوت اخوانكم او بيوت اخواتكم او اخوانكم وهؤلاء معروفون. او ما ملكتم مفاتحه اي البيوت التي انتم متصرفون فيها بوكالة او ولاية ونحو ذلك. واما تفسيرها بالمملوك فليس بوجيه لوجهين احدهما ان المملوك لا يقال فيه ملكت مفاتيحه بل يقال ما ملكتموه او ما ملكت ايمانكم لانهم مالكون له جملة لا لمفاتحه فقط. والثاني ان بيوت المماليك غير خارجة عن بيت الانسان نفسه. لان المملوك وما ملكه لسيده الحرج عنه. وهذا الحرج المنفي عن الاكل من هذه البيوت كل ذلك اذا كان بدون اذن. والحكمة فيه معلومة من السياق فان هؤلاء المسمين قد جرت العادة والعرف بالمسامحة في الاكل منها لاجل القرابة القريبة او التصرف التام او الصداقة فلو قدر في احد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الاكل المذكور. لم يجز الاكل ولم يرتفع الحرج نظرا الحكمة والمعنى وقوله ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او اشتاتا فكل ذلك جائز. اكل اهل البيت الواحد جميعا او اكل كل واحد منهم وحده. وهذا نفي للحرج لا نفي للفضيلة والا فالافضل الاجتماع على الطعام فاذا دخلتم بيوتا نكرة في سياق الشرط يشمل بيت الانسان وبيت غيره. سواء كان في البيت ساكن ام فاذا دخلها الانسان فسلموا على انفسكم اي فليسلم بعضكم على بعض لان المسلمين كانهم شخص واحد من تواددهم رحمهم وتعاطفهم. فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت. من غير فرق بين بيت وبيت. والاستئذان تقدم ان فيه تفصيلا في احكامه ثم مدح هذا السلام فقال كلامكم بقولكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. او السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. اذ تدخلون البيوت من عند الله اي قد شرعها لكم وجعلها تحيتكم مباركة لاشتمالها على السلامة من النقص وحصول الرحمة والبركة والزيادة طيبة لانها من الكلم الطيب المحبوب عند الله. الذي فيه طيب نفس للمحيا ومحبة وجلب مودة. لما لنا هذه الاحكام الجليلة قال كذلك يبين الله لكم الايات الدالات على احكامه الشرعية وحكمها. لعلكم تعقلون عنه فتفهمونها بقلوبكم ولتكونوا من اهل العقول والالباب الرزينة. فان معرفة احكامه الشرعية على وجهها يزيد به العقل. وينمو به اللب لكون معانيها اجل المعاني وادابها اجل الاداب. ولان الجزاء من جنس العمل. فكما استعمل عقله للعقل عن ربه وللتفكر في اياته التي دعاه اليها زاده من ذلك. وفي هذه الايات دليل على قاعدة عامة كلية. وهي ان العرف والعادة مخصص كتخصيص اللفظ للفظ فان الاصل ان الانسان ممنوع من تناول طعام غيره مع ان الله اباح الاكل من بيوت هؤلاء للعرف فكل مسألة تتوقف على الاذن من ما لك الشيء. اذا علم اذنه بالقول او العرف جاز الاقدام عليه. وفيها دليل على ان الاب يجوز له ان يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره. لان الله سمى بيته بيتا للانسان. وفيها دليل على ان المتصرف في بيت الانسان كزوجته واخته ونحوهما يجوز لهما الاكل عادة واطعام السائل المعتاد. وفيها دليل على جواز المشاركة في الطعام سواء اكلوا مجتمعين او متفرقين ولو افضى ذلك الى ان يأكل بعضهم اكثر من بعض امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأمنوا هذا ارشاد من الله لعباده المؤمنين. انهم اذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على امر جامع. اي من ضرورته او من مصلحته ان يكون فيه جميعا كالجهاد والمشاورة ونحو ذلك من الامور التي يشترك فيها المؤمنون. فان المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم فالمؤمن بالله ورسوله حقا. لا يذهب لامر من الامور لا يرجع لاهله. ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنه الا باذن من الرسول او نائبه من بعده. فجعل موجب الايمان عدم الذهاب الا باذنه. ومدحهم على فعلهم هذا بهم مع رسوله وولي الامر منهم. فقال الله ورسوله. ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله. ولكن هل يأذن لهم ام لا؟ ذكر لهم شرطين احدهما ان يكون لشأن من شؤونهم وشغل من اشغالهم. فاما من يستأذن من غير عذر فلا يؤذن له الثاني ان يشاء الاذن له فتقتضيه المصلحة. من دون مضرة بالاذن. قال فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم فاذا كان له عذر واستأذن فاذا كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه او شجاعته ونحو ذلك لم يأذن له ومع هذا اذا استأذن واذن له بشرطيه امر الله رسوله ان يستغفر له. لما عسى ان يكون مقصرا في الاستئذان. ولهذا قال واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم. يغفر لهم الذنوب ويرحمهم بان جوز لهم الاستئذان مع العذر اي لا تجعلوا دعاء الرسول اياكم ودعائكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا. فاذا دعاكم فاجيبوه وجوبا حتى انه تجب اجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة. وليس احد اذا قال قولا يجب على الامة قبول قوله والعمل به الا الرسول لعصمته وكوننا مخاطبين باتباعه. قال تعالى يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا. فلا تقولوا يا محمد عند ندائكم او يا محمد بن عبدالله كما يقول بعضكم لبعض بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره ان يقال يا رسول الله يا نبي الله يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا. لما مدح المؤمنين بالله ورسوله الذين اذا كانوا ومعه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. توعد من لم يفعل ذلك وذهب من غير استئذان. فهو وان خفي عليكم بذهابه على خفي وهو المراد بقوله يتسللون منكم لواذا اي يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم بشيء يحجبهم عن العيون فالله يعلم وسيجازيهم على ذلك اتم الجزاء. ولهذا توعدهم بقوله ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم. فليحذر الذين يخالفون عن امره ان يذهبون الى بعض شؤونهم عن امر الله ورسوله. فكيف بمن لم يذهب الى شأن من شؤونه؟ وانما ترك امر الله من دون شغل الله ان تصيبهم فتنة اي شرك وشر او يصيبهم عذاب اليم الا ان لله ما في السماوات والارض قد يعلم ما انتم عليه ثم يرجعون اليه فينبئهم بما عملوا. والله بكل شيء عليم الا ان لله ما في السماوات والارض ملكا وعبيدا يتصرف فيهم بحكمهم قدري وحكمه الشرعي قد يعلم ما انتم عليه ويوم يرجعون اليه فينبئهم بما عملوا قد يعلم ما انتم عليه. اي قد احاط علمه بما انتم عليه من خير وشر. وعلم جميع اعمالكم احصاها علمه وجرى بها قلمه وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون. ويوم يرجعون اليه فينبئهم بما عملوا ويوم يرجعون اليه في يوم القيامة فينبئهم بما عملوا. يخبرهم بجميع اعمالهم. دقيقها وجليلها اخبارا سابقا لما وقع منهم ويستشهد عليهم اعضائهم فلا يعدمون منه فضلا او عدلا. ولما قيد علمه باعمالهم ذكر العموم بعد الخصوص فقال